منتدى البدائل العربي للدراسات
إن مدخل التنمية الصناعية من منظور العدالة البيئية، ولكن من اقتراب اقتصاد سياسي للبيئة أمر غير شائع عادةً في الدراسات. يحاول الاقتصاد السياسي للبيئة إدخال علاقات القوة، سواءً داخل الدولة أو العلاقة بين الدولة والاقتصاد العالمي.
العلاقة بين الاقتصاد السياسي والتنمية الصناعية:
الانطلاق في هذه العلاقة من مدخل الاقتصاد السياسي يجمع بين زاويتان: وضع الدولة الاقتصادي، على سبيل المثال مصر، حيث إنه اقتصاد يواجه صعوبات في التخصّص في الأنشطة الاقتصادية ذات القيمة المضافة المرتفعة وما زال يعتمد على تصدير المواد الخام بشكلٍ مباشر أو غير مباشر كما في الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة كالحديد والاسمنت والألمنيوم.
لقد كان هناك، طيلة العقدين الماضيين، توسع كبير في الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، في العديد من دول العالم وخصوصًا الدول النامية، ما أدّى إلى حدوث تشوّه فيما يتعلّق بالسياسات التي تم اتباعها تمثَّل في استمرار تقديم الدعم للصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، وأهم وجوهه دعم الطاقة وهي كلّها صناعات كثيفة رأس المال وتعكس التحالف بين الدولة ورأس المال الكبير، مع إجراءات التقشف التي استهدفت بالأساس دعم الطاقة للمستهلكين والصناعات الصغيرة.
يكمن الإشكال في آثار هذا الدعم المستمر، إذ ينبغي أن يكون للدعم مبرّر اجتماعي. بالطبع أغلب الصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة هادفة للربح حتى لو كانت مملوكة من قبل الدولة، وبالتالي تُرجِم الدعم إلى هوامش مرتفعة خاصّةً مع موجود ممارسات احتكارية للعديد من هذه الصناعات أسهمت في رفع الأسعار. وأكبر قطاع يتغذّى من الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة هو القطاع العقاري وقطاع البناء والتشييد، وهذا القطاع بدوره مسرح رئيسي من مسارح التحالف بين الدولة ورأس المال الكبير، وهنا يظهر وجه دعم آخر هو دعم الأرض.
من الزاوية البيئية، عمّق الاستمرارُ في دعم الصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة من عدم كفاءة استخدامات الطاقة في الاقتصاد النامي. مع ذات المثال المصري، حيث تعتبر من الدول التي تملك معدلات كفاءة منخفضة للغاية، واقع الحال أنها قريبة من الدول ذات الوفرة للمواد الخام كقطر والكويت وفنزويلا، وفي هذا الأمر إشكال كبير لأنه يوسّع من الاعتماد على المحروقات وهي غير متوفرة محليًّا بشكل كبير، وفي الوقت نفسه، يحمّل التكلفة البيئية المبطّنة للمجتمع أو لجهات أو مجتمعات محلية عادةً تكون أقل قدرة على الدفاع عن مصالحها، وهي نقطة مهمة للغاية. يضاف إلى ذلك، أن التوسّع في الصناعات كثيفة الاستهلاك المعتمدة على الطاقة الأحفورية والمحروقات أسهم في تعطيل البحث عن تنويعٍ لمزيج الطاقة للبحث عن بدائل والذي يحمل، ولو جزئيًّا، فرصَ التنويع نحو الطاقة غير الأحفورية والطاقة غير المتجددة في دول قد تتمتع بوجود مساحة لتوليد الطاقة بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلخ.
منظومة الصناعة العالمية: التحالف الرأسمالي السلطوي
فيما يتعلق بمدخل السلطة ورأس المال، يمكن أخذ الكويت كمثل، حيث هناك قطاع كبير للصناعة البحرية وبالذات للاستزراع السمكي فيها. وهذا التداخل ما بين رأس المال الذي ترعاه السلطة وتأثيره بشكل مباشر على الاقتصاد المحلي والناتج المحلي، وغياب لرعاية بعض القوانين في هذه السياسة يؤدي إلى مشكلة بالتفاوت في العدالة.
وللتنمية الصناعية غير العادلة والتي لا تكترث في سبيل تطوير نفسها لتقليل تأثيرها على البيئة، آثار جمّة لا تنعكس بداهةً على البيئة نفسها فحسب، إنما على الصناعات نفسها التي كان يمكن حمايتها وتطويرها للاستفادة منها وبالتالي استفادة اقتصاد البلاد منها. وقد يصل الأمر حدّ توقّف إنتاج هذه الصناعات أو توقفها عن العمل، كما حصل في قضية نفوق الأسماك في جون/ خليج الكويت مثلاً. وقد عدمت كارثةُ نفوق أكثر من 2500 طن من الأسماك بفعل البكتيريا والملوثات، والتي وقعت عام 2001 في هذا الخليج الصناعة وأدّت إلى إقفال الشركة التي كانت تطمح إلى إقامة الأقفاص داخل الجون للاستزراع. وقد أثّر إقفال تلك الشركة بشكل أساسي على سعر السمك في الكويت ناهيك عن تفاوت الأسعار وتفاوت القيمة السلعيّة للسمك بسبب هذه الكارثة البيئية.
الصناعة وحقوق الإنسان:
ليست أنشطة شركات الصناعات الاستخراجية في الدول ذات الثروات، وتحديدًا دول الجنوب، حديثة العهد، غير أنّ وعيًا لآثار ومفاعيل استنزاف هذه الموارد واستغلالها، تحديدًا من منظور حقوقي، وبالذات الحقوق البيئية والاقتصادية والاجتماعية لأصحاب الأرض، بات يتزايد في السنوات الأخيرة في بقع كثيرة من العالم، مع ما يرافقه من رفع الصوت في وجه شركاتٍ لا تبالي لشتى أنواع الحقوق، البيئية والاقتصادية والاجتماعية والصحية، طالما أصحابُها يجنون الثروات. حتى أن الأمم المتحدة تصدر تقارير مثلاً تحت عنوان “الصناعات الاستخراجية التي تمارس داخل أراضي الشعوب الأصلية أو بالقرب منها“، لما فيها من إضفاء شرعيةٍ تحت مظلّةٍ نقديّة لأعمال تلك الشركات. وتتنوع الآثار الكارثية لهذه الصناعات على حقوق المواطنين، وتحديدًا الذين يسكنون في مواقع أنشطتها، وللحقوق الاقتصادية والاجتماعية نصيب وافر، من هجرة بعض السكان من أراضيهم بسبب استيلاء تلك الشركات عليها أو التدهور البيئي الناجم عن مشاريع استخراج الموارد وما تحمله الهجرة من تأثير سلبي على البنى العاملة والاقتصادية والهياكل الاجتماعية وثقافات بعض السكان كون الأرض تشكّل عاملاً جامعًا يتشاركون عليه عادات وتقاليد، بالإضافة إلى استغلال تلك الشركات للأيادي العاملة مقابل أجور بخسة، وغياب أدنى حد من احترام حقوقهم المختلفة.
والوعي تصاحبه أطرُ مطالبةٍ بالحقوق، والتي تكون متنوعة من الاحتجاج إلى الاعتصام أو الإضراب والتواصل مع الجهات المعنية، أو تحويل القضية إلى قضية رأي عام لا تقتصر على قاطني المنطقة المستغَلّة. مثال لذلك ما حدث في اميدير في المغرب مثلاً حيث عرفت هذا النوع من الاحتجاج، فالمدينة التي مورس عليها أبشع أنواع الاستغلال للموارد الطبيعية على يد شركة منجمية منذ ستينيات القرن الماضي، قرر أهاليها منذ عام 2001 خوض اعتصامٍ مفتوح للمطالبة بوضع حد لهذه الشركة، وذلك بعد أن نضبت مياه الآبار بسبب استنزاف شركة المعادن لها، وتلويث البيئة.
الاقتصاد السياسي للصناعات الاستخراجية/ العدالة المناخية وتصدير المشكلات لدول الجنوب
يفرض النظام الدولي العالمي على دولٍ تعتمد على الصناعات الاستخراجية، كمصر والمغرب مثلاً، ديونًا تحتاج لسدادها إلى الاستمرار في هذه الأنماط الاستخراجية. وبالتالي كثيرٌ من المستثمرين الدوليين والشركات الذين يأتون للعمل في هذه الدول يملكون معايير بيئية أضعف بكثير من تلك الموجودة في بلادهم. يشكّل هذا الأمر الحافز الأساسي، ولكن عندما ننظر إلى الصورة بشكلها الأوسع، على العدالة المناخية لا العدالة البيئية فحسب، نجد أن ما تم في أوروبا هو تصدير المشكلات إلى دول الجنوب، أو كما يقول إدواردو جاليانو “الجنوب يعمل كسلة قمامة للشمال“.
من ناحية ثانية، هناك بُعد اقتصاد سياسي حاضر بوضوح عندما نتحدث عن بلاد علاقتها بالتقسيم الدولي للعمل من خلال التجارة أو من خلال رأس المال هي علاقة استخراجية، فهذه البلاد عبارة عن مواد خام، يأتيها رأس المال من هذا المنطلق، تستطيع أن تستدين مقابل الذي ستولّده بالاستخراج، أي تستطيع جذب استثمار بناءً على هذا، أو تشارك بالتصدير في الحالات الثلاث.