ورقة سياسات: المجتمع المدني في تونس والتحديات بعد 25 جويلية 2021
نصاف براهمي

تونس

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [372.10 KB]

عرفت تونس سنة 2021 تغيرات سياسية مهمة بعد تعليق العمل بدستور 2014 وتجميد البرلمان في 25 جويلية/يوليو 2021 ولم تقتصر آثار هذا الحدث الذي غيَّر مسار الانتقال الديمقراطي في تونس في المشهد السياسي والحزبي فحسب، بل عرف الفضاء المدني تغيرات كذلك، فقد واجه المجتمع المدني في تونس مشكلات وتحديات كثيرة تزامنت (خاصة) مع تسريب نسخة عن مشروع مرسوم جديد ينظِّم الجمعيات، ورغم عدم تمرير المرسوم إلى الآن فإن هناك ضغوطات تمارَس على عمل المنظمات خاصة الشريكة للمؤسسات الحكومية بالإضافة إلى أن هناك مشكلًا يتمثل في تشتت عمل المجتمع المدني في مواجهة هذه التحديات.

أولًا: تأثير تغيير 25 جويلية/يوليو 2021 في المجتمع المدني في تونس:

تعمل أغلب المنظمات بصفة منفردة أو في مجموعات ضيقة، كما أن مختلف التحركات والاحتجاجات على القرارات أو الأحداث التي اعتبرتها الجمعيات تهديدًا لنشاطها أو للحقوق والحريات كانت بدون حشد كافٍ يشمل مجموعات كبيرة من المنظمات والجمعيات والنقابات، وهنا تجدر الإشارة كذلك، إلى غياب التنسيق والحوار مع الاتحاد التونسي للشغل رغم وزنه السياسي والاجتماعي في البلاد.

رغم أن الرئيس قيس سعيد، قد صرح إثر قيامه بتجميد البرلمان وتعليق العمل بالدستور أنه لن يقع المساس بالحقوق والحريات وقام بلقاء مجموعة من قيادات المنظمات الوطنية، مثل: الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان واتحاد الشغل والاتحاد الوطني للمرأة التونسية1 فإنه خلال الفترة الأخيرة ومع تواتر غياب الحوار بين السلطة في تونس ومكونات المجتمع المدني تم رصد بعض الانتهاكات التي طالت ناشطين مدنيين وسياسيين، خاصة في ظل التوتر والاحتقان الاجتماعي الذي تعرفه البلاد وتنامي عدد الحركات الاحتجاجية المرتبطة بارتفاع الأسعار وغياب السلع الغذائية والأدوية.

ثانيًا: أهم التحديات التي يواجهها المجتمع المدني اليوم

بعد تسريب مشروع قانون الجمعيات الجديد والذي تضمَّن تجاوزات عديدة قد تمثل خطرًا على العمل المدني في تونس والذي لم يقع تمريره ولم يقع إلى اليوم تغيير القانون المنظِّم للجمعيات، قامت منظمات وجمعيات عديدة بالتنديد بهذا المقترح ورفضه وتم إصدار بيانات رافضة له ورافضة لأي تعديل لقانون الجمعيات باعتباره قانونًا جيدًا يضمن وينظِّم عمل المنظمات والجمعيات ولا يجب تغييره.

واجهت الجمعيات في تونس خلال الفترة بعد حل البرلمان وتعليق العمل بدستور 2014 بعض التحديات، من الضروري الإشارة إليها، فقد تم رصد تجاوزات عديدة تمس حرية التعبير والتجمع والتظاهر. أهم هذه التجاوزات مواصلة محاكمة الصحفيين وتتبع المعارضين والمعارضات والناشطين والناشطات كما تم منع بعضهم من القيام بوقفات احتجاجية أثناء التحركات التي تم تنظيمها، مثلًا في إطار حملة تعلم عوموهي حملة لمحاسبة أمنيين قاموا بقتل مشجع لنادٍ رياضي إثر مباراة كرة قدم. كما تمت أيضًا إحالة ناشطين بيئيين من حملة عقارب مهيش مصبإلى المحاكم بسبب نشاطهم ضد وجود مصب نفايات في منطقتهم وتم فض اعتصامهم بالقوة.2

لم تقف منظمات المجتمع المدني مكتوفة الأيدي أمام هذه التحديات، ولكن جهودها لمواجهة هذه التحديات شابه التشتت، فقد توالت البيانات الرافضة للتضييقات ولمشروع القانون وأيضًا كانت هناك بعض الوقفات الاحتجاجية ولكنها لم تكن موحدة بين مختلف أطياف الجمعيات والمنظمات واتحاد الشغل، ما جعلها أقل قوة من القدرة على التأثير.

إن هذا التشتت في مقاومة المجتمع المدني للضغوطات الممارَسة عليه والانتهاكات الحاصلة، خاصة في فترة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها تونس اليوم، يمثل فرصة للنظام للتراجع عن مكتسبات الثورة والتضييق أكثر على المجتمع المدني وربما تمرير مشروع القانون الجديد، خاصة بعد الانتخابات التشريعية التي تمت في 17 ديسمبر الجاري.

ثالثًا: خبرات المجتمع المدني في تونس على التعامل مع التضييق السلطوي

برز خلال فترة حكم الرئيس بن علي، أي قبل ثورة 2011، دور المنظمات الحقوقية في تونس خاصة في توثيق حالات الإيقاف التعسفي والتعذيب والتنديد بها، خاصة من طرف الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات. كما نشأت في تلك الفترة العديد من الجمعيات التونسية في المهجر (فرنسا أساسًا)3 وساهمت في كشف الانتهاكات التي يقوم بها نظام بن علي، ونشرها دوليًّا من أجل إطلاق سراح المعتقلين وفتح مجالي العمل السياسي والمدني المستقلين عن السلطة، وهو ما لم يكن النظام يسمح به. وهناك جمعيات أخرى حاولت الاستفادة من التمويل العمومي الذي كانت تقدمه الدولة وبالتالي اشتغلت في مواضيع، مثل: التنمية والرياضة وحقوق المرأة وحقوق المعاقين.

لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة وضع تونس في نهاية سنة 2022، بوضعها قبل الثورة فيما يخص الحريات والحقوق ودور المجتمع المدني، ولكن من الممكن استخلاص العبر من تلك الفترة والعمل على تجاوز التحديات في الفترة الحالية.

رغم ضيق الحيز الذي كان للمجتمع المدني حرية العمل فيه فإن هناك منظمات وطنية كانت تعمل وتنشط وتمارس دورها في الضغط والمراقبة رغم محدوديته، إلا أنه مثَّل صوتًا للمواطنين والمواطنات وساهم في نشر الوعي وبناء الحراك المجتمعي الذي تجسَّد في ثورة 2011.

فقد كانت المنظمات في تونس تعمل بالتنسيق بعضها مع بعض وتقوم ببعض الأنشطة أو تصدر بيانات مشتركة مع الناشطين السياسيين المعارضين، وأيضًا كان هناك عمل مشترك مع النقابات.

يجب حتمًا الاستفادة من هذه الخبرات حتى لا تسمح المنظمات والنقابات والجمعيات اليوم بالتراجع عن مكتسباتها طوال فترة ما بعد 2011 إلى اليوم، وأيضًا التصدي للتوجهات نحو الحكم الفردي.

رابعًا: مواجهة الضغوطات المسلطة على المجتمع المدني

تتمثل الإستراتيجيات الأساسية للتعامل مع الانتهاكات والتضييقات الحالية في تنسيق مجهودات المجتمع المدني والعمل في إطار تحالفات بالإضافة الى الدعوة إلى مد جسور الحوار مع النظام الحالي.

من أهم الإستراتيجيات التي من الضروري أن تلجأ إليها الجمعيات والمنظمات في تونس اليوم التشبيك والعمل في إطار التحالفات، ما سيساهم في تطوير أساليب عملها ونشاطها للاضطلاع بدور أكبر في الاقتراح والضغط والرقابة.

من الممكن أيضًا التنسيق بين مختلف الجمعيات التي تعمل في نفس المواضيع للشراكة والعمل معًا حتى يكون لعملها قيمة أكبر وتؤدي الدور المنوط بعهدتها بطريقة أنجع، فالعمل المشترك يكون له تأثير أفضل من العمل بطريقة منفردة.

لا يجب أيضًا التهوين من دور الاتحاد العام التونسي للشغل لدوره ووزنه الكبير في المجال العام في تونس، ولذلك يجب أن تعمل المنظمات الوطنية الكبيرة على محاولة التواصل مع قيادات الاتحاد، للعمل معًا في المسائل التي تطرح اليوم بإلحاح للخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد.

من الممكن أيضًا النظر في إمكانيات الحوار مع مؤسسات الدولة ووضع خبرات المجتمع المدني في مجالات الانتخابات والحوكمة واللامركزية وإصلاح النظام الجبائي وغيرها من المواضيع المطروحة للنقاش اليوم تحت تصرف المؤسسات الحكومية للعمل معًا لما فيه مصلحة المواطنين والمواطنات.

خامسًا: آليات للحركة

تتمثل آليات تنفيذ هذه الإستراتيجيات أساسًا، في تعزيز التواصل بين المنظمات الوطنية التي بإمكانها وضع خطط للتشبيك والتنسيق وإنشاء تحالفات أو إعادة بناء تحالفات تم إنشاؤها سابقًا ولكنها اندثرت، فمثلًا من التحالفات الناجحة، التي ينبغي العمل على منوالها، الائتلاف المدني حول الحريات الفردية وهو ائتلاف يضم مجموعة كبيرة من الجمعيات الوطنية والمنظمات الدولية التي تعمل في موضوع الحريات والحقوق الفردية، وكان هذا الائتلاف حاضرًا في كل القضايا والأحداث التي لها علاقة أو تمس الحقوق الفردية.

هناك أيضًا مجموعة من المنظمات، مثل: الجمعية التونسية للمحامين الشبان، جمعية القضاة التونسيين، وجمعية التونسيات، للبحث حول التنمية والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، كونوا لجنة إثر 25 جولية 2021 أسموها لجنة عمل مشتركة بهدف متابعة تطورات الوضع السياسي ورصد الانتهاكات التي قد تمثل تهديدًا للحقوق والحريات.

من المهم جدًّا مواصلة هذا العمل لتفعيل دور هذه المنظمات في الرقابة وفي التصدي لأي انتهاكات ممكنة.

من الآليات الممكن اللجوء إليها لتنفيذ الإستراتيجيات المقترحة أيضًا، وضع خطة عمل واضحة منوطة بعهدة جميع المنظمات المشاركة للتوحد في مواجهة الانتهاكات، وتأتي خطة العمل بعد القيام باجتماعات دورية أو تخصيص منسق من كل جمعية للتواصل مع بقية المشاركين والمشاركات للعمل على وضع خطة وتعديلها إن دعت الحاجة، أو تغيير محتواها تماشيًا مع ما قد يستجد من تحولات على المستوى السياسي والقانوني وأيضًا الاجتماعي.

خاتمة:

رغم العدد الكبير لمنظمات المجتمع المدني في تونس اليوم، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال لها أن تواجه تحديات التضييق المحتملة بصفة منفردة وهذا ما يجعل من التشبيك والعمل في إطار تحالفات تقوم على أساس الأفكار أو مواضيع الأنشطة أو البرامج المشتركة أمرًا ضروريًّا كي يضطلع المجتمع المدني بدوره على أكمل وجه ويساهم في الضغط والرقابة ورصد الانتهاكات بل واسترجاع دوره كشريك في اتخاذ القرارات وصياغة القوانين، هذا الدور الذي تلاشى مع كتابة دستور جديد والاستفتاء عليه وإصدار مراسيم رئاسية متنوعة تهم جهات عديدة دون استشارة أو تشاركية، وهو ما رفضته منظمات المجتمع المدني بل ودعت إلى سحب بعض المراسيم، مثل المرسوم عدد 54 الصادر في سبتمبر/أيلول 2022 والمتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والذي اعتبرته عدة منظمات يمس حرية التعبير وحرية الصحافة، ودعت رئيس الجمهورية إلى سحبه.

تحظى التحالفات المدنية وخاصة في صورة التنسيق مع الاتحاد العام التونسي للشغل لوزنه سياسيًّا واجتماعيًّا ومدنيًّا في تونس بأهمية بالغة وبإمكانها تحقيق أهدافها وبالتالي التصدي للانتهاكات الحاصلة وأيضًا للوقوف ضد تغيير قانون الجمعيات الحالي وتمرير المرسوم الذي تم تسريبه والذي يمثل خطرًا كبيرًا على الفضاء المدني في تونس.

ولهذا، من المهم أن تحاول المنظمات توحيد جهودها خاصة في المسائل الوطنية الهامة وأيضًا إشراك النقابة الأساسية في تونس، أي اتحاد الشغل، لأن دوره أساسي ومحوري ولا يمكن أن يكون لبقية المنظمات وزن بدونه.

إن هذه التحالفات التي ستكون على أساس منطقي وليست عشوائية ممكنة وغير صعبة التحقيق ويكفي أن تنسق المنظمات وتفتح باب الحوار والتواصل حتى يتم تكوين لجان عمل مشتركة وائتلافات وتحالفات تتسم بالمرونة ومواكبة التغيرات الحاصلة في المشهد السياسي الوطني خاصة بعد انتخاب أعضاء مجلس النواب الجدد وإمكانية وضع أسس لانتخاب مجالس الأقاليم في مرحلة لاحقة.

كل هذه التطورات يجب أن يجابهها مجتمع مدني ينشط ويعمل في إطارٍ من الشراكة والتحالف والتنسيق حتى يحافظ على حيز حريته ونشاطه الذي تم اكتسابه بفضل مجهودات كبيرة ولا يمكن التراجع عنه.

أميمة المهدي، مواقف المنظمات المدنية في تونس: اختلاف في تأويل النصِّ واشتراك في الخوف على الحريات موقع المفكرة القانونية https://bit.ly/3G4LMJL

2 موقع منظمة المادة 19: تعديل مرسوم الجمعيات يدق ناقوس الخطر بشأن حماية الفضاء المدني https://bit.ly/3DN6w6c

3 أنوار المنصري واقع المجتمع المدني في تونس، مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية، https://bit.ly/40bPoAG

Start typing and press Enter to search