الاقتصاد الأزرق ومؤتمر المناخ الـ27 في مصر
أوجيني إبراهيم

مصر

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [479.21 KB]

مقدمة عن الاقتصاد الأزرق

تساهم البحار والمحيطات، على مر التاريخ، في النشاط الاقتصادي لمختلف البلدان، سواءً عن طريق توفير الموارد الغذائية، أو استعمالها كوسيلة نقل وأيضًا للتجارة، ما جعلها جاذبةً لاهتمام مختلف متّخذي القرار حول العالم حازمين على الاهتمام بها وبكل ثرواتها.

ومع تطور الفكر والعلوم على مرّ الزمان، ظهرت علوم تهتم أكثر بالبيئة الطبيعية وتحثّ على الحفاظ عليها، فبرز العديد من المفاهيم والمجالات الجديدة كمفهوم “الاقتصاد الأزرق.

ظهر المفهوم حديثًا في القرن الواحد والعشرين على يد الاقتصادي البلجيكي جونتر باولي (Gunter Pauli) وذلك في أعقاب مؤتمر ريو +20 موسعًا نطاق مساهمة البحار والمحيطات، وموثقًا ارتباطها بالتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية.

من هنا حاز المفهوم على أهمية كبيرة من قِبل المنظمات الدولية كالأمم المتحدة التي تعرّفه على أنه “يشمل مجموعة من القطاعات الاقتصادية والسياسات ذات الصلة التي تحدد معًا ما إذا كان استخدام موارد المحيطات يتم بشكل مستدام”.1

ويعرّفه البنك الدولي على أنه “الاستخدام المستدام لموارد المحيطات للنموّ الاقتصادي وتحسين سبل العيش والوظائف مع الحفاظ على صحة المحيطات والنظام البيئي”2.

ونلاحظ هنا أنّ كلا التعريفين يركزان على مفهوم الاستدامة، أي أنّهما يعنيان الحفاظ على المحيطات واستخدامها بطريقة مستدامة. ومع سوء الأحوال المناخية واستنزاف الثروات المائية الزائد عن حده في الآونة الأخيرة وزيادة نسبة الفقر، يجب علينا مساءلة فاعلية العلوم، خاصةً في منطقتنا العربية، ومناقشة المؤتمرات والفاعليات التي تحثّ على الاهتمام بتلك المجالات. يبقى بيت القصيد هنا هو: كيف يتأثر ويؤثر الاقتصاد الأزرق في منطقتنا العربية؟ وفي هذا الإطار، ما أهمية انعقاد مؤتمر cop27 في مصر ومناقشة ما يعنيه الاقتصاد الأزرق للعالم عمومًا ولمنطقتنا خصوصًا؟

الاقتصاد الأزرق في منطقة حوض البحر المتوسط

بحسب تقرير الأمم المتحدة، يتمتع الاقتصاد الأزرق في منطقة حوض البحر المتوسط بـ 600 ميناء ومحطة، ويقدَّر ناتج مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية بحوالي اثني عشر مليار دولار في السنة، مشاركًا في تجارة النفط الدولية المتنقلة عن طريق البحار بنسبة 13.24% بفضل قناة السويس وخط أنابيب سوميد ومضيق البوسفور والدردنيل. كذلك يجذب الاقتصاد الأزرق في تلك المنطقة السياح من مختلف البلدان، ويخلق العديد من فرص العمل لأهالي تلك المناطق.

وعلى الرغم من ذلك ومن تنوع الثروات في البحر المتوسط، يُصنَّف الاقتصاد الأزرق على أنه اقتصاد هشّ، إذ يعاني من ضغوط مختلفة مثل الصيد الجائر والتلوث والصيد غير المشروع وتدهور السواحل وتغير المناخ والقمامة البحرية، من بين تأثيرات أخرى. يجب الأخذ في عين الاعتبار هنا أن الصيد الجائر والصيد غير المشروع مفهومان متشابهان، لكن ليسا متطابقَين، فالصيد الجائر يحدث عندما تفشل الحكومات في تحديد مستويات الصيد أو فرضها، أما الصيد غير المشروع فنجده عندما يكون هناك صيد غير مرخص، في أماكن مغلقة، صيد أنواع محظورة، أو استخدام معدات غير مسموح بها.3

ويشكو الاقتصاد الأزرق أيضًا في منطقة حوض البحر المتوسط من تدهور السواحل وتغير المناخ والقمامة البحرية، ويواجه الكثير من التحديات التي نسردها في ما بعد، لكنّ تحدّيه الأبرز تمثّل في جائحة كورونا. لقد كان تأثير تلك الأزمة سلبيًّا للغاية، إذ تضرّر صيد الأسماك، وانخفضت نسبة السفن العاملة إلى ٪80 وكان معظمها من السفن الكبرى، فانخفضت عمليات الاستيراد والتصدير، وتم الاعتماد بشكل أكبر على المزارع السمكيّة. ومع إجراءات منع السفر، عانت المناطقة الساحلية من ندرة السيّاح، فانخفض الطلب على الأسماك، مما أدى إلى انخفاض أسعار الأسماك بشكل عامّ وبالتالي انخفاض دخول العاملين في ذلك القطاع.4

الاقتصاد الأزرق والفقر

يمكننا إذًا بسهولة ملاحظة المجالات الواسعة للاقتصاد الأزرق الذي يحتاج إلى إدارة يقظة وفعالة على الدوام. لهذا الاقتصاد دور كبير، وهو يُعدّ عاملًا مهمًّا، فيؤثّر ويتأثّر؛ إنه يتأثر بالتعاملات البشرية معه، من استخدام واستغلال، وبدوره، يوفّر الغذاء والوظائف والمياه. كما أنه مصدر للنمو الاقتصادي، إذ يخلق العديد من فرص الدخل خاصةً لذوي الدخل المحدود والفقراء، فيمثّل ما يقرب من 5.4 مليون وظيفة ويولّد قيمة مضافة إجمالية تبلغ حوالي 500 مليار يورو في السنة بحسب تقرير البنك الدولي. كما أنّ له وزن كبير في الاقتصاد الدولي إذ إنه يدرّ ما بين 3 إلى 6 تريليونات دولار أميركي للاقتصاد العالمي. وإذا تعاملنا معه باعتباره دولة، فإن اقتصاد المحيطات سيكون سابع أكبر اقتصاد في العالم.

يُعتبر الاقتصاد الأزرق مؤثرًا أيضًا على الاستدامة. وكما نعلم جميعًا، أن الاستدامة ومبادئها محيطً عميق (غير مفهوم) وإذا ركزنا على تأثير الاقتصاد الأزرق على المبدأ الأول للتنمية المستدامة، ألا وهو الحماية من الفقر، نجد أيضًا أن هذا الاقتصاد يحارب الفقر في الدول المختلفة.

الاقتصاد الأزرق مواجهًا الفقر في حوض البحر المتوسط

هنا يمكن طرح السؤال حول كيفية تحقيق الاقتصاد الأزرق للاستدامة عن طريق مواجهة الفقر. نجد أنّ تقارير الأمم المتحدة تثبت وجود تلك العلاقة: “في الاقتصاد الأزرق، يساهم محيطنا في القضاء على الفقر عن طريق توفير سبل العيش المستدامة والعمل اللائق، وتوفير الغذاء والمعادن، وتوليد الأكسجين، وامتصاص غازات الاحتباس الحراري، والتخفيف من آثار تغير المناخ، والعمل كطرق سريعة للتجارة الدولية المنقولة بحرًا”. ولكن هل يحقق الاقتصاد الأزرق تلك الاستدامة في منطقتنا بحوض البحر الأبيض المتوسط؟ للإجابة على هذا السؤال يمكننا البدء بسرد المبادرات التي ينظمها اتحاد “من أجل المتوسط” الذي أنشئ عام 2008 في قمة باريس وكان مكوّنًا من 42 بلدًا من أوروبا وحوض البحر المتوسط، وقد هدف إلى تعزيز التنمية البشرية وتحقيق الاستدامة عن طريق الشراكة بين مختلف الأعضاء. من مبادراته؛ “مبــادرة بلــو ميد” التي تحث على البحــث والابتكار من أجل توفير الوظائــف الزرقــاء وتحقيق النمــو فــي منطقــة البحــر الأبيض المتوســط؛ و”مبادرة ويست ميد” تحت إدارة دول المغرب العربي التي تهدف إلى تطويــر الاســتزراع المائــي المســتدام؛ ونجد أيضًا مبادرات لها علاقة بالموانئ المتوسطية كمبادرة YEPMED التي تهدف إلى توفير فرص عمل للشباب في موانئ البحر المتوسط ولتعزيـز الاندماج الاجتماعي ومكافحة الفقر فـي المنطقـة مـن خلال احتراف الشـباب وذلك في سـتة بلـدان متوسـطية هي إيطاليـا ولبنـان ومصـر وتونـس وفرنسـا والأردن؛ وأخيرًا مبادرات تستهدف انخفاض مستوى الفقر عن طريق تحسين الدخل العائد من تطوير السياحة كمشروع “سمارت ميد” (Smart Med) الذي يشجع التعـاون بيـن أصحـاب المصلحـة الرئيسـيين، على تطويـر السـياحة الذكيـة والشـاملة والمسـتدامة. ذلك مشروع يهـدف أيضًا إلـى حل التحديـات الأساسية فـي منطقـة البحـر المتوسـط، مثـل التحديات الموسـمية ونقـص التعاون اللازم.

أما بالنسبة للمشروعات المحلية الخاصة بالدول في مجال الاقتصاد الأزرق، نجد أولًا المغرب الذي بفضل موقعه الجغرافي؛ والذي تصل سواحله البحرية إلى 3500 كلم، يؤهله الرفع مستوى اقتصاده الأزرق معتمدًا عليه كرافعة أساسية لتحقيق التنمية. (العبارة غير واضحة بحاجة إلى إعادة صياغة، مع الإشارة إلى أن المغرب مذكر). ومن أهداف الحكومة الخاصة بالمغرب في 2030 زيادة الإنتاج السمكي إلى مليون طن سنويًّا، في مسعًى لتحقيق الأمن الغذائي. كذلك يعمل المغرب على ترويج السياحة والتركيز على ما يدعى “المخطط الأزرق” الذي يهدف إلى جعل شواطئ المغرب تنافسية على المستوى الدولي لتخلق العديد من الفرص للشباب. وبمناسبة مؤتمر “كوب 22″، أطلق المغرب أيضًا العديد من المبادرات كمبادرة الحزام الأزرق للصيد المستدام في أفريقيا، والمبادرة المتعلقة بالماء لأفريقيا (Water For Africa).5 ونجد أيضًا نجاح مشروع البنك الدولي في المغرب والذي يهدف إلى تحسين خلق فرص العمل والنمو الاقتصادي، فضلاً عن استدامة ومرونة الموارد الطبيعية والأمن الغذائي.

أمّا تونس فتمتاز بشريط ساحلي يمتدّ على مسافة 1300 كلم، وبموقع يؤهلها كي تكون ميناءً بحريًّا مهمًّا. ويحرص المسؤولون فيها على جودة العروض السياحية التونسية لكي يسـاهم القطـاع فـي تعزيـز مسـتدام للاقتصاد وتحسـين سـوق العمل التونسي.

مشروعات الاقتصاد الأزرق في مصر ومؤتمر المناخ COP 27

أما مصر فتتميز كثيرًا من حيث الموقع الجغرافي إذ تمتلك 4 آلاف كيلومتر من الشواطئ على البحرين الأحمر والمتوسط، بالإضافة إلى أهم ممرّ ملاحي وهو قناة السويس، وكذلك نهر النيل والعديد من الموانئ والبحيرات. إن بلدًا يمتلك كل تلك المقومات لا بدّ أن يكون من الدول المتقدمة في الاقتصاد الأزرق، فنجد فيه مشاريع تهدف إلى خلق العديد من فرص الدخل عن طريق السياحة والعمل على تنشيطها خاصةً في البحر المتوسط، والسياحة التي تدعي بالكروز أو الرحلة النيلية (Cruise) من القاهرة إلى أسوان عبر استخدام النيل كوسيلة تنقل أساسية. وفي مصر أيضًا مبادرات بسيطة كالمبادرة المقترحة من قبل الدكتورة هناء عبد الباقي، أستاذة الكيمياء ورئيسة قسم الحيوية النباتية في المركز القومي للبحوث ونائبة رئيس اللجنة الوطنية للعلوم البيولوجية، عن صورة من صور تحدي الفقر ألا وهي التأمين الغذائي. وتكمن فكرتها في استخدام الطحالب داخل الوجبات الغذائية للأطفال فهي تُعدّ موردًا مائيًّا يمتلك العناصر الأساسية والمفيدة للأطفال، وفي نفس الوقت بسعر اقتصادي.6 هذا إلى جانب، وجود مشاريع تهدف إلى توفير فرص دخل عن طريق تحويل الموانئ المصرية إلى مراكز لوجستية للتحميل والتفريغ والخدمات والتعبئة وإعادة التصدير والتصنيع وصيانة السفن والصناعات البحرية الثقيلة والخفيفة.7 وتوضح دراسة من قبل “المركز المصري للفكر والدراسات” أنّ مصر شهدت توسّعًا في الاستخراجات البترولية على سواحل البحر الأبيض، ومن جهة أخرى تشجّع مصر على عمليات البحث والتنقيب على شواطئ البحر الأحمر بعد تحديد الحدود المصرية السعودية شرقًا. ولا يمكننا أن ننسى أيضًا أنه خلال عامَي 2018-2019، اكتشفت مصر 15 حقلاً جديدًا من الغاز، 5 منها في مياه المتوسط من أهمها وأكبرها حقل الغاز في المياه المصرية بين مصر واليونان وقبرص من الجانب الشمالي.8

وشهدت قضايا التنمية المستدامة، خاصةً التغيير المناخي في مصر، اهتمامًا كبيرًا من قِبل المسؤولين إذ ترأّس الرئيس عبد الفتاح السيسي لجنة الرؤساء الأفريقيين المعنيين بتغيّر المناخ عامَي 2015 و2016 وأطلق في ذلك الوقت أيضًا مبادرتين أفريقيتين على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية تُعنى أولاهما بالطاقة المتجددة في أفريقيا، والأخرى بدعم جهود التكيّف في القارّة. كما ترأست مصر العديد من المنظمات كمجموعة الـ 77 في مفاوضات تغيّر المناخ، وكذلك مجموعة المفاوضين الأفريقيين ساعيتًا مصر أن تكوت رائدة في مجال القضايا البيئية خاصة التغير المناخي. وكانت ثمرة ذلك المجهود استضافة مصر للدورة الـ 27 من مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ عام 2022، المعروف أيضًا باسم COP 27. هذا الحدث سينعقد بين 7 و18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، وسيقام في مدينة شرم الشيخ. سيعمل المؤتمر على تقدم المحادثات العالمية بشأن المناخ، وتعبئة العمل، وإتاحة فرصة هامة للنظر في آثار تغير المناخ في أفريقيا. وذكرت وزارة البيئة المصرية، في بيان أصدرته يوم الخميس في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 أنّ مصر “تستضيف رسميًّا مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ القادم COP27 بشرم الشيخ في 2022، وذلك بعد أن تم إعلان اختيار مصر لاستضافة الدورة القادمة من المؤتمر خلال مؤتمر جلاسجو الذي عقد في نوفمبر 2021”.9 تم تعيين لجنة من قبٍل رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي لتحضيرات ذلك الحدث المهم، وعكس صورة جيدة لمصر أمام العالم أجمع عن مجهوداتها في قضايا الاستدامة والعدالة الاجتماعية وأيضًا الفقر. لكنّ مؤتمر المناخ، هذا العام، لا يمكن اعتبار أنّ ظروفه الأفضل على الإطلاق فالاقتصاد العالمي لم يتعافَ بعد من الأزمات التي سببتها جائحة فيروس كورونا. يأتي كل ذلك وسط عالم قلق من الحروب وعدم الاستقرار بين روسيا وأوكرانيا على وجه خاصّ، وكل الدول الأوروبية على وجه عام، ووسط شعارات مزيفة وعدم تحقيق ما تم الاتفاق عليه في المؤتمرات التنموية السابقة كمؤتمر جلاسجو عام 2021 في إتمام الاتفاق على تفاصيل تنفيذ اتفاق باريس وحشد الإرادة السياسية نحو الحفاظ على معدل الزيادة في درجات الحرارة عند درجة ونصف مئوية. الدول المتقدمة لم تفِ حتى الآن بالتزامها توفير 100 بليون دولار سنويًّا لتمويل جهود الحدّ من آثار التغيرات المناخية على الرغم من أهمية ذلك الدعم المادي بالنسبة للدول النامية. في وسط ذلك المناخ تأخذ مصر جانبًا محايدًا محاوِلةً أن تجذب جميع الأطراف لنجاح المؤتمر واتخاذ أفضل القرارات.

تكمن فوائد هذا المؤتمر ومكتسباته في إنعاش الاقتصاد المصري وذلك عن طريق ترويج السياحة وجذب الاستثمارات المختلفة للأطراف الذين تأكدوا من قدرة مصر الاقتصادية وإدارتها الفعالة للتنمية. سيعمل المؤتمر أيضًا على الترويج للصناعة والمنتجات المصرية والحرف والصناعة التقليدية التي ستُعرض على هامشه. أما بالنسبة إلى الجانب السياسي، فإن المؤتمر يعمل على تعزيز مكانة مصر السياسية في المحافل الدولية مثل “G20″، ويساهم في نطاق التعاون الدولي، ويحافظ على علاقات مصر الخارجية ويقوّيها، كما يعمل على تقوية موقف مصر في العديد من القضايا، أهمّها القضايا المائية وعلى رأسها قضية سد أثيوبيا.

تحديات الاقتصاد الأزرق

لكنّ الاقتصاد الأزرق في العالم كلّه يعاني ويتدهور شاكيًا من العديد من الأزمات المعاصرة. إنه يعاني بسبب التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة بشكلٍ كبير، وذلك بالطبع يحدث بسبب انبعاثات الغاز الدفيئة وإزالة الغابات في المقام الأول، وزيادة ملوحة المياه وانخفاض الأكسجين الذي يزيد من دفء المياه في المقام الثاني. كما أن زيادة درجة حرارة المياه تؤدي إلى فقدان التنوع البيولوجي لأنها غير مناسبة للتكيف البيولوجي للعديد من الأحياء المائية كالشعب المرجانية. 10 كما أنّ ارتفاع درجات الحرارة يزيد من سرعة ذوبان الجليد، فيرفع منسوب المياه مسببًا الكثير من الفيضانات التي تدمّر العديد من المناطق الزراعية والسياحية، بالإضافة إلى تآكل السواحل المُلاحظ في مختلف الأماكن مسببًا العديد من الخسائر الاقتصادية.

يُعتبر التلوث البحري من أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد الأزرق. هو تحدٍّ قديم، لكن مع الأسف لا يزال موجودًا، بل نجده في ازدياد كبير مع مخلّفات الناقلات النفطية والصرف الحي والتخلص من المواد الكيميائية في البحار والمحيطات المختلفة الأمر الذي يقضي على الأسماك والكائنات الحية التي تعيش في تلك المياه.

ويُعدّ الصيد الجائر أيضًا من أهم التحديات، إذ يستخدم الصيادين طرق صيد بشكل غير قانوني كالصيد بالسموم والصيد في أوقات الحظر بالإضافة إلى الاصطياد الجائر لأنواع مهددة بالانقراض. ويرجع كلّ ذلك عادةً إلى غياب الرقابة على الصيد، خاصةً في دول العالم الثالث.

وأخيرًا، تأتي التحديات التي يواجها الاقتصاد الأزرق في منطقة حوض البحر المتوسط. بحسب تقرير “الاتحاد من أجل المتوسط”، يعاني الاقتصاد الأزرق في مختلف قطاعاته. في قطاع السياحة يعاني البحر المتوسط من تلوث المخلفات، سواءً من السفن السياحية أو عن طريق المرافق السياحية أو مياه الصرف. كما يشكو من تلوث الهواء وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري من مرافق النقل والسياحة إلى حدّ كبير زادت في العقود الماضية، خاصةً بسبب زيادة النقل الجوي في البحر المتوسط. كما يعاني من انخفاض القيم الجمالية في المنطقة بسبب زيادة الاهتمام بالتحضر والبنية التحتية التي تهدف إلى ضمان الرفاهية.

أما في ما يتعلق بالصيد، فإنّ حجمه الإجمالي في تناقص مستمر غير مراعٍ لمعايير الاستدامة. وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة (2016)، “الوضع في البحر الأبيض المتوسط ​​ينذر بالخطر”، حيث يتم الاصطياد بنسبة 80% وهذا زيادةً من المستوى المستدام. وبالرغم من انخفاض الحجم الإجمالي للصيد، نجد أيضًا انخفاضًا في المزارع السمكية وذلك بسبب التطور السريع الزائد عن اللزوم في استخدام المضادات الحيوية والأسماك الهاربة.11

ويُعدّ البحر كذلك أكبر وسيلة للنقل بنسبة تبلغ 80%، الأمر الذي يمثّل تحديًا كبيرًا للاقتصاد الأزرق ويضغط على البيئة البحرية، فانبعاثات السفن وتسرّب المواد الخطرة منها أدت إلى حوالي 10% من التلوث البحري.

وهناك أيضًا تحديات مرتبطة بقناة السويس المصرية التي تُعدّ حجر الزاوية للاقتصاد الأزرق المصري، حيث إن العديد من الناقلات الكبيرة تفضّل طريق رأس الرجاء الصالح عن طريق قناة السويس، خاصةً الناقلات المنتقلة من شبه الجزيرة العربية إلى الولايات المتحدة. وذلك بسبب أن حجم تلك الناقلات لا يسمح لها بالعبور في قناة السويس الجديدة بسبب ضحل عمق المياه وضيق المساحة. كما أنه هناك أغراض سياسية أخرى تخلق ممرات وطرق مخالفة كالحكومة الإسرائيلية التي عقدت اتفاقًا مع الصين لإنشاء قطار جسر بري يربط ميناء إيلات في خليج العقبة وموانئ أشدود وحيفا في البحر المتوسط. 12

الاقتصاد الأزرق طوق أمل

لكن لا يجب علينا أن نقف يائسين أمام تلك التحديات، فكوكبنا يتكون من 70% من الماء، مما يجعل الاقتصاديين دائمي البحث عن كيفية تمكين وتطويع البحار والمحيطات المختلفة، أو بمعنى أدق كيفية استخدام الاقتصاد الأزرق. والجدير بالذكر أنّ العديد من الدول النامية الفقيرة تسيطر على جزء لا بأس به من البحار والمحيطات، فإذا استطاعت حكومات تلك الدول أن تتغلب على تحديات الاقتصاد الأزرق، التي لا يمكن على الإطلاق اعتبارها مستحيلة، ووضع خطط تنموية مستدامة فعالة، واستثمرت فيه على النحو الصحيح، يمكنها الاعتماد عليه كحجر زاوية لبناء اقتصاد راكز يعتمد على مقوّماته الطبيعية والصناعية أيضًا.

أما على المستوى الدولي فيمكننا اكتشاف العديد من الخبرات الناجحة. على سبيل المثال، كان الاقتصاد الأزرق بمثابة طوق نجاه لموريشيوس، تلك الدولة الجُزُريّة الصغيرة، بعد تطبيق برنامج حكومتها في عام 2015 ورؤية تحويل موريشيوس إلى دولة محيطية من خلال ترويج اقتصاد المحيط كواحدٍ من دعائم التنمية المستدامة. وقد تم ذلك عن طريق استخدام كل الثروات الحيّة وغير الحيّة في موريشيوس. كما أنشئت وزارات مختصة للاهتمام بمجالات الاقتصاد الأزرق، كوزارة المحيطات والموارد البحرية ومصايد الأسماك والشحن الأنشطة المتعلقة بالمحيطات. وبذلك، ساهم الاقتصاد الأزرق بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي وزيادة إيرادات السياحة، حتى أنه تم اعتبار معيار موريشيوس للسياحة المستدامة من المعايير العالمية للسياحة المستدامة.

من التجارب أيضًا يمكننا ذكر تلك التي نجحت في مدغشقر، والتي كانت تتمثل في الإدارة المستدامة للمشاريع الصغيرة. على سبيل المثال، تعليم الصيادين، رجالًا ونساء، كيفية اصطياد الأخطبوط بشكل فعّال أكثر في جنوب مدغشقر. فكرة بسيطة لكن مهمة لأنّ اصطياد الأخطبوط يُعدّ مصدر الدخل الوحيد للعديد من سكان مدغشقر. ومع التوعية بأهمية وقف الصيد المؤقت، اُتيحت فرصة أمام الأسماك للتكاثر وبالتالي ازداد حجم الصيد محققا زيادة في الدخل. تلك الفكرة نجحت في حوالي 85 قرية من قرى الصيد على طول جنوب غرب ساحل مدغشقر، وتضمّ 60 ألف شخص.

وأيضًا نجد النرويج التي اتّبعت نهج إعلان جوهانسبرج لعام 2002، النظام الإيكولوجي للإدارة لجميع النظم البيئية البحرية بحلول عام 2010، منشئةً خططًا مماثلةً أساسها الإدارة المتكاملة القائمة على النظام الإيكولوجي لبحر النرويج. وقد أدى ذلك إلى توفير تعايش بين جميع الصناعات داخل المنطقة، وأصبح اتخاذ القرار يعتمد على نطاق أوسع أساسه المعرفة البيئية والاقتصادية والإلمام بالعواقب الأنشطة الحالية والمستقبلية في مجالات خطة الإدارة.13

نجد هنا أنّ الاقتصاد الأزرق سار جنبا إلى جنب مع الاقتصاديات المختلفة محققا بعض النجاح، سواءً كان نجاحًا سياحيًّا، كما هو الحال في موريشيوس، أو نجاحًا تنمويًّا، كما نجد في مدغشقر، أو نجاحًا إداريًّا، كما عاصرت النرويج. الاقتصاد الأزرق اقتصاد مهمّ وحديث الانتشار، متوافق مع التنمية المستدامة ومبادئها، قادر على إنقاذ العديد من الدول إذا تغلّبت على تحدياته. ليس من الصعب توفير إمكانياته فالمياه تغمر معظم كوكبنا وما علينا سوى استثمارها وتنشيطها. يستحقّ إذًا أن نعتبر الاقتصاد الأزرق حجر زاوية يُبنى عليه الاقتصاد، حتى أنه يمكن أن يكون اقتصادًا بديلًا للاقتصاديات النفطية في المستقبل.

1 الأمم المتحدة، قطاع الاقتصاد والأعمال الاجتماعية، https://bit.ly/3eGp7Iu

2البنك الدولي، http://bit.ly/3Et5BJH

3 مجلس الإشراف البحري، «تعريف الصيد الجائر وغير المشروع والصيد المدمر»، https://bit.ly/3goehYo

4 الاتحاد من أجل المتوسط، «نحو اقتصاد أزرق مستدام في منطقة حوض البحر المتوسط»، 2021، http://bit.ly/3EsxVf6

5بسنت جمال مجاهد، «الاقتصاد الأزرق في الخبرة العربية … واقع جيد ومستقبل واعد»، 2019 https://democraticac.de/?p=60928

6 شيماء الشافعي، «إنتاج أسمدة حيوية تحافظ على البيئة وتحسن كفاءة التمثيل الغذائي للنبات. ويعالج مشكلات البطالة والأمن الغذائي والفقر» بوابة الأهرام، 6-4-2022. http://bit.ly/3UPGOoz

7 عيشي الغنيمي، «نحو اقتصاد أزرق مستدام»، أهرام أونلاين، 2022. http://bit.ly/3A74L2v

8 سكاي نيوز، «مصرالكشف عن حقل غاز جديد في البحر المتوسط»، 2020، https://bit.ly/3V6vZiX

9 الهيئة العامة للاستعمالات المصرية، «مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP27) مصر» ،2022.

10 مبعوث الأمم المتحدة الخاص للمحيطات، بيتر طومسون. «بيتر طومسون: تحريك الاقتصاد الأزرق المستدام»، http://bit.ly/3O27yjm

11 الاتحاد من أجل المتوسط، «الاقتصاد الأزرق في البحر المتوسط»،2017، http://bit.ly/3E27hbO

12 محمود عواد، «الإمكانات والتحديات التي تواجه المؤهلات الإلكترونية والتحديات التي تواجه مصر لتحقيق النمو الأزرق والأزرق: نجاح: منظور الهدف 14»، 2019، http://bit.ly/3G730q6

13 الاتحاد من أجل المتوسط، «الاقتصاد الأزرق: مشاركة قصص النجاح لإلهام التغيير»، 2015. https://bit.ly/3VDURPf

Start typing and press Enter to search