مستقبل العلاقات المصرية السعودية في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية
منتدى البدائل العربي للدراسات

السعودية ,مصر

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [555.59 KB]

لعبت السعودية ودول الخليج دورا حيويا في دعم أنظمة ما بعد الثورة في مصر أو الوقوف في وجهها، وإن كان بدرجات متفاوتة، كما كان هذا الدعم مختلفا من حيث خرائطه بما يعكس واقع العمل العربي والإقليمي بشكل كبير حيث انقسام حاد بين المحور السعودي-الإماراتي-البحريني-الكويتي من جهة والمحور القطري-التركي من جهة ثانية، ومن ثم يعطي الكثير من الباحثين أهمية لما يحدث في هذه الدول من تغيرات وما تمثله من احتمالية حدوث تغييرات مماثلة في المنطقة برمتها، لا سيما انعكاسات مثل هذه التغييرات على دول الربيع العربي.

وقد مثلت وفاة العاهل السعودي/ الملك عبد الله خسارة بالنسبة لبعض الأطراف الإقليمية، في حين اعتبرها آخرون مكسبا لما قد يترتب عليها من تغييرات في البيت الداخلي السعودي وما يمثله ذلك من احتمالية تغيير في توجهات السياسة الخارجية السعودية بما قد يعتبره البعض اتجاها للحياد أو على الأقل تخفيض مناصرة أطراف النظم الساقطة ضد أنصار التغيير، والحقيقة أن هذا الأمر يحتاج إلي بحث دقيق سيما أن العامل الشخصي في السياسة الخارجية العربية شديد الأهمية وهو في الحالة السعودية أشد أهمية، كما وأن الفترة الراهنة أيضا يتشابك فيها هذا العامل مع عوامل أخرى كالمتغيرات الدولية والإقليمية، وأهمها الثورات العربية وتعقيدات المشهدين السوري والعراقي منذ ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وسيطرته على أجزاء واسعة من العراق وسوريا، وغيرها من حركات الإسلام السياسي، واختلاف دول المنطقة في التعامل مع مثل هذه الحركات. وتتفاعل مع هذه التعقيدات تطورات المشهد اليمني وما تحمله من ازدياد النفوذ الإيراني وخطر الانحدار إلى حدود الحرب الأهلية في اليمن، وتحاول هذه الورقة دراسة الآثار المرتبطة بهذه العوامل على العلاقات المصرية الخليجية.

أثر العامل الشخصي على العلاقات المصرية السعودية:

مع تزايد الكتابات حول ما يسميه البعض انقلابا داخل الأسرة السعودية[1] بعد سلسلة القرارات والأوامر الملكية التي أصدرها الملك سلمان عقب توليه السلطة مباشرة وقبيل حتى متابعة مراسم دفن سلفه، وعلى رأسها إبعاد ما يمكن تسميته الجناح الأقوى داخل القصر الملكي السعودي بقيادة خالد التويجري رئيس الديوان الملكي الذي تم استبعاده من منصبه كرئيس للديوان بموجب المرسوم الملكي الصادر من العاهل السعودي الجديد في 23 يناير2015، وتعيين محمد بن سلمان (نجل الملك الحالي) خلفا له، وكان التويجري ذو نفوذ واسع في عهد الملك عبد الله الذي استحدث له هيئة البيعة وعينه أمينا عاما لها للحد الذي جعل البعض يلقبونه بملك الظل حيث لم تملك شخصية سعودية من خارج الأسرة الحاكمة المناصب والصلاحيات التي كان يحملها السيد “التويجري”، فقد كان رئيسا للديوان الملكي، ورئيسا لديوان مجلس الوزراء، والسكرتير الخاص ومستشار الملك، وأمين عام هيئة البيعة[2]، وكان يوصف جناح التويجري مع وزير الداخلية بندر بن سلطان ووزير الحرس الوطني متعب بن عبد الله نجل الملك الراحل بأنه مثلث الحكم، ويعني خروج هذا المثلث من دائرة الحكم إلى حد بعيد إعادة تشكيل خريطة تحالفات المملكة، وبالذات نحو انفتاح على المحور القطري التركي، حيث ركزت الصحافة ووسائل الإعلام القطرية على الأمر الملكي وبالذات تعيين الأمير محمد بن نايف وزيرا للداخلية، واحتفائها هذا دفع للاعتقاد بأن العلاقات مع دولة قطر قد تتحسن خصوصا وأنه في الاتجاه المضاد تماما للأمير بندر بن سلطان وأحد أبرز مهندسي الاتصالات التي انتهت بالمصالحة مع قطر ومقرب من المؤسسة الأمنية في دول الخليج وتحديدا في مسقط، وبما أن الهوة بين النظام المصري والتحالف القطري التركي شديدة[3] فإن أي تقارب سعودي قطري يعتبره النظام المصري خصما من علاقاته مع الرياض وهو ما يفسر هجوم بعض الإعلاميين المصريين المقربين من النظام على السعودية في الآونة الأخيرة وبالذات الدفع باتجاه أن هناك تغيرا في السياسة الخارجية السعودية[4] دون مراعاة حجم العمالة المصرية هناك ودون حتى مراعاة للعلاقات الودية المتميزة التي جمعت بين النظامين المصري والسعودي فترة حكم الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز أو حتى تلك التي يتظاهر الطرفان بأنها لا تزال قوية، إلى الحد الذي حدا ببعض الإعلاميين للتمادي في شخصنة العلاقات لحد للقول بأن الأمير مقرن أفضل لمصر من سلمان[5].

لكن ينبغي أن تقرأ جملة التغييرات التي قام بها الملك سلمان بن عبد العزيز في ترتيب أوضاع الأسرة المالكة السعودية في سياقها فكل الملوك السابقين كانوا يقومون ببعض التغييرات الروتينية سواء في مجلس الوزراء أو الديوان الملكي، بحيث يقربون من هم أقرب لتنفيذ سياسات الملك سواء بالانتصار لجناحه العائلي بحيث أقصي الملك عبد الله السديريين ومن ثم كان متوقعا أن يقوم الملك سلمان بإعادة تمكينهم، إلا أن التغييرات الأهم بالنسبة لملفات السياسة الخارجية ترتبط بمواقع الأشخاص من خارج العائلة المالكة وشبكات تحالفاتهم وهي التي تكون محل تغير يؤثر في السياسة الخارجية جنبا إلى جنب مع توجهات الملك الجديد وفي إطار من التفاعل مع عدة عوامل إقليمية ودولية مهمة سوف نعرض لها في السطور التالية.

القضية السورية وتصاعد خطر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش/ISIS):

خلف التراخي الدولي تجاه دعم الثورة السورية أو وضع حل لتطوراتها باعتبارها أزمة وإخضاعها لتوازنات قوى دولية متغيرة، توسع أمد الصراع ما بين النظام السوري وقوى الثورة التي تحول بعضها إلى العنف المفرط المصحوب بإيديولوجيا متطرفة تمثلت أهم مظاهرها في صعود نجم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وتحويله للثورة السورية من ثورة ضد استبداد النظام إلى حرب أهلية شاملة يقاتل فيها التنظيم ضد كافة الفصائل المعارضة للنظام ويستبيح دماء السوريين من كافة الطوائف المذهبية والتيارات السياسية.

ولا ينفك تطور الثورة السورية عن كونه انعكاسا للواقع العربي والإقليمي المنقسم حول محورين أحدهما وقف خلف فتح الحدود السورية للمقاتلين المتشددين الذين انضووا تحت لواء جبهة النصرة التي اتجه الجناح الأكثر تشددا فيها للانضمام للدولة الإسلامية في العراق والآخر ساهم في تشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ودعم الجيش الحر دون قدرة على فرض حل دولي للأزمة السورية ووقف نزيف الدماء، وإذا كان ملك السعودية الراحل قد شجع في البداية فرضية إسقاط النظام السوري عن طريق المجتمع الدولي سواء بالضغط من خلال رفض السعودية لعضوية مجلس الأمن غير الدائمة أو من خلال البيانات السعودية الداعية للمجتمع الدولي لتحمل مسئولياته تجاه الشعب السوري، إلا أن ثمة مستجدات أدت لتغير خريطة تلك التفاعلات الإقليمية إذ تحولت الساحة السورية إلى حرب أهلية تبدل الموقف، فصارت سوريا ساحة تتبارز فيها إرادات قوى دولية وإقليمية وتدور حولها مجموعة من الحروب الباردة والساخنة على حد سواء. يتواجه تحالفان رئيسيان على الأراضي السورية، الأول هو تحالف إيران ونظام الأسد وحزب الله والميليشيات الشيعية العراقية التي تخوض معركة بقاء الأسد برعاية روسية، والتحالف الثاني يتضمن الدول الغربية والسعودية وقطر وتركيا ويخوض معركة الإطاحة بالأسد، إلى جانب هذه المعركة الرئيسية نشأت معارك فرعية خاضها الأكراد لتعزيز وجودهم واستقلالهم وخاضها تنظيم الدولة الإسلامية الذي تمدد عبر الحدود السورية والعراقية ليهدد المنطقة برمتها[6].

وفي هذه الأزمة تتجلى بشكل كبير عملية تحويل الثورات لحروب طائفية تغذي ذلك التدخلات والتدخلات المضادة ما بين إيران وحلفائها المحليين من جهة كمشاركة لواء أبو الفضل العباس وفيلق القدس في حرب النظام السوري ضد الحراك الجماهيري السوري أو مشاركة هذه الألوية الإيرانية في قتال داعش في العراق، وعلى الجهة الأخرى السعودية وعملياتها العسكرية سواء في إطار جماعي رسمي كما في إرسال قوات درع الجزيرة لإخماد الحراك الجماهيري في البحرين أو تقوية جبهات مقاتلة في الأراضي السورية كجبهة النصرة وغيرها، وكل ذلك يؤدي إلى تأجيج صراع شيعي سني له جذوره في المنطقة ويضر أكثر ما يضر بدول الربيع العربي.

الأزمة اليمنية: ما بين ازدياد النفوذ الإيراني وخطر الحرب الأهلية الشاملة

سيطر الحوثيون في اليمن بقيادة حركة أنصار الله الحوثية على السلطة بشكل دراماتيكي منذ سبتمبر من العام الماضي، بتنظيمها مظاهرات حاشدة ضد ترتيبات السلطة التي بنيت على المبادرة الخليجية التي كان لملك السعودية الراحل الدور الأبرز في إقرارها إبان الثورة اليمنية في العام 2011، وصولا لسيطرة الحوثيون على مفاصل الدولة اليمنية ومحاصرتهم القصر الرئاسي وإعلانهم الدس1توري في السادس من فبراير 2015، والذي تضمن ترتيبات جديدة للسلطة[7]، سرعان ما أدت لازدياد تفاقم الصراع اليمني، حيث أعلنت الكثير من المحافظات اليمنية رفضها الإعلان الدستوري وخرجت المظاهرات فيها منددة به[8]، وفي رد فعل جماعي خليجي كان رفض مجلس التعاون لدول الخليج، لهذا الإعلان الدستوري وتمسكها بالرئيس عبد ربه منصور هادي، ودعوتها لمجلس الأمن الدولي لاتخاذ تدابير بشأن اليمن تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة باعتبار ما يجري في اليمن تهديد للأمن والسلم الدوليين[9]، وبينما تأخر الموقف الرسمي المصري مما جرى في اليمن[10] إلا أنه يدور في فلك البيانات الخليجية من حيث التأكيد على أهمية التزام جميع الأطراف بالمبادرة الخليجية كمرجعية للخروج من الأزمة الحالية وضرورة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، رغم عدم التنسيق الواضح سواء من حيث تأخر البيان المصري أو من حيث ما لحقه من ردود أفعال.

وإذا كان القلق المصري الخليجي مما يجري في اليمن ينصب حول توسع النفوذ الإيراني وتهديد أمن البحر الأحمر، فإن هذا الأمر ورغم أهميته لا ينفي خطورة انهيار الأوضاع في اليمن باتجاه حرب أهلية شاملة تعززها محاولات الحوثيين فرض السيطرة بالقوة على بقية المحافظات اليمنية التي تناهض إعلانهم الدستوري، سيما عقب سيطرة الحوثيين على طائرات حربية[11] واحتمالية استخدامهم لها بمساعدة إيرانية ضد مناهضيهم سواء من المتظاهرين السلميين أو اللجان الشعبية في محافظات الجنوب أو القبائل في المحافظات الرافضة للحوار تحت تهديد السلاح.

ويعزز سيناريو الحرب الأهلية الشاملة اتجاه الجنوب اليمني نحو تشكيل اللجان الشعبية المسلحة لأبناء الجنوب وسيطرتها على مواقع حساسة وإقامتها لنقاط تفتيش بين الشمال والجنوب ورفع أعلام الدولة الجنوبية السابقة[12]، يضاف إلى ذلك تزايد شرعية تنظيم القاعدة في اليمن والذي يعد الفرع الأخطر للتنظيم، وتزايد نفوذه والمناطق التي يسيطر عليها في ضوء انهيار الدولة اليمنية وانشغال القبائل والحكومة بالصراع مع الحوثيين أو حتى شرعنة تحالف هذه القبائل مع التنظيم في مواجهة الخطر الحوثي، ومن مظاهر ذلك محاولة جماعة أنصار الشريعة الموالية لتنظيم القاعدة السيطرة على قاعدة عسكرية جنوب شرقي اليمن[13]، ودخول التنظيم على خط المواجهة بقوة مع الحوثيين في عدة أماكن، وهنا تبدو إيران والحوثيين لدى القوى الدولية بديلا عن السعودية ومصر في مواجهة التطرف والإرهاب في المنطقة.

توازي الأزمات العربية مع أزمات دولية مشابهة:

ثمة تشابه كبير بين ما يجري في أوكرانيا وما يجري في كلا من اليمن وليبيا تحديدا، مع اختلاف في بنية الدولة وطبيعة القوى المجاورة لها، إذ ثمة احتجاجات واسعة تخرج ضد نظام حكم فتستطيع أن تغيره، ثم تحدث تعثرات في المسار الانتقالي فتظهر تيارات مسلحة تحاول فرض إرادتها على الأغلبية، وتقف أطراف إقليمية ودولية مع بعض هذه الحركات ضد الدولة، فيتحول الأمر برمته إلى إطار العنف الشامل الذي يكاد ينهي فرضية وجود الدولة ذاتها أو يهدد وحدتها وسلامة أراضيها.

هذا التزامن بين تلك الأزمات وتسارع وتيرة أحداثها يربك المجتمع الدولي ككل، ويجعل هناك عملية لإعادة ترتيب الأولويات بشكل مستمر، كما يجعل المجتمعات تدخل في عملية تقييم القرارات بقوة ويزيد من تردد المجتمع الدولي في عملية استخدام القوة في حال تواجد تهديدات حقيقية للسلم والأمن الدوليين، يفسر هذا التردد الشديد ورفض التدخل العسكري الدولي في ليبيا، رغم مطالبة بعض الأطراف المحلية الليبية والإقليمية بهذا التدخل، وما بذلته مصر والمجموعة العربية بمجلس الأمن في هذا الصدد[14]، إذ تتحسب القوى الكبرى لمساءلة شعوبها حول لماذا تدعوا للتدخل العسكري في ليبيا دون أن تقر تدخلا في أوكرانيا واليمن، يضاف إلى هذا التخوفات الأوروبية من أن فرض مزيد من العقوبات على روسيا سوف يستتبع خسارة المزيد من السياحة القادمة من روسيا وتأثير مثل هذه العقوبات على التجارة بين روسيا ودول الاتحاد، وربما يفسر هذا التزامن استمرار تمسك المجتمع الدولي بالحل السلمي والحوار للأزمتين اليمنية والليبية مع التركيز على محاربة تنظيم داعش أو التطرف والإرهاب في العموم وهو ما يفسر انعقاد مؤتمر واشنطن لمكافحة التطرف والإرهاب في العالم، بحضور ممثلين عن حوالي سبعين دولة ومسئولين أمنيين وممثلين عن هيئات القطاع العام والمنظمات غير الحكومية[15] بالتوازي مع اجتماعات رؤساء أركان دول التحالف ضد داعش في الرياض.

في هذا الإطار فإن عملية إعادة تقيم العلاقات وترتيب الأولويات في الإطار العربي والإقليمي تبدو من واجبات الوقت حيث تتسارع الأحداث وتتفاقم التحديات، ومن ثم تتزايد الحاجة لمبادرات إقليمية قوية للتعامل مع مثل هذه الأزمات، إلا أن إعادة التقييم هذه وإن أخذت طريقها على المستوى الدولي يبدو أنها غائبة على المستوى العربي إذ أن ثمة صراع تركي إيراني واضح حول من يحتوى تطلعات الأكراد ومن يقود لحل المسألة السورية، فتركيا نجحت في إقناع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل كبير بأهمية العمل على إسقاط النظام السوري بالتوازي مع القضاء على داعش، وإذا كانت تركيا ساعدت في طرد داعش من كوباني سواء عن طريق إدخال أكراد العراق في المعركة أو إدخال البيشمركة إلى كوباني عن طريق الأراضي التركية وهو ما يوضحه شكر البرزاني للدولة التركية على هذا[16]، لكن إدخالهم تم تقريبا بعد أن هزمت داعش أكراد كوباني المعادين لتركيا، إلا أنها تتحسب لتزايد نفوذ الأكراد نتيجة تزايد دورهم في الحرب على داعش وهو ما يدفعها للاهتمام بتسليح المعارضة السورية التي تصفها بالمعتدلة، و يبدو أن الولايات المتحدة ترتاح لنموذج التعاون الذي قاد لتحرير كوباني وهو ما دفعها للموافقة على تسليح المعارضة السورية وقد أبدت السعودية وقطر موافقتها على استضافة عملية التدريب هذه[17].

خاتمة:

يعد تغليب العامل الشخصي في العلاقات الدولية -رغم أهميته- أمر مخل بالتوجهات الاستراتيجية للعلاقات وبالذات في حالة تغير الأشخاص وتركيبة النظام في الداخل في أي دولتين، ومن ثم يمكن إعادة ترتيب الأولويات بحسب القضايا والتهديدات لا بحسب التوجهات الشخصية. إذ يبدو للمتابع للشأن الخليجي في الشهور الأخيرة أن ثمة تحرك جماعي تجاه الأزمات المشتركة خصوصا الحرب على داعش والأزمة اليمنية منذ الإعلان الدستوري الأخير الذي أطلقه الحوثيون ورفضته دول مجلس التعاون الخليجي بالكامل، ومن ثم يمكن إقران أي تعاون بتمديده ليشمل مواجهة تنظيم داعش أينما وجد وليس فقط في دول الخليج وسوريا فقط، مثل هذا التعاون قد يكون متميزا في دعم مواجهة مصر للتنظيم في ليبيا مقابل انخراطها أيضا في مواجهته على الجبهات السورية والعراقية، ومن ثم فترك دول الخليج منفردة في مواجهة التنظيم في العراق وسوريا قد يدفعها باتجاه تعاون أكبر مع تركيا في مواجهة داعش وحل الأزمة السورية، بل ومواجهة النفوذ الإيراني في اليمن، وهو ما يعني مزيد من الخسارة لأوراق الضغط المصرية سواء فيما يتعلق بليبيا أو أمن البحر الأحمر.

ثمة تحويل لمسار الثورات العربية من ثورات ضد أنظمة استبدادية ومن رغبة للتغيير والتنمية إلى إعادة إحياء لسياسة المحاور وتحويرها من محوري ممانعة واعتدال إلى محور سني وآخر شيعي، وبرغم وجود الأخير في المنطقة منذ ما قبل الثورات وتحديدا منذ احتلال العراق 2003 ثم الحرب اللبنانية الإسرائيلية صيف 2006، إلا أن الحراك الجماهيري العربي قد أربك سياسة المحاور هذه حيث تم إسقاط رأس النظام في أكثر من دولة وانفجرت الصراعات في دول أخرى عبر هذه المحاور، ويشي بمحاولة إعادة خلق هذا المحور السني في مواجهة المحور الشيعي تباين موقف السعودية ودول الخليج من حزب الله وحركة حماس، إذ بينما كان النظام السعودي السابق يتفق مع الموقف المصري من اعتبار حزب الله وجماعة الإخوان المسلمين وكل امتداداتها بما فيها حركة حماس جماعات إرهابية أو على الأقل جماعات تورط الدول العربية في مغامرات غير محسوبة، إلى توجه جديد يتعامل مع حركة حماس والإخوان باعتبارهما جزءا من المحور السني فيما يقف موقف العداء من حزب الله باعتباره جزءا من المحور الشيعي المضاد لأمن الخليج والمنطقة برمتها، بينما يعاني الموقف المصري تذبذبات من هذه الحركات إذ نلاحظ صدور أحكام باعتبارها جماعات إرهابية ثم التراجع عن ذلك، وهو ما يفقد مصر أوراقا في القضية الفلسطينية والسورية إلى حد بعيد.

الهوامش:

[1] David Hearst, The Slaying of the Saudi Spider, Huffington post,30th Jan 2015, at:http://is.gd/hSVv9k

[2] خالد التويجري رئيس “حكومة الظل” والرجل الغامض الذي اختفى في لمح البصر.. وكان فصله من مناصبه “الستة” أول مرسوم يصدره العاهل السعودي الجديد الملك سلمان بعد تثبيت ولي العهد وتعيين ولي ولي العهد.. فلماذا هذا الفصل السريع؟ وأين اختفى الرجل؟ وهل غادر المملكة فعلا؟، صحيفة رأي اليوم، 25 يناير 2015، http://is.gd/qgWRzg

[3] اتضحت هذه الهوة بشدة في رفض مصر لحضور قطر وتركيا اجتماعات لجنة الاتصال الدولية بشأن ليبيا في إطار القمة الأفريقية الرابعة والعشرين في أديس أبابا وما قدمته مصر من تبريرات لذلك رغم ما قد تبدو عليه من عدم منطقية. للمزيد من التفاصيل حول الموقف المصري يمكن مشاهدة مداخلة وزير الخارجية المصري على موقع سكاى نيوز عربية، شكري: قاطعنا اجتماع “مجموعة الاتصال، 28 يناير 2015: http://is.gd/CAF2D2

[4] حلقة إبراهيم عيسى على قناة أون تي في، خطير جدا.. إبراهيم عيسى يفتح النار على السعودية بعد تغير سياسات الملك سلمان عن الملك عبد الله، يوتيوب، 3 فبراير 2015 http://is.gd/M8YKVT

[5] الإعلام المصري يهاجم السعودية، موقع ساسة بوست، 6 فبراير 2015، http://is.gd/uDBOpK

[6] رابحة سيف علام، سوريا: زخم التفاعلات العسكرية على خريطة متحركة، منتدى البدائل العربي للدراسات، http://is.gd/S5ImIA

[7] تضمنت هذه الترتيبات تشكيل مجلس رئاسي من 5 أعضاء، وتشكيل مجلس وطني انتقالي من 551 عضوا يحل محل البرلمان المنحل.

[8] حيث تم رفض الإعلان من قبل قبائل مأرب والقوى السياسية المتمثلة بالحراك الجنوبي وأحزاب اللقاء المشترك، وخرجت مظاهرات عدة في معظم المدن اليمنية، سكاي نيوز عربية، 7فبراير 2015، بعنوان اليمن. تظاهرات رافضة لـ “إعلان” الحوثيين، http://is.gd/G2AGWz

[9] دعوة خليجية لقرار تحت الفصل السابع في مجلس الأمن بشأن اليمن، قناة روسيا اليوم، 14 فبراير 2015، http://is.gd/VYpQuo

[10] بيان المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، مصر تتابع بقلق شديد التطورات الأخيرة المتلاحقة في اليمن، وزارة الخارجية المصرية، 12 فبراير 2015،http://is.gd/y1ED79

[11] حيث استولى الحوثيون على عدد من الطائرات في ميناء الحديدة ونقلوها غلي صنعاء يوم الثلاثاء 17 فبراير 2014 وفقا للجزيرة نت،http://is.gd/JkZoux

[12] اليمن: “اللجان الشعبية” الجنوبية تسيطر على مواقع حساسة، بي بي سي بالعربية، 23 يناير 2015، http://is.gd/jzYKCD

[13] أنباء عن استيلاء جماعة “أنصار الشريعة” على قاعدة عسكرية جنوبي اليمن، بي بي سي العربية، بتاريخ 12 فبراير 2015: http://is.gd/z4kN61

[14] ليبيا: ما خيارات مصر بعد رفض الغرب التدخل العسكري؟، بي بي سي بالعربية، 19 فبراير 2015، http://is.gd/ntRe7G

[15] ، مؤتمر واشنطن يبحث محاربة الإرهاب من جذوره بحضور 70 دولة من بينها مصر، الأهرام اليومي، 19 فبراير 2015، http://is.gd/PaMvSq

[16] ، البارزاني يهنئ الأكراد بطرد “داعش” من كوباني، شبكة محيط نقلا عن وكالة أنباء الشرق الأوسط، 27 يناير 2015، http://is.gd/WDUuln

[17] واشنطن تعلن التوافق مع أنقرة على تدريب وتسليح معارضين سوريين، قناة فرانس 24 بالعربية، 18 فبراير 2015، http://is.gd/Z6WriT

Start typing and press Enter to search