قراءة في انتفاضة لبنان:

نظام الحكم وأفق المطالب

فواز طرابلسي
لبنان

لم انتفض اللّبنانيون؟

تتمرد اليوم فئات واسعة من الشّعب اللبناني على ما يسمّى نظام ما بعد الحرب الأهليةالذي قام على تخويفٍ دائمٍ إمّا من استمراريّة الحرب أو من احتمال اندلاعها من جديد، وقد بُني خلال تلك الفترة نظامٌ اقتصادياجتماعيسياسيقيمي ينكشف أمامنا اليوم.

قام هذا النظام على شراكة بين قادة الميليشيات ورجال الأعمال وفئة صغيرة من بقايا الطّاقم الحاكم السابق. وقد أحيا هذا النظام النيوليبرالية بعد أن كانت ليبرالية، ما يعني أنّ السوق الحرة ونتائجها وعلاقتها بالحرب لم نتعلّم منها شيئًا لسبب بسيط أنه تمّ إقناعنا أنّ الحرب إنتاجٌ خارجيّ وأنّها حرب الآخرين، كما كان يقول الأستاذ غسان تويني. بُني النظام وكأنه على غفلة، وهو يقوم بإفقارنا. هناك ثلاثة أطراف تمسك مصيره الفعليّ: العقاريّون والمصرفيّون والمستوردون. من قال إنّ المتظاهرين اليوم موافقون على هذا النظام ومهتمّون ببقائه؟ لم تعد القيادات قادرة على تقديم شيء، هي مختلفة مع بعضها البعض على المناصب، والبلد يصرخ.
يحقّ للشباب اليوم القول إنتو تضحّكوا عليكم، ما رح يتضحّكوا علينا، ولكن على الأقلّ هذا نظام بُني بتأييد خارجي وتدخّل ودعم، إنما على افتراض أن هناك عهدٌ ذهبيّ كان موجودًا قبل الحرب يريدون إعادته، والحقيقة لكي يتمّ ذلك كان يجب أن تتم تبرئة اللبنانيين وتبرئة الحكّام عن أي مسؤولية عن قيام الحرب، ما يحصل أننا نحاسب الميليشيات ولكن لا يهتمّ أحدٌ بالسؤال عن المسؤولين عن منع قيام الحرب، هناك أشخاصٌ حكموا لبنان قبل الحرب، وهناك عشرة أعوام من النضالات، بين عامي 1964 و1974، والتي لم تبقَ فئة من الشعب اللبناني لم تشارك فيها، ولكن لا أحد مهتمّ اليوم بالحديث عن الفترة التي حكمت لبنانَ طبقةٌ انتظرت نتائج الفورة النّفطية، حكمه أغنياء وكانوا سيُثرون وقرّروا أن لا مطلب من مطالب اللبنانيين يمكن الردّ عليه، من الطلاب والتلامذة إلى الصناعيين والعمّال والفلاحين وفلّاحي الأديرة. لقد حكمتنا طبقة لمدة عشرة أعوام ولكن لا أحد يذكر اليوم أنها كانت مسؤولة عن منع قيام الحرب.

وخلال السنوات الثلاث أو الأربعة الأخيرة، نعمنا بمستوًى من الاستدانة لأنّ المصارف كانت تملك أموالا كثيرة، ولم يتبقَّ نوعٌ من القروض لم يغدق علينا، لكنّه الآن بدأ ينضب، وبالتالي نحن أمام غلاء معيشي يهدّد بمستويات جديدة من الفقر. لدينا برنامج معنيّ بالفقر ولكن لا أحد يعرف ما حلّ به، استأنفوه الآن، كان هناك حوالي أربعين ألف فقير أصبحوا عشرة آلاف ولكن لم يخبرنا أحد ما نتائجه، وهل أمكن إنقاذ فقراء من الفقر؟ ثمّ ما معنى فقير؟ يعمل أم عاطل عن العمل؟ يتمّ كلّ هذا تحت غطاء برنامج لمعالجة الفقر. وأيضًا هناك فئات واسعة من موظّفي الدولة، من الطبقة الوسطى الصّغيرة والكبيرة متضرّرة من هذا النمط من السوق الحرة الاحتكارية، فنحن بلد السوق، وُعدنا، على سبيل المثال، أنه في حال تمّ إنشاء شركتين للاتصالات، تتنافسان مع بعضهما البعض وينتهي الأمر بانخفاض الأسعار، لكن الواقع أن الشركتين متّفقتان ونملك في لبنان أعلى رسوم اتصالات في العالم نتبارى فيها مع إسرائيل. كل هذا للقول إنّ هناك أساس اجتماعي تحت وطأته أعدادٌ واسعةٌ من اللبنانيين في الشوارع، وهناك إطلالة خاصّة لمدينة طرابلس في الشمال التي يتراوح مستوى الفقر فيها من ستّين إلى ثمانين في المئة، وهي الأكثر إهمالاً، ويجب أن نلاحظ أنّ الفقر الذي كان عنوانه جنوبيًّا زحل الآن إلى البقاع الشمالي وعكار.

بلورة المطالب

صدم هذا النّظام اللبنانيين إلى حدّ رفضه اليوم على كافّة الصعد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقيمية. إنها ثورة على نظامٍ اتّخذت وقتًا كي تنفجر. متفاجئ بفرح بما يحصل، وأنه بعد سنواتٍ من الكبت تولّد هذا الانفجار خصوصًا على مستوى التلامذة والطلاب، فما يحصل الآن أنضج حتّى من البدايات الطلابية في السبعينيات، وأنا أسعى إلى الاستماع بإعجاب لما يقولونه.
لا يمكن توصيف الثورة بأنها طيش، فللمرّة الأولى نشهد حركة لا تقتصر على بيروت التي نابت في 2015 عن لبنان في الاحتجاجات، الآن لم تعد هناك مركزيّة لبيروت فكلّ لبنان يحتجّ، والمدى الذي نشهده من عكار إلى بنت جبيل والنبطية ومن بيروت إلى بعلبك لم يتحرّك ولو لمرّة بهذه القوة في بيروت.

يقول اللبنانيون اليوم إنّ العلم حقّ وليس سلعة. يرفض الطلاب أن يتكلّف أهلهم أثمان تعليمهم. وإذا كان رؤساء الجامعات الخاصّة يريدون مساندة الحراك عليهم تخفيض أقساطهم، ليس المطلوب منهم أكثر من هذا وإلا فإنهم سيُجبرون على تخفيضها لاحقًا. ومن القضايا التي يطرحها الطلاب مسألة المناهج، يقولون إنّ مناهجنا بالية ونتعلّم وقائع كاذبة. ونحن بالفعل في المدارس الخاصّة ندرّس الطلاب والطالبات كأنهم أميركيون، وندرّس لبنانيين تاريخًا افتراضيًّا، والجميع بانتظار كتاب التاريخ الموحّد لذا يقنعونهم بلا جدوى قراءة التاريخ لأنّ كتاب تاريخهم قيد التحضير، لكنّه في الحقيقة لن يبصر النور. وبالتالي، إضافةً إلى تفصيل جهل التاريخ، أحد أسباب السيطرة علينا إقناعنا أنّ تاريخنا مفهوم ما هو، والتاريخ الوحيد الذي يجب أن نعرفه هو أنّ هناك حربٌ قامت بسبب الآخرين، واليوم ما زلنا نعيش ضمن برنامج كيف نقاوم توطين الآخرين“.
ومن الشّعب من يقول: تحكم هذا البلد فئةٌ فاسدة. وبالطبع كلّنا معنيّون بتعريف الفساد. يعني الفساد استغلال السلطة في الأعمال الخاصة (البزنس)، فلكي يكون الشخص فاسدًا وجب وجود من يُفسده، لا يتمّ البحث في المُفسد، إضافةً إلى أنه في جميع بلدان العالم وفي القطاع الخاص هناك قانون يُدعى تضارب المصالحوهو أنّ المسؤول في الحقل العام عمليًّا يجب أن يستقيل من أي منصب قيادي تجاري، وأنّ زوجته/ زوجها وأولاده/ ها يجب أن يحرموا من إمكانية التقديم بالتزامات وعقود مع الدولة، هذا موجود في القطاع الخاص، لمَ يغيب عن القطاع العام؟

ويشكو المواطنون كذلك من غياب الثبات في العمل، لأنّ الثبات في العمل أنهي، ومن الغلاء المعيشي، وخصخصة قطاع التعليم، وبطالة الخريجين، وغياب الاستشفاء الملائم.

ومن المهم اليوم الإعلان عمّا يعبّر عنه المواطنون وكيف يترجم إلى إجراءات وأشكال من المقاومة. وعلى الحراك أن يخلق أشكالا تنظيمية. والحراك اليوم منظّم، إذ أن هناك قوى جديدة تتّصل ببعضها البعض من الجنوب إلى الشمال، لكن عليها أن تعبّر عن نفسها وتعلن عن مطالبها وتعقد مؤتمرات.

يجب أن يتمّ الضغط لتشكيل الحكومة. والتأكد من أن الحكومة المقبلة، ولو كان وزراؤها من ذوي الكفّ النظيف وتكنوقراطيين، لن تطبّقَ ورقة الحريري الإصلاحية، لأنّ المواطنين حرفيًّا قاموا ضدّ ما تضمّنته الورقة، إذ نحن حاليًّا أمام سياسة تقشّف غير معلنة، فكلّ مؤسسة تخصم من الرواتب، والمصارف أيضًا تقوم بالخصم، وهناك سياسة إفقار للدولة وللمجتمع، ولهذا ترجمةٌ في ورقة الحريري.

إلى أين يمكن للشّارع أن يصل في تحقيق المطالب؟

لقد مرّت الانتفاضة بمرحلتين: الأولى يمكن تسميتها بالسّياسيّة، عنوانُها اكتشاف مدى الاحتجاج ثمّ التركيز على قطع الطرقات والإضرابات العامة.

بعد ذلك أعتقد أن الناس توجهوا بطريقة ذكية وخلاقة كي يصوّبوا على المشاكل: اتصالات، بيئة، أملاك بحرية إلخ. ما أستطيع تقديمه ويكون مفيدًا هو أن أترجم ما يجري في ضوء المشكلات الرئيسية، لا أودّ قول ما الممكن، ولكن لمَ نحن مضطرّون من الآن أن نطرح بديلاً عمّا هو معروض علينا، فإذا كان معروض علينا سياسة تقشف وأكل أجور وغلاء معيشة، يجب أن يتمّ كسر الاحتكار، والرقابة على الأسعار، واستيراد المواد الأساسية من قبل الدولة. ثم هناك ظرف صعب يتمثّل بالمديونية، فنحن معروضٌ علينا أنّه بمقابل إلغاء الدولة لارتفاع الضرائب، قرّرت أن هناك ملياران استثمار ملغاة، وقرّرت الدولة أنه بمقابل هذا هناك إلغاء لكل العناوين البسيطة: مشفى صغير، مدرسة بحجّة أنهم فاسدون وأن من يقوم بهذه الأمور هو رأسمال خاص، وكأن لا وسطاء للرأسمال الأجنبي. وأيضًا هناك قرار معلن بخصوص الاتصالات، المورد الثاني من موارد الدولة. هناك قرار بخصخصة القطاع العام، لدينا قطاع عام غير معلن يديره حاكم مصرف لبنان، وهو يدرّ الأرباح مثل المرفأ، الأجيرو، الكازينو، البورصة، هذا معناه أن الدولة تمنح احتكارًا لشخصٍ يضع عشرة في المئة فيحصل على موقع احتكاري في أماكن لا منافس له فيها، هذا بمقابل من أصبحوا أثرياء خلال ثلاثين عامًا من فوائد الدين غير المعقولة، هؤلاء هم أصحاب المصارف وكبار المودعين. في أي بلد تُطبّق سياسة الـ hair cut، وهذا يجب فرضه، ويجب أن يطالب المواطنون به. تقوم هذه السياسة على أنّ هناك سقفًا من الودائع إذا ما تخطّته الوديعة تُخصم منها نسبةٌ معيّنة، بحيث تفترض أنّ أصحاب الودائع التي تتخطّى السقف حصلوا خلال ثلاثين عامًا على مليارات. إنه تدبير عالمي ولا أدري ما الغريب فيه.

وهنا أسأل، هل رياض سلامة موظّف أم هو وزير الاقتصاد؟ هل يأخذ إذنًا من وزير المالية كي يعقد مؤتمرًا صحافيًّا؟ لقد نصّب نفسه وصيًّا على الاقتصاد اللبناني، هل يراقبه أحد؟ هو يعارض تخفيض ودائع كبار المودعين، ولا نقول ودائعهم بل الأموال الّتي أخذوها من الدّولة، وهو مع الخصخصة، هذه سياسات. هناك بنك مركزي وهو أحد أجهزة الدولة المالية يموّل الدولة، كيف ذلك؟

وفي ما خصّ المصرف المركزي أودّ أن أطرح أيضًا السؤال الآتي: يسمح هذا المصرف اليوم بمنح دولار خاصّ باستيراد القمح والبنزين والدواء، لم لا تستطيع الدولة اللبنانية استيراد الدواء مباشرة؟ علمًا أنه تم تقديم مشروع لاستيراد الدواء من أصحاب المؤسسات الخاصة، لم لا يستوردونها من المصانع نفسها؟ أود التذكير أن الطبيب الجريء إميل بيطار اقترح عام 1972 فكرة مطالبة الدّولة والضّمان الاستيراد مباشرةً من المصدر، فأضرب في وجهه تجّار لبنان، وعزَله الرئيس سليمان فرنجية. يجب تثبيت الأسعار ومنع الاحتكار، فمن المعروف أنّ النصف الأكبر من أسواق لبنان محتكرة، في كلّ بلدان العالم هناك قانون لمكافحة الاحتكار، وهنا أسأل من ينصّب حاكم المصرف ومن يديرون الاقتصاد وصندوق النقد والمسؤولين في سيدر، لماذا لم يقدّموا ولو لمرة على الأقل أي إجراء متعلّق بالفساد؟ هناك على سبيل المثال قانون تضارب للمصالح في أميركا، لم لا يقترحوه لدينا؟ أليس اقتصاد أميركا حرًّا؟ لم لا يقترحون قوانين ضد الاحتكار؟ Antitrust laws.

إضافةً إلى ذلك، من المهمّ التنبّه إلى أنّ الممسكين بالبلد يهرّبون أموالهم، ويملك معظمهم جنسيّاتٍ أخرى. هل يوجد بلد في العالم يملك رؤساؤه الثلاث أكثر من جنسية؟ هل هناك من يحاسب؟

أما في موضوع الفساد، فهناك ثلاثة عناوين مطروحة ومرتبطة به في حين هناك قانون يكفي الجميع وهو الإثراء غير المشروع. صدر هذا القانون عام 1999 وكان قد طرحه كميل شمعون وكمال جنبلاط عام 1949 وحمل اسم من أين لك هذا؟ عمل به شمعون لمدة عامين ثمّ ألغاه عام 1954. يشير هذا القانون إلى أنّ كلّ موظف في الدولة، من الموظف إلى الوزير، يقدّم عند استلام منصبه مظروفًا يعلن فيه عن أمواله المنقولة وغير المنقولة، ثمّ يعيد عند خروجه من الوظيفة تقديم مظروفٍ يعلن فيه عن وضعه الحالي، وتتولّى هيئة قضائيّة التّحقيق بالفارق والمساءلة. منذ صدور هذا القانون لا نعرف عنه شيئًا. واليوم نكتشف أن هناك ثلاثة قوانين أغرب من بعضها البعض، الأول مكافحة الفساد. ما معنى مكافحة الفساد؟ محاكمة الرؤساء والوزراء، لا تحاكموهم، رئيس الجمهورية بحسب الدستور لا يحاكم، انتهى الموضوع، إلا بالخيانة العظمى أو خرق الدستور، الباقي هناك كل موظفي الخدمة العامة اللّبنانيّة وهم حوالي ثلاثين ألفًا، عشرة أو 15 بالمئة منهم لا يعملون أو متوفّون، هؤلاء مسألتهم بسيطة: ترفع الحصانة عنهم جميعًا، وليتوقّفوا بالضحك علينا بالسّرية المصرفية.
تعني الثورة المليونيّة أنّ الناس يتحدّثون عن أمور جذرية تسبّب مشاكل. من أخبر رياض سلامة أنّه في حال كان اقتصادنا مدولرًا فمعناه عدم إمكانيّة قيامنا بشيء؟ ومن أخبره أنه غير مسؤول، مع غيره، عن دولرة الاقتصاد؟ ومن قال إنه لا يمكنهم إعادة الاعتبار؟ ولا يمكنهم تحسين الليرة مقابل الدولار؟

هناك برنامج كامل قدّمه اقتصاديون عملوا سابقًا مع رياض سلامة لكنّه رفضه. يقول البرنامج إنّ هناك ما يُعرف بالمديونية، وإنّ أي بلد مديون يمكن له أن يلجأ إلى خصم المديونيّة، أي أن لا يدفع قسمًا من الدين. هناك أشخاص ضاربوا على مديونية الدولة وجنوا المليارات، هل لهؤلاء حصة في إنقاذ البلد؟ أم هم يفرضون خرابه؟ ثم الحديث عن كيفيّة تخفيض خدمة الدين؟ عام 2002 ولتخفيض خدمة الدين وافقت المصارف على أن تقرض الدولة اللبنانية3.6 مليار دولار بصفر فائدة، كان الوضع حينها أفضل بأشواط من الوضع الراهن إذ كنّا على أبواب مؤتمر باريس 2، اليوم نحن على أبواب باريس 4 طُرح هذا الموضوع في مجلس الوزراء ورُفض، ما المانع أن تعطي المصارف الآن هذا القرض مجدّدًا لثلاث سنوات بهدف إنقاذ المديونية؟

في الدولة اللبنانية نصف الحكّام رجال أعمال: نجيب ميقاتي، محمد الصفدي، سعد الحريري. لا علاقة لهؤلاء بالمديونية؟ هناك أشخاص فرضوا على الدولة أن تستدين وبرأيهم أنّ الحلول تأتي لاحقًا، يأتي الازدهار من السعودية. هؤلاء ليسوا المصارف بل مضاربين على العملة، أسماؤهم وحساباتهم معروفة، والآن يهرّبون أموالهم من لبنان. يمكن القيام لهؤلاء أيّ تدبير متّبع في العالم.
تفترض الثورة أنها ستجبر بالضّغط الشعبي قيام إجراءات. ما أوّد المساهمة به كمواطن القول إنّ هناك بدائل على سياسة تقشّف وإفقار الشعب ومن الممكن النضال من أجلها، لا يوجد حلّ بل مسارات. يجب أن يواصل الحراك الضّغط، عندما تخرج منه ثورة أسمّيها كذلك، ولكن الآن يجب الضغط على مستوى البلد كله، كي يضطرّ المسؤولون أوّلاً تسمية عددٍ من ملفات الفساد واستدعاء مسؤولين للتحقيق، والبحث جارٍ بالدرجة الأولى حول أنّها حكومة ليست بالدرجة الأولى حكومة نواب وسياسيين على الرغم من أنها مرهونة بمجلس نيابي، والسؤال الكبير والمقلق هنا أنّ هناك بلد على شفير الإفلاس، اليونان أفلست وأدارت وتدير مشكلاتها وتدفع أثمانًا، ولكن الفرق هو حول الكلام عن الاستثمارات، أين الاستثمارات؟ يستورد لبنان عشرة أضعاف ما يصدّر والفارق تملؤه عائدات المغتربين والعاملين في الخارج، لا وجود للاستثمارات الخارجية الموعودين بها، يأتي الاستثمار الخارجي حيث هناك أعلى معدلات ربح، يأتي على سندات الخزينة والعقارات، وهذا ما يهتم به رياض سلامة كي يقنعنا بأنه يمنح قروضًا سكنية. أسوأ ما حصل لمتوسطي الدخل وعدُهم بالتملّك، كان يمكن بناء مساكن شعبية وتأجيرها، ألغيت في لبنان ضمانات الإيجار بتحرير الإيجار بالمقابل يقال إنّ البنك المركزي يمنح المصارف مليارًا بواحد بالمئة يدفع المواطن عليها خمسة في المئة؟ ما الذي يقوله هنا؟ يقول: خذوا مني أموالاً ورسمِلوا أنفسكم واجنوا الأرباح، وللعقاريين يقول: حوّلوا حق السكن إلى بيع وتفادوا مسألة الإيجارات وحق الناس بالسكن. علينا الاستمرار بالضغط كي لا تمرّ هذه الأمور عندما تتشكّل الحكومة.

الجميع مسؤول عن سياسات الانهيار

أحكم على أيّ طرفٍ في سياسته تجاه ثلاثة محاور: فساد، معيشة الناس، المديونية. وإذا كان حزب اللهأو أي طرف برغب بالتمايز فعليه إخبارنا كيف. ونحن غير محكومون بزعماء، هذا وهم، بل بأحزاب تملك سطوةً على جمهورها، معظمها مسلّح، أو كان مسلّحًا أو سلاحه جاهز. هناك أحزاب، القسم الأكبر منها أحزاب ذات قواعد تنتمي إلى نفس مذهبها لكن هذا ليس زعيمًا، ليس جوزف سكاف، هذه تركيبات فيها القصر والأيديولوجيا وادعاء الوطنية، ولا تمسك بقواعدها فقط عبر التنفيع. والانفكاك الذي يحصل هو انفكاك قواعد هذه الأحزاب بشكل جزئي. هناك قسم من جمهور هذه الأحزاب يخاطبها قائلاً: كنتم توزّعون علينا القليل من الفتات الذي انتهى، وبالتالي لا تجيبوننا على مشاكلنا، حتى لو قمتم بتوظيفنا لكنكم لا تجدون لنا حلا لأننا غير قادرين على إرسال أولادنا إلى المدرسة، ولا حلّ لمسألة أنّ المستشفيات الرسمية هي مستشفيات سرقة وفشل، كما أنّكم لا تسمحون لنا بالعيش بالمستوى اللائق الأدنى من ناحية السكن والحقوق الأساسية. يقول المواطنون إنّه لا معنى لهذا الحراك إذا لم نقل إننا نطالب بحقوق وأننا لا نريد إحسانًا.

في الوقت نفسه لا أوافق على النزعة السائدة ضد الأحزاب والحزبيين. ما نقوله إنّ هذه الأحزاب مسؤولة عن السياسات. على سبيل المثال، غطّى حزب اللههذه السياسات منذ أن شارك في الحكم، والكل مسؤول عن هذه السياسات إلى حين القرار عن الورقة الإصلاحية.

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [765.07 KB]

Start typing and press Enter to search