خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وأثر ذلك على المهاجرين واللاجئين
صبا طارق

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [548.20 KB]

مقدمة:

صوتت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي بنسبة 52% في استفتاء تاريخي تم اجرائه في الثالث والعشرين من شهر يونية السابق. وتعتبر بريطانيا أول دولة تخرج من الاتحاد الأوروبي حيث لم يسبق لأي دولة عضوة الخروج منه، لذلك فمن الصعب توقع كل نتائج هذا القرار.

تنص المادة 50من اتفاقية لشبونة الخاصة بالخروج من الاتحاد الأوروبي، والتي لم يتم تنفيذها من قبل، أن الدولة التي ترغب في الخروج من الاتحاد عليها أن تخبر المجلس الأوروبي بهذا القرار. كما تعترف اتفاقية لشبونة 2009 بحق كل دولة عضوة أن تقرر، وفقا لقواعد الاتفاقية الدستورية، خروجها من الاتحاد ووفقا للمادة لا يتطلب هذا الخروج أي مبرر، كما لم تحدد المادة الطريقة التي تنظم الخروج فالاتحاد يناقش مع الدولة التي ترغب في الخروج اتفاق لتحديد خطوات خروجها. كما يتوقف تطبيق اتفاقيات الاتحاد الأوروبي على هذه الدولة منذ تاريخ بدء تنفيذ هذا الاتفاق أو في العامين التاليين لإعلان الخروج. وتسمح أخيرا المادة لأي دولة خرجت من الاتحاد العودة إليه مرة أخرى مثل أي دولة ترغب في الانضمام.[1]

وتسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في حالة واسعة من الارتباك وأثار الكثير من التساؤلات حول عدة قضايا، فمثلا أدت نتائج الاستفتاء إلى ظهور احتمالية تقسيم المملكة المتحدة ويتبين ذلك من خلال تصويت الغالبية العظمى في اسكتلندا لصالح البقاء في الاتحاد وإشارة نيكولا ستيرجين إلى إنه غير مقبول ديمقراطيا للبلاد أن تخرج من الاتحاد خلافا لإرادتها. كما تشير استطلاعات رأي حديثة إلى أن حوالي 60% من الاسكتلنديين يفضلون الانفصال عن بريطانيا من أجل البقاء في الاتحاد الأوروبي. كذلك نرى في أيرلندا الشمالية تصويت الأغلبية لصالح البقاء، وبالتالي يهدد ذلك من تماسك المملكة المتحدة حيث اختلفت الآراء حول الخروج من الاتحاد الأوروبي.[2]

كما أثار الخروج تساؤلات حول أزمة اللاجئين وكيفية التعامل معهم، إلى جانب تساؤلات متعلقة بالمهاجرين من أصل عربي إلى بريطانيا.

لذلك تحاول هذه الورقة التركيز أولا: على الأسباب التي دفعت بريطانيا إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي، وثانيا: على وضع اللاجئين والمهاجرين، وبالتالي تعتبر هذه الورقة محاولة للرد على تساؤلات من نوعية: هل يرجع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى أسباب اقتصادية وسياسية فقط أم أسباب اجتماعية وأمنية بالأساس؟ وإلى أي مدى يؤثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على وضع المهاجرين من أصول عربية ووضع اللاجئين؟.

ويمكن الرد على هذه الاسئلة من خلال التركيز على مشكلتي الإرهاب المتصاعد مؤخرا، وصعود اليمين المتطرف في أوروبا في الجزء الأول. أما الجزء الثاني فسيتناول أثر هذا القرار على اللاجئين وعلى المهاجرين من أصول عربية.

أولا: أسباب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

كان لبريطانيا وضع خاص منذ انضمامها عام 1973 إلى الاتحاد الأوروبي حيث تمسكت بعملتها الوطنية كما أنها ليست جزءا من منطقة شنجن،[3] وترجع فكرة خروج بريطانيا من الاتحاد بشكل عام إلى الرغبة في استعادة السيادة الوطنية، فالمعسكر الموالي للخروج يعتقد أن في ترك الاتحاد الأوروبي استعادة للسيادة الوطنية لبريطانيا حيث ستبقى صوتا مؤثرا ومصدرا للطاقة النووية بكونها عضوة لحلف شمال الأطلسي ومجلس الأمن للأمم المتحدة. ويرجع أيضا خروج بريطانيا إلى الرغبة في التخلص من التحديات الاقتصادية والأزمة العالمية، حيث عاشت أوروبا بأكملها أزمة مالية واقتصادية خلال العقد السابق ولم تتمكن من خلال البنك المركزي الأوروبي من التخلص من هذه الأزمة.

قررت بريطانيا أن تضع حدا لهذه الأزمة معتبرة أنه حان وقت المساءلة، فبما أن سويسرا تتمتع بمعدلات نمو اقتصادي وناتج إجمالي محلي وعملة أفضل وأقوى ومعدلات بطالة أقل من المملكة المتحدة رغم أنها ليست عضوة في الاتحاد الأوروبي، فيعتقد البعض أن الخروج من الاتحاد فرصة أمام بريطانيا لتكرار تجربة النموذج السويسري.

كما تمثل حرية التجارة سببا أخر حيث يرى البعض أن لندن تتمكن من التقدم بدرجة أكبر إذا اتجهت للقوى الكبرى مثل الصين والهند والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية، واستعادة مكانتها على الساحة الدولية.

ومن خلال مقابلات عقدتها صحيفة the guardian مع المعسكر الموالي للخروج، يمكن أن نستخلص أسباب رغبتهم في الخروج مما سبق في النقاط التالية:

–        التطلع لمستوى حياة أفضل.

–        المشاركة في اتخاذ القرارات.

–        وجود إصلاح اقتصادي حقيقي.

–        تطبيق سياسة هجرة عادلة.

–        دعم الصناعة في المملكة المتحدة.[4]

وإلى جانب هذه التحديات الاقتصادية والسياسية العامة، سنقوم بتناول مشكلات محددة كان لها دورا كبيرا في اتخاذ قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي.

أ) أزمة الديمقراطية التمثيلية في أوروبا

يرى البعض أن أزمة الديمقراطية التمثيلية في العالم بشكل عام وفى أوروبا بشكل خاص تعتبر دافع لهذا الخروج، فأصبح سكان العالم يشعرون بأنهم ليسوا قادرين على التأثير على القرارات وأن ممثليهم ينفذوا رغباتهم الخاصة لا مصلحة الشعب.[5]
ونتج عن ذلك انتفاضات في دول مختلفة ترغب في خلق مجالات أوسع من الحرية والاستقلال، تظن بعض الدول مثل بريطانيا أنها يمكنها تحقيقها من خلال استقلالها عن الاتحاد الأوروبي.

أثبت الحراك على المستوى الشعبي أن الشعوب تعارض السياسة بشكلها الممثل في الديمقراطية التمثيلية وليسوا ضد السياسة عامة. وبالتالي ظهرت حالة من عدم الرضا في العالم المتمثلة في “حركة احتلوا” أو “احتجاجات احتلوا” التي بدأت بحركة احتلوا وول ستريت في مدينة نيويورك الأمريكية في 17 سبتمبر 2011، ثم توسعت تدريجيا لتشمل الولايات المتحدة الأمريكية كلها قبل أن تتحول إلى حركة عالمية في 15أكتوبر. فوصلت الاحتجاجات إلى أوروبا في إسبانيا، البرتغال، ألمانيا، إيطاليا وبريطانيا: ففي ألمانيا مثلا اعتصم محتجون أمام البنك المركزي الأوروبي تلبية لدعوات حركة “احتلوا وول ستريت”، وكان شعار وقفتهم هو “لن نبيع مستقبلنا إلى البنك المركزي الأوروبي”.[6]

تأثر سكان بريطانيا أيضا بهذه الانتفاضات وعبروا عن غضبهم من خلال حركة “احتلوا لندن” عام 2011، فتحت شعار “نحن 99%” أصدر هؤلاء بيانا يتضمن مطالبا، وأهدافا وحلولا لمواجهة الأزمة. ويظهر من خلال هذه الحركة شعور البريطانيين بأن النظام هو المشكلة ويربطون ذلك بالديمقراطية التمثيلية. ولكن هل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمثل بالفعل محاولة لبناء العملية الديمقراطية التي يمكن للجميع من خلالها المشاركة في عملية صنع القرار في بريطانيا؟.

ب) الإرهاب المتصاعد في أوروبا

دفعت مشكلتا اللاجئين والإرهاب في أوروبا البعض للتفكير في الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتأكد ذلك من خلال استخدام زعيم حزب استقلال المملكة المتحدة نايجل فاراج صورة فوتوغرافية التُقطت في أكتوبر 2015 لمئات اللاجئين أثناء عبور الحدود التي تفصل بين كرواتيا وسلوفينيا كملصق دعائي في حملة تنادي بالتصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، مع استخدام عبارة: “نقطة الانهيار”. أعلن فاراج أن الاتحاد الأوروبي قام بخطأ كبير يهدد أمن الجميع كما أكد أن معظمهم لا يعتبروا لاجئين إذا استندنا إلى تعريف اتفاقيات جنيف.[7]

كما يرى ايان دنكان سميث، وزير العمل والمعاشات في بريطانيا، أن استمرار عضوية بريطانيا في الاتحاد تعنى ترك أبوابها مفتوحة أمام الهجمات الإرهابية وتعرضها لمثل الهجمات الدموية التي تعرضت لها فرنسا خلال عامي 2015 و2016. [8]

فيرى البعض أن بريطانيا يجب أن تنتبه إلى تفشي ظاهرة الإرهاب الذي ضرب بروكسل وباريس حيث تعرضت الصحيفة الساخرة شارلي ابدو بباريس لاقتحام في 7يناير 2015، كما تعرضت باريس في نوفمبر 2015 إلى سلسلة هجمات إرهابية، ووقع تفجيران أيضا في مطار بروكسل في 22مارس 2016.

وأكد أيضا العقيد ريتشارد كيمب أن خروج بريطانيا سيسمح لها بتحديد الأفراد المسموح لهم وغير المسموح لهم بدخولها.[9]

ويتبين من خلال ذلك أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يرجع جزئيا إلى “الهاجس الأمني” أي مشكلتي الإرهاب واللاجئين، لذلك من المتوقع أن يؤثر الخروج على مصير اللاجئين والمهاجرين وهو ما سوف نتناوله في الجزء الثاني.

ج) صعود اليمين المتطرف في أوروبا

يلعب صعود اليمين المتطرف في أوروبا دورا في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فوسط أزمة المهاجرين، والنمو الاقتصادي البطيء وتزايد خيبة الأمل في الاتحاد الأوروبي، حققت أحزاب اليمين المتزايد عددها في البلدان الأوروبية مكاسب انتخابية. فبالنسبة لهذه الأحزاب يعتبر مزيج أزمة منطقة اليورو مع موجة اللاجئين في أوروبا قد خلق الظروف المثالية للوصول إلى الحكم، وتتصف هذه الأحزاب بعدائها لفكرة الاتحاد الأوروبي ولللاجئين.[10]

ووفقا لصحيفةthe guardian ، فقد ابتهجت الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا عند تصويت المملكة المتحدة لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي، واصفين إياه بأنه انتصار لموقفهم المضاد للهجرة والمكافح للاتحاد الأوروبي، وتعهدت بدفع استفتاءات مماثلة في بلدان مثل فرنسا وهولندا والدنمارك. واعتبرت الجبهة الوطنية الفرنسية خروج بريطانيا بمثابة دفعة واضحة لمارين لوبان في انتخابات الرئاسة الربيع المقبل، وكذلك خطوة أعطت دفعة لحزب معادٍ لأوروبا ومعادٍ للهجرة.
في ألمانيا، فقد رحب حزب “البديل من أجل ألمانيا” بالنتيجة، وقام اليمين المتطرف “ديمقراطيو السويد” بتهنئة الشعب البريطاني على اختيار الاستقلال وأعلن رغبته في خروج السويد أيضا.

كما هنأ حزب الشعب الدنماركي الشعب البريطاني على اختياره ووصفه بال “جريء”، واعتبره “صفعة قوية إلى النظام بأكمله”.[11]
وعند وصول تيريزا ماي لمنصب رئيسة وزراء بريطانيا بدلا من ديفيد كاميرون، أكدت لبلدان أوروبا الشرقية أن الشعب البريطاني قد بعث “رسالة واضحة جدا” على ضرورة الحد من الهجرة من خلال تصويتهم لمغادرة الاتحاد الأوروبي. وتعتبر ماي معروفة بموقفها المتشدد تجاه الهجرة فقد رفضت في شهر مايو الماضي -حينما كانت تشغل منصب وزيرة الداخلية- نظام حصص الاتحاد الأوروبي للاجئين الإلزامي المطروح في بروكسل بعد أزمة قارب المهاجرين في البحر المتوسط. كما أكدت ماي بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، أن تنقل الأفراد من دول الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا يجب أن يخضع للمراقبة ويتم السيطرة عليه، كما أكدت على رغبتها في الحد من الهجرة.

ويتضح من ذلك أن المهاجرين واللاجئين سيكونون أكثر المتضررين من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بما أن الخروج كان يرجع بنسبة كبيرة إلى التخلص من هؤلاء، وهو ما سنتحدث عنه الآن في الجزء الثاني من الورقة.

ثانيا: أثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على المهاجرين من أصول عربية واللاجئين

يمكن أن نستخلص من خلال الجزء الأول أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يرجع جزئيا إلى مشكلتي الإرهاب واللاجئين، فاعتبر الكثيرون أن عضوية بريطانيا في الاتحاد تجعل أبوابها مفتوحة أمام الهجمات الإرهابية وتجعلها مهددة لمثل ما ضرب باريس وبروكسل. كما رأى أخرون أن الخروج من الاتحاد الأوروبي يسمح بتأمين حدود بريطانيا وتحديد الأفراد المسموح لهم وغير المسموح لهم بالدخول، لذلك سيلقى هذا الجزء الضوء على أثر خروج بريطانيا على المهاجرين من أصول عربية واللاجئين في بريطانيا.

أ) أثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على المهاجرين من أصول عربية

لعبت مشكلة الإرهاب دورا في دفع بعض سكان بريطانيا للتصويت لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي، حيث يخشى هؤلاء أن تصبح بريطانيا مثل فرنسا وخاصة عاصمتها باريس التي تعرضت لهجمات إرهابية عدة مرات، ففضلوا أن يحموا أنفسهم من هذه الهجمات وتلك التي انتشرت في دول أوروبية أخرى. وتفصح هذه الهجمات المتعلقة بصحيفة شارلي ابدو أو سلسلة هجمات نوفمبر 2015وما يليها من تشدد في خطابات قوى اليمين وما ارتبط بها من هجمات مضادة لأهداف إسلامية وعربية أن المواطنة في فرنسا تعانى من خلل.[12]

وعلى الرغم من أن فرنسا تضم أعلى نسبة من العرب المقيمين في أوروبا، وأنها البلد الذي يستقبل أكبر نسبة من الأفراد المولودين في أفريقيا بين مهاجريها، تعتبر نسبة سكان بريطانيا من ذوي أصول عربية كبيرة. فوفقا لصحيفة the guardian يصل عدد المسلمين في المملكة المتحدة إلى 2.8 مليون يعيش مليون منهم في لندن، وأوضحت الصحيفة أنه في عام 2011، عاش 2.7 مليون مسلم في إنجلترا وويلز، مقارنة بـ1.55 مليون في عام 2011مما يؤكد ارتفاع أعداد المهاجرين من أصول عربية إلى المملكة المتحدة إلى الضعف تقريبا. وكان هناك أيضا 77 ألفا من المسلمين في اسكتلندا و3.800 في أيرلندا الشمالية. [13]

وبسبب هذه الأعداد الضخمة، يخشى البعض صعود أزمة هوية وعدم اندماج هؤلاء مع باقي السكان في بريطانيا مثل فرنسا مؤخرا مما يؤدى إلى انتشار الهجمات الإرهابية. فهؤلاء العرب لا يشبهون العرب المولودين في الوطن العربي حيث يحملوا هوية عربية مجهولة بالنسبة لهم كما لا يشبهوا الأوروبيين الذين توارثوا الأصل والثقافة الأوروبية مما ساعد على نمو أزمات ثقافية لدى الأجيال الحديثة خاصة الجيل الثالث. فالجيل الثاني من المهاجرين هرب من تساؤلات حول حقيقة هويته ووجد ملجأ في الدين أما الجيل الثالث يعتبر الدين ملجأ له أكثر من أي وقت بما أنه يعاني من أزمة هوية جوهرية وفقد كل معاني المواطنة حيث أنه لم يذب في المجتمع مثل ما حدث مع الجيل الأول فمن المتوقع أن يتشبع هؤلاء الشباب العربي الأوروبي بالفكر الجهادي فيمثلوا خطر على أمن البلاد.[14]

ويتمثل الخطر الأكبر في داعش حيث يقدر المسؤولون الأوروبيون عدد الشباب الأوروبيين المنضمين لداعش حتى الأن بحوالي 5 آلاف في العراق وسوريا مما يوضح أن داعش تستهدف الشباب الأوروبيين وليس فقط من العالم العربي. وبما أن أبناء هذه الأجيال لديهم أزمة في التعايش مع المجتمع ولا يملكون أي هدف في حياتهم فإنهم يتجهون إلى التنظيمات الأكثر عنفا، وعلى الرغم من قوة الاتحاد الأوروبي إلا أنه لم ينجح في مواجهة هذا التنظيم أو الأسباب التي أدت إلى تعاظم قدراته على التجنيد من أواسط البلدان العضوة فيه.

 لذلك قررت بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي بناء على عدم تمكنه من وقف انتقال نشاط هذا التنظيم من الشرق الأوسط إلى أوروبا، مصرة في ذلك على حماية حدودها من هذا الانتشار الذي سبق أن ضرب باريس وبروكسل.[15]

ويرى أنتوني جليز، الاستاذ بمركز دراسات الأمن والاستخبارات بجامع باكنجهام، أن البريطانيين بشكل خاص ينضموا لداعش “لسهولة انتشار الفكر الإسلامي المتطرف في بلادنا تحت ستار الدين وحرية التعبير والتعددية الثقافية”. كما أكد أن التمييز الذي يعاني منه المواطنون المنتمون للجالية الإسلامية له دور في انضمام مقاتلين جدد إلى هذا التنظيم المتطرف.[16]

لذلك من المتوقع أن تتغير نظرة سكان المملكة المتحدة الأصليين للمهاجرين من أصل عربي في الفترة القادمة بما أن هؤلاء المهاجرين يمثلون بالنسبة لهم سبب الإرهاب في دول أوروبا الأخرى، وبالتالي يهددون أمن بريطانيا. كما أوضح الكثيرون أن الخطوة التالية للخروج من الاتحاد الأوروبي هي تقليل أعداد هؤلاء خاصة أن تيريزا ماي كانت وراء جهود مكافحة التطرف الإسلامي قبل توليها منصب رئيسة وزراء بريطانيا. فمن ضمن الإجراءات التي اتخذتها لتنفيذ هذا الهدف برنامج يقوم بتحويل المدرسين إلى عملاء سريين، حيث يطلب البرنامج من المدرسين إبلاغ الشرطة عن أي آراء أو تصرفات مشبوهة للطلاب. كما اتخذت ماي موقفا عدائيا من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وحذرت من الخطر الذي يشكله على بلدها، وقد سعت إلى إقرار قانون يحرم المواطنين البريطانيين من جوازات سفرهم لمنعهم من الانضمام للتنظيم، وتصدت لظاهرة سفر الشباب البريطاني المسلم إلى سوريا والعراق للانضمام إلى صفوف تنظيم الدولة، وسحب الجنسية من أولئك الذين يثبت سفرهم إلى هناك. وسنت قانونا لمكافحة الإرهاب نص على الاستبعاد المؤقت من العودة إلى بريطانيا.[17] مما دعا بعض الصحف العربية للتحذير من تقوية وضع الأحزاب الأوروبية اليمينية المتطرفة قوميا وعنصريا التي يعتبر أكثر ضحاياها هم الجاليات العربية والإسلامية. [18]

ب) مصير اللاجئين إلى بريطانيا:

كما يؤثر بالطبع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على وضع اللاجئين، فبدأت مشكلة اللاجئين منذ عام 2013، بعدما تجاوز عدد اللاجئين وطالبي اللجوء والنازحين داخليا في العالم خمسين مليون شخص للمرة الأولى منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ولم يتدخل الاتحاد الأوروبي الا مع اتجاه أعداد هائلة من هؤلاء إليه.

منذ بداية أزمة الهجرة غير القانونية كانت بريطانيا أكثر الدول صرامة في التعامل معها فقد سمح قانونها المعدل في مارس 2013 باعتقال المهاجرين غير القانونيين ومنعهم من فتح حساب بنكي ومن العلاج. كما قامت الحكومة بعد اصدار القانون بإلصاق إعلان في بعض المناطق العامة يقول “إذا كنت مهاجرا غير شرعي فإما الرحيل وإما الاعتقال” وهو ما قوبل بانتقادات كثيرة ووضح العداء البريطاني للاجئين.[19]

كما رفضت بريطانيا الحصص المذكورة في دعوة مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لدول الاتحاد الأوروبي في بداية العام الماضي إلى تقديم التزامات لتخفيف الضغط على اليونان وإيطاليا بسبب تصاعد المعارضة الداخلية للهجرة المتفاقمة.

كما قامت بريطانيا بفرض اجراءات صارمة ضد المهاجرين غير النظاميين من ضمنها السجن ومصادرة الأجور. وظنت بريطانيا أن الخروج من الاتحاد الأوروبي سيحد من هذه الأزمة رغم أنها بعد أن غادرت الاتحاد الأوروبي، يرى المستشار القانوني على القدومي إن بريطانيا ملزمة باستقبال كل اللاجئين الذين يتدفقون إلى أراضيها ومعاملتهم معاملة اللاجئين، ودراسة كل حالة على حدة حتى عقب مغادرتها الاتحاد الأوروبي، لأن قوانينها المحلية تلزمها بذلك. [20]

وقامت تريزا ماي بتوقيع خطة مع فرنسا في العام الماضي لمحاربة التهريب والهجرة غير النظامية بين ضفتي البلدين، حيث تقوم بريطانيا من خلالها بتخصيص مبلغ محدد على مدى عامين للتصدي لأزمة مهاجري منطقة كاليه شمالي فرنسا.

كما أعلنت ماي صراحة أن الهجرة تعرقل بناء تماسك المجتمع عندما كانت وزيرة للداخلية، واعتبرت أن اللاجئين تسببوا في أن الكثير من البريطانيين يضطرون إلى العمل بأجور منخفضة أو حتى عاطلين من العمل.[21]

لذلك يمكننا القول إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيشكل خطرا على اللاجئين خاصة أن رئيسة الوزراء ماي تتبنى سياسة صارمة ضد الهجرة واللاجئين.

خاتمة:

عاشت دول أوروبا موجة من الصدمات بعد تصويت الناخبين البريطانيين لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي حيث يعتبرها أنصار فكرة الوحدة الأوروبية أكبر انتكاسة حدثت للاتحاد الأوروبي منذ عشر سنوات.

رغم كون بريطانيا أحد الأعمدة الرئيسية في الاتحاد الأوروبي وخامس اقتصاد عالمي، ومركز أوروبا المالي، وصاحبة أكبر نصيب من الاستثمارات الأوروبية المباشرة شعر البريطانيون بعدم الانتماء وأصروا على الانفصال. ويرجع الخروج إلى عدة أسباب ذكرناها في الجزء الأول من الورقة تتمثل في الأزمة المالية العالمية وأزمة اليورو وأزمة اللاجئين والتخبط الأوروبي في معالجتها وأزمة تصاعد الإرهاب في أوروبا.

وذكرنا في الجزء الثاني مدى تأثير أزمة الهوية المتصاعدة في أوروبا على انتشار الإرهاب، ولكن هل سيحد الخروج من الاتحاد الأوروبي بالفعل من مشكلة الإرهاب؟

إن شعور الأجيال الجديدة بالاغتراب الثقافي والاجتماعي يمثل قنبلة موقوتة يجب التعامل معها ليس بتقليل عدد المهاجرين القادمين وإنما بالقيام بحركة ترجمة لتراث التنوير العربي حيث يجهله معظم سكان أوروبا. يجب مساعدة هؤلاء على الاندماج في المجتمع المدني البريطاني لكيلا يلجؤوا إلى العنف والإرهاب، كما يجب أن يشعروا بالفخر القومي وعلى بريطانيا أن تراجع التشريعات التي تشعرهم بالتهميش وعدم الاندماج.[22]

فحتى إذا قامت الحكومة الجديدة بتقليل عدد المهاجرين، يظل خطر الإرهاب موجود داخل بريطانيا بسبب الأجيال التي هاجرت في عهد الحكومات السابقة، حيث يجب معالجة المشكلة بشكل دائم وتقبل المظهر أو الدمج للمهاجرين على اختلاف أصولهم وديانتهم.

أما فيما يتعلق بمشكلة اللاجئين، فيعني خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تحديدها بمفردها كيفية التعامل مع اللاجئين وعدم التزامها بحصص أو إجراءات معينة، بما يترتب عليه غلق أبوابها أمامهم بما أن تريزا ماي تتبنى سياسة صارمة ضدهم.


[1]https://www.traite-de-lisbonne.fr/Traite_de_Lisbonne.php?Traite=2

[2]Brian Wheeler & Alex Hunt، “Brexit: All you need to know about the UK leaving the EU”، BBC NEWS، July 2016، available on: http://www.bbc.com/news/politics/eu_referendum/results

[3]Mathilde Damgé، La Grande-Bretagne et l’UE : trente ans de prises de bec، Le Monde.fr، 06.05.2015

Available on : http://www.lemonde.fr

[4]Carmen Fishwick، Meet 10 Britons who voted to leave the EU، The guardian، 25.06.2015
Available on: http://www.theguardian.com/politics/

[5] شيماء الشرقاوي، عرض كتاب: اعادة انتاج الديمقراطية، منتدى البدائل العربي للدراسات، أوراق البدائل، أبريل 2015، ص34

[6] المرجع السابق ص 44-45

[7]Heather Stewart and Rowena Mason،Nigel Farage’s anti-migrant poster reported to police، The Guardian، 16.06.2015 https://goo.gl/CT21hx

[8]Rowena Masson،Iain Duncan Smith: UK risks Paris-style attacks by staying in the EU،The Guardian، 21.02.2016, https://goo.gl/vjsMVS

[9]EU referendum: Ex-military officers fighting for EU exit، BBC news، 25.05.2016،https://goo.gl/eaePB4

[10]The data team، “the rise of the far right in Europe، The Economist، 24.05.2016, https://goo.gl/ct3SoV

[11]Angelique Chrisafis، European far right hails Brexit vote، The Guardian، 24.06.2016،https://goo.gl/DlFsuk

[12] محمد العجاتي، الأجيال الجديدة في أوروبا من أصول عربية وأزمة الاندماج (النموذج الفرنسي)، في كتاب: الشباب وجماعات العنف.. رؤى شبابية، منتدى البدائل العربي للدراسات ومنظمة روزا لوكسمبورغ، 2015، ص27-28.

[13]Aisha Gani، Muslim Population in England and Wales nearly doubles in 10 years، The Guardian، 11.02.2015, https://goo.gl/e1wUJ5

[14] محمد العجاتي، الأجيال الجديدة في أوروبا من أصول عربية وأزمة الاندماج (النموذج الفرنسي) مرجع سبق ذكره، ص28-29.

[15]المرجع السابق ص48-49.

[16]المرجع السابق ص54

[17]Andrew Sparrow، British jihadists ‘should be stripped of citizenship’، says David Davis،The Guardian، 24.08.2014،https://goo.gl/krRkGC

[18]صحف عربية تحذر من تبعات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على العالم العربي، BCC، 30 يونية 2016، https://goo.gl/HGmGBB

[19] محمد مطاوع، الاتحاد الأوروبي وقضايا الهجرة:الإشكاليات الكبرى والاستراتيجيات والمستجدات، المستقبل العربي، العدد 431،يناير 2015 ص33-34.

[20]محمد أمين، فتح الحدود الأوروبية أمام اللاجئين كابوس يقلق بريطانيا، الجزيرة، 13مارس 2016، https://goo.gl/UUNhtj

[21]Alan Travis، Theresa May to tell Tory conference that mass migration threatens UK cohesion، The Guardian، 6.10.2015. https://goo.gl/3qUKDS

[22] محمد العجاتي، الأجيال الجديدة في أوروبا من أصول عربية وأزمة الاندماج (النموذج الفرنسي) مرجع سبق ذكره، ص 34- 35.

Start typing and press Enter to search