إعادة الإعمار في بيروت:

الحق في المدينة بين الماضي والمستقبل

شيماء الشرقاوي

لبنان

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [1.07 MB]

مقدمة:

منذ انفجار مرفأ بيروت الأليم في الرابع من آب/ أغسطس 2020، والدمار الهائل الذي خلّفه1 بدأ مباشرة الحديث عن ضرورة “إعادة إعمار بيروت” وطُرحت أفكارٌ حول نقل المرفأ وتحويل المنطقة إلى منتجع سياحي. وهنا عادت للذاكرة عمليات إعادة الإعمار التي تلت الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، وظهرت أيضًا التساؤلات حول الفاعلين الحاليين الذين سينخرطون في هذه العملية. إضافةً إلى العديد من التساؤلات حول الأثر المتوقع أن تخلّفه هذه العملية إن تمّت، على بيروت ومواطنيها وحقوقهم في المدينة.

تعود أصول مفهوم الحق في المدينة إلى كتاب للفيلسوف الفرنسي هنري لوفيفر “الحق في المدينة” والذي صدر عام 1968 في أعقاب الاحتجاجات التي اجتاحت فرنسا وباقي الدول الأوروبية. يرى لوفيفر أن مفهوم الحق في المدينة يعني “مطالبة الفرد بحقه في الحياة الحضرية”.2 ويأتي ديفيد هارفي ليؤكد أن الحق في المدينة ليس فقط حق الفرد من الحياة الحضرية أو حقه من المصادر التي تتمتع بها المدينة، ولكن يُعرّف هارفي الحق في المدينة بأنه الحق الجمعي في اكتشاف وتغيير أنفسنا عن طريق اكتشاف وتغيير المدن التي نعيش فيها.3 وبالتالي يؤكد هارفي حق المواطنين في استخدام مدنهم بالمعنى السياسي، أي المرتبط بقيم ومفاهيم مثل الحرية والمواطنة ومقاومة استخدام السلطة للمدينة بما يمنع حق المواطنين فيها.

ولم يبقَ هذا المفهوم داخل حيز الإسهامات النظرية فقط، فنجد على سبيل المثال أنّ دستور جمهورية الإكوادور لعام 2008 نصَّ في مادته رقم 31 أن “للجماهير الحق في الاستمتاع الكامل بكل أرجاء المدينة والأماكن العامة فيها على أساس مبادئ الاستدامة، والعدالة الاجتماعية، واحترام كافة الثقافات الحضرية والموازنة بين كافة الثقافات الريفية والثقافات الحضرية. ممارسة الحق في الاستمتاع بالمدينة التي تقوم على أساس الإدارة الديمقراطية للمدينة، وذلك في ما يتعلق بالوظيفة البيئية والاجتماعية للمدينة وللممتلكات وللمدينة نفسها والممارسة الكاملة للمواطنة.4

إلى جانب ذلك، فقد تُرجمت هذه الأفكار والمبادئ في “الميثاق الدولي للحق في المدينة” الذي أُصدر عام 2005، وتحديدًا في أعقاب المنتدى العاملي الأول لعام 2001. ويهدف “الميثاق” إلى تجميع الالتزامات والإجراءات التي يجب أن يقوم بها المجتمع المدني، والحكومات المحلية والقومية، وأعضاء البرلمان، والمنظمات الدولية من أجل تمكين كل البشر من الحياة بكرامة في مدنهم، ويحتوي أيضًا على المبادئ والأسس الاستراتيجية للحق في المدينة.5

من هذا المنطلق ستقدّم الورقة قراءة في الأطروحات والمخططات الحالية والحوارات الدائرة الخاصة بعملية إعادة إعمار بيروت بعد انفجار المرفأ، لإلقاء الضوء على أهم الفاعلين، وأبرز الجدالات المرتبطة بهذه العملية، وكيف من المتوقع أن تسير، وذلك في محاولة استكشاف عملية إعادة الإعمار المقبلة لمرفأ بيروت وكيف من شأنها أن تؤثر على حق المواطنين في مدينة بيروت بكل ما يحمله هذا الحق من معنى. وهو ما سيتطلب مراجعة عملية إعادة إعمار بيروت التي تلت الحرب الأهلية من أجل الاستشهاد بالتجربة والأثر الذي تركته.


أوّلاً: عملية إعادة الإعمار: أبرز الجدالات

عقب انفجار المرفأ الأليم، بدأ فورًا الحديث عن ضرورات الترميم وإعادة إعمار لا المرفأ فحسب، بل المناطق المحيطة به أيضًا والتي تضررت بشكل كبير للغاية. ولأنّ المرفأ والمناطق المحيطة تحمل أهمية ومحورية تاريخية وتراثية، ظهر العديد من الفاعلين على الساحة والذين حمل كلٌّ منهم أفكارًا وخططًا حول هذه المسألة. يمكن تقسيم هؤلاء الفاعلين إلى 3 فئات: أوّلاً، الفاعلون الرسميون؛ ثانيًا، الفاعلون الدوليون؛ وأخيرًا المواطنون ومؤسسات المجتمع المدني اللبنانية. وسنحاول في الجزء الآتي استعراض أهم ما قام به هؤلاء الفاعلون بعد حادث المرفأ.

الفاعلون الرسميون: الدولة ومؤسساتها

في 6 آب/ أغسطس 2020، وبهدف «مساعدة المتضررين من الانفجار في مرفأ بيروت»، وجّه مصرف لبنان تعميمًا أساسيًّا إلى المصارف والمؤسسات المالية، يطلب منها «أن تمنح قروضًا استثنائية بالدولار الأميركي للمتضررين من الانفجار في مرفأ بيروت (أفرادًا ومؤسّسات فردية ومؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم وشركات، باستثناء المطورين العقاريين) بغية الترميم الأساسي لمنازلهم ولمقر مؤسساتهم”.6

وفي 8 آب/ أغسطس أقر مجلس الوزراء آلية للكشف على الأضرار والتعويض على أصحابها. 7

أقر مجلس الوزراء دعم استيراد مادتَي الزجاج والالومنيوم، وتردّد أن مصرف لبنان سيفتح اعتمادات للمستوردين على سعر ٣٩٠٠ ليرة. 8

ومع الإعلان عن المساعدات، أعلنت وزارة الصناعة أنها ستوزّع المساعدات على مصانع الزجاج بسعر الكلفة. ما يعني أن المصانع ستستلم كميّات “مدعومة” من الزجاج. لكن الوزارة لم تحدّد هوية هذه المصانع، ولا نصيب كل مصنع من الزجاج المدعوم.

في 30 أيلول/ سبتمبر صادق مجلس النواب على قانون “حماية المناطق المتضررة بنتيجة الانفجار في مرفأ بيروت ودعم إعادة إعمارها”.9

في 19 تشرين الأول/ أكتوبر: “أعلنت ​الهيئة العليا للإغاثة تحويل مبلغ 100 مليار ليرة (65832784 دولار وفق سعر الصرف الرسمي (1515) إلى الجيش اللبناني لتعويض ضحايا مرفأ بيروت.

اعتبر مجلس الوزراء ضحايا تفجير المرفأ جنودًا في الجيش اللبناني، وأقرّ لهم تعويضات ومعاشات تقاعد كأيّ جندي استشهد أثناء تأدية الواجب، كما اعتبر كلّ جريح تعرّض لإعاقة من ذوي الاحتياجات الخاصة، ويستفيد من تقديمات صحية من الضمان الاجتماعي مدى الحياة”.10

الفاعلون غير الرسميين: المواطنون والمجتمع المدني اللبناني

منذ اليوم التالي للانفجار، نزل الناس إلى الشوارع واقتسموا الأحياء، وبدأوا العمل على التعامل مع مخلّفات الانفجار المدمّر. فبدأت الخلية التي تتشارك فيها الهيئة العليا للإغاثة وبلدية بيروت ونقابتا المهندسين والمقاولين وآخرون من المتطوعين، وكانت أولى خطوات العمل تقسيم المناطق المتضررة إلى «zones»، وهو المخطط الذي كانت اقترحته نقابة المهندسين”.11

أعلنت نقابة المهندسين في بيروت خطة طوارئ لمواجهة آثار الفاجعة وقررت إطلاق مسح ميداني لاستكشاف الأضرار في المناطق المنكوبة حرصًا على سلامة الأهالي وحفاظًا على السلامة العامة.

شكلت النقابة غرفة عمليات لإدارة المسح الذي شارك فيه أكثر من 350 مهندس متطوّع من نقابتَي بيروت طرابلس. وشمل المسح المناطق الأكثر تضررًا من جرّاء الانفجار. ولأول مرة في تاريخ النقابة تم إنشاء مركز إلكتروني لتحضير تطبيق لنظم المعلومات الجغرافية خاص بالنقابة يغطّي كل أحياء بيروت دُوّنت فيه كلُّ المعلومات ونتائج الكشف على الأحياء المنكوبة، على أن يتم تطوير وإغناء هذا التطبيق وتوسيعه في المستقبل ليشمل كل الأراضي اللبنانية. 12

قامت النقابة أيضًا بإصدار تقارير أسبوعية تضمنت تقدم المسح والخرائط التي تظهر حالة الأبنية والأضرار التي تهدد السلامة العامة وتطرّقت إلى وضع الأبنية التراثية بالتنسيق مع مديرية الآثار. 13

صياغة إعلان بيروت العمراني الذي يرسم مسار التدخل والدور الذي ممكن للنقابة والجامعات أن تلعبه في إعادة إعمار المناطق المتضررة. 14

تأسيس “المرصد العمراني الدائم” في نقابة المهندسين والذي ستشترك فيه كلّيات العمارة من خلال طلّابها وأساتذتها ويهدف إلى تأسيس بنك للمعلومات والمعطيات والأبحاث ورصد ومتابعة الأعمال على الأرض وتوثيقها ووضع الآليات التنفيذية لتطور المرصد العمراني في المستقبل.15

– نشط العديد من الجمعيات على الأرض ومئات المتطوّعين لإزالة الركام وتنظيف الشوارع وإجراء المسح الأولي للأبنية المتضرّرة وتجسيدها على الخرائط بغية إعادة إعمارها في المرحلة اللاحقة. وتعدّدت المبادرات لجمع التبرّعات وتأمين المساعدات والتمويل الضروري لورشة إعادة الإعمار وقد بدأت تتدفّق الأموال من الخارج إلى الجمعيّات الناشطة في هذا المجال كجمعيّة فرح العطاء التي تبنّت ترميم حيّ كامل في منطقة المدوّر، وجمعيات أخرى تنفذ أعمال ترميم خفيفة كتركيب الزجاج والألمنيوم وأعمال الدهان”16وArcenciel  والصليب الأحمر وغيرها من الجمعيّات التي باشرت بجولات ميدانية لمسح الأضرار.

– تواصلت مديريّة الآثار بعدد من الجهات الأجنبية المستعدّة للتمويل من شركاء فرنسيين (المدير العام للتراث ومدير متحف اللوفر في باريس ومدير المعهد الوطني للتراث INP) وغيرهم من جميع أنحاء العالم كمتحف Getty في الولايات المتحدة الأميركيّة والمركز الإقليمي العربي للتراث التابع لليونسكو ومنظمّة Aliph (التحالف الدولي لحماية التراث العالمي) التي أعلنت بدورها عن تخصيص مبلغ ضخم لدعم ترميم الممتلكات الثقافية، وأعلن مدير عام الآثار من نقابة المهندسين أنّ اليونسكو ستطلق حملة لجمع التبرّعات fundraising لتمويل الأبنية التراثية”.17

– أعلن رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني من نقابة المهندسين في بيروت خلال إطلاق المسح الميداني المتعلق بالسلامة العامة في المباني المتضررة في 12/8/2020 أنّ برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN-Habitat) قد “خصّص مبلغًا كبيرًا لمساعدة الناس لإيوائهم خلال مرحلة تدعيم المباني المتضرّرة”.

– كشفت مؤسستا «المورد الثقافي» و«الصندوق العربي للثقافة والفنون» (آفاق) عن تقديم 202 منحة مادية (تراوحت بين 700 و5 آلاف دولار)، للمتضررين العاملين في القطاعين الثقافي والفني”.18

– ساهمت بشكل أساسي في عمليات إعادة الإعمار الجمعيات الأهلية اللبنانية وغير اللبنانية، وآلاف من المتطوعين من لبنان ومصر وأوروبا والولايات المتحدة ولبنانيون يعيشون في الخارج أيضًا تركوا عملهم لفترة. ومثال جمعية أخرى وهي جمعية “شفت” التي تعمل بشكل أساسي في طرابلس وتنقل متطوعيها يوميًّا من طرابلس إلى بيروت للعمل على إزالة آثار التدمير في البيوت المتضررة من الانفجار”.19

 

الفاعلون الدوليون والإقليميون:

في 6 آب/ أغسطس وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت حيث “قام بجولة في شوارع بيروت.. ووعد بإرسال المزيد من المساعدات الطبية وغيرها إلى لبنان”.20

أجرت مجموعة البنك الدولي تقييمًا سريعًا للأضرار والاحتياجات لمساعدة لبنان بعد الانفجار.. وقال البنك الدولي في بيان إنه على استعداد لتطوير خطة إعادة إعمار وفقًا للمعايير الدولية، وبناءً على تجاربه العالمية السابقة في العمل مع الدول المنكوبة، حيث يمكنه توفير الدروس والخبرات من جميع أنحاء العالم في إدارة عمليات التعافي وإعادة الإعمار بعد الكوارث”.21

في 9 آب/ أغسطس: “تعهد مؤتمر المانحين (الذي نظّمه الرئيس ماكرون بالشراكة مع الأمم المتحدة وشارك فيه العديد من قادة الدول) بمساعدات عاجلة للبنان تقارب 300 مليون دولار كي يتجاوز تداعيات انفجار مرفأ بيروت، لكنه أكد أن المساعدات ستمر عبر الأمم المتحدة، كما أنه ربط أي دعم مالي في المستقبل بالإصلاحات التي يطالب بها اللبنانيون ويستهدف هذا الدعم المالي الإغاثة المستعجلة التي تشمل توفير الدواء والغذاء، بالإضافة إلى السكن والمدارس”.22

وفي إطار استجابات الفاعلين الإقليمين المؤثرين في المنطقة، “وصل وفد تركي رفيع تمثل في فؤاد أوكتاي، نائب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ووزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، اللذان أعربا عن استعداد أنقرة لإعادة إعمار مرفأ بيروت، إضافةً إلى عرضهما ميناء مرسين كبديل مؤقت أمام لبنان لحين إعادة الإعمار”.23 وقدّم أيضًا العديدُ من الدول الأخرى مساعدات مختلفة إلى لبنان، مثل بريطانيا، وألمانيا، والعراق، وإيران، وغيرهم.24

– وفي 27 آب/ أغسطس: على سبيل المثال، “أعلنت جمعية أرباب العمل الفرنسيين “ميديف” أنّ الشركات الفرنسية مستعدّة للعمل “إلى جانب الشعب اللبناني” في مشروع إعادة بناء ميناء بيروت بعد الانفجار”.25 وأعلن سفير الكويت عبد العال القناعي، أن الكويت ستعيد بناء اهراءات القمح في مرفأ بيروت.. ولفت إلى أن “هذه الاهراءات بنيت أساسًا في العام 1969 بقرض من الكويت، من الصندوق الكويتي للتنمية”.26 وإلى جانب هذه المنظمات، هناك أيضًا العديد من المنظمات الدولية التي قدمت مساعدات مثل البنك الدولي، والاتحاد الأوروبي، وبرنامج الغذاء العالمي. 27

– وفي 15 آب/ أغسطس: “وبفعل كثافة تضرّر الزجاج في المناطق التي طالها التفجير، قدّمت جهات دولية عديدة كميات من الزجاج، ومنها المبادرة المصرية التي أعلنها السفير المصري في لبنان ياسر علوي. فأكّد الأخير وصول سفينة محمّلة بالزجاج ومواد إعادة الإعمار. أمّا مساهمات المغتربين، فلم تغب أيضًا، إذ قدّم مجلس العمل اللبناني في أبو ظبي، 138 طنًّا من الزجاج.

قدّم أيضًا عددٌ من الدول العربية مساعدات، مثل الإمارات التي أرسلت 30 طنًّا من الإمدادات الطبية من مركز المساعدات الطارئة في المدينة العالمية للخدمات الإنسانية في دبي، وتونس التي أرسلت طائرتين تحملان الطعام والمساعدات الطبية، والسعودية التي أرسلت طائرتين تحملان أكثر من 120 طنًّا من الأدوية والمساعدات الطبية وإمدادات الطوارئ والخيام والأغذية. 28 وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدعم العربي اقتصر في الكثير من الحالات على إرسال مساعدات وإمدادات طبية دون تقديم دعم مادي من خلال الأموال، خصوصًا في ظل أزمة لبنان الاقتصادية.

يظهر لنا من خلال الاستعراض السابق أنّ الفاعلين الرسميين تأخروا كثيرًا في الاستجابة لكارثة الانفجار وكانت استجاباتهم ضعيفة بالمقارنة مع الحدث الهائل الذي خلّف دمارًا كبيرًا. بينما على الناحية الأخرى جاءت استجابة الفاعلين غير الرسميين من مواطنين ومنظمات مجتمع مدني ونقابات لبنانية فورية من خلال مبادراتهم المختلفة سواءً لمساعدة المنكوبين أو لإعادة الترميم الذي طال البيوت والمحال وكانت أيضًا تتسم بآليات ووسائل متنوعة لم تقتصر فقط على المساعدات المالية. وكانت استجابة الفاعلين الدوليين والإقليمين متنوعة ما بين دعم مادي مثل الأطراف الدولية كفرنسا والاتحاد الأوروبي وبين دعم عيني مثل الأطراف العربية والإقليمية وهو ربما ما أعاد للبعض ذكرى عملية إعادة الإعمار التي تلت الحرب الأهلية اللبنانية والتي شكلت مسرحًا حينذاك للنفوذ الإقليمي والدولي. هذه الاستجابات جاءت في ظرف حرج يمر به لبنان وتحديات جمّة أهمها الركود الاقتصادي وأيضًا برزت من خلالها توجهات الفاعلين المختلفين من خلال تركيزهم على قضايا بعينها ستكون محور القسم الآتي.

أبرز الأطروحات والجدالات حول عملية إعادة الإعمار الحالية:

هناك عدد من الأطروحات والجدالات التي برزت مباشرةً بعد كارثة الانفجار ويعبّر كل منها عن الأولويات المختلفة أو المتشابكة أحيانًا لدى الفاعلين الذين تركز عليهم الورقة.

الحفاظ على المباني التراثية المحيطة بالمرفأ:

ظهر الحديث وتحديدًا في 8 آب/ أغسطس عن انطلاق مرحلة الترميم، وتحدّث نقيب المهندسين جاد تابت حول أن الأولوية بالنسبة للبيوت التقليدية هو “تدعيمها وترميمها”.29 وفي السياق نفسه، أوضح رئيس رابطة المعماريين في نقابة المهندسين الدكتور عاطف مشيمش أنّ هدف الوثيقة، التي أعلنتها النقابة وسبق أن أشرنا إليها، هي “تحضير الوعي العمراني على مواجهة كل الأسئلة المتعلقة بإعادة الإعمار في منطقة المرفأ، بحيث يتوجب عليها أن تستجيب بواقعية لمتطلبات التضامن الاجتماعي والتحديات الاقتصادية“، إذ إنها قد تشكل نقاط انطلاق للعمل على وضع صيغة شاملة لإعادة الاعمار وتأهيل التراث وحماية النسيج الاجتماعي والهوية المحددة في المنطقة المنكوبة، وإعادة صياغة العلاقة بين المرفأ ومحيطه العمراني.30

تتشكّل تلك الأحياء (التي دمرها الانفجار) إلى حدّ كبير من المباني القديمة والتاريخية، ويسكن أغلبَها مستأجرون. ويشار إلى أنّ استئجار الشقق يظلّ الطريقة الأكثرَ شيوعًا للعثور على مكان إقامة في المدينة، ففي بيروت تبلغ نسبة الإيجارات 49.5٪، وذلك بحسب دراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2008.31 لذلك جاء تأكيد نقابة المهندسين (أحد أبرز الفاعلين غير الرسميين) على أن قضايا الإعمار والتنظيم المديني والحفاظ على التراث المديني والمعماري هي قضايا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالشأن الاجتماعي وبالحفاظ على النسيج الاجتماعي لهذه الأحياء، كما أنّ الهدف منها تأمين حق ساكني هذه الأحياء بالعيش الكريم في بيئة صالحة.32

على الجانب الآخر، برز توجّه سماسرة البناء (المرتبطين ببعض السياسيين النافذين) إلى أحياء الجمّيزة ومار مخايل والأشرفيّة لحضّ مالكي المباني التراثية المهدّمة على بيعها مقابل مبلغ نقدي بالعملات الأجنبيّة مستغلين الكارثة والأزمة الاقتصادية وانسداد أفق التغيير السياسي بعد تراجع الحراك السياسي نتيجة للأزمات المختلفة. وما يقلق في هذا الشأن، أن يتمكّن هؤلاء السماسرة من شرائها بأبخس الأثمان واستبدالها لاحقًا بالأبراج الحديثة كما حصل في إعادة إعمار وسط بيروت والمناطق المجاورة بعد الحرب،33 ما سيترك أثرًا على المدينة، ليس اقتصاديًّا واجتماعيًّا فحسب، بل سياسي، في حين يحصل المزيد من الإقصاء السياسي لمواطني بيروت من خلال إقصائهم المكاني وحصرهم في أحياء بعينها.

في نفس إطار أطروحة نقابة المهندسين، أطلق العديد من مؤسسات المجتمع المدني مبادرات لمنع هدم أي مبنى في المناطق المنكوبة، محاولين الضغط على الحكومة لإعلان المناطق المدمّرة أراضٍ منكوبة غير قابلة للمسّ ومباشرة العمل ضمن أجهزتها (المجلس الأعلى للتنظيم المدني ومديريّة الآثار) على إطلاق مخطّط توجيهي شامل لإعادة إعمارها كما كانت قبل الانفجار بالتعاون مع المنظمات الدولية لترميم المباني حسب الأصول المتبعة من قبل اليونسكو على سبيل المثال، مع تحديد مهلة زمنية لانتهاء أعمال الترميم وعودة الأهالي إلى بيوتهم ومحالّهم.

واستجابةً لذلك أعلن وزير الثقافة عباس مرتضى في 12 آب/ أغسطس 2020، بعدما انتشرت مخاوف من حصول عمليّات بيع للأبنية التراثية، “أنه قد تقرر منع إجراء أي معاملة بيع أو تصرف أو تأمين تتعلق بالعقارات المتضررة من كارثة تفجير المرفأ ومنع تسجيلها في الدوائر العقارية إلّا بعد الانتهاء من كافة أشغال الترميم وبعد موافقة وزارة الثقافة وفقًا للأصول المتعلقة بحماية الأبنية التاريخية والتراثية وذلك لحماية الطابع العمراني والديموغرافي والتاريخي للمناطق المتضررة من كارثة انفجار مرفأ بيروت، ولمنع أي استغلال للمساس بالملكية أو المضاربة العقارية، أو تغيير في الطابع العمراني أو التراثي أو التاريخي في تلك المباني“.34

وقد أعلن محافظ بيروت بدوره أنّه لن يعطي أيّ تراخيص لإقامة أبنية حديثة لأصحاب الأبنية، خاصًّة تلك المصنّفة تراثيّة، الذين يستغلون حالة الطوارئ للقيام بهدمها من دون ترخيص. وطلب من “مالكي الأبنية المتضررة، وخاصةً المصنّفة تراثيّة، إبلاغ مصلحة الهندسة في بلدية بيروت فورًا عن الحالات التي تستوجب العمل على رفع الخطر الداهم لاتخاذ الإجراءات المطلوبة، علمًا بأنه عند المباشرة بعملية إعادة الإعمار سيتم إعطاء الأذونات بالسرعة اللازمة وشرط تنفيذ الأعمال بالتنسيق مع المديرية العامّة للآثار ووفقًا للقوانين المرعيّة حفاظًا على شكل الأبنية الهندسي التراثي”.35

تطرح مجملُ التوجهات محوريةَ الحفاظ على التراث المميز للمرفأ والمناطق المحيطة به بالنسبة لمدينة بيروت، ولكن تبقى محورية الأبنية التراثية والمرفأ مرهونة بقدرة الفاعلين المختلفين في التفاوض والضغط من أجل الحفاظ عليها وترميمها من دون طمس هويتها البيروتية المميزة ومن دون تغيير نسيجها العمراني والاجتماعي الذي يبقى مهددًا في ظل عملية إعادة الإعمار إذا تجاهلت العوامل الإنسانية والاجتماعية والعمرانية المختلفة وبقي فيها التركيز على الاقتصاد دون غيره.

إعادة تأهيل المباني السكنية المتضررة من جراء الانفجار:

كانت على الناحية الأخرى أولوية المتضررين هي إعادة تأهيل منازلهم، وهم لذلك، سارعوا في التواصل مع التجار وعمال التركيب، لإنجاز أعمالهم بسرعة36 إذ أوضح مجلس الوزراء اللبناني أن عدد الشقق التي اضطرّ سكّانها إلى تركها يتراوح بين خمس عشرة ألفًا وعشرين ألف شقة”.37

كانت الأولوية الأولى عودة الناس إلى مساكنهم، وهذا ما يصعب بسبب الظرف الاقتصادي في لبنان، بالإضافة إلى أن كلّ الأموال الآتية من الخارج تتركّز على المباني التراثية، تريد “اليونيسكو” مثلًا تمويلَ مبانٍ رسمية تراثية.. اليوم، لا أموال لإعادة بناء المباني العادية، التي ليست تراثًا لكن يسكنها 90% من الناس، وهناك بعض المؤسسات غير الحكومية التي تعمل على الأرض، ولكن تبقى جهودها محدودة قياسًا بالدمار الهائل الذي طال هذه المساكن. 38

إلى جانب ذلك، يخشى سكان المناطق المنكوبة من أن يكون الانفجار بداية درب طويل يقود إلى تهجيرهم، إذ تزيد تبليغات الإخلاء والتحذير من الانهيارات من ريبتهم وشكوكهم، لذا آثر بعضهم الإقامة بين الركام خشية أن يكون الخروج في انتظار إعادة الإعمار… “بلا عودة”. قدّر محافظ العاصمة عدد الأشخاص الذين فقدوا منازلهم في بيروت بـ 200 إلى 250 ألفًا، فيما أشار البنك الدولي إلى أن نحو 300 ألف أصبحوا بلا مأوى. وهذا التضارب في الأرقام يدفع كثيرين الى التشكيك، والخشية من «تضخيم» الأعداد لغايات أخرى. 39

بحسب منى فواز، مديرة «برنامج العدالة الاجتماعية والمدينة» في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، الأخطر هو طريقة التعاطي التي تساهم في زيادة عدد الأشخاص الذين يتركون المنطقة، فالأولوية يجب أن تكون لإبقاء أكبر عدد من العائلات في منازلها، قبل مسح الأضرار والبحث في كيفية تأمين التمويل. وهي ترى أيضًا أن مخاوف السكان المنكوبين «لها مبرراتها التاريخية»، مذكّرةً بمسار إعادة الإعمار في وسط بيروت الذي دمرته الحرب «وأتت إعادة الإعمار لتكرّس فراغه وعدم ارتباطه بمحيطه. هذا إلى جانب أن الكثير من سكان المناطق الأكثر تضررًا هم من المستأجرين القدماء الذين لطالما شابت المشاكل علاقتهم مع المالكين، وبالتالي فكرة احتمال انهيار المباني إحدى أبرز الحجج التي كان لطالما ساقها المالكون لإخراج المستأجرين، وهذه الأزمة قد تكون فرصة لكثيرين لتحقيق ما عجزوا عن إنجازه سابقًا.40

من المهم أيضًا بمكان الإشارة إلى أن هناك عددًا من المناطق المتضررة هي من أفقر مناطق المدينة السكنية التي ربما لن تعاني من نفس الإشكاليات المرتبطة بالأبنية التراثية أو النسيج العمراني، لكنها قطعًا تعاني من الإشكاليات المرتبطة بإعادة إعمار مساكنهم التي ربما يُتّخذ انهيارها كفرصة لعمل إحلال طبقي عمراني Gentrification41 (من خلال إعادة تطوير المناطق بعد انهيارها بشكل يغيّر من طبيعة المنطقة اقتصاديًّا وطبيعة ساكنيها) لهذه المناطق وإجبار المتضررين على النزوح للأماكن الأكثر فقرًا في المدينة.

إعادة ترميم وبناء المرفأ:

لـم يسلم مرفأ بيروت نفسُه من الجدالات والأطروحات حول مصيره بعد الانفجار. كما أشرنا في القسم الخاص بالفاعلين، هناك طرح يرى أن يتم إعادة بناء الاهراءات بعد ما طالها، وهناك من يرى اعتبار الاهراءات من التراث الإنساني والحفاظ عليها بالشكل الذي انتهت إليه بعد الانفجار. يرى المعماري إيلي نجم أنه من الضروري إعادة النظر بكامل المرفأ وفق مشروع جديد، وصولاً إلى ضبية ومن ضمنها مكب برج حمود ومشروع لينور، واتصال المرفأ بمشروع الأوتوستراد العربي ومشروع النفق إلى البقاع الذي قد يؤدي إلى إنشاء منطقة حرة في البقاع ومستوعبات تخزين، وهو ما سينفي الحاجة إلى كل المساحة التي كانت تشغلها العنابر التي دُمّرت. الهدف من الفكرة «وضع مشاريع متكاملة بدلاً من البحث في إعادة إعمار سريعة من دون نظرة إلى المستقبل والبيئة المحيطة بالمكان. والأهم هو رفض منطق إعادة الإعمار التجاري، بل التفكير عبر مسابقات وطنية أو عالميّة في مكان يخلّد الذكرى كبقاء الاهراءات شاهدًا على الجريمة. بينما اختلف المعماري جورج بستاني مع فكرة ترك الاهراءات بوضعها الحالي، «لأن بقاء الدمار يحيل مستقبلاً إلى أن بيروت لم تتعمّر”.42

تبقى الأطروحات مجرد جدالات إلى أن يحين موعد تنفيذها، ولكنها بالتأكيد تشير إلى قضايا وشكوك مشروعة خصوصًا مع عودة تجربة إعادة الإعمار التي تلت الحرب الأهلية إلى الأذهان بما فرضته من تغيرات واسعة على مدينة بيروت وعلى مواطنيها ما أدى إلى شعورهم بالمزيد من الإقصاء على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وهو ما يحيلنا إلى القسم التالي الذي سنعيد فيه زيارة عملية إعادة إعمار بيروت بعد الحرب علّنا نخرج منها باستنتاجات تحيل دون تكرارها.

ثانيًا: زيارة إلى عملية إعادة إعمار بيروت بعد الحرب الأهلية

ابتداءً من عام 1920 وقيام الانتداب الفرنسي، عرفت بيروت تحولات عميقة، فقد كان عهد عمليات التجديد الواسعة لوسط المدينة التي قام بها الانتداب: إنشاء حي النجمة تبعًا لخطة شعاعية- مركزية باقتطاعات واسعة في نسيج المدينة العربية، وتحول ساحة الشهداء إلى محطة رئيسية للمواصلات، ونموّ منطقة ميناء الحصن، الواقعة على شاطئ البحر، كمنطقة فنادق سياحية. بعد بلوغ لبنان الاستقلال، أصبح وسط المدينة مكان السلطة السياسية والاقتصادية الجديدة، وبالرغم من نمو مراكز جديدة في الأطراف، (وبصورة خاصة في الحمراء قرب الجامعة الأميركية)، ظلّ الوسط التجاري القديم حتى سنة 1975، عشية الحرب، قلب بيروت: مقرّ مؤسسات السلطة السياسية للدولة (البرلمان والسراي والوزارات)، ومؤسسات المدينة (البلدية ودوائرها)، ومراكز السلطة الاقتصادية (حي المصارف ومؤسسات قطاع الخدمات والقطاع المالي)، والمحطة الرئيسية للمواصلات، (تنطلق منها وتصل إليها جميع خطوط الباصات والتاكسي الجماعية، من ضمن المدينة أو بين المناطق اللبنانية كافة)، والمركز التجاري الرئيسي لبيروت وضواحيها، نقطة تمركز دور العبادة الرئيسية، (المساجد والكاتدرائيات) وأماكن الملاهي الشعبية.43

لقد طُرحت قضية إعمار الوسط التجاري للعاصمة بيروت منذ 1977، وسبق أن اتُّخذت بشأنها قرارات وصدرت مراسيم تنظيمية وتدابير تنفيذية لم تلبث أن توقفت بسبب استئناف أعمال العنف في البلاد بعد كل فترة هدوء”.44 وبعد انتهاء أحداث عامي 1975 و1976 وعودة الأمن، خُيّل إلى الجميع أن الحرب قد انتهت فوضع مخطّط توجيهي للوسط التجاري بعد استشارات ومناقشات واسعة، شاركت فيها مؤسسات الدولة ومهندسون لبنانيون وفرنسيون خبراء في مختلف الحقول. وقد استحضر هذا المخططُ بصورة رئيسية مجملَ التوجهات التخطيطية لمدينة بيروت، المتراكمة لدى الدولة وأجهزتها المعنيّة منذ الخمسينيات. وتميّز بالحفاظ على طابع المدينة بنسيجها الاجتماعي والمدني، واستفاد من الدمار الحاصل في تحسين واقع الوسط دون المساس بالميزات الأساسية. في عام 1983 قامت الجهات التي تقف وراء مشروع الشركة العقارية والمخطّط الجديد بانتزاع التراث المدني التاريخي لقلب العاصمة، وكان ذلك بحجة تنظيف الوسط من ركام الحرب، فجرى هدم التراث التاريخي والأثري.45

في نهاية عام 1990، جرى البحث مجددًا في إعادة إعمار الوسط التجاري، وظهرت في الأفق فكرة إنشاء شركة عقارية تتولى وحدها إعادة إعمار الوسط التجاري، وكانت الفكرة متبنّاة من قبل أحد أكبر رجال الأعمال، وانطلقت الفكرة من أن الوسط التجاري أصيب بدمار إضافي عما أصابه عامي 1975- 1976، وأن الملكية العقارية ازداد تفتّتها بفعل الزمن والوراثة، بالإضافة إلى عجز الدولة عن تأمين الأموال اللازمة لعملية الإعمار. وكان غياب الدولة في هذا المضمار كاملاً، وأصبح أصحاب فكرة الشركة العقارية هم وحدهم عمليًّا أصحاب الحل والربط، فأخذوا على عاتقهم تأمين المال اللازم لوضع الدراسات للمخطط التوجيهي”.46

وجاء المخطّط الجديد الذي صُدّق في 14/ 10/ 1992 لينطلق من مرتكزات مختلفة عن المخططات السابقة تتميز بالآتي:

اعتمد المخطط آليةَ التنفيذ عن طريق شركة عقارية واحدة وشاملة للوسط بكامله، وبمفهوم القانون الجديد 117/ 91 يعالج الوسط التجاري بكامله كعقار واحد، خالٍ من تشابك النسيج المديني وخاليًا من أهله. وأدى هذا المفهوم بالمعالجة إلى الإمعان بالهدم، (حوالي 80% من الوسط)، وإلى تغيير شامل بالتكوين الاجتماعي والمهني له.

ساهم الإفراط في الهدم إلى تغيير ملامح الوسط التاريخية فشملت ناطحات السحاب سماء العاصمة وأقفلت الواجهة البحرية بوجهها بستار من الأبنية المرتفعة. كما أن إفراغ الوسط من التكوين الاجتماعي والمهني التاريخي له أمعن في قتل ذاكرة المدينة وجعل من المشروع المقترح واحة لأصحاب المال والطبقات الميسورة.

اعتمد المشروع على الفخامة في المعالجة، من جهة المحاور الرئيسية، أو اعتماد الأبراج العالية وتكثيف الإنشاء في الوسط، مما أدى إلى خلق معضلات في السير والمواصلات ستنعكس على وسط العاصمة وخارجها، كما أهمل التركيز على النقل المشترك”.47

كان هدف المخطط تحويل الوسط المدمّر إلى مثال للرقي والحداثة، فجاء مركّزًا على الفخامة، بعيدًا عن النسيج المدينية والاجتماعي القائم، وذلك بخيار كلفة عالية تهمّش مشاركة الفئات الوسطى وتزيد الشرخ الاجتماعي، وتفصل الوسط عن باقي المدينة”.48

وقد أدى ذلك إلى تغيرات عميقة في نسيج المنطقة العمراني والاجتماعي والاقتصادي، فقد كان الوسط التجاري في الماضي منطقة التلاقي بين مختلف أبناء الشعب، وكانت الأسواق الشعبية هي لُحمة هذا الوسط. ولا يمكن تخطّي تقسيم بيروت إذا لم تعد للوسط وظيفته الأساسية في السماح بالتقاء سكان المدينة بعضهم مع بعض”.49 وقد أدت ثقافة الحرب إلى انعزال الفئات الاجتماعية بعضها عن بعض، وإلى تقليص حقوق المواطنين في المشاركة في اتخاذ القرارات، بل هي أسّست إلى نشوء جماعات منظَّمة أعطت الأولوية لمصالحها على حساب المصالح العامة. والأكثر من ذلك، لقد أثّرت هذه العملية بشكل كبير على الطبقات الفقيرة التي كانت الحلقة الأضعف في الحرب وفي عملية إعادة الإعمار أيضًا، تعرضت هذه الطبقات أثناء الحرب لخسارة منازلها، وبالتالي عند عملية إعادة الإعمار تم إعادة توطينها في أماكن أخرى غير منازلها الأصلية بشكل مباشر أو غير مباشر نتيجةً للتحول الذي حدث للمدينة فقد أصبحت المدينة عالية التكلفة منذ تحولها إلى مركز “تجاري” للشركات والمحال العالمية. وإلى جانب ذلك، فقد تأثرت هذه الطبقات أيضًا بشكل كبير بالاستقطاب الطائفي والانعزال فقد لعب زعماء الطوائف المختلفة دورًا في جذب هذه الطبقات لهم من خلال تقديم مساعدات متنوعة مادية وعينية لضمان ولائهم، ما أدى إلى تعميق الهوة والانعزال على أساس طائفي شيئًا فشيئًا.50

وما رأيناه على صعيد إعمار الوسط لا ينبّئ بعودة المواطنين للعب دور فعّال في القرار، ولا في تأسيس مناخ ديموقراطي يسمح بموازنة مصالح الجماعات المنظمة بالمصالح العامة. إن المشروع قد أكد مبدأ استبعاد المشاركة الشعبية في القرار في الوقت الذي يجب أن تكون فيه ثقافة الإعمار ثقافة الديموقراطية والمشاركة وليس ثقافة القرار النافذ الذي لا رجوع عنه وثقافة الإقصاء والعدمية الناتجة عنها”.51

لقد كان هناك منطقٌ في الحرب (الأهلية) وعقلانيّةٌ معيّنة، حتّى خلال ظروف الانفلات الكامل، كان هناك منطق. محَت الحربُ جغرافيا بيروت لكنّها وضعت جغرافيا أخرى مكانها. وضعت خطوط تماس، حتى خلال الحرب أصبحت هناك خطوط تماس، جغرافيا جديدة أنتجتها الحرب.52

كان مشروع “سوليدير” ضمن مشروع متكامل: سياسي واقتصادي ومالي وثقافي، تمحورت الفكرة حول ضرورة أن تستعيد بيروت دورها الذي لعبته خلال الستينيّات كمركز اقتصادي ومالي وسيط بين الشرق والغرب. فأثناء النقاش مع جماعة “سوليدير”، ، بحسب ما أورد جاد تابت، قالت الجماعة إنّ دبي تبرز الآن، وعلى بيروت أن تتطوّر ويتم إعمارها كي لا نسمح لدبي بأخذ دورها، كان هناك هذا النوع من التنافس. هذا هو التصوّر الذي سمح باستقطاب رؤوس الأموال، وهذا ما يفسر لِم نجح مشروع “سوليدير” وقتها. لقد خسرنا لأننا لم نمتلك مشروعًا سياسيًّا اقتصاديًّا بديلًا.53

لقد أدت الحرب إلى تفكيك البنية المدينية لبيروت فحوّلتها إلى مجموعة من المقاطعات تسيطر عليها المجموعات المتصارعة. ولم يحاول النهج الإعماري الذي اتُّبع منذ انتهاء الحرب طرحَ السبل التي تسمح بتخطّي هذا الواقع، لا بل إنه، من خلال إطلاق العنان لتطور رأسمالية متوحشة لا ضابط لها ولا رقيب. جاء هذا النهج ليكرّس نتائج الحرب ويزيدها خطورة. وينعكس هذا التوجّه على المشاريع الإعمارية في تغييب شبه كامل لكل ما يشكّل الحيز العام للمدينة، فتقوقعت المجموعات على نفسها في ظل انعدام مجالات اللقاء والاحتكاك، ويتحوّل نموذج النوادي الخاصة”، إلى نموذج مسيطر، يقابله احتجاز الفئات الشعبية في ضواحٍ تحوّلت محاجرَ اجتماعية وطائفية”.54

أثّرت هذه التحولات العمرانية على حقوق المواطنين في المشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتواجد في المجال العامّ للممارسة السياسية، كما أدت التحولات العمرانية إلى تكريس المدينة كفضاء للصراع السياسي والاجتماعي. وهو ما يدعو إلى أهمية الأطروحات المقدمة بشأن الحفاظ على النسيج العمراني والاقتصادي والسياسي للمناطق التي دُمّرت جراء انفجار المرفأ لتجنّب مصير إعادة الإعمار بعد الحرب، وربما يمكن أن يحدث ذلك من خلال وضع خطة محكمة تعمل عليها المؤسسات اللبنانية الرسمية وغير الرسمية لتكون في مواجهة أجندات المساعدات والمنح الخارجية ومشروطيتها ولتكون أيضًا في مواجهة مراكز القوة الداخلية التي تريد إحكام المزيد من السيطرة على مدينة بيروت وإقصاء مواطنيها وحرمانهم من حقوقهم السياسية في المدينة.

ثالثًا: إعادة الإعمار والحراك السياسي والاجتماعي في لبنان

تذكّرنا التظاهرات والاحتجاجات العارمة منذ 2015 والتي بلغت أوجّها في حركة 17 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019 بأهمّية المساحات العامّة شبه الغائبة في لبنان والتي تزدهر على وقع القضايا الملحّة التي تُشعلها. وأنجحُ هذه المساحات هي التي تنشأ عـفـويًّا وتــنمو غالبًا من أكثر الأنشطة العشوائيّة أو المنظّمة عضويًا وتلقائـيًّا. وخير دليلٍ على ذلك سـاحـات لبنان التي أُفرغت من جوهرها منذ انتهاء الحرب والتي استعادها اللبنانيّون في حراكهم المطلبيّ، فتحوّلت مناطق بأكملها إلى ساحةٍ عامّة لامتناهية بشوارعها ومواقفها واتّصال ساحاتها بعضـها ببعض.

في هذا الإطار يمكننا العودة إلى أطروحة حنا أرندت، التي تقدّم مفهوم المدينة كفضاء سياسي تتّسق فيه القوة السياسية مع الجماعة في فضاء سياسي محدد (Polis). إذ ترى أرندت أنّ العامل الرئيسي لوجود القوة هو تجمع الأفراد والعمل بتناسق وتناغم داخل فضاء المدينة، وعليه فإن تأسيس المدن يُعتبر أحد أهم المتطلبات الرئيسية لوجود القوة.55

وفي سياق الحديث عن الحق في المدينة كفضاء للممارسة السياسية، يمكننا التمييز بين اتجاهين، الاتجاه الأول يرى المدينة كتعبير عن استمرار واتصال الممارسة السياسية، والاتجاه الآخر يرى أن المدينة الحديثة قد عبّرت عن انقطاع في الممارسة السياسية. فأنصار الاتجاه الأول، يرون في المدينة موضعًا للسياسة طبقًا للنماذج القديمة كالمدينة الإغريقية على سبيل المثال، بحيث تتجذر في المدينة الممارسة السياسية النشطة والفعالة، ويُفعّل فيها المجال العام كفضاء للظهور. ويرى أنصار هذا الاتجاه أنه لكي يصبح من الممكن إنقاذ الممارسة السياسية والديموقراطية والمواطنة، يجب أولًا استعادة مفهوم المدينة كمكان يعبّر عن تفاعل يومي، وساحة عامة للتفاعل، والتجمع، ومناقشة الأمور العامة.56 لذا فإن تصور المدينة كفضاء سياسي يعتمد على قيمة التفاعل، والاعتراف بالاختلافات الثقافية، والتعامل معها، فـ”دور المدينة هو تحويل القوة إلى شكل، وتحويل الطاقة إلى ثقافة، وتحويل الجماد إلى رموز فنية، أي باختصار المدينةُ تعمل كمسرح لما يُطلق عليه دراما الحياة الإنسانية”.57

وفي هذا الإطار اتّخذت محاولاتُ استعادة بيروت كفضاء لممارسة السياسية أشكالًا مختلفة: مكانيّة (احتلال الساحات والطرقات) وفكريّة (إطلاق الشعارات وتنظيم حلقات النقاش) ورمزيّة (الدخول إلى التياترو الكبير بعد إزالة سياج موقع البناء) وفـنّية (جرافيتي وموسيقى) ومشهديّة (السلسلة البشريّة أو تحويل الرينج إلى منزل مُدرج على موقع Airbnb.58 وربما يمكن القول إن هذه الأشكال كانت تستهدف مناطق بعينها، تلك المناطق التي حُرم منها المواطنون اللبنانيون وكانت بالنسبة لهم تعبّر عن مواقع ممارسات السلطة السياسية والاقتصادية. وللمفارقة، لقد جاء على سبيل المثال على العكس من ذلك موقفُ زعماء الطوائف المختلفة الذين حاولوا مواجهة الحراك بأدوات مختلفة، لقد قاموا باستغلال طرق المدينة من منطلق معادي للحق فيها عندما وجهوا عناصرهم لقطع الطرق على أساس حدود طائفية.

وبالتالي فإن التعامل مع مشاريع الإعمار الإنمائي في المستقبل بنفس النمط والمنهجية التي اتّبعت في مشروع إعمار الوسط التجاري لبيروت يجعل من المرجّح أن تقترن هذه المشاريع بإعادة إنتاج الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية التي تذكّرنا بتلك التي ساهمت ذات يوم في التمهيد للحرب بين أبناء الوطن الواحد وتأجيجها وبالتالي أمام تغير العاصمة”.59

خاتمة:
قدّمت الورقة محاولة للتنبّؤ بسير عملية إعادة إعمار بيروت في أعقاب انفجار المرفأ في 4 آب/ أغسطس 2020، وكان هذا أولاً بناءً على دراسة وقراءة المؤشرات الحالية للعملية والفاعلين المختلفين بها وخصوصًا في ظل التغيير الذي شهده لبنان على مستوى الفاعلين السياسيين وعلى مستوى الحراك الاقتصادي والاجتماعي أيضًا. وممّا يمكننا استنتاجه أنّ الفاعلين الرسميين، تحديدًا الدولة اللبنانية، تتّسم بالضعف وبعدم القدرة على إدارة عملية إعادة إعمار عادلة نتيجة للأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمرّ بها البلاد ولتفكّك النظام السياسي وربما يمكننا أخذ مثال عدم تشكيل حكومة حتى يومنا هذا كمؤشر على ذلك. بينما كانت على الناحية الأخرى، ردودُ أفعال الفاعلين الدوليين سريعة ومحددة، وإن كان هناك اختلافات بين الفاعلين الدوليين الحاليين وبين الفاعلين الدوليين في التسعينيات من القرن الماضي. وتبقى مساهمات هؤلاء تتّسم بالمشروطية، على سبيل المثال شرط توزيع المنح عبر الأمم المتحدة وربط الدعم بإصلاحات محددة ما يثير الشكوك أيضًا حول فاعلية هذه المساعدات والإصلاحات المشروطة أيضًا. أما بخصوص الفاعلين غير الرسميين من المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني فقد لعبوا دورًا كبيرًا في المراحل الأولى لما بعد الانفجار، ولكن يبقى استمرار لعبهم دورًا مؤثّرًا مرهونًا بعوامل موضوعية كقدرتهم على التأثير في السياسات ومساحة إدماجهم في عملية إعادة الإعمار، وبعوامل ذاتية كقدرتهم على التنظيم، ولا نتحدث هنا فقط عن المهنيين والأكاديميين بل بشكل رئيسي الحركات الاجتماعية التي تشكلت أو قيد التشكل منذ احتجاجات 2015 وصولاً إلى احتجاجات 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، إلى جانب العمل على بلورة مطالب وأهداف محددة لعملية إعادة الإعمار والتعبئة بأشكالها المختلفة بهدف تحقيقها.

وبالإشارة إلى عملية إعادة إعمار بيروت التي تلت الحرب الأهلية، فعلى الرغم من عدم وجود أوجه شبه كبيرة بين العمليتين، حيث إن أهداف عملية إعادة الإعمار ما بعد الحرب الأهلية كانت كثيرة ومتشعبة ويصعب حصرها في بناء وسط المدينة لما سيكون مركزًا تجاريًّا إقليميًّا، ولكن أيضًا كان هناك هدف إقليمي ربما يمكننا الإشارة له وهو أمل حصاد نتائج السلام العربي الاسرائيلي المرتقب آنذاك والذي لم يتحقق. إذ لا يمكن فهم مشروع “سوليدير” من دون ربطه بالأوهام التي تمثّلت حينها بالسلم العربي الإسرائيلي، وبواقع أنّ “اتفاقيّة أوسلو”، التي كانت قيد التحضر، آتية، كما كانت هناك حرب العراق الأولى، ومؤتمر مدريد، وأنّ السلم آتٍ.60

وعلى الرغم من ذلك، فإن التجربة السابقة بمجملها تطرح أمامنا الحديث حول سيناريوهين اثنين لعملية إعادة الإعمار الحالية، السيناريو الأول هو تكرار ما حدث في عملية إعادة إعمار بيروت من حيث إقصاء المواطنين بشكل كامل من هذه العملية والاعتماد على تبنّي منهجية فوقية وغير تشاركية مع سيطرة كاملة وتحكّم لرؤوس الأموال ما أدى في النهاية إلى خلق مساحات “شبه” عامة تم إقصاء المواطنين منها على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ما عمّق من الانقسامات المكانية وعزّز شعور المواطنين بالرغبة الدائمة في استعادة مواطنتهم بشكل كامل وممارسة حقهم في المدينة وكافة مساحاتها كفضاء للممارسة السياسية. إلى جانب ذلك تطرح عملية إعادة الإعمار قضية مصير مرفأ بيروت أمام المشروعات المتنازعة والمتضاربة التي قد تتراوح بين بيع المناطق المدمرة التي تُعتبر أملاكًا عامّة؛ ومشروعات خصخصة المرفأ بشكل كامل حيث إنه الآن يعبّر عن شكل من الشركة الهجينة بين الخاص والعام ما يفسّر أزماته المرتبطة بالفساد وانعدام الشفافية وغياب الرقابة.61

أما السيناريو الثاني هو تجنّب ما حصل في عملية إعادة إعمار بيروت التي تلت الحرب، والاستفادة من حالة الحراك السياسي الموجودة إلى جانب قدرة المواطنين على تنظيم جهودهم والتعاطي مع الكارثة وهو ما برز منذ الساعات القليلة التي تلت الانفجار، بالرغم من الأزمة الاقتصادية الطاحنة، لإدماج المواطنين في عملية إعادة الإعمار. ولا تعني تشاركيةُ العملية فقط دعوة مواطنين إلى اجتماعات رسمية ليبدوا آراءهم في العملية، بل تعني التشاركية إدماجَ المواطنين منذ بدء العملية من خلال جمعياتهم ونقاباتهم ومجموعاتهم المختلفة لتحديد أولويات التدخل والعمل في الأماكن المنكوبة مع الإبقاء على طابعها وهويتها العمرانية والاجتماعية والاقتصادية، إلى جانب إشراك المواطنين في وضع خطة محددة لكيفية وأوجه التصرّف في المِنح والمساعدات الأجنبية لتكون في مواجهة مشروطية المانحين، خصوصا مع وجود تخوفات فئات من المجتمع من فرض أجندات خارجية سياسية عبر تواصل جمعيات المجتمع المدني مع الخارج. وربما يكون هذا الأساس لتشكيل الحكومة بدلاً من التقسيمات الطائفية والسياسية وهو تشكيل حكومة هدفها الأساسي هو إدارة عملية إعادة الإعمار بشكل تشاركي وديموقراطي يضمن الحفاظ على حقوق المواطنين في مدينتهم.

1 صور انفجار بيروت: مقارنة بين ما قبل الحادث وما بعده، بي بي سي العربية، 7 آب/ أغسطس 2020، https://www.bbc.com/arabic/middleeast-53682309

2Henri Lefebvre, Writings on Cities, Willey Black-Well, 1995, p. 158.

3 David Harvey, “The Right to the city”: http://www.actionaid.org.br/Portals/0/Docs/righttothecity.pdf

4 Constitution of Ecuador: http://pdba.georgetown.edu/Constitutions/Ecuador/english08.html

5 للمزيد حول الميثاق يمكن الاطلاع على:

World Charter on Right to the city: http://www.urbanreinventors.net/3/wsf.pdf

6 “سلامة للمصارف: أعطوا المنكوبين دولارات “وهميّة”: عودة إلى دفع التحويلات من الخارج بالدولار”، “جريدة الأخبار اللبنانية”، 7 آب/ أغسطس 2020، https://bit.ly/3kl2neD

7 إيلي الفرزلي، “مرحلة الترميم تنطلق: الزجاج متوفّر.. وقلق من رفع الأسعار”، “جريدة الأخبار اللبنانية”، 8 آب/ أغسطس 2020، https://bit.ly/3ocC5xJ

8 نفس المرجع.

9في هذين الرابطين ملاحظات من جاد تابت والمفكرة القانونية حول القانون:
1) “المفكرة القانونية، المرصد البرلماني لبنان، ميريم مهنا”، “قانون لحماية المناطق المتضررة بنتيجة انفجار المرفأ يمرّ من خارج جدول الأعمال: التفرّغ عن ملكية العقارات في المنطقة المتضررة وقف على إذن إداري مسبق”، 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، https://bit.ly/31upuMI
2) جاد تابت، “ملاحظات أولية على اقتراح قانون حماية المناطق المتضررة بنتيجة انفجار المرفأ”، “المفكرة القانونية”، 4 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، https://bit.ly/2IWKIwf

10 “العليا للإغاثة في لبنان: تحويل 100 مليار ليرة إلى الجيش لتعويض ضحايا المرفأ”، “سبوتنيك”، 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، https://bit.ly/3mdjCzm

11 راجانا حمية، “مليارا دولار لترميم 200 ألف شقّة”، “جريدة الأخبار اللبنانية”، 12 آب/ أغسطس 2020، https://bit.ly/3dP1cSl

12“تابت في إطلاق وثيقة إعلان بيروت العمراني في نقابة المهندسين”، “نقابة المهندسين بيروت”، 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، https://www.oea.org.lb/Arabic/NewsDetails.aspx?pageid=6402

13 نفس المرجع.

14 “تابت في إطلاق وثيقة إعلان بيروت العمراني في نقابة المهندسين”، مرجع سابق

15 نفس المرجع.

16 رلى إبراهيم، “جمعيات السفارات “تنغل” في الأحياء المنكوبة: غابت الدولة… إلعب يا مجتمع مدني!”، “جريدة الأخبار اللبنانية”، 20 آب/ أغسطس 2020، https://bit.ly/3jmjR96

17 سينتيا بو عون، “الأبنية التراثية بعد انفجار بيروت: مبادرات كي لا تتكرّر سوليدير 2″، “المفكرة القانونية”، 14 آب/ أغسطس 2020، https://bit.ly/2Hpfiy3

18 “انفجار مرفأ بيروت: صندوق لدعم المثقفين المتضررين”، “جريدة الأخبار اللبنانية”، 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، https://bit.ly/3ofjxNl

19 “جهود أهلية واسعة لإعادة إعمار بيروت عقب انفجار المرفأ”، “سبوتنيك”، “20 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، https://bit.ly/3dMUbBD

20 “ماكرون من بيروت: الانفجار يجب أن يكون بداية لعهد جديد”، “دويتشيه فيليه، رويترز، أ ف ب”، 6 آب/ أغسطس 2020، https://bit.ly/2Te5MA8

21 “البنك الدولي يعلن استعداده لتمويل إعادة إعمار بيروت”، “بي بي سي عربي”، 6 آب/ أغسطس 2020، https://cnn.it/34lzZDW

22 “مؤتمر المانحين يتعهّد بتقديم 300 مليون دولار مساعدات عاجلة للشعب اللبناني عبر الأمم المتحدة”، موقع “الجزيرة”، 9 آب/ أغسطس 2020، https://bit.ly/3dR5M2k

23 صلاح الدين كمال، “إعمار مرفأ بيروت واجهة لصراع إقليمي.. من يحصل عليه”؟، “عربي 21″، 16 آب/ أغسطس 2020، https://bit.ly/3mgjuz5

24 الاطلاع على تفاصيلها عبر الرابط الآتي:

“حقائق- دول ومنظمات دولية تلتفّ حول لبنان بعد انفجار المرفأ”، “رويترز”، آب/ أغسطس 2020، https://bit.ly/2XNJFTx

25 “الشركات الفرنسية مستعدة لعملية إعادة إعمار مرفأ بيروت”، “يورونيوز”، 27 آب/ أغسطس 2020، https://bit.ly/31v9wlg

26 “الكويت تتكفّل بإعادة بناء اهراءات مرفأ بيروت.. والمساعدات الدولية تتواصل”، “المركزية”، 22 آب/ أغسطس 2020، https://bit.ly/3jpw6ls

27 الاطلاع على تفاصيلها عبر الرابط الآتي:

https://bit.ly/2XNJFTx

28 المرجع السابق

29 راجانا حمية، “معركة الأبنية التراثية: التدعيم لا الهدم”، “جريدة الأخبار اللبنانية”، 10 آب/ أغسطس 2020، https://bit.ly/2MrveSu

30 “تابت في إطلاق وثيقة إعلان بيروت العمراني في نقابة المهندسين”، مرجع سبق ذكره

31 عبير سقسوق ونادين بكداش، “عن المناطق المتضررة: ما كان وما سيبقى”، “مجلة بدايات، العدد 27″، تشرين الأول/ أكتوبر، https://bidayatmag.com/node/1201

32“تابت في إطلاق وثيقة إعلان بيروت العمراني في نقابة المهندسين”، مرجع سبق ذكره

33 سينتيا بو عون، “الأبنية التراثية بعد انفجار بيروت”، مرجع سبق ذكره

34 نفس المرجع

35 نفس المرجع.

36 إيلي الفرزلي، “مرحلة الترميم تنطلق: الزجاج متوفّر.. وقلق من رفع الأسعار”، “جريدة الأخبار اللبنانية”، 8 آب/ أغسطس 2020، https://bit.ly/3ocC5xJ

37 الياس خوري/ جاد تابت، “تكسّرت بيروت المرايا والترميم ممكن، حوار المعمار والروائي”، “مجلة بدايات”، العدد 27، تشرين الأول/ أكتوبر 2020.

38 نفس المرجع.

39 رضا صوايا، “وحش “سوليدير” يرعب سكّان المرفأ: أرقام “مضخّمة” للمتضررين وتحذيرات “مبالغ فيها” من انهيارات”، “جريدة الأخبار اللبنانية”، 14 آب/ أغسطس 2020، https://bit.ly/3okq9ds

40 نفس المرجع.

41 للمزيد حول مفهوم الإحلال الطبقي العمراني: ترجمة أمنية خليل في: إشكاليات ومفارقات يثيرها الإحلالالعمراني الطبقي: مثال مصر، مرجع سابق. هناك العديد من الترجمات لهذا المصطلح مثل: الجنترة، ارتقاء الأحياء في المدن، الاستطباق، أو التحسين. تبنّينا هنا في الدراسة الترجمة التي قدمتها الباحثة أمنية خليل وهي “الإحلال الطبقي العمراني” في هذا المقال: أمنية خليل، إشكاليات ومفارقات يثيرها “الإحلال” العمراني الطبقي: مثال مصر، (السفير العربي، 20/12/2017)، http://arabi.assafir.com/article/10509

42 إيلدة الغصين، “هل تُترك إهراءات المرفأ شاهدًا على جريمة “المنظومة”؟، “جريدة الأخبار اللبنانية”، 29 آب/ أغسطس 2020، https://bit.ly/3jkUIff

43 جاد تابت، “الإعمار والمصلحة العامّة. في التراث والحداثة: مدينة الحرب وذاكرة المستقبل”، “مؤسسة الأبحاث المدينية”، “دار الجديد”، مؤسسة فورد”، “بيروت، لبنان”، “الطبعة الأولى 1996، ص 70- 71

44 عاصم سلام، “الإعمار والمصلحة العامّة، في العمارة والمدينة”، “مؤسسة الدراسات المدينية، دار الجديد، مؤسسة فورد”، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1995، ص 122

45 نفس المرجع.

46 نفس المرجع، ص 122، 123، 124، 125.

47 نفس المرجع، ص. 138، 139، 140

48 نفس المرجع، ص 140- 141

49 نفس المرجع، ص 141

50For more, please check: Sawalha, A., 2003. “Healing the Wounds of the War”: Placing the War-displaced in Post-war Beirut. In: J. Schneider and I. Susser, ed., Wounded Cities Destruction and Reconstruction in a Globalized World, 1st ed. London: Routledge, pp.271-288.

51 نفس المرجع، ص 141، 142

52 الياس خوري وجاد تابت، “تكسّرت بيروت المرايا والترميم ممكن، حوار المعمار والروائي”، “مجلة بدايات، العدد 27″، تشرين الأول/ أكتوبر 2020.

53 المرجع السابق الذكر

54 جاد تابت، “الإعمار والمصلحة العامّة. في التراث والحداثة، مرجع سابق، ص 20- 21.

55 Hannah Arendt, The Human condition, (Chicago and London, The university of Chicago press, 1998), p.201.

56 آية نصار، السياسة والمكان في حقل النظرية السياسية الغربية: دراسة في مفهوم المدينة، رسالة ماجيستير، (القاهرة، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2011)، ص.ص 173-175.

57 المرجع السابق، ص. 175.

58 سينتيا بوعون، “استعادة الحيز العام ودوره في إنتاج الثورة”، “المفكرة القانونية”، 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، https://bit.ly/2HsUC89

59 عاصم سلام، “الإعمار والمصلحة العامّة، في العمارة والمدينة”، مرجع سبق ذكره، ص 116

60 الياس خوري وجاد تابت، “تكسّرت بيروتُ المرايا والترميم ممكن: حوار المعمار والروائي”، مجلة بدايات، العدد 27، 2020، ص. 12.

61 فواز طرابلسي، “أزمة الانفجار وانفجار الازمات اللبنانية”، مجلة بدايات، العدد 27، 2020، ص 4-7.

Start typing and press Enter to search