الانتخابات اللبنانية 2022:

برلمان الخروج من الأزمة أم تكريسها

منتدى البدائل العربي للدراسات
لبنان
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [710.93 KB]

و أي مؤسسة شريكة

أُجريت الانتخابات النيابية اللبنانية في العام 2022 تحت وطأة أزمة اقتصادية طاحنة وصفها البعض بأنها: إفلاس غير معلن للدولة. وبعد تراكم في الأحداث، بدايةً من ثورةٍ هزت النظام السياسي وإن لم تسقطه، إلى أزمة صحية عالمية طاحنة أثَّرت في المداخيل الإنتاجية المحدودة أصلًا، وضربت قطاع السياحة أحد مصادر الدخل، وتزامن ذلك مع انفجار مرفأ بيروت بكل ما خلَّفه من دمار طال البشر والحجر. كل هذه الظروف كان من شأنها خلق حالة من العنف من جانب السلطة واستقطاب مجتمعي واسع ما بين مختلف أطياف الطيف السياسي واستدعاء واضح للخارج من جميع الأطراف، إلى الدرجة التي بدأت مع بشائر النتائج تظهر تغريدات لمسؤولين في دول إقليمية تحتفل بفوز طرف أو خسارة آخر. ومع هذه البشائر بدأت التكهنات حول مستقبل العملية السياسية في لبنان، تكهنات يغلب عليها التمني فتضخم من أطراف وتقلل من أخرى، وتضع سيناريوهات حالمة مرة، وسوداوية مرات.

رغم تضارب الأرقام المعلنة فسنحاول في هذه الورقة بناءً على مقارنة النتائج من عدة مصادر، أن نقدم رؤية سريعة للنتائج وأثرها على العملية السياسية في السنوات القادمة في لبنان وطرح أسئلة تحتاج إلى إجابات على أرض الواقع من جانب النواب الجدد.

 

نسبة المشاركة1

لم تعد المقارنة مجدية مع نسب التصويت العالمية – كما جرت العادة – ذات جدوى، إذ إنها لم تعد متكافئة في مختلف الدول العالم في السنوات العشر الأخيرة ما بين انتخابات تتجاوز المشاركة فيها الـ 70% مثلما في بريطانيا وأخرى لا تصل إلى40% مثل فرنسا، لم يعد هناك معدل عالمي يمكن القياس عليه. ولكن الملاحظ أن الانتخابات التي تحدث في ظل حالات الاستقطاب والحراك السياسي تكون أعلى من تلك التي تحدث في حالات السكون أو الاستقرار، ورغم كل ما تمر به لبنان، إضافة إلى البنية المجتمعية المرتبطة بالبنية الحزبية (نظام المحاصصة الطائفية) يمكن القول إن نسبة المشاركة تعبر عن عزوف واضح وعدم رضاء عن النخبة السياسية من جانب، وعدم تبلور بديل لها يتوجه إليه الناخبون من جانب آخر. ويظهر هذا بشكل أكبر إذا ما قارنا نسبة المشاركة في آخر ثلاث انتخابات برلمانية.

 

 

نسبة المشاركة مقارنة بآخر دورتين انتخابيتين2

لم تشهد المشاركة في الانتخابات الأخيرة تراجعًا كبيرًا كما أشار المراقبون في بداية التصويت، حيث إن النسبة كانت في نفس حدود الانتخابات السابقة، الفرق الواضح عن انتخابات 2009 حيث كانت أعلى عن آخر انتخابات بأكثر من 5% لتكسر حاجز الـ 50% وهي انتخابات قد جرت في درجة استقطاب عالية بعد أحداث آيار 2008. وكان من المفترض أن تكون المشاركة في هذه الانتخابات، وبناءً على الظروف التي سبق الإشارة إليها في المقدمة، أعلى كثافة من انتخابات 2018 التي جرت في ظل هدوء نسبي، ولكنه لم يحدث، وهذا يعبر عن عزوف الكثيرين عن المشاركة في الحالة الراهنة أو الانشغال بمفاعيل الأزمة الاقتصادية على حياتهم. نمط التصويت الذي سنتناوله لاحقًا يشير إلى دخول مجموعات جديدة من الناخبين لصالح وجوه جديدة طرحت نفسها في هذه الانتخابات. يمكننا القول بناء على ذلك إن هناك تراجعًا في المشاركة من جانب مناصري القوى التقليدية وتزايدًا في المشاركة من جانب قوى التغيير، ولكن هل هذا التغيير يمكن التعويل عليه في تغييرٍ تشهده العملية السياسية في لبنان؟ هذا ما سنحاول التعرف إليه من تتبع نتائج مختلف الأطراف والتغيير في نمط التصويت في هذه الانتخابات مقارنة بسابقتيها.3

عدد المقاعد للقوى المختلفة في البرلمان:

شهدت هذه الانتخابات اختفاءً لقوى صغيرة، مثل: القومي السوري والبعث والأحرار من جانب، وتراجعًا لقوى صغيرة أخرى، مثل: التنظيمات الإسلامية، سواء الجماعة الإسلامية أو جبهة العمل. كما اتسمت بزيادة أعداد غير المحسوبين على القوى السياسية، مثل: المستقلين خارج إطار المنظومة أو المجتمع المدني. وتكمن مشكلة احتساب مجموع النواب المستقلين فعلًا عن أي حزب أو أيديولوجية سياسية، والمعارضين لكافة أركان النظام الحالي بجميع أحزابه، بين “نواب 17 تشرين” والنواب المستقلين الآخرين، في أن البعض يشكك في موقف بعض النواب الذين ترشحوا كمستقلين أو كمعارضين تغييريين، تجاه بعض القضايا.4

استمرت أعلى النتائج لنفس الأحزاب الكبيرة المهيمنة على المشهد السياسي منذ الطائف مثل حزب الله، حركة أمل، التيار الوطني الحر، ولكن الزيادة الواضحة من حيث العدد جاءت هذه المرة لصالح حزب القوات اللبنانية. لكن يجب أن نتوقف هنا أمام تيار المستقبل الذي لم يشارك بشكل رسمي زعيمه سعد الحريري، لتُخرِج هذه الانتخابات العديد من الوجوه السُّنية التي يمكنها منافسته على زعامة الطائفة السُّنية، فحسب بعض التقارير: “لم يعد سعد الحريري الزعيم الأوحد للطائفة السنية بعد هذه الانتخابات”.5

كل ذلك يوحي بأننا سنكون أمام مجلسٍ تحالفاته غير ثابتة إنما متغيرة، بل وأحيانًا متنافرة، كما ستشهد الكتل المسيحية والسنية تجاذبات شديدة على عكس الكتل الشيعية والدرزية التي ستكون أكثر استقرارًا وتماسكًا.

 

نسب المقاعد داخل المجلس:

رغم ما يقدمه كثير من المحللين عن تغيرٍ في البرلمان اللبناني ورغم أن النسبة الأكبر جاءت لصالح القوات اللبنانية، فإن أية تحالفات قادرة على تغيير هذه المعادلة، وأبسطها تحالف حزب الله وأمل والتيار الوطني القائم بالفعل، والذي يضمن لهم ما يتجاوز ثلث البرلمان دون باقي حلفائهم. فالثلث المعطل في البرمان ما زال قائمًا لهم. بينما وصول القوات إلى هذه النسبة فمتوقف على قدرته على بناء تحالفات خاصة مع المجتمع المدني والمستقلين، خارج إطار المنظومة، ويعتبر هذان الطرفان هما ساحة الصراع بين طرفي السلطة، فتحالف لبنان القوي (الثنائي والتيار الوطني والمردة) في حاجة إليهم ليصلوا إلى الثلثين الذي يمكنهم أن يتجاوزوا به التعطيل للفعل، والقوات اللبنانية وحلفاؤهم المحتملون من الكتائب وبعض القوى الصغيرة في حاجة إليه للوصول إلى الثلث المعطل، والتحدي الأكبر هنا ليس فقط للعدد إنما كذلك للشرعية حيث سيكون من الصعب عليهم تمثيل الطوائف الثلاث الكبيرة في هذا التحالف. والسؤال هنا: مَن سيقدم تنازلات لكسب ساحة المعركة المشار إليها؟ وهل المجتمع المدني والمستقلون سيدخلون في تحالفات دائمة على أساس انحيازات فكرية مسبقة أم سيتحركون على أساس تقييم جدي وموضوعي للمصلحة العامة والسياسات العامة التي يتم صنعها داخل البرلمان، وهل سيتمكن القادمون الجدد من كسر حدة النظام الطائفي أم سيتم إدماجهم في المنظومة القائمة؟

 

 

 

حزب الله 10.2%
حركة أمل 11.7%
التيار الوطني الحر 13.3%
القوات اللبنانية 14.8%
الحزب التقدمي الاشتراكي 6.3%
المستقبل 6.3%
الكتائب 3.9%
التنظيم الشعبي الناصري 2.3%
المردة 2.3%
المجتمع المدني 10.2%
مستقلون متحالفون مع لبنان القوي 6.3%
مستقلون خارج المنظومة 6.3%
آخرون 6.3%

 

تطور التصويت لصالح القوى الرئيسية في الانتخابات الثلاثة الأخيرة:

من الواضح أنه باستثناء تيار المستقبل الذي أعلن زعيمه الانسحاب من الانتخابات، ما يجعل هذا التراجع طبيعيًّا، لم تشهد معظم القوى السياسية تغييرًا كبيرًا في نسب التصويت لها، بينما حزب القوات اللبنانية الذي يطرح نفسه كبديل للسلطة لم يتمكن من زيادة مقاعده إلا بثلاثة مقاعد فقط. التغير الأكبر من ناحية الارتفاع جاء من المجتمع المدني والمستقلين، وجاء في معظمه على حساب قوى صغيرة أو تراجع التصويت لتيار المستقبل الذي سبقت الإشارة إليه، وهو ما يوضح عزوف عدد من الناخبين التقليديين لصالح ناخبين جدد يبحثون عن بدائل أخرى لتلك المطروحة منذ سنوات على الساحة السياسية اللبنانية. وهو ما يضعنا أمام تساؤل حول ما يبحث عنه اللبنانيون: هل هو سلطة بديلة أم نظام سياسي بديل؟

 

التغيير في اتجاهات التصويت في الانتخابات الأخيرة مقارنة بسابقتيها:

 

تُظهر الرسوم البيانية السابقة أن أكبر الخاسرين في هذه الانتخابات هم تيار المستقبل والقوى السياسية الأخرى التي كانت تحصل في السابق على مقعد إلى ثلاثة على الأكثر، بينما أكبر الرابحين هما المجتمع المدني والمستقلون خارج إطار المنظومة، وتشير التغييرات إلى عدم وجود قوى أخرى صاعدة فالتيار الشعبي الناصري (أسامة سعد وحلفاؤه) لا يمكن الجزم بأن حصوله على 3 مقاعد هو تغيير مؤثر في الصورة. بينما باقي أحزاب المنظومة التقليدية والذين يظهرون في الرسم البياني الأول لهذا العنوان، كلهم بدون استثناء، التغيرات فيهم طفيفة. وهو ما يؤكد ثبات جمهورهم، ويضع الرهان على التغيير والخروج من الأزمة الراهنة على عاتق القوى المستقلة وأدائها وتحالفاتها في هذا المجلس.

يمكننا القول بخصوص كتلة 17 تشرين التي وصلت إلى المجلس إن الثورة التي تبدو متعثرة في لبنان بعد أن انتقلت من الشارع إلى المؤسسات، متمثلة في النقابات والجامعات قد خطت خطوة جديدة ليصبح لها تمثيل في بوابة صنع السياسات العامة “البرلمان”، وهي خطوة هامة إذا تمكنت قوى الثورة من تحديد قوتها والتعامل على أساسها من حيث الحفاظ على كتلتهم وعدم تفتيتها في معارك تطهرية. وعدم التخلي عن أحلامهم، والتحرك على أساس واقعي. عدم اعتبار الوصول إلى البرلمان والمشاركة فيه نهاية المطاف، إنما خطوة يجب استثمارها عبر إبراز انتصاراتهم بداية من المعارك الانتخابية، مثل فوز فراس حمدان على مروان خير الدين6 أو الإنجازات التي يمكن أن يحققوها في المجلس والبناء عليها مستقبلًا عبر تعميق العلاقة مع المواطنين ليصبح لهم صوت بصرف النظر عن انتمائهم.

 

الخاتمة:

من الواضح أن البرلمان الجديد سيكون بلا ثلثين فاعلًا وبثلث واحد معطلًا، أي أننا سنكون أمام مركز صنع سياسات غير قادر، في حالة عدم خلق توافقات داخلية فيه حتى على مجرد إقرار سياسات عامة يمكنها تسيير أمور البلاد، ناهيك عن قرارات بحجم التعامل مع الأزمة الاقتصادية. برلمان لا توجد فيه كتلة متجانسة عدا كتلة لبنان القوي، ولكن حتى هذا سيفتقد مكونًا من مكوناته الأساسية التي تمكن من خلالها عبر السنوات الماضية من تقديم نفسه باعتباره ممثلًا لكل المكونات اللبنانية وهو تيار المستقبل، فحتى لو جذب وجوهًا سنية جديدة فلا يعتقد أنها ستكون بنفس وزن التيار. أما عن دور القوات اللبنانية بعد أن حصلوا على ثلاثة مقاعد إضافية فما زالت نسبتهم وقدرتهم على عمل تحالفات جامعة شبه معدومة، ما يؤكد أنه لن يكون في يدهم أكثر مما كان في يد البرلمان السابق رغم الزيادة المذكورة.

أما عن قوى التغيير، فهي بعددها ونسبتها وبدون تحالفات غير قادرة على الفعل أو حتى التعطيل، وانخراطها في تحالفات طويلة الأمد سيدخلها في إطار المنظومة السياسية الحالية وبالتالي سيفقدون سبب وجودهم الأساسي “raison d’être”، وهو ما سيعني ليس فقط عدم قدرتهم على القيام بفعل سياسي جاد، ولكن انتهاء مشروعهم بالكامل. إذا تحدثنا عن أن دخولهم المجلس هو خطوة من خطوات تطور ثورة تشرين، فبالتأكيد هو الاختبار الأصعب والحاسم في استمرارها، فالتجربة في البرلمان تحتمل بالطبع بعض الخيبات لكن لا يمكن أن تحتمل إخفاقات يمكن تحملها في النقابات أو الجامعات، فقد أصبحت قوى التغيير على المحك عبر ممثلين لها في البرلمان، عليهم أن يثبتوا إخلاصهم لتطلعات الناخبين فيهم وليس في آمال السياسيين في تدجينهم وإدخالهم في المنظومة القائمة، سواء كان تحت مسمى موالاة أو معارضة.

 

المراجع الخاصة بنتائج الانتخابات:

  1. -برلمان 2022: Jean-Michel Saliba, GEM Economics EEMEA , Lebanon18 May 2022
  2. -برلمان 2018: بيار عقيقي انتخابات لبنان 2018: تحالفات مصلحية لتقاسم البرلمان https://bit.ly/3sGbTiY
  3. موقع روسيا اليوم توزيع القوى في البرلمان اللبناني الجديد الذي تختلط فيه الموالاة بالمعارضة والأكثرية بالأقلية https://bit.ly/3MuwsXs
  4. -برلمان 2009: موقع روسيا اليوم توزيع القوى في البرلمان اللبناني الجديد الذي تختلط فيه الموالاة بالمعارضة والأكثرية بالأقلية https://bit.ly/3MuwsXs
  5. مركز الجزيرة للدراسات نتائج الانتخابات اللبنانية وتداعياتها https://studies.aljazeera.net/ar/article/269

 

1CNN العربية: انتخابات لبنان النيابية… هذه نسب الاقتراع في الدوائر الخمسة عشر https://cnn.it/3NyyrtS

2 موقع فرنسا 24: وزير الداخلية اللبناني: نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية تخطت 49 في المئة https://bit.ly/3Gp3ENF

3 أكاديمية DW: نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية تُظهِر فوز “قوى 14 آذار” https://bit.ly/3lN8VW2

4 ماري جوزيه قزي، موقع بي بي سي: الانتخابات اللبنانية 2022 هل تمتلك قوى التغيير الفائزة رؤية موحدة https://www.bbc.com/arabic/middleeast-61508842

5 سعيد طانيوس، موقع روسيا اليوم توزيع القوى في البرلمان اللبناني الجديد الذي تختلط فيه الموالاة بالمعارضة والأكثرية بالأقلية https://bit.ly/3tbSlTI

6 فراس حمدان، محامٍ وناشط، فاز ضد صاحب بنك الموارد، مروان خير الدين، على لائحة حزب الله في دائرة الجنوب الثالثة. ويلام خيرالدين مثله مثل أصحاب المصارف الأخرى لارتباطه بالأزمة الاقتصادية في البلاد وخسارة المواطنين من المودعين الصغار أموالهم. (https://www.bbc.com/arabic/middleeast-61508842)

Start typing and press Enter to search