المواطنة البيئية… مدخل لعدالة الوصول للموارد
عبد المولى إسماعيل
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [2.81 MB]

المقدمة

تعد قضايا البيئة من ضمن أهم القطاعات التي يجرى السيطرة عليها واحتكارها من قبل الشركات عابرة القوميات بهدف إدماجها ضمن نطاق الأسواق النيوليبرالية وبخاصة ما يتعلق بالموارد البيئية من أرض ومياه وطاقات متجددة من رياح، شمس….إلخ، ومن ثم تسليعها وإدراجها ضمن نطاق الأسواق التبادلية وإخراجها من قيمتها الانتفاعية والاستعمالية ومن ثم زيادة الضغط على سبل عيش السكان المحليين الذى يعد الوصول لتلك الموارد مدخلا أساسيا لسبل عيش للعديد من الفئات الاجتماعية من فلاحين، وصيادين، عاملات بالزراعة والصيد والرعي… إلخ.

الهدف من الورقة: محاولة بناء نموذج إرشادي لإدارة الموارد البيئية ضمن نطاق البدائل الاقتصادية.

فروض الدراسة:

  • إن النفاذ والوصول للموارد يزيد من مقتضيات العدالة الاجتماعية، وأن التفاوت في الوصول للموارد يزيد من هشاشة الأوضاع الاقتصادية للفئات الاجتماعية التي تتعامل مع الموارد البيئية.
  • كلما زاد إدماج الموارد البيئية ضمن نطاق الأسواق التبادلية كلما انخفضت قيمتها الاقتصادية.
  • زيادة معدلات احتكار الموارد البيئية يكون مصحوب بانخفاض في مستويات استدامة الموارد البيئية.

المنهجية المستخدمة:

تحاول الورقة مناقشة هذه الفرضيات من خلال دراسة واقع الموارد البيئية وطرق إدارتها على الأِصعدة الدولية وانعكاس ذلك على الواقع الإقليمي والمحلى، وذلك من خلال مناقشة الرؤى التنموية المختلفة في إدارة الموارد البيئية والخطابات المهيمنة في هذا السياق. بالتركيز على عدد من البلدان في نطاق إقليم المنطقة العربية وبالتحديد مصر، تونس، المغرب، لبنان. إلى جانب ذلك سوف نقوم في إطار هذه الورقة باستخدام منهج دراسة الحالة من خلال استعراض لعدد من النماذج المتباينة في إدارة الموارد البيئية، وأيضا الاستفادة من المنهج التاريخي المقارن في هذا السياق، بالإضافة لاعتمادنا على البيانات المتاحة في مصادرها الثانوية والميدانية.

محاور الدراسة

في هذا السياق تأتى الورقة التي سنحاول أن نتناولها ضمن عدد من المحاور الأساسية وذلك على النحو التالي:

المحور الأول: واقع الموارد البيئة على صعيد دولي، وذلك من خلال استعراض أبرز المعطيات المتعلقة بإدارة الموارد البيئية، وفى القلب منها البلدان محل الدراسة، واستعراض النمط المهيمن على إدارة الموارد البيئية دونما الخوض في التفاصيل بهذا الشأن.

المحور الثاني: واقع الموارد على الصعيد الإقليمي (مصر، تونس، لبنان).

المحور الثالث: الرؤى التي تتناول إدارة الموارد البيئية من خلال المدرسة التبادلية والمدرسة الانتفاعية.

المحور الرابع: مداخل الوصول للمواطنة البيئية

الخاتمة وخلاصة.

المحور الأول: واقع الموارد البيئة على الصعيد الدولي.

على مقربة من الوفرة تنمو الفاقة كانت تلك أحد سطور كتاب ” رأس المال الاحتكاري للاقتصاديين الأمريكيان “بول باران، وبول سويزي”،[1] والذي صدر في ستينيات القرن الماضي، حيث لم نجد اصدق من تلك العبارة للتدليل على تناقضات واقع الأزمة الاقتصادية التي نعانيها في الوقت الحاضر.

ففي الحقيقة لا توجد أزمة تختص بعالم التنمية في الوقت الراهن من حيث قدرة الموارد المتاحة على إشباع الحاجات الإنسانية، فالموارد التي يتم إنتاجها على الصعيد العالمي تكفي سكان الكرة الأرضية، ومن ثم فإن التحذيرات التي سبق وان أطلقها الاقتصادي “روبرت مالتوس” في القرن التاسع عشر حول مشكلة إشباع الحاجات الأساسية في ظل ندرة الموارد تعد بمثابة تحليق في الفراغ وان مقولته الشهيرة حول أن الموارد تنمو بمتوالية حسابية 1، 2، 3، 4، الخ.

في حين أن النمو السكاني يأخذ طابع المتوالية الهندسية 2، 4، 8، 16، 32، الخ[2] أصبحت بمثابة ضربا من اللامعقولية حيث أصبح بمقدور التقدم الفني في وسائل الإنتاج كافيا لإشباع الحاجات الإنسانية على الصعيد العالمي. ولكن وعلى الرغم من تداعى تلك الأفكار إلا أن هناك ممن يحاول تعميقها في أرض الواقع وتلعب الاحتكارات الدور الأكثر بروزا في هذا الخصوص، حيث يظل السعي إلى تعظيم معدلات الأرباح هو الهدف الأسمى لتلك الاحتكارات دون النظر إلى ما تخلفه من أثار سيئة ليس على حياة الناس فحسب بل والمزيد من الإهدار لكافة الأصول البيئية من أرض، مياه… الخ.[3]

1/1 احتكار الموارد الطبيعية هناك العديد من صور الاحتكارات الخاصة بالموارد الطبيعية والتي نحاول استعراض بعضها في إيجاز شديد دون الخوض في التفاصيل وذلك لسابق علمنا أن هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة مفصلة في هذا الشأن ولكننا أردنا أن نشير إلى بعض تلك الملامح في محاولة لتبيان ما تخلفه تلك الاحتكارات من تعميق لحدة التجريف الاجتماعي والبيئي في أن معا.

1/1/1 احتكار الموارد المائية عند تناول تلك النوعية من الاحتكارات سنجد أن أهم عشر شركات يسيطرون على الموارد المائية على الصعيد العالمي تأتى شركة فيوليا والسويس الفرنسيتين في المرتبة الأولى والثانية باستثمارات تزيد عن 67 مليار دولار، وفى المرتبة الثالثة تأتى شركة ITT الأمريكية باستثمارات قدرها 11 مليار دولار، ثم شركات Severn Trent، United Utilities، Thames Water، البريطانية في المرتبة الرابعة والخامسة والسادسة باستثمارات قدرها ما يقرب من 9 مليارات دولار، ثم شركة American Water في المركز السابع باستثمارات قدرها 2.4 مليار دولار، ثم شركة GE Water الأمريكية في المركز الثامن باستثمارات 2.5 مليار دولار، ثم شركة Kurita Water Industries اليابانية باستثمارات قدرها 2 مليار دولار، ثم شركة Nalco Company الأمريكية باستثمارات قدرها 1.7 مليار دولار.[4]

1/1/2 الموارد الأرضية

بروز سيادة نمط الاستيلاء على الأراضي مثال شركة “فاروس” الدولية للاستثمار التابعة للمملكة العربية السعودية، وشركات إماراتية ومصرية تسيطر على 30 مليون هكتار في الأراضي السودانية، وفى عام 2010 سيطرت شركة جنوب أفريقيا الصينية على 12800مليون هكتار بالكونغو، شركة بن لادن السعودية تسيطر على 2100 مليون هكتار من الأراضي في إندونيسيا، وفى عام 2007، 2008 سيطرت شركة ZTE الصينية على ما يقرب من 2 مليون هكتار من الأراضي في لاوس، والفلبين، أيضا الشركة السويدية السعودية استولت على 900 ألف هكتار وذلك 2008 من الأراضي التنزانية، بينما تسيطر شركة “أبراج “الإماراتية منذ عام 2009 على 324 ألف هكتار في الأراضي الباكستانية، وتسيطر إحدى الشركات المصرية على 840 ألف هكتار من الأراضي الأوغندية، وفى أمريكا الجنوبية تسيطر شركة “Guernsey “، شركة “Global Farming Limited ” على مليون و230 ألف هكتار من الأراضي الزراعية في الأرجنتين، أورجواي، باراجواي.[5]

في السياق ذاته فإن الطلب على الأغذية والأعلاف وأشكال أخرى من الكتلة الحيوية المستمدة من النباتات -فضلا عن الموارد الاستراتيجية مثل المعادن والأخشاب -يقود إلى الاستيلاء على الأراضي على الصعيد الدولي. على سبيل المثال تورد تلك المؤسسات (Organization GRAIN and Canadian-based Polaris Institute،) إن المستثمرين الدوليين استهدفوا احتكار ما يتراوح بين 50 و80 مليون هكتار من الأراضي في جميع أنحاء العالم الجنوبي، ويجرى ثلثا صفقات الأراضي في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وفي عام 2006، كان 14 مليونا هكتار -حوالي 1% من إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة -تستخدم في إنتاج الوقود الحيوي. وتقدر إحدى الدراسات أنه بحلول عام 2030 سيستخدم ما بين 35 و54 مليون هكتار (2.5-3.8 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة) لإنتاج الوقود الحيوي.[6]

1/1/3 الأصول النباتية

في ظل تنامى الأوضاع الاحتكارية لعدد محدود من الشركات الدولية العاملة في مجال تقاوي الحاصلات الزراعية، سنجد أن حجم هذا السوق في عام 2009 كان يبلغ 27.400 مليار دولار، المجال ويكفي أن نشير هنا فقط إلى أبرز 10 شركات تعمل في السوق العالمي لتقاوي الحاصلات الزراعية وتحتكر في نفس الوقت 74% من حجم هذا السوق الذي يصل حجم مبيعاته ما يزيد عن العشرين مليار دولار عام 2009 بعد أن كانت تمثل 67% عام 2007 من بينهم ثلاث شركات فقط تسيطر على 53% من سوق تقاوي الحاصلات الزراعية، على رأسهم مونسانتو الأمريكية.

1/2 الاحتكار وتزايد مستويات الجوع والإفقار

1/2/1 الاستهلاك المفرط والجوع المفرط

في الوقت الذى يوجد فيه 20% من سكان العالم يستهلكون ما بين 70% إلى 80% من موارد العالم، على الجانب الآخر نجد 80% من سكان هذا الكوكب يقتاتون على 20% من جملة تلك الموارد، وفوق كل هذا تسطو الدول الصناعية على تراث الطبيعة إلى حد مفرط، حيث تعتدى على تلك الطبيعة من خلال الشركات عابرة القومية والتي يصل احتكارها إلى ما يتراوح بين 75% إلى 85% من جملة الحيز الطبيعي،[7] الأمر الذى يحول دون وصول العديد من سكان الأرض إلى إمكانية الوصول الحر للموارد من ارض، غابات، مياه، الخ، ومن ثم تزايد معدلات الفقر والتهميش وانتشار الجوع على نطاق واسع بين سكان كوكبنا.

فلأول مرة وفى ظل عالم من الوفرة تعانى البشرية في الوقت الحالي من مشكلة إشباع الحاجات الأساسية، الأمر الذى حمل البشرية بأعباء ثقيلة تتجسد في تزايد الفقر والحرمان، ما يقرب من 1.3 مليار مواطن يعانون الفقر على الصعيد العالمي،[8] وزاد هذا الرقم ليصل 1.9 مليار نسمة عام2014،[9] وفى الوقت الذى ينتج فيه العالم ما يكفى من الغذاء لكل فرد من سكان هذا الكوكب، وأكثر من أي وقت مضى، ففي عام 1985 أنتج العالم ما يقرب من 500 كيلو جرام للفرد الواحد من الحبوب والمحاصيل التي تؤكل جذورها وعلى الرغم من هذه الوفرة من الأغذية كان ما يربو على 730 مليون إنسان يعانون الجوع.[10]

وفى الفترة الواقعة بين عامي 1950 ـ 1985 تزايد إنتاج الحبوب من 700 مليون طن إلى ما يربو على 1800 طن بمعدل سنوي بلغ حوالي 2.7%[11]، وخوفا على معدلات الربح من الانخفاض اتجهت مستويات إنتاجية الحبوب إلى الانخفاض حيث لم تتعدَ 1850 طن في العام 2000،[12] وذلك بزيادة طفيفة لم تتجاوز الـ1% وذلك على مدار 15 عام كاملة.

الأمر الذي انعكس على وجود ما يقرب من 30% من سكان العالم في الوقت الحاضر يعانون من سوء التغذية، حيث يوجد 826 مليون نسمة يعانون نقص الأغذية، وعلى الرغم من انخفاض تلك الأعداد إلى 795 مليون نسمة في 2014، إلا أن العالم يستطيع أن ينتج ما يكفي الـ7 مليار نسمة، كما أنه من الممكن إنتاج غذاء يكفي 12 مليار نسمة.[13]

وكانت اللجنة الدولية للبيئة والتنمية في تقريرها “مستقبلنا المشترك” قد أرجعت ظاهرة انتشار الجوع على نطاق واسع في كوكب الأرض إلى أن الأمر ليس راجع إلى عدم توافر الأغذية، ولكنه راجع في الأساس إلى انعدام القوة الشرائية للجوعى[14]، وعلى الرغم من مرور ما بصل إلى 40 عام على صدور هذا التقرير لازالت نفس الأسباب الكامنة وراء تزايد معدلات الجوعى على حالها.

1/2/2 تزايد معدلات الإفقار

حيث يوجد 2.8 بليون شخص في عام 1999 يعيشون على أقل من دولارين يوميا منهم 1.2 بليون يعيشون على أقل من دولار واحد يوميا وتعد منطقة جنوب أسيا هي أشد المناطق فقرا على الصعيد العالمي إذ يوجد بها 490 مليون يعيشون على متوسط دخل يومي دولار واحد، يليهم مباشرة سكان منطقة أفريقيا جنوب الصحراء والتي يعيش فيها 300 مليون شخص في إطار متوسط الدخل السابق الإشارة إليه، يليهم في المرتبة الثالثة سكان منطقة شرق أسيا والمحيط الهادئ باستثناء الصين.[15]

1/2/3 التوزيع اللا متساوي للموارد

ذكر تقرير التنمية البشرية الصادر في عام 1992 أن الدول الغنية كانت عام 1960 أغنى بثلاثين مرة من الدول الأكثر فقرا، وفى التسعينات اتسعت هذه الهوة لتصل إلى 150 مرة وهى عملية غير قابلة للعكس[16]، كما أشار التقرير إلى زيادة حدة انعدام المساواة في الدخول على الصعيد العالمي حيث أشار إلى أن حصة الدخل التي يحصل عليها أغنى 1% من سكان العالم تعادل الحصة التي يحصل عليها أفقر نسبة 57%، وأغنى نسبة 10% من سكان الولايات المتحدة يعادل دخلها دخل أفقر 43% من سكان العالم، أو بعبارة أخرى فإن دخل 25 مليون أمريكي يعادل دخل ما يقرب من بليوني نسمة من سكان العالم، في حين يشير ذات التقرير إلى أن نسبة أغنى 5% من سكان العالم يعادل دخل نسبة أفقر 5% من سكان العالم 114 مرة، وزاد الأمر بحيث بات أكثر سوءا في عام 2016 ليشير إلى أن 1% من سكان العالم الغنى يملكون نصف الثروات حول العالم.[17]

1/2/4 الإهدار البيئي

هناك العديد من ملامح الإهدار البيئي بفعل سياسات اللا متساوي على الصعيد العالمي، فهناك ملايين من هكتارات الأرض تتحول إلى صحاري لا قيمة لها، وفي الوقت الذي يوجد فيه أكثر من عشرة مليون هكتار من الغابات تدمر سنويا نجد أن ما يزرع من الأشجار كل عام لا يزيد عن مليون هكتار أي بنسبة 10: 1 بل أن هذه النسبة قد زادت في الوقت الحالي بنسبة 20: 1[18]حيث يتوقع أن تقدر مساحة الأراضي التي يهددها التصحر إلى نقص معدلات الإنتاجية في العالم على النمو.

وتتمثل عمليات الإهدار في العديد من الأوجه من بينها على سبيل المثال لا الحصر 3 ملايين هكتار من أراضي المراعي، إضافة إلى1710 مليون هكتار من أراضي الزراعة المطرية، أيضا 27 مليون هكتار من أراضي الزراعة المروية، هذا بالإضافة إلى الاستنزاف الجائر لمصايد الأسماك على الصعيد العالمي[19]، وذلك بفعل العديد من عوامل الإهدار البيئي منها الأمطار الحامضية التي تقتل الغابات والبحيرات وأيضا تزايد معدلات ثاني أكسيد الكربون في الجو، الأمر الذي يتسبب في الزيادة التدريجية للحرارة في العالم.

المحور الثاني: واقع الموارد البيئية على الصعيد الإقليمي

لا يعد احتكار الموارد الطبيعية واقعا عالميا فقط بل يمتد إلى تعميق جذوره في الواقع الإقليمي والمحلى بالمنطقة العربية حيث باتت احتكار الموارد الطبيعية واحدا من أهم الملامح الأساسية في فرض نمط الإنتاج النيوليبرالي /الاحتكاري لصالح الشركات العابرة القوميات أو من خلال وكلاء إقليميون ومحليون لصالح تلك الشركات، وفى هذا الصدد وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد احتكارات خليجية للموارد الأرضية سواء للزراعة أو السكن بشراكة مع بيزنس مصري، في سياق آخر نجد أن 3% من كبار رأسمال الزراعي المصري يحتكرون 37% من الأرض الزراعية بمصر، و8% من النساء حائزات لــ7% من الأرض الزراعية[20]، هذا التوزيع اللا متساوي جاء في إطار إعادة هيكلة قطاع الزراعة في مصر بإصدار القانون 96 لسنة 92 الخاص بتحرير العلاقة الإيجارية في الأرض الزراعية بمصر.

حيث استهدف هذا القانون العمل على تركيز الملكية في محاولة لتشجيع الزراعة التجارية كبيرة الحجم، بدعوى تحقيق عوائد أو أرباح أعلى، ولكنها على الجانب الآخر أخرجت عددا كبيرا من المزارعين الصغار وهو ما حدث فعلا مع تطبيق القانون في أكتوبر 1997 حيث أدى هذا التطبيق إلى حرمان ما يقرب من 431 ألف مستأجر[21]يعولون ما يقرب من 2 مليون فرد في الريف المصري وذلك من خلال إخراجهم من الأرض، مما أدى إلى زيادة أعداد الفلاحين بلا أرض إلى ما يقرب من المليون فلاح.[22]

وفى تونس يتم تفويت العديد من المساحات الزراعية لمستثمرين من بينها الأراضي الدولية التي كانت مساحتها 828 ألف هكتار، جرى تفويت 40% منها عام 1970، وبالنسبة للـ500 ألف هكتار المتبقية نجد أن هناك 336 شركة ذات رأس مال تونسي أو تونسي مشترك مع أجانب تحوز على 240 ألف هكتار، ولا تشغل سوى 12 ألف عامل زراعي.[23] في السياق ذاته وكدلالة لتعميق الاحتكار ومزيد من التفاوت في الوصول للأراضي الزراعية نجد أن 1% من الحائزين لأكثر من مائة هكتار يحوزون 22% من جملة الموارد الأرضية الزراعية، بينما نجد 54% من المزارعين في تونس يحوزون على 11% من جملة الحيازة الزراعية، وإذا ما نظرنا للنساء سنجد أن جملة الحائزات لأراضي زراعية لا تزيد عن (9%) يحوزون فقط على 4% من جملة الأراضي الزراعية.[24]

وفى لبنان وإذا ما نظرنا إلى طبيعة التفاوتات في الوصول للأرض الزراعية وفقا لتعداد 2010[25]، سنجد أن هناك 68% من الحائزين تقل مساحات الحيازات الخاصة بهم عن 10 دونمات يستغلون 18% من إجمالي المساحة المنزرعة، على الجانب الآخر هناك 26% من الحائزين تقل حيازتهم عن 40 دونم وبما يمثل 41% من إجمالي المساحة المنزرعة، في حين هناك 4% من الحائزين يستغلون حيازات تتراوح ما بين 40 إلى 100 دونم تمثل 18% من المساحة الزراعية، بينما 2% فقط من الحائزين تزيد مساحات حيازتهم عن 100 دونم وتمثل 33% من إجمالي المساحة المنزرعة.[26]

احتكار الأصول الوراثية

وبالنسبة لبذور الحاصلات الزراعية تشترك مصر وتونس ولبنان في احتكار شركات البذور العالمية لما يزيد عن 70% من سوق بذور الحاصلات الزراعية في تلك البلدان مجتمعة، وبخاصة شركات مونسانتو وسينجنتا…. إلخ.

المحور الثالث: رؤى التعاطي مع قضية الموارد البيئية

3/1 المدرسة التبادلية

تتباين وجهات النظر الاقتصادية التي تحاول قياس القيمة الاقتصادية للموارد البيئية، حيث تذهب بعض المدارس الاقتصادية إلى ضرورة وضع سعر أو ثمن لتلك الموارد وأن هذا الأمر لن يتأتى إلا من خلال استخدام القيمة التبادلية لتلك الموارد، والتي تقوم على استخدام مبدأ التسليع أو التسعير وطرحها في الأسواق للتبادل، ومن ثم يجرى حساب التكلفة البيئية على أساس المنهج المعروف لحساب التكلفة/ العائد وتحديد القيمة التبادلية التي هي تساوى القيمة السوقية وذلك للوصول لثمن عادل، وفى هذا الصدد يجرى اقتراح طرح موارد الأرض في السوق أو المزاد مثال مصايد الأسماك، حقوق التلويث… الخ.[27]

نقد القيمة التبادلية للموارد البيئية

تشير “جانيت ابراموفيتز” إلى القول إن الطبيعة لها قيم اقتصادية مختلفة بالنسبة للناس الذين يعيشون في أزمنة وأماكن مختلفة حيث يمكن لطرق الحساب المختلفة أن تنتج قيما مختلفة لنفس السلع، لأننا ببساطة لا نمتلك طريقة مقبولة للتعبير عن القيم الخاصة بالموارد البيئية.[28]

وهناك العديد من الأمثلة التي يتم الإشارة إليها في هذا الصدد مثال الغابة التي قد يرى البعض أنها لا تحقق لنا قيمة اقتصادية كبيرة على الرغم من المنافع التي تنتجها لبقاء الإنسان وكافة الكائنات الحية الأخرى حيث توفر الموطن الطبيعي للحشرات الملقحة وتعمل كمستودع للمواد الصيدلانية المنقذة للحياة المحتملة، كما تعمل على التحكم في الفيضانات وصد الرياح وحفظ التربة من التآكل وبقائها على حالة من الخصوبة اللازمة لإنتاج الغذاء، بالإضافة إلى ما تحتويه من شبكة واسعة للنظم البيئية اللازمة على حفظ التوازن البيئي من التدهور أو الانهيار فأوراقها تقوم بعملية التخليق الضوئي اللازمة لإنتاج الأكسجين وامتصاص ثاني أكسيد الكربون بالإضافة إلى ما تقوم به من منع المزيد من احترار الأرض، وبالتالي إذا ما قمنا بإحصاء تلك المنافع فسوف نجدها لا تقدر بثمن بينما يراها الاقتصادي الذى يحاول أن يضع قيمة تبادلية لتلك الغابة سوف يجدها محدودة القيمة بل قد لا تساوى شيئا من وجهة نظره إلا إذا تم اقتلاع تلك الغابة ومبادلة أخشابها في الأسواق وما يمكن أن تستخدمه تربة تلك الغابة في إنتاج بعض المحاصيل، أو تحويل تلك الأرض إلى مزارع سمكية أو عقارات سكنية.

وهناك العديد من الأمثلة في هذا الشأن التي تعبر عن مفارقة اقتصادية حيث قامت “بنجلاديش” في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بفتح أسواق لبيع سيقان الضفادع بكميات كبيرة الأمر الذى أدى إلى زيادة أعداد الحشرات الضارة التى كانت تتغذى عليها الضفادع ومن ثم زادت واردات المبيدات الحشرية بنسبة 25%، وبحلول علم 1989 أنفقت “بنجلاديش” على المبيدات الحشرية 30 مليون دولار أمريكي وهو يمثل ثلاثة أضعاف ما كانت تكسبه من تصدير سيقان الضفادع، وعندما أوقفوا تلك التجارة عادت الضفادع إلى أعدادها الطبيعية وانخفضت بالتالي فاتورة المبيدات الحشرية كثيرا.[29]

في السياق ذاته هناك العديد من الأمثلة التي يمكن أن ترد في هذا الشأن منها ما يتم الترويج له حول الزراعة الأحادية باعتبارها تحقق وفورات اقتصادية من حيث الإنتاجية والمدخولات النقدية بالنسبة للكثير من المزارعين بديلا عن الزراعات التعددية أو المتنوعة، ففي الصين على سبيل المثال وبين عامي 1949 و1950 فقدت الصين 90% من أصولها الوراثية وأنواعها المختلفة من القمح، كما فقدت أإندونيسيا 1500 نوع محلى من الأرز في السنوات العشرين الأخيرة،[30] في السياق ذاته كانت الولايات المتحدة التي اعتمدت الزراعات الأحادية قد أدت إلى العديد من التداعيات والكثير من الأضرار التي لحقت بالمزارعين الأمريكيين وبخصوبة التربة إلى درجة بلغت حد المأساة الإنسانية التي عبر عنها الروائي الأمريكي “جون شتاينيك” ضمن روايته الخالدة ” عناقيد الغضب”[31]في عشرينيات القرن الماضي.

3/2-القيمة الانتفاعية للموارد البيئية

تقوم هذه المدرسة الاقتصادية على ضرورة التمييز بين القيمة والثروة عند النظر إلى الموارد البيئية، وذلك لأن استخدام منطق السوق كأساس لقياس الموارد الاقتصادية يدمر الأساس الطبيعي الذي تقوم عليه الثروة بوصفه مفهوما مختلفا عن مفهوم القيمة.

موطئ القدم البيئي

في عام 1994 ظهر مفهوم جديد أطلق عليه البصمة الإيكولوجية وذلك ضمن كتاب الكنديين “وليم ريز، وماتيس واكرناجل” وقد عرفا البصمة الإيكولوجية للبشرية بالمساحة التقديرية من البر والبحر اللازمة بيولوجيا لبقاء الإنسان بصورة مستدامة وقد استخدمت تلك البصمة لقياس التدمير البيئي أطلق عليه ” موطئ القدم البيئي ” ضمن كتاب “ريز وماتيس”، ولم يكتفيا بوضع هذا المفهوم ولكنهما وضعا نظاما لقياس ذلك المفهوم بوحدات الهكتارات الكوكبية التي تقارن قدرة المجتمعات / البلدان الحيوية (أي قدرتها على إنتاج وإعادة إنتاج الحياة على الكوكب) باستهلاك تلك الجماعات/ البلدان للموارد المتاحة لها من خلال تلك القدرة الحيوية، وقد توصل المؤلفان إلى أن القدرة الحيوية للكوكب تعادل 2.1 هكتار كوكبي للفرد الواحد، أي أن المجموع الذى يقابل 6.3 مليار فرد يعيشون في منتصف التسعينيات على سطح الأرض هو 13.2 مليار هكتار كوكبي، ولكنه تبين أن متوسط استهلاك الموارد العالمية قد بلغ في منتصف تسعينيات القرن الماضي 2.7 هكتار كوكبي للفرد وهذا المتوسط يخفى حقيقة التباين بين البلدان المختلفة حيث يشير إلى أن متوسط استهلاك الفرد في البلدان المتقدمة يساوى أربعة أضعاف المتوسط العالمي.[32]

ووفقا لهذا القياس تم احتساب التفاوت بين بصمات الشعوب للمقارنة فيما بينها من حيث موطئ القدم البيئي حيث وجد أن استهلاك الفرد الواحد من سكان بلدان الشمال يزيد بثمانية أضعاف استهلاك الفرد في بلدان الجنوب، فالبصمة الإيكولوجية للأمريكي تصل زهاء 12 هكتارا، والفرنسي 8 هكتارات، وتنخفض إلى هكتارين بالنسبة للأسيوي وإلى هكتار ونصف بالنسبة لسكان أفريقيا.[33]

المحور الرابع: مداخل الوصول للموارد البيئية

4/1 التنوع في مقابل الأحادية البيولوجية

يشير العديد من العلماء إلى الأهمية الكبرى للتنوع الحيوي باعتباره الركيزة الأساسية في مقابل فكرة التوازن البيئي التي ركزت عليها الكثير من الأدبيات البيئية باعتبارها مفتاح الحياة على ظهر الأرض، إلا أن التعمق أكثر في علم الإيكولوجيا يبين أن الكلمة المفتاح التي يفترض الارتكاز إليها هي ” التنوع ” باعتباره المدخل إلى التوازن البيئي، وباعتبار التنوع هو التعددية بمعنى تعدد التفسيرات ووجود أكثر من تعليل لفهم أي ظاهرة بيولوجية أو إيكولوجية في الطبيعة، وتشير بعض الكتابات البيئية إلى أن الخلاصة الأساسية التي يجمع عليها علماء البيولوجيا والإيكولوجيا هي أن غنى الطبيعة وسر ديمومتها هو في تنوعها، ويشير عالم البيولوجيا المعاصر “ارنست ماير” إلى أن التعددية والاحتمالية وليس الحتمية هي الفلسفة المناسبة لعلوم مثل الإيكولوجي والبيولوجي.[34] هذا بالإضافة إلى العديد من الجوانب الهامة للتنوع الحيوي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • كل نوع من الكائنات الحية مورد محتمل لشيء نافع للإنسان حيث أن كل نوع يبدو اليوم عاطلا عن النفع اليوم يمكن أن يتم اكتشاف أهميتها في المستقبل على سبيل المثال وجود أنواع كثيرة من العفن وغيره من الكائنات الدقيقة لم يكن معروف أهميتها في الماضي ولكنها تحولت بعد ذلك إلى مصادر للثروة.[35]
  • قد يعد غياب أحد هذه الكائنات الحية قد يكون سببا في تعرض تلك المنظمة البيئية إلى التدهور مثال غياب نوع من بكتريا التربة يقلل من خصوبتها ومن ثم إحداث ضرر على حياة النبات جميعا، كما أن غياب نوع من الفراشات يمنع استكمال انتقال حبوب اللقاح التي بدونها لا تستكمل عمليات التلقيح والإخصاب، كما أن غياب بعض ديدان الأرض يحرم التربة من التقليب والتهوية التي تحافظ على صفاتها.[36]

إن أي اختلال في هذا قانون التنوع الحيوي يؤدى إلى عواقب وخيمة تتجسد في العديد من الاختلالات الطبيعية، ومن ثم فإن فرض المزيد من صور وأشكال القرصنة الحيوية على مصادر إعادة إنتاج الحياة المتمثلة يتناقض كليا مع قانون التنوع.

4/2 السيادة الغذائية في مقابل الأمن الغذائي

يعد مفهوم السيادة الغذائية من أكثر المفاهيم إثارة للجدل على الصعيد والدولي نظرا لما ينطوي عليه من معايير تتعلق بالوصول للغذاء إنتاجا واستهلاكا.

حتى الآن لا تريد منظمة الفاو وهي المنظمة الأممية الدولية للزراعة والغذاء الاعتراف بمفهوم السيادة الغذائية وتكتفى بمفهوم الأمن الغذائي الذي يركز على الجانب الكمي للمحاصيل الغذائية والعمل على سد الفجوة الغذائية من خلال استحداث العديد من التقنيات الحديثة مثال الهندسة الوراثية في زيادة عائد الإنتاجية مقاسا على وحدة الأرض بغض النظر عن الاعتبارات البيئية المتعلقة باستدامة التربة الزراعية من عدمه، ومن ثم يعد الاستثمار الزراعي القائم على زيادة معدلات الإنتاجية هدفا في حد ذاته.

على الجانب الآخر تنطوي السيادة الغذائية على العديد من القيم المعيارية منها دمج العناصر المتعلقة بإنتاج الغذاء في إطار مشترك بداية من الموارد الأرضية والمائية، مرورا بالمدخلات الزراعية انتهاء بحقوق الفلاحين والمزارعين في الوصول الحر لتلك الموارد، في الوقت الذي يتم النظر فيه للعملية الزراعية اللازمة لإنتاج الغذاء في ارتباط وثيق بحقوق المزارعين وبخاصة فقراء وصغار المزارعين منهم وفى القلب منهم أيضا حقوق النساء العاملات في الزراعة، وذلك في إطار منظومة بيئية تقوم على الاستدامة البيئية وقوامها الأساسي التنوع الحيوي الذى يضمن حق الناس والزراع في إعادة إنتاج سبل الحياة وسبل العيش بعيدا عن أي عوامل احتكارية سواء من قبل الأفراد أو الشركات.

4/3 الانتفاع في مقابل الملك الخاص.

يعد تأكيد حق الانتفاع أحد أهم المداخل في الوصول للموارد البيئية من أرض، مياه، أصول وراثية وهو أحد الشروط الأساسية في بناء بدائل الاقتصاد النيوليبرالي، حيث يعد حق الانتفاع نموذجا مغايرا للملكية الخاصة في إدارة الموارد البيئية.

ويعتبر حق الانتفاع أحد الحقوق التي ترد على الموارد الطبيعية من أرض ومياه، فعلى سبيل المثال بالنسبة للأرض الزراعية يمكن توريث حقوق الانتفاع الحقوق حتى في أبناء العائلة الواحدة طالما كانت مهنته الأساسية الزراعة والفلاحة، نفس الحال بالنسبة للصيد بحيث تنتقل حقوق الصيد سواء ما يتعلق برخصة الصيد إلى الأبناء لمن هم مهنتهم الزراعة.

4/4 الأسواق التشاركية مقابل الأسواق التبادلية في الوصول للمدخلات الاقتصادية

إن تسليع الموارد الطبيعية هو أحد الركائز الأساسية لنمط الإنتاج الليبرالي باعتبار أن قيم المورد تقاس بما ينطوي عليه من ثمن في إطار الأسواق التبادلية، ومن جانبنا نرى أن وضع الموارد الطبيعية ضمن نظرية الثمن في الأسواق التبادلية ومن ثم تسليع تلك الموارد هو أحد السبل التي تؤدى إلى دمار تلك الموارد، وانتفاء استدامتها، حيث أن المعضلة الأساسية لإدارة الموارد الطبيعية تكمن في كيفية تعظيم الفوائد الناجمة من استعمال تلك الموارد لإشباع الحاجات الأساسية للسكان على الأرض، ويعتقد أصحاب المدرسة التبادلية كما أشرنا في ثنايا تلك الدراسة أن تسليع تلك الموارد يساعد على حل مشكلة الفجوة الغذائية الناجمة عن إدارة الموارد الطبيعية، بينما إعمال حقوق الانتفاع في الإدارة الاقتصادية للموارد الطبيعية ولا شك أن حقوق الانتفاع سوف تعمل على تجاوز الأسواق التبادلية للأرض والإبقاء عليها كقيمة استعماليه وليس سلعة قائمة على التداول، ومن ثم أيضا تجاوز كافة أشكال المضاربة التي تأتى من تداول الأرض كسلعة في الأسواق التبادلية، ومن ثم المساهمة في خفض معدلات التضخم في التعامل مع الأرض كقيمة استعمالية وانعكاس ذلك على أسواق السلع والمنتجات الزراعية.

4/5 الموارد المفتوحة في مقابل القرصنة الحيوية

إن تجاوز معضلة الفجوة الغذائية وإشباع الحاجات الأساسية للسكان إنما يكمن في جعل الموارد الطبيعية مفتوحة المصدر لكل المنتجين والمستهلكين، فالصياد له الحق في الولوج لماء الأنهار والبحار، والفلاحون لهم الحق في الوصول للأرض وذلك في مقابل كل أشكال القرصنة الحيوية سواء أكانت في الاستيلاء على الأرض أو المسطحات المائية أو كافة الأصول الوراثية، لأن صون تلك الموارد وتنميتها وتطويرها إنما يتم في إطار مساهمة جميع المنتجين، فالفلاحون هم من حافظ على البذور وعملوا على تنميتها ومبادلتها فيما بينهم سواء على الصعيد المحلى أو العالمي، فلم تكن هناك حواجز في تبادل البذور والإكثار منها بين الفلاحين والمزارعين جميعا، ومن ثم حافظوا على تلك البذور بل وزادت أعدادها تنوعا، وفى هذا الصدد تشير العديد من الدراسات أن التطور التكنولوجي يكون أكثر فعالية في ظل الموارد المفتوحة حيث الأمر متاح لمساهمة الجميع في عملية التطوير وبوتيرة أسرع مقارنة بفرض براءات الاختراع على كل مصادر إعادة إنتاج الحياة من أرض وأصول نباتية وحيوانية، وهو الأمر الذي يقضى في المدى البعيد على صور التنوع الحيوي ومن ثم الإخلال بنظام التوازن الإيكولوجي الناظم لدورة الحياة على كوكب الأرض.

4/6 إدارة مؤسسية جماعية تشاركية ديمقراطية للموارد البيئية.

تعد التعاونيات القائمة على الإرادة الحرة والديمقراطية التشاركية اللبنة الأساسية في بناء نمط الإنتاج الصغير، ومدخلا لتعميق أسواق الاقتصاد التضامني التشاركي الذي يعظم من المبادلات السلعية وبخاصة أسواق المدخلات المعتمدة على الموارد الطبيعية من أرض، مياه، بذور، وأيضا خلق أسواق تضامنيه استهلاكية ومن ثم تتكامل دوائر الإنتاج مع الاستهلاك في ظل أسواق تضامنية بديلا عن الأسواق التبادلية التي تعيد إنتاج الفقر.

  • تلعب التعاونيات دورا في تراكم الخبرة والمعرفة لأعضائها فيما يتعلق بتبادل الخبرات والمهارات والمعارف التقليدية في إطار الملك العام والمفتوح بديلا عن فرض أي شكل من أشكال القرصنة الحيوية والاحتكارية في آن واحد.
  • كما أن البناء التعاوني المفتوح يعد أداه أساسية في التمكين الاقتصادي لأعضاء التعاونية من جهة ولجمهور المنتجين والمستهلين ضمن أسواق الاقتصاد التضامني التشاركي، وأداة أساسية لتجاوز الأسواق التبادلية القائمة على إعادة إنتاج الاستقطاب والاستلاب الاقتصادي وإعادة كل أشكال وصور التفاوت سواء في الوصول للموارد أو الفرص الاقتصادية.

الخاتمة وخلاصة

وصول الناس للموارد تلك هي المقولة التي يجب أن نعطيها أولوية وأهمية كبيرة إذا كنا نهدف إلى تنمية الموارد البشرية التي يعد الارتقاء بها ضرورة وحجر الزاوية في وقف نزيف الإهدار البيئي على الصعيد المحلى والعالمي.

ولكن وصول الناس للموارد يستتبعه بالضرورة إلغاء أي أثر احتكاري لأية أفراد أو جماعات على الموارد المتاحة.

فالأرض والبحار والأنهار والشواطئ. والأصول الوراثية نباتية وحيوانية، ملك عام للناس وليس من حق أحد حتى ولو كان ذلك بقانون جائر أن يستأثر بهذه الموارد وأن يحرم الغالبية منها لأن هذا مؤداه مزيد من الإهدار والتجريف البيئي، ولكن كيف يتحقق ذلك؟ لا شك أن العرض السابق من دراستنا يعطى أمثلة دالة على ذلك، حيث أن الاحتكار يعنى استهداف المزيد من الربح ومن ثم مزيد من اللا متساوي، وبالتالي مزيد من انعدام التكافؤ في فرص الوصول للموارد، والإخلال بالحدود الدنيا لمقتضيات العدالة التي تعد أحد الركائز الأساسية للاستدامة التنموية وتواصلها، والتي يعتبر العدل الاجتماعي جوهرها وأن الوصول لتلك العدالة إنما يتحقق من خلال خلق الفرص المتكافئة النساء والرجال وذلك من خلال مشاركة إيجابية وفعالة وفى إطار من التساوي في إدارة الموارد المتاحة، والمشاركة في وضع البرامج الملائمة لتنمية تلك الموارد، والبحث عن الأطر اللازمة لتنفيذ تلك البرامج، ومما لا شك فيه فإن ضعف هذه المشاركة أو غيابها يعنى المزيد من التمايز واللا تساوي في استخدام المورد والحصول عليه.

فحياتنا ما هي إلا مجموعة من الموارد، فالبشر مورد، والطبيعة مورد، وكما يذهب الدكتور عبد الفتاح القصاص أن تعظيم الاستفادة من هذه الموارد إنما يتحقق من خلال تعظيم القدرات البشرية التي يلعب التعليم والتدريب دورا أساسيا في تحويل الأفراد إلى موارد للمجتمع لا لكى تصبح على نحو ما هو كائن في كثير من المجتمعات النامية أعباء على المجتمع ومن ثم أعباء على استخدام المورد، ولا يتم ذلك إلا من خلال مؤسسات شعبية تعاونية تعتمد الإدارة الذاتية والتشاركية في تسيير عملها باعتباره المدخل للتمكين من إدارة مستدامة للموارد، والأمر ليس قاصرا على التعليم واكتساب المعرفة فقط بل يمتد إلى مشاركة الناس في اتخاذ القرار وذلك من خلال حق الناس في بناء مؤسساتهم ومنظماتهم التي تدافع عن حقهم في إدارة شئون حياتهم الخاصة والعامة بما يضمن لهم الحق في إدارة مجتمعهم الذي هو أثمن مورد وذلك من خلال العمل الإرادي الحر الذى لا تعوقه أية احتكارات سواء أكانت سياسية أو اقتصادية واجتماعية.

في ضوء ما سبق يتضح أن حق الناس في الوصول للمورد والوقوف في وجه أية احتكارات، يعد شرطا ضروريا في تلبية الحاجات الإنسانية وإشباعها بما يحول دون مزيد من الفقر ودون مزيد من الإهدار البيئي.

مراجع الدراسة

  • بول باران وسويزى، رأس المال الاحتكاري، ترجمة حسين فهمي مصطفى، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1970.
  • جون شتاينبك، عناقيد الغضب، القاهرة، الهيئة العامة للكتاب، 2005.
  • د. جمال أبو المكارم، في د. عاطف كشك محررا، فقر البيئة وبيئة الفقر، القاهرة، دار الأحمدي للنشر، 1998.
  • حبيب معلوف، إلى الوراء في نقد اتجاهات التقدم، بيروت، دار الفارابي، 2010.
  • د. رشدي سعيد، نهر النيل نشأته واستخدام مياهه في الماضي والمستقبل، القاهرة: دار الهلال، 1993.
  • دكتور رمزي زكى، المشكلة السكانية وخرافة المالتوسية الجديدة، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، العدد
  • سمير أمين، ثورة مصر وعلاقتها بالأزمة العالمية، القاهرة، دار عين، 2011.
  • عبد الله بن سعيد، صيرورة العملية الاقتصادية في القطاع الفلاحي من برنامج الإصلاح الاقتصادي إلى اليوم، ورقة غير منشورة، الاتحاد التونسي للشغل، 2015.
  • دكتور محمد عبد الفتاح القصاص، الإنسان والبيئة والتنمية، القاهرة، دار المعارف، 2000.
  • ليزا هـ. نيوتن، نحو شركات خضراء، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، 2006.
  • مستقبلنا المشترك، ترجمة محمد كامل عارف، سلسلة عالم المعرفة، العدد 142، الكويت، 1989
  • عدالة في عالم هش، مؤسسة هينرخ بل، مذكرة مقدمة للقمة العالمية حول التنمية المستدامة بجوهانسبرج، 2002.
  • التعداد الزراعي، القاهرة، وزارة الزراعة، 2009 -2010.
  • التعداد الزراعي، القاهرة، وزارة الزراعة، 1989 -1990.
  • الإدارة العامة للدراسات والتنمية الفلاحية، نتائج الاستقصاء حول المعطيات الهيكلية للمستغلات الفلاحية لسنتي 1995 و2005.
  • النتائج العامة للإحصاء الزراعي الشامل 2010، وزارة الزراعة اللبنانية، منظمة الأغذية والزراعة.
  • تقرير التنمية البشرية، البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، 2002.
  • تقرير التنمية البشرية، البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، 1992.
  • تقرير حالة الأغذية والزراعة، الفاو، روما، 2001.
  • GRAIN, ODDO Securities, ETC Group,
  • Grain ODDO Securities, ETC Group, 2012.

ـــــــــــــــــــــــــ

[1] بول باران وسويزي، رأس المال الاحتكاري، ترجمة حسين فهمي مصطفى، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1970.

[2]دكتور رمزي زكى، المشكلة السكانية وخرافة المالتوسية الجديدة الكويت: سلسلة عالم المعرفة، العدد 83.

[3] عدالة في عالم هش، مؤسسة هينرخ بل، مذكرة مقدمة للقمة العالمية حول التنمية المستدامة بجوهانسبرج، 2002، ص 13.

[4]World’s 10 Largest Water Companies, ETC group, 18 January 2012, https://goo.gl/ysJWhT

[5] GRAIN, ODDO Securities, ETC Group, 2012.

[6] Grain ODDO Securities, ETC Group, 2012.

[7] عدالة في عالم هش، مرجع سابق، ص 22.

[8] د. جمال أبو المكارم، في د. عاطف كشك محررا، فقر البيئة وبيئة الفقر، القاهرة: دار الأحمدي للنشر، 1998، ص 17.

[9] مستقبلنا المشترك، مرجع سابق، ص 179

[10] مستقبلنا المشترك، مرجع سابق، ص 179

[11] المرجع السابق، ص ـ180.

[12] حالة الأغذية والزراعة، الفاو، روما: 2001، ص 15.

[13] الفاو  https://ar.wikipedia.org/wiki

[14] مستقبلنا المشترك، مرجع سابق، ص 42.

[15] تقرير التنمية البشرية، لبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، 2002.

[16]تقرير التنمية البشرية، البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، 1992.

17 التقرير العالمي للعلوم الاجتماعية، المجلس الدولي للعلوم الاجتماعية وجامعة سايكس البريطانية ومنظمة اليونسكو،2016. http://www.unesco.org

[18] د. محمد عبد الفتاح القصاص في د. عاطف كشك محررا، مرجع سابق، ص 42.

[19] مستقبلنا المشترك، مرجع سابق، ص27.

[20]التعداد الزراعي، القاهرة: وزارة الزراعة، 2009-2010.

[21] التعداد الزراعي، القاهرة: وزارة الزراعة، 1989-1990.

[22] التعداد الزراعي، 2010، مرجع سابق.

[23] عبد الله بن سعيد، صيرورة العملية الاقتصادية في القطاع الفلاحي من برنامج الإصلاح الاقتصادي إلى اليوم، ورقة غير منشورة، الاتحاد التونسي للشغل، 2015.

[24]الإدارة العامة للدراسات والتنمية الفلاحية، نتائج الاستقصاء حول المعطيات الهيكلية للمستغلات الفلاحية لسنتي 1995 و2005.

[25] النتائج العامة للإحصاء الزراعي الشامل 2010، وزارة الزراعة اللبنانية، منظمة الأغذية والزراعة.

[26] المرجع السابق.

[27] سمير أمين، ثورة مصر وعلاقتها بالأزمة العالمية، القاهرة: دار عين، 2011، ص 112، 113.

[28] ليزا هـ. نيوتن، نحو شركات خضراء، الكويت: سلسلة عالم المعرفة، 2006، ص 189.

[29] ليزا هــ.نيوتن، مرجع سابق ص 192

[30] ليزا هــ.نيوتن، مرجع سابق، ص 193.

[31]جون شتاينبك، عناقيد الغضب، القاهرة: الهيئة العامة للكتاب، 2005.

[32] سمير أمين، مرجع سابق، ص 108، 109.

[33] حبيب معلوف، مرجع سابق، ص 54.

[34] حبيب معلوف، إلى الوراء في نقد اتجاهات التقدم، بيروت: دار الفارابي، 2010، ص 40 و41.

[35] دكتور محمد عبد الفتاح القصاص، الإنسان والبيئة والتنمية، القاهرة: دار المعارف، 2000، ص 62.

[36] دكتور محمد عبد الفتاح القصاص مرجع سابق، ص 62.

Start typing and press Enter to search