نحو معايير مهنية للصحافة الرقمية: تجارب وتوصيات
شيماء الشرقاوي
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [407.24 KB]

[i]

مع دخول التطور الهائل الذي لحق بوسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات في المدة الأخيرة، تغيرت خريطة المنافسة في عالم الصحافة وأصبح هناك نوعين مختلفين هما: الصحف الورقية، والصحف الرقمية أو الإلكترونية، بعد أن كانت هذه المنافسة تقتصر بين الورقية وبعضها فحسب، وأصبحت غالبية المؤسسات الصحفية على الصعيدين العالمي والعربي، تمتلك مواقع إلكترونية لمطبوعاتها الورقية، وكان الجديد هو ظهور نوع جديد من الصحف غير التقليدية، وهو ما عُرف بـ(الصحف الإلكترونية)، التي يقتصر إصدارها على النسخة الإلكترونية دون المطبوعة.

وفي في ظل هذا التطور التكنولوجي والاتصالي، وإتاحة وسائل الاتصال لدى الكثير من الأفراد حول العالم، واستخدامهم لتقنيات تتقاطع في كثير من الأحيان مع بعض من مهام المؤسسات الإعلامية، أفادت تلك التطورات على الناحية الأخرى هذه المؤسسات من خلال استحداث الكثير منها للوسائط التكنولوجية وبث الأخبار إلكترونيا لمحاولة مواكبتها، إلا أن الإقبال الكثيف على هذه الوسائط التكنولوجية وامتلاك التكنولوجيا اللازمة لاستخدامها من جانب الأفراد العاديين، طرح تحديا جديدا على المؤسسات الإعلامية ذاتها، سواء بالحديث عن صحافة المواطن ودورها وحدودها (المواطن الذي يجلب الخبر ويرسله في نفس الوقت)، أو حول قدرة الصحفي على تعلم تقنيات التكنولوجيا الحديثة واستخدامه لها.

وفي ظل انتشار الصحافة الرقمية وتطور أشكالها وتنوعها، تبرز التساؤلات حول الإشكاليات التي تواجه هذا النمط من الصحافة فبخلاف الإشكاليات التي تواجه الصحافة بشكل عام، فهل هناك إشكاليات تواجه هذا النمط على وجه الخصوص، وبالتالي فالتعرف على تلك الإشكاليات سيساعد في تقديم توصيات للسعي نحو المزيد من المهنية في الصحافة الرقمية.

أولا: أبرز الإشكاليات التي تواجه الصحافة الرقمية

  • إشكالية تحديد مفهوم الصحافة الرقمية والفارق بينها وبين الورقية:

هناك العديد من المسميات التي تطلق على هذا النمط الجديد من الإعلام، فأحيانا ما يتم وصفه بأنه “إعلام بديل”، وأحيانا أخرى يتم استخدام مصطلح “الإعلام الجديد”، وهناك مسمى “الإعلام الرقمي” في مقابل “الإعلام التقليدي”، وذلك في محاولة لوصف ذلك الانتقال من الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي إلى مرحلة جديدة من مراحل التطور التكنولوجي والتي أثرت في ملامح التغير في طبيعة الوسيلة دون أن يعكس تغيير في طبيعة المهمة الإعلامية أو الصحفية، وخير دليل على ذلك هو حدوث تغيرين رئيسيين يتعلق الأول بظهور مواقع إخبارية وبوابات إعلامية عبر المنصات الجديدة وبخاصة في جيلها الحديث كقنوات “اليوتيوب أو الشبكات الاجتماعية أو تطبيقات الهواتف الذكية”. والتغير الآخر يتعلق بأن ما هو قديم وتقليدي أصبح مجبرا بحكم ذلك التطور التكنولوجي على التحول الرقمي. [ii]

وأصبحت عملية الفصل بين ما يعد إعلاما “تقليديا” وأخر “إلكترونيا” مرتكزة على التمييز بين” الرسالة الإعلامية” و”مقدم الرسالة“، والتي تغيرت العلاقة بينهما عبر التاريخ وفق الاختراعات في مجال الطباعة والنشر والتكنولوجيا وفرض الإعلام الإلكتروني التحديات ذاتها التي فرضها في وقت سابق التلفزيون والراديو والتلغراف والتي سرعان ما تم تضمينها وإدماجها في التطور. وفي نفس الإطار أصبحت تطبيقات الإنترنت قادرة على الدمج بين الكثير من الأنماط الاتصالية في وسيط واحد ومتسع ومتاح أمام الاستخدام من قبل الجميع دون تفرقة. [iii]

فرض الإعلام الرقمي تحديا هاما حول تعريف من هو “الصحفي” ومن هو “الإعلامي”، حيث دخل في إطار الممارسة الإعلامية العديد من خارج الأطر التقليدية والمهنية، وذلك مع سهولة تدشين منصات إعلامية يتم خلالها عمليات الإنتاج والنقل والنشر والتخزين والأرشفة للمعلومات والأخبار، وفرض بذلك الإعلام الرقمي عدة متغيرات يتعلق أهمها بضرورة أن يتمتع الصحفي بتعدد المهارات للتفاعل مع بيئة متعددة الوسائط والخدمات. [iv]

وأحدثت الشبكات الاجتماعية نقلة نوعية في تطبيقات الإعلام الرقمي وذلك لدورها في نقل الخبر ومعالجته ومتابعته وإثارة ردود الأفعال حوله مع القدرة الهائلة على الانتشار والتأثير وتحولت التطبيقات تلك لأدوات للتعبير عن مجموع ردود الأفعال والاستجابات على السياسات العامة للدولة في إطار تزايد دور الإعلام في المجال العام.[v]

وبالتالي فالفارق بين الصحافة الرقمية والصحافة الورقية يتجلى في سمات رئيسية ومنها سرعة وسهولة الانتشار بين المواطنين، وأيضا ضعف القدرة على السيطرة عليها مقارنة بالصحافة الرقمية التي تخضع لسيطرة رؤوس الأموال أو النظم السياسية.

  • إشكالية المحتوى الإعلامي:

ترتبط إشكالية المحتوى الإعلامي برؤية الجماعة الصحفية لأهمية ما يقدمونه من مادة، فعلى الرغم من كون التكنولوجيا قد طورت كثيرا من عمليات تحديد القصص الإخبارية التي تستحق النشر، إلى جانب فكرة أنها تقدم الخلاصات من خلال الشبكات الاجتماعية مثل الفيسبوك وتويتر لمحة عن الأحداث التي تحدث في جميع أنحاء العالم من وجهة نظر الشهود مباشرة، وأيضا المدونات توفر وجهات نظر تحليلية من الأرض أسرع من الطباعة أو التلفزيون. ومع ذلك، فإن هذه الأدوات لا تزال عنصرا واحدا فقط من عناصر عملية جمع الأخبار.[vi] إلى جانب ذلك، تعطي صحافة الواقع الافتراضي الجمهور استقلالية لخلق قصصهم الخاصة، الصحافة لا تعرف بالتكنولوجيا أو التقنيات بل بمهمة إعلام الناس.[vii]

وبالتالي، من ناحية، أدت سيولة المشهد الإعلامي الرقمي، وانتشار صحافة المواطن التي جعلت من كل مستخدمي الإعلام الرقمي منتجين للأخبار ومصدرين للمعلومات أدت لإحداث إشكالية ملحة ترتبط بمبادئ الصحافة والإعلام من مهنية وتدقيق للمعلومات قبل النشر، وهذا ما ترتب عليه سهولة انتشار الأخبار المغلوطة والكاذبة التي تضر بكثير من المستخدمين.

ومن ناحية أخرى، أصبحت المنصات الرقمية مشابهة لبعضها بشكل كبير فيما يخص المحتوى المقدم ما جعل هناك تحدي حقيقي أمام تلك المنصات لجذب الجمهور والحفاظ عليه وهو الاستمرار في خلق تجارب ممتعة ومقنعة تجعلهم يعودون لمنصة بعينها دون غيرها وأن تكون تلك المنصة محل ثقة من قبل الجمهور في ظل تلك الإحالة من السيولة والانتشار والتي لا تعب بالضرورة عن جودة المحتوى.[viii]

  • إشكالية المعايير المهنية:

خلقت ثورة وسائل الإعلام إشكاليات متعددة، على المستوى الأول، هناك توتر قائم بين ثقافة كلا من الصحافة التقليدية والصحافة الرقمية. من ناحية هناك إشكالية ثقافة الصحافة التقليدية، التي تتبع منظومة قيم قائمة على التراتبية وعلى محورية دور غرف الأخبار ومجالس التحرير.[ix] فعلى الناحية الأخرى أتى نمو تكنولوجيا النشر الرقمي السهلة ليجلب معه معضلات أخلاقية جديدة للصحفيين مثل إشكالية التحقق من المعلومات، إشكالية تحديد مصادر المعلومات، ما يساعد على انتشار الشائعات والأخبار غير الصحيحة. وهذا عائد لعدة مستجدات ومنها سهولة نشر المعلومات والصور وأيضا عدم وجود تعريف لوظيفة الصحفي في الوقت الذي أصبح فيه كل من يمتلك هاتف ذكي أن يستطيع من خلاله التقاط الصور ونشر الأخبار على الوسائط الإعلامية الرقمية المختلفة وخصوصا منصات التواصل الاجتماعي.[x]

  • إشكاليات العاملين في مجال الصحافة الرقمية:

على الناحية الأخرى، يظهر الحديث حول أوضاع الصحفيين العاملين بالصحافة الرقمية، وهل يتمتعوا بنفس جملة الحقوق التي يتمتع بها الصحفيين في الإعلام التقليدي (الصحافة الورقية أو التلفزيون)، على سبيل المثال في لبنان نجد على الرغم من انتشار الصحافة الرقمية وذيع صيتها إلا أن غياب قانون ينظم الصحافة الرقمية في لبنان، فإن الصحفيين العاملين فيها محرومين من الانتساب سواء لنقابة الصحفيين أو نقابة المحررين اللبنانيين وهو نفس الوضع في مصر والتي عند اعترافها بالصحافة الرقمية قصرت تعريف الصحفي على أعضاء نقابة الصحفيين. وهذا على العكس من الوضع في المغرب، حيث تتحسن بيئة عمل الصحفي الرقمي في دولة المغرب، فإن النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وهي النقابة التي تشمل الصحف المطبوعة، تفتح المجال أمام الصحفيين العاملين في الصحافة الإلكترونية للانضمام إليها.

هذا على جانب التنظيم، وعلى الجانب الاقتصادي نجد أيضا أن أجور العاملين في الصحافة الرقمية تتسم بأنها ضعيفة ويتساوى في هذا الشأن كلا من لبنان والمغرب كأمثلة من المنطقة العربية.[xi]

ثانيا: استعراض أطر ومعايير للعمل في الصحافة الرقمية:

توفر المنصات الرقمية فرصا غير مسبوقة للتوزيع السريع للمحتوى، فضلا عن كونها وسيلة للتمتع بتفاعل حقيقي في الاتجاهين مع الجماهير، مع توفير طرق جديدة لإخبار القصص. يمكن للجمهور الوصول إلى مزيد من المعلومات أكثر من أي وقت مضى، لذلك يتحتم على وكالات الأخبار لتقديم شيء مختلف من حيث المحتوى والمنظور والقيم الصحفية.[xii]

نسمع مرارا كلمة “القيم المهنية”، فما التعريف الذي نتخيله لهذه الكلمة، هنا يمكننا القول إنها مجموعة المعايير التي يعتمدها أفراد مهنة ما، للتمييز بين ما هو جيّد وما هو سيئ، وبين ما هو مقبول أو غير مقبول، والتي تعني إعلاميا المعايير الأخلاقية والضوابط التي يلتزم بها الصحفي أثناء عمله مدركا الصواب والخطأ في السلوك المهني والتي تؤكدها المواثيق الإعلامية واضعة قواعد العمل والممارسة والسلوك. وهذه المواثيق المتعلقة بالعمل الإعلامي وكيفية التعامل بين زملاء المهنة، يصوغها في معظم الأحيان الإعلاميون أنفسهم من خلال تجمعاتهم المهنية المختلفة حماية للمهنة وحفاظا على مستواها وتحسينا لصورة الوسائل الإعلامية في نظر الجمهور. [xiii]

وبالتالي ما هو المقصود بالأخلاقيات المهنية في الإعلام الرقمي الجديد؟ يرجع البعض كونها هي أخلاقيات الصحفي في تعامله مع مادته الإعلامية على الإنترنت أكانت من أجل نشرها في موقع مؤسسته الإعلامية من موقعه المهني، أو على صفحته الخاصة في الفيس بوك أو حسابه على تويتر أو إنستجرام أو أي من مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى. [xiv]

نجد أن الاهتمام بفكرة الأخلاقيات الإعلامية في الوسائط الرقمية بدأت مبكرا عند المهنيين في الولايات المتحدة الأميركية، ففي ربيع العام 1997 أي بعد انتشار الإنترنت بقليل، دعا اتحاد الصحافيين الأميركيين ومركز بوينتر Poynter المتخصص في قضايا الإعلام، إلى لقاء مع مجموعة من المهنيين من القادم الجديد إلى الساحة الإعلامية، وذلك للتشاور حول إمكانية تطبيق أخلاقيات الصحافة التقليدية وقيمها على الإعلام الجديد وخلص هذا اللقاء إلى أن الصحفي يبقى صحفي أينما ومهما اختلفت الوسيلة الإعلامية التي يعمل بها، فعليه في كل الأحوال أن يتبع الأخلاقيات والمعايير المهنية ذاتها التي تنطلق من مبدأ المسؤولية الاجتماعية التي وضعت للوسائل الإعلامية منذ العام 1947 في الولايات المتحدة بعد أن كان يتم استخدام الوسائل الإعلامية كأداة للحشد والتعبئة السياسية.

ولكن بقي التساؤل حول ما إذا كانت المواثيق الأخلاقية الإعلامية التي وضعت قبل انتشار خدمات الإنترنت صالحة لليوم حتى مع تغير الوسائط الإعلامية والجماهير المستهدفة. ويرى العديد سواء من العاملين بالإعلام أو من خارجه بأنه على الرغم مما تفرضه الوسائل الجديدة من تحديات إلا أنه هناك جملة من المعايير المتفق عليها ومنها التركيز على النزاهة في العمل الصحفي، الالتزام بدقة المعلومات ومصداقيتها، الأمانة وعدم تشويه المعلومات، الموضوعية في نقل الأخبار، تحسين نوعية المضمون، احترام الكرامة الإنسانية للفرد، عدم انتحال الأفكار، وعدم الاقتباس دون مصدر. [xv]

وتبيّن التجارب العالمية على الناحية الأخرى إن استخدام الصحفيين لوسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها المتعددة يخضع بشكل عام إلى المواثيق الأخلاقية وآليات المساءلة المتصلة بالإعلام التقليدي وبالتالي الصحفي لا يتمتع بالحرية المطلقة في الفضاء الافتراضي بل يخضع لضوابط. وفي هذا الاطار قامت الفيدرالية المهنية لصحافيي مقاطعة كيبك في كندا بتطوير ميثاقها الأخلاقي بإدراج مبادئ خاصة بوسائل التواصل الاجتماعي للاستخدام الصحفي وتؤكد على الالتزام بالمعايير المهنية العامة التي تطبق على الوسائط الإعلامية الأخرى وعلى الطابع العام لما ينشره الصحفي على مواقع الشبكات الاجتماعية وينص الميثاق أن الصحفي لا ينشر في هذه المواقع الاجتماعية ما لا يمكن له أن ينشره على صحيفته كما يجب عليه أن يلتزم بحماية مصادره على الشبكة والتأكد من مصداقية الأخبار والامتناع عن السرقات الفكرية والإشارة في كل الأحوال إلى المصادر.

من ناحيتها أصدرت الجمعية الأميركية لناشري الأخبار أو للمحررين (The American Society of News Editors) دليلا اختزلت فيه القواعد التي وضعتها الصحف الأميركية لتنظيم استخدام الصحفيين لوسائل التواصل الاجتماعي قواعد محددة منها أن المبادئ الأخلاقية التقليدية يجب أن تطبق في الفضاء الإلكتروني فلا ينشر الصحفي ما لا يرتضي نشره في الصحيفة. كما لا ينشر على مواقع الشبكات الاجتماعية ما يسيء إليه شخصيا أو مهنيا أو ما يسيء إلى مؤسسته.

وكذلك فعلت كل من وكالة الصحافة الفرنسية ورويترز والبي بي سي وان تميّزت الوكالة الفرنسية بتشجيع صحافيها على استخدام هذه المواقع للاستفادة منها على صعيد المعلومات والأبحاث، وعلى صعيد المساهمة في الإعلان عن الوكالة والدفاع عنها، كما أنها سمحت لهم بنشر معلومات طريفة حول الفعاليات والأحداث كما يمكن لهم أن يستخدموا التويتر للحصول على معلومات جديدة.[xvi]

ثالثا: توصيات نحو معايير مهنية للصحافة الرقمية في المنطقة العربية

  • توصيات ترتبط بالمحتوى:

كما سبق وأشرنا لم يعد نقل المعلومات والصور حكرا على الجماعة الصحفية، خاصة فيما يتعلق بالوسائط الرقمية. وبالتالي فهناك مسئولية تقع على العاملين بالصحافة الرقمية لتطوير المحتوى الذي يقدمونه للجماهير وأن يبتعد المحتوى عن إعادة نشر الأخبار وإعادة تدويرها. فليزال المواطنون يحتاجون لمصادر تقدم له أبعد من المعلومات في صورتها الأولية.

وهنا يظهر الحديث حول العديد من التطورات التي يمكن للصحفيين أن يقوموا بإدخالها على محتوى الصحافة الرقمية على سبيل المثال البدء في التركيز على ما يسمى صحافة البيانات، ففي كتابهم “صحافة البيانات، كيف نستخرج الأخبار من أكوام الأرقام والمعلومات في الإنترنت”، يرى محرروه الثلاثة جوناثان جراي، ليليان بونيجرو، لوسي تشيمبرز أن اليوم تتدفق الأخبار أثناء حدوثها من عدة مصادر ومن شهود ومدونات، وما يحدث تتم تصفيته من خلال شبكة هائلة من المواقع الاجتماعية، ولهذا السبب تزداد أهمية صحافة البيانات، حيث تتزايد أهمية الجمع والانتقاء من بين هذا الكم الهائل، وتخيل ما يحدث بشكل يتجاوز محدودية ما تستطيع العين رؤيته، وطرحه للناس من خلال هذه البيانات التي باتت متاحة للجميع. وباستخدام هذه البيانات يتبع الصحفي نهجًا معينًا في طرح القصة، ويمكن أن يشمل هذا كل شيء، بدءًا من إعداد التقارير بالطريقة التقليدية (باستخدام البيانات كمصدر لتلك التقارير، مرورًا بالإنفو جرافيك وهي النسخة الأكثر تطورًا من الرسوم البيانية، وانتهاءً بتطبيقات الأخبار). فتوفير المعلومات والتحليلات استنادًا على المعلومات البيانية هو الهدف العام لصحافة البيانات، وهو ما يساعد على إثراء الأخبار بمصداقية أعلى.[xvii]

هناك أيضا مثال آخر وهي صحافة الحلول والتي ركز على إعداد تقارير عن حلول لمشاكل معروفة. بمعنى أنها تأخذ ما قامت به القطع الطويلة سابقا كخطوة للأمام -بعد تحديد المشكلة ومسبباتها، فهي تذهب للبحث عن حلول موجودة حول العالم. على سبيل المثال ما قامت به صحيفة “سياتل تايمز” التي تعب فريقها من إعداد التقارير عن فشل النظام التعليمي، فقرر تغيير السرد والبحث عن أمثلة حول السياسات التعليمية التي نجحت بالفعل. وهناك مثال آخر، مقال تينا روزينبرج في 2001 حول العقاقير المضادة للفيروسات المستخدمة لعلاج فيروس نقس المناعة البشرية في مجلة نيويورك تايمز[xviii]، حيث لم يتوقف المقال عند وصف جشع مصنعي الأدوية الذي يجعل العقاقير المضادة للفيروسات باهظة الثمن، لكن ركز على مثال البرازيل، والتي عملت على مقاومة ضغط عمالقة الأدوية، مصنّعة أدويتها الخاصة وتوزيعها مجانا.[xix]

من الممكن أن يدعم تطوير المحتوى المقدم على الصحافة الرقمية وتركيزه على جوانب مختلفة عوضا عن فقط نقل المعلومات من تطوير الصحافة الرقمية واستدامتها في مواجهة التغييرات التكنولوجية السريعة. يساعد أيضا تطوير المحتوى على خلق جماهير تثق في الوسائط الإعلامية وعلى استعداد أن تدفع في مقابل تلقيها لتلك الخدمات ما سيساهم في الخروج من سيطرة النموذج الاقتصادي المبني على ربط نسب المشاهدة بالإعلانات والدعاية.

  • توصيات ترتبط بالمهنية:

يجب أن تهتم الجماعة الصحفية في المنطقة العربية بوضع ميثاق للعمل الصحفي من خلال الوسائط الرقمية متبعة في ذلك ما قامت به المؤسسات الصحفية الكبرى على المستوى الدولي، فلا يمكن الاكتفاء بالأطر القانونية التي يتم استحداثها حاليا، ولسنا هنا في معرض استعراضها أو تقييمها، ولكن الأفضل أن تخرج تلك المعايير من داخل الجماعة الصحفية نفسها وليس أن تفرض عليها.

فمثلا، وضع معايير ترتبط بالالتزام بالنزاهة في العمل الصحفي من حيث احترام حقوق وكرامة المواطنين وعدم الخروج عن ذلك على سبيل المثال وضع معايير للتحقق من المصادر وفيما تقدمه من قصص إخبارية أو موضوعات. يقدم تقرير شبكة الصحافة الأخلاقية دليلا موسعًا حول كيف يمكن أن يتعامل الصحفيون بأفضل شكل مع مصادر معلوماتهم.

ويحث الدليل الصحفيين على أخذ بعض القضايا الهامة بعين الاعتبار، ومنها أنه على الصحفيين أن يكونوا شفافين لأبعد حدود حول نواياهم والتأكد من أن المصدر يفهم ظروف المقابلة، وإذا كانت المقابلة مع شاب أو شخص معرض للخطر، يجب على الصحفي التأكد من أن المصدر يفهم عواقب نشر المعلومات التي أعطاها.

وبالنظر إلى أن الصحفيين يستخدمون الآن وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر للمعلومات، فإن التقرير يتضمن أيضا دليلا للتحقق من المنشورات، الفيديوهات، الصور وغيرها من المحتويات، ومن هذه النصائح:

  • التحقق من أن ما من تعديل طرأ على الصورة أو الفيديو المأخوذ من وسائل التواصل الاجتماعي. (عبر الفوتوشوب على سبيل المثال).
  • تحديد والتواصل مع المصدر الأساس لمحتوى وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل التثبت من أين جاء المحتوى وإذا ما كان يظهر حقيقة ما هو عليه.[xx]

هذا إلى جانب المعايير الأخلاقية والقيم التي ارتضتها الجماعة الصحفية حول العالم والتي يجب أن ينص ميثاق العمل الإعلامي من خلال الوسائط الرقمية في المنطقة العربية، إذا كنا نهدف في خلق منصات رقمية جادة وذات مصداقية تضطلع بتقديم الخدمة الإعلامية في ظل سياق متغير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[i] تعريف الكاتبة: باحث مساعد ومنسق مشروعات بمنتدى البدائل العربي للدراسات، طالبة ماجيستير علوم سياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية وأطروحتها حول: الأدب كمصدر للفكر السياسي في مصر: دراسة في المدينة وعلاقات القوة “مدينة القاهرة نموذجا”، حاصلة على بكالوريوس العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، القسم الإنجليزي، 2011. الملفات البحثية: المجال العام، السياسات العمرانية، المجتمع المدني، الحركات الاجتماعية، والتحول الديمقراطي.

[ii] عادل عبد الصادق، فرص وتحديات تنظيم الإعلام الإلكتروني ما بين دور الدولة والمجتمع، الملف المصري، عدد يوليو 2017، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، https://goo.gl/3AAui3

[iii] نفس المرجع.

[iv] نفس المرجع.

[v] نفس المرجع.

[vi]Aleks Krotoski, What effect has the internet had on journalism?, 20 February 2011, The Guardian, https://goo.gl/LaEhQo

[vii] جيسيكا كروز، الصحافة الرقمية… أبرز التقاطعات بين الصحافة الحديثة والتكنولوجيا، شبكة الصحفيين الدوليين، 15 يوليو 2017،

https://goo.gl/mGZMr2

[viii] Maryanne Reed, Nine challenges facing the future of journalism, November 26, 2013, International journalists Network, https://goo.gl/JKqNGR

[ix] Stephen J.A. Ward, Digital Media Ethics, Center For Journalism Ethics , School of Journalism and Mass Communication, University Of Wisconsin–Madison, https://goo.gl/r6UwTG

[x]Martin Belam, “Journalism in the digital age: trends, tools and technologies”, Wednesday 14 April 2010, The Guardian https://goo.gl/ZciGBN

[xi] بسمة المهدي، الصحافة الإلكترونية في البلاد العربية… بين الاعتراف والتضييق، المنصة، 21 يونية 2016، https://goo.gl/gd1skb

[xii] داميان رادكليف، 8 مفاتيح رئيسية لوسائل الإعلام لتقديم محتوى جديدًا ومختلفًا، شبكة الصحفيين الدوليين، 21 أكتوبر 2017، https://goo.gl/6mb5bk

[xiii] إيمان عليوان، الأخلاقيات المهنية في الإعلام الجديد، 8 ديسمبر 2015، موقع جريدة المدن، https://goo.gl/g9uENQ

[xiv] نفس المرجع.

[xv] نفس المرجع.

[xvi] نفس المرجع.

[xvii] صحافة البيانات: المستقبل القادم للصحافة الحديثة، نون بوست، 19 سبتمبر 2016، https://goo.gl/eoiQdv

[xviii] Tina Rosenberg, Look at Brazil, The New York Times Magazine, 28th January 2001,

 https://goo.gl/Tza3gr

[xix] داريا سوخارشوك، صحافة الحلول… كيف تعدّ مقالاً ناجحًا؟، 25 أبريل 2017، شبكة الصحفيين الدوليين، https://goo.gl/Svnjaj

[xx] أليسا باشيو، 3 تحديات أخلاقية تواجه الصحفيين خلال 2017، 13 فبراير 2017، شبكة الصحفيين الدوليين، https://goo.gl/fQuTkL

Start typing and press Enter to search