أندريا تيتي
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [424.92 KB]

مثلت الانتخابات الإيطالية نقلة سياسية مقارنة بانتهاء الجمهورية الأولى في 1994، والتي أنهت حكم سيلفيو بيرلسكوني الذي استمر لمدة 20 عاما.

ففي 2013، خسر تحالف بيرلسكوني أكثر من 16% من المؤيدين له، وادى تصاعد الغضب الشعبي على النخبة السياسية الذي اعتبرها فاسدة ولا تخدم سوى مصالحها الخاصة إلى التحول  للتصويت لحركة النجوم الخمس التي يقودها الساخر السياسي السابق بيبيه جريليه.

خلفية تاريخية: نقاط للمقارنة

في 1994، كان بيرلسكوني أول من تم انتخابهم بعد فضائح “بريبسفيل” والفساد الذي تورط فيه أغلب الأحزاب البرلمانية. تفاجأ الإيطاليون بتفشي الفساد والرشاوي وانتشارهما بين الأحزاب السياسية المختلفة على الرغم من معرفتهم المسبقة بوجود درجة معينة من الفساد. وأدى الغضب العام غلى هروب بيتينو كراكسي –أحد أقوى رؤساء الوزارات بعد الحرب- إلى تونس.

آمل المصوتين لبيرلسكوني في تطبيق الليبرالية الأنجلو-سكسونية، أو على الأقل طي صفحة الماضي والبدء في عهد جديد، حيث أنه قدّم نفسه للعامة على أنه خارج دائرة النخبة السياسية القديمة. وأختلف البعض الآخر مع وجهة النظر السابقة وذلك لأن بيرلسكوني كان شديد القرب، ليس فقط من السياسيين، ولكن أيضا من قوى الأمن والحركة الماسونية التي أعلنت أن هدفها “تحييد” الديمقراطية الإيطالية وانتشر أعضائها داخل دوائر النخب السياسية والاقتصادية والمافيا في البلاد.

لم تكن فترة حكم بيرلسكوني إعادة إحياء للأخلاق في الحياة العامة، على العكس كانت الجمهورية الثانية في إيطاليا مليئة بالفضائح. فترتب على أعمال بيرلسكوني المخالفة للقانون محاولات مستمرة لتغييره. وقللت أفعال بيرلسكوني من شعبيته وشعبية المتحالفين معه لدى المواطنين بسبب سياسته “الزبونية” المتمثلة في شراء المعارضة لضمهم في صفه، وتعيين نائبة في البرلمان ارتبط معها في علاقة جنسية، وإهماله التام لحالة البلاد الاقتصادية التي تدهورت بانتظام وهو ما أدى إلى انتشار البطالة وتآكل الطبقة المتوسطة، واستمر الوضع إلى أن فقدت الأسواق العالمية والأوروبية الثقة في الاقتصاد الإيطالي. وتشير التقارير أن إيطاليا تخسر 120 بليون يورو في التهرب الضريبي (5 أضعاف موازنة 2010)، وما بين 60-100 بليون يورو بسبب فساد عمليات الخصخصة، وتصل تقديرات خسائر الجريمة المنظمة إلى 150 بليون يورو ممثلة 75% من قيمة الأموال التي يخصصها الاتحاد الأوروبي للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي في اليونان وإسبانيا والبرتغال وأيرلندا ضد الإفلاس.

الأربعة الكبار: خسائر كبيرة للأحزاب، ومكسب كبير لحركة النجوم الخمس

قبل يوم الاقتراع، كان هناك أربعة فرق تتنافس على الانتخابات: الأولى “اليسار الناعم” وهو تحالف قاده الحزب الديمقراطي وكان متوقع أن يفوز بفارق كبير في الأصوات، الثانية: هو حزب حرية الشعب/ بيرلسكوني الذي حصل على 5% فقط منذ ديسمبر بانخفاض 17% بفضل إعلام بيرلسكوني وحملته الانتخابية الباهتة، الثالثة: قائمة المحافظين التي يقودها ماريو مونتي، وأخيرا: الحركة الجديدة “حركة النجوم الخمس” التي حصلت على نسبة لا بأس بها من الأصوات في الانتخابات المحلية، وإن لم يكن من المتوقع أن تحصل على أكثر من 19%.

حصل تحالف الحزب الديمقراطي “يسار الوسط الناعم” على 31.6% في انتخابات مجلس الشيوخ (120 مقعدا) و29.54% في مجلس النواب ( 345 مقعدا). بينما حصل الحزب الديمقراطي وحده على 25.4% بعد أن كان قد حصل على 33.18% في 2008. حصل الحليف الأساسي للحزب الديمقراطي (اليسار، أنصار البيئة، والحرية) على 3.2% من الأصوات. ولم يكن متوقع من هذا التحالف –حتى من قبل المؤيدين- أن يحدث تغييرا أو يكون قادرا على التغيير. حتى في وقت وجودهم في تشكيل الحكومة، لم يكونوا قادرين على تمرير قانون مكافحة الفساد، والتهرب الضريبي وتضارب المصالح على الرغم من وجود دعم شعبي لتلك القوانين.

حصل ائتلاف بيرلسكوني على 30.7% من مجلس الشيوخ (117 مقعدا) و29.1% في مجلس النواب (125 مقعدا) بخسارة تقدر بـ16% في نتائج 2008. يمكن وصف حزب بيرلسكوني بأنه حزب يميني وسط. ولكن يؤمن بعض المؤيدين له خاصة الشباب بالمبادئ الليبرالية، ولكن الحزب نفسه هو عبارة عن أداة مؤيدة لبيرلسكوني نفسه. ومن المهم إلقاء الضوء على الخسارة الكبيرة للحزب في الانتخابات الأخيرة، فقد خسر حوالي 16% من الأصوات بعد أن حصل على 37.38% في انتخابات 2008 لتصل نسبة المقاعد التي حصل عليها الحزب إلى 21.56%.

أما مؤيدي بيرلسكوني الأكثر التزاما بالأيديولوجية اليمينية، حزب رابطة الشمال، وهو الحليف الأساسي لبيرلسكوني، فقد تقلصت حصته في الانتخابات إلى النصف مقارنة بـ2008، فوصلت إلى 4.08%.

ويعتمد حزب رابطة الشمال على تأجيج المشاعر العرقية من خلال نقطتين: الأولى وهي استقلال الشمال، والثانية هي الأمانة في أداء الخدمة العامة. والعامل الثاني هو سبب تصويت مؤيدي (رابطة الشمال) لحركة النجوم الخمس، بعد تزايد فضائح الفساد داخل الحزب إضافة إلى علاقة الحزب ببيرلسكوني.

أما قائمة مونتي، فقد اعلن عنها في الخامس من يناير، وحصلت على 9.1% من الأصوات (18 مقعدا) في مجلس الشيوخ، و10.5% (47 مقعدا في مجلس النواب). عُين مونتي- نائب في مفوضية الاتحاد الأوروبي سابقا- كرئيس وزراء تكنوقراط في نوفمبر 2011 ليحل محل بيرلسكوني. على الرغم من أن حكومته أتت بعد رحيل بيرلسكوني وهو ما أسعد المواطنين، إلا أنه أصبح غير محبوب على الصعيد الشعبي بسبب أنه لم يعمل على وضع استراتيجيات تساعد على النمو الاقتصادي مما أدى إلى زيادة نسبة البطالة، ولم تكن هناك إرادة لتمرير قانون مكافحة الفساد ومنع التهرب الضريبي. وبالتالي فقد ترك مزايا النخبة السياسية كما هي ولم يقترب منها، وأبقى على الأعباء الاقتصادية محملة على الطبقة الفقيرة والطبقة المتوسطة على الرغم من أنهما لم يكونا سبب الأزمة وبالتالي أثر على الأصوات التي حصل عليها في صندوق الاقتراع.

الفائز الوحيد في هذه الانتخابات كان (بيبيه جريلليه) من حركة النجوم الخمس. ففي أول مرة نافست الحركة على الانتخابات البرلمانية حصلت على 25.5% من الأصوات في مجلس النواب (109 مقعدا) و23.8% في مجلس الشيوخ (54 مقعدا). هذا الأداء غير المسبوق جعل من حزب حركة النجوم الخمس أكبر الأحزاب السياسية. ويمثل الحزب تغيرا كبيرا في العمل السياسي الحزبي القائم على الرعاية الأبوية من أعلى (باختلاف مداها) والتعبئة الشعبية من أسفل، فالحزب قائم على قيادة كاريزمية، ولكن السياسات تتم بواسطة الأعضاء المعتمدين على اللقاءات والحوارات والتعبئة والتنظيم (نسبة مستخدمي الانترنت في البيوت الايطالية 40%). واستخدمت الحركة الأساليب التقليدية في التعبئة والدعاية التليفزيونية والمطبوعة، ووصلت إلى قوتها من خلال الاتصال المباشر عبر الانترنت والتعبئة العامة في ميادين البلاد.

حركة النجوم الخمس، تنظيم سياسي جديد -وبه العديد من الشباب- وبالتالي فإن برنامجه وسياساته والتنظيم الداخلي له غير محددين بدقة. وعلى الرغم من ذلك فإن تركيز الحركة على الشفافية والصدق في الحياة العامة اجتذب عدد كبير من الأصوات من الأطياف السياسية المختلفة. وكما هو متوقع فالحركة تركز على سيادة القانون، وهو ما اجتذب مؤيدي اليمين الوسطي غير المتضررين بتطبيق هذا القانون بالتساوي مع التركيز على السياسات التدريجية خاصة فيما يتعلق بقضايا البيئة ورفض الاستغلال السياسي والعدالة الاجتماعية مما أدى إلى اجتذاب المؤيدين الأساسيين لهم من الأحزاب اليسارية التقليدية. وربما أيضا الشعار البراق للحركة (عليهم –السياسيين السابقين- أن يذهبوا إلى منازلهم).

طريق المستقبل:

كانت نتيجة الانتخابات حصول تحالف الحزب الديمقراطي على الأغلبية في مجلس النواب. وعلى الرغم من ذلك فلا توجد أغلبية لحزب أو ائتلاف في مجلس الشيوخ -حتى مونتي- الذي رحب كل من الحزب الديمقراطي وحرية الشعب بمشاركة الحكم معه لم يبلي بلاءً حسنا يكفي لتغيير نتائج التصويت، ولأن غرفتي البرلمان الإيطالي لهما نفس الصلاحيات والقوة فهذا يعني أن يبقى البرلمان معلقا. وبالتالي فإن البرلمان في مأزق سياسي.

الأغلبية الوحيدة الممكنة هي بين اثنين من الأحزاب الثلاثة الكبيرة، لكن حركة النجوم الخمس أقسمت على عدم الدخول في أي تحالفات مع الأحزاب الكبيرة. فالتحالف بين حركة النجوم الخمس وحزب حرية الشعب تبدو مستحيلة: لقيام الحركة بالأساس على مناهضة الفساد المالي والأخلاقي للسنوات التي حكم فيها بيرلسكوني.

أما عن التحالف بين الحزب الديمقراطي وحرية الشعب هو بمثابة المسمار الأخير في نعش الحزب الديمقراطي، الذي تلوث باتخاذه القرار بالعمل مع بيرلسكوني في الماضي. ورفض حزب حركة النجوم الخمس عمل تحالف انتخابي مع الحزب الديمقراطي، وفي نفس الوقت يحاول أن يبعد عن نفسه شبهة تعطيل عمل النظام السياسي بأكمله. ويرى أغلب المراقبين أنه لن تكون هناك حكومة أغلبية، وبالتالي ستكون هناك الحاجة لجولة ثانية من الانتخابات.

التسوية الوحيدة الممكن في هذا الشأن هو ما يعرف بنموذج باليرمو. فيقوم حزب حركة النجوم الخمس بدعم الحكومة التي يقودها الحزب الديمقراطي موقف بموقف وليس من خلال القيام بتحالف رسمي. هذا سيسمح للحزب الديمقراطي بالحصول على الأغلبية في مجلس الشيوخ وفي نفس الوقت لا تلوث حركة النجوم الخمس بالتحالف السابق، ويفسح المجال بعمل أكبر قدر من التغيير. ومن المرجح أن تركز حركة النجوم الخمس على اختصاصها (قانون محاربة الفساد وقانون الانتخابات وامتيازات السياسيين) لأن كل من الحزب الديمقراطي وحزب حرية الشعب أعلنا أن هذه الأمور محل اهتمامهم. وبالتالي من الممكن أن يكون دور حزب حركة النجوم الخمس استخلاص المزيد من التنازلات على حسابهم، على الأقل لأن الحزبين الديمقراطي وحرية الشعب لن يقبلوا بالهجوم على مصالح بيرلسكوني السياسية وأعماله.

أما عن السياسات، فإن نوع السياسات التي ستطبق وإلى أي مدى سيتم تطبيقها يعتمد على الحكومة. وبالتالي فإن الحكومة التي تشكل بتحالف موتني -والحزب الديمقراطي وحرية الشعب- ستتبنى إصلاحات شكلية في ملفات أساسية كالضرائب والفساد ونمو الاقتصاد الكلي. على الجانب الآخر، في حالة وجود اتفاقية حقيقية بين الحزب الديمقراطي وحزب حركة النجوم الخمس ستجبر الحكومة على تبني إصلاحات أكثر راديكالية. ولأنه كما يتوقع العديد من المعقبين، فإن هذا الاتفاق قصير المدى سيسمح للحكومة بعمل إصلاحات هامة ثم الرجوع إلى صندوق الاقتراع كمحاولة للحصول على الأغلبية، وليس من المرجح أن يحدث تغيير موضوعي في ملفات أخرى (مثل اليورو وخفض الميزانية).

هذا السياق يوضح أسباب وصف الصحف المحلية والعالمية الوضع في إيطاليا “بالأزمة”. وهي بالفعل أزمة، لكنها أزمة نظام قديم تحول إلى أداة للحفاظ على السلطة بدلا من أن يكون ممثلا للشعب وبالتالي فقد الكثير من شرعيته. بطريقة أو بأخرى، انها تداعيات المشكلة التى اسماها رئيس الحزب الشيوعي السابق (إنريكو بيرلينجر) في 1981، المشكلة الاخلاقية.

تأثير الاتحاد الأوروبي:

نجاح حركة النجوم الخمس السياسي يواجه النخبة السياسية الأوروبية بحقيقة أن الإصلاحات التي يقومون بها تزيد الغني غنى وتزيد الفقير فقرا. الايطاليون ليسوا متخوفين من الاتحاد الأوروبي ووجود إيطاليا كأحد أعضاءه، كما أنهم ليسوا ضد الإصلاح الاقتصادي بشكل عام ولكنهم يريدون إصلاحات لمنع التهرب الضريبي ووجود قوانين فعالة لمحاربة الفساد ومحاسبة النخبة السياسية على تطبيقها لديمقراطية بتجاهل سيادة القانون والعدالة الاجتماعية والحقوق الاقتصادية.

تجاهلت النخبة في الاتحاد الأوروبي مثل تلك النداءات وفضلت أن تتبني إيطاليا إصلاحات أضعفت من حالة العمال الاقتصادية من خلال زيادة الضرائب وتقليل الخدمات وخفض التأمين الوظيفي.

نتيجة لذلك صوت المواطن الإيطالي إلى حزب يعترض على السياسات الأوروبية ويصفها بأنها غير منصفة اجتماعيا وغير سليمة على مستوى الاقتصاد الكلي. فمن وجهة النظر الأوروبية أن إيطاليا دولة أكبر من أن تفشل وأنه يمكن احتواء أي اعتراض على الإجراءات التقشفية التي ستقوم بها إيطاليا. في هذه الحالة من الممكن إعادة النظر في عوامل النمو الاقتصادي الأوروبي تجاه دول الجنوب.

لم تكن السياسة الخارجية أحد الركائز الأساسية للحملات الانتخابية في إيطاليا، ولا يتصور ان تؤثر نتيجة الانتخابات على علاقة ايطاليا  بالمنطقة العربية. لكن على الرغم من ذلك توجد هناك فروق بين إيطاليا وبين دول أخرى مثل مصر وتونس، على الأقل فيما يتعلق بمستوى العنف الذي وصلت له قوى الأمن ودور الأحزاب الدينية والجيش،الا انه توجد ايضا مشكلات مشتركة. بالأخص، تلك المشكلات المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والحقوق الاقتصادية ومكافحة الفساد. حيث تحظى تلك القضايا بأهمية كبيرة في السياسة الإيطالية، كماانها محل نقاش في دولا مثل مصر وتونس.

وكما هو الحال في مصر وتونس، فإن دول مجموعة البيجزPIIGS) ) وهم (البرتغال وأيرلندا وإيطاليا واليونان وإسبانيا) شهدوا فجوة كبيرة في العلاقات الاجتماعية حيث استفادت النخبة من سياسة الاقتصاد الحر بينما تأثر كلا من الطبقة العاملة والطبقة المتوسطة سلبيا.

Start typing and press Enter to search