ليلى الرياحي
تونس
المقدمة
إن الحديث عن “إعادة صياغة منوال التنمية” لطالما كان من ثوابت الخطابات الرسمية لكل الفاعلين السياسيين، حكومة ومعارضة، يمينا ويسارا، أحزابا ونقابات ومجتمعا مدنيا منذ شتاء 2010، لكن رغم الإجماع على أولوية إعادة هيكلة الاقتصاد التونسي، لم تتحقق الإرادة السياسية الكافية لذلك طوال السبع سنوات الفارطة، وذلك بالرغم من التغيرات النسبية التي طرأت على تشكيلات الحكم وبالرغم من تواصل الضغط الاجتماعي المطالب بحلول للخروج من الأزمة.
يرى الصغير الصالحي أنا أسبابا تاريخية متعلقة بنشأة السلطة في تونس تقف وراء غياب إرادة التغيير فيقول: “تتميز الحالة التونسية للتنمية غير المتكافئة بنشأتها على خلفية السيطرة السياسية التاريخية لبعض النخب (المناطقية) واحتكارها المزمن للحكم، والتي انطلقت من العهد الحفصي، وبذلك يأخذ تاريخ السلطة والسياسات الداخلية أهمية استثنائية في فهم الحالة. “[1] حيث يسوق المؤلف مفهوم “الاستعمار الداخلي” لتفسير ظواهر التنمية غير المتكافئة وكذلك مجمل السياسات الاقتصادية والاجتماعية والترابية التي عرفتها تونس منذ العهد الحفصي مرورا بفترة حكم البيات والاستعمار وبناء الدولة الحديثة ووصولا إلى التركيبة الحالية للسلطة. فرغم غياب مصطلح “المخزن” عادة عند توصيف المشهد السياسي التونسي، إلا أن ما يخلص إليه الصغير الصالحي بعد تحليل عميق ومطول لتركيبة السلطة، يمكن اختزاله في هذه العبارة ويتأكد هذا الطرح مجددا في السنوات الأخيرة أخذا بعين الاعتبار لطبيعة وأصول الفاعلين في السلطة وارتباطاتهم.
ومفهوم الاستعمار الداخلي يفرض علينا الانتباه إلى وجود مجموعة على قدر كبير من التجانس والاستمرارية تمكث في أعلى هرم السلطة وتستعمل أدوات وآليات استعمارية لفرض سيطرتها على بقية المجتمع وتسخر لذلك أجهزة الدولة. من هذا المنطلق، يصبح الحديث عن إمكانية قيادة هذه المجموعة للتغيير ضربا من الخيال، في مقابل ذلك يتأكد لنا أن إزاحتها، أو على الأقل التخلص من هيمنتها، شرط أساسي لبناء البديل.
بالمقابل، أتاحت دمقرطة الفضاء العام وتوسع هامش الحريات في تونس الفرصة للفاعلين السياسيين الكلاسيكيين المعارضين للسلطة، كأحزاب المعارضة والنقابات والمنظمات، مجالا واسعا للعمل على تعديل موازين القوى السياسية وعلى نشر رؤية اقتصادية مغايرة إبان الثورة، غير إنها كانت غير قادرة على التفكير والإبداع من خارج المنظومة القائمة المهيمنة وبقيت تساير الأحداث فترد الفعل تارة وتصمت تارة، أو تكتفي بالتنديد لرفع الحرج عنها، ولم تتمكن من طرح نقاش جدي حول المنوال الاقتصادي الفاشل.
فعلى المستوى الاقتصادي، تختص تونس، كما العديد من دول الجنوب، بمجموعة من العوامل التي تحد من إمكانيات التفكير في منوال اقتصادي-اجتماعي بديل نذكر منها المديونية المفرطة والارتهان لشروط المؤسسات المالية العالمية والاقتصاد الريعي الغير المنتج وضعف مؤسسات الدولة وفسادها وعدم قدرتها على القيام بأدوار التعديل وإعادة توزيع الثروة ولا حتى إنتاج دراسات وسياسات واستراتيجية وطنية تخدم الصالح العام والمصالح الشعبية ومناهج تعليمية وأكاديمية خاضعة لهيمنة الرؤى الليبيرالية في طرح المسألة الاقتصادية والاجتماعية وانتشار الثقافة الاستهلاكية… غير أن إمكانيات التغيير ترتبط أساسا بقدرة مجموع الفاعلين المعنيين على التحرر من المنظومة الاقتصادية الفاشلة والشروع في بناء منوال يتلائم مع الإمكانيات المتوفرة ويحمي ويراكم الثروة داخل المجتمع، ويتفاعل مع سياقه التاريخي والجغرافي والجيوسياسي للجعل من العدالة الاجتماعية مطلبا مركزيا، وهذا ما يفترض حدا أدنى من استقلالية القرار السياسي والاقتصادي ومجالا كافيا لصياغة وتفعيل سياسات تصب في الصالح العام، بالإضافة إلى أهمية التأسيس لكتلة تاريخية تدفع نحو التغيير.
في الحقيقة، إن حالة عدم الرضى التي تسود المجتمع التونسي حول المنوال الاقتصادي المنتهج منذ عقود تبرز من خلال الديناميكية المجتمعية المهولة التي تعيشها تونس منذ شتاء 2010 والتي يدفعها فاعلون سياسيون غير كلاسيكيون على رأسهم المعطلون من أبناء الجهات المهمشة. فهم من يطرحون الإشكاليات والقضايا الوطنية في شكل تحركات اجتماعية محلية وحركات احتجاجية، وهو ما يمكن توصيفه برسائل واضحة المعالم حول أمهات القضايا موجهة إلى مختلف هياكل السلطة والمعارضة والرأي العام والتي تمثل المداخل الأساسية من حيث الموضوعات والإشكاليات المطروحة لرسم منوال اقتصادي يقطع مع منظومة التهميش ويؤسس لمركزية قيمة العدالة الاجتماعية.
نحن لا نؤمن بإمكانية بناء منوال اقتصادي بديل من داخل المنظومة السياسية والاقتصادية الراهنة، ولا على إمكانية إيجاد وصفة سحرية من سياسات اقتصادية كلاسيكية تحقق العدالة الاجتماعية والرفاه للجميع، بل نراهن على أن المنوال الاقتصادي المستديم والفعال يبنى انطلاقا من تجارب على مستوى الاقتصاد الجزئي وفي إطار سياسات وتوجهات عامة تعطي الأولوية للإشكاليات الكبرى التي تمس الشق الأوسع من المجتمع، واعتمادا على قيم تضامنية واجتماعية تضع “الإنسان” في قلب المنظومة الاقتصادية والمجتمعية.
من هذا المنطلق، يصبح الحديث عن مداخل الاقتصاد البديل مستقطبا على حد سواء لمجموعة من المكونات الأساسية، تتمثل في طرح للإشكاليات الكبرى التي يجب الإجابة عليها، والفاعلين المعنيين بالتغيير، والمجال المستقل الضروري للقيام بتجارب بديلة وتطويرها من خارج المنظومة المهيمنة وكذلك القيم المركزية البديلة في التعامل مع المسألة الاقتصادية والاجتماعية. سنحاول في هذا المقال تقديم رؤية أولية لهذه المداخل من داخل السياق التونسي.
منهجيا، سنهتم في الجزء الأول بالتمعن في أهم المخاضات الاجتماعية التي طبعت تاريخ تونس الحديث، سيساعدنا هذا التمشي على إبراز تاريخية الإشكاليات الاقتصادية التي أفرزتها المنظومة المهيمنة وخاصيات مجالات تطبيقها الجغرافية، كما سيساعدنا على فهم الدور الذي لعبه الفاعلون السياسيون المهمشون في هذه المحطات وعن أهم القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي مكنت من التعبئة وأعطت لهؤلاء الفاعلين الإمكانيات الضرورية للدفع نحو محاولات التغيير. أما الجزء الثاني فسيهتم بالبحث عن سبل المساهمة في تجميع هذه الإمكانيات في أفق خلق مجال للتنظيم والتجريب والمراكمة، يكون هدفه تجنب إعادة إنتاج التجارب السياسية والتنظيمية الكلاسيكية بمنطق التعبئة تحت يافطة شعارات سياسية عامة بل تتجاوزه للتأسيس لتجارب اقتصادية مقاومة قادرة على خلق شروط فك الهيمنة والارتباط مع المنظومة السائدة على قاعدة ثقافة وممارسة اقتصادية إنسانية بديلة.
- المخاضات الاجتماعية كمداخل لمنوال بديل
- لماذا الاهتمام بالحركات الاجتماعية؟
تعرضت العديد من البحوث -السوسيولوجية خاصة- إلى دراسة الحركات الاجتماعية كظواهر مجتمعية وسياسية كانت محددة في تاريخ عديد البلدان، واهتمت أغلب الدراسات بمحاولة فهم الحركات الاجتماعية وتصنيفها معتمدة معايير مختلفة كالديمومة أو التركيبة أو الآليات الخ. ولكن مثل هذه الإنتاجات الفكرية والتصنيفات اللغوية قد لا تتماشى مع سياقات بلدان الجنوب بخصوصياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ومن هذا المنطلق نرى بضرورة الاشتغال على خلق تعبيرات مفاهيمية أكثر خصوصية بالسياقات المجتمعية المختلفة ضرورة عن سياقات بلدان المركز ويمكن إدراج المثال التونسي ضمن هذه المقاربة. اعتمادا على هذا التحليل، والذي نرى بموضوعيته، سنستبدل مصطلح الحركات الاجتماعية بمصطلح المخاضات الاجتماعية والذي نقصد به الحركات والتحركات والاحتجاجات والانتفاضات وحتى الثورات. فاهتمامنا بهذه الظواهر يأتي في إطار البحث عن المؤشرات الأساسية التي تبرز أعمق ما بالمجتمع من هواجس متعلقة بالوضعية الاقتصادية والاجتماعية وأكثرها قدرة على خلق حالة من التعبئة من أجل التغيير، على اعتبار أن ما يهمنا بالأساس هو الشعارات التي يرفعها المخاض المجتمعي كتعبير عفوي ومباشر من داخل السياق تعطي صورة واضحة عن أسباب التوتر الاجتماعي وأساسيات تحليل الواقع.
من ناحية أخرى، يهمنا في موضوع الحركات الاجتماعية ما يشير إليه جاك بوشي من قدرة لدى الحراك الاجتماعي على خلق مجالات مستقلة حيث يقول ” يتضمن عمل الحركات الاجتماعية بعدا لتوجيه المجتمع نحو قضايا ذات أهمية في العلاقات الاجتماعية. هذا ما يشير إليه آلان تورين (1978) على أنه “شامل ” أو “تاريخي”. ويشكل هذا البعد المتعلق بهيكل أو حالة العلاقات الاجتماعية، البعد الأساسي الذي يتدفق منه كل من الأبعاد المؤسساتية (صراع السلطة) والأبعاد التنظيمية (المطالب، والموارد) للعمل الجماعي. غير أن التوجهات الاقتصادية، وتحديدا علاقة الاقتصاد بالمجتمع، هي مسألة مركزية في تحديد للعلاقات بين الفاعلين الاجتماعيين، سواء من حيث إنتاج الموارد أو استهلاكها أو استخدامها. وهكذا، فإن الحركات الاجتماعية، في الوقت نفسه الذي كانت تقود فيه نضالات حاسمة في الفضاءات الاقتصادية الخاضعة للرقابة والموجهة نحو رأس المال من جهة والدولة من جهة أخرى، قد أعطت نفسها تاريخيا مساحة مستقلة للتدخل والبناء الاجتماعي والاقتصاد: الاقتصاد الاجتماعي.”[2] أي أن للمخاضات الاجتماعية، بالإضافة إلى قدرتها على وضع الإصبع على مواطن فشل المنوال الاقتصادي، قدرة على فتح مجالات جديدة للتفكير والتجريب وابتداع حلول بديلة.
- بسطة عن أهم الحركات الاجتماعية والانتفاضات الشعبية في تاريخ تونس الحديث، الخصائص والشعارات
يحفل تاريخ تونس الاجتماعي الحديث بالعديد من المحطات المفصلية التي كان الفاعل الأساسي فيها مخاضا اجتماعيا. سنعرج في هذا المقال على عينة من أهمها والتي طرحت إشكاليات اقتصادية واجتماعية ولعبت دورا مركزيا في تكريس ثقافة الاحتجاج والانتفاض والتعبئة من أجل التغيير الاقتصادي وهي ثورة علي بن غذاهم (1864)، ثورة الفراشيش (1906)، انتفاضة الخبز (1984)، أحداث الحوض المنجمي (2008) وثورة الكرامة (2010). وتهدف هذه البسطة إلى التمعن في حيثيات اندلاع المخاضات ومجالها الجغرافي والشعارات التي رفعتها -أو الاشكاليات التي طرحتها-.
ثورة علي بن غذاهم
اقترنت الثورة في المخيال الشعبي التونسي بمخاض اجتماعي شعبي قاده علي بن غذاهم انطلق في 10 مارس 1864، أي قبيل قدوم الاستعمار الفرنسي إلى تونس في سياق سياسي متأزم مرتبط بقرب نهايات الدولة الحسينية وبداية ارتهان تونس للقوى الأوروبية عبر آلية المديونية الخارجية[3] وكان شعاره الأساسي “لا ضرائب شخصية[4]“.
في كتابه “أصول الحماية الفرنسية على تونس 1861–1881” يعود المؤرخ الفرنسي جان قانياج مطولا على هذه الحقبة فيقول “فوجئت الحكومة التونسية في ربيع سنة 1864 بانتفاضة قبائل، سرعان ما امتدت في بضع أسابيع إلى كامل البلاد. وكان الترفيع في الضرائب، هو الدافع المباشر لها. غير أن ذاك الاستياء كانت له أسباب أبعد المدى” يذكر منها المؤلف رفض الشعب للإصلاحات على النمط الأوروبي التي كان يقوم بها الباي بإيعاز من مستشاريه من مماليك وسفراء غربيين، كإعادة تنظيم الإدارة والعدلية وذلك بتعلة إلحاق تونس بالعالم المتقدم. فعلى المستوى السياسي، انطبعت الإصلاحات بمزيد مركزة[5] السلطة في يد المجموعة الحاكمة والمتكونة من عائلة البايات والمماليك وبعض العائلات المقربة وكذلك بالنسبة للإصلاحات العدلية التي أصبحت معقدة وممركزة وتتطلب من الأهالي التنقل إلى المدن والمكوث فيها طويلا لفض قضاياهم.
وفي وصف لحالة الاحتقان، يقول المقدم كامبيون، مدير المدرسة الحربية أن ذاك “يطلب العربي من سيده قبل كل شيء ألا يرهقه بالضرائب، وأن يتولى إدارته أقل عدد ممكن من الموظفين، وأن يوفر له عدالة محلية سريعة البت في القضايا، ولا أثر لأي شيء من هذا اليوم. فالبلاد مدينة بسبب اندفاع تلك الحكومة الصغيرة في إنجاز الأشغال الكبرى.” وتنبهنا هذه الشهادة إلى السياسة التي انتهجتها الدولة الحسينية آنذاك والمتمثلة في التداين المفرط للقيام بمشروعات كبرى لا تعود في مجملها بالنفع على عامة الشعب، ولعل المثال الأكثر تعبيرا على ذلك هو مشروع ترميم “الحنايا” وهي قنوات رومانية تجلب الماء من منطقة زغوان إلى مدينة تونس، “غير أن سكان الحاضرة كانوا ناقمين على دفع مقابل الماء الذي يستهلكونه. أما الريفيون، فكانوا ساخطين على دوريات المراقبة التي تمنعهم من تحويل المجاري لفائدتهم. وسرعان ما تحسر الجميع على ذلك العمل الجبار الذي كان سببا في إفلاس الأيالة“.[6]
كما يأتي هذا المخاض الاجتماعي كردة فعل شعبية على بوادر الاستعمار الأوروبي[7]، وكإجابة على تواطؤ الطبقة الحاكمة مع الأجانب حيث تنامى الوعي العام بمصادرة القرار الوطني وتواترت التهم نحو الوزير خزندار بكونه قد باع البلاد بعد أن ساهم في إغراقها بالديون، وكان ذلك كافيا لتأجيج الوضع وانقلاب الشعب على الطبقة السياسية الحاكمة رافعين شعارات “لا مماليك” و”لا دستور” وطالبوا “بتخليصهم من البدع ومنع وسق الحبوب إلى الخارج”[8].
ونلاحظ من خلال الشعارات التي رفعها المنتفضون تقدم الوعي بمسألة السيادة الغذائية واستنكار ممارسات الاحتكار والتصدير والانتباه إلى بدايات هجمة استعمارية على الفلاحة التونسية ستتأكد في غضون بضع سنوات. ويذكر ابن أبي ضياف في هذا السياق أن الثوار «داموا يجرون حبوبه بفناء البرج أياما يوزعونها على المحتاجين منهم وهم يقولون: استرجعنا بعض ما نهبه منا“[9]
خطرة الفراشيش
كنتاج مباشر لسياسات الاستعمار الفلاحي وتواصلا للمقاومة الشعبية التي أطلقها علي بن غذاهم ودفاعا عن السيادة وقوت العيش، عرفت تونس سنة 1906 محطة ثورية مهمة كان مهدها المجال الجغرافي لقبيلة الفراشيش أي تالة والقصرين، (خطرة الفراشيش) وهي ثورة صغار الفلاحين ضد المستعمرين والمتواطئين معهم. ويرجع الهادي التيمومي[10] أسباب هذه الانتفاضة إلى مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية والمناخية لعل أهمها ما يتعلق بالفلاحة والأرض. ففي تلك الفترة، عمدت السلط الاستعمارية إلى تجريد الفلاحين من أراضيهم كما استعمل المعمرون شتى الطرق للاستحواذ على أراضي الأهالي حتى انهم «… كانوا يتذمرون من تقلص مساحات الأراضي بالبلاد نظرا لاستحواذ المستوطنين الأجانب على أكثر من 850000 هكتار (شراء وكراء) ونظرا كذلك إلى استيلاء الأعيان المحليين المتعاونين مع الاستعمار على مساحات هامة، كما كانوا يشتكون من عدم امتلاكهم الأرض التي يخدمونها. وقد فقد عدد لا يستهان به من الفلاحين أراضيهم الخاصة، إما لأنهم اضطروا تحت وطأة ظروفهم المعيشية السيئة إلى بيعها للمستوطنين الأجانب، أو لأنهم سقطوا فريسة للحيل التي نصبها لهم بعض المضاربين الأجانب المستغلين سذاجتهم وجهلهم باللغة الفرنسية، كما نشير إلى أن الخلافات الحادة على الحدود بين أراضي القبائل كانت فرصة مكنت الأجانب الأوروبيين من التسلل إلى تلك الجهات ووضع أيديهم على أراضي عائلات بأكملها. »[11] وفي ذلك استهداف مباشر لمورد الرزق الأساسي للأغلبية من الشعب التونسي وتكريسا للاستعمار الزراعي.
وتزامنت هذه السياسة المعادية للفلاحين مع عوامل مناخية صعبة تمثلت في سنوات متتالية من الجفاف (ما يسمى في الثقافة الشعبية بالشدة الكبرى) بينما لم يتوارى كبار التجار من العائلات المخزنية القريبة من البايات عن مواصلة تصدير الحبوب حتى غلي ثمنها.
ولم يقف استهداف الفلاحة التونسية على الاستيلاء على الأرض، بل تم تشديد الخناق على الممارسات الفلاحية التقليدية (كحركات الهطاية والعشابة) والتضييق على الانتفاع بالحلفاء والغابات وهي مورد رزق هام للأهالي، وذلك في إطار الضغط والدفع نحو التغيير التعسفي لنمط العيش من فلاح -خماس- راعي إلى أجير فلاحي أو عامل، وتركيز المجموعات البشرية لاستخدامها كيد عاملة في الصناعات الاستخراجية، فقد عرفت هذه الحقبة انطلاق الأنشطة المنجمية في كل من الجنوب الغربي الغني بالفوسفات والشمال الغربي لإنتاج الحديد.
وفي إطار نفس سياسة التوطين قصرا والحد من تحركات القبائل وتفقيرها لإجبارها على العمل بالمناجم، أحكمت المراقبة على الحدود الجزائرية لعرقلة تحركاتها والحد من التجارة الحدودية وتفكيك النسيج الاجتماعي والاقتصادي الذي كان (ولا زال) يجمع سكان شمال أفريقيا[12].
كما يذكر التيمومي أن من الأسباب المباشرة لهذه الانتفاضة تفاقم الفساد والرشوة واستبداد أعوان الإدارة المحلية واستشراء الربا وصلف المستعمرين واحتقارهم للأهالي، وكذلك التجنيد القصري بالإضافة إلى تفاقم الضرائب وإثقال كاهل الفلاحين والطبقات الوسطى والفقيرة.
انتفاضة الخبز 1984
في بداية الثمانينات وعلى إثر أزمة اقتصادية حادة، تعمق ارتهان الدولة التونسية للمؤسسات المالية العالمية لرسم سياسات اقتصادية تحت مسمى برنامج الإصلاح الهيكلي، وفرض سياسات تقشفية من أبرز ملامحها رفع الدعم عن المواد الغذائية الأساسية. لم تتأخر ردة فعل الشارع التونسي حيث «انطلقت انتفاضة بطريقة عفوية من قرية دوز في الجنوب يوم السوق الأسبوعية الخميس 29 ديسمبر 1983 في ردة فعل على مضاعفة ثمن الخبز الذي أقرته الحكومة تماشيا مع توصيات صندوق النقد الدولي. وانتشرت الاحتجاجات إلى قبلي والحامة وقابس وفريانة وقفصة ثم توسعت إلى جل أرجاء البلاد وصولا إلى العاصمة مساء 4 يناير 1984. وقد جوبهت بقمع رهيب ونزل الجيش واستعمل الرصاص ضد المتظاهرين.»[13]
تميز هذا المخاض الاجتماعي عن الذين سبقوه بغياب المنطق القبلي أو الجهوي في التعبئة أو في طرح الإشكاليات، بل كان بمثابة الهبة الشعبية التي غمرت تونس من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال. وقد أفضى إلى تحقيق المطلب الشعبي ورجوع السلطة عن الترفيع في الأسعار. لم يكن السياق التونسي قبيل اندلاع هذه الانتفاضة خال من التوتر، فتونس كانت تشهد نهايات فترة حكم بورقيبة الذي اتسم بتشديد الخناق على الحريات والحقوق السياسية، وألغى كل مجالات النقد والمعارضة لسياسات الدولة وهمش الفاعلين السياسيين من غير الموالين.
أمام الهبة الشعبية، توجه بورقيبة بخطاب للشعب التونسي يعلن فيه التراجع عن قرار الترفيع في سعر الخبز فكان هذا الخطاب كافيا لإخماد الحراك، بل ولاسترجاع “الزعيم” لشعبيته كاملة نظرا لغياب الأفق السياسي للانتفاضة، خاصة بعد أن حمل الرئيس الوزير الأول محمد المزالي المسؤولية الأحداث السياسية وأقاله.
كان الخبز العنوان الأساسي للمخاض الذي عرفته تونس في 1984 في تواصل للانتفاضات السابقة التي عرفتها البلاد من أجل لقمة العيش، حيث لا يمكن إنكار البعد الاقتصادي لهذا الحراك الاجتماعي، غير أن الرمزية السياسية والثقافية كانت على قدر عال من الأهمية. “ فهو، قبل كل شيء، تعبير عن رفض لمنظومة تقصي جزء واسعا من المجتمع، خاصة الشباب العاطل عن العمل، ولكن أيضا كل من أصبح يجد صعوبة في العيش من الأنشطة غير المهيكلة، والذي بات مهددا بالالتحاق بركب المعدمين والمهمشين اجتماعيا“.[14]
أحداث الحوض المنجمي “الثورة التونسية تطل برأسها”[15]
يتمحور النشاط الاقتصادي بالحوض المنجمي منذ القرن التاسع عشر حول استغلال الفوسفات من طرف شركة فوسفات قفصة العمومية التي تمثل المشغل الأساسي في الجهة. في إطار برنامج الإصلاح الهيكلي سنة 1986، تعرضت الشركة إلى عملية إعادة هيكلة أفضت إلى تقليص عدد العاملين بها بـ75 بالمائة دون تطوير النسيج الاقتصادي بالجهة[16] وإلى تحويلها من شركة راعية تقوم بدور اجتماعي هام وتعوض الدولة في عديد المجالات إلى شركة متخلية، مما عمق سوء الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للأهالي وولد إحساس بالتهميش لديهم خاصة ومقارنة بما كان ينجز في المناطق الساحلية من استثمارات ومشروعات[17]. وفي يناير 2008، وعلى إثر نشر نتائج مناظرة الانتداب في الشركة، اندلعت موجة من الاحتجاجات قادها الشباب المعطل عن العمل، تعبيرا عن سخطهم من استفحال الرشوة والمحسوبية في المناظرات العمومية وعن غضبهم من انسداد أفق التشغيل بمنطقتهم. جابه النظام البوليسي الدكتاتوري هذا المخاض الشعبي بقمع شديد وحاولت السلطة إخماده بمحاصرة المحتجين وتعنيفهم والزج بهم في السجون وقطع سبل التواصل مع المساندين في الداخل والخارج في محاولة لبسط سلطتها مجددا على المنطقة المتمردة.
يمثل هذا المخاض نقطة التقاء محددة اشتبكت فيها المطالب السياسية بالمطالب الاقتصادية والاجتماعية في فترة اتسمت بانغلاق الآفاق السياسية أمام الفاعلين الكلاسيكيين من أحزاب معارضة ونقابات فانحصر دور الأولى في التنديد ومحاولة فك الحصار الإعلامي ومساندة عائلات المعتقلين، بينما اصطفت المركزية النقابية إلى جانب السلطة وتخلت عن دورها كقوة ضغط عمالية تدافع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. في مقابل عجز الفاعلين الكلاسيكيين، التزم الفاعلون الجدد من معطلين عن العمل وشباب مهمش بالمقاومة والتصدي للسلطة عبر تعطيل وسائل الإنتاج في خطوة تصعيدية غير معهودة مستفيدين في ذلك من حاضنة شعبية متضامنة ومعنية بالتغيير.
يأتي هذا المخاض في فترة اتسمت باحتدام أزمة البطالة في تونس كنتيجة مباشرة لفشل منوال التنمية والسياسات المنجرة على خضوع السلطة لإملاءات صندوق النقد الدولي، وهو يمثل بدايات تشكل الوعي السياسي داخل المخاضات الاجتماعية اعتمادا على عناصر محلية نوعية تمكنت من تأطير المخاض والرفع من سقف مطالبه إلى حد استهداف رأس السلطة مباشرة. فطرح حراك الحوض المنجمي بإلحاح إشكالية التنمية غير المتكافئة وتهميش السلطة الممنهج للمناطق الداخلية وهيمنة فئة معينة على دواليب السلطة والاقتصاد، كما بادر بطرح إشكالية التصرف في الموارد الطبيعية وإعادة توزيع عائداتها معبرا عن وعي شعبي بالاستعمار الداخلي، وأعطى إشارة الانطلاق إلى حراك اجتماعي ذو نفس جديد يعتبر اليوم مهد أحداث 17 ديسمبر- 14 يناير، ولئن تمركز في منطقة جغرافية محددة، فإن صيته وإفرازاته طالت كامل الجهات الداخلية وساهم في تشكيل وعي جماعي بإلزامية تغيير سياسي يمهد لبناء منوال اقتصادي عادل.
- ثورة 14 يناير 17 ديسمبر، المخاض المتواصل
لعل أهم خصوصيات المسار الثوري في تونس أنه كان محطما لجميع المقولات الكلاسيكية لمفهم التغيير المجتمعي حيث انه تجاوز حقيقة الأحزاب الثورية وكذلك الأطروحات الإيديولوجية المرتبطة بمهام إنجاز الثورة، وأنتج في المقابل ميكانزمات مجتمعية جديدة كانت أساس هذا المسار الثوري والتي تمثلت في حالة مقاومة عنيفة للدكتاتورية كان الفاعلون فيها عموم الشعب التونسي من الطبقات المتوسطة والفقيرة. كما تميزت سمات هذه الحركة بتلقائية تنظمها واختيارها لأدوات تحركها وتعبئتها ومقاومتها ونجحت في ضمان استمراريتها وتوسعها انطلاقا من الجهات المهيمن عليها تاريخيا (تونس الغربية) إلى باقي الجهات. من هذا المنطلق يمكن اعتبار وتوصيف المسار الثوري في تونس كنقطة التقاء جامعة للعديد من المخاضات الاجتماعية توجت بلحظة تاريخية تحت شعار إسقاط النظام المهيمن والمطالبة بالتأسيس لآخر يتلخص في ثلاثية الشغل والحرية والكرامة الوطنية.
تجدر الإشارة أيضا إلى أن المسار الثوري في تونس كان لحظة تأسيس لديناميكية مجتمعية جديدة من خلال مقاربة المخاضات الاجتماعية التي أصبحت الفاعل المجتمعي الجديد بامتياز عبر تطورها الكمي والنوعي. ولكن أيضا من خلال استمراريتها لتصبح التعبير الرسمي الأكثر انسجاما مع صعوبة الواقع المعيش ورفضا للانقلاب على المسار الثوري. من هذا المنطلق نشير إلى أن عدد الحركات الاجتماعية في تونس قد بلغ 4375 تحركا سنة 2015[18] وهو ما يعكس حقيقة ثقل هذا الفاعل الاجتماعي والسياسي الجديد، والذي تركز بشكل أساسي في مختلف المناطق الداخلية المهمشة وهي حاضنة تاريخية للمخاضات الاجتماعية كالقصرين وسيدي بوزيد وقفصة والقيروان.
وتمحورت جل هذه المخاضات الاجتماعية حول الإشكاليات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تحت عناوين مختلفة[19]. ونظرا لخصوصيات محاور اهتمام هذه المخاضات الاجتماعية، فقد كان الفاعلون فيها عموما من الفئات المهمشة المنتمية إلى الطبقات الاجتماعية الأكثر تأثرا بسياق الأزمة كالمعطلين عن العمل وعمال الحضائر والمجموعات السكانية التي تعاني تدهورا كارثيا في مستوى العيش.
سبق وأن أشرنا إلى أن المسار الثوري في تونس كان نقطة تحول نوعية في مسار المخاضات الاجتماعية، إذ أنه أسس لشرعية مقاومة بديلة اكتنزت على خصوصيات فعلها وتنظمها وشعاراتها وأضحت معطى موضوعيا في عملية التغيير المجتمعي من خلال اتساع رقعة فعلها وامتدادها الزمني أيضا. في المقابل، وبالعودة إلى تحليل تاريخ تونس الاجتماعي في فترة ما قبل 2011 يمكننا أن نلاحظ أن هذا التاريخ لم يخلو يوما من حقيقة المخاضات الاجتماعية، بقي أن نشير إلى خصوصية عدم استمرارها أو ما يمكن أن نصفه بالمناسباتية، أي ارتباطها بسياقات اقتصادية واجتماعية وسياسية جد خصوصية وعابرة عموما، ارتباطا بفشلها أو بزوال مقومات عودة انبعاثها.
إذا كانت المناسباتية هي السمة المميزة للحركات الاجتماعية في فترة ما قبل 2011 إلا أننا نشير أيضا إلى ضرورة الانتباه إلى ارتفاع نسق هذه الحركات خلال الست سنوات الماضية وهو ما يمكن أن نصفه بديمومة المخاضات الاجتماعية، لتصبح الفاعل الاجتماعي الأكثر أهمية وثقلا بامتياز. من جانب آخر، نعتقد أن تحليل عملية التحول الكمي والنوعي صلب هذا المخاض على قدر من الأهمية مما يساهم في مزيد تمثل هذا الموضوع ودراسة إمكانيات تطوره المستقبلية. عموما، يمكن تحليل مسار تطور المخاضات الاجتماعية من المناسباتية إلى الديمومة اعتمادا على المعطيات التالية:
- هامش الحرية الذي خلقه المسار الثوري والذي أتاح مجالات واسعة للتعبير والتنظيم والاحتجاج وهو ما ساهم في نمو وتزايد الحركات الاجتماعية على عكس فترة الدكتاتورية السابقة.
- استفحال سياق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وعجز الحكومات المتعاقبة عن تلبية المطالب الشعبية.
- المحافظة على نفس الخيارات الاقتصادية النيوليبرالية التي تنتج ضرورة حالات تأزيم متزايدة لكافة التشكيلات المجتمعية.
إن هذه العناصر مجتمعة كانت محددة في نسق تطور الحركات الاجتماعية من المناسباتية إلى الديمومة ارتكازا على مركزية مفهوم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بقي أن نشير إلى أن طبيعة السلطة السياسية في تونس، والمرتهنة عموما الى دوائر النفوذ النيوليبرالي العالمية، لا تمثل في نهاية الأمر إلا ضامنا لمصالح هذه الأخيرة على نقيض المصالح الشعبية وهو ما يؤكد صحة مقولة ” ديمومة ” الحركات الاجتماعية بل ونرشح أن تأخذ منحى تصاعديا في المستقبل لتكون الفاعل المجتمعي الجديد بكل امتياز في تجاوز لكافة الفاعلين الكلاسيكيين.
من جانب آخر، نشير أيضا إلى مركزية العنصر النوعي داخل ديناميكية الحركات الاجتماعية، حيث أنها لم تقتصر فقط على ثنائية الاحتجاج والمطلبية بل تجاوزت ذلك لتخلق حالة وعي متقدمة من داخلها تمثلت أساسا في عملية اندماج المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية مع المستوى السياسي في أفق التفكير في منوال اقتصادي بديل. لعل أبرز تجارب الحركات الاجتماعية التي تندرج في هذا السياق تجربتي ”جمعية حماية واحات جمنة” و”اعتصام الكامور”. فبالنسبة لتجربة جمنة، كان المطلب المركزي متمثلا في ” حق الولوج الشعبي إلى الأرض ” في تناقض تام مع السياسات الرسمية. أما بخصوص ”اعتصام الكامور” فقد مثل حالة وعي شعبي جد متقدمة رفعت شعار ” تأميم الثروات الطبيعية ” الخاضعة لتصرف الشركات الأجنبية وكبار الرأسماليين المحليين في مقابل تخلي الدولة عن دورها الرقابي والسيادي. لعل التعرض إلى مستوى النقلة النوعية في أداء المخاضات الاجتماعية يمثل خير دليل على ديناميكية هذا المسار وقدرته على التطور في مستوى الوعي بالواقع والتماس شروط تغييره.
إن خيارنا في اعتماد مقاربة تحليلية تاريخية لواقع الحركات الاجتماعية في تونس ما قبل 2011 وما بعده لم يكن اعتباطيا وإنما يمثل حالة استمرار تاريخي لسياق الأزمة بمسميات عديدة في مقابل حالة استمرار تاريخية مماثلة لممكنات مقاومتها عبر فاعلين مجتمعيين عديدين في إطار المخاضات الاجتماعية أي أن تاريخ المقاومة الاجتماعية في تونس لطالما حافظ على أهم مميزاته والمتمثلة في عنصر الجغرافيا (تونس الدواخل كانت المحرك الأساسي) والمطلبية الاقتصادية والاجتماعية خصوصا وأخيرا طبيعة الفاعلين فيها (الفئات الشعبية المهمشة والمفقرة).
- المجالات وأدوات البناء، من أين نبدأ؟
لئن كان المعطى الجغرافي (تونس الدواخل) مركزيا في واقع المخاضات الاجتماعية باعتباره مجال خلق هذه الأخيرة وفضاء فعلها، إلا نه يكتنز أيضا على مقومات التأسيس لمقاربة تنموية بديلة لما يحتويه هذا الفضاء من إمكانيات اقتصادية واجتماعية وبشرية وثقافية كفيلة بتأمين التأسيس لبديل يقطع مع تاريخية منظومة التهميش لتونس الدواخل. من هذا المنطلق نرى بضرورة الأخذ بعين الاعتبار للمعطى الجغرافي كشرط أساسي لتفكيك منظومة التهميش في تونس ولتصور بدائل مقاومتها وإنهائها.
إن ارتكاز المخاضات الاجتماعية تاريخيا في الجزء الغربي من البلاد التونسية إنما يمثل دليلا قطعيا على تكثف عملية التهميش الممنهج من السلطة المركزية المهيمنة على باقي الجهات المهيمن عليها. لعل أبرز مثال على منظومة التهميش الرسمي في تونس يتمثل في اتساع فجوة التفاوت الجهوي أو التنمية غير المتكافئة عبر تعبير الصغير الصالحي بين الجهات الساحلية والجهات الغربية، أو ما يمكن أن نعبر عنه ب ”تونس الشرقية ” و” تونس الغربية ” حيث واصلت السلط الرسمية انتهاج نفس الخيارات التنموية عبر تركيز مجمل الاستثمارات والإنفاقات العمومية وتشجيع الاستثمار الخاص في المناطق الساحلية مقابل إهمال شبه كلي للمناطق الغربية. إن تخلي الدولة عن مسؤولياتها التنموية لصالح المناطق الغربية قد ساهم في خلق ديناميكيات اقتصادية واجتماعية خارج أطر الاقتصاد الرسمي كردة فعل على منظومة التهميش ولكن أيضا كبدائل اقتصادية تمكن سكان هذه المناطق من تأمين عيشهم اليومي. هذا النمط الاقتصادي البديل هو ما يصطلح عليه اليوم بـ”الاقتصاد الموازي” أو ”الاقتصاد الغير المهيكل” وهذه التسميات تندرج في سياق عام رسمي تجرمها لـ”عدم قانونيتها”. في هذا الإطار، نشير أننا سنعوض مفهومي ”الاقتصاد الموازي ” و”الاقتصاد غير المهيكل” بمفهوم ” الاقتصاد الشعبي” كتوصيف لمجمل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية من خارج الأطر الرسمية خاصة تلك التي تمارسها الفئات الاجتماعية الأكثر فقرا وتهميشا لكسب عيشهم في مقابل تخلي وإقصاء النظام الاقتصادي الرسمي لهم، مع ضرورة الانتباه إلى عدم إدراج أنشطة الجريمة المنظمة صلبها كالإتجار بالسلاح والمخدرات.
الأكيد أيضا أن قطاع الاقتصاد الشعبي أضحى ذو أهمية بالغة في المجتمع التونسي حيث تقر المصادر الحكومية أن “الاقتصاد الموازي” يمثل 54 بالمائة من الناتج المحلي الخام (وهذا معدل وطني حيث أنه قد يصل في بعض المناطق إلى 70 و80 بالمائة)، وهي تعتبره من أهم عوائق التنمية. في الحقيقة، إن النشاط الاقتصادي الشعبي الخارج عن سيطرة مؤسسات الدولة هو مورد رزق للشريحة الأوسع من الشعب التونسي بصفة مباشرة أو غير مباشرة ويساهم في الحد من التضخم ويشارك في ضمان التوازن الاقتصادي والاجتماعي، بما في ذلك الموازنة العامة للبلاد (70 بالمائة من التمور المُصدّرة يعتمد إنتاجها على التوسعات ”الفوضوية”، أي الواحات التي أحدثت اعتمادا على آبار غير مرخص لها).
بقي ان ننتبه إلى أن التطرق لموضوع الاقتصاد الشعبي يتجاوز الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية إلى ثنائية التاريخي والثقافي، حيث أن هذا النمط الاقتصادي لطالما كان متجذرا في مجتمعات تونس الدواخل من خلال مثال التجارة الحدودية أو ”التهريب” بالمنطوق الرسمي، وحيث مثل هذا النشاط مورد رزق مباشر وغير مباشر لآلاف العائلات التونسية ولا يزال متواصلا إلى اليوم ليكون في النهاية بديلا حقيقيا لعمليات الاحتكار وغلاء الأسعار (الأسمنت، المواد الغذائية، المحروقات وغيرها…).
من خلال هذا العرض الموجز لوضعية الاقتصاد الشعبي في تونس، يتضح لنا أن التأسيس لأي مقاربة اقتصادية بديلة لا يمكن لها أن تستثني هذا القطاع لما يحتويه من مقومات اجتماعية وبديلة على نقيض النظام الاقتصادي الرسمي. فبتغيير منطلقات تحليل الواقع الاقتصادي، يتضح أن مجال العمل على بلورة البديل المجتمعي يرتكز بشكل أساسي على مجال “الاقتصاد الشعبي”، ليس في أفق هيكلته ليتم الزج به داخل الدورة الاقتصادية الرسمية، بل بدراسة آلياته ومظاهره الاجتماعية والجغرافية والاستهلاكية ومجالات نشاطه (من تجارة وفلاحة وخدمات وصناعات صغرى ومتوسطة…) والعمل على دعم الناشطين فيه ومساعدتهم على ابتكار طرق تنظمهم وإعادة توزيع الثروة حسب خصوصيات تجاربهم وموروثهم الثقافي والتاريخي، ومن ثمة اعتماد خصوصياته لهيكلته، ولرسم منوال جديد يرتكز على الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كعنوان لمشروع اقتصادي إنساني يتوفر على شروط وإمكانيات أن يكون بديلا حقيقيا لاقتصاد السوق المهيمن. ففي حين يعمد الخطاب الرسمي إلى الربط بين “الاقتصاد الموازي” والتهريب والإرهاب والحراك الاجتماعي لتجريم هذا الأخير، فإن على كل مقاربة بديلة أن تجعل من الاقتصاد الشعبي ميدانا لتطوير البدائل الإنتاجية والاستهلاكية الجديدة مع ربطه بالمداخل التي يطرحها الحراك الاجتماعي في شعاراته وروافده ومطالبه.
إن الحديث عن أية مقاربة مجتمعية بديلة تستثني إمكانيات التأسيس لمجتمع بديل من خارج المنظومة النيوليبرالية المهيمنة هي بالضرورة مقاربة منقوصة. والمقصود هنا بالبديل هو كل فعل تفكيري وعملي يحطم بالضرورة ويتجاوز عمق المشروع النيوليبرالي المهيمن. فالتأسيس لمجتمع بديل يكون فيه العنصر البشري مركز كل نشاط اقتصادي واجتماعي يستدعي بالضرورة فعلا مقاوما وبديلا ونقيضا للمشروع المهيمن وضرورات التنظيم الاقتصادي والاجتماعي من خارجه.
في ذات السياق، وفي استعراض مفهوم ”الاقتصاد الشعبي” إنما أردنا أن نبين أن إمكانيات التنظيم الاقتصادي والسيادي من خارج جهاز الدولة لطالما كانت ممكنة. فبتخلي الدولة عن مسؤولياتها التنموية ظهر مفهوم ” الاقتصاد الشعبي ” كحالة مقاومة وتجاوز لجهاز الدولة وبرهن عن إمكانيات التنظيم البديل من خارج كافة الأطر الكلاسيكية ومنها جهاز الدولة الرسمي. بقي أن نشير إلى أن ثقل قطاع الاقتصاد الشعبي في تونس وتركزه في مجال جغرافي معين ونقصد به ” تونس الدواخل ” يستدعي منا جهدا مضاعفا للتأمل في إمكانيات هذا القطاع لأن يصبح حاملا لمشروع إنهاء منظومة التهميش التاريخية وأن يؤسس لبديل اجتماعي واقتصادي حقيقي على نقيض جهاز الدولة المتخلي واللا شعبي.
مثل هذا الطرح قد يثير جدلا كبيرا وقد يوصف بكونه غارقا في المثالية لأنه قد لا يرتكز إلى خلفيات أيديولوجية وفكرية واضحة المعالم، إلا أنه في مقابل ذلك يمثل التعبير الأكثر ملائمة والتصاقا بالواقع، لذلك فإن هذا الطرح على عدم اكتماله، إلا أنه يمثل حالة ”تنظير الواقع” دون أية حاجة لأن يكون مستلهما من كبريات النظريات الفكرية والأيديولوجية. ونعتقد أيضا أن التفكير من خارج كل الأطر الكلاسيكية هو فعل بديل بامتياز شريطة متابعته واستلهامه من الواقع المعيشي المباشر.
من جانب آخر، نعتقد أن تركز الاقتصاد الشعبي في الجهات الغربية الأكثر تهميشا لا يخلو من الرمزية وإنما يتضمن أيضا إشارات مركزية وجب الانتباه إليها. فمن جهة، فان الاقتصاد الشعبي وما يمثله من مجمل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية المتجاوزة لمجال الدولة الرسمي والمكتنز على مقومات مقاومة للنظام السائد إلا انه من جهة أخرى كان قد تركز في مجال جغرافي محدد له خصوصياته الثقافية والمتمثلة بشكل مركزي في استمرار قيم التضامن والتعاون الشعبي والاجتماعي مثل ممارسات ”التويزة[20]” و”الفرقة”… من هنا نتبين السمات الأساسية لقطاع الاقتصاد الشعبي وما يحتويه من رمزية الفعل الاقتصادي المقاوم والإنساني وروح التضامن والتعاون الشعبيين.
إن هذا التحليل حامل أيضا للإجابة عن مركزية السؤال ”ما هو أفق تنظم وتطور الاقتصاد الشعبي ”؟ هذه الإجابة، والتي تتمثل حسب اعتقادنا في أنموذج الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كحاضنة استراتيجية لمشروع الاقتصاد الشعبي من خلال إمكانياته على توفير بدائل تنظم من تعاونيات وتعاضديات ومؤسسات أخرى، تحافظ على جوهر وروح الاقتصاد الشعبي.
إن الرهان على مفهوم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني إنما كان استنتاجا مباشرا من الواقع كما كنا قد أسلفنا إلا أنه أيضا يمثل مشروعا بديلا ومقاوما للمشروع الرأسمالي النيوليبرالي. فمشروع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني إنما هو دعوة للإعادة التفكير في عمق العملية الاقتصادية ليكون الاقتصادي في خدمة الإنسان وليس العكس وهو بذلك هو وسيلة لتحسين شروط عيش الإنسان حيث تتمركز قيمة النجاعة الاجتماعية بدلا عن النجاعة الاقتصادية. وهو دعوة أيضا للتفكير في قيمة العمل كممارسة اجتماعية تضامنية تمكن الإنسان من أن يكون جزء فاعلا من المجتمع وتؤسس لمركزية الفكرة القائلة ” بضرورة أن نعيش في مجتمعات وليس في اقتصاديات”.
إن الارتباط العضوي الذي يتحلى به الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالأبعاد الميدانية والثقافية، يجعل لكل تجربة تنضوي تحت هذا المنوال خصوصيات تجعلها فريدة لا يمكن استنساخها كليا، ولكنها تكون مصدر إلهام واقتباس وتجديد وتكون قابلة للابتكار والتطويع. فإلزامية تعدد التجارب والمراكمة من الأسس التي يجب الانتباه إليها عند البناء منوال اقتصادي تضامني واعتبارها وسيلة لخلق ديناميكية اقتصادية حية، قادرة على التطور والاندماج. بالإضافة إلى أن بساطة مبادئ هذه المنظومة تعطي مجالا واسعا للتلاؤم مع الوضعيات والتجدد والتطور بما يتماشى مع حاجيات المجتمع ويحترم القيم الكونية.
من جهة أخرى، فإن تعاطينا مع مفهوم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني لا ينطوي فقط على الإمكانيات التنظيمية لقطاع الاقتصاد الشعبي وإنما يتمثل أيضا على محددات سياسية انطلاقا من هويته البديلة والمقاومة للنمط الرأسمالي مما يتيح فرص تطوير الوعي لدى فاعلي الاقتصاد الشعبي ليتجاوز هذا القطاع منطق ردة الفعل الاقتصادي والاجتماعي وأن ينخرط في النهاية ضمن مقاربة مجتمعية واعية ومؤسسة لمقاربة اقتصادية بديلة.
الخاتمة
إن التمعن في مجمل المعطيات التاريخية والجغرافية المرتبطة بسياق المخاضات الاجتماعية يمكن من استخلاص مجموعة من الاستنتاجات، أولها أن حالة الهيمنة والاستعمار الداخلي هي حقيقة وجب أخذها بعين الاعتبار حيث أنها تدحض كل الأطروحات القائلة بإمكانيات التغيير من داخل المنظومة، وأن حالة التهميش التي تعيشها جهات بأكملها منذ قرون تجعل منها المجال الطبيعي والحاضنة المركزية لتكون الوعي وتجديد الفعل السياسي وتجذير الفعل المقاوم والدفع نحو التغيير وفي هذا تأكيد لفكرة تواصل واستمرار تاريخي لمسار المخاضات الاجتماعية.
وبخصوص النقلة النوعية داخل المخاضات الاجتماعية من المناسباتية إلى الديمومة، فهي نتاج مباشر لاستفحال حالة الأزمة التي هي مرشحة للتواصل ولأن تصبح أكثر حدة، لذا فإن المخاضات الاجتماعية لن تكون إلا أكثر تواترا واستمرارية وراديكالية، وأنها ستتطور بفعل المراكمة التاريخية واندماج الأبعاد السياسية بالاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وأنها ستبحث عن سبل جديدة للمقاومة تضرب عمق المنظومة النيوليبرالية وهذا ما قد شهدناه مؤخرا من خلال أمثلة احتلال مواقع الإنتاج وافتكاك الأرض وتجريب نماذج التسيير الذاتي.
رغم حالة المخاض المتواصل التي تعيشها تونس منذ 9 سنوات (انطلاقا من انتفاضة الحوض المنجمي) إلا أن الفاعلين الكلاسيكيين لم يتمكنوا من إدراك عمقها والارتكاز عليها لتحليل الواقع من خارج المنظومة المهيمنة ومن داخل السياق التاريخي والثقافي الخاص بمجال هذه المخاضات. فهذه الأخيرة تمثل اليوم وبكل موضوعية الفاعل السياسي الأكثر ارتباطا بالواقع وتعبيرا عن مجمل إشكالياته، غير أنها في مقابل ذلك لطالما تكون عرضة لاستهداف مزدوج سواء من طرف السلطة التي تجرمه وتحاول إخماده أو من طرف الفاعلين الكلاسيكيين الذين لا يرون فيها ما عهدوه من مقومات الفعل السياسي.
نحن في حاجة إذا إلى ابتكار سبل توجيه الطاقة التي يولدها المخاض الاجتماعي المتواصل نحو شكل جديد من الفعل السياسي- الاقتصادي- الاجتماعي، وتمكينه من مراكمة تجارب الفعل الاقتصادي البديل، كسلاح مقاومة وكأداة لمراكمة الثروة داخل المجتمع في أفق نضجه وتنامي الوعي من داخله. وهو ما يعنيه التأسيس لاستراتيجية فك الارتباط تدريجيا عن المنظومة المهيمنة في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكذلك العمل على نشر منظومة قيمية متعلقة بالممارسات الاقتصادية تمكن من تثمين القيمة البشرية وتسحب البساط من تحت المنوال النيوليبرالي الذي يتغذى من قيم الفردانية وضرب للمصلحة العامة في مقابل المصلحة الخاصة.
بقي أن يتوفر لهذه التجارب مجال ملائم لإنتاجها واستمرارها وتطورها باستقلالية عن المنظومة المهيمنة. إن طبيعة السياق الاقتصادي الحالي والمتميز بحالة من “الانفلات” تتمثل فيما يسمى بالاقتصاد الموازي أو الاقتصاد غير المهيكل والتي لا تمثل في النهاية إلا إجابة مباشرة عن تخلي الدولة، تركت مجالا واسعا للفعل الاقتصادي المستقل عن الهيمنة، ومن هنا فإننا نفضل أن نتحدث عن الاقتصاد الشعبي كتوصيف موضوعي وما يمثله من مجال متحرر من المنظومة الرسمية وبديل حقيقي بالنسبة للشريحة الأوسع من المجتمع سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
إن التطابق بين خريطة المخاضات الاجتماعية وخريطة الاقتصاد الشعبي تجعل من الفاعليين غير الكلاسيكيين من المعطلين عن العمل وشباب تونس الدواخل والفئات الفقيرة والمهمشة المعنيين المركزيين بالجعل من الاقتصاد الشعبي ميدانا لهم ولتجاربهم والحفاظ على استقلاليته وقدرته على أن يكون المجال الطبيعي لبدائلهم.
في هذا السياق، يأتي منوال الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كإطار يمدنا بمجموعة من القواعد والقيم التي من شأنها أن تساعد على وضع أسس ممارسات اقتصادية بديلة تقطع مع المنظومة الرأسمالية المهيمنة. إن فلسفة هذا المنوال وارتباطه الوثيق بالأبعاد الثقافية والميدانية وقابليته للتطويع والتطور تعتبر من أهم خاصياته التي تؤهله لأن يكون أساس معادلة اقتصادية بديلة قادرة على الجعل من الاقتصاد الشعبي مجالا للبناء وتعيد التفكير في الممارسة الاقتصادية كوظيفة إنسانية مركزية. بقي علينا أن ننتبه إلى أن مراكمة تجارب الاقتصاد البديل يجب أن تستند إلى رؤى بديلة لمجمل الإشكاليات والقضايا التي تكتسي بعدا تاريخيا وطنيا وشعبيا (كقضية الولوج إلى الموارد الطبيعية أو أشكال إعادة توزيع الثروة ومسألة الاستعمار الداخلي) وذلك في أفق هيكلتها واندماجها في إطار منوال اقتصادي متكامل وبديل.
إن مثل هذا الطرح الذي لا يستند إلى أسس إيديولوجية واضحة ويجمع بين ثلاث فرضيات كل منها مثيرة للجدل: تجديد الفاعلين السياسيين والبناء من داخل الواقع المهمش واعتماد تمش ينطلق من الأجزاء لرسم الكل يتطلب منا مزيد العمل على تحليل الواقع بأكبر قدر ممكن من الموضوعية والنظر إليه من خارج المنظومة بكل ما يعني ذلك من مجهود لتجديد المصطلحات، وللتصالح مع التاريخ، ولإعادة النظر في المنظومة القيمية المجتمعية… لكنه يعطي مداخل واقعية لبناء منوال اقتصادي بديل أهم مقوماته الاستقلالية عن المنظومة المهيمنة والرسمية، والتجذر في الواقع من حيث الإمكانيات والوسائل والمجالات، والقدرة على التطور في إطار قيم وممارسات اقتصادية ومجتمعية بديلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الصغير الصالحي، الاستعمار الداخلي والتنمية غير المتكافئة، منظومة التهميش في تونس نموذجا، تونس، 2017
[2] Jacques L. Boucher, Mouvements sociaux et économie sociale: un arrimage en constante reconstruction, Economie et Solidarité, N°33, Volume 2, Presse universitaire du Quebec, 2002
[3] Eric Toussaint, La dette, l’arme qui a permis à La France de s’approprier La Tunisie, www.cadtm.org, 2016
[4] ضرائب على الرقاب دون علاقة بالأملاك أو بالإنتاج.
[5] كإنشاء مجلس مصغر متكون من 25 عضوا مكلف بالنظر في كل القضايا قبل عرضها على المجلس الكبير والتقليص من صلاحيات الشيوخ وإرساء دستور للبلاد لم يكن له أثر فعلي على الحياة اليومية
[6] جان قانياج، أصول الحماية الفرنسية على تونس 1861-1881، برق للنشر والتوزيع، 2012
[7] حيث لم تكن الأمور قد حسمت بعد لصالح فرنسا أمام بريطانيا وإيطاليا
[8] جان قانياج، أصول الحماية الفرنسية على تونس 1861-1881، مرجع سابق.
[9] أحمد ابن أبي ضياف، إتحاف أهل الزمان بأخبار تونس وعهد الأمان، تونس، 1963
[10] الهادي التيمومي، انتفاضة القصرين، تالة 1906، دار محمد علي للنشر، تونس، الطبعة الثانية 2011
[11] الهادي التيمومي، تاريخ تونس الاجتماعي 1881-1956، دار محمد علي للنشر، تونس، الطبعة الثانية، 2001
[12]إدريس الرايسي، القبائل الحدودية التونسية الجزائرية، بين الإجارة والإغارة (1830-1881)، الدار المتوسطية للنشر، تونس، 2016
[13] الصغير الصالحي، الاستعمار الداخلي والتنمية غير المتكافئة، منظومة التهميش في تونس نموذجا، الطبعة، تونس، 2017
[14] Marguerite Rollinde, Les émeutes en Tunisie, un défis à l’Etat ?, dans Emeutes et mouvements sociaux au Maghreb: perspective comparée, sous la direction de Didier Lesaout et Marguerite Rollinde, ed. karthala, Institut Maghreb-Europe, 1999.
[15] عنوان مقال للمعارض عمار عمروسية نشره أيام أحداث الحوض المنجمي
[16] Larbi Chouikha, Eric Gobe. La Tunisie entre la ” révolte du bassin minier de Gafsa ” et l’échéance électorale de 2009. L’Année du Maghreb, CNRS Editions, 2009, p. 387-420.
[17] نفس المصدر
[18] الاحتجاجات الاجتماعية في تونس سنة 2015. المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، صفحة 60
[19] التشغيل، تسوية الوضعيات المهنية، غياب التنمية، التفاوت الجهوي، الفساد، التصرف في الموارد الطبيعية وتدني مستوى البنى التحتية
[20] وهي شكل تضامني تقليدي يتمثل في تبادل الخدامات بين أفراد أو عائلات مقابل خدمات أخرى، عريق في المجتمع التونسي ذو الأصول البربرية، لطال ما رافق ممارسة الأنشطة الفلاحية الموسمية والأعمال المشتركة كتهيئة البنى التحتية وحتى المناسبات الاجتماعية كالأفراح.