رؤى “سامر سليمان” في “البدائل”
منتدى البدائل العربي للدراسات
مصر

استضاف منتدى البدائل العربي للدراسات يوم الخميس الماضي (الخامس من مايو) مؤتمرا بعنوان “رؤى سامر سليمان” قدمت فيه ستة أوراق تناقش الوضع الراهن من منطلق كتابات وفكر الباحث والأكاديمي الدكتور سامر سليمان. شارك في اللقاء عدد من الأكاديميين والسياسيين والصحفيين والمهتمين بالشأن العام، منهم د. محمد أبو الغار، رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي “السابق”، ود. زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء الأسبق.

ناقش المؤتمر على مدى نصف يوم أوراقا بحثية تطرح تحليلا للوضع الراهن في مجالات تمتد من السياسة والاقتصاد إلى المشاركة والمواطنة.

الدولة والنظام

افتتح أ/ محمد العجاتي، مدير منتدى البدائل للدراسات وأحد مؤسسي مركز سامر سليمان للدراسات والتدريب، اللقاء ثم قدم د. إبراهيم عوض، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الامريكية، الجلسة الأولى التي تحدثت فيها د. هانيا شلقامي، الأستاذة بالجامعة الأمريكية، حيث ناقشت موضوع دور الدولة الراعية الذي طرحه سامر سليمان في كتابه الرئيسي “النظام القوي والدولة الضعيفة” الصادر في طبعته الأولى عام 2006. قدمت د. شلقامي طرحا لقضية الدور الاجتماعي للدولة وكيف تغيرت موازين القوى في المجتمع السياسي والاقتصادي بعد 2011، وكيف أن برامج الدعم والاستهداف تغيرت في السنوات القليلة الماضية.

ناقشت شلقامي أيضا كيف أن التغييرات الحالية والمشروعات القادمة مثل السجل الموحد ستسهم في تحسين كفاءة التوزيع والاستهداف، ولكنها في ذات الوقت تحدث في ظل غياب لمفهوم المستهدفين والفئات الأكثر استحقاقا، فنجد بعض المشروعات تستهدف الأطفال بالدعم ومشروعات أخرى تستهدف الأسر. كما أن كل المشروعات المذكورة يجب أن تستند على اقتصاد ينمو، وبالتالي يخلق المزيد من الدخل لتغطية هذه المشروعات ويخلق فرص عمل.

وفي نفس الجلسة قدمت أ/ شيماء الشرقاوي ورقة حول الدولة والنظام، تقارن فيها بين المطالب السياسة والاقتصادية في فترة مبارك بالفترة الحالية، وكيف اضطر نظام مبارك للمواءمات والسماح ببعض المساحات للمعارضة في النهاية. تحدثت أيضا عن دور المساعدات الخارجية في نظام مبارك وحاليا وكيف أن الاعتماد عليها يمثل في حد ذاته قيد على قدرة النظام على تحقيق المطالب التي قام بالاستدانة من أجلها. حذرت الشرقاوي من خطورة تآكل شرعية النظام الحالي نتيجة سوء إدارة بعض قضايا الحدود، ونتيجة اللجوء للحل الأمني في قضية سيناء.

التصنيع والتنمية

أدار د. زياد بهاء الدين، الجلسة الثانية التي قدم فيها أ/ وائل جمال، الصحفي والباحث، ورقة تناقش موضوع التصنيع والتنمية الذي كتب عنه سامر سليمان رسالة الماجستير والتي نشرت في “أوراق القاهرة” عن الجامعة الامريكية بعنوان “الدولة والتصنيع” عام 1999. تحدث جمال حول نقد سامر سليمان لنظريات التبعية التي سادت في مصر وقتها، والتي توقعت انهيار التصنيع بعد الانفتاح مقابل صعود طبقة رأسمالية طفيلية، الأمر الذي لم يحدث على الإطلاق، بل أسفر الانفتاح عن بروز طبقة رجال أعمال منحازة للمشروعات الكبرى والبينة الأساسية في ظل نظام دولة يشجع الاستثمار وفي ظل طبقة عمالية “رخيصة وهادئة” لا ترفع الكثير من المطالب. ثم تحدث أيضا عن التغير الذي طال منظومة الرأسمالية بظهور اتحاد الصناعات والذي أصبح الكيان الرئيسي لتمثيل مصالح المستثمرين في الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي، وأصبح المفاوض الرئيسي لطبقة رجال الأعمل مع الدولة.

هذا وقد حذر جمال في ورقته من انخفاض مساهمة الإنتاج الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي من 15% وقت الدراسة إلى 10% في سنوات سابقة. كما أشار لأن ظهور الرأسمالية المالية، وهي طبقة رجال الأعمال المتصلة بالسلطة والتي تحصل على مميزات وفوائد كبرى على حساب أولية الإنتاج الصناعي.

وفي نفس الجلسة ناقش د. عمرو عدلي، مدرس مساعد الاقتصاد السياسي بالجامعة الأمريكية، قضية التراكم الرأسمالي، مقدما رؤية منطلقة من كتاب سامر سليمان “النظام القوي والدولة الضعيفة” طارحا رأيا مختلفا عن المعتاد وهو أن صانع القرار السياسي لم يكن مدفوعا بأيديولوجيا أو أهداف استراتيجية طويلة أو حتى مصالح شخصية، ولكن مدفوعا بالأزمة التي تضطر النظام إلى البحث عن تدابير وحلول. المشاكل أحيانا تكون خارجية، مثل التغير الجيوبوليتكي في المنطقة، أو داخلية مثل الزيادة السكانية. نبه عدلي إلى أن حوالي 70% من العمالة الحالية في مصر تعمل في القطاع الخاص؛ الرسمي وغير الرسمي. ولكن على الجانب الآخر الدولة أصبحت في حاجة إلى البرجوازية الكبيرة التي أصبحت قادرة على لعب دور سياسي وذلك نتيجة سببين أساسيين: أولا، انخفاض الدخل الريعي للدولة بعد تحرير الاقتصاد خلق ضرورة لاستبدال الموارد الحالية وبالتالي إعادة إنتاج شبكات مصالح مناسبة، وتم استخدام الحزب الوطني كوسيلة لإدماج القطاع الخاص بهذه الصورة. وثانيا، الدور الهام الذي لعبه القطاع الخاص في ربط مصر بالخارج وتوليد عملة صعبة وبالتالي وزن اقتصادي ضخم كان لا بد أن يتم التعبير عنه في شكل سياسي، ويرجح أن مشروع التوريث كان جزء من هذا التشكيل. وانتهى عدلي بطرح أهمية دراسة قطاع ضخم ربما 2 أو 3 مليون من البرجوازية متناهية الصغر من أصحاب المشروعات المتناثرة حول مصر والتي تؤثر بشدة في علاقة الدولة بالمجتمع.

وفي الجلسة نبه د. إبراهيم عوض في مداخلة له إلى أن القطاع الإنتاجي غير المنظم، على ضخامته، هو قطاع منخفض الإنتاجية وغير قادر على المساهمة الفعالة في تمويل ميزانية الدولة أو تمويل التنمية المطلوبة.

المواطنة والمشاركة السياسية

رأس د. وائل زكي، أستاذ التخطيط العمراني بجامعة القاهرة، الجلسة الثالثة وطرحت فيها أ/ إلهام عيداروس، القيادي بحزب العيش والحرية، رؤية سامر سليمان عن المواطنة والتي تكمن أهميتها في قدرته على تحويل الفكر الخاص بالمواطنة إلى سياسات قابلة للتنفيذ. واستند سامر سليمان -بناء على تحليل عيداروس لمجموعة مقالاته المتعلقة بموضوع المواطنة- إلى ضرورة توسيع وتعميق الديمقراطية وضرورة تبني تصورات أكثر اتساعا بخصوص المواطنة بالذات فيما يتعلق بالنساء والأقباط.

ولكن عيداروس اختلفت مع تحليل سامر سليمان للعلاقة بين الحركة النسوية ونظام مبارك حيث ذهبت إلى أن مكاسب الحركة جاءت نتيجة تحالف تم بينها وبين النظام، واعتبرت أن السبب الرئيسي لهذا الإسناد هو بعد سليمان عن الحركة على الأرض والنظر فقط على المكاسب التي تحققت في فترة مبارك. راجعت عيداروس كتابات سامر سليمان عن تاريخ الطائفية في مصر والتي اعتبر شعارات ثورة 1919 البذرة الأولى لها، حيث جاءت فكرة الجماعة الوطنية لتطمس التنوع الداخلي للفئات الممثلة، واقتصرت على تمثيل النخبة السياسية وقتها، وجاءت دولة يوليو لتكرس لوضع أكثر طائفية، حيث لم يعد للمسيحيين أو حتى للمرأة أي وجود بداخل النخبة الحاكمة، وفي غياب وجود تنظيم متسع للجيش المصري يشبه حزب الوفد، لم توجد وسيلة للمحاصصة على مستويات متعددة وتم الاكتفاء بوضع بعض الأسماء على مستويات عليا لمحاولة تحسين الصورة قليلا. في النهاية أكدت عيداروس على مطلب سامر سليمان في انتخابات 2011، وهي ضرورة تكوين تيار ديمقراطي واسع يسمع بتحالف يضم كافة التيارات اليسارية والتيارات الدينية الأكثر تفتحا، والتي مع الأسف لم تحدث وقتها ولكن لا تزال مطلب رئيسي لتحقيق المواطنة كما نرجوها.

قدم أ.محمد البعلي، الكاتب والناشط، رؤية حول قضية الانتخابات التشريعية مستندة على قراءة في كتاب سامر سليمان “الانتخابات البرلمانية 2005” والذي قدم فيه تحليل لنتائج الانتخابات واتجاهات التصويت. ميز الكتاب، كما شرح البعلي، تقديم مستفيض من سامر سليمان عن الخلفية التي تتم فيها الانتخابات والتي وصفها بنظام سياسي استبدادي في طريقه للأفول، يقوم بإغلاق المجال العام في وجه الاجتماعات العامة والنقابات والأحزاب. بالمقارنة بانتخابات 2015، وجد البعلي عدد من التشابهات، منها التدخل الواضح من مؤسسة الرئاسة التي تحاول السيطرة على العملية الانتخابية كما اتضح من شهادات وموضوعات استقصائية تم نشرها بعد الانتخابات. التشابه أيضا في أهمية البرلمان ونوع الموضوعات التي يناقشها والتي تتسم بالهامشية. التشابه أيضا طال ضعف المشاركة في التصويت ممن لهم الحق: 20% عام 2005 بالمقارنة بـ28% عام 2015، وهي مسألة تشكك في مدى تمثيل البرلمان للمجتمع. كما قدم الكتاب تحليلا للمشاركة في التصويت والتي تتسم بعلاقة عكسية مع مستوى التنمية البشرية والمستوى الاجتماعي والاقتصادي للمنطقة. وميز سليمان في الكتاب بين الرشوة، باعتبارها علاقة مباشرة بين الناخب والمرشح تنتهي بنهاية التصويت، وبين الزبونية التي عرفها باعتبارها علاقة طويلة المدى مثل تصويت العمل لصاحب المصنع أو الموظفين لقياداتهم.

من أكثر ما ميز الكتاب، حسب تحليل البعلي، هو قيام سامر سليمان بدوره كناشط ومناضل يسعى لمستقبل أفضل للبلد وليس مجرد أكاديمي يقدم تحليل رصين، فيصاحب الكتاب بنصائح للتيارات السياسية وأهمها هو ضرورة المشاركة في الانتخابات برغم كل الظروف لأنها لحظة تتميز بأعلى مستوى من المشاركة السياسية على الإطلاق، حتى على ضآلتها، ولكن لا توجد أي لحظة اخرى تتسم بهذه الصفة.

اختتم اليوم بتوزيع الأوراق المقدمة على الحضور وأعلن أ/ محمد العجاتي عن التخطيط لصدورها قريبا مجمعة في كتاب عن “دار صفصافة للنشر”.

Start typing and press Enter to search