الانتخابات المحلية في تونس.. إعادة ترتيب للمشهد السياسي
نصاف براهمي
تونس
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [586.79 KB]

مقدمة:

تعتبر الانتخابات التي تم انعقادها في 6 مايو 2018 أول انتخابات بلدية وقع إجراءها بعد الثورة، وهي تحتل أهمية قصوى أيضا لأن مجلس النواب قد صادق مؤخرا على مجلة الجماعات المحلية ودخلت حيز التنفيذ منذ 18 مايو 2018، وهذا سيكون له انعكاس مباشر على العمل البلدي وعلى الديمقراطية المحلية كما على المسار الديمقراطي في البلاد ككل.

فمعيار النظم الديمقراطية تقوم أساسا على التعددية والانتخابات النزيهة والحرة والشفافة التي ترتكز بدورها على النظام الانتخابي، أي “مجموعة القوانين التي تبين وقت انعقاد الانتخابات، من يحق له ممارسة حق الاقتراع، كيفية تحديد الدوائر الانتخابية كما يشمل أيضا العملية الانتخابية، بدءا من التسجيل الأول للمقترعين ومرورا بالدعاية الانتخابية حتى فرز الأصوات”.[1]

ويعتبر الانتخاب حقا شخصيا لكل مواطن باعتباره حقا طبيعيا لا يجوز أن ينزع أو ينتقص منه. [2]

كما يعرف على أنه “مجموعة الإجراءات والأعمال القانونية والمادية التي تؤدي بصورة رئيسية إلى تعيين الحكام من قبل أفراد الشعب”.[3]

يلاحظ من خلال هذا التعريف أن الانتخاب حق من الحقوق السياسية للمواطن، وهو يدخل في إطار القوانين السياسية لكل مواطن دون تمييز قائم على الدين أو العرق أو اللون أو الجندر طبعا.

تأتي الانتخابات المحلية أو البلدية في تونس التي بدأ الاقتراع فيها يوم 29 أبريل بالنسبة إلى الأمنيين والعسكريين -وهو ما يعد سابقة من نوعها في البلاد- ويوم 6 مايو 2018 بالنسبة إلى عموم الناخبين المدنيين، في سياق أحكام الدستور المصادق عليه في 26 يناير 2014، الذي نص الفصل 14 منه على أن الدولة “تلتزم بدعم اللامركزية واعتمادها بكامل التراب الوطني في إطار وحدة الدولة”، وحدد فصله 131 التقسيم الإداري اللامركزي من خلال “جماعات محلية، تتكون من بلديات وجهات وأقاليم، يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية”. ويعرِّف مشروع قانون الجماعات المحلية، الذي جرى تصديق فصوله في مجلس النواب، الجماعات المحلية بأنها “ذوات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلالية الإدارية والمالية، تتكون من بلديات وجهات وأقاليم يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية”. كما ينص مشروع القانون على أن البلدية “تتمتع بالاختصاص المبدئي العام لممارسة الصلاحيات المتعلقة بالشؤون المحلية”.[4]

لهذه الانتخابات تداعيات عدة على المشهد السياسي والحزبي في تونس، فما هو دورها في تثبيت ملامح المشهد السياسي الحالي أو إعادة ترتيبه؟

هذا ما سنحاول تبينه من خلال هذه الورقة في ثلاثة محاور يتعلق الأول منها بالإطار التشريعي المنظم للانتخابات، والثاني يخص السياق السياسي العام التي دارت فيه، وأخيرا سنتبين دلالات نتائج الانتخابات.

المحور الأول: الإطار التشريعي المنظم للانتخابات

سيتم تفصيل الإطار التشريعي المنظم للانتخابات المحلية في تونس إلى ثلاث نقاط هي: الدستور، والقانون الانتخابي، ومجلة الجماعات المحلية.

  • الدستور

تقوم السلطة المحلية على أساس اللا مركزية وتتجسد هذه اللا مركزية أساسا في الجماعات المحلية التي تتكون بدورها من بلديات وجهات وأقاليم يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية وفق تقسيم يضبطه القانون ويمكن أن تحدث بواسطة قانون أصناف خصوصية من الجماعات المحلية هذا ما ورد في الفصل 131 من الباب السابع من الدستور التونسي.[5]

وينص الفصل 130 من نفس الباب على أن “المجالس البلدية والجهوية تنتخب انتخابا عاما حرا مباشرا سريا نزيها وشفافا”.

في هذا الإطار تندرج هذه الانتخابات المحلية الأولى من نوعها في تونس منذ بدء الانتقال السياسي عام 2011.

وتجدر الإشارة إلى تأجيل موعد الانتخابات البلدية في تونس أكثر من مرة، حيث كانت من المقرر أن تجرى في 17 ديسمبر من العام الماضي، ثم أرجئت إلى 25 مارس 2018، لتستقر في النهاية في 6 مايو 2018.

ومن أهم أسباب التأجيل أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية مرت في فترة ما بشغور في عضوية تركيبتها، ولكن مجلس نواب الشعب تمكن في نهاية المطاف من انتخاب 3 أعضاء بدلا ممن استقالوا، وتم انتخاب رئيس جديد للهيئة العليا، وبالتالي استكملت تركيبة الهيئة وتم تحديد موعد الانتخابات البلدية.

  • قانون الانتخاب

القانون الأساسي المنظم للانتخابات البلدية في تونس هو القانون عدد 7 لسنة 2017 مؤرخ في 14 فبرابر 2017 يتعلق بتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 مايو 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء ويحتوي هذا القانون على 58 بندا، وهي عبارة عن تعديلات لمشروع القانون الأساسي لسنة 2014 الخاص بالانتخابات. وتندرج هذه البنود في إطار تنظيم إجراء الانتخابات البلدية، وتحدد نظامَ الانتخاب، وإجراءات الترشّح وكذلك شروطه بالنسبة إلى الأحزاب والائتلافات الانتخابية كما يحدد القانون أيضا إجراءات الحسم في النزاعات الانتخابية، وشروط تمويل الحملات الانتخابية ومراقبتها.

وقد أثارت عدة نقاط في هذا القانون جدلا واسعا وسط البرلمان التونسي على غرار نظام الاقتراع وتمويل الحملات الانتخابية وتمثيلية الشباب والمرأة في القائمات وكذلك مسالة الرقابة ولكن وقع تجاوز هذه الإشكاليات بالتوافقات الحزبية.

  • مجلة الجماعات المحلية

يعرِّف مشروع قانون الجماعات المحلية، الذي جرى تصديق فصوله في مجلس النواب، الجماعات المحلية بأنها “ذوات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلالية الإدارية والمالية، تتكون من بلديات وجهات وأقاليم يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية”. كما ينص مشروع القانون على أن البلدية “تتمتع بالاختصاص المبدئي العام لممارسة الصلاحيات المتعلقة بالشؤون المحلية”.[6]

تتمتع الجماعات المحلية استنادا إلى الفصل ـ132 من الدستور بالشخصية القانونية، وبالاستقلالية الإدارية والمالية وتدير المصالح المحلية وفقا لمبدأ التدبير الحر. ويمكن للجماعات المحلية، في إطار الميزانية المصادق عليها كل سنة، حرية التصرف في مواردها المالية بحسب قواعد الحوكمة الرشيدة وتحت رقابة القضاء المالي (الفصل ـ137).

المحور الثاني: السياق السياسي العام

شهد الشارع السياسي التونسي خلال الانتخابات المحلية التي تم إجراءها في مايو الماضي أجواء أول حملة انتخابية بلدية تتسم بالتعددية فبالإضافة إلى وجود الأحزاب يوجد عدد كبير من القائمات المستقلة.

ترشح للانتخابات البلدية 53.668 شخصا، نصفهم من النساء، ضمن 2.074 قائمة؛ تتوزع إلى 1.055 قائمة حزبية، و159 قائمة ائتلافية، و860 قائمة مستقلة.[7] وينص القانون الانتخابي على مبدا التناصف بين الرجال والنساء في كل قائمة، تشجيعا منه على تدعيم مشاركة المرأة في الحياة السياسية وكذلك على التناصف الأفقي في كل القوائم الحزبية؛ أي التناصف في رئاسة القوائم داخل الولاية الواحدة، وهو الشرط الذي حال دون ترشيح عدد من الأحزاب الصغرى قوائم باسمها؛ فقد لجأت، بدلا من ذلك، إلى تشكيل قوائم مستقلة أو ائتلافية

سنتعرض في هذا القسم إلى خارطة الأحزاب المشاركة في الانتخابات في قسم أول ثم إلى مسالة المشاركة والعزوف في قسم ثان

  • خارطة الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات

تتميز خارطة الأحزاب السياسية التي شاركت في الانتخابات البلدية بالتعددية والتنوع مع احتلال الأحزاب الكبرى المراتب الأولى من حيث القوائم المترشحة وكذلك البلديات التي ترشحت فيها ففي “حين تمكنت قوائم النهضة من تغطية جميع الدوائر، وعددها 350 دائرة، تلاها حزب نداء تونس بـ 345 قائمة، لم تتمكن أي من الأحزاب الأخرى من تغطية ربع الدوائر. “[8]فقد حل حزب التيار الديمقراطي في المرتبة الثالثة بعد النهضة ونداء تونس، بـ69 قائمة، ثم حركة مشروع تونس، المنشقة عن نداء تونس، بـ 67 قائمة، وحراك تونس الإرادة، حزب الرئيس السابق منصف المرزوقي، بـ46 قائمة. [9]واستنادا إلى هذه المعطيات، بإمكاننا القول إن تقدّم حزبَي النهضة والنداء عن بقية الأحزاب يعتبر أمرا واقعا حتى قبل الاقتراع باعتبار تغطيتهم لكل الدوائر الانتخابية.

كما أن الحملات الانتخابية في معظم المدن والقرى تميزت بالحضور الكبير للحزبين الشريكين في الائتلاف الحاكم (النهضة ونداء تونس)، من خلال الخيم الانتخابية في الساحات العامة، ومن خلال الفِرق التي تتولى توزيع المطبوعات الدعائية والبيانات الانتخابية. وإلى جانب ذلك، عقدت حركة النهضة مهرجانات جماهيرية؛ خصوصا بالمناطق الداخلية بالجنوب والوسط والشمال الغربي.

أما في العاصمة وولايات الساحل والشمال الغربي، التي شهد أغلبها تقدما لحزب نداء تونس، في انتخابات 2014، فيبدو أن جهود المتنافسين تنصب، أساسا، على تثبيت تلك المكاسب.

انتهجت حركة النهضة منهجا جديدا يتمثل في ترشيح وجوه نسائية تقطع مع الصورة النمطية للمرأة لدى الإسلاميين، فضلا عن تقديم مرشحين من خارج منظومتهم الفكرية والسياسية -حتى من غير المسلمين– اذ تم ترشيح رئيس قائمة يهودي في ولاية المنستير، وهذا ربما يأتي في إطار تقديم تطمينات وضمانات على المستوى الداخلي والخارجي بمدنية الحزب.

  • مسالة المشاركة والعزوف في الانتخابات

” أشارت نتائج الدراسة التي أنجزتها شبكة مراقبون بين 28 يونية و28 أغسطس 2017 حول نظرة المواطن للتمثيلية السياسية والانتخابات المحلية والتي تُغطّي 10032 مواطن بـ749 عمادة، إلى أن نسبة 64.3% من التونسيين يعتقدون أنّ تونس تسلك الاتجاه غير الصحيح، وكثيرا ما يتمّ الاستعانة بمثل هذا المعطى كمؤشّر يُحيل على عزوف المواطنين عن المشاركة السياسية ونفورهم من الانتخابات البلدية.

ولقد بلغت نسبة التصويت في الانتخابات البلدية بتونس 33.7%، بحسب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

وقالت الهيئة في بيان إن 1.797 مليون ناخب أدلوا بأصواتهم، من أصل 5.369 ملايين مسجلين في قوائم الناخبين.

هذا الرقم يؤكد بصفة واضحة على عزوف المواطن التونسي عن المشاركة في هذه الانتخابات رغم أنه لم يكن هناك حملات كبيرة للمقاطعة ويعد الشباب الفئة الأكثر عزوفا رغم أن المشاركة في الانتخابات هي ركيزة اساسية من ركائز المواطنة الفاعلة.

وحسب جمعيـة مـدى للمواطنة والتنمية بجربة فإن 56.3 بالمائة من الشباب المستجوبين بجربة يعتبرون أن الانتخابات البلدية القادمة لن تغير من جودة الخدمات البلدية المقدمة للمواطن و47 بالمائة منهم ليست لديهم ثقة في الأحزاب لذلك يرفض قرابة 35 بالمائة التسجيل للانتخابات البلدية القادمة. وهذه النتائج يعتبرها البعض تتطابق مع بقية شباب جهات الجمهورية الذين يبدوا أنهم هجروا السياسة والانتخابات[10].

وقد يعود هذا إلى ضعف الأداء السياسي للأحزاب، وضعف الخطاب السياسي القادر على استقطاب هذه الفئة، إلى جانب فقدانهم الثقة في السياسيين.

المحور الثالث: دلالات نتائج الانتخابات البلدية

سنتعرض في هذا المحور أساسا إلى تداعيات نتائج الانتخابات المحلية في تونس على عملية المشاركة السياسية من جهة وعلى مسار الانتقال الديمقراطي من جهة ثانية.

  • تداعيات الانتخابات على عملية المشاركة السياسية

إثر اعلان النتائج الأولية للانتخابات البلدية، بدأت الملامح الكبرى للمشهد السياسي الجديد في التبلور. ورغم أن هذا الاستحقاق الانتخابي قد جرى على مستوى محلي، فإن تداعياته تعتبر مدخلا لإعادة ترتيب المشهد السياسي الوطني، وفق موازين القوى التي أفرزتها صناديق الاقتراع.

بالأرقام المطلقة والنسب سجلت «البلديات» هذه المرة النسبة الأدنى فى مشاركة الناخبين بين جميع الاستحقاقات الانتخابية بعد الثورة. بالكاد نحو 1٫8 مليون ناخب يمثلون 35 فى المائة من إجمالي الناخبين المسجلين. [11]

ولتفسير فهم تداعيات هذه النتائج على المشاركة فيجب فهم السبب وراء هذا العزوف لانه باستمرار الأسباب فسيستمر العزوف ويتمثل فشل الحكومات والأغلبيات الحاكمة في معالجة مشاكل الناخبين من البطالة والتهميش وغلاء المعيشة وضعف الخدمات العامة وتدهورها. وكذا مع تجاهل مطالب أساسية رفعتها الانتفاضات والثورات المطالبة بالتغيير.

ولكن رغم هذا العزوف في المشاركة في الانتخابات المحلية فان الشباب ظل متواجدا ولو بطرق مختلفة في الحياة العامة عبر المشاركة في بناء مجتمع مدني متماسك ومدافع عن الحريات والحقوق عبر مواصلة التظاهر والاحتجاج كلما دعت الضرورة إلى ذلك.

وبإعلان النتائج الأولية للانتخابات البلدية الأخيرة، وبتراجع حزب نداء تونس إلى المرتبة الثانية، على المستوى الوطني، تكون الخريطة الانتخابية قد شهدت تحولا في أكثر من ولاية. ففي معظم بلديات تونس العاصمة، عادت حركة النهضة لتتصدّر قائمة الفائزين وخلافا للاستحقاقات الانتخابية السابقة، سجلت القوائم المستقلة حضورا لافتا في الانتخابات البلدية الأخيرة، وبلغ عددها 860 قائمة توزعت على مختلف البلديات. وأثار حضور القوائم المستقلة بهذه الكثافة جدلا حول هويتها السياسية وأدوارها. وتصاعد الجدل إثر إعلان النتائج، ذلك أن هذه القوائم حصلت على 32.27 في المئة من عدد الأصوات المصرح بها، بحسب النتائج الأولية التي أعلنتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، لتتصدر المشهد، متفوقة، على حركة النهضة، غير أنها حصلت على الترتيب الثاني من حيث عدد المقاعد (1.001 مقعد للمستقلين مقابل 1.101 مقعد للنهضة). ويتركز الجدل الذي أثارته القوائم المستقلة، خصوصا، حول هويتها السياسية[12].

  • تأثير نتائج الانتخابات على مسار الانتقال الديمقراطي

جاءت نتائج الانتخابات البلدية، معبِّرة عن إعادة تشكل المشهد السياسي التونسي وفق خارطة تتصدرها حركة النهضة، بعد أن تم حسم رئاسة 49 دائرة بلدية، من أصل 350، ضمنت الحركة 23 منها لصالحها باعتبار حصولها في كل منها على نصف عدد المقاعد أو أكثر.[13] وسيكون بإمكانها أيضا أن تعزز نصيبها من رئاسة المجالس البلدية، دونما عناء، فيما لا يقل عن 50 دائرة أخرى لم تحسم بعد رئاستها.

أما نداء تونس، فقد ضمن هو الآخر رئاسة 13 بلدية. ولكن سيكون عليه أن يتحالف مع “غريمته”، النهضة، بشكل مبدئي واستراتيجي، في إطار “القبول بما أفرزته الإرادة الشعبية” ومواصلة “التوافق ” معها، إن أراد أن يحصل على المزيد من المناصب الرئاسية في المجالس البلدية التي ضمن فيها الحزبان معا أغلبية مريحة. أما إذا رفض النداء تجديد التوافق مع النهضة، فسيدير عملية السعي إلى الرئاسة المحلية حالة بحالة، فقد يلجا للبحث عن توافقات وتحالفات مع بعض الأطراف التي يعتبرها قريبة منه كالأحزاب الدستورية والليبرالية والعلمانية عموما.

خلال سبع سنوات من تاريخ الانتقال السياسي وإجراء ثلاث محطات انتخابية كبرى (2011- 2014- 2018) يدخل التونسيون الديمقراطية في كل مرة من باب جديد. أحزاب التأسيس المتعددة والمشاركة المكثفة التي رافقت اللحظة التي أعقبت الثورة تآكل كثير منها أو اندثر في الاستحقاق التشريعي والرئاسي.

أما انتخابات 2014 كانت فارقة من حيث التغيير الذي أحدثه حزب نداء تونس بفوز كبير قلب به المعادلة السياسية برمّتها ليصبح قوة سياسية أولى مناقضة فكريا لحركة النهضة. ولكنه خلال ثلاث سنوات لاحقة سيدخل مطحنة سياسية كبرى فقدَ خلالها تدريجيا عوامل قوّته وربما أسباب نشأته التي مكّنته من الفوز في انتخابات 2014 وفقدَ أغلبيته البرلمانية لصالح حركة النهضة أولا، ولصالح منشقين عنه.

هذه الانتخابات المحلية كانت الفرصة لعودة حزب حركة النهضة. بعد أن عادت إلى المركز الأول بثوبها الجديد. نذكّر بأن انتخابات 2014 كانت فارقة أيضا من حيث تراجع حركة النهضة إلى المركز الثاني بعد أن دخلت الديمقراطية الجديدة بفوز كاسح سنة 2011 حدّ منه كثيرا قانون انتخابي تعمّد تحجيم الكبار وتمكين الصغار من المشاركة في التأسيس.

إن حركة النهضة هي المستفيد الأكبر من هذه الانتخابات خاصة إثر الانشقاقات الجديدة داخل حزب نداء تونس والذي ستكون له أثار جانبية في الانتخابات القادمة أي التشريعية والرئاسية لسنة 2019.

الخاتمة:

من المبكر جدّا الحكم بإمكانية أن تحقق المجالس البلدية التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة نجاحا قد يؤثر بصفة مباشرة على حياة المواطنين ويغيرها نحو الأفضل بعد تحقيق جملة الإنجازات والبرامج التي تم إجراء الحملات الانتخابية على وينتظر المواطن التونسي أساسا تخفيف وطأة الأزمة المعيشية والخدمية والحد من المركزية التي انتهجتها الدولة منذ الاستقلال.

المشهد السياسي الجديد هو تراجع حزب نداء تونس وتقدم حزب النهضة الإسلامي من جديد وبروز قائمات مستقلة قد تتحالف مع الأحزاب لضمان مكانة في الخارطة ككل وأن العمل البلدي مع القواعد وفي كل الجهات قد يعزز حضور حركة النهضة وتوسعها ويفتح لها الباب للاستحقاقات الانتخابية القادمة خاصة في ظل المشاكل الداخلية والانشقاقات التي يمر بها المنافس الأول لها حزب نداء تونس.

إن إنجاز الانتخابات، في حد ذاته، يعدّ مكسبا ومراكمة لـ”التحوّل الديمقراطي” الذي حافظ على شكلياته الدنيا في تونس رغم الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والتجاذبات السياسية المعقدة، على خلاف دول الربيع العربي الأخرى. غير أن الموضوعية تقتضي، أيضا، الإقرار بأن التجربة لا تزال في مراحلها الأولى، وأن تونس لا زالت في مرحلة ديمقراطية هشة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  فيصل شطناوي، محاضرات في الديمقراطية. دار ومكتبة حامد للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، بدون سنة نشر، ص 18.

[2]  الأمين شريط، ماهية النظام الانتخابي والتعددية الحزبية، جامعة بسكرة – الجزائر، ص 202

 [3] عصام نعمة إسماعيل، النظم الانتخابية “دراسة حول العلاقة بين النظام السياسي والنظام الانتخابي “دراسة مقارنة”، ط2 ، 2011، ص 25.

[4]  المركز العربي للأبحاث، مقال الانتخابات البلدية في تونس مقياس لتجربتي النهضة والنداء، 30 أبريل 2018.

[5]  الدستور التونسي المصادق عليه من قبل المجلس التأسيسي في 27 يناير 2014

[6] المرجع السابق

[7]  الموقع الرسمي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات http://www.isie.tn/ar/

[8]  المصدر السابق

 [9] المصدر السابق

[10] جريدة الشروق التونسية، هجر الشباب للسياسة، أبريل 2017

[11] الموقع الرسمي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، مرجع سبق ذكره

 [12]  المصدر السابق

[13]  المصدر السابق

Start typing and press Enter to search