العراق استمرار الوضع المضطرب من الاحتجاجات إلى أزمة تشكيل الحكومة
شروق الحريري
العراق
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [448.61 KB]

أولًاماهيّة الأزمة الحالية:

في أعقاب احتجاجات تشرين الأول/ أكتوبر 2019، تعهّدت الحكومة بتحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية لكبح الاحتجاجات. استقالت الحكومة وتعهّدت الحكومة الجديدة بإحداث تغييرات اقتصادية واجتماعية، وكان من ضمن قرارات الحكومة الجديدة إجراء انتخابات برلمانية مبكرة وتم تحديد موعد لها في يونيو/حزيران 2021، كما تمّ إقرار قانون تنظيم الانتخابات، إلا أن الرأي العام العراقي لم يرضَ عن هذا القانون ورأى أنه يفرض سيطرة الأحزاب السياسية الكبرى.1 وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2021، أجريت الانتخابات البرلمانية وأسفرت عن فوز التيار الصدري (حصل على 73 مقعدًا من أصل 329 مقعدًا في البرلمان). لم تمكّن هذه النتيجة “التيار الصدري” من تشكيل الحكومة، وتوجّب عليه التحالف مع تيار آخر لتشكيل حكومة ائتلاف وطنية. ومع التوترات بين القوى المختلفة، لم تستطِع القوى البرلمانية التوافق على الحكومة الجديدة وانتخاب رئيس جديد.

في بداية الأزمة، شكّل “التيار الصدري” تحالف “إنقاذ وطن” مع ائتلافٍ سنّي ومع “الحزب الديمقراطي الكردستاني”، ورشّح محمد الحلبوسي رئيسًا للبرلمان والسياسي الكردي هوشيار زيباري رئيسًا للجمهورية، وجعفر محمد باقر الصدر رئيسًا للحكومة. لكن وقع خلافٌ حول هذه الأسماء واعتراضٌ عليها من قِبل الائتلاف المنافس، “الإطار التنسيقي”، -وهو ائتلاف شيعي متحالف مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي- ثم تطورت الأزمة مع إصرار مقتدى الصدر على تشكيل حكومة “أغلبية وطنية” في حين رأى ائتلاف الإطار التنسيقي ضرورة العودة إلى أسلوب التوافق المتّبع في الدورات البرلمانية السابقة. 2

ومع حالة الاختلافات الناشئة، بدأت حالة من الاستقطاب في الاتساع إذ تطورت الأزمة بين الائتلافين، وعلى مدار 10 أشهر لم يتمكّنا من التوصّل إلى أي اتفاق حول تشكيل الحكومة. وفي حزيران/ يونيو 2022، طلب مقتدى الصدر من نوابه الانسحاب من البرلمان. رأى البعض أنه يحاول الانفراد بتشكيل الحكومة، وزادت التوترات التي نتج عنها إعلان الصدر اعتزال الحياة السياسية. دفع هذا الإعلان عددًا من أنصاره إلى التجمهر في المنطقة الخضراء ثم احتلال مبنى مجلس النواب العراقي، ليتراجعوا بعدها ويغادروا المبنى تلبيةً لدعوة مقتدى الصدر. وفي 30 تموز/ يوليو، اقتحم أنصار الصدر مرةً جديدةً مقرّ البرلمان وأعلنوا عن “اعتصام مفتوح” داخل المبنى احتجاجًا على ترشيح محمد شياع السوداني لمنصب رئيس الوزراء. وفي 10 آب/ أغسطس، أمهل الصدر مجلس القضاء الأعلى أسبوعًا واحدًا لحلّ البرلمان بهدف إنهاء المأزق السياسي، لكنّ المجلس أعلن أنه يفتقر إلى السلطة التي تخوّله القيام بذلك. وفي 23 آب/ أغسطس، امتدّ اعتصام أنصار الصدر إلى مبنى مجلس القضاء لتأكيد المطالبة بحلّ البرلمان وإجراء انتخابات نيابية مبكرة. وفي 29 آب/ أغسطس، بلغت الأزمة ذروتها بعد إعلان الصدر اعتزال الحياة السياسية، ما أسفر عن توسع الاحتجاجات واقتحام أنصار تياره لعدد من المؤسسات الحكومية، من بينها القصر الجمهوري. 3

 

ثانيًاأبعاد الأزمة الحالية:

يُنظر إلى المسألة العراقية بطريقتين؛ إحداها تعتبر أن أزمة البلاد الحالية ترتبط في الأساس بالتدخل الخارجي، فالعراق مسرح صراع أطراف دولية في فترة ما بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، إذ أنه ساحة للتدخل التركي في الشمال وصل حدّ دخول قوات تركية إلى الأراضي العراقية أكثر من مرة، كما أنه ساحة للتدخلات الإيرانية حيث تأييد “الإطار التنسيقي” للوصول إلى الحكم ولضمان أمنها القومي. أمّا عن التدخل السعودي في الأوضاع الداخلية للعراق، فكان ظاهرًا من خلال تدخلاتها لتقوية التيارات الدينية السنية ثم في فترة الحرب على الإرهاب وعلى “داعش” إذ كانت إحدى الممولين الأساسيين لهذه الحرب. 4 وهي تعمل حاليًّا على دعم التيار السنّي ووصول رئيس جمهورية سنّي إلى رئاسة الجمهورية.5

أما الولايات المتحدة الأميركية، فقد أعلنت مع وصول إدارة بايدن إلى الحكم تراجع اهتمامها بالشرق الأوسط بشكل عامّ والعراق بشكل خاص، إلا أنه مع الحرب الروسية- الأوكرانية عاد الاهتمام بالعراق لضمان عدم حدوث أيّ خلل في معادلات تصدير وإنتاج النفط، لذا فإنّ الولايات المتحدة في أعقاب الأزمة الأخيرة بين “التيار الصدري” و”الإطار التنسيقي”، أيّدت “الإطار التنسيقي” دعمًا للاستقرار الداخلي الذي يضمن استمرار تدفّق النفط.6

إلا أن كثيرًا من المحللين يعتبرون أن الدور الخارجي ما هو إلا انعكاس لأزمة النظام العراقي، أي أنه بالأساس أزمة داخلية ترجع إلى طبيعة النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية، والنظام البرلماني غير المتكامل، والدليل أن الانقسامات الحالية بدأت مع عدم قدرة “التيار الصدري” على تشكيل الحكومة، في حين اعترض “الإطار التنسيقي” على نتيجة الانتخابات نفسها. كما أنه منذ 2003 كانت الأزمات الداخلية دائمًا مفتاحًا للتدخل الخارجي.

 

ثالثًاالتداعيات الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الحالية:

بدأ حراك تشرين الأول/ أكتوبر 2019 لأسباب اجتماعية واقتصادية في المقام الأول، ثم تحوّل إلى مطالب اقتصادية واضحة رفعها المحتجون والتي سبق الإشارة إليها في الجزء السابق من الورقة.7 في المقابل، يعاني الاقتصاد العراقي من حالة عدم استقرار، فخلال عامَي 2017-2018 شهد الاقتصاد العراقي انكماشًا كبيرًا، ومع النصف الأول من عام 2019 شهد تعافيًا تدريجيًّا، إذ سجّل إجمالي الناتج المحلي معدل نمو بلغ 4.8% في النصف الأول من عام 2019 – يرجع السبب في ذلك إلى زيادة إنتاج النفط وانتعاش الاقتصاد غير النفطي.8 لكن لم يستمرّ هذا التعافي كثيرًا؛ إذ عانى العراق من ركود كبير جرّاء مواجهة فيروس كورونا، فسجل إجمالي الناتج المحلي انكماشًا بلغ 11.3% عام 2020، ليرتفع عام 2021 بنسبة 1.3%9 بسبب تراجع أسعار النفط، كما سجّل العراق في عام 2021 نموًّا بنسبة 2.8%.10

إلى ذلك، يعاني العراق من ارتفاع معدلات البطالة والفقر. وفقًا للبنك الدولي، في عام 2010 بلغت معدلات البطالة 12.90% من السكان، وفي عام 2020 تزايدت لتصل إلى نحو 14.10% من السكان، وخلال 2021 وصلت معدلات البطالة إلى 14.20%.11 وفي 2022، أعلنت وزارة التخطيط عن نتائج مسح القوى العاملة في العراق والذي أشار إلى أن نسبة البطالة تمثل ١٦.٥٪.12

شكل (1)

ارتفاع معدلات البطالة في العراق

أما نسب الفقر في العراق، فقد بلغت، وفقًا لوزارة التخطيط، نحو 20% نهاية عام 2018 بعد تسجيل 22.5% عام 2014. لذا أطلقت وزارة التخطيط الاستراتيجيةَ الوطنيةَ لخفض الفقر في العراق للسنوات 2018-2022 والتي تستهدف خفض نسبة الفقر إلى 16% بنهاية عام 2022.13 وفي آب/ أغسطس 2022، أعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أنّ 9 ملايين مواطن من أصل 41 مليونًا تحت مستوى خط الفقر في العراق. لكنّ الأرقام الدولية تتحدث عن وصول معدلات الفقر إلى حوالي 30%.14

شكل (2)

معدلات الفقر في العراق

بدأ العراق التعافي الاقتصادي من تداعيات الوضع الاقتصادي المتردي وتداعيات كورونا، إلا أنّ الاشتباكات والوضع غير المستقر داخليًّا ستؤثر بشكل كبير على الوضع الاقتصادي في البلاد، ففي أعقاب الانتخابات البرلمانية خلال أكتوبر/تشرين الأول 2021، قاد “الإطار التنسيقي” احتجاجات استمرت لمدة ثلاثة أشهر (اعتراضًا على عدم التمثيل الأمثل لكافة الكتل نتيجة العزوف عن المشاركة إذ وصلت نسبة المشاركة إلى 15%)15 ومع استمرار الفوضى وانعدام الاستقرار في العراق، فإن الشركات الاستثمارية ستتجنّب الاستثمار في ظل هكذا ظروف. على سبيل المثال، انسحب العديد من الشركات من السوق العراقية خلال الأشهر الماضية، مما سيؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر مع عدم استقرار الوضع السياسي الداخلي.

 

خاتمة:

ستؤثر الإشكاليات الحالية على العديد من النواحي الداخلية في العراق؛ ومنها الوضع الاقتصادي إذ يعيش العراق أزمة اقتصادية تختلف حدّتها بين العام 2018 وحتى اليوم. من المتوقع أن يؤثّر العنف وانعدام الاستقرار السياسي على جذب الاستثمارات، سواءً الأجنبية أو المحلية. أما من الناحية الأمنية؛ فإنّ الوضع الحالي يؤثّر على الاستقرار مع اتخاذ الأحداث منحًى عنيفا إذ ارتفعت وتيرة الاشتباكات بعد إعلان “التيار الصدري” الانسحاب من البرلمان، ففي البداية وحتى الخميس 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، كانت هناك بعض المناوشات والمواجهات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة بين أنصار التيار الصدري والإطار التنسيقي، وفي 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، تعرّضت المنطقة الخضراء للقصف بالتزامن مع جلسة مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية. كما تشهد العاصمة توقف الحياة والحركة، فمثلاً تمّ تعليق جلسات البرلمان العراقي الذي “يقعد جلسةً واحدةً أسبوعيًّا لمناقشة الأمور السياسية فقط”، كما أن هناك حالة إغلاق كامل للشوارع. وتعيد هذه الصورة مواجهات التيارين السنّي والشيعي عام 2006 والتي شهدت الكثير من الدموية والترهيب للمواطنين.

أما في ما يتعلّق بالحراك؛ فإنّ العراق يشهد منذ عام 2019 دعوات للاحتجاجات في شهر تشرين الأول/ أكتوبر. وفي هذا العام، ونتيجةً للأوضاع الاحتجاجية وحالة الاستقطاب، انتشرت دعوات للاحتجاج في 25 تشرين الأول/ أكتوبر. جاءت هذه الاحتجاجات مع سيطرة قوات الأمن على الشوارع ومنع احتجاجات الأول من تشرين الأول/ أكتوبر بالعنف ومواجهة المحتجّين، إلا أن هذه الدعوات لم تلقَ استجابات كبيرة إذ لم تتجاوز التجمعات في الميادين عشرات الأشخاص. وهناك اتجاهان في تفسير فشل الدعوة إلى الاحتجاجات؛ الأول يتحدث عن سيطرة القوات الأمنية والميليشيات وحالة الترهيب والاختفاءات القسرية والعنف ضد النشطاء والتي بدأت منذ الأول من تشرين الأول/ أكتوبر،16 أما الاتجاه الثاني فيعتبر أنّ الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال ولا يمكنها تقديم العديد من الحلول والاتفاق على حكومة من قبل البرلمان وحل أزمة الانقسامات.

أمّا حلول الأزمة الحالية فإنها لا تكمن في إعادة الانتخابات على قدر ضرورة حلّ المشكلات الهيكلية للنظام السياسي وأزمات الثقة بين التيارات السياسية المختلفة، وأزمة الثقة لدى المواطنين تجاه الأطراف السياسية المختلفة، فعلى الرغم من شعبية التيّارين، إلا أن هناك مشكلات تتعلق بالثقة مع المواطن فعلى سبيل المثال من أهم مشكلات “التيار الصدري” كثرة تراجع قياداته عن بعض مواقفها السابقة. أما “الإطار التنسيقي” فمن أهم إشكالياته أن الكثيرين يعتبرونه تابعًا لإيران ومرتبطًا بنوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، مع كل المآخذ الشعبية على أدائه.

 

1 عام على احتجاجات تشرين: العراق إلى أين؟، مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، 29 أكتوبر 2021، https://cutt.ly/UVUom65

2 العراق: ما أهم فصول الأزمة التي تعصف به؟ ومن أبرز اللاعبين السياسيين فيها؟، BBC، 31 أغسطس 2022، https://cutt.ly/1VUpLvC

3 العراق: ما أهم فصول الأزمة التي تعصف به؟ ومن أبرز اللاعبين السياسيين فيه؟ مرجع سابق.

4 مقابلة مع ولاء علي، باحثة في مجال الأمن المجتمعي والتنمية المستدامة، 12 أكتوبر 2022، الساعة 11 صباحا.

5 مقابلة مع سجاد عبد الرحمن، باحث ورئيس مجلس الشباب الاستشاري التابع لوزارة الشباب والرياضة (تم تأسيسية من قبل صندوق الإسكان للأمم المتحدة)، 13 أكتوبر 2022، 12 صباحا.

6 مقابلة مع سجاد عبد الرحمن، رئيس مجلس الشباب الاستشاري، 13 أكتوبر 2022، 12 صباحا.

7 للمزيد راجع: علي عبد الهادي المعموري، احتجاجات تشرين 2019.. معاينة ميدانية للفئات الاجتماعية المشاركة في بغداد والنجف والناصرية، في: فارس كمال نظمي، حارث حسن (محرران)، الاحتجاجات التشرينية في العراق، احتضار القديم واستعصاء الجديد، (بغداد: سطور للنشر والتوزيع، 2021)، ص72.

8 العراق: الآفاق الاقتصادية- أكتوبر 2019، البنك الدولي، 9 أكتوبر 2019، https://cutt.ly/lBwZEoy

9 البنك الدولي في العراق-العراق عرض عام، البنك لدولي، https://cutt.ly/zBjPggL

10 Iraq Economic Monitor : Harnessing the Oil Windfall for Sustainable Growth (English), the world bank, 16 June 2022, https://cutt.ly/SBjSWJL

11 بطالة، إجمالي (% من إجمالي القوى العاملة) – Iraq، البنك الدولي، يونيو 2022، https://cutt.ly/QBjDRcC

12 خلال مؤتمر الاعلان عن نتائج مسح القوى العاملة في العراق.. وزير التخطيط: نسبة البطالة ١٦.٥٪؜ و٦٤٪؜ من السكان بعمر ١٥ سنة فأكثر، وزارة التخطيط العراقية، https://cutt.ly/kBkOkgQ

13 وزارة التخطيط تعلن عن تراجع معدلات الفقر في العراق، وزارة التخطيط العراقية، 16 فبراير 2020، https://cutt.ly/2BkPO87

14 العراق.. رقم صادم عن نسبة الفقر، سكاي نيوز عربية، 31 أغسطس 2022، https://cutt.ly/7Bk2jJd

15 مقابلة مع سجاد عبد الرحمن، مرجع سابق.

16 علاء كولي، داخلية وخارجية.. لهذه الأسباب مرت مظاهرات 25 أكتوبر في العراق مرور الكرام، الجزيرة، 27 أكتوبر 2022، https://bit.ly/3O8TAwp

Start typing and press Enter to search