حوارات‬ حول‬ “الانتفاضة‬ المباركة‬” في لبنان
رانية المصري
لبنان

هذه الورقة نتاج حوار مع أ. رانية المصري

قامت بتحريره زينب سرور الباحثة المساعدة في منتدى البدائل العربي

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [875.45 KB]

انتفاضتُنا المباركة

بين مصطلحات “ثورة” و”انتفاضة” و”حراك” أعتقد أنّ على كلّ فرد الاهتمام باللّغة لأنّها تعبّر عن رأي ورؤية وموقف وقرار. لا أعتبر أنّ ما نمرّ به منذ 17 تشرين الأوّل ثورةً، هو إمّا حراك وإمّا انتفاضة، لكن ليس ثورة. في الثورة، عندما نقول إنّنا نريد أن نثور فهذا يعني نريد أن نُقيل وأن نقوم بما يشبه الانقلاب على النّظام. وكي نصل إلى هدفنا كي نقوم بانقلابٍ على النّظام فنحن جاهزون لاستخدام العنف، ورأي الناس عادةً أنّ العنف جزءٌ من الثورة، وأنا أستخدم تعبير “عنف” بأسلوبه التّقليدي أي التعريف التقليدي.

يمكننا بكلّ تأكيد القول إنّ النظام القائم يعنّف الشعب؛ هناك عنفٌ عندما أذهب إلى المصرف ولا يعطوني أموالي، وعندما ترتفع أسعار الطعام والمازوت، وعندما يتمّ طردي من عملي، وعندما يقمعني الأمنُ العام ويتعرّض لي بالضّرب ويتبعني إلى المستشفى. ونحنُ كأشخاص معارضين لهذا النظام مستعدون لاستخدام العنف بكل معنى الكلمة، ولكن نحن كـ”مواطنون ومواطنات في دولة” لم نصل حتّى الآن إلى هذا القرار. نفهم لما يعمد الناس إلى التّكسير وغير ذلك، ولكن هذا ليس العنف بالمعنى التّقليدي. والمفهوم الثاني للثورة أننا نريد أن ننقلب على النظام ونقيله من جذوره، أي أن نثور عليه، وأن تكون لدينا الرؤية التي نريد بناءها. حتّى الآن لا يمكن أن نقول إنّ كلّ المواطنين في السّاحة يملكون الرؤية نفسها والهدف نفسه، يمكننا القول إننا نتشارك الوجع نفسه لكنّنا لا نملك الرؤية نفسها، فلسنا كلُّنا في الشارع بهدف تغيير النظام الطائفي، علينا أن نكون واضحين وواقعيّين بشدّة، لم يتغيّر مجتمعُنا اللبناني منذ 16 تشرين الأول حتّى 18 تشرين الأول ولم يعد طائفيًّا.
والنقطة الثانية هنا “هل نحن فعلاً نريد انقلابًا على النظام”؟ نحن كحزب لا نطالب بانقلابٍ على النّظام، نحن نطالب النّظام، الذي نعتبره سقط بكلّ مفاعيله، بتسليمٍ سلميّ للسلطة، لذلك أشعر أنّ تعبير “ثورة” أكبر منّا، وبرأيي في استخدام تعبير “ثورة” أو في توصيف أنفسنا بأننا “ثوّار” استخفافٌ بالكلمة. أما عندما نقول “انتفاضة” فالكلمة ليست ضعيفة. يعارضنا الأشخاص الذين لا يشاركوننا الرّأيَ السّياسي استخدامَنا تعبير “انتفاضة”، فبرأيهم لا يجب استخدام هذه الكلمة سوى مع أهلنا في فلسطين. ما معنى انتفاضة؟ نحن ننتفض، نعم، أعتبر ما يحصل انتفاضة، وإذا أردنا الحديث لغويًّا فإنّ التّعبير الذي نستخدمه كحزب هو “انتفاضة”، ونحن نعتبرها “انتفاضةً مباركة”.


التّظاهرات الأقوى منذ أعوام

هناك فارقٌ كبيرٌ بين انتفاضة اليوم وما حصل عام 2015. لقد شاركتُ في تظاهرات 2015 وكذلك في ما يسمّى بتظاهرات “الشّعب يريد إسقاط النظام” في 2011، والتي اندلعت لأننا شعرنا بالغيرة من مصر، وعلينا هنا أن نكون واقعيين. كلا، لا يوجد أي مقارنة بين 2011 و2015 و2019 إلا إذا قلنا إنّنا عندما ننظر إلى التظاهرات التي تحصل في الشارع فنحن نتعلّم من خبرتنا، ولكن إذا ما أردنا أن نقول إنّ تظاهرات 2019 بنفس قوة تظاهرات 2015 فمعناه أنّنا نستخفّ بتظاهرات 2019. هناك فارقٌ هائلٌ في الحجم بين اليوم والتّظاهرات السّابقة وفارقٌ شاسعٌ بالمطالبة وبالرؤية السياسية. في 2015 بدأت التظاهرات كصرخةٍ ضدّ النفايات، وقد أرادت “طلعت ريحتكم”1 أن تحدّها وتتركها مكانها، وخرجت مجموعاتٌ أخرى مثل “بدنا نحاسب”، والتي امتلكت رؤيةً سياسيّةً واضحةً وكانت تعلم أنّ مشاكل النفايات جزءٌ لا يتجزّأ من المشاكل التّنظيمية والسياسية ككلٍّ في البلاد، لذا وسّعت الحملةُ المنظار.
في 2019 لم يكن أحدٌ يقول إنّنا معارضون على ضريبة “الواتسأب” وإذا تراجعتم عن الضريبة سنعود إلى منازلنا. منذ الأساس لم تكن هذه الصّرخة موجودة بل كانت بكلّ تأكيدٍ أكبر وأوسع، كما كانت ردّةُ فعل النّاس أقوى من أيّ مرحلةٍ في 2015 لذلك لا يمكن أن نستخدم اليوم تعبير “حراك” كما استخدمناه سابقًا.
وفي 2015 شارك الطلّاب في التّظاهرات، وشهدت مناطق عدّة تظاهرات جميلة جدًّا كعكّار والمتن، لكنها الآن أكبر.

الشمال: مركزيّة للفقر

للأسف، ما زالت بيروت مهمّة جدًّا اليوم ولا يمكننا الاستخفاف بأهمّيتها. ما زالت التظاهرات التي تندلع في المتن على سبيل المثال أو في صيدا أو صور أو عكار أو طرابلس لا تحوز على الاهتمام الإعلاميّ الذي تحوزه بيروت، لذلك برأيي يجب على الناس، إعلاميًّا، أن ينظروا خارج بيروت وأن لا تكون العاصمة “القصّة كلها”. نعم ما زالت لبيروت مركزيّة، وفي الوقت نفسه هناك تظاهرات خارج بيروت وبأسلوبٍ أقوى ممّا كانت عليه في 2015. لا أقول إنّ علينا كسر مركزيّة العاصمة كي ننجز تغييرًا حقيقيًّا، ولكن يجب أن تنكسر مركزيّتها كي نمثّل أهلنا بأسلوبٍ صادق، فليس الجميع من ساكني بيروت.

للأسف هناك مركزيّة للفقر في لبنان، وللأسف هذه المركزيّة هي الشّمال، لذا من الطّبيعي أن تكون صرخة الشمال أقوى. وعلينا أيضًا التوقّف عنن القول إنّ “هناك مرتزقة قدمت من الشّمال إلى بيروت”، وهو التعبير الذي استخدمه الرئيس سعد الحريري وغيره، وكأنّ سكان طرابلس لا دخل لهم بالمشاركة في تظاهرات عاصمة بلدهم. إمّا أننا كلبنانيين وسكّان هذا البلد نعتبر أنّ بيروت عاصمة لبنان، ولذلك لدى كلّ شخص يتظاهر في بيروت كامل الحقّ بأن يفعل ذلك لأنّ بيروت هي العاصمة فمن الطبيعي أن يأتي المواطنون من آخر أطراف لبنان للتظاهر فيها، أو أنّنا نعتبر أنّ بيروت هي “الدّنيا كلّها” وأي شخص غير “بيروتي” لا يحقّ له القدوم إليها، وإذا كنّا فعلاً نعتقد هكذا فلدينا مشكلة. لقد هوّل الحريري عندما قال إنّ المشاركين قدموا من طرابلس، وهو لم يستخدم التّعبير كرئيس حزب بل بصفته السّابقة كرئيس وزراء، لذلك أرى أنّ في هذا التعبير قلّة حياء. أعلم أنني أتوسّع لكن يجب علينا أن نفعل ذلك خصوصًا للأشخاص الذين ينظّمون التظاهرات، علينا أن نعمل يدًا بيد مع أشخاصٍ من مناطق مختلفة. نحن كحزب كنّا من اليوم الأوّل نعقد اجتماعاتنا وندواتنا الثقافية في الجنوب والكورة وطرابلس وزغرتا.

لا بناء من دون رؤية واضحة
في الحديث عن المطالب وعلام يجب التركيز، ترى “مواطنون ومواطنات في دولة” أنّ الأولوية قبل أن نتكلّم عن “التركيز على ماذا”؟ هي التّركيز على “بهدف ماذا؟” فقبل أن نقول ما إذا كان يجب أن نركّز على ساحة رياض الصلح أو مصرف لبنان، يجب أن يكون الهدف السّياسيّ واضحًا. عندما أودّ المطالبة، حتى عندما أستخدم مصطلح “أطالب”، فأنا أعترف بشرعيّة السّلطة، ونحن برأينا كحزب شرعيّةُ السلطة سقطت، نقول ونعارض ونُخبر السّلطة أنّ عليها أن تبدأ مفاوضات لتسليم السّلطة للأشخاص الذين يملكون المقدرة والجرأة السياسية كي يستلموها. فإذا كانت هذه رؤيتنا لا نقول حينها على سبيل المثال إنّنا نريد انتخابات مبكرة، ولا نقول إننا نريد قيودًا معيّنة على المصارف، فإذا أردتُ القيام بهذه الأمور فأنا حينها ما زلت أقول يحقّ للطّبيب أن يكون طبيبًا. لم يعد لهذه السّلطة المقدرة لمعالجة المشكلة لأنّها هي السّبب. وبالسلطة أعني كلّ الأحزاب الطّائفية في البلد.
لمَ أقول رؤية سياسية؟ كان هناك مواطنون في الشارع يطالبون بحكومة تكنوقراط، كلمة تكنوقراط لغويًّا وسياسيًّا أشعر بأنّها إهانة، فإذا كنتُ أطالب بسياسيّين فأنا أريد شخصًا يكون واضحًا في رؤيته السياسية، أي أن يخبرني أنّ الفقير لا يريد أن يتحمّل مزيدًا من المصائب، أي توزيعًا عادلاً للخسائر، هذه رؤية سياسية وليست رؤية تكنوقراط. والفرق بيننا كحزب وبين الآخرين أنّ الآخرين يريدون إجبارنا على الخسارة ونحن نؤمن بالتّضحية، وهناك فرقٌ بين الخسارة والتضحية، فالخسارة تعني على سبيل المثال أنّي أملك أموالاً وقد خسرت أربعين في المئة من قيمتها ولكنّي لا أملك أي رؤية لما أريد القيام به، بينما التضحية فتعني أنّني على استعدادٍ لكي تنقطع عنّي الكهرباء في المنزل، والمازوت في السيارة ولخسارة أربعين في المئة من قيمة أموالي ولكني أعلم أنّ هناك هدف، والهدف يقول: تنقطع عنّي الكهرباء لأنّ المستشفى أولوية، أو تنقطع عنّي الكهرباء في بيروت التي لن أموت فيها من البرد بينما في بعلبك قد يموتون من البرد. يصبح حينها هناك توزيعٌ لهذه الخسائر. ولكن عندما تغيب الرّؤية ونخسر من دون هدف يصيبنا الغضب لأنّ من يخسر من دون هدف يغضب.
ولا أعتقد أنّ أهلنا في لبنان يرفضون التضحية، والفقراء أوّلُهم لأنّ الذي يملك القليل يرضى بالتضحية أكثر، فنحن الذين أخرجنا الكيان الصّهيوني من أرضنا ولم نتوقّف عن القول إنّنا على استعدادٍ لكي نستشهد من أجل الأرض، لذلك لا أعتقد أنّنا نرفض فكرة التّضحية ولكننا نرفض فكرة الخسارة.

عندما تشكّلت الحكومة أصدرنا بيانًا أطلقنا عليها فيه تسمية “لا حدا”. لا تستطيع الحكومة أن تقوم بشيء، فهي تقوم على البنية نفسها، وفي الوقت نفسه لا يملك وزراؤها أي رؤية سياسية ولا إنتاجًا ولا يمثّلون أحدًا غير أنفسهم، فلمَ يودّ المواطن الخسارة؟ نعم هناك خسارة، ونحن نمرّ بإفلاس. ونحن نقول بضرورة وجود توزيع عادل وهادف، فلم يعد الفقير قادرًا على التّحمّل، هل يُعقل أن أطلب ممّن لا يملك سوى خمسة آلاف ليرة أن يعطيني نصفها؟ عندما يأتي السياسيّون الذي نؤمن بهم ويقولون إنّ الطبابة حق، فهذا يعني أنّه مهما يحصل في البلاد من حقّ المواطن الدّخول إلى المستشفى معزّزًا مكرّمًا، والتّعليم كذلك حق، والسّكن أيضًا، لا القروض المنزلية. هذه هي خطوطنا الحمراء في رؤيتنا، في الوقت نفسه نقول إنّنا نعامل كلَّ الدول الخارجية بالطريقة نفسها، لا نريد أن نكون مع أميركا والسعودية أو مع روسيا وإيران، نحن مع لبنان، ولكن بالتأكيد ومن دون أي بحث نعتبر وجود الكيان الصهويني أينما كان على أيّ بقعةٍ من أرضنا الفلسطينية والشّاميّة في الجولان طالما هو موجود ككيان صهيوني، أنّه يهدّد وجودنا كلبنانيين. لذا نحن نتعامل مع كل الدول ما عدا الكيان الصهيوني، ثمّ نقيم علاقات خارجية مع الدول. يسألنا الناس “كيف ستقفون في وجه الولايات المتحدة”؟ لن نقف في وجهها، بل نبني علاقاتٍ مع دولٍ ونضع هذه العلاقات في وجهها، وهناك الكثير من الأمور التي يمكن أن نقوم بها في علاقاتنا الخارجية كي نعيد بناء البلاد. وبالتأكيد في علاقاتنا يجب أن نغيّر النظام الاقتصادي داخل لبنان نفسه، يجب أن نملك نظامًا اقتصاديًّا منتجًا وليس النظام الرّيعي الذي بناه رفيق الحريري منذ العام 1991. كنّا نبني وهمًا. وكي نقوم بكل هذا يجب أن نبدأ العمل على بناء دولة مدنية، لأنه طالما الزعماء الطائفيون موجودون كزعماء طوائف وليس كزعماء أحزاب أصبحنا مجبورين على أن نخشى بعضنا البعض، وهم يستخدمون هذا الخوف كي يخوّفونا ببعضنا البعض وكي لا ننظر إلى بعضنا كلبنانيين، لذلك نريد دولة مدنية، وهي الطريقة الوحيدة ليكون هناك دولة فعليّة وقوية في لبنان. وفي الدولة المدنية يكون لكل اللبنانيين واللبنانيات، من دون أيّ فرقٍ بين رجلٍ وامرأة، الحقوق والواجبات نفسها، وفي الوقت نفسه يجب احترام كلّ مقيم في هذا البلد فثلث المقيمين في لبنان غير لبنانيين، ونحن كحزب نعتبرهم مسؤوليّتنا. كلّ هذه خطوطنا الحمراء العريضة والتي تبدأ جميعها بسؤالٍ لا يسأله أيّ سياسيّ: كم يبلغ حجم الأموال في البلاد؟ علينا أن نعرف كم يبلغ كي نبني رؤيتنا الاقتصادية حسب المعلومات المتوفّرة.

وتعليقًا على مطلبٍ مطروحٍ اليوم وهو استقالة مجلس النواب لا أودّ القول إنّي أؤيّد استقالة كذا وكذا، أنا مع بناء شيء. نحن كحزب نعتبر أنّ الأحزاب الطائفية، طالما أنها ما زالت كذلك فلن تستطيع تمثيل البلد. وهذه الأحزاب تحديدًا اخترعت ووصّلتنا إلى الانهيار الاقتصادي الذي أخبرناها عنه منذ أربعة أعوام، قلنا لهم سنصل إلى الإفلاس والانهيار الاقتصادي، ولم يمتلك حينها أيُّ رجلٍ سياسي الجرأة كي يدير الأزمة الاقتصاديّة قبل وقوعها. اجتمعنا مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومع جمعيّة المصارف وبقية الأحزاب. لذلك، في حال أردت القول إنّنا نطالب بإسقاط، عندما أطالب بإسقاط ولا أملك رؤية بناء يعني أنني أطالب بفوضى.

حكومة انتقاليّة ذات صفة تشريعية

الخطوة الأولى نحو بناء الدولة المدنيّة هي تشكيل حكومة انتقالية ذات صفة تشريعية وبصلاحيات استثنائية لمدة 18 شهرًا تكون قادرة على مواجهة الواقع والتعامل معه. والصفة التشريعية أساسيّة لأنهم إذا سلّمونا الحكومة، سواءً كأحزاب أو أفراد، ولا مقدرة لدينا على إخراج القوانين، لأنّ الزعماء سيوقفونها في مجلس النواب، نكون حينها أصبحنا “كبش محرقة” ولم يسمحوا لنا بالعمل، لذا يجب على الحكومة أن تملك صفةً تشريعيّة، وهذا قد حصل في لبنان مرّتين وهو عمل دستوري، لذا نحن لا نطالب بانقلابٍ على الدستور فليس من الضّروري تعديل الدستور، بل نطالب بتطبيقه. وفي حال امتلكت الحكومة صفةً تشريعيّةً وصفةً سياسيّةً واضحةً وخطوطًا حمراء واضحة ومثّلت البلد وليس الطوائف ولا أي صفة خارجيّة، تصبح لديها المقدرة لمعالجة الأزمة.

المرحلة الأولى في عمل الحكومة الانتقالية هي الإقرار بالواقع ومعرفته، وتتمّ خلالها جردة لمعرفة الموارد المالية والعينية المتاحة فعليًّا للدولة والنظام المصرفي، ثم التفاوض الاقتصادي والمالي والسياسي مع الدول القريبة والبعيدة والمؤسسات الدولية، عبر سفراء فوق العادة موثوقين لمعرفة الممكن تأمينه منها ماليًّا وعينيًّا وتجاريًّا، ثم تعليق مفاعيل العقود المالية. أما في المرحلة الثانية فتعمل الحكومة على ضبط مفاعيل الإفلاس عبر رصد التطورات المالية والأمنية والاجتماعية ومواكبتها بإجراءات فورية بعد إجراء تعيينات إدارية وقضائية وأمنية، وتطبيق العدالة الاجتماعية عبر إرساء التغطية الصحية الشاملة لكل المقيمين والمقيمات ومجانية التعليم الأساسي وحماية المقدّرات الاجتماعية والاقتصادية لما بعد الأزمة ودفع الأموال المتوجّبة للمؤسسات الضامنة وإعادة هيكلة كلّ العلاقات الماليّة والاقتصادية في البلد وفق نتائج الجردة. وفي المرحلة الثالثة يتمّ العمل على تكوين مجتمع متماسك واقتصاد منيع وعلاقات متوازنة مع الخارج عبر إرساء شرعيّة الدولة المدنية وتعديل النظام الاقتصادي، وفي تعديل هذا النّظام يتمّ إجراء تعداد للمقيمين والمقيمات وإصدار نظام موحّد للأحوال الشخصية وإصدار قوانين انتخاب نيابية وبلدية. ثم تعديل النظام الاقتصادي وإقامة علاقات جدية وثابتة مع الخارج. أما في المرحلة الرابعة فيتمّ إجراء انتخابات نيابية وفق القانون الانتخابي الجديد ليتبيّن إلى أيّ حدّ يكون مجتمعنا ارتضى التضحية وليس الخسارة.

الفكر هو القيادة
لا يمكن أن يكون هناك تمثيل للانتفاضة ولا يمكن أن تكون هناك مجالس تمثيليّة. هناك مواطنون من الجنوب إلى الشمال إلى الساحل والوسط، كيف سنمثّلهم؟ كيف يمكن أن نحدّد من يمكن أن ينتخب الممثّلين؟ تنظيميًّا لا يمكن للأمر أن ينجح فهو يعني بناء فوضى. الفكر هو القيادة، الفكر الخارج بوضوحٍ من الشارع، لا ثقة للشارع بهؤلاء الزعماء والشّارع يصرخ بصوتٍ عالٍ أنّ هناك أزمة اقتصاديّة. وبحسب رؤيتنا السياسية الأزمة هي ولد الأحزاب الطّائفيّة، لذا خرجنا بهذه الرؤية السياسية، لذا على كلّ حزب أو جمعيّة أو فرد أو مجموعة تؤيّد هذه الرؤيّة السياسيّة أن تتقدّم وتناقشها، وإذا كانت لا تؤيّدها فلتبنِ غيرها، من هنا تأتي القيادة، تُبنى القيادة من الفكر، ولا تبنى من مجالس عفوية تخرج في المناطق. نحن نعلم أنّ الأحزاب الطائفية موجودة في الانتفاضة وفي الشوارع، إذا كانوا يريدون تمثيلنا فمن سينتخبون؟ نحن أول حزب أعلنّا رؤيتنا السياسية في الساحة. فليناقشوا وليخرجوا بغير آراء، حتّى الأحزاب الطائفية، ما مشروعهم الاقتصادي؟ وأن يتحمّلوا مسؤوليّتها، ويجب أن تكون رؤية واضحة، وأن لا يتهرّبوا.

الحرب الأهليّة ممكنة

هناك إمكانية لاندلاع حرب أهلية. لا نعلم من لديه إمكانيّةً للقيام بها لكن برأيي كلّ شيءٍ محتمل، إذا كان الجوع والفقر والإحساس والعنف من قوى الأمن سيزداد، ونحن نتوقّع أن يزداد، فلا نعرف متى سينفجر الشّارع ومتى ستستخدم أحزاب السلطة الطائفية الحرب كوسيلة إذا ما شعرت بالخطر، ولكن يمكن أن يكون اندلاع الحرب من أكثر من جهة، قد تكون من الناس ومن الفئات المتعددة التي تملك آراء سياسية مختلفة، وهم قابعون في الشارع نفسه، أو من الأحزاب.

أكثر ما يوجعني أنّنا حتى الآن لا نملك رؤية سياسة واضحة، ما زال في الشارع أشخاصٌ طائفيّون يطالبون بنظام طائفي، لا يمكن أن نقول إنّ كلّ شارعنا يطالب بنظام مدني ونظام اشتراكي، ما زال هناك أشخاصٌ طائفيّون، وما زال هناك أشخاص يتلقّون أموالا للمشاركة في التّظاهرات بسبب الفقر والعوز. نعم هناك إمكانية لاشتعال حرب أهلية، وكلّ شيءٍ ممكن، ولكن علينا أن نتذكّر أنّ الوجع الأساسي الذي عانيناه منذ العام 1975، وهو عام اندلاع الحرب الأهلية، حتّى اليوم لم يكن وجع عنفٍ فقط، الهجرة الأساسية التي حصلت في لبنان لم تكن هجرة الحرب، كانت هجرة الدمار الاقتصادي الذي أتى به رفيق الحريري، ونحن عندما نخشى من هجرة شبابنا ليس لأننا لا نخاف على صغارنا وكبارنا ولكن لأنّ هجرة الشباب هجرة لا رجعة عنها، عندما يهاجر الشباب ماذا يحصل للبلاد؟ وهناك خمسون ألف شاب يهاجر سنويًّا إلى الخارج، حتى العاملات المنزليّات يتركن لبنان، فهناك ألفا عاملة منزلية قدّمن طلبًا لمغادرة لبنان لأنّهن لا يتقاضين روابتهنّ. لذا ليس العنف فقط أن يطلق شخصٌ رصاصةً عليّ، يكمن العنف في أنّ هناك من سلبني حقوقي، حقّي بالطبابة والمأكل، هذا عنف موجود ونخشى أن يتضاعف.

أما القروض بلا رؤية سياسية فيكون دَينًا أعنف على الناس. والجهة الغريبة عندما تريد أن تعطينا مالاً ونحن لا نحاورها بقوة وعنفوان ستعطينا بشروطها، ما شروطها؟ خصخصة المطار والبور؟ كما أنّ أكثر الأموال التي تأتينا من الخارج يتمّ صرفها في الخارج، وهي تأتي مع قيود. القرض بحدّ ذاته لا يكون شرًّا أو خيرًا فالأمر يعتمد على شروطه ورؤيته. ولنفترض أنّهم سيحضرون مليارًا أو مليارين أو ثلاثة مليارات من الخارج، علامَ سيتمّ صرف هذه الأموال؟ على سدّ بسري المدمّر اقتصاديًّا وبيئيًّا؟ أو على ماذا؟ فإذا كانوا سيصرفون المليارات كما صرفوا غيرها في السّنوات الأخيرة ماذا نكون قد حقّقنا؟ إذا كان ربّ البيت لصًّا فهل أريده أن يحصل على أموال إضافيّة؟ إذا لم يكن ربّ البيت يعلم كيف يكون مدبّرًا لمَ أريده أن يحصل على أموال؟ علينا أن نكون واقعيّين وجريئين في رؤيتنا. للأسف الشديد حتى لو امتلك رجال السياسة الجيّدين النية فليس لديهم المقدرة السياسية لأنهم يمثّلون طوائف، وقد أثبتوا ذلك.


العنف إلى تزايد

الشّارع هو ردّة فعل وليس سببًا، هل ستنحلّ الأزمة الاقتصاديّة؟ كلا، فلماذا نتوقّع أن تخفّ التّظاهرات؟ هذا الشهر ستشتعل الشوارع، فكيف ستكون ردة فعل الأمن؟ وكيف ستكون رؤيتنا للعنف في الشارع؟ هل سنقول لا يجب التكسير كما يقولون؟ هذا حديث إعلامي سيخرج وعلينا الانتباه جيّدًا أنّ الإعلام في آخر فترة لم يعد يعطي التّظاهرات تغطية مباشرة، وصار يسمّي المتظاهرين بـ”المشاغبين”، وهناك جزءٌ كبيرٌ من أهلنا يأخذ رأيه السّياسي من الإعلام، خصوصًا الطبقة التي ما زال بمقدورها أن تأكل. لا أعلم ماذا سيفعل الأب الذي سيسمع صراخ أطفاله لأنّهم جائعون، وله كلّ الحقّ بذلك. ويجب علينا أن نتذكّر أنّ الفقر الذي سنراه ليس جديدًا علينا، في طرابلس ومنذ سنوات جزءٌ من أهلنا لا يشتري الجبن بل مياه الجبن ويسقطون الخبر في ماء الجبن، كم نحن واعون للجوع والوجع الموجودَين في طرابلس؟

في الوقت نفسه يؤلمني وجع قوى الأمن، أشعر بالوجع عندما أرى أيّ شخصٍ من أبناء بلدي موجوعًا، وعلى الرّغم من أن هذا الأمن يضربني لا أريده أن يتعرّض للضرب، أتفهم عندما يتعرّض للضرب لكنني أراه عبدًا لم يتحرّر بعد، وأتمنّى أن يتحرّر، أن يقف في التظاهرة ولا يتعرّض بالضرب لأحد.
أتوقّع أن يتصاعد العنف لدى الجهتين.

1 حملة من مجموعة ناشطين وناشطات ظهرت في لبنان على إثر أزمة النفايات التي عصفت في البلاد عام 2015.

Start typing and press Enter to search