المرأة والمواطنة: نحو ترسيخ لحقوق المرأة المدنية والسياسية
نوران سيد أحمد
مصر
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [2.25 MB]

مقدمة:

تعد قيم المواطنة والمساواة من أبرز القيم والمفاهيم التي أضحت تمتاز بصفة العالمية والكونية، لتحوز قدرا كبيرا من الانتشار والقبول في سياقات كثيرة متنوعة ثقافيا، وحضاريا، واقتصاديا، كأحد أبرز القيم التي يمكن أن تساهم في إحلال قدر كبير من العدالة والسلام الاجتماعي، إلا أن إنسانية وانتشار هذه القيم لم يحل دون أن يواجه تطبيق هذا المفهوم بعقبات هيكلية تطرحها السياقات المختلفة التي تسعي لتبني هذه القيم وفي القلب منها قيمة المواطنة، والسياق العربي والمصري تحديدا مثال لذلك، والذي تتداخل فيه الاعتبارات الحداثية، والتقليدية، مع العوامل الهيكلية الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما أوجد ضرورة تفكيك هذه العلاقة المشتبكة. وقد أنتجت هذه الاعتبارات جملة من الاختلالات فيما يتعلق بقيم المواطنة والحقوق والحريات المرتبطة بها، وفي مقدمتها الحقوق المدنية والسياسية على أكثر من مستوى بما فيها المستوى الإدراكي، والإجرائي. وهي الوضعية التي تزداد وطأتها سوءا في فئات اجتماعية أكثر من غيرها، فيما يمكن تسميته بالفئات الأقل حظا أو الأكثر تهميشا، وفي مقدمة هذه الفئات المرأة، والتي تعاني من تمييز فيما يتعلق بهذه الحقوق على أكثر من مستوى، أولها هو غياب التعامل والمعالجة للمواطنة كقيمة شاملة للجميع ومن ثم رؤية الاختلالات التي تعانى منها وضعية المرأة ضمن مجموع كلي اجتماعي وسياسي، وهو ما يجد سبيله للترجمة في التعامل التقليدي والبسيط من جانب السلطة مع المرأة، باعتبارها فئة مجتمعية منفصلة، كما يتضح في النصوص الدستورية والقانونية المحدودة من الأساس، مصحوب بتبني السلطة لتصورات تقليدية عن المرأة وأدوارها الاجتماعية، وموقعها في النظام السياسي، وهي الرؤية التي تشترك فيها القوى السياسية في مجملها، وهي رؤية تتداخل فيها التصورات التقليدية الدينية مع التقاليد المجتمعية البطريركية السائدة والتي لم تترك انعكاسها فقط على تعاطي السلطة والقوى السياسية معها، بل وعلى ممارسات المواطنين.

أهمية وضرورة العمل على تمكين المرأة من حقوقها المدنية والسياسية:

تتضح في ضوء حقيقة التركيب السكاني في مصر، والذي تشكل فيه النساء ما يُقارب الـ 49% من المجتمع،[1] وهي كتلة كبيرة تعاني من إشكاليات عدم عدالة ومساواة لحد كبير على أكثر من مستوى أحداها الحقوق المدنية والسياسية، حيث تواجه الكثيرات منهن حرمانا من ممارسة حقوق الترشح، والتصويت، على نحو نزيه وعادل، وحرمان من تولى الوظائف العامة. إلا أن وضعية المرأة تتعقد في ضوء المواجهات التي تلقاها على نحو واضح وصريح فيحال وجود مطالبات للحصول على حقوقها مقارنة بالرجال في هذا المجال، وهي وضعية تحرم المجتمع من إمكانية الاستفادة من كفاءات مهنية للنساء يمكن أن تُسهم بها في هذا الصدد، ومن جهة أخرى تكشف عن حالة من عدم التوازن، فالتغييرات الديموجرافية، ترتبط بها جملة من المتغيرات الاجتماعية، ممثلة في نمو نسب التعليم، والوعي لدي النساء، وما ينتجه ذلك من مزيد من التواجد في المجال العام والسياسي، وتعدد وتعدي للأدوار الاجتماعية للمرأة، والتي يستفيد منها عدد أكبر من المواطنين المرتبطين بها، دون أن يُرافق هذه المتغيرات استيعاب واستجابة لتمكين المرأة سياسيا، على نحو يعبر عن مطالبهن ومصالحهن، وفي جانب آخر لتوفير ضمانات أكثر للحماية والعدالة في السياق العام والسياسي، وهو بدوره ما ينتج إحساس ونوازع دائمة بوجود مظالم اجتماعية للنساء في المجتمع، وتعمد لإقصائهن.

خبرات تمكين المرأة من حقوقها المدنية والسياسية من التجارب الدولية:

وقد شهدت الكثير من التجارب الدولية إشكاليات مماثلة، كانت مواطنة وحقوق المرأة المدنية والسياسية فيها منقوصة، إلا أنها حالات شهدت نضالا كبيرا من جانب النساء والفئات الاجتماعية الداعمة لهن، وهو ما ترافق مع جملة من التطورات الاجتماعية، من أجل المطالبة بالمزيد من العدالة والمواطنة، وقد تعددت الآليات والاستراتيجيات التي اتبعتها الكثير من التجارب في معالجة وضعية الحقوق المدنية والسياسية المختلة للمرأة، فإلى جانب المعالجات التقليدية والبسيطة لهذه المعضلة كما تقترب منه الحالة المصرية من خلال وضع مواد دستورية تقر حقوق للمرأة، إلا أن هناك مقاربات دولية أكثر عمقا وجذرية لتمكين المرأة باعتبارها جزءا من فئات اجتماعية أخرى تعاني من مظالم وتهميش مماثل، وهو الإدراك الذي انعكس في المعالجة، والإجراءات المعتمدة على نحو جماعي للتعامل مع الفئات المهمشة، والأقل حظا عامة، وهنا تظهر بقوة أمثلة لتجارب دولية اعتمدت أنظمة مثل مفوضيات مكافحة التمييز لتعقب أي ممارسات في السياق العام تهدف لإقصاء الفئات الأكثر تهميشا للاعتبارات المرتبطة بالجنس، اللون، اللغة، الدين، الانتماء الطبقي، كما هو الحال في بريطانيا فيما تعرف باسم مفوضية المساواة وحقوق الإنسان.[2] وهناك آليات أخرى متبعة كما هو الحال فيما يعرف ببرامج التمييز الإيجابي (Affirmative action)، كما هو الحالة في السياق الاجتماعي الأمريكي، والذي يسعي بالأساس لتوفر فرص أكبر في مجال التعليم والوظائف للأمريكيين الأفارقة والمرأة.[3] إلا أن هذه الآليات لا تتعارض مع وجود آليات أخرى ممثلة في أطر دستورية تسمح بذلك، بما يعني أنها إما أن تكون أكثر تجريدا وإطلاقا للحقوق والحريات، مع ترك التنظيم التفصيلي والأدق للتشريعات والقوانين على النمط الذي يكشف عنه الدستور الأمريكي، أو من خلال معالجات دستورية وقانونية أخرى تكون أكثر تفصيلا وعمقا في تفكيك الهياكل والعلاقات الاجتماعية، تهدف لتحقيق توازن وعدالة أكبر لهذه الهياكل والعلاقات، والمرأة طرفا وعضوا في كثير من هذه الروابط والعلاقات الاجتماعية، كما تكشف عنه تجارب مثل الحالة البرازيلية.[4] وهناك تجارب أخرى تشريعية وقانونية تهدف لدمج المرأة ضمن هذه الهياكل كما هو الحال في تجربة قانون الأحزاب المغربي الصادر لعام 2011، والذي سعى في إطار معالجته لوضعية الفئات الأقل حظا كالمرأة والشباب، لإلزام الأحزاب قانونا بأن يكون هناك سقف لتواجد المرأة داخل الهياكل التنظيمية الداخلية للحزب، على المستوى الوطني والمحلي حدده القانون في مادته الـ 26 بـالثلث للنساء.[5]

خاتمة وتوصيات للحالة المصرية:

الخبرات السابقة يمكن أنتقدم بعض المسارات الممكنة لعلاج أزمة الدمج السياسي للمرأة في السياق المصري على أكثر من مستوى، أحداها هو المسار الإدماجي الشامل، وهو المسار الذي يعني ضمنا، وعيا بمعالجة أزمات حقوق المرأة المدنية والسياسية باعتبارها جزء من كل مجتمعي. وهناك مسار آخر يفترض أن يتوازى ويترافق مع المسار السابق وهو اعتماد استراتيجية متعددة الأبعاد ومتعدية الآثار والنتائج، وتراعي الأبعاد الزمنية لعلاج هذه الإشكالية.

وهنا يمكن إيراد عدد من الآليات والاقتراحات التي من شأنها تفعيل هذه الاستراتيجيات وخدمة أهداف هذه الاستراتيجيات على النحو التالي:

  • الإطار الدستوري في الحالة المصرية، يقع ضمن ما يُعرف بالدساتير القصيرة المواد، وهي بالضرورة لا تُسهب في التفاصيل، ومن ثم قد يكون هذا الإطار يتطلب إعادة تفكير -ولو على المدى البعيد- على نحو يجعل المرأة كفئة اجتماعية مدمجة في إطار المحاور والموضوعات (العمل، الرعاية الصحية، التمثيل السياسي،…إلخ)، وهو ما لا يتوقع أن يتم إلافي ضوء مقاربة وفلسفة دستورية كما هو الحال في النمط البرازيلي، والذي ينحو للتفصيل والمعالجة الدقيقة للقطاعات والعلاقات الاجتماعية، فيما تٌعرف بالدساتير الطويلة.
  • اتصالا بالواقع الدستوري السابق، قد تكون المساحة الأكبر للتفاعل والتركيز منصبة على الإطار التشريعي، والتي يتوقع أن تحمل نزعة وتوجها إدماجيا للمرأة، وهنا يمكن أن نُشير لعدد من القوانين، والتي ترتبط بشكل أساسي بالعملية السياسية وهي، قانون الأحزاب السياسية، قانون الانتخابات، وقانون المحليات:
  • فعلى سبيل المثال القانون المنظم للأحزاب، يمكن أن يتضمن إلزام للأحزاب بوجود المرأة بنسب معينة داخل الهياكل والمستويات التنظيمية المختلفة للحزب على المستوى الوطني (مستوى الجمهورية)، والمحافظات، مع إمكانية ربط تقديم الدولة دعما ماليا وعينيا للأحزاب التي تسمح للمرأة بهذا التواجد، وهو ما يخدم فكرة تعدد الأبعاد في قضية المرأة.
  • دمج ما يُعرف بمعايير التمييز الإيجابي في قانون الانتخابات وتقسيم الدوائر الانتخابية، بما يعنيه من تقديم دعم مالي وربما فني للنساء المتنافسات على الانتخابات، سواء من داخل الأطر الحزبية، أو المتنافسات خارج هذه الأطر، مع إمكانية أن يأتي تقسيم الدوائر الانتخابية على نحو متوازن يسهل على المرأة التنافس وإدارة الحملات الانتخابية، ومنافيا لما كان عليه قانون تقسيم الدوائر الانتخابية في انتخابات 2011، مع ضرورة الالتفات للبعد الجغرافي (الأطراف، وخاصة المحافظات المفقرة) وما يرتبط بها من متغيرات ثقافية فرعية محافظة/تقليدية (كما هو الحال في الصعيد) في إطار هذه المعايير، من خلال ربط الفرص المقدمة للفتيات والنساء للانخراط في المجال السياسي والعام هناك، والتعليم وكذلك العمل هناك، بجملة من الامتيازات العينية والمالية –ولو محدودة- لهن وأسرهن على نحو يجعلهم أكثر قبولا لخروج النساء للمجال العام والسياسي.
  • الالتفات لقانون المحليات، وهو مستوى يجب الالتفات له وأن يحظى بقدر كبير من الاهتمام فيما يتعلق بإدماج المرأة، وما يدعم من هذا الاتجاه عاملان أساسيان، أولا هو المساحة الكبيرة التي تشكلها مستويات الحكم المحلي في مصر (المحافظة، والمركز، والمدينة، والحي، والقرية)، وهي تمثل بدورها مساحة كبيرة للتواجد والانتشار، والنفاذ للعمق الاجتماعي، وهي وضعية يمكن فيها تحييد أو تقليل احتمالات المعارضة لها في السياق الثقافي والاجتماعي مقارنة بالمواقع التمثيلية القيادية مثل مجلس النواب، وفي جانب آخر من شأنه أنه يساهم في تنمية القدرات السياسية للمرأة استعداد لدوائر العملية السياسية الأكبر، ويتيح لهن إثبات قدرتهن. وفي هذا الصدد يمكن أن نشير إلى إلزام دستور 2014 في المادة 180 بأن يكون للمرأة ربع عدد مقاعد هذه المجالس المحلية، وهو ما يجب أن يترافق معه في القانون النص على أن يكون هناك دعم مالي وفني مقدم للمرأة لضمان فرصها على المنافسة، وأن يتضمن القانون ما يضمن أن يكون ربع المقاعد المخصصة للمرأة في كافة المستويات الإدارة المحلية (المحافظين،.. وحتى المستويات الدنيا)، على أن يكون ذلك مصحوبا بقدر أكبر من اللامركزية للمستويات الدنيا، ومنح صلاحيات أكبر لهذه المستويات الدنيا.
  • وفي اتجاه آخر لابد من إعادة مراجعة وتنقيح القوانين والتشريعات التي من شأنها التمييز ضد المرأة، وفي مقدمتها قوانين الأحوال الشخصية.
  • تمكين هياكل وكيانات جديدة من القيام بعملية الدمج، أحد الآليات المتوقع أن تأتي بنتائج مثمرة في هذا الصدد، والمقصود بها كيانات مثل مفوضيات مكافحة التمييز والتي يمكن أن تتولي متابعة أي انتهاكات أو ممارسات تمييزية ضد المرأة–ضمن الفئات الاجتماعية الأخرى التي تعاني من التمييز- في العمل العام، الوظائف العامة، وأن يكون لها صلاحيات أكبر في قضايا التمييز ضد المرأة، ما يُسهل القبول المجتمعي لها، مع ضرورة أن يكون هناك مراعاة في آليات عمل هذه المفوضية للبعد الجغرافي، ومتابعة إشكاليات المواطنين والنساء في المحافظات. مع إمكانية دمج كيانات مثل المجلس القومي للمرأة كجهاز أو إدارة تابعة للحكومة أو مجلس الوزراء على نحو يعني أكثر بتقديم الدراسات والاستشارات المتخصصة للحكومة والجهاز التنفيذي فيما يتعلق بحقوق المرأة والقضايا الأكثر أهمية لها، والمستجدات التي تتطلب معالجة لها بشكل خاص، وعاجل.
  • تنقيح المناهج التعليمية من أي محتويات تمييزية ضد المرأة، مع العمل من أجل وضع مناهج أكثر تفعيلا ودمجا للمرأة وحقوقها في المنظومة التعليمية، وهنا يمكن للمنظمات المعنية بقضايا المرأة أن تلعب دورا بطرح مبادرات للدفع في هذا الاتجاه أو ممارسة ضغوط تحقيقا لهذا الغرض. وفي هذا الصدد يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تلعب دور رصد ومراقبة للمحتويات الثقافية التي تميز ضد الفئات الأقل حظا، بما فيهم المرأة في وسائل الإعلام والاتصال، وحشد تأييد حولها، وملاحقتها في الحيزين الاجتماعي والثقافي من جهة، والقضائي والقانوني من جهة أخرى.
  • ضرورة التشبيك بين المنظمات المعنية بحقوق المرأة من جهة بما يُراعي الاعتبارات الجغرافية والمناطقية ولا يقتصر فقط على المركز أو المدن الكبرى (مستوى أفقي) لضمان دمج الأطراف في هذا الجدل، ومن جهة أخرى التشبيك مع المنظمات أو الفئات الاجتماعية الأخرى التي تعاني أيضا من تمييز فيما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية كالأقباط، والفلاحين، والعمال (مستوى رأسي)، وهو ما يمكن أن يُترجم في وجود تنسيق في المطالب المتعلقة بالمساواة والعدالة في هذا الصدد، ورفعها بالتنسيق فيما بينهم، وممارسة ضغوط مستمرة في هذا الصدد، وفتح المساحات الاجتماعية التي يمتلكها كل طرف للآخر للتعبير عن مطالبه والحشد لها بالتوازي مع الآخرين.
  • ضرورة العمل على توفير قواعد بيانات عن المرأة، وما يرتبط بها سواء فيما يتعلق بالعملية السياسية (نسب تصويتها، نسب مشاركتها، اتجاهاتها التصويتية)، وتواجدها في جهاز الدولة، وتواجدها في القطاع الخاص، وكذلك ما يرتبط بالتغييرات الديموجرافية والاجتماعية لها، على نحو يسهل في المستقبل أي جهود أو سياسات عامة مستقبلية مرتبطة بالمرأة، وهو ما يتطلب تعاون بين الدولة والأجهزة الرسمية التابعة لها من جهة، ومنظمات المجتمع المدني من جهة أخرى.
  • ضرورة أن يكون هناك قانون يعني بتجريم أي عنف ممارس ضد المرأة وتواجدها في المجال العام وخاصة فيما يتعلق بممارستها حقوقها السياسية مثل الانتخاب، الترشح، التظاهر.. إلخ.
  • ـــــــــــــــــــــــــــــ

1محمد العجاتي، “المواطنة وحقوق النساء في مصر بعد الثورات العربية”، منتدى البدائل العربي للدراسات، 2014، ص:14

2Equality and human rights commission- Britain, http://is.gd/4zozT1

3National conference of state legislatures, affirmative action overview, 2 July 2014, http://is.gd/nN2dpD

4أماني فهمي، “دساتير العالم، المجلد الثالث: اليابان، البرازيل”، المركز القومي للترجمة، 2009، ص 68- 71

5قانون تنظيمي رقم 29.11 يتعلق بالأحزاب السياسية – المغرب، الجريدة الرسمية، 24 أكتوبر 2011، http://is.gd/LWc0Sh

Start typing and press Enter to search