رانيا زاده
مصر
تعتبر المحليات عصب الدولة المصرية ومنبع الفساد فى فترة نظام مبارك، ولذلك اعتمدت فلسفة النظام السياسي المصري على سيطرة السلطة التنفيذية على الإدارة المحلية وذلك لضمان السيطرة على مفاصل الدولة، وعلى الرغم من توقع معالجة الدستور الجديد لمشكلة المحليات والتي تمثل المدخل الأساسي للتنمية وتغيير الفلسفة التي يقوم عليها النظام السياسي، والتي تعتقد بأن قوته تنبع من سيطرته على المحليات، إلا أن الإدارة المحلية ما زالت ينظر لها كجزء من السلطة التنفيذية، وهو ما انعكس في دستور 2014 ووضع المحليات في باب السلطة التنفيذية، وفي حقيقة الأمر تحقيق اللامركزية يحتاج إلى حكومة قوية قادرة على نقل حقيقي للسلطات للمستويات الأدنى.
وفيما يتعلق باللامركزية ونقل السلطة، نصت المادة 176 على أن تكفل الدولة دعم اللامركزية الإدارية والمالية والاقتصادية، وينظم القانون وسائل تمكين الوحدات الإدارية مع تحديد البرنامج الزمني لنقل السلطات والموازنات، وقد استخدم الدستور لفظة “تكفل” بدلا من “تلتزم” وهو نفس المصطلح الذي تم استخدامه في دستور 1971 وهو ما يعكس التخوف من الاتجاه للامركزية.
على مستوى البنية:
ضرورة وجود دور رقابي فعال للمجلس المحليه، وإعطاء أدوار للمجالس المحلية تشعر المواطنين بأهمية المحليات في تحديد أولويات المواطنين ومن ثم تحقيق التنمية على مستوى الجمهورية، وذلك من خلال ضرورة إعطاء صلاحيات للمجالس خاصة بالتخطيط للمنطقه التي يمثلها خاصه فيما يتعلق بالميزانية.
وقد أعطى دستور2014 صلاحيات رقابية إضافية للمجلس المحلي إذ نص في المادة رقم 180 على أن: “تختص المجالس المحلية بمتابعة تنفيذ خطة التنمية، ومراقبة أوجه النشاط المختلفة، وممارسة أدوات الرقابة على الأجهزة التنفيذية من اقتراحات، وتوجيه أسئلة، وطلبات إحاطة، واستجوابات وغيرها، وفى سحب الثقة من رؤساء الوحدات المحلية، على النحو الذي ينظمه القانون”. والإضافة هنا تتمثل في إجراء سحب الثقة.
لكن لم ينص الدستور المصري على أية آلية تمكن المجلس المحلي من اختيار العاملين في الهيئات التنفيذية في المحليات.
أما فيما يتعلق بالميزانية: نصت المادة 178 على أن: “يكون للوحدات المحلية موازنات مالية مستقلة. يدخل في مواردها ما تخصصه الدولة لها من موارد، والضرائب والرسوم ذات الطابع المحلى الأصلية، والإضافية، وتطبق في تحصيلها القواعد، والإجراءات المتبعة في تحصيل أموال الدولة. وكل ذلك على النحو الذي ينظمه القانون”.
كما نصت المادة 182 على أن يضع كل مجلس محلي موازنته، وحسابه الختامي، على النحو الذي ينظمه القانون. لكن الملاحظ هنا أن الدولة غير ملتزمة بتوفير الموارد التي تطلبها الوحدات المحلية لتحقيق التنمية المنشودة. كما أن ترك تحديد هذه الأمور للقانون من الممكن أن يؤثر على استقلالية الوحدات المحلية، فالمصادر المالية المحددة في القانون السابق تسد حوالي 20% فقط من ميزانية الوحدات المحلية.
على المستوى السياسي:
نقصد هنا توجه النظام السياسي هل يريد الانفتاح على كافة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني؟ أم أنه سيسعى لغلق المجال السياسي الأمر الذي سينعكس على أداء المحليات، هل ستصدر قوانين مثل الحق في المعلومات وقانون المجتمع المدني بشكل يساعد على تحقيق خطى نحو نظام ديمقراطي أم سيسعى لسيطرة الدولة؟ فالمحليات لا تعمل في إطار منفصل عن توجه النظام السياسي، وهنا نطرح تساؤل خاص بمشروع قانون مجلس النواب، هل القانون بصياغته الحالية ونصه على أن تكون الانتخابات 80% بالنظام الفردي ستعمل على ترسيخ نائب الخدمات ومن ثم الخلط مرة أخرى بين النائب البرلماني ونائب المحليات.
ترك الدستور الجديد أيضا آلية الاختيار لأعضاء المحليات للقانون إذ تنص المادة م179: “ينظم القانون شروط وطريقة تعيين أو انتخاب المحافظين، ورؤساء الوحدات الإدارية المحلية الأخرى، ويحدد اختصاصاتهم.”
على مستوى الآليات:
تتمثل في تحفيز أعضاء المجالس المحلية على رفع قدراتهم مع وضع آليات واضحة لتقييم دور المجالس المحلية من خلال مشاركة المواطنين حتى تتمكن هذه المجالس من تطوير أداءها.
خصص الدستور الحالي نسبة 25% للمرأة و25% للشباب في المحليات وهو ما يضمن مشاركة فعالة من الفئات الأكثر تصويتا في الاستحقاقات الانتخابية.
لا بد من وجود إطار تشريعي يسمح بتفعيل مواد الدستور وهو قانون المحليات، ولا بد من مناخ ديمقراطي يسمح بتفعييل اللامركزية ويضمن مشاركة مجتمعية فعالة، وذلك بإصدار مجموعة من التشريعات ذات الصلة مثل قانون تداول المعلومات، تعديل قانون التظاهر، قانون الجمعيات الأهلية وإنشاء مفوضية مكافحة التمييز. مع البدء في دراسة نماذج ناجحة مثل تجربة البرازيل في تحقيق الديمقراطية التشاركية وإمكانية تطبيقها في مصر.
يمكن تلخيص مشاكل المحليات في مصر في مجموعة من النقاط:
- الفساد المستشري في العديد من مؤسسات الحكم المحلي.
- غياب الرؤية وضعف الكفاءة لحل المشكلات على المستوى المحلي.
- عدم اهتمام الأحزاب والمجتمع بأهمية المحليات على الرغم من كونها المدخل الرئيسي للتنمية وهي المدرسة الأولى لممارسة السياسة.
- ضعف أداء المجلس التشريعي في المراقبة على المجلس التنفيذي.
- صعوبة قانون الانتخابات وكبر حجم الدائرة الانتخابية التي تشكل عائق حقيقي أمام الناخب لاختيار من يمثله.
أحد الحلول لمشكلات المحليات قد يكون في أن تكون المناصب المحلية بالانتخاب: بدءا من منصب المحافظ ورئيس الحي وحتى عمدة القرية بالإضافة إلى مجالس الأحياء، وذلك لمجموعة من الأسباب:
أولا: الانتخابات ستحد إلى حد كبير من ظاهرة فساد المحليات، لأن المسئول المحلي سيدرك أن بقائه في منصبه رهن بأصوات أبناء الحي أو المحافظة ولهذا سيسعى إلى السيطرة على فساد الموظفين التابعين له والمحاولة القضاء عليه لضمان انتخابه لمرة أخرى.
ثانيا: ستسمح الانتخابات المحلية للأحزاب السياسية أن تختبر بعض كوادرها في مناصب تنفيذية على المستوى المحلي. فمن جانب تكتسب هذه الكوادر خبرة عمل مع مؤسسات الدولة (وهو ما يحتاجه الكثير من السياسيين عقب عقود من العمل في المعارضة أو في الشارع دون احتكاك حقيقي بالعمل مع مؤسسات الدولة المصرية) وثانيا ستسمح لتلك الأحزاب باختبار كوادرها ومعرفة إذا ما كانوا يتمتعون بالكفاءة الازمة أم لا. فإذا أثبتوا كفاءتهم يمكن للحزب ترشيحهم لمناصب اعلى (مثلا: إذا اثبت أحد رؤساء الأحياء كفاءته، يقوم الحزب بترشيحه للانتخابات على مستوى المحافظة، أو مجلس الشعب أو بعد ذلك الرئاسة).
ثالثا: واستنادا إلى النقطة السابقة، فإن رؤساء الأحياء -رغبة منهم أيضا في إثبات نجاحهم- سيعملون بكل جد على مستوى أحيائهم، ومن المتوقع أن يخلق هذا منافسة إيجابية بين الأحياء المختلفة (حتى وإن إنتمى رؤساء أحيائها إلى نفس الحزب السياسي) فكل منهم سيود أن يبرز نجاحه ليضمن تصعيده السياسي داخل الحزب.
رابعا: كما ستقضي الانتخابات المحلية على ظاهرة نواب الخدمات والتي عادة ما كان يلجأ إليهم المواطنون بسبب يأسهم من مؤسسات الحكم المحلي حيث سيتوجهون بكل مطالبهم المتعلقة بالمحليات إلى من يختاروهم سواء من مناصب رئيس الحي أو المحافظ أو أعضاء مجلس الحي وبالتالي يتفرغ نواب مجلس الشعب إلى دورهم الرقابي والتشريعي.
وفيما يتعلق بالمرأة والشباب إذ نص الدستور الحالي في المادة رقم 180 على تخصيص ربع المقاعد للشباب دون سن الـ35 وللمرأة ربع المقاعد أيضا، نقترح هنا أن يلعب المجلس القومي للمرأة دورا في هذا الصدد من خلال اختيار السيدات الرائدات في مناطقهم وتأهيلهم لدخول المحليات.
بالرغم من عناية الدستور الجديد بالعديد من المواد المتعلقة بعمل المحليات، ومحاولة تحسين المعالجة الدستورية للمحليات، خاصة فيما يتعلق بدور المجالس المحلية والتي أعطت صلاحيات رقابية على المجالس التنفيذية، واعطت الحق للمجالس المحلية في إقالة رئيس الوحدة المحلية واعطت قوة القانون لقرارات المجلس المحلي, ولا يستطيع المحافظ ولا المجلس التنفيذي أن يلغي أو يوقف أو يغير القرار ما دام مصادقا للقانون، وحصن المجالس المحلية فلا يستطيع المحافظ أو الوزير حل المجلس أو التدخل في اختصاصاته.. وحدد الدستور أن للشباب من عمر 21 سنة وحتى 35 سنة حق الترشح وشغل نسبة 25% من المجلس، إلا أن الدستور الجديد لم يتعامل مع المحليات بشكل منفصل عن السلطة التنفيذية، فلم تأت الإدارة المحلية إلا كجزء تابع للسلطة التنفيذية في الدستور، كما ترك الدستور للقانون تنظيم العديد من الأمور المرتبطة بالمحليات مثل المخصصات المالية لها، وهو ما يثير تخوفا حول محاولة إخضاع المجالس الشعبية المحلية بصورة كاملة للسلطة التنفيذية، وكذلك طريقة التشكيل (لم يٌحسم إن كان انتخابا أم تعيينا)، والتي قد تمثل عائقا حقيقيا أمام أية محاولة للإصلاح، وهو ما يفرض على أعضاء البرلمان الجدد مسئولية مراجعة القوانين القديمة والوقوف على أهم المعوقات لها، لما تمثله المحليات من بنية أساسية لأي تحول ديمقراطي حقيقي.
كذلك لم يتطرق الدستور الحالي أيضا لمسألة توزيع الأدوار بين الحكومة المركزية وبين المجالس المحلية، مثل قرار تعيين كبار الموظفين في المحافظة والذي يتم بقرار من السلطة المركزية دون الرجوع للمحافظين في المناطق التي سيتم فيها تعيين هؤلاء الموظفين.
ويبقى العبء الأكبر على أعضاء البرلمان الجديد في استصدار قانون جديد للإدارة المحلية، وستكون على البرلمان مهمة التنسيق بين عمل المحليات ووضع خطط لتنميتها بشكل متوازن، كما لا يمكن إعفاء الأحزاب كافة من مسئوليتها في الانتخابات المحلية القادمة من ضرورة ترشيح شخصيات مشهود لها بالكفاءة وتضمين برامج الأحزاب جزء خاص لعمل المحليات.