الحركة الطلابية بعد 30 يونيه
نوران سيد أحمد
مصر
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [105.84 KB]

اكتسبت الحركة الطلابية قدر كبير من الزخم مع اندلاع ثورة 25 يناير 2011، حيث سعت هذه الحركة بكل جهدها لأن تعيد الحياة والنشاط للجامعة، وأن تحافظ على الجامعة باعتبارها مساحة للعمل العام المستقل على نحو مغاير لما كان عليه الوضع في مرحلة ما قبل الثورة، وبرغم هذه المسافة التي حرصت الكثير من القوى الشبابية أو الطلابية على انتزاعها وترسيخها خاصة مع انفتاح المجال السياسي ورخاوة القبضة الأمنية (نسبيا)، فاشتبكت هذه القوى الطلابية مع الأحداث السياسية العامة والكبرى (الإعلان الدستوري نوفمبر 2012 مثالا) على امتداد هذا العام بدرجة أو بأخرى، لكن مع حرص بالغ منها على إبقاء مسافة ما تضمن استقلالية هذه الحركة دون انفصالها التام عن السياق السياسي.

إلا أن العام الدراسي 2013-2014 شهد انتقال جديد في مسار الحركة الطلابية وحياة الجامعات المصرية، حيث صبغت التطورات السياسية الحادثة في النصف الثاني من العام بعمق الحياة الجامعية وحيز الحركة الطلابية، فمع بداية العام الدراسي كان هناك ما يشبه التوجه العام من جانب القوى الأمنية وقوى الإخوان المسلمين على التعامل مع الجامعة باعتبارها أحد ساحات الصراع السياسي فيما بينهما، واعتبارها امتداد لمعركتهم المستمرة لأشهر في الشارع منذ عزل محمد مرسي.

فقد عمد طلاب جماعة الإخوان المسلمين لخلق كيانات تسحب معركتها السياسية الكبرى مع الدولة والقوى الأمنية إلى داخل الجامعة، في إطار إستراتيجية التصعيد والحشد على كافة المستويات والدوائر الاجتماعية، وعلى نحو يجعلها أكثر قبولا داخل الأوساط الطلابية والجامعية، خاصة مع تضرر شعبيتهم وتعالي الحساسيات ضدهم داخل الجامعة في السنوات الثلاث الماضية، وقد تجسد ذلك في ظهور حركة طلاب ضد الانقلاب، والتي أسسها طلاب جماعة الإخوان المسلمين، وانضم لها عدد من الطلاب المستقلين الرافضين للمسار السياسي في مصر حاليا (بما يحمله من هيمنة عسكرية وأمنية) ولا يرون أيا من القوى الطلابية السياسية تمثل رافعة لتصوراتهم الرافضة لـ”حكم العسكر” باستثناء حركة طلاب ضد الانقلاب.

وعلى مستوى آخر لم تشهد الجامعة منذ سنوات طويلة مثل هذا القدر من العنف وتنامي القبضة الأمنية كالذي تشهده الجامعات حاليا، حتى في وقت حكم مبارك، حيث أن أجهزة الأمن والدولة تمتلك عزم وتوجه واضحيين نحو إحكام السيطرة على أي قطاع مجتمعي في العمل العام أو السياسي قد يشكل خروجا أو تهديدا للخط العام، وهو ما تمثل في قيود قانونية لتحجيم الحركة الجامعية والطلابية كقرار الضبطية القضائية والذي صدر في عهد الرئيس مرسي، إلا أنه دخل حيز النفاذ والتفعيل مع دخول العام الدراسي الجديد، إلى جانب تنامي أعداد الطلاب الذين تم توقيفهم في هذا العام بتهم كثيرة ترتبط بنشاطهم السياسي أو تعبيرهم عن ميل تجاه مجموعة سياسية مقابل أخرى، وتعدد حالات انتهاك قوات الأمن للحرم الجامعي في أكثر من جامعة، واستخدام مفرط للقوة ممثل في استخدام الرصاص الحي لفض هذه التظاهرات، وبروز قدر كبير من الاشتباكات بين قوات الأمن والمنتمين بشكل أساسي لحركة طلاب ضد الانقلاب، وهي الاشتباكات التي يغلب عليها طابع الحدة والدموية وتنتهي بوقوع عدد من القتلى بين صفوف الطلاب، ويُصادف أن بعضهم من المستقلين، وهي الأحداث التي أعقبها خروج لكثير من الطلاب في شكل مظاهرات داخل الجامعة تطالب بوقف الدم، واستقلال الجامعة.

وقد ترافقت هذه التظاهرات مع تنسيق بين طلاب القوى السياسية المختلفة للاحتجاج على هذه الانتهاكات، وظهور بعض المحاولات للتنسيق مع طلاب ضد الانقلاب في عدد من الجامعات، والمدفوعة بإحساس التهديد، ليس فقط على هامش الحرية والاستقلالية الذي تفقده الجامعة وطلابها كل يوم تحت وطأة المعركة الدائرة بين الإخوان والدولة، بل الوجود المادي للطلاب.

وقد كشفت هذه التظاهرات عن قدر كبير من رخاوة التنسيق وحجم الهوة التي تفصل بين الفريقين، من حيث إصرار طلاب ضد الانقلاب في الأغلب على رفع شعارات تعبر عن جماعة الإخوان المسلمين بشكل أساسي ممثلا في شعاري رابعة والمطالبة بعودة الشرعية، في مقابل توجسات كبيرة من جانب طلاب القوى السياسية الأخرى بل والطلاب المستقلين الذين انتفضوا بفعل الأحداث واللحظة من هؤلاء الطلاب، ورفضهم للوقوف حتى بجوارهم والمطالبة برحيلهم عن أماكن تجمعهم، وصولا لترديد شعارات مثل (يسقط من خان، عسكر، فلول، إخوان)، وهي رخاوة تجسدت أيضا في بروز احتمالات اشتباك وجدال بين المجموعتين، يتم تداركها في اللحظات الأخيرة.

إلا أن مثل هذه التظاهرات كانت مناسبة كاشفة كذلك للفرق بين المجموعتين من الناحية الحركية والتنظيمية، حيث أن بقاء جماعة الإخوان المسلمين وعناصرها لوقت طويل في الشارع وفي التفاعلات التظاهرية على امتداد الشهور التي أعقبت خروج محمد مرسي من سدة الرئاسة، قد أضاف الكثير لقدرتهم الحركية في الشارع، إلى جانب ما يبدو من امتلاكهم لقدرات مادية كبيرة مقارنة ببقية طلاب القوى السياسية ممثلا في اللافتات المرفوعة، وكمية الشعارات المطبوعة التي يحملها عدد كبير من أفرادهم، مقارنة ببساطة المطبوعات التي يحملها الطلاب الآخرين وبدائيتها (من حيث شكلها وتكلفتها) في ضوء محدودية مواردهم، وهو تجسيد حقيقي لضعف الرابطة في أسوأ الحالات أو الاستقلالية في أحسنها بين الأحزاب السياسية، والطلاب السياسيين المنتمين أو المحسوبين على هذه الأحزاب.

والملاحظة الأخرى الأبرز هي غلبة التكوين النسائي لتظاهرات طلاب ضد الانقلاب، وهو ما قد يعكس في أحد جوانبه نتاج الملاحقات الأمنية التي تعرض لها الكثير من العناصر الشابة والرجالية من جماعة الإخوان المسلمين منذ 30 يونيو بحيث أضحى اعتماد التنظيم في جزء كبير منه على العنصر النسائي، وفي جانب أخرى بدافع خبرة الاحتكاك بين الحركة من جهة وقوى الأمن أو غيرهم من الطلاب المستقلين أو القريبين من القوى الأمنية من جهة أخرى، توضح إن تواجد عدد كبير من العناصر النسائية (الطالبات) يضمن حد أدنى من التهدئة أو الحذر في المواجهات نظرا لتواجدهن، إلى جانب أن احتمالات إطلاق سراح الطالبات في حال القبض عليهن تكون أعلى مقارنة بالطلاب.

وقد تركت هذه الأحداث بالغ الأثر على كتلة الطلاب غير المسيسين أو المستقلين، فنتاج التطورات السياسية التي لحقت بالساحة السياسية والتي وجدت امتداداتها داخل الجامعات المصرية، وُجد أن جزءا من أبناء الكتلة المستقلة قد انحاز لكتلة طلاب ضد الانقلاب على اعتبار أن هذه الحركة هي الوحيدة الرافعة لشعارات مناوئة للدولة القديمة أو حكم العسكر، ولعدم وجود أي بديل سياسي آخر داخل الجامعة يجاهر برفع هذا الشعار بشكل منظم وممنهج على النحو الذي فعلته حركة طلاب ضد الانقلاب، في مقابل شريحة أخرى من المستقلين والتي يمكن تشبيهها بالكتلة النائمة والتي استجابت وتفاعلت بشكل تلقائي مع دعوات طلاب القوي السياسية للتظاهر وللإضراب، في أعقاب حادثة الطالب محمد رضا والذي أردي قتيلا يوم 29 نوفمبر 2013 داخل الحرم الجامعي مدفوعة بإحساس الخوف والتهديد.

إلا أن هناك جزء أكبر من الطلاب المستقلين وهو الذي انزوى تماما عن الزخم الكبير الجاري في الجامعة، بفعل الإحباط والخوف من الصراع الدائر، وصولا لحد مقاطعته للأنشطة العادية والترفيهية التي كان يُقبل عليها في السنوات القليلة الماضية، وهو ما يمكن إرجاعه في جزء منه لحقيقة التشديد الأمني والذي منع عقد الكثير من الفعاليات والأنشطة داخل الجامعة، إلى جانب التسييس المبالغ فيه للمناخ الجامعي هذا العام.

أما عن طلاب القوى السياسية، فعلى الرغم من أن العام الدراسي الماضي كان الأكثر تميزا لهذه القوى بما أحرزته من تقدم ملحوظ في انتخابات اتحادات الطلاب على نحو لم يتوقعه الكثيرون، وبشكل عكس ثقة قدر كبير من الطلاب فيهم، وكان دافع قوي لهذه القوى للعمل على تطوير خططها وبرامجها استعداد للعام الحالي لكسب أرضية كبيرة بين صفوف الطلاب لأنشطتهم وأفكارهم من ناحية، وكذلك للاستفادة من تجربة العام الماضي الانتخابية والبناء عيها تحضيرا للمعركة المقبلة، إلا أن الوضع شهد تحولات عميقة مع مطلع هذا العام الدراسي، حيث أدى تنامي القبضة الأمنية لتقليل هامش الحركة أمام هذه القوى للعمل بين صفوف الطلاب، من حيث إطلاق يد الجهات الأمنية أو العناصر القريبة منها، وربما الأذرع الإدارية داخل الجامعات والكليات لإلغاء كثير من أنشطة وفعاليات هذه القوى، إلى جانب عودة كثير من العناصر الأمنية داخل الكليات للنشاط مرة أخرى من خلال تعقب كثير من الطلاب داخل الجامعة ممن يُعرف عنهم النشاط السياسي، أو حتى المستقلين داخل الاتحادات الطلابية الذين يبدر عنهم أي استعداد للتعاون أو التواصل مع أي طلاب القوى السياسية أو الإخوان للتفاهم حول قضية ما أو حادثة بعينها، واستخدام أدوات مراقبة الكترونية وتكنولوجية داخل الحرم الجامعي تكشف عن العناصر المشاركة في التظاهر.

وقد كان مثل تعليق الانتخابات الطلابية خصم كثير من صالح هذه القوى التي لم تخض الانتخابات إلا لمرة واحدة، وكانت تعول على انتخابات هذا العام لترسيخ وجودها كقوة مكافئة للإخوان، طلاب المستقلين، وطلاب النظام القديم، وفي المقابل حلت إستراتيجية أخرى يمكن تشبيهها بالإستراتيجية الدفاعية بدل من إستراتيجية المبادرة والتفاعل لدى هؤلاء الطلاب، حيث اختارت هذه الحركات الانزواء تحاشيا منها للصدام الدائر بين الإخوان والأمن.

وكذلك انسحاب كافة طاقتهم وتوجهيها لصالح الحرص على تأمين عناصرهم داخل الجامعات، وغلبة الطابع الحقوقي على حركتهم داخل الجامعة، بداية من اقتصار نشاطهم بين طلاب الجامعة على توعيتهم بحقوقهم السياسية والمدنية، وكسعيهم وراء الطلاب المنتمين لهم ممن طالتهم أوامر الاعتقال، بما يعنيه ذلك من بحث عنهم في كثير من أماكن الاحتجاز، ضرورة تقديم مساعدات قانونية للمعتقلين، وإعاشات لهم في أماكن الحجز والاعتقال، وكلها تعني أعباء إضافية في ظل محدودية مواردهم وفقرها، إلا أن طلاب القوى السياسية المختلفة يسعون من أجل أن يتم بينهم قدر من التنسيق اللوجستي فيما يخص الطلاب المعتقلين.

إلى جانب سعي الطلاب في كثير من الجامعات لانتهاج أسلوب الإضراب والإعتصامات داخل الحرم الجامعي كوسيلة للضغط من أجل الإفراج عن الطلاب المعتقلين أو للمطالبة بمحاسبة المسئولين عن مقتل الطلاب، على النحو الذي كان في عدد من الكليات مثل كليتي هندسة القاهرة وعين شمس وخاصة الأخير الذي يُعد الأنجح.

فمثل إضراب هندسة عين شمس الحالة الأنجح في التنسيق بين طلاب ضد الانقلاب وطلاب القوى السياسية الأخرى، بوساطة من اتحاد طلاب الكلية (يهيمن عليه المستقلون)، على أثر استجلاء آراء طلاب الكلية في “الجروبات” الالكترونية على موقع الفيسبوك حول تنفيذ إضراب، والذي جاءت التفضيلات الغالبة لصالحه، إلى جانب الدعم الذي قدمه عدد كبير من عناصر هيئة التدريس للطلاب بطريقة أو بأخرى إيمانا منهم بأن ما يحدث هو انتهاك لحقوق الإنسان، أو لاعتبارات وجود عدد لا بأس به منهم من المنتمين للحالة الإسلامية وليس لجماعة الإخوان المسلمين، ما دفع إدارة الكلية للنزول على مطالب الإضراب، وتوسطها لدى مكتب النائب العام للإفراج عن هؤلاء الطلاب وهو ما قد كان.

أضاف لنجاح هذا الإضراب في وقته (أواخر نوفمبر- أوائل ديسمبر 2013) أنه كان أداة نضال جديدة من الطلاب للضغط على الجامعة بدلا من الأدوات التقليدية ممثلة في التظاهر والوقفات الاحتجاجية، وهي اعتبارات قد تفسر خفقان أو محدودية تأثير عدد آخر من الإضرابات في كليات أخرى.

وهنا تدور تساؤلات حول الدور الذي تلعبه الاتحادات الطلابية بتشكيلتها الموروثة من العام الماضي في خضم هذا الصراع، وهنا يظهر قدر كبير من محدودية الدور والتأثير الذي تقوم به هذه الاتحادات ككيانات، فباستثناء حالة إضراب هندسة عين شمس والتي يبرز فيها دور واضح لاتحاد طلابها في تنظيم الإضراب، لا توجد أمثلة واضحة لاتحادات أخرى سعت للعب دور في مثل هذه الأزمات مقارنة بمحاولات كل مجموعة طلابية تنتمي لحزب أو حركة سياسية ما، وهو ما يمكن إرجاعه لغلبة المستقلين على هذه الاتحادات، وهم بدورهم يفتقرون للخبرة في أساليب التعامل مع أجهزة الأمن وحالات التضييق والملاحقات القانونية، إلى جانب إدراك الأجهزة الأمنية لهذه الحقيقة وضغطها على كثير من العناصر المستقلة المتواجدة داخل هذه الاتحادات لمنع أي اتصال أو بوادر تنسيق مع الطلاب المسيسين بصدد الانتهاكات أو التحركات السياسية داخل الجامعة، خشية أن تتمكن هذه القوى من جذب المستقلين على أرضيتها.

يبدو أن الحركة الطلابية في مصر تمر بأسوأ حالاتها منذ اندلاع الثورة ما يمكن تشبيهها بالانتكاسة، والتي يبدو أنه لن يتم تجاوزها في المدى القريب في ضوء السياق السياسي العام والذي تتعالى فيه الأولويات الأمنية، وفي ضوء الهوة واختلاف الأهداف والأولويات التي تفصل بين القوى الفاعلة داخل الجامعة (طلاب الإخوان، طلاب القوى السياسية الأخرى، المستقلين) وغياب أي فرص للتنسيق بينهم في ظل هذه الاختلافات، واستمرار تبعية حركة طلاب ضد الانقلاب على المستوى التنظيمي واللوجستي لجماعة الإخوان بشكل يزيد ويعلي من حساسية الباقيين تجاهها، وفي ظل حالة الإحباط التي أصابت الطلاب المستقلين على الرغم من تعالي احتمالات تسييسهم في الفترة التي سبقت 30 يونيه، وكلها عوامل تزيد من قدرة الأمن وأجهزته في مواجهة هذه الحركة الطلابية.

Start typing and press Enter to search