كيف أدارت حركات الاحتجاج أزمة كورونا في منطقتنا العربية؟
جورج‬ ‫فهمي‬
الجزائر ,العراق ,لبنان

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [895.13 KB]

جاءت أزمة فيروس كورونا وسط موجة ثانية من الانتفاضات العربية في الجزائر والعراق ولبنان والسودان. وبينما تراجعت وتيرة التظاهرات الحاشدة في السودان عقب توصل القوى الثورية والمجلس العسكري إلى اتفاق ينظم تقسيم السلطة خلال المرحلة الانتقالية، فإن المسيرات الشعبية استمرت في كل من الجزائر، والعراق، ولبنان. بدا في لحظة أولى أن جائحة كورونا جاءت كفرصة مواتية للأنظمة السياسية في الدول الثلاث لوضع نهاية لهذا الحراك الشعبي بحجة ضرورة إنهاء كل أشكال التجمعات الجماهيرية للحد من انتشار الوباء. إلا أن الحركات الاحتجاجية في الدول الثلاث أبدت قدر من الكبير من الذكاء والمرونة في التعامل مع تلك الأزمة، ساعية لتحويل هذا التحدي إلى فرصة من أجل توسيع دائرة مؤيدي التغيير السياسي والحفاظ على لحظة التعبئة الثورية التي عرفتها تلك البلدان خلال عامي 2019 و2020.

تميز تعامل الحركات الاحتجاجية مع جائحة كورونا بثلاث خصائص رئيسية: المسؤولية، القدرة على إيجاد مساحات بديلة للعمل السياسي، وتوسيع مساحات عملها الاجتماعي.

كانت السمة الأولى لتعامل حركات الاحتجاج مع أزمة كورونا هي المسؤولية. فعلى رغم من تشكك بعض الأصوات المعارضة في مدى خطورة الوباء في البداية متخوفة من استغلال الأنظمة السياسية له، إلا انه مع تزايد اعداد المصابين، اتخذت الحركات الاحتجاجية قراراها بتعليق كل أنشطتها التي تتضمن التجمعات الكبيرة لحماية مجتمعاتها من أخطار انتشار الوباء، قابلين ما اتخذته السلطات السياسية من إجراءات احترازية.

بقبول هذه الإجراءات التي فرضتها مؤسسات الدولة، أثبتت الحركات الاحتجاجية أنها تضع صحة المواطنين قبل أهدافها السياسية. وقد أدى اتخاذ القرار بوقف جميع أشكال الحشد الشعبي إلى زيادة شعبيتها بين مجتمعاتهما. كما ردت تلك القرارات على دعاية الأنظمة السياسية وابواقها الإعلامية التي غالبًا ما تصور هذه الجماعات الاحتجاجية على أنهم فوضويونلا يهتمون باستقرار مجتمعاتهم ويرغبون في دفع دولهم نحو الفوضى. تحدت الحركات الاحتجاجية من خلال التصرف بهذه الطريقة المسؤولة هذا الخطاب وأثبتت خطأه.

في الجزائر على سبيل المثال، أيدت شخصيات مؤثرة في الحراك قرار تعليق المسيرات الجماهيرية، بما في ذلك السجناء السياسيون، كما هو الحال مع كريم طابو، أحد أبرز رموز الحراك الجزائري. أرسل طابو في 18 مارس 2020 رسالة من محبسه قال فيها حفاظا على صحة مواطنينا، أضيف صوتي إلى صوت جميع الذين يدعون إلى تعليق مسيرات وتجمعات الحراك الشعبي، السلمي والمبارك خلال كل هذه المحنة التي تمر بها البشرية جمعاء. لأكثر من عام، قدنا بشكل جماعي ثورة سلمية استثنائية وحماسية، أجريناها بنضج سياسي لا مثيل له وبروح من الوعي والمسؤولية اليوم، ولمواجهة هذا الخطر العالمي المحدق، تحتم الوضع أن نكون أكثر ذكاء ووعيا للحفاظ على إنجازاتنا وكذلك لضمان آفاقنا المستقبلية.”1

كما نصح نشطاء آخرون الجزائريين باتباع جميع الإجراءات الوقائية ضد جائحة كورونا من أجل مواصلة نضالهم من أجل التغيير السياسي بعد انتهاء الأزمة. في مقطع فيديو لناشطين جزائريين بارزين، رفع أحد النشطاء لافتة كتب عليها المسيرات جزء من الحراك، ليست كل الحراكورفع آخر شعار الحراك اللي أبهر العالم بالسلمية راح يعاودها بالتوعية2.

وفي العراق أيضا أصدر المتظاهرون بيانا أعلنوا فيه تعليق التواجد في ساحة التحرير بشكل جزئي، بحيث لن يكون هناك تجمعات كبيرة، مع إيقاف كافة الفعاليات الخاصة، كالمسيرات والأنشطة الثقافية داخل الساحة وخارجها، حتى انتهاء أزمة كورونا“. وحث المتظاهرون الجميع على ارتداء الكمامة للوقاية من الإصابة بفيروس كورونا، فأطلق ناشطون على موقع تويتر وسم #الكمامة_موعيب. قام ناشطو الحراك العراقي أيضا بتعقيم الساحات الخاصة بهم لمنع انتشار الفيروس، كما قاموا بتوزيع القفازات وأقنعة الوجه والمطهرات مجانًا.

أما السمة الثانية لرد فعل حركات الاحتجاج فهي قدرتها على إيجاد منصات بديلة للعمل خلال أزمة كورونا.

اعتمدت هذه الموجة الثانية من الانتفاضات، كما هو الحال مع سابقتها أيضا، على وسائل التواصل الاجتماعي من أجل نشر رسائلها السياسية وحشد الدعم الشعبي. ومع أزمة كورونا، استغلت الحركات الاحتجاجية تلك المنصات لضمان استمرار نشاطها مع إيقاف المسيرات. ففي الجزائر، استخدم النشطاء قنوات التواصل الاجتماعي لمراقبة أداء النظام الصحي للدولة في مواجهة هذه الجائحة، وكذلك في انتقاد سياسات النظام، لا سيما حملته الأمنية على نشطاء الحراك. في العراق أيضا، استخدم المتظاهرون منصة تويتر من أجل لفت الانتباه إلى الجرائم التي ترتكبها الجماعات المسلحة ضد النشطاء السياسيين السلميين. وفي لبنان نقلت العديد من المجموعات السياسية تجمعاتها السياسية الى شبكة الإنترنت في شكل ويبيناراتوالتي اجتذبت أعداد كبيرة من المشاركين.

ابتكر المتظاهرون أيضا أشكالا جديدة للاحتجاج. في الجزائر على سبيل المثال، خرج المتظاهرون إلى شرفاتهم وهم يقرعون الأواني للتعبير عن غضبهم من استمرار احتجاز الناشط السياسي كريم طابو. في لبنان أيضا، نظم المتظاهرون مسيرة بالسيارات، حيث لوحوا بالأعلام اللبنانية ورددوا شعارات ثورية من نوافذ سياراتهم. كما واصل المتظاهرون اللبنانيون رسم شعاراتهم الثورية على الجدران، مصرين على أنه حتى لو لم يتمكنوا من التواجد في الساحات، فإن شعاراتهم ستكون هناك.

وأخيرا، فقد قامت بعض الحركات الاحتجاجية بمبادرات مجتمعية بهدف تخفيف الأعباء الاقتصادية والاجتماعية عن القطاعات التي تضررت بسبب جائحة كورونا وما تلاها من إجراءات من حظر التجول والأغلاق الكامل. فقد أدت تلك الإجراءات إلى إلحاق ضرر اقتصادي بجزء كبير من القوى العاملة في البلدان الثلاث، لا سيما هؤلاء العاملين في الاقتصاد غير الرسمي. وتشير التقديرات إلى أن العمالة غير الرسمية تصل إلى 65.5٪ من إجمالي العمالة في لبنان، و64.4٪ في العراق، و63.3٪ في الجزائر3.

ومن ثم، شعرت بعض الحركات الاحتجاجية بمسؤولية الانخراط في مبادرات اجتماعية للتخفيف من الآثار الاجتماعية للأزمة الحالية. ففي الجزائر، شارك ناشطون في حملات لتنظيف وتعقيم الأحياء والمستشفيات والمواصلات العامة. ودعوا أيضا إلى دعم العائلات التي فقدت دخلها بسبب الإغلاق4. في العراق، شاركت بعض حركات ساحة التحرير في مبادرات للتصدي لمشكلة نقص الغذاء وارتفاع الأسعار من خلال توزيع المواد الغذائية الأساسية: الأرز والخضروات والسكر وغيرها من المواد التموينية الضرورية في الأحياء الشعبية5. في لبنان أيضا، شارك النشطاء في مبادرات لتقديم مواد غذائية للمحتاجين. إحدى هذه المبادرات تقودها مجموعة منتشرين، وهي إحدى الحركات التي ولدت من رحم انتفاضة 17 تشرين/أكتوبر بهدف نشر القيم السياسية للانتفاضة في كل لبنان. ومع ذلك، بعد جائحة كورونا، اختارت تلك المجموعة وقف أنشطتها السياسية والتركيز على النشاط الاجتماعي من خلال توزيع المواد الغذائية والأدوية على المحتاجين.6

كان يمكن أن تضع أزمة كورونا نهاية لتلك الموجة الثانية من الثورات العربية، إلا أن الحركات الاحتجاجية أبدت قدر كبيرا من المسؤولية والإبداع في التعامل معها. وفي الذكرى الأولى للحراكين العراقي واللبناني، خرج المتظاهرون مرة أخرى الى الساحات رافعين ذات الشعارات. فقد انعكس أداء الحركات الاحتجاجية المسؤول ايجابيا على شعبيتها السياسية، كما سمحت مبادراتها الاجتماعية بالتواصل مع قطاعات غالبًا ما نظرت بريبة إلى فكرة التغيير السياسي الثوري، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى عدم الاستقرار السياسي كما حدث في سوريا وليبيا بعد انتفاضات 2011. لقد تخطى الحراك الشعبي في البلدان الثلاث عقبة كورونا، لكن طريق التغيير السياسي لايزال طويلا، وعليه أن يستفيد من دروس تلك الأزمة في استمرار نضاله من أجل الوصول اليه.

1 طابو يدعو لتعليق الحراك مؤقتا بسبب كورونا، الوطن برس، 19 مارس 2020. متوفرعلى الرابط: https://www.elwatan-presse.com/2020/03/19/

2 لمشاهدة الفيديو: https://www.youtube.com/watch?v=TvRoyYD1240

3 Roberta Gatti, Diego F. Angel-Urdinola, Joana Silva, and András Bodor, Striving for Better Jobs: The Challenge of Informality in the Middle East and North Africa, World Bank Group, 2014. Available at: http://documents1.worldbank.org/curated/en/445141468275941540/pdf/Striving-for-better-jobs-the-challenge-of-informality-in-the-Middle-East-and-North-Africa.pdf

4 دريس نوري، مستقبل الحراك الشعبي الجزائري في ظل تفشي وباء الكوفيد 19، مبادرة الإصلاح العربي، 7 ابريل 2020. على الرابط: https://www.arab-reform.net/ar/publication/

5 Maurizio Coppola, COVID-19 in Iraq: the virus of social inequality, Open Democracy, 1 April 2020. Available at: https://www.opendemocracy.net/en/north-africa-west-asia/covid-19-iraq-virus-social-inequality/

6 في زمن الكورونا.. مبادرة منتشرين عن بعدلمساعدة العائلات في لبنان، سكاي نيوزعربية، 24 مارس 2020. متوفر على الرابط:

https://www.youtube.com/watch?v=jx9mYghhBkw&t=114s

Start typing and press Enter to search