تحولات نسق النظام الدولي وتأثيره على الإقليم المغاربي:

حالة التنافس الجيوسياسي بين المغرب والجزائر

توفيق عبد الصادق
الجزائر ,المغرب
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [742.84 KB]

مقدمة

تجري في العالم منذ سنوات تحولات دالّة، سواءً لتلك المرتبطة بالتوازنات وإعادة تموضع القوى الكبرى وبناء استراتيجيتها في رسم السياسة الدولية، أو لناحية القضايا والتحديات المحيطة بأمن الدولة الوطنية والحفاظ على مصالحها الخارجية. وقد كان لوقع الأزمة الصحية العالمية “كوفيد 19” خلال الثلاث سنوات الماضية واندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية مطلع السنة الحالية 2022، التأثير الفارق في دخول دول العالم في حالة من اللايقين لمستقبل تطورات النظام العالمي وتحديد طبيعته، إذ أضحى هذا الأخير يتأرجح بين خط تعميق هيمنة القطب الواحد تحت قيادة الولايات المتحدة الأميركية، وآخر يدفع باتجاه نظام قطبي ثنائي أو على الأقل نظام متعدد المراكز والقوى تسعى إليه بكل قوة الصين وروسيا وإلى حد ما الهند والبرازيل.

تداعيات هذه التحولات وتأثيرها ظهرت في مستوى النظم الإقليمية واتجاه الدول الفاعلة نحو تقييم مكانتها وتحديد عناصر وفرص بناء قوتها، وفي هذا السياق يمكن تحليل وفهم العلاقة بين المغرب والجزائر الجارَين في الفضاء المغاربي ومنطقة شمال أفريقيا، والمنحى الذي أخذه التنافس الجيوسياسي ودخول الطرفين في مواجهة مفتوحة على جميع الأصعدة، خاصةً بعد قرار الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع الجار الغربي، المغرب في 24 آب/ أغسطس 2021، وما حدث قبلها من انخراط للمغرب رسميًّا في علاقات للتطبيع مع إسرائيل منذ 10 كانون الأول/ ديسمبر 2020، وظهور مؤشرات لدخوله في تحالف إقليمي إسرائيلي-عربي، بدأت تتشكل معالمه من خلال علاقات التطبيع والتنسيق المشترك بين إسرائيل ودول عربية أخرى (منتدى النقب)،1 والذي يأتي بالتوازي أيضًا مع إعلان للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الاعتراف بسيادة المملكة على أراضي الصحراء، المتنازع عليها مع جبهة “البوليساريو POLISARIO” المدعومة من طرف الجزائر.2

العلاقة المغربية الجزائرية سلكت نهج التصادم والتنافس في الإقليم، برغم إدراك الطرفين أن هذا الخيار مكلف ويستزف القدرات وهو ضد تطلعات شعوب المنطقة (حوالي 102 مليون نسمة وفق أرقام عام 2019)، والتي ترى بأن الخلافات السياسية وتدخّل القوى الدولية، منع إمكانية استغلال الفرص المتاحة في الفضاء المغاربي من أجل الاندماج الإقليمي Regionalism، باعتباره صيغة لتكتل في المستوى الأدنى يضم خمسة من الدول المتجاورة جغرافيًّا وتنتمي إلى منطقة الشمال الأفريقي (المغرب-الجزائر-تونس-ليبيا- موريتانيا)، وبعد أن كانت تتمنى وفق معاهدة مراكش لعام 1989، المنشأة لاتحاد المغرب العربي، تحقيقَ الاندماج والتكامل اقتصاديًّا وتوحيدَ الجهود السياسية الخارجية، مع احتفاظ كل دولة بكامل استقلاليتها وشخصيتها القانونية الدولية، وتعهدها بالامتناع عن الانضمام إلى أي حلف أو تكتل عسكري أو سياسي، يكون موجهًا ضد الاستقلال السياسي أو الوحدة الترابية للدول الأعضاء الأخرى.3

موضوع الورقة البحثية يستهدف، أولاً: البحث في تطورات السياسة الدولية خلال السنوات الأخيرة وتفاعلات الدول الإقليمية المعنية-المغرب والجزائر-مع سياقات التحول والتغيير الذي مسّ عناصر بناء القوة بعودة سياسة القوة الصلبة في العلاقات الدولية وبروز أزمات مهددة تهم مواضيع الأمن الصحي وتأمين سيادة البلدان في مجال الطاقة والغذاء. ثانيًا: دراسة خيارات كلّ من صانعي السياسة الخارجية في المغرب والجزائر للتعامل مع هذه التحولات الدولية، ومدى إمكانية تعزيز تحالفاتهم التقليدية أو بناء تحالفات جديدة في ظل المتغيرات الدولية الجارية.

تحاول الورقة الإجابة عن الإشكالية الآتية: كيف يمكننا تفسير التحول الجذري في علاقة المغرب مع الجزائر باتجاه سياسة الصدام المفتوح، بعد أن كانت تتطلع وتطمح نحو الاندماج المغاربي؟

وللإجابة على التساؤل لا بد من وضع مقاربة تعتمد على محددات العلاقات الدولية ومقاربتها النظرية لدينامية التعاون والصراع، إضافةً إلى متغير آخر أو مقاربة أخرى ألا وهي السياسة الداخلية كمدخل لفهم عناصر السياسة الخارجية وعملية صناعة القرار في (المغرب والجزائر).

كلمات مفتاحية: تحولات، النسق الدولي، النظام الإقليمي، المغرب، الجزائر.

 

1- صدر بيان مشترك عن الاجتماع الافتتاحي للّجنة التوجيهية لمنتدى النقب في المنامة بالبحرين بتاريخ 27 حزيران/ يونيو 2022 جمع حكومات كلّ من الولايات المتحدة الأميركية والبحرين ومصر وإسرائيل والمغرب والإمارات العربية المتحدة. وقد تمثل الهدف الرئيسي للّجنة في زيادة تنسيق الجهود الجماعية وتعزيز الرؤية المشتركة لهذه الدول للمنطقة. وفي هذا السياق، تم تحديد وثيقة إطار عمل لمنتدى النقب وأهداف وأساليب عمل، كما تم الاتفاق على هيكل رباعي الأجزاء للمنتدى: الاجتماع الوزاري لوزراء الخارجية والرئاسة واللجنة التوجيهية ومجموعات العمل. وزارة الخارجية الأميركية-مكتب المتحدث باسم وزارة الخارجية. رابط الموقع: www.state.gov/translations/arabic/بيان-مشترك-للجنة-التوجيهية-لمنتدى-النقب

2- إلهام رشيدي، العلاقات المغربية الجزائرية: سجال عبر التاريخ، منشورات مجلة صدى (مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط)، 03 ماي 2022. تاريخ الاطلاع 27 حزيران/ يونيو 2022. https://bit.ly/3yncAkd

3- أنظر: إعلان عن قيام اتحاد المغرب العربي يوم 17 شباط/ فبراير 1989 في مدينة مراكش المغربية، الموقع الالكتروني للاتحاد. تاريخ الاطلاع حزيران/01 يوليو 2022. http://www.umaghrebarabe.org

Start typing and press Enter to search