الانتخابات البرلمانية العراقية:

العراقيون من البحث عن النجاة إلى البحث عن الحياة

طارق قطب

العراق

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [335.10 KB]

مقدمة:

شهد العراق في 12 مايو الماضي إجراء رابع انتخابات برلمانية منذ الغزو الأمريكي للعراق في 2003، وجاءت تلك الانتخابات في وقت شديد الأهمية والحساسية للبلد الذي كان ولا زال يعانى من أزمات كبيرة يأتي على رأسها الإرهاب والفساد، فقبل أشهر قليلة، وبالتحديد في نهاية 2017، أعلنت الحكومة العراقية نجاحها في تحرير أراضي العراق من تنظيم داعش بشكل كامل، وذلك بعد أكثر من ثلاث سنوات من سيطرة داعش على بعض المناطق والمدن العراقية وأهمها الموصل وكركوك والأنبار وديالى كما نجحت العراق قبل وقت قصير، وبشق الأنفس، في تجاوز أزمة استفتاء الانفصال في إقليم كردستان بمناورة سياسية تحسب لرئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي، وعلى الرغم من أن التخلص من داعش والحفاظ على وحدة الأراضي العراقية أمرين إيجابيين، إلا أن كليهما كان له آثار سلبية ملحوظة على الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في البلاد، حيث أدت الحاجة إلى محاربة داعش إلى إنشاء ميليشيات الحشد الشعبي المسلحة، وبعد نجاحها في أداء مهمتها بات لتلك الميليشيات شعبية كبيرة وتأثيرا ملموسا في العملية السياسية في العراق، بل وكانت طرفا رئيسيا في تحالف الفتح الذي خاض الانتخابات تحت قيادة السيد هادى العامري، ويتخوف البعض من أن عدم حل تلك الميليشيات المسلحة قد يحولها إلى حزب الله جديد في المنطقة. أما ما حدث في كردستان فقد تسبب في أجواء شديدة التوتر في الإقليم بين القيادات والتيارات الكردية المختلفة حيث تبادلت الاتهامات بشأن تعاون بعضها مع الحكومة العراقية في القضاء على محاولة استقلال كردستان.

من ناحية أخرى، أقيمت الانتخابات في ظل إحساس عام بأن الفساد بكافة إشكالية السياسية والمالية صار المشكلة الأكبر التي تنغص حياة العراقيين وتفقدهم الثقة في مؤسسات الدولة والسياسيين والعملية السياسية برمتها، حيث تعد العراق واحدة من الخمس دول الأكثر فسادا في العالم، ويتضاعف الغضب المترتب على الفساد كلما كانت الأوضاع الاقتصادية في الدولة أكثر صعوبة، وهو ما ينطبق حرفيا على حالة العراق، التي تعد واحدة من الدول النفطية الكبرى وعلى الرغم من ذلك تعانى من معدل بطالة يصل إلى 23% بحسب إحصاءات صندوق النقد الدولي، ونسبة نمو منخفضة من المتوقع أن تكون في حدود 1.5% إلى 2.3% في 2018. وقد اتضح حجم الغضب من تفشى الفساد وعدم جدية الدولة في مكافحته فور انتهاء الانتخابات من خلال المظاهرات الكبيرة التي خرجت في عدة مدن عراقية بعد وقت قصير من إعلان نتائج الانتخابات.

كانت تلك هي البيئة التي جرت بها الانتخابات، مشبعة بعدم الثقة والحماس، بقدر كبير من الإحباط، وبنوع من التحفز ضد كافة القوى السياسية، إلى جانب رغبة كبيرة في رؤية وجوه جديدة غير الوجوه التقليدية المعتادة، كل هذا جعل المراقبين يتوقعون أن تقل نسبة المشاركة في انتخابات 2018 عن انتخابات 2014 التي شهدت مشاركة 60% ممن لهم حق التصويت، كما توقعوا ألا يتمكن أي تحالف من التحالفات المتنافسة من الفوز بأغلبية كبيرة ومريحة نظرا للانقسامات التي شهدتها القوى السياسية التقليدية الكبيرة وخاصة الشيعية منها، فقد انقسم حزب الدعوة الشيعي إلى تحالفين كبيرين متنافسين هما تحالف النصر بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي، وتحالف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نورى المالكي، كما قام السيد عمار الحكيم بخطوة مفاجئة في 2017 بانسحابه من المجلس الإسلامي الأعلى الذي كان يرأسه منذ عدة سنوات لينشئ تيار الحكمة الوطني ويخوض به الانتخابات مستقلا بعد انسحابه من تحالف النصر في يناير الماضي. هذا ولم يقتصر الانقسام على القوى الشيعية فحسب، بل امتد إلى القوى السنية والكردية أيضا حيث لم تنجح في التوحد في قائمة واحدة تستطيع جذب مرشحيها.

المشهد الانتخابي

تنافس في الانتخابات 320 حزبا سياسيا وائتلاف وقائمة انتخابية، عبر 7 آلاف و367 مرشحا، موزعين على النحو التالي:

88 قائمة انتخابية

205 كيانات سياسية

27 تحالفا انتخابيا

وفيما يلي عرض لأهم تلك الأحزاب والتحالفات:

  • تحالف النصر

بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي ومعه قوى وأحزاب صغيرة، وتوقع الكثيرون أن يحصل على المركز الأول من حيث عدد أصوات الناخبين أو على الأقل أن يصبح رقما مهما في الانتخابات. وتواجدت قوائم هذا التحالف في 18 محافظة بما فيها محافظات إقليم كردستان، ضم التحالف قيادات بارزة من حزب الدعوة، مثل عباس البياتي وعلي العلاق ووليد الحلي وشخصيات سياسية من بينها آراس حبيب كريم، أمين عام المؤتمر الوطني العراقي، وشخصيات سنية من بينهم وزير الدفاع السابق خالد العبيدي.

  • تحالف الفتح

بزعامة الأمين العام لمنظمة “بدر” هادي العامري، ويتألف من فصائل الحشد الشعبي والمجلس الأعلى الإسلامي، الذي انفصل عنه زعيمه السابق عمار الحكيم ويترأسه الآن الشيخ همام حمودي نائب رئيس مجلس النواب العراقي، وأحزاب سياسية صغيرة من مكونات أخرى، راهن هذا التحالف على الحصول على نسبة أصوات عالية بسبب مساهمات قوى الحشد الشعبي في دحر تنظيم داعش

  • ائتلاف دولة القانون

يتزعم الائتلاف رئيس الوزراء العراقي السابق والأمين العام لحزب “الدعوة الإسلامية” نوري المالكي. وكان يُنظر إليه كقوة لا يُستهان بها رغم انفصال منظمة بدر والمستقلين بزعامة حسين الشهرستاني عنه، وقوته كانت تتمثل في شخص المالكي الذي يمتلك قاعدة شعبية واسعة في العراق. ويضم الائتلاف قيادات من حزب الدعوة مثل خلف عبد الصمد، ومحمد شياع السوداني وزير العمل والشؤون الاجتماعية وخالد الأسدي.

  • تحالف سائرون

وهو تحالف بين التيار الصدري الذي يتزعمه مقتدى الصدر مع الحزب الشيوعي العراقي بزعامة رائد فهمي وأحزاب أخرى منها حزب الاستقامة بزعامة حسن العاقولي، والتجمع الجمهوري بزعامة سعد عاصم الجنابي، وحزب الدولة العادلة بزعامة قحطان الجبوري.

  • تيار الحكمة الوطني

وهو بزعامة رئيس المجلس الإسلامي الأعلى السابق عمار الحكيم، ومن أبرز الشخصيات التي يضمها هذا التيار وزير الرياضة والشباب عبد الحسين عبطان والغالبية من الشباب.

  • تحالف القرار العراقي

ترأسه نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي وقوى وشخصيات سنية مختلفة في المحافظات الغربية، ومن أبرز الشخصيات المنضوية فيه، ظافر العاني وأحمد المساري وسلمان الجميلي.

  • ائتلاف الوطنية

يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق ونائب رئيس الجمهورية الحالي والأمين العام لحركة “الوفاق الوطني” إياد علاوي، الشيعي الأصل الذي يضم حزبه العلماني حركة الوفاق الوطني العديد من السنة والشيعة، كما أن ائتلاف الوطنية يدمج، بين الهويتين السنية والعلمانية، ومن أبرز شخصياته رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري الذي ترك الحزب الإسلامي العراقي وانضم إلى هذا التحالف.

  • تحالف بغداد

ويضم كتل وتحالفات سنّية عدة، من أبرزها الأنبار هويتنا، وديالى هويتنا ونينوى هويتنا وصلاح الدين هويتنا. ومن أبرز شخصياته رئيس البرلمان الأسبق محمود المشهداني، والنائبة الكردية القيادية في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني آلاء طالباني التي كانت قد مثّلت مدينة السليمانية وكركوك لثلاث دورات متتالية، إلا أنها انضمت إلى هذا التحالف بسبب مواقفها من استفتاء إقليم كردستان وقضية كركوك.. حيث أثرت بقاء الإقليم ضمن الدولة العراقية وإعادة كركوك إلى أدارة الحكومة العراقية المركزية بعد فترة من أحكام سيطرة القوى الكردية عليها في أعقاب العام 2014 بعد احتلال داعش للموصل وصلاح الدين.

النظام الانتخابي

يُنتخب مجلس النواب العراقي من خلال شكل القائمة المفتوحة للتمثيل النسبي للقوائم الحزبية، وذلك باستخدام المحافظات كدوائر انتخابية. ويستخدم نظام طريقة سانت ليغو المعدلة 1.7 وفقا للحكم الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا في العراق بأن الطريقة التي كان من المفترض استخدامها وهي طريقة سانت ليغو 1.9 تعتبر اضطهادا ضد الأحزاب الأصغر حجما.

اقترح عالم الرياضيات الفرنسي اندريه سانت ليغو طريقته عام 1912 لاحتساب كيفية توزيع المقاعد على الأحزاب، وسميت هذه الطريقة باسمه، ولدقة هذه الطريقة فهي تستخدم بأشكال مختلفة في عدد من دول العالم مثل النرويج، السويد، ألمانيا، البوسنه، نيوزيلاند، النيبال، لاتفيا، كوسوفو، الدنمارك، بوليفيا، بولندا،، بينما تعتبر العراق الدولة الوحيدة التي تعتمد طريقة 1.7 حيث تقسم الأصوات الصحيحة لكل قائمة على الأعداد التسلسلية (1.7، ٣، ٥، ٧ …… الخ) ثم يجري البحث على اعلى رقم من نتائج القسمة ليعطي مقعدا وتكرر الحالة حتى يتم استنفاد جميع مقاعد الدائرة الانتخابية. ثانيا: توزع المقاعد على مرشحي القائمة ويعاد ترتيب المرشحين استنادا لعدد الأصوات التي يحصل عليها المرشح ويكون الفائز الأول هو من يحصل على أكثر عدد من الأصوات ضمن القائمة المفتوحة وهكذا بالنسبة لبقية المرشحين على أن تكون امرأة بعد نهاية كل ثلاثة فائزين بغض النظر عن الفائزين من الرجال.

وهناك ثمانية مقاعد مخصصة لمجموعات الأقليات على الصعيد الوطني: خمسة مقاعد للمسيحيين، وواحد لكل من المندائيين والإيزيديين والشبك. في 10 يناير 2018 قررت المحكمة الاتحادية بأن تكون مقاعد الايزيديين النيابية مناسبة مع نفوس المكون، وفقا لأحكام المادة 49 أولا من الدستور التي تقضي بأن مجلس النواب يتكون من عدد من الأعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة ألف نسمة. في 14 يناير 2018 قررت المحكمة الاتحادية أن المقاعد المخصصة للمكون الصابئي المنداني ينبغي أن تعطى على أساس الدائرة الانتخابية الواحدة. وفي نفس الشهر 2018 ادخل البرلمان العراقي تعديلا على قانون الانتخابات يمنح مقعدا للكورد الفيلين في واسط.

وقد قرر مجلس النواب أن يكون التصويت إلكترونيا في جميع المناطق من خلال استخدام أجهزة العد والفرز الإلكتروني، وألا يكون للأحزاب التي تشارك أجنحة مسلحة، وتكثيف أعداد المراقبين المحليين والدوليين.

ومن المهم في هذا الصدد الإشارة إلى أن صعوبة وتعقيد النظام الانتخابي العراقي أصبح يستدعى مراجعة هذا النظام لأنه قد يكون أحد أسباب ضعف المشاركة الانتخابية، حيث لا يفهمه معظم الناخبين، ولا يعرفون مآل أصواتهم، ومن سيكون المستفيد الأكبر منها.

النتائج النهائية للانتخابات:

أعلنت المفوضية العليا النتائج الرسمية النهائية للانتخابات التشريعية في العراق في 19 مايو 2018، وأسفرت عن فوز تحالف “سائرون” بالمرتبة الأولى حاصدا 54 مقعدا من أصل 329، وجاء تحالف “الفتح” ثانيا بـ47 مقعدا، أما ائتلاف النصر فقد حلّ ثالثا بـ42 مقعدا، وحصل ائتلاف دولة القانون على 26 مقعدا، والحزب الديموقراطي الكردستاني على 25 مقعدا، وائتلاف الوطنية على 21 مقعدا، وتيار الحكمة 19 مقعدا، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني 18 مقعدا، ونال تحالف القرار العراقي 14 مقعدا.

وقبل إعلان النتائج النهائية شككت بعض الأحزاب والتحالفات في النتائج وطالبت بإعادة الفرز وحساب الأصوات وعبرت عن تشككها في وجود تزوير في عملية التصويت الإلكتروني، وبعد بضعة أيام شب حريق في أكبر مخزن لصناديق الاقتراع، وقد صدر قانون التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب بعد الانتخابات ليلغي الفرز الإلكتروني ويحيل الأمر إلى العد اليدوي، كما تم تغيير مجلس المفوضين بالكامل للاشتباه في حدوث التزوير.

التعليق والخلاصة:

  • يمكن أن نعزو انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة عن نظيرتها في الانتخابات السابقة، وعزوف بعض قطاعات المجتمع عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، إلى رغبة نسبة كبيرة من العراقيين في التعبير عن سخطهم وعدم ثقتهم في كافة المتنافسين، وكذلك إلى النظام الانتخابي شديد التعقيد الذي استعصى على الكثيرين فهمه، فضلا عن عدم نجاح أيا من التحالفات المتنافسة في تقديم نفسه كقوة تغيير حقيقية تحفز العراقيين وخاصة الشباب للمشاركة في كافة مراحل العملية الانتخابية، بدءا من الدعاية وانتهاءً بالتصويت.
  • كان الفائز في انتخابات 2014 ائتلاف دولة القانون الذي حصل على 92 مقعدا بينما حصد التيار الصدري 34 مقعدا. بينما في انتخابات 2018 نجح ائتلاف سائرون الذي يقوده السيد مقتدى الصدر في الحصول على 54 مقعدا وهو الأمر الذي تسبب في زيادة صعوبة تشكيل الحكومة هذه المرة نظرا لحاجة الائتلاف الفائز إلى مزيد من التفاوض والاتفاقات لينجح في حشد أغلبية كافية لتشكيل الحكومة، هذا وقد حصل ائتلاف دولة القانون على 25 مقعدا في 2018 في إشارة واضحة لانهيار شعبيته وعدم الرضا الشعبي عن أدائه خلال السنوات الماضية، ولا بد أن تضع الحكومة الجديدة نصب عينيها ما جرى لائتلاف دولة القانون لتتجنب نفس المصير في المستقبل.
  • يعد حصول ائتلاف الفتح على 47 مقعدا، مؤشرا واضحا على رغبة بعض فئات الشعب العراقي في تجربة قوى سياسية جديدة تختلف عن القوى التقليدية التي سيطرت على الحياة السياسية في المرحلة السابقة، كما يعبر عن نوع من التقدير الشعبي للدور إلى لعبته ميليشيات الحشد الشعبي في تحرير المناطق التي احتلها تنظيم داعش، وتم ترجمة هذا التقدير في صورة دعم لائتلاف الفتح إلى يترأسه هادى العامري الذي لعب دورا قياديا في الحرب على داعش، ويحظى العامري وائتلافه بدعم إيراني كبير، ويعتقد البعض أن ايران مارست ضغوطا بأشكال متعددة لإقناع أو دفع السيد مقتدى الصدر لدخول تحالف مع ائتلاف الفتح خلال مشاورات تشكيل الحكومة، بل ومحاولة دفعه لاختيار السيد هادى العامري رئيسا للوزراء.
  • أبدت المرجعية الدينية الشيعية متمثلة في آية الله السيستاني قدرا لا بأس به من الحياد خلال الانتخابات، وحاولت كافة الائتلافات المتنافسة أن تروج لنفسها بأنها ضد فكرة الطائفية والاختيار على حسب العقيدة والدين، حيث ساد لدى الجميع اعتقاد بأن الشعب العراقي في تلك اللحظة لا يحتمل ولن يتقبل فكرة الدعاية الطائفية، وكان حياد السيستاني داعما لهذا الاتجاه. لذا يمكننا القول إن العامل الديني لم يكن حاسماّ في نتيجة الانتخابات بأى شكل من الأشكال.
  • على الرغم من مرور أكثر من شهرين على إعلان نتائج الانتخابات، لم يتم الاتفاق على اسم رئيس الوزراء ولم يتم الإعلان عن اتفاق متكامل يضمن الحصول على الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة، وبمكن أن نعزو ذلك لعدة أسباب على رأسها أن النتائج جاءت متقاربة بشكل كبير ولم يحقق طرف من الأطراف انتصارا كاسحا، كما أن وجود تحالف الفتح (الذي تتحفظ معظم التحالفات الأخرى على التعاون معه) في المركز الثاني يجعل عملية تشكيل الأغلبية أكثر تعقيدا، من جهة أخرى هناك تدخلات إقليمية ودولية متشابكة ومتعارضة تزيد الأمر تعقيدا على تعقيد، وقد شهدت العراق في الشهرين الماضيين عددا كبيرا من الزيارات لمناقشة أمر تشكيل الحكومة، بعضها للتشاور وبعضها للضغط، ومن ثم نتوقع أن يتم في النهاية الإعلان عن ائتلاف يحقق بالكاد الحد الأدنى اللازم لتشكيل الحكومة ويتم اختيار شخصية تكنوقراط من الصف الثاني كرئيس للوزراء.
  • كما ذكرنا في المقدمة، يعد الفساد أحد أهم المشكلات التي تواجه العراق وتتسبب في إحباط كبير لكافة فئات المجتمع العراقي، وقد اشتعلت بالفعل احتجاجات كبرى في عدد من المدن العراقية، وقد تزيد حدتها ويتوسع مداها إلى درجة غير متوقعة في المرحلة القادمة إذا لم يتم التعامل معها بأكبر قدر من الحكمة والسرعة، لذا سيكون على عاتق الحكومة الجديدة اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة تعطى –على الأقل- ايحاءً بأنها ستمضي بجدية في طريق مكافحة الفساد، دون ذلك قد تكون تلك الحكومة القادمة هي الأقصر عمرا في تاريخ العراق.
  • ستواجه الحكومة الجديدة أيا كان شكلها أو رئيسها تحديا كبيرا في التعامل مع القوى الإقليمية والدولية التي تتسابق لتحقيق أكبر قدر من النفوذ في العراق، وكلما كان الائتلاف الحاكم أكثر استقلالية وأقل ارتباطا بطرف ما إقليميا أو دوليا كلما زادت فرص الحكومة في النجاح والاستمرار.
  • كان قرار تيار الحكمة بخوض الانتخابات منفردا بعد عام واحد فقط من إنشائه قرارا مفاجئا من زعيمه السيد عمار الحكيم، خاصة أنه خاض المنافسة على كافة مقاعد البرلمان بمرشحين لم يسبق لأغلبهم خوض الانتخابات من قبل، إلا أن التيار نجح في حصد عدد لا بأس به أن وضعنا في الاعتبار أنه كيان جديد ومستقل، ومن المتوقع أن يكون ما حققه التيار محفزا لقوى أخرى لتبادر بإنشاء كيانات جديدة والبحث عن وجوه من خارج الدائرة التقليدية المتواجدة الحالية استعدادا للانتخابات البرلمانية القادمة، ومن قبلها انتخابات المجالس المحلية، وهو ما يتوافق مع رغبة معظم العراقيين في التغيير وظهور قيادات جديدة قادرة على نقل البلاد إلى الأفضل.
  • من أبرز ما شهدته الانتخابات العراقية التحالف الذي تم بين السيد مقتدى الصدر والحزب الشيوعي العراقي، حيث قام الأول بدعوة الأخير للمشاركة في تحالف سائرون في خطوة فاجئت الكثيرين وكانت في اعتقاد البعض سببا رئيسيا في الانتصار إلى حققه تحالف سائرون، وكانت أيضا كاشفة ومؤكدة لرغبة العراقيين في دعم تيار يروج لنفسه بكونه تيارا وطنيا لا دينيا ولا طائفيا، ويتقبل التعاون مع الآخر حتى لو كان على طرف النقيض منه عقائديا أو أيديولوجيا، فضلا عن أن تلك الخطوة قد ساهمت في إظهار السيد الصدر في صورة الزعيم الوطني المرن الذي يمكنه التعاون مع الجميع. إلى جانب مكانته الدينية المعروفة.
  • سيكون على الحكومة الجديدة التعاطي مع ملف شديد الخطورة وهو ملف إعادة إعمار المناطق المحررة من داعش، والأهم من إعادة الأعمار في بعض تلك المناطق إحلال الأمن وتحقيق المصالحة الاجتماعية بين من بقوا في تلك المناطق تحت حكم داعش وأغلبهم من السنة، ومن تم طردهم ونفيهم وأغلبهم شيعة، حيث يؤمن بعض السكان الشيعة الذين تركوا مناطقهم أن السكان السنة ساعدوا داعش في عملية الاحتلال وفى طرد السكان الشيعة، وتوجد نزاعات من هذا النوع في عدد لابأس به من القرى والمدن الصغيرة وتتسبب في أعمال عنف تحاول الحكومة الحالية، بدعم من الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية، التعامل معها والسيطرة عليها، إلا أن جهودها في ها الصدد تعد غير ناجحة حتى الآن.
  • خلاصة الأمر، أن أولوية الشعب العراقي كانت النجاة من ويلات الحرب والإرهاب وداعش، ولكنه الآن يشعر أن الوقت قد حان للتفكير في كيفية تحسين نوعية الحياة التي يعيشها سياسيا واقتصاديا وأمنيا واجتماعيا، لذا فأولوياته الحالية مكافحة الفساد، التنمية، القضاء على البطالة، تحسين الخدمات ورفع مستوى البنية التحتية في كافة المجالات، ولابد لمن سيحكم العراق في المرحلة القادمة إدراك هذا الأمر حتى يستطيع تحقيق النجاح.

Start typing and press Enter to search