كيف يكون التعليم سياسة استثمار مجتمعي؟
حبيبة عز
مصر
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [867.83 KB]

ربما لا تتفق الحكومات على سياسات محددة للوصول لما يسمى بالدولة القوية ولكن اتفقت كافة التجارب على مدار الأزمنة أن التعليم أولوية سياسية تدفع بنمو الدول. الغفلة عن مشروع تعليمي مناسب للدولة والمجتمع المصري هو بمثابة إنكار لتجارب التاريخ وهدم لمستقبل الأمم.

على خلاف التجربة المصرية الراهنة، لعب المشروع التعليمي دور البطولة في دول أوروبا الشرقية كأداة فعالة للتحول الاقتصادي والسياسي أو الخروج من الأزمات للحاق بالعالم المتقدم. وانفردت بولندا ضمن دول أوروبا الشرقية بمكانة متميزة في كفاءة سياساتها التعليمية.

بينما من ناحية أخرى، مشكلة الطالب المصري مضاعفة، ليست فقط لأنه طالبا ذو مؤهلات تعليمية متدنية ولكن مرور هذا الطالب لمرحلة العمل تمثل أزمة أساسية في الوضع الاقتصادي الراهن التي أهملتها أهداف النظام السابق وأهداف السلطة السياسية الحالية وحتى المعارضة على مدار عامين منذ المرحلة الانتقالية الحالية.

في ضوء التجربة التعليمية ببولندا، تناقش هذه الورقة التعليم كسياسة استثمار مجتمعي: كيف يمكن استثمار التعليم كأداة مجتمعية لتحقيق استقرار سياسي واستقرار اقتصادي. بينما اعتادت الدراسات التأكيد على فشل العملية التعليمية في مصر، تركز هذه الدراسة على مخرجات هذا النظام التعليمي على مستوى الطالب والدولة. يستهل البحث بنبذة عن وضع التعليم في مصر ثم عرض تحليلي عن سياسة التعليم في بولندا بعد إصلاح 1989 وكيف حققت استقرارا سياسيا في المرحلة الانتقالية وتنتهي الورقة إلى وضع توصيات لتحقيق كفاءة تعليمية تؤدي لاستقرار اقتصادي في مصر.

خلفية عن المرحلة الانتقالية في مصر

في هذه الفترة من المرحلة الانتقالية بمصر يزداد الوضع الاقتصادي تعثرا، هشاشة الدولة وتخبط مؤسساتها. ففي ظل غياب برلمان أو توافق وطني بين الحكومة والمعارضة على المستوى الوطني يصعب تحديد صانع القرار أو الحوار معه. مع استمرار ضبابية المشهد السياسي، لا يمكن الاعتماد على معونات أو استثمارات خارجية فضلا عن الظروف الاقتصادية العالمية غير المواتية مما يؤدي لنقص السيولة المالية الخارجية اللازمة لتمويل المشروعات.

فيكمن إذن المخرج الاقتصادي في دفع حركة الإنتاج المحلي، عن طريق التحول نحو آليات التمويل المحلي، سواء عن طريق حماية المشروعات القائمة بالفعل من الإغلاق أو التركيز على القطاعات ذات الميزة النسبية وتوسيعها مثل التصنيع الزراعي وتصنيع الأثاث والغزل والنسيج أو ثانيا عن طريق إنشاء مشروعات جديدة متوسطة وصغيرة ومتناهية الصغر. وفي كلتا الحالتين، تحتاج هذه المشروعات إلى عمالة مناسبة. المثير للدهشة أن هذه العمالة غير متوفرة في مصر حاليا.

احتياجات الطالب، السوق والدولة:

يعتقد الكثير أن مشكلة البطالة في مصر سببها عدم وجود فرص عمل، إنما حقيقة الأمر تؤكد عكس ذلك، المثير للدهشة أنه رغم الارتفاع المستمر لمستوى البطالة إلا أن الاقتصاد القومي، خاصة القطاع الصناعي، يعاني من عدم توفر عمالة ماهرة ويعاني من انخفاض قدراته الإنتاجية في تلبية متطلبات السوق. فيضطر أرباب الأعمال إما إلى تخفيض الإنتاج على المستوي المحلي والتصدير أو يحجموا عن التوسع في النشاط ومنهم من يوقفه تماما. أخرون يلجأوا إلى تدريب العامل من جديد وكأن سنوات التعليم الذي مر بها الطالب عملية مفرغة من مضمونها وغير مجدية. يضاف إلى هذه المشكلة، تعثر التوجه نحو إقامة مشروعات متوسطة وصغيرة ومتناهية الصغر نتيجة لغياب المعلومات عن احتياجات السوق وغياب العمالة التي تخدمها.

وعليه هناك مشكلتان ينبغي على صانع القرار علاجهما:

  • وضع استراتيجية اقتصادية للتوفيق بين التعليم والإنتاج.
  • التحول المؤسسي في المنظومة التعليمية.

نبذة عن التعليم في مصر

اذا استندنا إلى تحليل الموقف التعليمي في مصر نجد فجوة واضحة بين التعليم والتوظيف، هذه الفجوة تهدد النمو الاقتصادي وتحول دون الخروج من حالة عدم الاستقرار الراهن.

فالخطة الاستراتيجية القومية لإصلاح التعليم 2007-2008/ 2011-2012 -وهي أخر خطة وضعت- باءت بالفشل في تحقيق أهدافها المحورية الثلاث من: لامركزية-مساواة في فرص التعليم-جودة التعليم. ناهيك عن إغفالها التام لمشكلة الفجوة بين العرض من معطيات التعليم وبين الطلب أو بين التعليم والتوظيف. حدث ذلك الإخفاق على الرغم من تطويع العديد من الإمكانيات المؤسسية من قوانين وقرارات أو إنشاء مؤسسات وهيئات إدارية ورقابية وأجهزة ولجان إلا أن الهدف الوحيد الذي تحقق من استراتيجية التعليم هو تعظيم عدد الطلاب المتخرجين من النظام التعليمي على كافة المستويات. دون التركيز على المهارات وجدواها في سوق العمل.. فأصبحت أحد سمات التعليم في مصر أنه بلا عائد، ولا يأتي بثماره للشباب أو للدولة. ومن ناحية أخري تجاوز الإقبال على برامج محو الأمية نسبة 130% عن عام 1997 كما تم إصلاح بعض المدارس وتدريب المدرسين.

رغم ارتفاع عدد الطلاب في المدارس ما زالت نسبة الأمية مرتفعة لتصل إلى 26% لعام 2012 ويظل الانتقال إلى مرحلة التوظيف هو التحدي الأكبر للدولة في الفترة الحالية وهذا هو المحور الأساسي للدراسة. كما يؤكد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن عدد الشباب داخل مصر بلغ نحو 20 مليون نسمة بما يمثل 24.3% من إجمالي عدد السكان في عام 2011. وهذه النسبة عالية بالمقارنة بنسبة الشباب في بولندا التي تعادل 14.6%. مما يؤكد أن قوة مصر في شبابها، إلا أن 51.3 % من الشباب (18 حتى 29 سنة) يصنفون ضمن قائمة الفقراء وإهدار هذا الكم الهائل من الطاقة يعد إهدارا للموارد البشرية وأساس لمشكلات التعليم والاقتصاد.

من هنا يأتي اهتمام الورقة بالتعليم الفني لتأهيل عمالة ماهرة تدفع بحركة الإنتاج. الأمر الذي يعد ضروريا ليس فقط للحاق بالتطور التكنولوجي العالمي ولكن لحل أزمة الوضع الراهن. فمن المتعارف عليه دوليا أن أسرع الوسائل للنهوض بالدول غير المستقرة اقتصاديا هو التعليم الفني. فمن المثير للقلق أن فكرة خلق قوة عمل ماهرة ترفع بمستوى الناتج القومي ما زالت أمرا غائبا عن قراءات السلطة الماضية والحالية بل أصبح يمثل عبئا عليها.

في هذا السياق، تواجه المؤسسة التعليمية المصرية الكثير من المشكلات التي تؤثر بشكل مباشر على تأهيل الطالب لسوق العمل مما يضر بمصلحة الطالب والدولة.

أولا، على الصعيد المؤسسي:

نظام التعليم في مصر من أكبر نظم التعليم في العالم حيث يلتحق به أكثر من 16 مليون طالب في مختلف مراحل التعليم ويشمل 43 ألف مدرسة. كما أنه شديد المركزية ويتوزع بين العديد من الأجهزة المنعزلة عن بعضها دونما تنسيق. ففي المحافظات، لا يتدخل المجلس المحلي في إدارة شئون المدرسة إلا من خلال المحافظ الذي يقتصر دوره على تعيين بعض الأشخاص في مجلس أمناء المدارس.

على الرغم من أن المؤسسة التعليمية تحاول مطابقة المواصفات العالمية إلا أن مركزية التعليم هددت محاولات إصلاح النظام التعليمي. فنظام التعليم يخضع لعدة مستويات من الضوابط التنظيمية التي تعرقل سير الأمور وتزيد من فشل المؤسسة وتعقد مسارها خاصة في المرحلة الانتقالية.

أثبتت المؤسسات التعليمية في مصر أن ليس لديها سلطة اتخاذ القرارات أو صنعها بل تخضع للقرارات الرئاسية. كما أنها لا تملك القدرة على تحسين الأداء والاستجابة لمتغيرات السوق بل تعتمد على سياسة الحلول السريعة (ad-hoc).

ثانيا، على الصعيد المالي:

  • تعاني العملية التعليمية من الإهدار المالي على كافة المستويات.
  • لا يتم الربط بين مخصصات الموازنة واحتياجات التعليم.
  • موازنة التعليم في مصر 3.3% من إجمالي الناتج المحلي لعام 2009، رغم ما ينصه القانون على زيادة ميزانية التعليم بنسبة 7% كل عام على أن ذلك لا يتحقق.
  • فشلت المحاولات في علاج مشكلة بطالة الشباب في مصر فضلا عن السياسات الاقتصادية غير المناسبة التي أدت إلى ارتفاع معدل تشغيل الموظفين الإداريين في الحكومة على حساب المصروفات العامة على التعليم وغيره مما أدى إلى تفاقم مشكلة العمالة الزائدة.
  • 80% من إجمالي موازنة التعليم تخصص للأجور في قطاع التعليم. نصيب الطالب نفسه من العملية التعليمية منخفض جدا يحدد بـ6% فقط من الموازنة.

أزمة التعليم الفني

مسار التعليم الفني يضم أكبر عدد من التلاميذ وهو أيضا المسار الذي يجذب الفئة الأكثر فقرا والمهمشة. يتخرج كل عام من مدارس التعليم الفني أكثر من 1.9 مليون طالب أغلبهم لا يشغل وظيفة مرتبطة بدراسته. نسبة هائلة من الطلاب يلتحقون بالتعليم الفني تصل إلى 61.28% من إجمالي المقيدين من التعليم الثانوي. وداخل التعليم الفني، تقدر نسبة الطلاب المقيدين بالتعليم الصناعي بـ 50.6% مقابل 11.4% للتعليم الزراعي و38% للتعليم التجاري.

تنخفض معدلات التشغيل لخريجي التعليم الفني والتدريب المهني في مجالات دراساتهم فيصبح مصير الطالب بعد التخرج، عامل غير ماهر يبحث عن وظيفة في القطاع غير الرسمي. وبما إن الشباب الأكثر تعليما هو أيضا الأكثر عرضة للبطالة فيلجأ خريجي الكليات العليا إلى الأعمال الفنية في غير تخصصهم. فمثلا المهن التي حققت أسرع معدل للنمو خلال 2000 إلى 2007 هم عمال التشييد والبناء، الباعة الجائلين، عمال الزراعة وتربية الحيوانات والمزارعين غير المتخصصين. مثل هذا النوع من سوء توزيع القدرات يسيء للمواطن والدولة معا.

فيصبح الأكثر فقرا هو الأقل حظا في التعليم والتوظيف. من ثم تتراجع أهمية التعليم لغياب العائد الناتج عنه ويترجم هذا من نسب التسرب من التعليم أو عدم الاستمرار في المراحل التعليمية العليا من قبل الفقراء.

يقوم بإدارة نظام التعليم الفني والمهني عدد من الوزارات والأجهزة الحكومية التي تعمل كل منها في عزلة على الرغم من وجود بعض كيانات متميزة بها. فهو يتوزع غالبا على كافة الوزارات: وزارة الإسكان، القوى العاملة والهجرة، التربية والتعليم، وزارة التجارة والصناعة، الزراعة، الصحة، الثقافة والقوات المسلحة.

التعليم الفني بمصر مهمل على كافة المستويات ولا يخضع للإشراف من هيئة ضمان الجودة كما تخضع غيره من المدارس.

تمويل مؤسسات التعليم يتم من مصادر عامة وبموازنات غير كافية يتم تحديدها على أساس الإنفاق في العام السابق وليس على أساس الأداء العام الفعلي وذلك على الرغم من أن أعلي نسبة دعم خارجي موجهة لمصر بعد قطاع البنية التحتية هو قطاع التعليم.

لا تتعدى نسبة الملتحقين بالمساهمات الخاصة من منح دولية 7 % من طلاب الثانوي الفني. مثل مشروع مبارك كول أو الدون بوسكو أو مشروع تنمية المهارات للبنك الدولي ومشروع الاتحاد الأوروبي للتعليم الفني والتدريب المهني، أو مبادرات الشركات بتدريب المراكز التابعة للمدارس الفنية. كانت هذه التجارب ناجحة ولكن مشتتة دونما تنسيق بينها.

2011 1989
2 million 400 000 عدد طلاب تعليم الجامعي
41,2 % 10% المشاركة في التعليم الجامعي
84% 40% طلاب المدارس الثانوية العليا
98% 50% معلمين ذو شهادات (ISCED5)
600 000 معلم 600 000 معلم
67,5% 30% المشاركة في التعليم قبل الابتدائي

غياب التخصصات الحديثة المتعلقة بمتطلبات سوق العمل أو احتياجاته. فمؤسسات التدريب يحركها العرض وليس الطلب، وهذا الخلل يرجع لغياب وجود استراتيجية قومية للتشغيل يتبعها استراتيجية تعليمية تخدمها وذلك لغياب التنسيق بين السياسات الاقتصادية وموارد الدولة أولها الموارد البشرية التي ينميها التعليم.

حق المواطن في التعليم لا يقتصر على القراءة والكتابة إنما يملي على متخذ القرار ربط التعليم بالعصر الحديث من أجل تحقيق استقرار للطالب والدولة. ضعف هذا التكوين العملي ما هو إلا إهدار للمورد البشري من وقت وطاقات معطلة وتلاعب بمستقبل الشباب المهني.

التجربة التعليمية في بولندا:

التجربة البولندية في المرحلة الانتقالية بعد 1989 قدمت مشروعا سياسيا واقتصاديا على خلاف التجربة المصرية فى المرحلة الانتقالية بعد 2011. لعب التعليم دور البطولة على الأجندة السياسية البولندية فكان أولوية سياسية دفعت باستقرار الدولة. كيف يمكن الاستفادة من المشروع التعليمي البولندي؟

بعد إصلاح 1989، أين بولندا من خريطة العالم للتعليم؟

في أقل من 20 عاما أصبحت بولندا الدولة التاسعة الأكثر تعليما في العالم المتقدم، دون أمية على الإطلاق بنسبة 99.8٪ معدل إلمام بالقراءة والكتابة. ويبلغ عدد سكانها أكثر من 38 مليون نسمة، مما يجعل هذا البلد من أكثر34 دولة سكانا في العالم وأكثرهم تعليما.

وفقا لبرنامج التقييم الدولي للطالب (اختبار دولي موحد) PISA التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، قفزت بولندا بصفاف دول العالم المتقدمة في الأداء العلمي ووصلت للمرتبة التاسعة في عام 2006 والـ15 عام 2009.

88٪ من الذين تتراوح أعمارهم بين 25-64 التحقوا بالمدرسة الثانوية، وهي أعلى من متوسط نسبة دول ​​منظمة التعاون والتنمية وهو 74٪ نسبة متساوية بين الرجال والنساء. 93٪ من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 25-34 عاما حصل على ما يعادل درجة المدرسة الثانوية، أعلى أيضا من متوسط ​​منظمة التعاون والتنمية وهو 81٪.

كيف استطاعت بولندا تحقيق مشروع تعليمي ناجح؟ يدفع باستقرار الدولة في وقت تحول أيديولوجي؟

قبل الخوض في آليات إصلاح التعليم فلنلقي نظرة على وضع الدولة والتعليم فيما قبل إصلاح 1989:

قبل 1989 كانت بولندا دولة شيوعية، حزب بولندا الموحد للعمال PZPR -الحزب الحاكم- تولي مهام وضع استراتيجية التعليم. كان التوجه التعليمي للإرادة السياسية آنذاك يرتكز على المركزية التي تخدم سياسة الدولة الصناعية حتى تتمكن من توفير العدد الكافي من العمالة لتلبية أهدافها الصناعية. من هنا ضخت الدولة اهتمامها العلمي في الناحية المهنية والفنية فقط مع تقليص عدد الملتحقين بالتعليم العالي. ولكن قضت الشيوعية على الأمية أيضا. بالفعل قضى الشيوعيون على الأمية كما قضوا على فرص الطلاب في التعليم العالي. منذ 1960، بدأ الحزب الشيوعي تقييد فرص الالتحاق بالتعليم العالي لأنه يرى أن هذا البلد لا يحتاج إلى تثقيف جميع الجماهير للمناصب القليلة التي تتولي شئون الاقتصاد. عند ركود الاقتصاد لم يحاول الحزب تحسين فرص التعليم للفئات المحرومة. ففي الوقت الذي انهار فيه النظام كان 10٪ فقط من أطفال الريف في مدارس ثانوية، وأقل من 5٪ طلاب بالتعليم الجامعي. استندت التقنيات التربوية آنذاك على التعلم عن ظهر قلب والتمكن من المعرفة الصناعية فقط. وغني عن القول، أن مفهوم التعلم أصبح عملية مشوهة (وخاصة معارف التاريخ والأدب) في ظل توجيه المركزي للمناهج التعليمية وميزانيات المدارس. لم تتبق أية مساحة مسموح بها للتغيير أو الابتكار في المدرسة أو حتي على مستوى الفصول الدراسية.

بعد 1989 سعت حركة “تضامن” في تفتيت الكتلة الشيوعية في بولندا وتفتيت مركزية المؤسسات للخروج إلى عالم السوق والالتحاق بقطار العولمة. المثير للدهشة أن التعليم كان أولى الخطوات التكتيكية للمعارضة نحو الاستقرار عن طريق تحقيق استقلالية للمدارس في المحليات من ثم تفتيت مركزية الدولة والتحول نحو علم المعرفة من ثم تأهيل الطلاب للتعليم العالي الحديث. وعليه تم تطويع التعليم ليكون أداة تفتيت الدولة الشيوعية وبناء دولة ليبرالية. اعتبرت حركة تضامن التعليم وسيلة للسيطرة على مناحي الحياة الاجتماعية دون تحدٍ مباشر على مبدأ حكم الحزب الواحد. لذا كانت سياسة التعليم المرافق الدائم لحركة تضامن منذ اليوم الاول من المفاوضات مع الشيوعيين في عام 1980 إلى حين الإطاحة بهم. لم يدفع إصلاح التعليم في بولندا اقتصادها بشكل مباشر، أو بمعني أخر أن التعليم لم يعتبر المحور الأساسي لخروج بولندا من أزمتها الاقتصادية آنذاك إنما كان التعليم سبب أساسي لاستقرار الدولة سياسيا بالتالي اقتصاديا. على عكس ما يحدث في دول أفريقيا أو الدول غير المتقدمة مثال مصر حاليا. تجربة بولندا في التعليم تعطي إجابة نموذجية لهذا السؤال:

 كيف يكون التعليم أداة مجتمعية لتحقيق أهداف سياسية؟

في بولندا، تم توفيق سياسات التعليم لتحقيق أهداف الدولة الجديدة، كان هناك نوعان من العمليات الماكرواقتصادية لخلق إطار مؤسسي وقانوني لاقتصاد السوق:

  • التحول من التخطيط المركزي للاقتصاد إلى اقتصاد السوق
  • التكيف مع العولمة على أن يكون التعليم ملائما لاقتصاد السوق مثل الالتحاق بالكليات الحديثة وفتح الفرص أمام علم ريادة الأعمال وإدارة المشروعات المتوسطة ومتناهية الصغر.

تم تطويع التعليم لتحقيق هذه الخطة وهنا تكمن نقطة البداية لنجاح التجربة البولندية.

أحد الخصائص المميزة للإصلاح التعليمي في بولندا أنه مر بثلاثة مراحل 1989، 1999 و2009 فكان الإصلاح تدريجيا وليس إصلاحا ثوريا. على أن تكون الأهداف منه:

  • تحسين نوعية التعليم.
  • ضمان تكافؤ الفرص التعليمية لجميع الطلاب.
  • زيادة التحول من التعليم الثانوي إلى الأعلى الثانوي والتعليم العالي.

والجدير بالذكر أن تلك الأهداف تحققت بالفعل ويمكن تفصيل الإصلاح التعليمي في بولندا إلى ثلاثة نقاط كل منهما خدم أهداف الإصلاح الاقتصادية بشكل غير مباشر والسياسية بشكل مباشر:

  • الإصلاح المؤسسي:
  • 1- التغيير البنيوي

الهدف الأول من التغيير البنيوي هو أن يكون نظام التعليم الثانوي أكثر ملاءمة لكفاءات جديدة لازمة لاقتصاد المعرفة.

  • بدأ الإصلاح البنيوي لنظام التعليم في بولندا عام 1999 مع الإصلاح الإداري العام.
  • قبل 1999 امتدت المرحلة الأولي الدراسية لثماني سنوات في المدارس الابتدائية ويليها أكثر من المسار: سواء أربع سنوات من مدارس ثانوية lyceum أو المدارس المهنية لمدة ثلاث سنوات basic vocational school أو خمس سنوات

أصرت حركة الإصلاح على تأجيل الالتحاق بالمدارس الفنية لمدة عام واحد، بحيث تكون المرحلة الابتدائية من 6 سنوات.

  • ثم تم تكوين مرحلة جديدة قبل الثانوية تمتد لـ3 سنوات تسمي gimnazjums وهي تعتبر التغيير الأهم في البناء التعليمي لتأجيل اختيار تيار التعليم الفني من أجل رفع مستوى جودة التعليم الثانوي.
  • يليها المسارين بعد الثانوية التي يمكن أن تستمر إما 3 أو 4 سنوات، اعتمادا على اختيار المسار: عام أو فني.
  • نظام التعليم البولندي إلزامي ومجاني حتى عمر 18 في المدارس الحكومية وفقا للمادة 70 من دستور جمهورية بولندا لعام 1997.
  • في يناير 1999 شهدت بولندا إصلاحا شاملا في شئون إدارة الدولة التي في شأنها أحدثت في سبتمبر 1999 تغييرات جذرية في النظام الإداري للتعليم.
  • 2- التغيير الإداري

اعتبرت “تضامن” لامركزية التعليم هي أسرع وسيلة لتفكيك الدولة الشيوعية.

منذ عام 1980 وبداية المفاوضات مع الحزب الحاكم، كان موقف حركة تضامن solidarity محددا حيث اعتبر إصلاح التعليم جزءا من استراتيجية أوسع نطاقا للسيطرة على مناحي الحياة الاجتماعية دون تحدي مباشر على مبدأ حكم الحزب الواحد. طالبت “تضامن” الحزب الشيوعي بإنشاء مدارس الحكم الذاتي وفيها يتم انتخاب مجالس الإدارة من قبل مجالس المعلمين وذلك للخروج من تحت وطأة المخططين المركزيين. هذه الجهود أيضا كانت بالتوازي مع مجهودات تضامن لتعزيز صلاحيات مديري المصانع وإخضاعهم أيضا للمجالس العاملين المشكلة حديثا. من ناحية، سعت تضامن إلى إعطاء الحكومات المحلية الملكية والرقابة المالية على المدارس من أجل تفريق قوة الجهاز القديم. من ناحية أخرى، سعوا للحفاظ على السيطرة المركزية على التعليم حتى يتسنى لدولة بولندا ذات سيادة حديثة إعادة بناء هوية وطنية مشوهة من أربعين عاما من قبل شيوعيين.

خلال الأشهر الستة الأولى من عام 1989، شارك ممثلو حركة تضامن في مفاوضات المائدة المستديرة. قامت حركة تضامن بتكوين لجنة فرعية خاصة بمسألة التعليم. ومن خلال هذه اللجنة، نجحت تضامن في الحصول على اتفاق من حيث المبدأ حول الحياد الأيديولوجي في المدارس لتخفيف سيطرة الدولة على النظام التعليمي.

بعد انتخابات البرلمان في يونيو 1989، مع التقدم نحو آليات اقتصاد السوق، حصلت تضامن على ما يكفي من مقاعد ومن ثم هرعت لتمرير التشريعات اللازمة لانتخاب مجالس محلية: قانون الانتخاب وهياكل حكم تلك المجالس.

في عام 1990، بالفعل تم الموافقة على انتخاب 1600 بلدية من الحضر و800 بلدية من الريف (الكوميونات). قامت هذه التشريعات بالتعريف بقواعد انتخابات حكومات محلية وهيكل حكمها. ووكلت لهذه الحكومات مسئوليات في خدمات عامة أساسية. أصرت سياسات “تضامن” على أن يحدد القانون مرحلة ما قبل المدرسة والتعليم أن تكون من الوظائف ‘الخاصة’ للحكومة المحلية وليس وظائف مفوضة من قبل الحكومة الوطنية، وعلى أن تنقل ملكية جميع المرافق المدرسية ومرحلة ما قبل المدرسة الابتدائية فورا إلى الحكومة المحلية. وتحدد لها أيضا مسؤولية الخدمات العامة الأساسية مثل المياه والصرف الصحي والنفايات الصلبة والطرق المحلية، التدفئة، وسائل النقل العام وتخطيط استخدام الأراضي، والإسكان، والحق في ملكية صفقات العقارات المحلية فضلا عن الأصول المرتبطة بهذه الخدمات. كما أن الحكومة المحلية أصبح لها ميزانيات مستقلة ومحددة قانونا من إيرادات الضرائب المشتركة والمنح والضرائب الخاصة. علما بأن حتى عام 1999 لم يتم تقنين الإصلاح الإداري اللامركزي والتحول المؤسسي في هيكل التعليم، ولكن تم العمل على أرض الواقع وفقا لقانون المجالس المحلية لإضعاف النظام السابق. كما تم نقل مسئولية 35 ألف مدرسة إلى مسئولية مجالس محلية منتخبة من إجمالي عدد ما يقارب 55299 مدرسة بمختلف المسارات.

تحدد الحكومة الوطنية المناهج الدراسية، وتضع المعايير التربوية، وتقدم للحكومات المحلية التمويل اللازم لدفع ثمن تكاليف التشغيل من المدارس الابتدائية والثانوية، ولكن القانون لم يقر تمويل رياض الأطفال. في هذا الشأن من الضروري التنويه عن اليقظة الشعبية التي طالبت بتحسين نوعية التعليم وضم رياض الأطفال في صفاف واجبات المجلس المحلي. ونتيجة لهذا الضغط الشعبي تولت الحكومة المحلية ملكية وإدارة رياض الأطفال. الذي تم تمويله في ما بعد بالكامل من إيراداتها العامة ودون دعم مالي محدد من الحكومة الوطنية. في بعض المحليات الريفية انتهى هذا الضغط الشعبي بغلق رياض الأطفال. ولكن بشكل عام، بحلول عام 1999 تم تشغيل جميع مراحل المدارس تقريبا من قبل الحكومات المحلية.

اتضحت الخريطة التعليمية من خلال الإصلاح الإداري الجديد لعام 1999 وأصبح للمجالس المحلية سلطة الحكم الذاتي، على ثلاثة مستويات: البلديات والمقاطعات والمحافظات. كما تم التأكيد على فصل الكيانات المسئولة عن الإدارة عن الأخرى المسئولة عن الإشراف التربوي.

البلديات: مسئولية إقامة وإدارة المدارس منذ رياض الأطفال حتى الإعدادي.

المقاطعات: مسئولية المدارس بعد الإعدادية، والإرشاد التربوي والنفسي.

المحافظات: مسئولية إنشاء وإدارة مراكز تدريب المعلمين، المكتبات، والمدارس والمؤسسات التعليمية ذات أهمية إقليمية.

 الإشراف التربوي:

Kuratoria ومجالس التعليم المدرسي هما بمثابة المشرف التعليمي الذي يعاون الحكومة في مهمة الإشراف على الأداء التعليمي وفقا لقوانين الوزارة. Kuratoria بالتحديد هي الهيئة المسئولة عن ضمان المعايير التربوية والتدريس، ومدراء المدارس من شأنهم إدارة المدرسة، تفقد أحوال المدرسة، تحليل فعالية التدريس، وإصدار توجيهات إلى مديري المدارس.

في الواقع، تم تخويل kuratoria لإصدار توجيهات ليس فقط لمديري المدارس ولكن على المستوى المحلي في حالة أن المدارس الحكومية المحلية لم تعمل وفقا للقانون أو فشلت في توفير التعليم الملائم. في التعديلات التي أدخلت على ميثاق المعلمين في عام 1990 تم نقل أجور المعلمين من التزامات الحكومة الوطنية إلى الحكومات المحلية. مديري المدارس هم من يعدون ما يسمى بإطار عمل تنظيمي لمدارسهم وهي خطط مالية سنوية للأجور التي هي نتيجة الخطة المقترحة للتوظيف. الإدارة ترسل هذه الخطة للـKuratoria للموافقة التربوية، ومن ثم إلى الحكومات المحلية لقبولها.

الحكومات المحلية، تحاول بدورها توفير صناديق الاستثمار في هذا القطاع. ولكنها لا تشارك في تحديد السياسة التعليمية أو في رصد نوعية التعليم. الحكومات المحلية في الواقع تعنى في المقام الأول بتحسين البنية التحتية للمدارس.

  • الإصلاح المالي:

كان الإنفاق على التعليم يعادل حوالي 4٪ من الناتج المحلي الإجمالي في ظل الشيوعية.

خلال عام 1990، ظل إجمالي الإنفاق العام على التعليم مستقر بشكل معقول عند حوالي 4.25٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وتقدر قيمة تحويلات الدولة إلى الحكومات المحلية بنسبة 3٪ من هذه القيمة.

تمول الحكومات المحلية الآن ما يقرب من 25٪ (1.1٪ من الناتج المحلي الإجمالي) من إيراداتها الخاصة: الدعم العام أو المنح. فوق التحويلات التي ترسلها الموازنة العامة للدولة. من المهم التركيز على التنسيق والتفاعل بين الحكومة والحكومات المحلية في شأن التمويل وخاصة في أوقات التقشف حيث نجحت المحليات والحكومة على تمويل العملية التعليمية من خلال عدم رفع الأجور إلى حد كبير المعلمين، وبواسطة تخصيص إعانة التعليم، أكثر أو أقل وفقا لأنماط الإنفاق السابقة.

  • الإصلاح المنهجي:

المنهج:

قامت الحكومة الوطنية بتغيير كبير في محتوى التعليم الابتدائي والثانوي. نفذت تغييرات في المناهج الدراسية على خلاف أسلوب النظام الشيوعي في تحديد أفق المناهج. وبعد سنوات من الشكاوى من المناهج والخلافات حول السبل الممكنة للتقدم للأمام، تم إقرار مفهوم المناهج الأساسية (core curricula). مفهوم يهدف إلى تزويد المدارس بالحكم الذاتي والمسؤولية؛ تضع الحكومة الوطنية المنهج الأساسي (الكتب الأساسية) والبرامج التعليمية الأساسية وخطط التدريس العامة (بما في ذلك الموضوع وساعات تدريس الصف المحددة)، وأيضا تحدد الوزارة مناهج التعليم الفني ولكنها تتعاون مع غيرها من الوزارات فيما يخص التعليم الفني مثل وزارات: العمل، العلوم، التعليم العالي، الاقتصاد، التنمية الإقليمية، الثقافة والصحة.

ومن ناحية أخرى، تتولى المدارس بناء مناهجها الخاصة، ضمن الإطار المحدد مسبقا عامة. من أجل تحقيق التوازن بين ثلاثة أبعاد للتعليم: اكتساب المعرفة والمهارات النامية، تشكيل المواقف. وعلاوة على ذلك، فإن قانون نظام التعليم أعطى بوضوح المعلمين الحق في اختيار المناهج والنصوص المعتمدة التي يريدوا أن يستخدموها وتقوم وزارة التعليم باعتمادها.

الامتحانات:

في عام 1989 تم إنشاء المركز الوطني لتدريب المعلمين أثناء الخدمة ورفع مرتباتهم. في عام 1999 تم إصلاح التعليم الأولي للمعلمين في الجامعات وإدخال نظام الترقية الوظيفية لهم.

تم تأسيس المجلس المركزي للفحص وثمانية مجالس فحص إقليمية أخرى من اجل مهمة وضع معايير لشروط الامتحان واختبارات الفحص في المرحلتين الابتدائية والثانوية.

كما تم الاستعانة بنظم تقييم دولية منذ 1996، كوسيلة لرصد مستوى التعليم وتطوير السياسات القائمة. مثل المشاركة في العديد من البرامج الدولية. عام 2000، قررت بولندا للمشاركة في اختبار PISA ويمكن استخدام PISA كأداة لتقييم نوعية التعليم بشكل عام، لأنه هو اختبار موحد يمكن مقارنتها مع مرور الوقت ومع دول أخرى. وهو اختبار يقيس الكفاءة في الرياضيات والقراءة والعلوم. شاركت بولندا في ثلاث جولات من PISA – في عام 2003، 2000، و2009و 2006. كان التحسن في درجات PISA بولندا في تطور وأكثر اتساقا في الدول الخمس الانتقالية في أوروبا الشرقية، وهو الأسرع على الإطلاق.

تأجيل اختيار الطلاب بالانتقال للتعليم الفني أدى بالنتيجة المرجوة من تطور واضح في المستوى المعرفي استعدادا للتعليم العالي. كما ارتبط التحسن العام في بولندا في القراءة بزيادة عدد الساعات تعليم اللغة لجميع الطلاب، الاهتمام بتعليم البنات والاهتمام بتعليم ذوي المؤهلات الضعيفة. في عام 2000، لم يتلق سوى 1٪ من الطلاب أكثر من أربع ساعات للغات، بينما في عام 2006، تلقى 76٪ من الطلاب أكثر من أربع ساعات لغات. هذه الزيادة في ساعات التدريس تفسر 48.8٪ من تحسن الدرجات.

تحتل بولندا الآن المركز التاسع بين أقوى دول العالم في درجات القراءة وفقا لاختبار PISA، انتقلت بولندا في المرحلة الانتقالية من كونها أقل من متوسط ​ دول OECD في عام 2003 إلى أعلى المستويات بحلول عام 2006. عام 2009 أصبح طلاب بولندا على نفس مستوى التعليم لطلاب الولايات المتحدة الأمريكية واحتفظت بولندا بمكانتها ضمن أقوى 15 دولة في التعليم على مستوى الدول المتقدمة.

المعلمون:

في عام 2000، تم تعديل لأول مرة ميثاق المعلمين لعام 1982 الذي يعرف طبيعة عمل المعلم.

أعطى القانون صلاحيات وحقوق لكل من المعلمين ومديري المدارس. أصبح للمعلمين سلطة أكبر في اختيار الكتب المدرسية. كما خفضت أعباء عمل المدرس من ساعات التدريس 21 أسبوعا إلى ثمانية عشر. رغم ذلك ما زالت تعاني الحكومة البولندية حاليا من غياب سياق محدد من الحكومة الوطنية في شئون تمويل الحكومات المحلية وخاصة في شأن أجور المعلمين.

بعد عرض نجاح النظام التعليمي في بولندا ومساهمته في المرحلة الانتقالية، يواجه النظام البولندي الحالي مخاوف من الفجوة بين التعليم والتوظيف، تجددت الحاجة للتعليم الفني ببولندا. نظرا لثقافة ما بعد الشيوعية بان اختيار التعليم الفني بالخيار السلبي وهو اختيار الطالب غير القادر على مواصلة التعليم الأكاديمي، خلقت إشكالية.. كما بدأ اقتراح التعليم الفني كحل لنسبة البطالة العالية التي وصلت إلى 13.3% عام 2012 وبين الشباب 28.40% لعام 2012. أخيرا، تبحث الحكومة البولندية استراتيجية طويلة الأجل للمشروعات الرامية إلى تحسين مطابقة التعليم مع احتياجات سوق العمل، والتي تشمل: وضع إطار للتأهيل المهني، وضع استراتيجية التعلم مدى الحياة وإصلاح التعليم المهني.

تختلف أهداف وظروف بولندا في المرحلة الانتقالية عنها في مصر، أولها أن التحول كان أيديولوجيا، المعارضة منظمة وبمساندة الدول الليبرالية القوية آنذاك. كان للتعليم ببولندا سياسة هدفت لتحقيق استقرار سياسي أما وفقا لظروف مصر، فالتعليم يعد سياسة لتحقيق استقرار اقتصادي وليس سياسي فقط. من المفيد الاستعانة بكثير من الأدوات التي تميزت بها بولندا في مرحلتها الانتقالية وجعلت منها نموذجا متميزا منفردا على المستوى العالمي.

نقاط إيجابية غير مستغلة:

  • القيمة الاجتماعية الكبيرة التي يعطيها المصريون للتعليم غير مستغلة لأن مخرجات النظام التعليمي لا علاقة لها باقتصاد الدولة.
  • يشير مسح الأسرة المصرية عن التعليم في عام 2006 إلى أن نسبة إنفاق الأسرة على التلاميذ في التعليم الابتدائي تصل إلى 40% والتلاميذ في إعدادي وثانوي بنسبة 61% من دخلها مما يدل على استعداد الأسرة المصرية للإنفاق من أجل التعليم وإدراك أهميته.
  • تجاوز معدل القيد الإجمالي إلى 100% في التعليم القبل جامعي.
  • الاستفادة من وجود نقابة للمعلمين ومنظمات المجتمع المدني للتنسيق بين أصحاب المصالح من أرباب عمل، حكومة ومواطن.

– التوصيات: كيف يكون التعليم سياسة استثمار مجتمعي؟

  • 1- سياسيا:
  • اعتبار التعليم أولوية سياسية وأدراجه في الحوارات السياسية ومفاوضات مرحلة الانتقالية.
  • تحويل التعليم من كونها مجرد خدمة عامة إلى أداة للاستثمار المجتمعي، أداة لدفع الاقتصاد وتخفيض نسب البطالة.
  • تطويع التعليم لاستراتيجية الدولة الاقتصادية، ففي الحالة المصرية الراهنة، التعليم الفني هو أداة الدول غير المستقرة للنهوض من الأزمات الاقتصادية وخلق فرص عمل بناءً على هذه الاستراتيجية.
  • Bottom-up policies: في ظل ضبابية المشهد السياسي، الأفضل أن يحظى متخذ القرار على قبول وثقة الشعب وعليه من الأفضل أن يكون صنع السياسات التعليمية على مستوى مجلس الشعب ليس على مستوى وزارة التعليم أو مجلس الوزراء أو مؤسسة الرئاسة. وذلك من أجل ضمان تنفيذها.
  • سن تشريعات تنسق العلاقات بين المدرسة، المجلس المحلي، الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص على النحو الذي يخدم الاستراتيجية الرشيدة للدولة.
  • ولكن نظرا لغياب مجلس الشعب، ثمة سيناريو آخر مقترح يرتبط بالتخبط الشديد للوضع السياسي للدولة وانهيار مؤسساتها وعدم القدرة على الاعتماد على الانتخابات لضمان الخروج إلى عملية ديموقراطية سليمة. في الوقت الحالي يتمثل الحراك السياسي أكثر في المجتمع المدني المتواجد على مستوى كافة المحافظات، الحركات السياسية، النقابات والإعلام. إذا نظم المجتمع المدني الصفوف وحدد أولويات الخروج من الأزمة على أن يكون على رأسها التعليم، سوف يتمكن من خلق نظام يعمل بالتوازي للحكومة، قادر على تبني العملية التعليمية والمساهمة في إصلاحها. تحالف المجتمع المدني والمدارس هو أحد حلول الوضع الراهن.
  • 2- إداريا:
  • إدارة العملية التعليمية كسياسة لتحقيق اللامركزية السياسية والمالية عن طريق مجالس محلية منتخبة تتولي شئون إدارة المدرسة على النحو السالف في التجربة البولندية. وتقنين العلاقة المالية بين الحكومة والمدارس.
  • سياسة الإزاحة: مصر لا تحتاج لتبني مؤسسات جديدة مثل الحال في بولندا. كما أنها لا تعاني من نقص في المؤسسات التعليمية كما أنها وفقا للمقاييس العالمية لديها كافة هيئات الإصلاح بل أن هذه الهيئات متكررة في وزارة التعليم وتتكرر أيضا في داخل الوزارة نفسها ولكن لا يوجد أدنى تنسيق فيما بينهم. فض الشبكة العنكبوتية للمؤسسة المصرية وضرورة البدء بتوحيد للسياسات والأهداف.
  • تقليل عدد الأجهزة العاملة بها بما يناسب الطلب فقط وليس العرض فتوحيد كيانات موجودة وإغلاق كيانات أخرى أمرا ضروريا. وإعادة توزيع العدد الهائل من الموظفين الإداريين والموجهين مع الاحتفاظ بامتيازات مناصبهم وتحويلهم إلى مدرسين وتوزيعهم جغرافيا وفقا للمناطق الأشد احتياجا. على أن تكون هذه القرارات مقننة (قوانين متفق عليها من قبل مجلس الشعب) حيث أن القرارات الوزارية تقابل بمعارضة الموظفين لأنها أحادية المصدر خاصة أن مثل هذه القرارات ضد مصلحة كثير من الموظفين.
  • 3- ماليا:
  • وفقا لاستراتيجية اقتصادية جديدة تهدف لدفع حركة الإنتاج الداخلي، فلابد من خلق مشروع قومي لصيانة ما هو موجود بالفعل من مصانع وتشجيع العمل بها وفقا لحاجة السوق المصري والعالمي. عن طريق استغلال قوة قطاع المصرفي القوي في مصر وتشجيع البنوك الوطنية الثلاثة بتمويل المشروعات القائمة وحمايتها من الإغلاق، ثم ثانيا تمويل مشروعات قومية كبري وأخرى متوسطة ومتناهية الصغر تخدمها.
  • لا بد أن تحدد الدولة السياسة الصناعية المطلوبة وتوفر التشريعات والأراضي والخدمات والتراخيص والتسهيلات اللازمة لذلك. على أن يكون العمل بالتوازي مع وزارة التعليم من أجل تطويع التعليم الفني وريادة الأعمال للأهداف الاقتصادية للبلاد والعمل على التخصيص السليم للموارد البشرية والبيئية.
  • العمل بسياسة الطلب وليس العرض: تنفيذ خطة قومية للتعليم التعاوني الذي يتم بالتنسيق بين المصانع والشركات ووزارة التعليم لتحديد المناهج وتطوير المدارس وفقا لمتطلبات السوق.
  • بداية إصلاح المجتمعات غير المستقرة تأتي بالتعليم، فهو ليس فقط أولى حقوق المواطن ومسئوليات الدولة بل مسألة إنقاذ أزمة راهنة. لا مفر من استثمار التعليم في المجتمع المصري وفقا لسياسة الدولة الاقتصادية واحتياجات السوق الحديث، من أجل تحقيق الاستقرار الذي يستحقه المجتمع من طلاب وخريجين وعمال. فالتعليم هو بداية النجاح السياسي. فلتكن البداية تعديل قانون التعليم في الدستور من كون الدولة تكفل للمواطن حق التعليم إلى أنها تكفل للمواطن حق تعليم عصري لا يهدر مصير الطالب ومستقبل الدولة.

المراجع:

  • The PISA (Programme for International Student Assessment) test is a standardized international test coordinated by the Organization for Economic Cooperation and Development (OECD).
  • A description of some of these changes, particularly with respect to the financing of the system, is offered in Jakubowski, M. & Topińska (2006), “Impact of Decentralization on Public Service Delivery and Equity – Education and Health Sectors in Poland: 1998-2003”, Center for Social and Economic Research, Department of Economics, Warsaw University.
  • A simplified diagram of the configuration can be seen in M. Jakubowski, H.A. Patrinos, E. Porta, and J. Wiśniewski. (2010), “The Impact of the 1999 Education Reform in Poland”, World Bank Policy Research Working Paper Series 5263. For the complete official scheme submitted by Polish authorities to the Bureau for Academic Recognition and International Exchange, seehttp://www.buwiwm.edu.pl/educ/schemat.htm.
  • World Bank (2005). “Expanding Opportunities and Building Competencies for Young People – A New Agenda for Secondary Education,” Directions in Development Series, World Bank, Washington, D.C.port
  • UNDP, Human Development Report, 2010
  • Situation Analysis, Main development challenges facing Egypt, 2010
  • http://education.stateuniversity.com/pages/1211/Poland-EDUCATIONAL-SYSTEM-OVERVIEW.html

Start typing and press Enter to search