تقرير عن ندوة: “تجربة الحركة الإسلامية في السودان.. الفجوة بين الخطاب والتطبيق”

هل يتكرر النموذج في مصر؟

منتدى البدائل العربي للدراسات
السودان

المتحدث الرئيسي: الأستاذ هانئ رسلان، رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل والخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام.

يدير اللقاء: الدكتور عمرو الشوبكي

تكمن أهمية هذه الندوة في إدراك مدى التشابه والاختلاف فيما يتعلق بالسياق المصاحب لتجربة وصول الحركات الإسلامية للحكم في الحالتين المصرية والسودانية، وذلك ليس بمنطق الاستنساخ وانما بمنطق الاستفادة من التجارب المختلفة في سياقنا المصري، كما أن الكثيرين يقومون بتصنيف تجربة وصول الإسلاميين للحكم في السودان على أنها تجربة فاشلة، ولكنهم في ذات الوقت يشيدون ببعض تجارب الحكم الإسلامي الأخرى كتجربة العدالة والتنمية في تركيا، ومن ثم فإنه من الأهمية بمكان معرفة حدود التقاطع والاختلاف ما بين التجربتين المصرية والسودانية.

كلمة الأستاذ هانئ رسلان

بادئ ذي بدء أعتبر أن هذا اللقاء هو مجرد تقديم قراءة أولية للوضع في السودان وتجربة الحركة الإسلامية الحديثة في السودان تحمل الخطوط العامه لهذه التجربه دون الخوض فى الكثير من التفاصيل، وأريد أن أشير أيضا إلى أنه يتواجد معنا الآن الاستاذ المحجوب عبد السلام وهو المتحدث الرسمى باسم حزب المؤتمر الشعبى السوداني فى الخارج، وهو الحزب الذى يقوده الدكتور حسن الترابي، حيث يمكن لنا أن نستفيد من تعقيباته وملاحظاته خلال هذا اللقاء وما سوف يعقبه من مناقشات.

حين نلاحظ تاريخ الحركة الإسلامية الحديثه في السودان منذ أربعينيات القرن الماضي، نجد أن تسميتها تتغير بتغير المراحل، فكانت في أربعينيات القرن المنصرم حين دخلت إلى السودان قادمة من مصر كانت تسمى بالإخوان المسلمين بقيادة علي طالب الله، وحينما استقل السودان عن مصر عام 1956، واجه الطلاب الإسلاميون في الجامعات السودانية التحدى الخاص بانتشار التيار اليساري داخل الجامعات السودانية، وعندما عاد الدكتور حسن الترابي من البعثة العلمية عام 1964 شارك فى ثورة أكتوبر 1964 ضد حكم الجنرال إبراهيم عبود، وتحول الترابي لأحد رموز العمل السياسي في السودان.

فى ذلك الوقت كانت حركة الإخوان فى السودان تلتزم بنفس منهج الإخوان المسلمين في مصر وهو منهج التربية، ولكن الترابي رأى أن فكر الإخوان في مصر ليس بالضرورة قابل للتطبيق كما هو في السودان، وإنما يجب أن تنخرط فى العمل السياسي المباشر واختار لذلك صيغة العمل الجبهوي، لذلك قام بالتحالف مع جماعة أنصار السنة المحمدية وجماعات إسلامية أخرى، وقاموا بعمل جبهة الميثاق الإسلامي التي دخلت الانتخابات البرلمانية في عام 1964، وحصدت ثلاث مقاعد فقط، ثم جاء انقلاب مايو 1969 واصبح نهج الترابي ذا الطابع الحركى المشتبك مع الواقع هو المسيطر على الحركة الإسلامية في السودان، بديلا عن نهج الإخوان الصفوي القائم على التربية.

وعبر قيادة الترابي للحركة الإسلامية الحديثة للسودان، بدا وأن هناك نهجا خاصا أو متفردا لهذه الحركة ظهر فى ثلاثة سمات أساسية، على النحو التالى:

1. مبدأ الزامية الشورى: بمعنى أن الشورى ملزمة وليست معلمة باعتبار أن ولي الأمر ليس معصوما، وبالتالي أصبحت الحركة الإسلامية في السودان تحمل قيما ديمقراطية، وألزمت نفسها كتنظيم بمبدأ الشورى فى كل المستويات.

2. ازالة القيود الخاصة بحقوق المرأة السياسية والاجتماعية، وأن الإسلام ليس له علاقة بوضع قيود على مشاركة المرأة في المجال العام، وإنما هي مجرد تقاليد مجتمعية مغلوطة، وكتب الترابي رسالة فى هذا الموضوع حظيت بالرواج والانتشار الواسع.

3. مبدأ تجديد أصول الدين: بمعنى ليس العودة إلى الأصول ولكن النظر فى تجديدها أيضا.

فى هذا السياق كانت الحركة تبدو واعدة جدا بأطروحاتها الجديدة والمرنة، وعلى مستوى الحركة كانت تضم قيادات شبابية ومتعلمه وتتبع استراتيجية براجماتيه في العمل السياسي، وبعد الصدام العسكري 1976 بين الحكومة والمعارضة حدثت مصالحة ما بين الرئيس السوداني جعفر نميري، والجبهة الوطنية المعارضه التى كانت الحركة الإسلامية الحديثة جزءا منها، ومن خلال تلك المصالحة سعى الترابي إلى توسيع مجالات العمل أمام الحركة فى كل الاتجاهات، ليس من خلال المجال الدعوي فحسب، ولكن أيضا من خلال العمل المجتمعى الواسع عبر واجهات عدة شبابية ونسائية، وأيضا تبني فكرة الاقتصاد الإسلامي كبنك فيصل، ثم عمد إلى مضاعفة عضوية الحركة بشكل مخطط ومنظم من خلال تنشيط عملية التجنيد لطلاب المدارس الثانوية والجامعات.

وبعد سقوط نظام نميرى ظهرت المفاجأة في أول انتخابات ديمقراطية في السودان عام 1986، بحيث حصلت الجبهة القومية الإسلامية (الاسم الجديد للتنظيم) على 51 مقعدا من مقاعد البرلمان السوداني، وجاءت في المركز الثالث بعد حزبي الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي (اللذين حصلا على 101 و61 مقعدا على التوالى)، فأصبحت جبهة الترابي قوة أساسية صاعدة بقوة فى الحياة السياسية السودانية.

بعد تحركات وتفعلات عديدة، اصبح واضحا أن الائتلافات الحاكمه فى ذلك الوقت والتى كان يقودها الصادق المهدى كرئيس للحكومة تعانى من الضعف وتجمعت فى الافق نذر النقلابات العسكرية، غير أن الجبهة القومية الإسلامية سبق الجميع بانقلابها العسكري في 30 يونيو 1989 الذى اتخذ مسمى “ثورة الانقاذ الوطنى”.

ويمكن القول باختصار بأن هذا الانقلاب هو الذي أدى إلى كل ما تعانيه السودان حتى وقتنا هذا سواء فيما يتعلق بانفصال جنوب السودان، أو بالمعاناة الاقتصادية، ويمكن إرجاع ذلك إلى تغير خطاب الحركة الإسلامية في السودان بعد وصولها للحكم إلى العكس من منهجها تماما، فعندما وصلت الجبهة إلى الحكم كان سلوكها العملى مغايرا تماما لما كانت تبشر به من خطاب سياسى ديمقراطى واتبعت وسائل قمع وتعذيب لم تكن معروفة فى السودان. وقد برر الترابي هذه الخطوة المفاجئه بان الجبهة كان من غير الممكن أن تصل إلى الحكم عبر الطريق الديمقراطى لوجود “فيتو” عليها من الغرب ومن بعض القوى الداخلية. وكان من المثير للغاية متابعة عملية التموية والاخفاء المعقدة التى قامت بها الجبهة، حيث قام الترابي –إثر الانقلاب العسكري- بادخال نفسه إلى السجن لعدة أشهر مع باقى الزعماء السياسيين الآخرين مثل الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني ومحمد إبراهيم نقد وغيرهم.

وكان من السمات البارزة فى هذه المرحلة أيضا ظهور إزدواجية السلطة، حيث كان هناك مستوى ظاهر هو مجلس قيادة الثورة وحكومة ووزراء وههم يقودودن البلاد اسميا، ولكن السلطة الفعلية كانت فى يد الترابي وعدد من الشخصيات ذات العضوية فيما عرف باسم “المجلس الأربعينى”، وهذا المجلس هو الذى كان يقود السودان فعليا ويضع الخطط ويتخذ القرارات، ثم يتم إرسالها بعد ذلك إلى الشكل السلطوى الظاهر لكى يتم إعلانه، وهناك مقولة شهيرة فى الأدبيات السياسية السودانية منسوبة للترابى فى وصف للانقلاب “لقد ذهبت إلى السجن أسيرا وارسلته إلى القصر رئيسا”، متحدثا بذلك عن عمر البشير الذى كان مجرد ضابط منتمى للجبهة القومية الإسلامية داخل الجيش السودانى.

مع الوقت برزت إشكالية ازدواجية السلطة في السودان، فضلا عن استخدام العنف والتعذيب داخل السجون وابتداع ما سمى “بيوت الاشباح”، وكانت مرحلة شديدة القسوة في التاريخ السوداني الحديث، واستمرت حتى عام 1996، وتحول الاقتصاد السوداني إلى اقتصاد السوق الحر، وتم اعفاء الدولة من كافة أعباء الانفاق العام، واطلاق حرية السوق لعدم وجود موارد في الدولة، كما تزامن مع ذلك عمل صيغة الدفاع الشعبي للقتال فى الحرب الاهلية فى الجنوب بمعنى تدريب المواطنين المدنيين، وعسكرة المجتمع بأكمله ضد الجنوب، مما أدى إلى هزيمة الحركة الشعبية لتحرير السودان في بشكل كبير كاد يقضى عليها فيما عرف باسم “صيف العبور” عام 1994، ولكنها استطاعت ان تسترد مواقعها مرة أخرى فيما بعد.

وتجدر الاشارة هنا إلى أن فكر الترابي وسلوك تنظيمه بعد الانقلاب تمحور حول فكرة محورية هي فكرة “التمكين”، وكان هناك اعتقاد انه بعد وصل التنظيم إلى السلطة أصبح هو الدولة لذلك قام الترابي بحل الجبهة القومية الإسلامية، وفى سبيل تنفيذ التمكين تم اتخاذ خطوات ممنهجة: 1- الاعلان عن عملية تطهير واسعة لأنصار القوى السياسية الأخرى عبر تسريح عشرات الآلاف الموظفين من جهاز الخدمة المدنية “للصالح العام”. 2- تم تحويل كوادر وقيادات جهاز أمن الجبهة القومية الإسلامية إلى جهاز الامن والمخابرات السودانى. 3- كما تم تطهير المؤسسة العسكرية بإخراج كل كبار الضباط إلى التقاعد ثم قصر القبول فى الكلية الحربية السودانية على أبناء الجبهة القومية الإسلامية والموالين لها، وأصبح الجيش السوداني مجرد فرع في التنظيم الإسلامي (الجبهة القومية الإسلامية). 4- امتدت عمليات التطهير ايضا لمؤسسة القضاء بحجة الحفاظ على الصالح العام.

وفى هذا السياق اتبعت الجبهة سياسية فتح أراضي السودان لكل الحركات الإسلامية فى العالم فجاء بن لادن والظواهرى وتنظيم الجهاد وآخرون كثيرون ومنحت لهم جوازات سفر وأماكن للاقامة ومزارع للتدريب، كما جاء “كارلوس” أيضا، والذى تم بيعه وتسليمه فى عملية سرية لصالح جهاز الاستخبارات الفرنسية فيما بعد.

وفى الداخل أدت سياسات الحركة الإسلامية في السودان في سياق مجتمعي تعددي من الناحيتين الاثنية والثقافية، وفي ظل وهن المعارضة السودانية، إلى احتكار كامل من الحركة الإسلامية بقيادة الترابي للسلطة السياسية في البلاد باستخدام المنهج البرجماتي الذي يعتمد على فقه الضرورة من منطلق “الضرورات تبيح المحظورات”، بمعنى أنه يتم التحلل من القواعد الفقهية والشرعية عند الحاجة لحساب السلطة وما تمليه عليها مصالحها، فى حين يتم إشهار هذه القواعد ضد الآخرين واستخدامها ضدهم طوال الوقت مع كثافة الخطاب الإسلامى واطلاق ما يسمى المشروع الحضارى.

وإثر العديد من التفاعلات السلبية والتناقضات الناتجه عن وجود سلطة حقيقية باطنة مركزها الترابي وسلطة سياسية ظاهرة مركزها الرئيس عمر البشير ونائبه علي عثمان طه، وصلت الأمور في عام 2000 إلى صدام حقيقي ما بين السلطتين، وانتهى الصدام بنجاح تحالف عمر البشير وعلي عثمان طه في انتزاع السلطة واخراج الترابي فيما عرف باسم “المفاصلة” او الصراع “بيىن القصر والمنشية” حيث يقيم كل من الترابي والبشير. وهكذا انشقت الحركة الإسلامية الحديثة فى السودان على نفسها وتمردت على منظرها الفكرى وقائدها السياسى ورمزها الأشهر حسن الترابي، ونتج عن ذلك صراع مرير ما زال قائما حتى هذه اللحظة.. وبذلك تم اقصاء الدكتور الترابي من المشهد السلطوي في السودان، بل وتم ادخالة السجن لفترة طويله على عدة مراحل. ولكن الترابي من موقعه الجديد كمعارض لنظام الإنقاذ شن حملة فكرية وسياسية عنيفة هدفت إلى نزع الشرعيتين الإسلامية والسياسية عن تلاميذه وأنصاره السابقين، واتهمهم بأنهم نسوا قيم الإسلام وتخلوا عن الفكرة بوصولهم للسلطة، وفضلوا مصالحهم السلطوية على مستقبل المشروع الحضاري الإسلامي.

خروج الترابي من السلطة أدى إلى حدوث خلخلة شديدة في التحالف الحاكم لأن الترابي كان قائدا وزعيما، وكان يهدف إلى بناء تنظيم عالمي مواز لفكرة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين قائم على ما يشبه الكونفدراليه التى تقوم على التنسيق والتآزر وليس على العلاقة العضوية التى يعتمدها التنظيم الإخوانى. فلجأ الشيخ الترابي للتواصل مع الحركات الإسلامية في آسيا وفى المهاجر فى أوروبا والولايات المتحده، ووثق صلاته بها.

تواكب مع خروج الترابي من السلطة الغضب الأمريكي الناتج عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر في 2001، فحرص نظام الانقاذ (البشير – على عثمان طه) على تحاشي الغضب فتم تسليم ملفات كل الإسلاميين الجهاديين الذيمن كانوا فى السودان إلى المخابرات الامريكية، وكانت هناك محاولة سابقة فى عام 1997 لتسليم بن لادن –إبان إقامته فى السودان– إلى واشنطن ولكن هذه الأخيرة لم تقبل ذلك، فتم ترحيل الرجل إلى افغانستان.. فى هذه الاجواء كان جورج بوش الابن قد قام فى سبتمبر 2001 بتعيين ميبعوث رئاسي أمريكى لتسوية الحرب الأهلية فى السودان بين الشمال والجنوب، الامر الذى رحبت به الخرطوم بحثا عن شرعيه جديدة بديلا عن شرعية المشروع الحضارى والفكرة الإسلامية التى اهتزت بشدة اثر خروج الترابي وهجومه اعنيف عن النظام.. هذه الشرعية الجديدة كانت تعتمد على ايجاد سلام واستقرار وتحول ديمقراطى وتنمية بديلا عن الاستمرار فى الحرب الاهلية فى الجنوب عبر عملية التسوية التى اطلقتها واشرفت عليها واشنطن، وهو ما انتهى فى يناير 2005 بتوقيع “اتفاقية نيفاشا”، ذلك الاتفاق الذي تضمن منح حق تقرير المصير لجنوب السودان وانتهى بانفصال الجنوب في يوليو 2011. ومع ذلك لم يتحقق السلام حيث استمرت الحرب مشتعله فى مناطق جنوب كردفان والنيل الازرق ودارفور وجميعا تقع فى شمال السودان، كما زادت الضائقة الاقتصادية إلى حد كبير بعد ان فقد السودان ثلاثة ارباع النفط مع انفصال الجنوب، وزاد الأمر سوءا التوترات والحالة الصراعية مع دولة جنوب السودان الجديدة بسبب الكثير من القضايا العالقة بين الطرفين.

هكذا اصبح نظام الانقاذ مضطر للبحث عن شرعية جديدة تسند بقاءه فى الحكم، فعاد مرة اخرى بعد بقاءه فى السلطة لاكثر من 23 عاما للحديث عن الشريعة الإسلامية وعن تطبيقها بنسبة مائه فى المائه.

ما يحدث في مصر الآن هو أن الحركة الإسلامية الحاكمة تبدأ من نقطة متأخرة جدا عن نظيرتها في السودان التى تولت مقاليد الحكم عام 1989، وهى تحمل خطابا تنويريا يقول بالديمقراطية وإدماج المرأة وتجديد إصول الدين، وبالرغم من ذلك تحولت إلى الاستبداد والقمع والتنكيل بالخصوم.. وفى المقابل نجد أن الإخوان المسلمين فى مصر قد انتقلوا –أو على الأقل قطاع مؤثر منهم- من أفكار حسن البنا التنويرية التربوية إلى أفكار سيد قطب الانقلابية السلطوية.

تعقيب د. عمرو الشوبكي

أبدى الدكتور الشوبكي ثلاثة تساؤلات أساسية:

1. كيف يمكن أن يرتب حزب ترتيبه الثالث ما بين القوى السياسية لانقلاب عسكري وهو غير مضطهد، وبالأخص حينما يمتلك جانب قيمي وأخلاقي في فكره؟

2. هل يمكن أن نعتبر أن انقلاب 1989 هو جزء من بقايا عالم قديم كان موجود في العالم العربي وان الصيغ الجديدة للتيارات الإسلامية قد تتغير؟

3. هل هناك فروق بين الدولتين المصرية والسودانية فيما يتعلق بمؤسساتهما كالقضاء والمؤسسة العسكرية والأمنية والبيروقراطية المصرية؟

كلمة الأستاذ المحجوب عبد السلام

لقد قمت بكتابة كتاب بعنوان “الحركة الإسلامية السودانية دائرة الضوء وخيوط الظلام.. العشرية الأولى من نظام الانقاذ ” فى عام 2009، ورأيت أن هذا الكتاب سيكون مهما في ظل السياق المصري، لأن الاستفادة من التجارب أمر مهم ومفيد بالنسبة للتحول الديمقراطي، وهنا تجدر الاشارة إلى أن هناك فارقا في طبيعة الدولة والمجتمع بين التجربتين، فالمجتمع المصري متطور عن نظيره السوداني، فلديه الأزهر والكنيسة، ولكن المجتمع السوداني هو مجتمع ما قبل سياسي، وتعتبر القبيلة الوحدة الأساسية فيه، وكانت هناك ملامح لشكل الدولة الحديثة ولكن في ظل الحكم الإسلامي تحول إلى شكل الطائفية، فالمفكر تيجانى عبد القادر قال القبيلة والمال والأمن هم مكونات فشل التجربة السودانية، فكانت حركة واعدة جدا أفرغتها السلطة من مضمونها، فلفظ إسلامي في السودان الآن أصبح يرتبط بالفساد.

فعندما قام الترابي بالانقلاب على السلطة استلم السلطة بانقلاب عسكري يضم عددا كبيرا من المدنيين يفوق عدد العسكريين، كما أن المفكر الايطالي جرامشي يقول “الوسيلة التي تصل بها للسلطة تحدد تعاملك معها”، وبالتالي مارست الحركة الإسلامية العنف بشدة على الاحزاب المتنافسة معها.

حوارات ومداخلات القاعة

جاءت مداخلات القاعة مرتكزة على الموضوعات التالية:

· رأى بعض المشاركين استحالة تكرار التجربة السودانية في مصر لأنها كانت حركة صوفية، في حين هناك تنوع في الحركة الإسلامية في مصر، فهناك الإخوان المسلمون والمنشقون عنهم والسلفيون والجهاديون، وهذا التنوع سيحول دون سيطرة الإخوان على مفاصل الحكم في مصر، ورأى البعض الآخر أن هناك غياب لأي مشروع فكري تنظيري لقيادات الإخوان في مصر بعكس رؤية الترابي كمفكر وسياسي عميق المنهج.

· تساءل بعض الحاضرين عن امكانية تأثير انفصال جنوب السودان على حصة مصر من مياه النيل، كما تساءل البعض الآخر عما اذا كان من الممكن أن يتحول الحراك الشبابي السوداني إلى ثورة أو تفكك الدولة السودانية.

· البعد الاقليمي والأطراف التي تدعم الحكم الإسلامي في السودان؟ وما تأثير الحكم الإسلامي في مصر على الأوضاع في السودان، وما هو وضع النشطاء السودانيين هناك.

تعقيب ختامي: الأستاذ هانئ رسلان

النقاط التي اثيرت في غاية الأهمية والعمق، البشير لم ينقلب على الترابي وهو كان أحد عناصر التنظيم الإسلامي في الجيش وجرى تكليفه بأن يكون رئيس مجلس قيادة الثورة، وحينما حدثت المفاصله بين الطرفين سنة 2000، كانت صراعا بين السلطتين الباطنة والظاهرة، فالبشير لم ينقلب على الترابي وإنما كان هناك اختلاف على ادارة السلطة، فكانت فتنة وانشقاق في الصف داخل الجبهة انتهت لصالح من يمتلك أدوات الدولة.

كما أن خطاب الحركة الإسلامية عموما هو خطاب مستوحى من النص الإسلامي، وقدم اجتهاده في فهم النص على أنه صورة براقة مقبولة من الناس قبل وصوله للسلطة ولكن عندما وصل للسلطة لم يطبق ذلك الخطاب، وماحدث فى الواقع ان الحركة الإسلامية اعتبرت ان وصول اعضاءها إلى السلطة هو تعبير مباشر عن الحكم الإسلامى فليست هناك تعريفات واضحه او مقومات محدده لما يقولون انه مجتمع إسلامى او دولة إسلامية: أي متى يكون المجتمع او الدولة إسلاميا ومتى لا يكون كذلك؟.. كما أن التوسع فيما يعرف باسم “فقه الواقع” أو “فقه الضرورة” يجعل الأمور تدار بطريقة براجماتية تتحول فيما بعد إلى انتهازية ومكيافيلية صريحه.. وفى المقابل فان مفهوم “التمكين” يتحول فى التطبيق إلى استبداد مطلق ضد الاخر حتى لو كان هذا الاخر منطلقا من فهم مغاير للإسلام ذاته.

وهناك غموض فالفكرة بشكل عام تعتمد على شعارات عامة قريبة من وجدان وثقافة أي مسلم مثل المجتمع الإسلامى والدولة الإسلامية ولكن دون وجود تصور عملي أو محدد للتطبيق ومع سيادة فكر الوصاية والاستعلاء، فالهدف هو الوصول للسلطة، واعتقد أن الفكرة واحدة فيما يتعلق بفكرة الوصاية على الفكر فيما بين الحركات الإسلامية بصفة عامة في مرحلة التمكين.

فى الحالة السودانية نجد أن هناك عدم اكتمال لمشروع الدولة الوطنية، لذلك مع تسييد فكر وإحدى الاتجاه ومحاولة فرضه على مجتمع متعدد اثنيا وثقافيا وجهويا، كانت النتيجة هى الانفصال ثم تمرد الاطراف، أما فى مصر فالدولة قديمة ولن تتفكك بسهولة ولكنها قد تتحول إلى دولة فاشله ثم دولة منهارة إلى تعرضت إلى نفس التجربة. فالدولة المصرية أقوى من المجتمع على عكس الحالة السودانية، ومن ثم اذا اكتملت عملية التمكين –هذا أمرا ليس بالسهل حدوثه– فسوف تستمر السيطرة والبقاء طويلا مع التفكك والتحلل في مؤسسات الدولة وقدرتها على الاداء وتفلت بعض الاطراف كما يحدث الأن فى سيناء والذى من الممكن أن يتكرر فى مناطق ومواضع أخرى

Start typing and press Enter to search