شخصية الحاوي وأزمة المجاز الثوري..

نظرة تحليلية للواقع المصري

عمر سمير خلف
مصر
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [543.39 KB]

مقدمة:

لعبت وسائل الإعلام الحديثة وخاصة المرئية منها وفي مقدمتها السينما والتلفزيون دورا كبيرا في صناعة النجوم، بمختلف المشارب والميادين. لكن آليات صناعة الشهرة كانت معروفة وفاعلة منذ عصر التنوير، قبل تلك الاختراعات كلها، هذا ما يشرحه الأستاذ الجامعي الفرنسي ومدير الأبحاث في مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في باريس انطوان ليلتي في كتابه الصادر في 2014 تحت عنوان “شخصيات عامة”[1]، إذ تساهم هذه الوسائل في صناعة نجوم وهمية في مختلف المجالات ومع تطورها تصبح مصدرا للظهور السريع لشخصيات في سياقات مرتبكة.

تستخدم هذه الورقة التطبيقية الإطار النظري لدراسة والتر أرمبرست، بعنوان “حاوي الثورة المصرية: دراسة أنثروبولوجية لظاهرة توفيق عكاشة”[2]، والذي يكمل نظرة انطوان ليلتي لعملية “صناعة النجوم” في المجالات المختلفة، وهي لا تركز على الأشخاص بقدر ما تركز على الشخصية بأبعادها السلوكية والاجتماعية، وباعتبار السياق الحاضن والمساعد على وجود شخصيات عديدة بهذه السمات، ومدى استفادتهم من الواقع وتأثيرهم فيه، ودراسة أرمبرست هذه هي دراسة أنثروبولوجية ميدانية أنجزها خلال سنتين قضاهما في مصر ما بين 2010، 2012.

وقد اخترنا ظاهرة الصعود والخفوت السريع لبعض الشخصيات لأهميته، حيث أصبحت ظاهرة لافتة للنظر في المشهد السياسي المصري بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير كظاهرة تتطلب التفسير، لقد كان السؤال الذي سعى أرمبرست للجواب عنه هو: لماذا يشتهر شخص ما في وقت قياسي، حتى يمتلك هذا القدر من التأثير في المجال السياسي ثم تغيب شمسه، بينما هو لا يملك موضوعيا أية مؤهلات تمكنه من بلوغ هذا القدر؟ ويمكن تمديد هذا السؤال ليشمل ظاهرة صعود وخفوت شخصيات سياسية ودينية وإعلامية كثيرة وهو ما تحاول هذه الورقة تحليله.

وضعية المجاز الثوري ومدى قدرتها على تفسير الواقع المصري:

يقدم أرمبرست طرحا مفسرا لهذا الصعود لبعض الشخصيات في هذا السياق باعتبار أن مصر ما بعد الثورة أصبحت في وضعية المجاز أو العتبة (liminality): هي باختصار مرحلة البينية بحيث يكون الشيء بين حالتين مجتمعيتين أو نفسيتين، هي وضعية عابرة او انتقالية، ويمكن إسقاط هذه الوضعية على حالة المجتمعات العربية بعد 4 أعوام من الثورات إذ لم تعد قابعة تحت النظم القديمة ولم تتشكل بوادر نظم جديدة مغايرة لما كان سائدا من قبل، هذه الوضعية لها مجموعة من الخصائص تساهم في فهم وتحليل عملية بروز شخصيات عديدة بنفس السمات وليست شخصية واحدة، فيما يعتبره المؤلف ظاهرة بحد ذاتها وجوهرها تصعيد الدجالين والمشعوذين إلى قمة المشهد وهي ظاهرة لا ترتبط بشخص بقدر ارتباطها بالسياق الذي يسمح بوجود هذا الشخص وغيره ممن يحملون سماته الشخصية أو يقتربون منها.

أول من استعمل هذا المصطلح هو الأنثروبولوجي الفرنسي جينب في 1908 في كتابه “طقوس العبور”، وقصد به الممارسات التي يقوم بها الفرد في لحظات التحول المجتمعي الرئيسية بحيث ينتقل من وضعية مجتمعية لوضعية أخرى.

وهي في حالتنا هذه ليست كالانتقال من حالة اجتماعية كأعزب لمتزوج وإنما هو تشبيه للتبسيط، حيث الفرد يمر بثلاثة مراحل وفقا لطقوس العبور وهي الانفصال عن الحالة الأولى (الطفولة- العزوبية- المدينة) وعلى مستوى المجتمع ينفصل عن بنيته ومعاييره التي كانت حاكمة لفترة من الزمن باعتبارها وضعا طبيعيا مستقرا، ثم مرحلة العتبة وفيها يعلق الشخصية بين الوضعية الأولي والثالثة كمرحلة الخطوبة بين العزوبية والزواج وعلى مستوى المجتمع تم الانفصال عن البنية دون الدخول في بنية جديدة والمجتمع في وضعية مجاز متخمة بعدة محاولات للصلح سواء بين الأطراف ذواتها أو بين الوضعية القديمة والوضعية المراد تشكيلها وتتضمن وجود قوى اجتماعية غير مسيطر عليها، ثم مرحلة إعادة الدمج بحيث يدخل الفرد في الوضعية الجديدة، وعلى مستوى المجتمع الوصول لوضعية الدمج بحيث يقبل الجميع العيش معا على اختلافهم وهي مرحلة يمكن القول أننا لم نصل إليها بعد.

مفهوم الحاوي أو المحتال كمفهوم مفتاح: الحاوي هنا شخصية ثقافية عابرة للثقافات وموجودة في تراث كافة الحضارات ونجد حكاياتها في الفلكلور الشعبي والأساطير اليونانية القديمة كما في تراث السكان الأصليين لأمريكا اللاتينية من الهنود، وغيرهم.

سمات هذه الشخصية:

  • المكر والدهاء: فهو قادر خداع أتباعه والآخرين طوال الوقت.
  • مثيرة للضحك والسخرية، بلا بيت ولا موقف تعيش في مفترق طرق دوما، يغلب عليها الغموض والغرور والازدواجية، شخصية بلا قيم ولا معايير (من عضوية برلمان 2010 لسب الثورة والثوار وقيادة الثورة المضادة لتمجيدها ولزعم أنه قائد الثورة، لسب المجلس العسكري تملقا بالإخوان لسبهم لصالح المجلس العسكري).
  • شخصية مؤذية وتتسم بالعنف الاجتماعي والرغبة في الانتقام (التحريض على الثورة، ثم على الإخوان ثم على النشطاء،… الخ).

سمات هذه الشخصية على المستوى الفردي تكاد تتطابق مع وضعية المجاز على المستوى المجتمعي ككل، لذا إذا وجدت هذه الشخصيات في هذه الوضعية وهذا السياق، فما حدود تأثيرها فيه وتأثيره فيها، وضعية العتبة أو المجاز مجتمعيا هي مؤقتة أو يفترض أن تكون كذلك، لكن هي بالنسبة للحاوي حالة دائمة يتلبسها ولا يمكن أن يعيش بدونها، لذا هو يسعى لكي يطيل هذه الوضعية على المستوى المجتمعي بكل ما أوتي من إمكانات ومهارات في الخداع والاحتيال، وهو بهذا يزيد من تشوش الفهم لدى المجتمع وعدم قدرته على إدراك حقائق الأشياء.

في هذه الوضعية ومع قدرته على بناء خطاب تشويشي وعدم قدرة الآخرين على إدراك سياقهم الذي لم يتشكل بعد ومع محاكاته هو لهذا السياق يصبح لديه قدرة عالية على لفت أنظار المشوشين، وتتحقق له الشهرة السريعة والمفاجئة، ينظر إليه تيار كبير باعتباره يقول حقائق ويتنبأ بالمستقبل فيحدث.. ومن ثم يعولون عليه باعتباره مخلصا، لكنه يزيد الجميع تشويشا، وهنا يأتي الربط بينه وبين أجهزة الدولة باعتبارها تسرب له معلومات لتعطيه مصداقية.

الثورات تنتج حالة ضد البنية/العتبة التي تتساوى فيها المكونات الاجتماعية (قوة شباب الثورة وما يملكونه من أدوات = قوة القوى الرجعية ممثلة في النظام القديم والمؤسسة العسكرية = قوة الحركات الإسلامية) ففيما بعد الحادي عشر من فبراير لم يكن محسوما من سيقود المشهد السياسي في مرحلة العتبة أو المجاز، ومن ثم تساوت قوى الأطراف الفاعلة في المشهد المصري، لكن الحواة الدينيين (الشخصيات الإعلامية المحسوبة على التيار الإسلامي) أسسوا لفكرة أن التيار الإسلامي هو الأقوى والأقدر على قيادة المشهد من حيث هم الأكثر تنظيما، وارتكنت قوى الثورة الأخرى لهذا ولم تجهز نفسها لمواجهة هؤلاء الحواة الدينيون حتى وصلت السلطة ظاهريا للتيار الإسلامي.

في هذا السياق ظهر نجم حواة داعون لتقديس الجيش المصري باعتباره القوة الوحيدة القادرة على إسقاط الإخوان ليسلم جزء من قوى الثورة بذلك، وعلى مر هذه الفترة يصبح الحواة قوة سياسية حقيقية رغم اختلاف أساليبهم وأدواتهم من السخرية لعقلنة غير المعقول.

إذن فالنظرة إلى نجوم الصعود السريع باعتبارهم مجرد ذيول لمؤسسات الدولة نظرة قاصرة إذ هم حواة ظهروا في ظل أزمة مجاز أسهموا في استمرارها، وتحولها إلى أزمة مجاز ثوري باستعمال الدلالة الاجتماعية لأزمة المجاز كما عبر عنها تيرنر.

الثورات في جوهرها تتضمن لحظة لا يقين واختلاط للأمور وقدر عال من السيولة، هذه اللحظة دشنها سقوط نظام مبارك لكنها لا تزال ممتدة حتى الآن، وهي تتماثل مع حالة المجاز أو العتبة وتمثل فرصة عظيمة للحاوي وتمثل سكنا ومأوى له وهو يعتبر داعما طبيعيا لحالة ضد البنية تلك.

كما يمكن إسقاط المفاهيم المرتبطة بوضعية المجاز الثوري وأبعاد شخصية الحاوي على كثير من الشخصيات السياسية والإعلامية والدينية، إذ صعدت في مصر خلال السنوات الخمس الماضية نجوم العديد من الشخصيات التي لم نكن نعلم عنها الكثير قبل الثورة مستغلة وضعية المجاز الثوري بسماتها التي سبق لأرمبرست توضيحها، إذ لا نظام جديد مغاير قد تشكل، فيمكن للمرء أن يحدد مدى قرب أو بعد الأشخاص عنه باعتباره معيارا، ولا النظام القديم باق بأشخاصه فيمكن مقاربة أو مباعدة الجميع بناء عليه.

والاستمرار في هذه الحالة هو الإغراق في أزمة المجاز الثوري أو البين بين والتي حال استمرارها يمكن ملاحظة استمرار ظاهرة صعود وهبوط نجوم الشاشات والفضائيات سواء من الساسة أو الإعلاميين أو شيوخ الدين الذين لا يمثلون إلا فرقعات إعلامية ويزيدون حالة التشوش الجمعي تعقيدا على تعقيد، ويحاولون الخروج بالثورة عن مسارها سواء من خلال تقديم تفسير تآمري للثورة يترسخ مع الوقت ليصبح هو الرواية التاريخية السائدة لكل حراك اجتماعي أو حدث ثوري كبير، ينطبق هذا على 25 يناير إلى 11 فبراير كما ينطبق على الأحداث الكبرى الشهيرة كمحمد محمود وماسبيرو ومجلس الوزراء والعباسية ثم الاتحادية والمقطم و30 يونيه والحرس الجمهوري والمنصة ورابعة والنهضة وأحداث ذكرى الثورة المتكررة كل عام.

وأزمة المجاز الثوري هنا لا تعني استمرار الثورة بل استمرار حالة التخبط والتشوش التي تستفيد منها النظم في تأجيل مطالب الثورة إذ تتعلل بالانقسام المجتمعي المتحقق بشكل طبيعي من حيث الاختلاف على مبدأ الثورة والإصلاح ومدى صلاحية النظام القائم “كان ماله (س) كان محققلنا الاستقرار والأمن، خربتوا البلد يابتوع الأجندات يا أنصار الصهاينة والأمريكان… إلخ” في مقابل خطابات الثورة أو الإصلاح كآلية للتغيير.

هؤلاء الحواة يرسخون المقولات الرسمية السائدة أحيانا بطلب وفي الغالب بدون طلب من السلطة الحاكمة، هذا لا يرتبط بتحليل الوضع الراهن فقط بل بالمرحلة الممتدة منذ الثورة وحتى الآن، إذ لكل نظام رموزه في السياسة والإعلام وحتى الاقتصاد التي صعدها لنا سريعا دون سابق تطور طبيعي لعملية ظهورهم، هذا لا يعني بالضرورة أن هذه النظم هي من صعدت هؤلاء بالأساس بقدر ما هي قدراتهم على الاستفادة من وضعية المجاز الثوري وعدم اليقين التي جعلتهم سواء بتنميق خطاباتهم أو بتحويله للأسلوب “المصاطبي” قادرين على الوصول لقطاع واسع من الشارع وإقناعه سواء عن طريق النكتة والفكاهة أو الأخبار غير الموثوقة أو حتى القياسات غير المنطقية لأحداث مشابهة لما يحدث في مصر من العالم وصياغتها في قوالب منطقية لا يستطيع اكتشافها غير المتخصصين أو المهتمين.

وهنا تبدو مقولات البعض باعتبار محمد مرسي يوسف هذا العصر، أو مقولات الرئيس السيسي شارل ديجول أو أيزنهاور أو جورج واشنطن المرحلة حتى قبل أن يصبح رئيسا،[3] وهي مقولات خرجت من أكثر من شخصية أكاديمية وسياسية في توقيتات متقاربة لتصبح المقولة السائدة في فترة من الفترات، وليرددها كتاب ومحللون كبار[4] أعطوا لها مصداقية دون النظر لمضمون المقارنة ولا لتبعات قيادة هذه الأشخاص لبلدانها مقارنة بقيادة جنرالات لمصر على مدار التاريخ في أجواء يعتبر فيها الكثيرون أن مصر مركز الكون ويجب أن يقاس عليها لا أن تقاس على أحد.

إذن هؤلاء يزيدون من حالة التشوش وينتفعون من استمرارها إذ يضمن لهم وجودا وحضورا واستمرارا، ولا تحاربهم الأنظمة رغم ما قد يوجهونه لها من نقد في بعض الأحيان، لأن استفادة هذه الأنظمة من وجودهم ومن خطاباتهم أعظم بكثير من استفادتها حال عدم السماح لهم بالتواجد وأكثر من استفادتهم منها. يدلل أرمبرست على ذلك بحاجة السلطة الحاكمة لهؤلاء في بعض الأوقات أكثر من حاجتهم إليها، ويمكن البرهنة على ذلك من خلال النظر للشخصيات التي صعدت في سلم السلطة بعد 30 يونيه تحديدا ثم اختفت باعتبار أنها كانت جزءا من حاجة السلطة لتجميل صورتها بوضع اقتصاديين أو سياسيين متخصصين ليقال أنها حكومة تكنوقراط، بينما في النهاية تم التضحية بهذه الشخصيات بسهولة.

صعود هؤلاء الحواة أو المحتالون في هذه الفترات الحرجة مرتبط بتفشي قابليات مثل ظاهرة الهوس بالمشاهير والتي ترجع لطبيعة الشخص نفسه والتي قد تميزها عدم الثقة بالنفس ولا بالمستقبل، وهذا يبرز في حب البعض تقليد شكل المشاهير وطريقة كلامهم وحركاتهم واستخدام بعض مفرداتهم، أو حتى انتشار السخرية من هذه الشخصيات إلى الحد الذي يجعل منها محورا للتركيز ومآلا للاهتمام للحد الذي تنطلق معه دعوات عالمية “stop making stupid peoples famous”، وصعود نجم هذه الشخصيات ليس عبثا، ففي البداية تتاح لها فرصة الظهور أول مره ثم يؤخذ كلامها على محمل الجد أو السخرية وينتشر عبر مواقع وقنوات وبرامج لتصبح مصدرا للمعلومة أو للخبر ومع الوقت تصبح هي مادة الخبر والمحتوى، بينما أناس كثيرون ينطلقون في مرات ظهورهم الأولى بمقولات وأفكار قد تكون عبقرية في مجالها دون أن تسلط عليها أضواء أخرى.

وهذا ما يجعل من هذه الظاهرة محل اهتمام إذ تبحث في كيفية توجيه المزاج العام للجمهور في المراحل الحرجة وتحويله عن أفكار أساسية متعلقة بالثورة والتغيير لترديد عبارات المؤامرة والتخريب، ويقود لسيادة روايات ومقولات تفسيرية لأحداث كبرى على ما عداها من الروايات والمقولات.

خاتمة:

لا يمكن لمجتمع أن يستمر في حالة مجاز لفترة طويلة لأن استمرار هذه الحالة يعني تزايد الانقسام والهوة بين الأطراف السياسية، وربما يقود للانزلاق لحرب أهلية أو على الأقل العودة للنظام السوسيو-سياسي السابق على مرحلة التحول وبدرجات أكبر من القمع والاستبداد، وبقدرة أكبر على توليد حواة جدد وخلق حالة من التشوش الدائم.

وجود هؤلاء الحواة في مواقع نفوذ سواء مسئولين سياسيين أو إعلاميين أو دعاة دينيين مشهورين لا يعني إعفاء الأتباع من المسئولية، لأنه إذا انفض هؤلاء الأتباع عن هؤلاء الحواة يكون زوالهم سريعا وخاطفا، كما أن الاستقرار على نظام جديد وبقواعد واضحة يعني انتهاء وضعية المجاز الثوري ومن ثم انتفاء البيئة الحاضنة لهؤلاء إذ يشكلون حالات توجد بفترة خلال الثورات والفترات التي يصل فيها التشويش السوسيو-سياسي درجته القصوى والتي يتاح لشخصية الحاوي فيها أن يحظى بقوة حقيقية.

والدليل على هذا أن برنامج تلفزيوني ساخر واحد استطاع أن يوضح حقيقة الكثيرين من هؤلاء الحواة في فترة وجيزة، وأسقط الكثير من الأقنعة عن شخصيات إعلامية ودينية وسياسية كثيرة، ولعل إيقاف الدولة لهذا البرنامج يفسر استفادتها الكبرى من هؤلاء الحواة ومن سيادة التشوش وعدم اليقين، بل ومحاولتها صناعة حواة جدد ويتجلى هذا في خفوت نجم حواة وصعود آخرين.

تبقى مقولات أرمبرست حول المجاز وشخصية الحاوي جزءا من التفسير، إذ ثمة مصالح لأطراف محلية وإقليمية في استمرار هذا الوضع لأطول فترة ممكنة، لأن انتهائها لصالح تشكيل نظام جديد يستبطن مبادئ الثورة والتغيير سيعني انهيار شبكة المصالح القديمة القوية وربما محاكمات واسعة لرموز فساد ومرتكبي مجازر، إذن مدخل أرمبرست يبقى مفسرا لجزء من ظاهرة الصعود السريع لبعض الشخصيات ولجزء من المشهد المصري دون أن يعني هذا قدرته التفسيرية العالية على بلورة صورة كاملة للمشهد ككل.

كما أن ثمة علاقات وشبكات مصالح وثيقة بين الظاهرة وبين من يديرون المشهد في مرحلة المجاز الثوري أو العتبة ويمكن رصد هذا من خلال وصوله لوثائق لم يتسن لغيره الوصول إليها لمحاولة إثبات تورط منظمات المجتمع المدني في عمليات تمويل أجنبي مشكوك في أهدافها، ومن ثم قيادة حملة منظمة ضد المجتمع المدني وتكوين رأي عام داعم لتوجه السلطة في إغلاق والتضييق على بعض المنظمات، إذن شخصية الحاوي قادرة على صناعة الفعل بذاتها أو بمساعدة إدارة المهرجان أو القائمين على السلطة في مرحلة المجاز وهي هنا الأجهزة السيادية، هذا التحليل يمتد لشخصيات بزغ نجمها ثم خفت، بل قد يمتد التحليل لشخصيات في الحكم تصرفاتها مثيرة للضحك وهي جزء من حالة المجاز الثوري حيث لم يكن أحد يعرفها قبل الثورة ثم أصبحت في صدارة المشهد بسرعة فائقة ودون أسباب موضوعية.

ـــــــــــــــــــــــــ

[1] موقع مجلة البيان، عرض كتاب أنطوان ليلتي، بعنوان “عصر الحداثة وصناعة النجوم، بتاريخ 3 أكتوبر 2014، http://is.gd/gaDuQa HYPERLINK “http://is.gd/gaDuQa”

 والتر أرمبرست، “حاوي الثورة المصرية: دراسة أنثروبولوجية لظاهرة توفيق عكاشة، ترجمة طارق عثمان، بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات، ط1 2015.

[3] “حجازي”: السيسي “أيزنهاور مصر” ويمتلك المواصفات التي يراها المصريون في قائدهم، جريدة الوطن 20 سبتمبر 2013، http://is.gd/eCBGMk

انظر أيضا معتز عبد الفتاح، “هل خان السيسى المصريين؟”، جريدة الوطن 10 سبتمبر 2013، http://is.gd/CLbvK3 HYPERLINK “http://is.gd/CLbvK3”

 بالفيديو.. هيكل: السيسي يشبه أيزنهاور.. وعلى الرئيس إنشاء تحالفه الخاص، موقع جريدة الشروق، 19 ديسمبر 2014، http://is.gd/9eEeXB HYPERLINK “http://is.gd/9eEeXB”

 

Start typing and press Enter to search