مقدمة:
يرتبط التعليم من أجل اقتصاد بديل بالعديد من الأسئلة على رأسها: كيف تتم عملية التعلم؟ ما الذي يتم تعلمه؟ ولماذا يتعلم الناس؟ وإلى أي مدى يمكن للتعليم تغيير الأفراد أو المجتمعات أو العلاقات الاجتماعية؟ قد تبدو هذه الأسئلة افتراضية أو تقنية وهذا قد ينطبق بالفعل على أجزاء منها لكنها في الأساس أسئلة سياسية وعملية تتعلق بشكل مباشر باحتياجات الحركات الاجتماعية والسياسية المعاصرة ليس فقط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ولكن أبعد من ذلك. كما أنها أسئلة ذات أبعاد فردية وجماعية في ذات الوقت.
سيتم استهلال هذه الورقة ببعض التعريفات للإيضاح. مصطلح “الاقتصاد البديل” يعني نوع الاقتصاد الذي لا يعتمد على وسائل الإنتاج الرأسمالية. المقصود بوسائل الإنتاج الرأسمالية هو بيع جهد العمال مقابل أجور ثابتة لإنتاج سلع أو خدمات يمكن بيعها في الأسواق مما يؤدي لوجود فائض يزيد عن مجموع المدخلات. يذهب هذه الفائض لصاحب المصنع أو الجهة المقدمة للخدمة (صاحب رأس المال على سبيل المثال) وليس للعمال الذين قاموا بإنتاج السلعة أو الخدمة. لهذا فالنظام الرأسمالي استغلالي بطبيعة الحال حيث أنه يعتمد على استحواذ صاحب رأس المال على الثروة التي تسبب العمال في وجودها وبالتالي فهو يعطي الأولوية لرأس المال على حساب العمل. هذا ليس بالطبع الخلل الأوحد في النظام الرأسمالي لكنه سمة أساسية يجب التركيز عليها عند التفكير في تأسيس اقتصاد بديل حيث يتعين على هذا الاقتصاد قلب هذه المنظومة التي تضع رأس المال على قمة أولوياتها بينما تتجاهل حق العمال في الفائض الناتج عن العمل الذي قاموا به.
جدير بالذكر أن إحدى آليات الأسواق الرأسمالية هي تقليص نصيب العمال من الثروة والذي يتلقونه في صورة أجور حيث يرى أصحاب رأس المال أن سعر العمل هو أحد المدخلات المتغيرة التي يمكنهم التحكم فيها. يؤثر ازدياد حدة المنافسة في السوق الرأسمالية والرغبة في تقليل النفقات بالسلب على أجور العمال التي يتم تخفيضها على اعتبار أنها يسهل تغييرها على عكس المدخلات الأخرى الثابتة مثل تكاليف الماكينات والسلع والإيجار والمنافع… إلخ.
تتعدد سلبيات النظام الرأسمالي. فعلى سبيل المثال يعتمد هذا النظام إلى جانب عمال المصانع على مجموعة من العاملين الذين لا يعترف بهم ولا يمنحهم المقابل المناسب لجهدهم أو لا يمنحهم مقابل على الإطلاق. ينطبق هذا بشكل خاص على العاملين بالمنازل وخاصة النساء. كما تعتمد الرأسمالية على استغلال الموارد الطبيعية في أماكن مختلفة من العالم بدون الالتفات لما يترتب على هذا من آثار بيئية واجتماعية مدمرة. ولأن الرأسمالية مبنية في الأساس على الملكية الخاصة للثروات لا يتم تنظيم الإنتاج بحيث يلبي الاحتياجات الإنسانية أو يحل مشكلات المجتمع. بالإضافة لذلك فإن المنافسة هي إحدى السمات الأساسية للرأسمالية مما يؤدي للبحث الدائم عن العمالة الرخيصة وعن الأسواق التي تستوعب منتجات أصحاب رأس المال الأمر الذي يؤدي للإضرار بشعوب بأكملها.
بالإضافة للعيوب الكامنة في قلب النظام الرأسمالي، أثبتت التجربة أن هذا النظام هو أيضا الأكثر عرضة للأزمات مما اتضح في الأزمة الاقتصادية عام 2007 والتي هددت الاقتصاد العالمي بالانهيار لولا تدخل الدولة. جدير بالذكر أن حل هذه الأزمة تم عن طريق الإخلال بقواعد الرأسمالية ذاتها حيث تدخلت الدولة مباشرة في السوق لإنقاذ بعض المؤسسات الكبرى التي بدت بمقاييس الرأسمالية محصنة ضد الفشل. على صعيد آخر، يتم تجاهل فشل المشروعات الصغيرة في الأنظمة الرأسمالية بل يتم تبريره على أنه دليل على فعالية النظام بينما هو في الواقع انحياز للمؤسسات ذات النفوذ مما يدحض الصورة المثالية التي تروج لها الرأسمالية عن السوق الحر الذي تعمل به كل المؤسسات دون تمييز.
لا تهدف هذه الورقة لرصد سلبيات النظام الرأسمالي فقد قتلت هذه بحثا في الكثير من الدراسات فالهدف من الأمثلة السابقة هو إلقاء الضوء على المشكلات الرئيسية التي يجب التعامل معها عند إرساء قواعد الاقتصاد البديل والتي يجب أن تنطلق من تصحيح الأخطاء التي نتجت عن الممارسات غير العادلة سواء في حق المجتمعات أو البيئة وجعل الاستجابة للاحتياجات الشعبية والقضاء على الفوارق على رأس قائمة الأولويات.
دور الأيديولوجية والهيمنة:
من أجل فهم كيفية ربط التعليم بإنشاء اقتصاد بديل يجب أولا التعرف على شكل ودور التعليم في النظام الرأسمالي. قد يبدو الهدف من التعليم واضحا ولا يحتاج لشرح فالتعليم هو الوسيلة التي يتم من خلالها إرشاد وتأهيل المواطنين منذ الطفولة وحتى سن الشباب أو النضج لاكتساب المهارات اللازمة ليصبحوا أعضاء فاعلين ومنتجين في المجتمع ويتمكنوا من المشاركة في الأنشطة الاقتصادية المختلفة وبالتالي في جلب الثروة. على الجانب الآخر، يركز التعليم في ظل اقتصاد بديل على مجموعة من المبادئ الأساسية التي يتم بناء كل ما يتبع عليها وهي العدالة الاجتماعية والحفاظ على البيئة وحماية العمال من الاستغلال. بما أن هذا ليس ما يحدث في التعليم في النظام الرأسمالي، يتضح أن المؤسسات التعليمية ليست محايدة كما تبدو وليست محصنة من تأثير الخطاب المهيمن الذي يشكل الأولويات التي يركز عليها التعليم وبالتالي المعرفة والمهارات التي يجب اكتسابها. إذا فنظام التعليم يخضع للمبادئ التي تخدم الأقلية وبالتالي لا يعود بالنفع على باقي المجتمع.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف استطاع هذا النوع من التعليم الاستمرار بالرغم من الأضرار التي يتسبب فيها من خلال دعمه لمبادئ الرأسمالية؟ يمكن إجابة هذا السؤال من خلال الإقرار بأن الخطاب التعليمي هذا يعتمد على نوع من الموافقة الضمنية على النظام الرأسمالي كواقع أو كأمر طبيعي. يرجع هذا لآليات النظام الرأسمالي فبينما يفرض هذا النظام قوانينه بشكل جائر إلا أنه يعتمد في تفاصيله اليومية على إخفاء هذا الجانب غير العادل مما يؤدي لتقبله تدريجيا وتحوله لجزء من الحياة العادية. يؤدي هذا النوع من التطبيع مع النظام الرأسمالي والظلم الذي يتسبب فيه إلى اختفاء تدريجي لأي رغبة في الثورة ضده أو محاولة تغييره وإلى تحوله من عبء إلى واقع.
يجب في هذا السياق ذكر مفكرين هامين. أولا، أشار كارل ماركس إلى أن أفكار الطبقة العاملة في كل الأزمنة هي ذاتها أفكار الطبقة الحاكمة ويعرف الطبقة الحاكمة بأنها هي التي تملك القوة المادية في المجتمع وكذلك القوة الفكرية. يقول ماركس:
إن الطبقة التي تملك وسائل الإنتاج المادية تسيطر في نفس الوقت على وسائط الإنتاج الفكري، وبالتالي فإن أفكار أولئك الذين يفتقرون إلى تلك الوسائط تخضع، بشكل عام، لهيمنة وجهات نظر تلك الطبقة. وليست الأفكار السائدة سوى التعبير المثالي عن العلاقات المادية المهيمنة. إن الأفراد الذين تتألف منهم الطبقة الحاكمة بقدر ما يسودون كطبقة يحكمون كمفكرين أيضا، كمنتجين للأفكار، ويقومون بتنظيم ونشر أفكارهم وبالتالي فإن أفكارهم هي أفكار العصر السائدة.
يبحث المفكر الإيطالي الماركسي أنطونيو جرامشي في ذلك الأمر باستفاضة حيث يحلل كيفية التطبيع التدريجي مع ظلم النظام الرأسمالي كما يناقش دور الأيديولوجية والهيمنة كعاملين أساسين في هذه العملية. يرى جرامشي مثل ماركس أن الأيديولوجية هي مجموعة من الأفكار الأساسية التي تعطي العالم معنى لكن في ظل الرأسمالية لا تفسر الأيديولوجية العالم كما هو بالفعل بل كما يخدمها أي من خلال المفاهيم والعلاقات التي تخبئ الطبيعة الجائرة لهذا النظام بل وتعمل على تحويله لأمر طبيعي. لهذا فأن الرأسمالية مستمرة بفضل ترويج مجموعة من الأفكار والقيم التي تقدم النظام الاجتماعي السائد على أنه طبيعي على الرغم من وجود العديد من السمات التي تثبت عكس ذلك.
في النظام الرأسمالي تتخلل الأيديولوجية المهيمنة المؤسسات الاجتماعية والسياسية والقانونية المختلفة والتي تساهم بدورها في عملية التطبيع. ينطبق هذا على المؤسسات التعليمية والدينية ووسائل الإعلام والقضاء ومكان العمل. تقوم هذه المؤسسات مجتمعة بتعريف ما هو “طبيعي” وما ينافيه وبالتالي يصبح “غير طبيعي” وتقوم بمكافأة ومعاقبة الأفراد والجماعات بناء على هذا التصنيف. يسمي جرامشي هذا النوع من الحكم “الهيمنة” لأنه يعتمد على الحصول على الموافقة على ممارسات ما من خلال “قوة ناعمة”. وتهدف الهيمنة في الأساس لفرض الرأسمالية بشكل ضمني عن طريق قلب الحقائق تدريجيا. لهذا فإن عدم المساواة والطبقية والفجوات بين الأفراد والجماعات والأعراق والدول أصبحت مع الوقت أمرا طبيعيا.
دور النظام التعليمي الحالي:
في مجتمع تحكمه أيديولوجية مركزية مهيمنة دورها الأساسي هو الحفاظ على سيطرة النظام الرأسمالي وإخفاء مساوئه المتعددة يلعب التعليم من مرحلة ما قبل المدرسة وحتى الجامعة دورا محوريا. من ناحية، يكتسب الطلاب العديد من المهارات التي يمكن استخدامها في العديد من المجالات منها ما يساهم في تلبية الاحتياجات الإنسانية ولا يمكن إنكار الدور الذي تلعبه تلك المهارات في التطوير المعرفي والعلمي للطلاب والذي يؤهلهم فيما بعد للتأثير إيجابيا على الأفراد والمجتمعات.
وبينما لا يمكن إغفال مزايا النظام التعليمي، يجب أيضا إلقاء الضوء على عيوبه والتي تتركز في عاملين رئيسيين. أولا، التعليم غير متاح للجميع حيث أن توفر المؤسسات والخدمات التعليمية مرهون في معظم الوقت بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية والسياسية. ثانيا، معظم المؤسسات التعليمية تعمل بشكل أساسي على ترويج وتجميل الأيديولوجية المهيمنة بين شباب المجتمعات. قد يكون العامل الأول أكثر وضوحا وسهل إثباته لكن هذا لا ينطبق على العامل الثاني لذا وجب التوقف عنده.
إن التمعن في نشأة النظام التعليمي المعاصر من شأنها توضيح ارتباطه بترويج الأفكار الداعمة للأنظمة السياسية والاقتصادية السائدة. نشأت الأنظمة التعليمية في الولايات المتحدة وغرب أوروبا بداية في المؤسسات الدينية والتي ارتأت في التعليم وسيلة فاعلة لدعم هيمنة الكنيسة. حينها تم فرض العديد من القيود على الطلاب الذين يتم قبولهم والمهارات التي يتم تدريسها. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة كان الرجال البيض من ملاك الأراضي هم فقط من يتعلمون القراءة والكتابة بينما كان يتم تدريس القراءة للنساء البيض في أماكن منفصلة. ولم يكن مسموحا لغير البيض من الذكور أو الإناث الالتحاق بالمدارس على الإطلاق. حينما أصبحت بعض الولايات أكثر قوة وبدأت سطوة الكنيسة في التراجع تم إنشاء المدارس العامة بشرط دفع الضرائب التي يمكن من خلالها الإنفاق على متطلبات التعليم والتي كانت تتزايد حينها مع بناء المدن وانتشار التصنيع وتبني الاقتصاد الرأسمالي. لكن ظل التعليم خاضع لأهواء الأغنياء فحرمت عدة مناطق من المدارس العامة لأن كثير من العائلات ذات النفوذ رفضت دفع الضرائب التي يمكن فقط من خلالها أن يتعلم الفقراء. في هذه الأثناء، ظل الأغنياء يرسلون أولادهم للمدارس الخاصة لتجنب اختلاطهم بأبناء الطبقات العاملة. أحد أهم الإحصاءات التي توضح أهمية التعليم العام أوضحت أن 51% من أعضاء البرلمان البريطاني عام 2017 تلقوا تعليمهم في مدارس عامة وهو الرقم الأكبر على الإطلاق في التاريخ المدون.[1]
إلى جانب الفجوة بين التعليم العام والخاص، يلقى تغير المقررات الدراسية الضوء على التطورات التي مرت بها العملية التعليمية في حد ذاتها وكجزء من التحولات السياسية والاقتصادية. في عام 1952، تمت محاكمة مدرس في مدرسة ثانوية بولاية تينيسي الأمريكية لأنه قام بتدريس نظرية التطور لداروين فيما عرف باسم قضية “سكوبس” نسبة للمدرس جون توماس سكوبس. تمت إدانة سكوبس في البداية وعلى الرغم من إلغاء الحكم لاحقا إلا أن القضية في مجملها أوضحت مدى تأثير الرأي الشعبي المحلي والذي استطاع من خلال قراءته الأصولية للإنجيل الانتصار على نظرية علمية ذات تأثير لا يستهان به.
يشير هذا النوع من الأمثلة أن الأنظمة التعليمية لا تنقل بالضرورة المعرفة العلمية ولا تركز بالضرورة على المهارات التي يكتسبها الطلاب بل هي في المقام الأول مؤسسات سياسية وهي جزء لا يتجزأ من منظومة أكبر تعمل على إعادة إنتاج مجموعة من المفاهيم التي تدعم النظام المهيمن وتضمن بقائه. لهذا فأن معظم أنظمة التعليم المعاصر تمزج بين نقل المعرفة والمهارات للطلاب من جهة بينما تدمج تلك المعرفة والمهارات في السياق التاريخي والسياسي والاجتماعي الذي يدعم الخطاب المهيمن ويعضد من قوة الطبقة الحاكمة. هذا يعني أن العملية التعليمية تعتمد على انتقاء المحتوى الذي يخدم هذا الهدف كما تعمل على تبسيط الأمور ووضعها في السياقات التي تركز على نقاط دون أخرى. وهنا يتم طرح العديد من التساؤلات: ما هي المعايير التي يتم الاختيار على أساسها؟ وكيف يمكن تغيير عملية الاختيار هذه؟ وكيف بدأت عملية الانتقاء في الأساس؟ لا توجد إجابات موضوعية على هذه الأسئلة بل جميعها إجابات يمكن الوصول إليها من خلال البحث في العديد من التطورات التاريخية وربطها بتوازنات القوة والأدوار التي لعبتها السياسة والمؤسسات المختلفة.
نحو اقتصاد بديل:
يتضح مما سبق أن الأنظمة التعليمية سواء في الغرب أو في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عملت على دعم الخطاب السائد والتخفيف من وطأة الرأسمالية والأبوية والأصولية الدينية والتيار المحافظ وقد تمكنت هذه الأنظمة من التغلغل في المجتمعات بحيث نجحت بالفعل في تجميل مساوئ النموذج المهيمن. لهذا فالبحث عن الوسائل التي يمكن من خلالها الانتقال لنموذج مغاير يدعم الاقتصاد البديل أمر في غاية الأهمية.
في بداية الأمر، يجب الإشارة إلى أنه لا يوجد سابقة يمكن الاسترشاد بها فالنظام التعليمي الحالي بالرغم من مساوئه وعدم قدرته على تأهيل المجتمعات للاقتصاد البديل إلا أنه يمثل تطورا ملحوظا مقارنة بوضع التعليم منذ مائة عام. يوضح هذا التطور في حد ذاته أن التعليم طالما كان موضع صراع بين الأيديولوجيات المختلفة في المجتمعات وبالتالي شكل هذا التطور انتصارا لمعسكر على آخر. كما يوضح أيضا مدى مرونة النظام الرأسمالي حيث استطاع هذا النظام استيعاب التطورات المختلفة عبر العصور والتغلب على العديد من العصبيات التي بدت غير قابلة للتغير سواء فيما يخص الدين أو الجنس أو العرق لمواكبة التطور. وبالتالي بدأ النظام الرأسمالي في قبول ما كان يرفضه في الماضي مثل تضمين نظرية التطور في المقررات المدرسية وإدماج النساء والأمريكيين من أصل أفريقي في منظومة التعليم العام على سبيل المثال لا الحصر. يرجع هذا التطور داخل النظام الرأسمالي إلى إدراك القائمين على هذا النظام أن يمكنهم استخدام التعليم للترويج لأفكارهم ولضمان تغلغل هذه الأفكار تدريجيا في المجتمع بحيث تصبح جزء لا يتجزأ منه. بهذا أصبح التعليم يعود بالفائدة على النظام الرأسمالي بينما لا يلتفت أحد إلى أنه تحول لأداة أيديولوجية. لهذا فإن إرساء قواعد نظام تعليمي يؤسس لاقتصاد بديل تبدأ بالاعتراف بالعيوب التي يعاني منها النظام الحالي وبحاجة هذا النظام لإصلاح شامل.
يحتاج هذا الإصلاح لتوسيع أهداف التعليم. أولا، يجب توسيع مفهوم التعليم من الناحية المؤسسية بحيث تتم إتاحته للجميع. يمكن تحقيق هذا من خلال الاستثمار في الأنظمة التعليمية بشكل أكبر سواء من خلال أجور مجزية للمدرسين أو تحسين التحية للمؤسسات التعليمية بالإضافة للتوزيع المتساوي للمدارس في المناطق المختلفة والقضاء على المعوقات الاقتصادية التي تمنع الكثيرين من الانضمام للتعليم. هذا يعني أن الدول تحتاج لبناء مزيد من المدارس ذات بنية تحتية قوية وتوفير المواصلات العامة التي تسهل الوصول لها وتقديم تسهيلات مادية تتيح للجميع الالتحاق بها.
لأن التعليم العام يتم تمويله بطبيعة الحال من قبل الدولة أي من ضرائب المواطنين فلا تبدو رغبة الرأسماليين في تقليل نصيبهم من الضرائب مثيرة للتعجب حيث أنهم يحاولون تجنب المساهمة ولو بشكل غير مباشر في هذا النوع من التعليم ويسفر هذا عن نوع من التناقض حيث أن التعليم أحد أهم الأدوات التي تستخدمها الرأسمالية لدعم أفكارها والإبقاء على خطابها. يمكن تفسير هذا التناقض بالنظر إلى المهارات الإيجابية التي يتم اكتسابها من خلال التعليم وعلى رأسها التفكير النقدي والقدرة على التحليل والوعي بأهمية نشر المعرفة في المجتمعات هي مهارات من شأنها التطور حال تحسن النظام التعليمي وإعطاء مزيد من الاهتمام للمدارس وبالتالي القيام بدور أساسي في الإصلاح الذي تقاومه الرأسمالية. لهذا السبب يجب التركيز على هذا النوع من المهارات بشكل خاص عند إنشاء نظام تعليمي يؤسس لاقتصاد بديل. وبينما يمهد هذا النوع من التعليم لاقتصاد بديل، يخدم المستفيدون من هذا النظام الاقتصاد الجديد والذي لا يمكنه الاستمرار بدون أفراد واعيين يمتلكون القدرة على التفكير النقدي.
بالإضافة إلى الجانب الكمي والذي يقتضي التوسع في المؤسسات التعليمية وبناء المزيد من المدارس، ينبغي أيضا الالتفات لأهمية الجانب الكيفي للتجربة التعليمية. هذا يعني تغير دور المؤسسات التعليمية كجهات مسؤولة عن تخريج أفراد منصاعين مهمتهم الأساسية خدمة الرأسمالية وتوفير القوة العاملة اللازمة لها. لن يتحقق هذا بدون توعية الطلاب بالمساوئ السياسية والاقتصادية للنظام الرأسمالي مما يتطلب توسيع محتوى المقررات الدراسية ليتضمن مواد تخالف الخطاب السائد الذي يتحكم حاليا في المنظومة التعليمية بحيث يتعرض الطلاب لجميع الحقائق. هذا التغير يعني التخلي عن العملية الانتقائية التي يتم من خلالها تضمين المحتوى الداعم للرأسمالية فقط في المقررات الدراسية بحيث يرى الطلاب الصورة كاملة. وكما يركز النظام التعليمي السائد على الأفكار التي تدعم الرأسمالية يجب أن يركز النظام الإصلاحي على المفاهيم الداعمة للاقتصاد البديل والتي تتعلق بالمساواة والعدالة الاجتماعي وتوزيع الثروات والتشاركية والتنمية المستدامة وغيرها.
كما يتضمن الجانب الكيفي من إصلاح المنظومة التعليمية دراسة سقوط الأنظمة المستبدة في الماضي ودور النضال السياسي والاقتصادي والاجتماعي في القضاء عليها حيث أن هذا يساعد الطلاب على فهم الدور المؤثر للعمل الجمعي وكذلك الأدوات التي يمكن استخدامها للقضاء على الاستبداد بأشكاله المختلفة وكيف ومتى يتم استخدامها. يتحدى التعريف بهذه الحقائق الفكرة السائدة عن حركة التاريخ كتطور محدد مسبقا يسير في خط مستقيم ولا يحركه سوى “العظماء” وهم عادة رجال من طبقات اجتماعية معينة. يتم تقديم التاريخ في النظام الإصلاحي على أنه نتاج مجموعة من التفاعلات بين العديد من القوى التي لا تكف عن التغير وإعادة التشكل حتى الوقت الحاضر. حين يتعرض الطلاب لديناميكيات التاريخ والعوامل الجدلية التي تؤثر فيه سيرون الأحداث التاريخية بشكل يختلف عن التناول الأحادي الذي اعتادوا تلقيه من خلال منظومة التعليم التقليدية. يتطلب هذا تجنب أي خطاب يتعلق بالسمات الاستثنائية لأي من الشخصيات التاريخية التي تتم دراستها فبدلا من أن يتم التعامل مع هذه الشخصيات على أنها عبقرية على سبيل المثال يتم تحليلها كنتاج لمجموعة من العوامل السياسية أو التاريخية. هذا يتيح للطلاب الفرصة للتعامل مع التاريخ بشكل تحليلي يستبدل تقبل حقائق جامدة بربط الأحداث التاريخية بسياقها بينما يتم تناول التاريخ كعملية دائمة التغير وفقا لتفاعلات القوى وتبادل أدوار الهيمنة.
التعليم من أجل اقتصاد بديل: بين النظرية والتطبيق
بينما يبدو كل ما سبق منطقيا كخطوة في طريق إنشاء نظام تعليمي يمهد لاقتصاد بديل إلا إن هناك دوما فارق بين الخطط المأمولة وما يمكن تنفيذه على أرض الواقع. لهذا يجب في البداية تحديد الوسائل التي يمكن من خلالها البدء في نظام تعليمي جديد في ظل هيمنة النظام الحالي كما يجب التعرف على القوى الاجتماعية التي يمكنها القيام بهذه الخطوة والإشراف على عملية التحول.
في البداية يجب إدراك أنه بينما يتم دائما في محاولات الانتقال من نظام لآخر البناء على المكاسب التي نتجت عن صراعات سياسية أو اجتماعية سابقة لا ينطبق هذا الأمر هنا حيث أن المؤسسات المهيمنة لن تسمح بإصلاحات تهدد بقائها. لهذا يقتضي الواقع أن يقوم الفاعلون السياسيون والاجتماعيون بالتنظيم بشكل مستقل سواء داخل هذه المؤسسات أو خارجها للضغط من أجل الإصلاح. في هذا السياق يجب ذكر ما قاله ماركس عن أن النظام الحالي ذو طبيعة طبقية مما يتضح في أدوات الحكم التي يستخدمها سواء أخلاقيا أو تعليميا أو مؤسسيا أو قانونيا ولهذا لا يوجد بديل لتوحيد الطبقة التي تمثل ضحايا هذا النظام والتي تتكون في الأساس من العمال وكل من عانوا من التمييز على أساس العرق أو الجنس أو الشريحة الاجتماعية أو القومية… إلخ، وقيام أعضاء هذه الطبقة بمقاومة النظام الذي تسبب في معاناتهم. يمكن أن يتم هذا من داخل النظام المهيمن أو خارجه لكن التنظيم يكون في جوهره مستقل كليا بحيث يمكنه الحشد والتوعية في سبيل استبدال هذا النظام بآخر أكثر عدلا.
التعليم خارج المدرسة:
عند الحديث عن نظام تعليمي يؤسس لاقتصاد بديل لا ينبغي الاكتفاء بالتعليم الذي تموله الدولة ويجب أيضا البحث في فرص التعليم الأخرى التي يمكن توفرها في سياق التحول لاقتصاد بديل فالمدرسة ليست المكان الوحيد الذي يمكن تلقى العلم فيه. التعلم في واقع الأمر يحدث في سياقات متعددة وبأشكال متنوعة بينما ينحصر التعلم الذي يتم تلقيه في المدرسة في أنواع محددة. كما أن ربط العملية التعليمية بالمدرسة يعكس صورة مزيفة مفادها أن الطلاب ليسوا سوى أوعية فارغة تتلقى ما يصب فيها بدلا من مشاركين في نشاط تفاعلي ذو شقين نظري وعملي يقومون فيه بتبادل المعارف والمهارات في بيئة صحية تدعم الإبداع والتفكير النقدي وتدفع نحو التغيير.
كما سبقت الإشارة، لا يتم دعم النظام المهيمن من خلال التعليم وحسب بل تشارك العديد من الكيانات في هذا مثل وسائل الإعلام والمؤسسات الدينية والقضاء وأماكن العمل. ولأن كل هذه الكيانات مجتمعة تعمل على ترويج الأيديولوجيات الرأسمالية فلا يمكن اعتبار المدارس المكان الوحيد الذي تصبح الرأسمالية من خلاله جزء أساسي من المجتمعات فجميع هذه الكيانات تعليمية بشكل أو آخر.
بناء على النقطتين السابقتين تتضح أهمية ألا يقتصر الإصلاح على المدارس فقط سواء فيما يتعلق بخلق نظام تعليمي جديد يؤسس لاقتصاد بديل أو في محاولة التغيير من داخل المؤسسات المهيمنة التي تقوم بدور تعليمي بشكل أو آخر. فبينما يؤسس الفاعلون السياسيون والاجتماعيون كياناتهم الخاصة التي تمهد لنشأة الاقتصاد البديل يقومون في ذات الوقت بمحاولات إصلاحية داخل المؤسسات المهيمنة. في الإعلام على سبيل المثال يمكن للفاعلين تأسيس منابرهم الخاصة التي يطلقون منها مبادرات الاقتصاد البديل ويروجون لمبادئه الأساسية بينما يحاولون الوصول لوسائل الإعلام المهيمنة لتوصيل رسالتهم قدر المستطاع والوصول لأكبر عدد من المتلقين. يمكن تطبيق هذا التناول المزدوج مع العديد من الكيانات التي تساهم في دعم مبادئ الرأسمالية مع الأخذ في الاعتبار أن المساحة المتاحة للإصلاح قد تخلف بشكل جذري من كيان لآخر وأن بعضها قد لا يستجيب على الإطلاق لمحاولات الإصلاح.
يتضح هذا على سبيل المثال في المحاكم فالمحاكم في ظل الديمقراطيات البرجوازية، وبالطبع الوضع أكثر سوءا في الأنظمة الشمولية، لا تزال تعكس وتعيد إنتاج المبادئ المهيمنة شأنها شأن المدارس. لكن يتم مقاومة هذه المبادئ بشكل مستمر سواء من قبل اليمين أو اليسار وسيكون من السذاجة أن نتجاهل أن الصراع بشأن الميل لإصدار بعض الأحكام دون الأخرى يؤثر على الأنظمة الاقتصادية والسياسية في المجتمعات ويعكس بالتالي الاتجاه العام للمنظومة التعليمية في هذه المجتمعات.
يتضح الجانب التعليمي للأحكام القضائية في قدرتها على ربط القانون وتاريخ إصدار القوانين بالأشكال المختلفة للصراع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. يركز القانون منذ عصر حامورابي على إرساء “قواعد اللعبة” وبالتالي كيف سيعمل النظام وماذا سيحدد الفائز والخاسر. لكن القانون تغير على مر السنين سواء عن طريق عمليات إصلاحية أو حركات ثورية. ما يجب التأكيد عليه هنا هو أن كل مجتمع لديه تاريخ من الصراعات السياسية والاجتماعية ارتبط بتطور نظامه القانوني ويمكن الاستفادة من هذا الارتباط في معرفة الوسائل التي يمكن من خلالها تغيير القوانين والنظام القضائي. لا شك أن نظام المحاكم تحت حكم الديمقراطيات البرجوازية يمثل أحد أهم المؤسسات ذات الطابع التعليمي لهذا فإن تحدي الأسس التي بنيت عليها المؤسسات القضائية سواء عن طريق قنوات ديمقراطية أو خارج مؤسسات التمثيل النيابي يندرج تحت الإصلاح التعليمي خارج المدارس والتأسيس لمنظومة تعليمية من أجل اقتصاد بديل.
جدير بالذكر أن الاعتراف بعدد غير محدود من الحقوق على مر التاريخ تم من خلال الاحتجاجات والتي لعبت دورا محوريا في نشر الوعي وتأسيس الحركات السياسية والاجتماعية سواء داخل مؤسسات الدولة أو في المجتمع ككل ونجحت في إحداث تغييرات حقيقية بما فيها على مستوى القوانين. يوضح هذا أن الإصلاحات لا تحدث بشكل مفاجئ ولا تأتي في صورة إلهام لحظي بل هي نتاج سنوات من نضال الفاعلين السياسيين والاجتماعيين على أرض الواقع من خلال احتجاجات طالبت بتغييرات وضغطت من أجل تحقيق مطالبها ومطالب مجتمعاتها.
لا يخلو تاريخ المؤسسات القانونية من النقاط السوداء التي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك كيف يمكن استخدام القانون كأداة قمع مما يتضح على سبيل المثال في القوانين الاستعمارية المختلفة والتفرقة العنصرية وتجريم النقابات لكن المحاكم في الديمقراطيات البرجوازية ليست محصنة ضد التغيير على عكس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث لا يوجد تقريبا هامش للإصلاح. على الرغم من ذلك لازال من الممكن في ظل العولمة ممارسة الضغط من أجل التغيير سواء من الداخل أو الخارج خاصة من خلال إلقاء الضوء على التناقضات التي يتسم بها النظام. يساعد وجود سابقات قانونية على جعل هذه الضغط أكثر فاعلية وهنا أيضا يتضح الدور التعليمي للمؤسسات القانونية حيث تقدم أمثلة على صراعات سابقة نجحت في إحداث إصلاحات ويمكن الاستفادة منها في الوقت الحاضر.
لهذا فإن النضال السياسي والاجتماعي والاقتصادي هو في حد ذاته تعليميا ليس فقط لأن الفاعلين الآن يستفيدون من تجارب الماضي ولكن أيضا لأن الفاعلين في المستقبل سوف يستفيدون من تجارب الوقت الحاضر. لا تكون نتائج التغيير فورية بالضرورية ولا يمكن تقييم النضال في الوقت الذي يحدث فيه حيث يمكن أن يؤتي ثماره لاحقا من خلال ما يقدمه للفاعلين المستقبليين وهكذا. عند وجود رغبة حقيقية في إحداث تغيير ينبغي التخلي عن التناول التقليدي المبني على توقع نتائج فورية وتبني التناول الذي يعتبر التغيير عملية متواصلة يتم من خلالها دمج العديد من التجارب والأفكار والحراكات التي تؤدي في نهاية الأمر إلى الإصلاح المرجو.
بالنظر لما سبق يتضح عدم وجود معادلة ثابتة يمكن من خلالها إنشاء نظام تعليمي يؤسس للاقتصاد البديل لكن يتضح أيضا وجود نظام سياسي ومؤسسي يعكس أو يتجاهل إنجازات الصراعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة. يتم دعم هذا النظام من خلال مجموعة من الممارسات المهيمنة من قبل الدولة والتي تهدف من خلالها لضمان بقاء الطبقة الحاكمة والمبادئ التي تمثلها. في هذه الأثناء، هناك العديد من الفرص لمقاومة هذا النظام ونشر الوعي بمساوئه ووسائل تغييره مما يمثل في حد ذاته إصلاح تعليمي حيث يتم تحدي المبادئ التي تعتمد عليها المؤسسات التعليمية والتي تخدم بشكل أساسي النظام المهيمن. كما أن المقاومة، سواء تتم من خلال القنوات الديمقراطية أو عن طريق الاحتجاجات الشعبية، تمثل في حد ذاتها تجربة تعليمية لا تؤثر فقط على الفاعلين بها بل أيضا على الفاعلين المستقبليين الذين يكملون مسيرة الإصلاح.
يشكل الحراك المستقل أهم عوامل نجاح التعليم من أجل اقتصاد بديل حيث يجب على الحركات السياسية والاجتماعية المعنية بالإصلاح الحرص على أن يكون التنظيم والحشد بعيدا عن المؤسسات أو المجموعات الخاضعة للخطاب المهيمن بحيث تكون هذه الحركات هي المتحكمة الأولى والأخيرة في خطابها الذي يخدم الاقتصاد البديل بمنأى عن أي مصالح أو توازنات قوى. بالإضافة إلى دوره في دعم الحراك، يلعب هذا الاستقلال التنظيمي دورا محوريا في إلقاء الضوء على الصراع بين الخطابين المهيمن والبديل وهو الصراع الذي يجب أن تشهده المجتمعات التي يقع فيها الحراك من أجل رؤية الصورة الكاملة وبناء الاختيارات على وعي كامل بوجود طرفين للمعادلة وليس طرف واحد يتم فرضه بشكل مستمر ومن أجل التعرف على مظاهر النظام المهيمن الجائرة التي أصبحت جزء من حياتهم اليومية. بالإضافة إلى ذلك، فإن استقلال هذه الحركات يقدم مثالا واضحا على إمكانية وجود قوة مؤثرة غير تابعة للمؤسسات المهيمنة وقادرة على الحشد وممارسة الضغط ولكن ليكون هذا المثال فعالا ينبغي آن تدار هذه الحركات بشكل ديمقراطي وتشاركي لمنع الانقسامات التي قد تؤدي في النهاية لتفكيكها أو عزلها عن المجتمع الذي تحاول التأثير فيه.
في هذا السياق، لا يوجد بديل عن إنشاء النقابات والاتحادات وهي أدوات القوة الأساسية التي يمتلكها العمال/العاملين ويمكنهم من خلالها التنظيم والتعبير عن مظالمهم والمطالبة بحقوقهم. فلا يخلو أي مكان عمل من نقاط ضعف تتطلب الإصلاح ذلك أنه في آخر الأمر جزء لا يتجزأ من نظام اجتماعي أو محلي أو إقليمي أو عالمي معين ويطبق مبادئ هذا النظام التي لا يكون للعاملين أي دور في اختيارها. يتضح من تاريخ النقابات أن التغيير أكثر قابلية للحدوث من خلال الحراك الجماعي والالتفاف حول مطالب مشتركة. لعب جرامشي دورا كبيرا في إلقاء الضوء على التعليم كجزء من نظام سياسي واجتماعي أكبر ولكنه أكد أيضا أن المعركة من أجل العدالة تتطلب نوعين من الحروب: حروب ثقافية وحروب سياسية. الحروب الثقافية تعني البدء بتغيير المفاهيم السائدة الداعمة للرأسمالية من خلال إحلالها بشبكة محكمة من المعارف والمهارات والأيديولوجيات التي تدعم نظام تقدمي بديل حتى يتم تدريجيا استبدال الثقافة البرجوازية بثقافة بديلة تدعم الطبقة العاملة وتروج للمساواة والقضاء على الفجوات الاجتماعية. عقب الانتصار في الحروب الثقافية تبدأ الحروب السياسية التي تشمل الحراك اللازم لإدخال نتائج الحروب الثقافية حيز التنفيذ من خلال الاحتجاجات الشعبية والإضرابات وغيرها من الأفعال الجمعية التي تودي في النهاية لتحقيق التأثير السياسي المرجو. بين هاتين الحربين يكتسب الأفراد والمجتمعات الكثير من الخبرات التي من شأنها الحث على بدء محاولات لخلق عالم أكثر عدلا يكون أهم أسسه الاقتصاد البديل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] https://is.gd/tBhrAn