قراءة في الانتخابات السودانية المقبلة
منتدى البدائل العربي للدراسات
السودان
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [533.06 KB]

تقف السودان على أعتاب استحقاق انتخابي جديد في شهر أبريل الجاري، وهو الاستحقاق الذي يحمل طبيعة مزدوجة من حيث عقد كل من الانتخابات البرلمانية والرئاسية معا في ذات التوقيت، وهي الانتخابات المصاحبة بقدر كبير من الانقسام والاختلاف حولها في الداخل السوداني بين التيارات والولايات والأقاليم المختلفة. وهو الانقسام الذي يطرح جملة من التساؤلات حول أهمية هذه الانتخابات، واحتمالات أن تُسفر عن جديد في الساحة السودانية، وطبيعة اللحظة والسياق السياسيين اللذان تُعقد فيه. وهو ما تسعي هذه الورقة لمحاولة استعراضه والتعرف عليه على نحو موجز.

ما يميز الانتخابات السودانية المقبلة:

تكتسب الانتخابات السودانية المقبلة قدرا كبيرا من أهميتها، وخاصة الرئاسية منها في ضوء جملة من المتغيرات الأساسية، أولها أنها الانتخابات الأولى التي تُعقد في السودان بعد اندلاع الموجات الثورية الأولى في المنطقة العربية في عام 2011، والتي تمكن السودان من تجنبها، إلا أن تأثيرها على المجتمع والمواطنين في السودان غير معروف على وجه دقيق حتى الآن، وهي الأهمية التي تُستمد كذلك من واقع أنها الانتخابات الرئاسية الثانية في تاريخ السودان منذ قيام البشير بانقلاب الإنقاذ عام 1989، حيث كانت الانتخابات الأولى الرئاسية في عام 2010 على أثر توقيع اتفاقية نيفاشا للسلام الشامل بين جنوب السودان وشماله والتي أنهت الحرب الأهلية المندلعة منذ عام 1955، وقضت بانفصال جنوب السودان، (أي أنها الانتخابات الأولى من بعد انفصال جنوب السودان في بدايات2011)، هي الدورة الانتخابية الثانية التي ينافس عليها الحزب الحاكم (حزب المؤتمر الوطني السوداني) بمرشحه عمر البشير، والذي فاز بالدورة الأولى في عام 2010، بنسبة مشاركة بلغت 10 مليون مواطن، من إجمالي أعداد المصوتين البالغة 16 مليون مصوت حسب ما أعلنته مفوضية الانتخابات السودانية القومية،[1] في مقابل مناخ سياسي معارض ومقاطع للانتخابات في مجمله ومشككا في نزاهتها عموما.

وتزداد أهمية الانتخابات في ضوء تعقد المشهد السياسي الداخلي في السودان، بداية من وجود أزمة حقيقة بين النظام السياسي وفي مقدمته الحزب الحاكم (حزب المؤتمر الوطني)، وقوى المعارضة الرئيسية وفي مقدمتها (تحالف الإجماع الوطني والمكون من تجمع لأحزاب المعارضة مثل حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي، الحزب الشيوعي السوداني، حزب المؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي، الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال)، والتي تعد الانتخابات السودانية المقبلة أحد محاورها، فعلى أثر إطلاق الرئيس عمر البشير لمبادرة الحوار الوطني في يناير 2014، من أجل الوصول لجملة من الحلول والتوافقات السياسية بين حزبه (المؤتمر الوطني)، وبقية الفرقاء السياسيين في السودان، ومن ثم المضي قدما بالعملية السياسية، والنهوض بالبلاد،[2] وفي الوقت الذي وافق فيه حزب المؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي على هذه المبادرة، إلا أن قوى تحالف الإجماع الوطني علق المشاركة بالمبادرة على جملة من الشروط، منها إيقاف الحرب والعمليات العسكرية التي يشنها النظام في عدد من الولايات (دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق) وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وعدم عقد الانتخابات في ظل الوضع الراهن للبلاد، والدخول في مرحلة انتقالية كاملة شاملة للدستور والقوانين يتم فيها إطلاق الحقوق والحريات العامة. وهو ما يبدي حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الترابي تحفظا عليه تخوفا على الدستور الإسلامي للبلاد، في مقابل القوى الأخرى الراغبة في فصل الدين عن السياسة في أي تحضيرات قانونية ودستورية انتقالية.[3] وهي الأزمة التي أخذت سبيلها لمزيد من التعقيد على أثر تطور أساسي له تأثير وعلاقة مباشرة بالانتخابات المقبلة، فيُعرف عن السودان كونها دولة فيدرالية، لكل ولاية بها مجلس تشريعي خاص، ودستور خاص بها، إلى جانب وجود جهاز تنفيذي (أشبه بحكومة تنفيذية) على مستوى الولاية، يتم تشكيله بناء على الآلية الانتخابية من مواطني الولاية، والتي يختلف فيها ميقات الانتخابات من ولاية لأخرى وفقا لما تقضي به تشريعاتها، وإن كانت تخضع في النهاية لإشراف المفوضية القومية للانتخابات السودانية، وفقا لما وضحه الدستور السوداني الانتقالي لعام 2005 في مادتيه 178 و179،[4] إلا أن الرئيس عمر البشير توجه بطلب للبرلمان السوداني القيام بجملة من التعديلات الدستورية العاجلة كان من أبرزها المواد الخاصة بشغل مناصب الولاة في الولايات، من أجل توسيع صلاحية الرئيس في تعيينهم بدلا من انتخابهم،[5] وكذلك تعيين الرئيس للقضاة، وتمكين الجهاز الأمني من ملاحقة المعارضين المناوئين للنظام على “خلفيات التهديدات السياسية والعسكرية، والاقتصادية.. إلخ.[6] والتي غذت بدورها من التشككات من جانب قوى المعارضة في جدية مبادرة الحوار التي أطلقها النظام، في الوقت الذي يسعى فيه النظام لحسم كثير من القضايا الرئيسية خارج آلية الحوار الوطني، وتكريس السلطات في يده.

وهي الخطوة التي ردت عليها قوى المعارضة بالهجوم في المقام الأول، واتخاذ خطوة غير مسبوقة، ومفاجأة للنظام، وهي مضي قوى المعارضة المدنية -وفي مقدمتها قوى تحالف الإجماع الوطن وعدد ممثلين عن المجتمع المدني- في التفاهم والتواصل مع قوى المعارضة المسلحة، ومن ثم تُرجمة هذا التفاهم أو الحوار بتوقيع الطرفين وثيقة “نداء السودان” في أديس أبابا ديسمبر 2014، والتي تضمنت بنودا ترفض التعامل مع النظام، وتضع على قائمة أولوياتها السعي فيما بينها من أجل التخلص من النظام السياسي الحاكم في السودان، وإقامة دولة ديمقراطية، وإنهاء الحرب،[7] كما تضمنت الوثيقة في أحد بنودها إشارة للانتخابات التي يزمع النظام عقدها بأنها “عملية شكلية يراد بها تزييف الإرادة الوطنية، واكتساب شرعية زائفة، ومن ثم تعلن القوى الموقعة على هذه الوثيقة مقاطعتها، ورفض كل ما يترتب عليها، والعمل على مقاومة هذه الانتخابات وعزلها على المستوى الجماهيري”.[8] على نحو أعقبه قيام نظام عمر البشير باعتقال عدد من القيادات البارزة في تحالف الإجماع الوطني مثل رئيس التحالف فاروق أبو عيسي، وأمين مكي، وفرح عقار، مما أدى إلى تصعيد من جانب قوى الإجماع الوطني، من حيث الإعلان عن المضي قدما في إسقاط النظام، ومن ثم إطلاق الدعاوى نحو مقاطعة الانتخابات القادمة، باعتبارها مناورة من جانب النظام من أجل الحفاظ على ماء الوجه، ومحاولة تزيف الشرعية.

الإشكاليات الإجرائية للانتخابات السودانية المقبلة:

إلا أن إشكاليات الانتخابات لا تتوقف فقط على حدود السياق السياسي، والذي يهدد شرعيتها، وحقيقة تعبيرها عن المواطنين، إلا أن هناك جملة من الإشكاليات المتعلقة بها على المستوى الإجرائي، فعلى سبيل المثال تواجه المفوضية القومية للانتخابات إشكالية كبيرة فيما يتعلق بقواعد البيانات الخاصة بالناخبين السودانيين والتي لم يتم فلترتها تماما من المواطنين الذين انضوا تحت جنوب السودان بعد انفصاله، إلى جانب أن قواعد البيانات الخاصة بالناخبين ليست نهائية تماما،[9] إلى جانب عدم حسم وضع ومشاركة بعض المقاطعات في الانتخابات كما هو الحال في منطقة حلايب وشلاتين. يُضاف إلى ذلك أزمة قانون أو نظام الانتخابات السوداني والذي خضع لجملة من التعديلات في يوليو 2014، وهي التي تمت خارج مسار مبادرة الحوار الوطني، وهو ما كان كافيا لإثارة شكوك أحزاب المعارضة وقواها، ورفضها تماما له، باعتبار أن الهدف من هذه التعديلات هو مزيد من التسلط والمركزية لصالح حزب المؤتمر الوطني، إلى جانب وجود جملة من الإشكاليات الفنية في القانون نفسه، والتي تصب جميعها في صلب هذه التخوفات، متمثلة في تضمين مواد تنص على إعطاء البدو الرحل، وعناصر القوات المسلحة، حق التصويت في الانتخابات،[10] وكذلك من خلال إقرار نظام ما يعرف بالقوائم النسبية القومية بدلا من القوائم النسبية الولائية، والتي تعطي وزنا لولايات دون أخرى.[11] وهي أزمة تتعقد في ضوء مسار الانتخابات المنتوي المضي فيه من خلال الإصرار على عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ذات الوقت، وهو عبء كبير على المفوضية والمواطنين الذاهبين للاقتراع.

وضع داخلي مضطرب:

  • أزمات التكامل القومي في السودان:

إلا أن الأزمة السياسية في الداخل السوداني لا تقف فقط عند حدود العلاقات المضطربة بين النظام والمعارضة، حيث يتصدر كل ذلك وضع داخلي شديد الاضطراب، بين أزمات تقع في القلب من أزمة التكامل القومي، والتي تدلل عليها الحروب المندلعة في عدد من الأقاليم والولايات السودانية، بين السلطة المركزية، والمتمردين المعارضين في هذه الولايات، كما هو الحال في إقليمي دارفور، وجنوب كردفان والنيل الأزرق، والتي تُنذر باحتمالات المضي في نفس مسار دولة جنوب السودان الانفصالي، وهو الوضع الذي يتم التعامل معه من جانب النظام بالخيارات العسكرية فقط. وهي الأزمات التي تتضمن أبعاد معضلات هيكلية يعاني منها كل من النظام والمجتمع السوداني، وتكتسب بعدا تاريخيا متجذرا وعميقا، تعود في التقديرات لعهد الاستقلال، والذي اتسم بهيمنة النخب العربية أو المستعربة المسلمة الشمالية على مقدرات السلطة والحكم في السودان والتي يبدى كثير من المكونات والمجموعات العرقية والثقافية غير العربية في السودان، عدم رضا أو تململ من هذه السيطرة والهيمنة من رافد الحياة السياسية، والهوياتية الثقافية، من خلال محاولات اختزال الثقافة السودانية في كونها ثقافة عربية،[12] وهي الهيمنة التي وجدت انعكاسات قوية لها في فروع ومجالات أخرى مثل عدالة توزيع الموارد والثروات والسلطة بين العنصر العربي والمهيمن وبقية المكونات الاجتماعية والثقافية المتواجدة في أقاليم وولايات مختلفة في السودان، وصولا لتكريس النظام لهذه الأزمة من خلال إبقاءه على صيغ من التحالفات مع القبائل العربية غزت من هذه الإشكالية، وصولا لمرحلة الصدام،[13] وهو ما يجعل الحلول السياسية الإجرائية التي يطرحها النظام مثل عقد الانتخابات غير جادة ومجدية لعلاج مثل هذه الأزمات.

  • أزمة اقتصادية هيكلية:

ويزيد من عمق الأزمة الداخلية التي تشهدها السودان، الوضع الاقتصادي الخانق الذي تمر به البلاد، والذي ازداد تفاقمه على أثر انفصال جنوب السودان، وما مثله ذلك من خصم من جملة الموارد وخاصة النفطية من ميزانية البلاد،[14] وهي الأزمة التي أدت لرفع أسعار المحروقات بنسبة 75% في عام 2013، والتي أعقبها جملة من الاحتجاجات الشعبية التي خلفت عددا من القتلى والجرحى،[15] وهو التأثير الذي انعكس في إعلان الحكومة المركزية الإفلاس رسميا في يونيو 2012،[16] فبسبب انفصال جنوب السودان، أدى ذلك لتراجع العائدات النفطية المتوقعة من جانب الحكومة السودانية، لتصل لخسارة وتقلص في حجم الإيرادات التي كانت تتوقعها الحكومة السودانية لتمويل موازنة السودان لعام 2012 بنسبة 26%، وهو ما توازى معه إعلان جنوب السودان تراجعه عن تصدير النفط للسودان، وهو عجز أكثر من ضعف العجز المقدر في ميزان المدفوعات لموازنة العام ذاته 2012،[17] إلى جانب جملة من السياسات المستنزفة لميزانية الدولة، وفي مقدمتها سياسة الحرب في دارفور، وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وكذلك تبني النظام في السودان لنموذج الحكومة المتضخمة، بتعدد وزارتها وهياكلها الإداري الزائد،[18]إلى جانب وجود أزمة تضخم حادة ومتفاقمة وصلت في بعض التقديرات الغير رسمية لـ60% – 80%، في مقابل أرقام حكومية تتحدث عن 42%،[19] وكلها إشكاليات تدفع كثير من المعارضين والمهتمين بالشأن السياسي يتشككون في الجدوى والتكلفة المادية لعقد الانتخابات في مثل هذه الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة.

وهي جملة من الأزمات المتراكمة والتي استجابت لها الحكومة السودانية في النهاية باتخاذ جملة من التدابير التقشفية التي أثارت غضب قطاع كبير من المواطنين، وأثارت كذلك الاحتجاجات في عدد من المدن السودانية، وفي مقدمة هذه التدابير رفع أسعار المحروقات من البنزين، والديزل، وغاز الطعام.[20] على نحو خلف أعدادا من القتلى على أثر الاشتباكات بين المواطنين وقوات الأمن على خلفية الاحتجاج على هذا القرار.[21] وهي الاحتجاجات التي رفع فيها المواطنين شعارات مثل “إسقاط النظام”، وهو ما صاحبها جملة من الإجراءات الاحترازية من جانب النظام، بإغلاق المؤسسات التعليمية، ونزول قوات الجيش لتأمين عدد من المرافق الحيوية والهامة أثناء هذه الاحتجاجات.[22] ووسط أعداد متفاوتة من القتلى، قدرتها المعارضة السودانية بـ141 قتيلا.[23]

  • تدهور الحقوق والحريات العامة في السودان:

لكن يتوازى مع هذه الإشكاليات كذلك جملة من الاعتبارات السياسية المعيقة، وفي مقدمتها التضييقات على الحريات والحقوق المدنية والسياسية، وفي مقدمتها حريات الرأي والتعبير، والتعرض لكثير من الصحف والصحفيين بالملاحقة والتضييق، وحظر النشر، وهنا يمكن إيراد واقعة أساسية وهي قيام السلطات السودانية الأمنية بمصادرة 14 صحيفة دون إبداء أية أسباب. إلى جانب قيام الحكومة باتخاذ حزمة من التدابير في هذا الصدد، مثل تعمد الدولة لزيادة الضرائب المفروضة على الصحف المعارضة، وتضييق الموارد المادية والإعلانية الموجهة لهذه الصحف لتكبيدها خسائر على عكس الصحف الموالية للنظام، والتوسع في حظر نشر الصحف التي لا تمتثل للتوجيهات التي تقدمها الأجهزة الأمنية.[24]

وكلها وقائع تستخدمها قوى المعارضة في التأكيد على دقة رؤيتها بأن ضمانات نزاهة وحيادية الانتخابات ليست متوفرة على الإطلاق، ومن ثم تدفع في اتجاه تعبئة المواطنين في إطار ما يُعرف بحملة “ارحل” بإقناعهم بعدم المشاركة أو التصويت في الانتخابات البرلمانية المقبلة، مع إعلانها عن توجهها لجمع ملايين التوقيعات من المواطنين لنزع الشرعية عن الانتخابات، ومن ثم إسقاط الحكومة السودانية.[25]

أزمة الانتخابات السودانية والأبعاد الإقليمية:

ربما يكون أحد عوامل تمايز الانتخابات السودانية المرتقبة عن غيرها، هو تعقد الوضع الإقليمي للسودان، واكتساب هذه الانتخابات بعدا إقليميا، وهو ما يمكن قراءته في ضوء جملة من التطورات، أولها دخول أطراف إقليمية على خط المناوشات بين النظام والمعارضة حول هذه الانتخابات. حيث سعى النظام في خطوة استباقية منه للدلالة على حسن نواياه فيما يتعلق بعقد انتخابات حرة نزيهة، بمحاولة تصدير صورة حول انفتاحه وجديته فيما يتعلق بعقد هذه الانتخابات ونزاهتها، من خلال تأكيده على قبول منظمات دولية متعددة للمشاركة في الإشراف والرقابة على الانتخابات، وفي هذا الصدد، قامت الحكومة السودانية بتوجيه طلب أو دعوة للاتحاد الأفريقي من أجل إرسال بعثة منه لتقييم مرحلة الإعداد للانتخابات والشهادة على نزاهتها وجديتها، ومن ثم تقييم ماهية المساعدة التي قد تحتاج لها المفوضية القومية السودانية للانتخابات، وكذلك تقديم توصيات في صدد تسيير المفوضية للانتخابات.[26] وهو الأمر الذي ردت عليه عدد من قوى المعارضة البارزة وفي مقدمتها حزب الأمة السوداني، بمطالبة الاتحاد الأفريقي بعدم الانخراط في هذه العملية الانتخابية، ومن ثم مساعدة نظام البشير بطريقة أو بأخرى على الاستمرار في تسلطه وبطشه، من خلال مساعدته على تلميع سمعته الإقليمية، وأن تولي اهتماما أكبر بدلا من الانتخابات لصالح إيقاف حالة الاقتتال والحرب في العديد من الولايات والأقاليم السودانية.[27]

الانتخابات السودانية تمتد في القلب من القضايا الإقليمية في جوانب أخرى على النحو الذي يمكن ملاحظته في حالة وضع إقليم حلايب وشلاتين الخلافي التاريخي بين مصر والسودان، حيث أن المفوضية القومية السودانية للانتخابات لم تفتح محلات التسجيل للناخبين أو تُجهز مراكز الاقتراع في هذا الإقليم للانتخابات، على نحو دفع كثير من المواطنين واتجاهات من الرأي العام السوداني للتململ، والتساؤل حول أية تراجع أو تنازلات من الجانب السوداني عن الحق في هذا الإقليم.

ويمتد البعد الإقليمي للانتخابات الحالية في السودان، خاصة فيما يتعلق بالأقاليم المشتعلة بالحرب والاقتتال في السودان، وفي مقدمتها ولاية جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، والذي يقاتل فيه الجيش الشعبي ضد الحكومة المركزية في السودان، ويرفض المشاركة في الانتخابات على اعتبار تنامي تيارات داخله تنادي بتبني خيار الحكم الذاتي للإقليم، وهو الوضع الذي تتهم فيه الحكومة السودانية حكومة جنوب السودان بدعم هؤلاء المتمردين عسكريا ضد الحكومة المركزية، ومن ثم من المتوقع في حال فوز الحزب الحاكم ومرشحه عمر البشير في الانتخابات القادمة، أن يكون هناك استمرار للسياسة المنتهجة من جانبه تجاه جنوب السودان، ومحاولة الوصول معها لتفاهمات تقضي بتحييدها عن الاقتتال في هذه الأقاليم ضد الحكومة المركزية.[28]

اتصالا بتأثير الانتخابات ونتائجها على العلاقات الإقليمية للسودان مع جنوبه، يمكن أن نُشير كذلك لملابسات منطقة أبيي المتنازع عليها بين حكومتي السودان وجنوب السودان، حيث استبعدت المفوضية القومية للانتخابات السودانية منطقة أبيي من المناطق التي ستُعقد بها انتخابات، وهو ما فسره البعض في رغبة حكومة السودان لتفادي أي صدام مقبل مع جنوب السودان، باعتبار أن ذلك من شأنه تعقيد وضع السياسة الداخلية والخارجية السودانية.[29]

لا يفوت في هذا الصدد الإشارة لحرب اليمن الحالية ومشاركة قوات سودانية في عاصفة الحزم إلى جانب القوى العشرية وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية، وقطر، والإمارات، بجملة من القوات الجوية، والبرية على النحو الذي صرح به وزير الدفاع السوداني،[30]وهي الخطوة التي اعتبرها البعض استجابة لجملة من التطورات في السنوات الأخيرة في العلاقة بين نظام البشير في السودان وعدد من الدول الخليجية القائدة لهذه العمليات العسكرية، وخاصة السعودية، وقطر، حيث يُلاحظ أن هناك تقارب ممتد بين الطرفين (السودان وقطر) في الفترة الأخيرة على أكثر منها مستوى منها العلاقات الدبلوماسية والسياسية حيث لعبت قطر دورا مهما جدا فيما يتعلق بالوساطة بين متمردي إقليم دارفور، والحكومة المركزية في الخرطوم، ووصلا لحد اتهام ممثلي متمردي دارفور لقطر بالتحيز للحكومة المركزية في السودان،[31] وكذلك جملة الاستثمارات القطرية المضخة في الاقتصاد السوداني والتي كان لها دور كبير في “إنقاذ الاقتصاد السوداني من أزمته السالف ذكرها” على النحو الذي أعلنه الرئيس عمر البشير في أحد تصريحاته.[32] إلى جانب أن مشاركة السودان في هذه العمليات العسكرية يمكن تفسيره في أحد جوانبه، كخطوة أخرى في المضي قدما في اتجاه تعميق العلاقات مع دول الخليج، والتي كانت الأخيرة دائمة التشكك في عمق العلاقات بين السودان وإيران، والتي كان أحد تبعات التقارب بين السودان والسعودية في السنوات الأخيرة، قيام الحكومة السودانية بإغلاق عدد من المراكز والمكاتب الثقافية الإيرانية في السودان تحت دعاوى نشر المذهب الشيعي،[33] وكذلك في إطار محاولات السودان ونظام البشير لمواجهة جملة الضغوط الممارسة عليه، من جانب القوى الخليجية والتي تُشكك في طبيعة العلاقات السودانية- الإيرانية،[34] ومن ثم فإن قرار المشاركة في هذه الحرب أو التحالف ترجمة لمسار العلاقات الأخذة في التعمق بين السودان ودول الخليج، وكذلك كجزء من محاولة السودان لتأكيد محدودية العلاقات مع إيران.

في جانب آخر فمن المتوقع أنه في حال نجاح عمر البشير في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فإن من شأن ذلك أن يدفع في اتجاه تحسين العلاقات الأمريكية- السودانية، والذي بدأت بوادره في رفع الولايات المتحدة للعقوبات عن بعض القطاعات السودانية كما هو الحال في مجال تكنولوجيا الاتصالات،[35]وكذلك قيام عدد من المسئولين الأمريكيين بعدد من الزيارات المتوالية في الفترة الأخيرة، وإعلان الدبلوماسية السودانية بشكل صريح سعيها للوصول لتفاهم مع واشنطن،[36] إلى جانب وجود جملة من العلامات الأخرى المؤكدة لهذه الانفراجة منها كون الولايات المتحدة وسيط في المحادثات بين حركة تحرير السودان الدارفورية وبين الحكومة السودانية المركزية،[37] بعد أن استمرت العلاقات متأزمة لسنوات طويلة منذ انقلاب عمر البشير 1989، ومرورا بجملة من التطورات التي كانت السودان على الخط فيها مثلما كان في أزمة محاولة اغتيال الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في زيارته لأديس أبابا، والتي اتهمت السودان بإيواء العناصر الضالعة في هذه العملية، إلى جانب أن السودان في وقت من الأوقات استضافت أسامة بن لادن،[38] والذي كان تحت الحماية الرسمية.

وهي العلاقات التي كان أحد عوامل تأزمها هو ربط رفع وتخفيف العقوبات عن السودان بجملة من الملفات الداخلية السودانية كما كان الحال في ملف جنوب السودان، وحاليا في الأقاليم المضطربة مثل دارفور، وجنوب كردفان والنيل الأزرق. إلى جانب التخوفات الأمريكية من العلاقات بين السودان وإيران، والتي كان أبرز تداعياتها زيارة محمود أحمدي نجاد للسودان في 2011، والتي علق عليها كيري باعتبارها تطور سلبي لأمريكا.[39] وهو الانفتاح أو اللين النسبي الذي يفسره البعض كمحاولة من نظام البشير من أجل استعادة الاعتراف الدولي بها، وكسر العزلة المفروضة عليه، وهي العزلة التي ساهم فيها وضع السودان على قوائم الدول الداعمة للإرهاب، وكذلك على أثر إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة بتوقيف عمر البشير في إطار تهم ضد الإنسانية وجرائم حرب موجهة له ارتكبها هو وقواته في النزاع في دارفور في عام 2009. ومن هنا تأتي هذه الانتخابات وعقدها للنظام السوداني كأحد الضرورات والإشارات التي يمكن إرسالها للخارج والولايات المتحدة من أجل تخفيف الضغوط الممارسة من جانبهم عليه على أثر ملفات الحقوق والحريات العامة، والديمقراطية في السودان.

يبدو أن نظام البشير يبحث عن مصدر جديد للشرعية، والتي إن لم يستطع خلال الدورة القادمة إيجاده فسيكون أمام خطر حقيقي بعد تراجع الشرعية الدينية التي كان يعتمد عليها، على أثر تراجع مد وجاذبية الإسلاميين وأنظمة حكمهم وأطروحتهم في المنطقة كما هو الحال في مصر وتونس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] فوز عمر البشير في انتخابات الرئاسة السودانية، BBC العربية، 26 أبريل 2010، http://is.gd/KXwH7z

[2] تحديات الحوار الوطني وأفق المصالحة بالسودان، موقع الجزيرة الالكتروني، 15 مايو 2014، http://is.gd/K5JRSr

[3] الشعبي يوافق رسميا على الحوار مع الحزب الحاكم في السودان والإجماع يعلن رفضه، سودان تربيون، 10 فبراير 2014، http://is.gd/Ajelb1

[4] دستور السودان الانتقالي لعام 2005، http://is.gd/G7fOzu

[5] البشير يوجه البرلمان بإجازة تعديلات دستورية عاجلة، سودان تربيون، 30 أكتوبر 2014، http://is.gd/Tq4dwB

[6] التعديلات الدستورية إسفين النظام في جسد الحوار السوداني، جريدة العربي، 7 يناير 2015، http://is.gd/x3trmb

[7] نداء السودان يتسبب في اعتقال قيادات المعارضة، موقع أخبارك نت، 7 ديسمبر 2014، http://is.gd/km5vhu

[8] نص وثيقة نداء السودان، موقع الطريق الإلكتروني، 4 ديسمبر 2014، http://is.gd/AYKLjM

[9] أحمد يونس، السودان: 13 مليون مواطن لانتخابات 2015، جريدة الشرق الأوسط، 17 نوفمبر 2014، http://is.gd/PsFEhv

[10] تعديل قانون الانتخابات بالسودان رغم رفض المعارضة، موقع الجزيرة الالكتروني، 3 يوليو 2014، http://is.gd/iIYXXI

[11] السودان: 13 مليون مواطن لانتخابات 20165، الشرق الأوسط، 17 نوفمبر 2014، http://is.gd/PsFEhv

[12] حيدر إبراهيم علي، السودان: سؤال الهوية قناع للعجز، جريدة السفير اللبنانية، 18 يوليو 2012، http://is.gd/DTtFpP

[13] الجذور التاريخية لمشكلة دارفور، موقع BBC العربية، 26 أغسطس 2004، http://is.gd/6QnlcW

[14] خيارات محدودة: أوراق الخرطوم في مواجهة تصارع الجنوبيين، مركز الجزيرة للدراسات، 7 أبريل 2014، http://is.gd/TVsPP3

[15] العقوبات الاقتصادية على السودان…انفراج قريب، أخبار مصر، 10 نوفمبر 2014، http://is.gd/HejwJM

[16] عبد الله علي إبراهيم، “الأزمة الاقتصادية في السودان.. فليُسعد النطق”، موقع الجزيرة الإلكتروني، 5 أغسطس 2012، http://is.gd/qTFabJ

[17] التجاني الطيب إبراهيم، اقتصاد دولتي السودان بعد وقف النفط، موقع الجزيرة نت، 26 فبراير 2012، http://is.gd/mhyjbP

[18] عبد الله علي إبراهيم، مرجع سابق.

[19] خبير لـ “العربية نت”: التضخم الحقيقي بالسودان يتجاوز 60%، موقع العربية الالكتروني، 9 ديسمبر 2013، http://is.gd/fARXgm

[20] احتجاجات في السودان على زيادة أسعار المحروقات، موقع BBC العربية، 24 سبتمبر 2013، http://is.gd/SJ6JiO

[21] احتجاجات السودان: مقتل 27 على الأقل خلال مظاهرات ضد الحكومة، 26 سبتمبر 2013، http://is.gd/J1tYza

[22] احتجاجات السودان: مظاهرة جديدة في الخرطوم وأم درمان، موقع BBC العربية، 27 سبتمبر 2013، http://is.gd/RJqcgr

[23] المعارضة السودانية: 141 قتيلا خلال 3 أيام من الاحتجاجات، موقع العربية الإلكتروني، 27 سبتمبر 2013، http://is.gd/EFzk4D

[24] الصحافة السودانية: جولات مع القمع، ن بوست، 30 أكتوبر 2014، http://is.gd/M4eBZx

[25] حملة ارحل في السودان لمقاطعة الانتخابات البرلمانية، موقع BBC العربية، 5 فبراير 2015، http://is.gd/fONi47

[26] وفد من الاتحاد الأفريقي لتقييم انتخابات السودان ينهي زيارته ويرفع تقريره خلال أيام، موقع الطريق الالكتروني، 9 مارس 2015، http://is.gd/fiXcyN

[27] الأمة يحرض الاتحاد الأفريقي على عدم مساندة الانتخابات، موقع اليوم التالي الالكتروني، 8 مارس 2015، http://is.gd/xyGAyK

[28] الخرطوم تتهم جوبا بدعم حركات التمرد بالسلاح، موقع الجزيرة الالكتروني، 26 يناير 2015، http://is.gd/w2k7Rk

[29] منطقة أبيي خارج انتخابات الجنوب والشمال، موقع الجزيرة نت، 25 يناير 2015، http://is.gd/BnNZCD

[30] الجيش السوداني يعلن مشاركته بقوات برية في عملية “عاصفة الحزم”، موقع اليوم السابع، 26 مارس 2015، http://is.gd/HxUz8f

[31] الوساطة ترفض اتهام متمردي دارفور، موقع الجزيرة نت، 24 يناير 2011، http://is.gd/j9ebqo

[32] البشير للشرق: قطر ساعدت السودان على تجاوز الأزمة الاقتصادية، موقع الشرق الالكتروني، 17 مارس 2015، http://is.gd/a9MBWt

[33] تحسنت العلاقات السودانية السعودية: فأغلقت الخرطوم المراكز الثقافية الإيرانية، موقع الخليج الجديد، 7 سبتمبر 2014، http://is.gd/0Sdhtj

[34] وزير الخارجية السوداني: الحديث عن تحالفنا مع إيران “إفتراءات”، موقع أخبارك، 30 مارس 2015، http://is.gd/5gKuRi

[35] واشنطن تخفف العقوبات على تكنولوجيا الاتصال بالسودان، موقع الجزيرة نت، 18 فبراير 2015، http://is.gd/QpWELl

[36] شروط أمريكية لتعزيز العلاقات مع السودان، موقع البديل، 13 ديسمبر 2014، http://is.gd/iSO9LW

[37] عبده مختار موسي، مرجع سابق.

[38]  رئيس الاتحاد الأفريقي السابق يتهم الحكومة برعاية واستضافة الإرهابيين، موقع أخبار السودان اليوم، 22 فبراير 2015، http://is.gd/1Il6Jg

[39] عبده مختار موسي، العلاقات السودانية- الأمريكية على مفترق الطرق، http://is.gd/agEAJF

Start typing and press Enter to search