حراك ينخر في جدار الصمت:

حالة الحراك الاجتماعي والسياسي في مصر بعد يونية 2013

أحمد عبد الحميد حسين ,يس محمد
مصر
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [1.17 MB]

  1. مقدمة

شكَّلت ثورة 25 يناير 2011 أفقا جديدا للتغيير بمصر، ليس فقط بإنهاء حكم مبارك، ولكن بالانتقال لتحولات أكثر جذرية وديمقراطية. إذ تمثلت هذه التحولات في جذب قطاعات مختلفة من المواطنين نحو المشاركة السياسية والاجتماعية وبشكل يؤكد على إسهامهم في إدارة شئونهم وقضاياهم عبر هياكل وممارسات أكثر تمثيلا لأصواتهم. وإن لم تنجح ثورة 25 يناير في بلورة بديل سياسي مدني ديمقراطي تضعه على قمة السلطة، وصادفت في ذلك الاتجاه عقبات ساهمت في عدم تحقيق مطالب أساسية رفعها المتظاهرون أثناء انتفاضتهم في الأيام الأولى للثورة، إلاَّ أنَّها استطاعت إحداث تغييرات جوهرية؛ ما بين إعادة فكرة التغيير السياسي “الجذري” إلى حيز النقاش والتداول، وجلب لفاعلين سياسيين ومجتمعيين جدد من جيل الشباب، وخلقها لحالة أكثر ديناميكية في علاقة المواطنين بالسلطة، إذ أصبح لازما على السلطة أن تدير انتباها أكثر لرد فعل المواطنين على سياستها وقرارتها، وهو ما شهدناه ذلك مؤخرا خلال شهري ديسمبر 2015 ويناير 2016 في عدم قدرة الحكومة على تمرير قانون الخدمة المدنية -على صياغته الأولى- التي لاقت معارضة وعدم قبول بين أوساط مختلفة من المصريين، وخاصة بين العاملين في المؤسسات الحكومية (بهاء الدين، 2016)، وهو ما مثل في ذاته أفقا جديدا لنطاقات الحشد والتعبئة خارج الدوائر التقليدية للنشطاء والفاعلين السياسيين.

وبالرغم من تزايد القيود وحالاتالتضيق التي تعرض له الناشطون السياسيون والأصوات المعارضة، ساهمت كل هذه التحولات في توليد فرص متجددة لحراك اجتماعي وسياسي مستمر، إذ تباين حجم وأثر ذلك الحراك تبعا لكيفية تأطير القضايا المحركة وهياكل التعبئة التي تم توظيفها. حيث تجاوزت هذه القضايا الوقوع في فخ الانقسامات السياسية بين المجموعات المتنازعة وتبنت أهداف اجتماعية أو ذات بعد وطني – يتعلق بالسيادة والأرض، وبالتالي لاقتهذه القضايا تأييدا وتفاعلا بين قطاعات أوسع من المصريين على اختلاف انتماءاتهم، وهو ما أمكن رؤيته في حالات مختلفة، حيث استطاعت هذه القضايا أن تدفع في تشكيل جبهات معارضة والتنظيم داخل أطرها الاجتماعية، علي سبيل مثال: إضراب عمال غزل المحلة في يوليو وأغسطس 2017، والذي تزامن مع تصاعد الاحتجاج الشعبي لأهالي جزيرة الوراق، وقبلهما الحراك الرافض لانتقال السيادة على جزيرتي “تيران وصنافير” إلى المملكة العربية السعودية، وحراك نقابة الأطباء في مواجهة اعتداء أفراد الشرطة على الأطباء أثناء عملهم بإحدى المستشفيات العامة، والذي تطور لاحقا لتصعيد بشأن قضية توفير العلاج المجاني للمواطنين، وكذلك ضغط مجموعات من الشباب في اتجاه المشاركة على مستوى الحكم المحلي، وأخيرا ظهور منصات بديلة للرأي والتحليل -مثل صفحة “الموقف المصري” على شبكة التواصل الاجتماعي (فيسبوك)- تعمل على معالجة غياب المعلومات ومساءلة مؤسسات الدولة عن سياساتها وقراراتها.

وفي هذا الاتجاه، تطرح هذه الورقة معالجة تحليلية للحراك السياسي والاجتماعي وسط حالة عامة من التضيق والانسحاب الذي بدأ يطرق جسد أغلب التنظيمات السياسية والاجتماعية في مصر نتيجة حصار العمل السياسي والمجتمعي بمزيد القوانين والإجراءات المقيدة – قانون 107 لسنة 2013 المعروف بقانون التظاهر نموذجا، إذ شكل هذا القانون قيدا على الكثيرين الفاعلين على المستوى السياسي والاجتماعي في ممارسة الحق في الاجتماعات العامة والتظاهرات السلمية وأصبحوا عرضة للاحتجاز والاستيقاف وفقه. ففي الفترة بين 25 نوفمبر2013 حتى سبتمبر 2016، تم حصر وتوثيق 37,059 حالة قبض واستيقاف واتهام على خلفية قانون التظاهر في مختلف المحافظات المصرية (دفتر أحوال، 2016)، وبالتدقيق في هذه الحالات نجد أن بينهم 28261 تمت إحالتهم للمحاكمة [1]. ففي هذه الورقة نتناول خمس حالات مختلفة لحراك اجتماعي وسياسي تمكنت من الاشتباك مع كل هذه القيود من خلال مدخلين أساسين؛ يركز المدخل الأول على الوقوف على ماهية القضايا المحركة (الاقتصادية والاجتماعية والسياسية) التي لاقت تأييدا وتفاعلا واسعا في الشارع أو عبر قنوات التواصل الاجتماعي بشكل يساعدنا على فهم العوامل التي ساعدتها في اجتذاب فئات أو شرائح مختلفة، أما المدخل الثاني فيتناول تحليل هياكل التعبئة mobilising sturcutre والأدوات التي تم توظيفها للحشد بين المواطنين، وكيف ساهمت تلك الهياكل والأدوات في مجابهة القيود التي يواجهها الفاعليين على المستويين السياسي والاجتماعي.

  1. حالة الصمت والحراك المقاوم: مصر ما بعد يونية 2013

شكلت يونية 2013 نقطة تحول في مسار التغير السياسي في مصر، إذ بدأت بمظاهرات حاشدة شهدتها القاهرة ومختلف المدن المصرية ضد الرئيس محمد مرسي تطالبه بانتخابات رئاسية مبكرة، إذ لم يكن قد مر سوى سنة على انتخابه رئيسا بفارق ضئيل لم يتجاوز الواحد بالمائة عن منافسه. تلي هذه المظاهرات قرارا من قائد الجيش حينها –عبد الفتاح السيسي- بعزل رئيس الجمهورية، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية رئيسا مؤقتا للبلاد. وسرعان ما تم انتخاب عبد الفتاح السيسي في السنة التي تلتها رئيسا للبلاد. وفي خضم تلك التحولات، بدأت الدولة المصرية وبمسانده قطاعات واسعة من المصريين في تبني نهج غير متسامح مع أي نوع من الحراك على أرضية الزعم أنه سببا لعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي أصاب البلاد. فأصدرت في نوفمبر2013 قانونا للتظاهر (قانون 107 لسنة 2013) الذي ألزم منظمي المظاهرات بإبلاغ السلطات قبل ثلاثة أيام من موعدها على الأقل، وأعطى الحق لوزير الداخلية في منع أى مظاهرة يجد فيها تهديدا للأمن العام، ويعاقب كل من يخرق هذا القانون بالسجن خمس سنوات. وعلى صعيد آخر، تم استخدام الاحتجاز الإداري في إطار إجراءات تقاضي قد تصل لسنتين دون حكم من المحكمة سواء بالبراءة أو الإدانة.

وعلى هذا الأساس، يُشار لهذه الفترة التي تلت يونية 2013 بأنها شهدت انتكاسة كبيرة في مساحة الحريات نتيجة فرض سياسات أمنية قمعية، وحصار المجال العام، وخنق المجتمع المدني بشكل كبير، بالشكل الذي يجعل فرص أي حراك محتمل شبة منعدمة، وإن وجدت فهي ذات كلفة عالية. وزاد من صعوبة الموقف، تلك الحالة من الاستقطاب والانقسام التي هيمنت على الساحة السياسية خاصة بعد فض اعتصاميِّ مؤيدي الرئيس محمد مرسي في 14 من أغسطس 2013، وسقوط عدد كبير من الضحايا اللذين قتلوا في ذلك اليوم. وبشكل عام سهل خفوت الحراك الجماهيري وتلك الانقسامات على السلطة غلق المجال العام والسياسي، بل نجحت المؤسسات الأمنية والدوائر الإعلامية الموالية للدولة في خلق تأطير مضاد counter framing يعمل على تشويه دعوات الحراك سياسي واجتماعي التي لا تروق لها أو تتفق مع سياساتها وهو ما أثر على تجاوب عموم المصريين للمشاركة وكان أحد أسباب خفوتها لاحقا. كل ذلك ساهم في ترسيخ حالة الصمت والركود السياسي وهو ما دفعنا للتساؤل حول الحالات التي تم اختراق فيها تلك القيود وذلك الصمت بالشكل الذي يساعدنا على فهم القضايا التي استطاعت تعبئة مجموعات أكبر من المواطنين للتحرك بشأنها وما هي هياكل ووسائط التعبئة التي تم استخدامها؟ واختبار إذا ما زال لوسائل التواصل الاجتماعي دورها في الحشد وكسب التأييد؟ وكيف تم التعاطي مع القيود المتزايدة المفروضة ضد أي حراك؟

  1. خمسة نماذج للحراك الاجتماعي والسياسي
  2. قضية جزيرتي تيران وصنافير

في شهر أبريل 2016 أعلنت الحكومة المصرية عبر بيان رسمي عن توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية، وتبع ذلك انتقال السيادة على جزيرتي تيران وصنافير إلى الأخيرة لوقوعهما في المياه الإقليمية الخاصة بالمملكة العربية السعودية، وأوضحت حينها الحكومة المصرية في بيانها أن “لجنة ترسيم الحدود استندت على عدد من الوقائع والمستندات التي أدت في النهاية إلى إعادة الجزيرتين إلى السيادة السعودية” (اليوم السابع، 2016). قوبلت هذه الاتفاقية بموجة من الرفض بين قطاعات من المصريين على اختلاف مواقفهم السابقة من حكم السيسي سواء كانوا من المؤيدين أو المعارضين (هافينغتون بوست، 2016)، وهو ما كان باديا على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي، إذ أخذت الأصوات تتعالى في مواجهة انفراد السلطة بمثل هذه القرارات المصيرية. وعلى الجانب الآخر، لم تخرج أي معلومات رسمية من الحكومة عن التفاوض الذي تم مع السعودية، وهنا انطلقت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي تندد بالقرار، وأخرى تدعوا للتظاهر لرفض الاتفاقية. وأعلن المحتجون أن ما تم ليس إطارا لترسيم الحدود، وإنما هو تنازل وبيع لجزيرتين مصريتِّين للحكومة السعودية، رغبة من النظام في إظهار الولاء للأخيرة التي أغدقت على النظام المصري ملايين الدولارات بعد الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي (سي إن إن، 2016). تمت مواجهة هذه الاحتجاجات بمزيد من الإجراءات القمعية، حيث تم اطلاق يد الشرطة في استيقاف المواطنين والقبض على النشطاء المشاركين في تنظيم والدعوة لهذه الاحتجاجات، وطبقا لجبهة الدفاع عن متظاهري مصر وصل إجمالي حالات الاستيقاف والقبض خلال الفترة بين 15 – 27 أبريل على خلفية هذه الاحتجاجات إلي 1277 حالة استيقاف وضبط في 22 محافظة، بينهم 107 من الإناث و52 طفل، كما أن في نصف هذه الحالات تم توجيه اتهامات إليهم، وعرضهم على النيابة، ويشار إلى أن البعض منهم ما زال إما محتجزا أو على رهن قضايا تتداول في بعض المحاكم حتى وقت كتابة هذا الورقة(جبهة الدفاع عن متظاهري مصر، 2016).

ولعل أهمية احتجاجات “تيران” و”صنافير” أنها مثلت التجمع الأكبر حجما الذي تمكن فيه معارضين لقرارات وسياسات الدولة المصرية التعبير عن معارضتهم في المساحات العامة منذ أن تم إصدار قانون التظاهر في نوفمبر 2013 وتم في استخدامه لمواجهة ومنع أي تظاهرات معارضة أو مناوئة للدولة المصرية وسياساتها على أرضية استغلالها لأحداث العنف والإرهاب في تقييد الحق في التظاهر والاحتجاج، إذ اقتصرت المظاهرات قبل ذلك على تلك التي سيَّرها الإخوان المسلمون وأنصارهم، والتي دوما ما قوبلت بقمع أمني وشهدت سقوط ضحايا، ولكن المختلف هذه المرة أن تلك القضية تمكنت توحيد قطاعات مختلفة من المصريينسواء من مؤيدين أو معارضين لحكم السيسي لأول مرة بعض حالة الاستقطاب التي سادت المجال العام بعد يونية 2013. ولعل تلك الوحدة النسبية بين الأطياف السياسية المختلفة حول هذه القضية تسبب في زيادة تكلفة القمع الأمني، فبرغم استيقاف والقبض على المئات إلا أنها المظاهرات الأولى بعد فض اعتصامي ميداني رابعة العدوية والنهضة التي لم يسقط فيها ضحايا كسابقاتها.

  1. حراك داخل نقابتي الأطباء والصحفيين للدفاع عن أعضائهم

في نهاية يناير 2016 تعرض الأطباء العاملين في إحدى المستشفيات العامة بالقاهرة (مستشفى المطرية العام) لاعتداء من قبل أمناء شرطة، زُعِمَ أنهم طلبوا من الأطباء إصدار تقرير طبي غير مطابق للواقع عن حالة أحدهم، وفي إطار عدم تعاون الأطباء تطور الموقف ليتحول إلى اعتداء من قبل أفراد الشرطة على طاقم المستشفى. وعلى الجانب الآخر، وجد الأطباء تراخيا من النيابة والشرطة في محاسبة أفرادها المتجاوزين. الأمر الذي استدعى تدخل نقابة الأطباء على أرضية أنه اعتداء يهدد الأطباء ويحول دون ممارسة عملهم بشكل آمن، ويمس من كرامة الطبيب كمهنة. ولعل هذا التراخي في محاسبة أفراد الشرطة عن تجاوزاتهميمكن تفسيره في إطار نهج أوسع اتبعته الدولة المصرية بمنح مؤسسة الشرطة سلطة غير تقليدية في مواجهة أي حراك أو احتجاجات معارضة يمكن أن تهدد استقرار النظام السياسي القائم على بزعم مواجهة الإرهاب وجماعة الإخوان المسلمين، التي تم الربط بينها وبين الحوادث الإرهابية التي شهدتها البلاد (Abdelrahman، 2016).

وقد أشارت الدكتورة منى مينا –السكرتير العام نقابة الأطباء– أن موقفهم في هذه القضية هو دفاعا عن العدالة، وأنهم يريدون أن يشعر الأطباء بالأمان خلال ممارستهم واجباتهم في تقديم العلاج لمرضاهم(عزت، 2016). فعلى هذا الأساس تمت الدعوة لجمعية عمومية طارئة للأطباء تحت شعار “الدفاع عن كرامة الأطباء” في 12 من فبراير 2016، حيث شهد شارع القصر العيني -حيث تقع نقابة الأطباء- مشهدا حافلا لتجمع تجاوز الـ 10 آلاف طبيب -طبقا لتقدير د. منى مينا- لأول مرة في تاريخ النقابة، وهو العدد الذي لم تتسع له النقابة ليملأ أعضاء النقابة الشوارع المحيطة لمقر النقابة (عزت، 2016). وفي هذه الجمعية العمومية غير العادية اتخذ الأطباء قرارات تصعيدية في سبيل المطالبة بالقبض على الجناة من أفراد الشرطة، وتقديمهم للمحاكمة بشكل جدي، حيث ضمت هذه القرارات الامتناع عن تقديم الخدمة الطبية بأجر في المستشفيات العامة، والإصرار على تقديم كل الخدمات الطبية مجانا وبدون أي رسوم(نقابة الأطباء، 2016 أ). وهو الأمر أكسب حراك النقابة تعاطفا من قبل قطاعات من المصريين، وفوَّت الفرصة على محاولات تشويه حراكهم بدعاوي الإضرار بصحة المصريين في دفاعهم عن مهنتهم، وهو ما تنبه إليه نقيب الأطباء حسين خيري في تأكيده على أن “قرارات الجمعية العمومية لا بد وأن تصوب ضد المخطئ، وليس ضد المريض، وإلا يبقى ظلم” (عبد الله، 2016).

لم ينته حراك نقابة الأطباء عند حادثة الاعتداء المذكورة، والتي لاحقا في 21 سبتمبر 2016 تم بالفعل إدانة أمناء الشرطة التسعة المتهمين ومعاقباتهم بالحبس ثلاث سنوات وغرامات مالية تصل إلى ستة آلاف جنيه (بي بي سي، 2016 ب)، بل استمر ذلك الحراك لتسلك النقابة مسارا أطول في الدفاع عن حقوق أعضائها فيما يتعلق بتحسين الأجور وظروف العمل وهو ما ينعكس على جودة الخدمة الطبية التي يقدموها. إذ تبنت­ النقابة المطالبة بزيادة بدل العدوى للأطباء وتنفيذ الحكم القضائي الصادر من المحكمة الإدارية في 28 نوفمبر 2015 بزيادة بدل عدوى الأطباء من اثني عشر جنيها إلى ألف جنيها (نقابة الأطباء، 2015). لم ينته الأمر عند هذا الحكم، إذ تقدمت الحكومة بطعن أمام المحكمة الإدارة العليا، وأخذت تماطل في تنفيذ الحكم. وفي ضوء فشل كل محاولات التفاوض بين نقابة الأطباء ورئاسة مجلس الوزراء، لجأت النقابة لمقايضة الحكومة في عدم امتثالها للحكم القضائي ومماطلتها وبدأت في تنفيذ وقفات احتجاجية للتنديد بهذا الموقف والمطالبة بتنفيذ بدل العدوى الذي تم إقراره بحكم المحكمة (أصوات مصرية، 2016). أخيرا، في 16 يناير 2017، تم الحكم على أمناء الشرطة المعتدين، والحكم بالتعويض المؤقت عشرة آلاف جنيه واحد لكل من الأطباء المعتدى عليهم في خطوة إيجابية وانتصار جزئي استطاع الأطباء أن ينتزعوه تحت ضغط متراكم ومستمر.[2] يتضح من كل هذه التحركات أن نقابة الأطباء تسلك مسارا احتجاجيا، تنوعت فيه استراتيجيات التفاوض والضغط بين الوقفات الاحتجاجية والإضراب الجزئي والعمل بدون أجر ومقاضاة الحكومة من أجل الدفاع عن حقوق أعضائها وعن حق المرضى في خدمة صحية في ظل سياسات حكومية تتهرب من رصد الميزانيات الكافية تضمن توفير خدمة طبية مجانية لعموم المصريين (نقابة الأطباء، 2014).

وعلى صعيد مشابه مع نقابة أخرى، تعرضت نقابة الصحفيين في الأول من مايو 2016 لاقتحام قوات الشرطة للقبض على اثنين من أعضائها كانوا قد لجأوا إليها بعدما صدرا قرار بضبطهما على خلفية اتهامها بالتحريض على التظاهر والاحتجاجات المتصلة بقضية جزيرتي تيران وصنافير، وهو الأمر الذي تطور لحالة من الاستياء والرفض بين أعضاء النقابة لانتهاك قوات الشرطة استقلالية نقابتهم التي كفلها القانون (قانون 76 لسنة 1970)، إذ أقر بعدم جواز تفتيش النقابة بدون حضور نقيب الصحفيين، وأحد أعضاء النيابة العامة، وهو ما لم يتم في هذه الحالة. وعلى هذه الأساس تمت الدعوة لجمعية عمومية غير عادية لنقابة الصحفيين في الرابع من مايو 2016، واتخذت هذه الجمعية قرارات تصعيدية تطالب بإقالة وزير الداخلية ومطالبة رئيس الجمهورية -صفته حكما بين السلطات في الدولة- بتقديم اعتذارا يحفظ كرامة الصحفيين ومهنتهم ونقابتهم، والمطالبة بإصدار قانون يمنع حبس الصحفيين في قضايا النشر، تطور الأمر ليأخذ شكلا رمزيا في الاحتجاج يتمثل في مقاطعة نشر أخبار وزارة الداخلية، والامتناع عن نشر اسم وزير الداخلية أو صورته، والاكتفاء باستخدام صورة “نيجاتيف” له. (نقابة الصحفيين، 2016).

  1. منصات بديلة للرأي والتحليل على الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي

خلال الفترة بين 2005 و2010 أتاحت المدونات الإلكترونية ومن بعدها شبكات التواصل الاجتماعي الإعلام ­­فضاء يتسم بقدر من الحرية بعيدا عن سيطرة الدولة، وهو الأمر التي مكنّ مجموعات النشطاء الحقوقيين والسياسيين المعارضين من إلقاء الضوء على الانتهاكات التي كانت تمارسها مؤسسات الدولة – وبخاصة الشرطة تجاه المواطنين. تحولت حينها تلك شبكات التواصل الاجتماعي لتكون مصدرا للمعلومات التي لا تسمح الدولة بها في وسائل الإعلام، كما عملت على تحفيز حالة من النقاش ساهمت في تكوين وعي معارض للرواية الرسمية التي تصدرها مؤسسات الدولة. كان لهذا الوعي المعارض الإسهام الأكبر في حشد الطليعة الأولى التي قامت بالتظاهر ضد قمع الشرطة وتعذيب المواطنين في 25 يناير 2011. تلك المظاهرات وما تلاها من أحداث كانت كفيلة بأن ينتبه الجميع -سواء مؤسسات الدولة أو المجموعات السياسية المختلفة سواء كانت مؤيدة أو معارضة- للدور الذي يمكن أن تلعبه أدوات التواصل الاجتماعي في الحشد وتعبئة المواطنين، فبدأت كل مجموعة في إيجاد مساحاتها ومنصاتها التي تعبر عن أفكارها فيها وتتواصل من خلالها مع مؤيديها وتعمل على توسيع قاعدتهم. ولكن لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، إذ بدأ يتواتر طوال السنوات الماضية بأن هناك “لجان إلكترونية” أو مجموعات منظمة تعمل عبر شبكات التواصل الاجتماعي إما لنشر أخبارا –سواء صحيحة أو كاذبة- أراء بعينها وتهاجم أراء أخرى ظنا منها أنها تؤثر وتوجه الرأي العام الذي تكونه وسائل التواصل الاجتماعي.

تنسجم هذه الرؤية لشبكات التواصل الاجتماعي على أنها ساحة للتوجيه والتأثير على الآراء والمواقف مع ما تم الكشف عنه مؤخرا تحت مسمي “اتحاد مؤيدي الدولة” – وهو مجموعة من مديري الصفحات والمجموعات على شبكات التواصل الاجتماعي التي تقوم بحشد وتشجيع متابعيها لإظهار دعمهم وتأييدهم للدولة وسياسياتها (سرور، 2016). وبالرغم من كونه حق لكل مجموعة أن تحشد لأفكارها وتنسق بين مؤيديها، إلا أن ذلك يمكن أن يفسر كيف شبكات التواصل الاجتماعي إلى ساحات للاستقطاب والصراخ وتبادل الاتهامات دون محتوى تحليلي أو أراء نقدية. وبالنظر لبنية تلك الشبكات وكيفية عملها، يتضح أن مطوروها اعتمدوا فيها على خوارزميات logarithms تجعل مستخدميها يتعرضون بشكل انتقائي للمحتوى الذي يحتمل أن يثير اهتمامهم أكثر، فشركة Facebook توضح ذلك بأن مستخدميها يتعرضون للمنشورات التي يمكن أن تهمهم من أصدقائهم الذين يتفاعلوا معهم أكثر عبر الشبكة وهو الأمر الذي يتعلق أيضا بكثافة التعليقات ومقدار الإعجاب للمحتوى بين الأصدقاء(فيسبوك، بدون تاريخ). وهو الأمر الذي يعني أن مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي أخذوا يتحولوا إلى كتل يزداد فيها التقارب بالآراء ويقل فيها التعرض لآراء أو توجهات مختلفة بشكل من شأنه أن يجعلها أفراد كل كتلة لا يسمعون سوى صدى أصواتهم.

وعلى هذا الأساس تحولت شبكة التواصل الاجتماعي من مجال لتبادل المعلومات والنقاش بشكل يمكن أن يساهم في الحشد أو التعبئة لقضايا مختلفة إلى ساحات للصراع والتكتل وراء الانتماءات التي غلب عليها الاستقطاب وغياب المعلومات أو الآراء الناقدة، وعلى الجانب الآخر تزايدت حالات التضيق والقيود التي فرضتها الدولة المصرية على أي أصوات ناقدة لسياساتها وقراراتها في شبكات التلفزيون والصحافة المطبوعة وحتى شبكة التواصل الاجتماعي، وهو ما حدث على سبيل الذكر لا الحصر مع إعلاميين مثل يسري فودة وريم ماجد وباسم يوسف وكذلك معفرقة “أطفال شوارع” الذين عرفوا بمقاطع الفيديو التي يصورونها لغنائهم الجماعي بالشارع وتطرقوا فيها لنقد غير مباشر لسياسات الدولة المصرية. ونتيجة لذلك، أخذ صوت واحد -في مجمله مؤيدا للدولة وسياستها- يسيطر على كافة القنوات الإعلامية الرئيسية سواء كانت مملوكة للدولة أو مملوكة لرجال أعمال؛ وهو الأمر الذي دفع بظهور مبادرات لتطوير منصات بديلة على الإنترنت وشبكة التواصل الاجتماعي تتصدى لتقديم مقالات ومحتوى يطرح أراء تحليلية وناقدة غابت في إطار ذلك الاستقطاب والتضيق. إذ يشير محمد ندا – مؤسس أحد هذه المنصات “قُل” لذلك: “بنظرة سريعة اكتشفنا أن صفحات الرأي مخصصة لكتاب بعينهم يكتبون في الصباح للقراء وفي نفس الوقت يغزو هؤلاء الكتاب أوقات البث بشاشات التليفزيون في المساء”، ويضيف ندا “فكرة “قل” تعتمد بالأساس على خلق حالة من التنوع والنقاش العميق، والتي من الممكن أن تحول حالة الاستقطاب والصراخ السائدة إلى نقاشات مثمرة” (شمس الدين، 2016).

جدول 1: منصات بديلة للرأي والتحليل (21 نوفمبر 2016)

المنصة طبيعتها تاريخ بدايتها كلمات أساسية تم استخدامها في وصفها
(21 نوفمبر 2016)

مدى Mada

موقع إلكتروني يستفيد من وسائل التواصل لإعادة نشر محتواه  30 يونية 2013 “محتوى صحفي خلاق وشجاع وجذاب… طرق مختلفة للسرد… تدفع حدود الصحافة… تحليلات وأراء تتمتع بالجودة والعمق والدقة… لا نهدف لتقديم الأخبار في شكل مجرد وإنما مصحوبة بسياقاتها وبعد إخضاعها للتدقيق والتحليل… تحدي قناعاتنا السائدة عبر طرح الأسئلة التي تختبر فهمنا المعتاد للأمور… غرضنا النهائي أن نكون شهداء مخلصين على الأحداث… بدأنا في وقت انقسمت فيه مصر حول خطوط وهمية… قررنا أن نقترح مسارا بديلا ” (مدى 2014).

نون بوست

Noonpost

موقع إلكتروني يستفيد من وسائل التواصل لإعادة نشر محتواه  1 يوليو 2013 “تقديم رؤية أعمق للأخبار والتحليلات… تشجيع الحوار وحرية التعبير… تحليل الأحداث المختلفة والقضايا بجدية… يدعم صحافة المواطن من خلال تعاونه مع عدد كبير من المراسلين المتطوعين ” (نون بوست، بدون تاريخ)
قل Qoll موقع إلكتروني يستفيد من وسائل التواصل لإعادة نشر محتواه يناير 2014 “ضد الصوت الواحد… جهود ذاتية تطوعية… لا تخضع لشروط رأس المال أو التوجهات السياسية للسلطة… منصة للتيارات المختلفة… نجحت في جذب 300 كاتب رأي مصري، منهم 80 كاتب نشروا في قل للمرة الأولى” (قل بدون تاريخ).

ساسة بوست

Sasapost

موقع إلكتروني يستفيد من وسائل التواصل لإعادة نشر محتواه 3 مارس 2014 “أسسه 6 شباب من دول عربية مختلفة… صياغة محتوى متنوع يبدأ من اهتمامات الناس وأفكارهم ورؤاهم ثم ينتهي إليهم مرة أخرى.. يكمل الصورة ويجيب على الأسئلة.. الكتابة والتدوين بشكل حر خارج الأجندات التحريرية… تعتمد على الجهود التطوعية للأفراد والكتابة بدون مقابل” (ساسة بوست، بدون تاريخ).

المنصة

Al Manassa

موقع إلكتروني يستفيد من وسائل التواصل لإعادة نشر محتواه 29 نوفمبر 2015
ولا تزال تحت التشغيل التجريبي
“صحافة مفتوحة وتشاركية… ينتج فريق التحرير قصصا صحافية ويدعوا القراء للمساهمة في إنتاج واستكمال القصص والتحقيقات… كما يمكن للمواطن أن يبدأ قصة صحفية يساهم الآخرون فيها… الحقيقة متهربة في عصرنا الرقمي والبحث عنها هو بحث مستمر وجار يحتاج إلى النظر المتواصل والجهد الجماعي… يتم التحقق من المحتوى بشكل جماعي وعلني… يقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف ولا ينحاز سوى إلى الحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية وضد العنصرية والطائفية والعنف والتحريض عليه” (المنصة، بدون تاريخ).

وبتتبع تلك المنصات البديلة (جدول 1: منصات بديلة للرأي والتحليل)، نجد أنها بدأت في الظهور في يونية 2013 كمواقع إلكترونية لها طابع صحفي مستقل لتوفر المجال لأصحاب الآراء سواء كانوا من الصحفيين أو من غيرهم من المواطنين الذين لا يجدون مجالا في الإعلام ولا في وسائل التواصل الاجتماعية للتعبير عنها بحرية واقتصر دور شبكة التواصل الاجتماعي على إعادة نشر محتوى هذه المواقع. فعلى سبيل المثال، يشير موقع مدي مصر – أول هذه المنصات ظهورا لدوره في “تقديم تحليلات وأراء تتمتع بالعمق والجودة” و” تحدي قناعاتنا السائدة عبر طرح الأسئلة التي تختبر فهمنا المعتاد للأمور”(مدى، 2014). في حين أن المنصة Al Manassa – الأحدث فيما بينهم يطرح مفهوم الصافة المفتوحة والتشاركية التي تدعو القراء للمساهمة في إنتاج واستكمال القصص الخبرية والتحقيقات وفي إطار يحافظ على مسافة واحدة من جميع الأطراف دون انحياز لشيء سوى الحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية(المنصة، بدون تاريخ). وبالرغم من لجوء تلك المنصات للعمل كمواقع إلكترونية مستقلة تنأى بنفسها من ذلك الاستقطاب الدائر على شبكات التواصل الاجتماعي، إلا أن التفاعل مع ما تقدمه من محتوى يعتمد على تلك الشبكات الاجتماعية التي يتم من خلالها إعادة نشر وتبادل ما تطرحه من أراء وتحليل. وهو ما يدفعنا للتأكيد على دور تلك المنصات في إعادة توظيف شبكات التواصل الاجتماعي كمساحات يمكن أن تتيح نقاش من شأنه يطور الوعي المعارض الذي يساهم فيما بعد في توليد حراك سياسي واجتماعي مثلما حدث قبل 2011.

وبالنظر للتحولات الأخرى التي طرأت على شبكة التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، نجد أن مساحات جديدة بدأت في التشكل بهدف تقديم نقد تحليلي مدعوم بالمعلومات والأدلة لسياسات الدولة المصرية، لعل أخرها كان ظهور صفحة تحمل اسم “الموقف المصري” [3] التي أوضحت في منشورها التأسيسي بتاريخ 26 فبراير 2016 أوضحت أنها معنية بطرح رأي كل مصري مؤمن بالتغيير للأفضل وأن هدفهم هو صياغة رأي مدعوم بالمعلومات لطرح البديل الذي طالما كان غيابه سببا تعذر به المصريون قبل مؤسسات الدولة في قبول الوضع الحالي والاختيار بين خيارات لا يرودونها(الموقف المصري، 2016 أ). وبناء على تقدير القائمين على الصفحة، أن ما تعيشه مصر هو معركة بين فئتين كبريين –أتباع الإخوان ومؤيدي السيسي، حيث لكل فئة منهم خطابها الخاص وروايتهم للأحداث الماضية والحالية، بل وكذلك رويتها للمستقبل (الموقف المصري، 2016 أ). وعلى هذا الأساس، يجدون أنفسهم –على حسب تعبيرهم– “فئة ثالثة” من المصريين الراغبين في التغيير والإصلاح كأولوية تتجاوز مسألة الانتماءات السياسية، بل ويحاولون إيجاد إطار واسع يمكن أن يضم الجميع ما داموا كانوا على استعداد للوصول لحلول وسط من شأنها أن تضمن حياه آمنة ومشتركة للجميع(الموقف المصري، 2016 أ).

وبالرغم من عدم إعلان القائمين على صفحة “الموقف المصري” عن هوياتهم والاكتفاء بإعلان انه من بينهم 25 مختصا وخبيرا في مجالات مختلفة (الموقف المصري، 2016 ب) ولاعتبارات قد باتت مفهومة سلفا وتتعلق بتجنب ملاحقتهم واستجوابهم كما عهدت المؤسسات الأمنية في إحكام قبضتها وملاحقة الأصوات الناقدة، إلا أنهم استطاعوا في جذب ما يقرب 500 ألف متابع على شبكة التواصل الاجتماعي (فيسبوك) في تسع أشهر – حتى 4 نوفمبر 2016 (الموقف المصري، 2016 د). تلك المتابعة الواسعة يمكن تفسيرها بنوعية المحتوى والمعلومات التي عملت هذه الصفحة على تقديمها من البداية، لدرجة أن عضويين من البرلمان المصريين – هيثم الحريري ومحمد أنور السادات أعلنوا عن تقديرهم لما تقدمه الصفحة وأنهم يعتمدون على ما تقدمه الصفحة من معلومات في مساءلة الحكومة(الموقف المصري، 2016 ج). وبشكل شبه أسبوعي، انتظمت الصفحة في إلقاء الضوء على قضايا مختلفة في مجملها تتعلق بالفساد ومساءلة الدولة عن سياساتها وقراراتها، إذ اتخذت أغلب منشورات الصفحة وسم (#دردش_مع_العيلة) في إشارة للمسئولين على ضرورة إتاحة المعلومات وفتح حوار أوسع حول هذه السياسات والقرارات التي يتخذونها. على سبيل المثال، عملت الصفحة خلال الأشهر العشرة بين مارس ونوفمبر 2016 على توفير معلومات وأراء تحليلية في قضية جزيرتي تيران وصنافير، وطرح تساؤلات حول المعلومات المبهمة لتعاون الحكومة المصرية مع نظيرتها الروسية لبناء مفاعل لتوليد الطاقة، وعملوا على تقديم دليل لفهم أثر ضريبة القيمة المضافة التي أقره البرلمان مؤخرا، كما تصدت للكشف عن معلومات في قضايا ذات صلة بالفساد سواء فيما يتعلق بشراء طائرات فخمة للمسئولين أو استيراد شحنات قمح غير صالحة للاستخدام. وبشكل عام، تمكنت صفحة الموقف المصري مؤخرا في أن تجد لها مجالا بين عموم المصريين نتيجة عدم وافر مصادر مدعومة بالمعلومات والوثائق التي تمكنهم على فهم تعقيدات الحياة اليومية بعيدا عن الاستقطابات السياسية والروايات المتحيزة (سعد الدين، 2016).

3,4. حراك ضد ممارسات إعلامية تنتهك حقوق المواطنين

بشكل عام، تعرضت وسائل الإعلام لنوع من التصفية بعد يونية 2013، حيث تم إغلاق ومصادرة كل المنابر الإعلامية المؤيدة للإخوان سواء كانت مملوكة لمصريين، أو كانت جزءا من شبكة أكبر كقناة الجزيرة مباشر مصر، بل وفُرِضت قيود على إعلاميين آخرين معروفين بتأييدهم لثورة 25 يناير ومعارضتهم للإجراءات القمعية التي تتخذها الدولة المصرية (محمود عبد الله، 2016). وعلى الجانب الآخر تبنت وسائل الإعلام المملوكة سواء للدولة أو رجال الأعمال المقربين من السلطة خطابا معاديا لثورة 25 يناير والحراك السياسي بشكل عام. وفي إطار ذلك المشهد، تزايدت تجاوزات بعض الإعلاميين التي تبنت لخطاب يشجع على الكراهية ضد المعارضين لنهج الدولة المصرية سواء كانوا ينتمون للإخوان المسلمين أو مجموعات أخرى معارضة. ولم تقتصر تلك التجاوزات على ما هو ذا طابع سياسي، بل تجاوزت لتطال انتهاك أبسط حقوق المواطنين في احترام الحق في الخصوصية وعدم الإساءة لآخرين.

ولعل أبرز حالة لهذه التجاوزات الإعلامية هو ما قامت به المذيعة ريهام سعيد في أكتوبر 2015 عبر برنامجها التليفزيونية، حيث استضافت فتاة تعرضت للتحرش في أحد المراكز التجارية بالقاهرة لتروي ما حدث لها، وتحولت الفتاة في هذا اللقاء من ضحية للتحرش إلى متهمة في أنها قد ارتدت ملابس شجعت المتحرش على القيام بذلك، ولم تكتف المذيعة المذكورة بذلك بل قامت بنشر صور خاصة للفتاة حصلت عليها بشكل غير مشروع وبدون إذن الفتاة لتواجهها بها على أرضية الطعن في سلوكها الشخصي. وفي هذه اللحظة انطلقت موجة من الغضب عبر شبكات التواصل الاجتماعي تطالب بإيقاف البرنامج ومحاسبة المذيعة عن تجاوزها.

والجدير بالذكر أنها لم تكن تلك الحالة الأولى التي تتعرض فيها هذه المذيعة –ريهام سعيد– تطالب بوقف برنامجها نتيجة تجاوزاتها، حيث تعرضت لحملة سابقة في سبتمبر 2015 على خلفية تغطيتها لمعاناة اللاجئين السوريين في لبنان، إذ صورت عوز اللاجئين واستغلت احتياجهم للمساعدات في تصويرهم بشكل سلبي يحط من كرامتهم وفي إشارات سياسية فيها نوع من الترهيب والمقارنة السلبية بين الوضع في مصر وسوريا. إذ أرفقت مشاهد مصورة عن اللاجئين السوريين بلبنان بتعليق “هذه هي الشعوب التي تشردت، وتقسمت وضيّعت نفسها، هذا مصير الناس عندما يضيع وطنهم”، وهو ما أثار موجة كبيرة من الهجوم عليها في مصر ومختلف الدول العربية بسبب استغلالها لأوضاع اللاجئين السوريين لتوصيل رسالة مفاداها أن الثورات العربية خلفت الخراب على شعوبها. (أحمد السباعي، 2015)

ولكن يتضح الفارق في الحملة الثانية، إذ يبدوا أن الناشطين قد تعلموا من عدم استجابة القناة التليفزيونية التي تبث هذا البرنامج مع الحملة الأولى ليوجهوا بوصلتهم هذه المرة إلى الشركات المعلنة الداعمة لهذا البرنامج، لتتحول إلى دعوة لمقاطعة منتجات تلك الشركات طالما لم يوقفوا رعادتهم ودعمهم لهذا البرنامج ومذيعته. ومع تزايد التأييد والتفاعل مع هذه الحملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وسرعان ما تبدأ أحد الشركات الراعية إعلان تبرأها من هذا البرنامج وإدانتها لتجاوز هذه المذيعة في التحامل على الفتاة التي تم التحرش بيها وانتهاك خصوصيتها. وبمجرد انسحاب الشركة الأولى، بدأ توالي انسحاب بقية الشركات الراعية في مشهد أقرب لسقوط قطع الدومينو Dominoes Effect، وسرعان ما تتنازل القناة عن تعنتها وتبدأ في مجاراة الأمر خوفا من الخسارة التي تلحق بها لتعلن في بيان قرار بوقف برنامج هذه المذيعة، وإذا بالأخيرة أيضا تعلن استقالتها.

وبالرغم من عودة برنامج هذه المذيعة على نفس القناة في مايو 2016 (بعد ستة أشهر من إيقافه) مستغلين انشغال الرأي العام بقضايا أخرى، إلا أنه سيحسب لهذا الحراك أنه استطاع رسم خط أحمر يمنع الإيغال في انتهاك خصوصية المواطنين، ويؤسس لممارسات إعلامية أكثر احتراما لحقوق المواطنين. ولا يمكننا فصل ذلك الحراك عن النضال الأكبر الذي ظل الناشطون يخضونه من أجل الدفاع عن مجال عام لا يتم انتهاك حقوق المواطنين فيه سواء كان من الإعلام أو الدولة ومؤسساتها. فمثل هذه الانتصارات والمكاسب على الرغم من محدوديتها إلا أنها لعبت دورا في إعادة الانتباه إلى فرص الحراك والتعبئة التي يمكن أن تتيحها وسائل التواصل الاجتماعي بشرطتوافر القضية المحركة التي يمكن أن تكسب تأييد قطاعات أوسع من المصريين.

 

3,5. حراك المحليات: مجموعة محليات الدقي والعجوزة

شكلت ثورة 25 يناير مجالا لتوسيع مشاركة المواطنين على مستوى حكم وإدارة التجمعات السكنية التي يقطنونها، وهو ما بدا جليا في اللجان الشعبية التي نشأت بمبادرة من المواطنين لحماية تجمعاتهم السكنية في ضوء انسحاب الشرطة عن تولى مهامها في في حفظ الأمن أثناء الأيام الأولي لثورة 25 يناير. وفي حالات عديدة استطاعت بعض هذه اللجان الشعبية أن تكون نواة لعمليات تنظيم للمجتمع بشكل يجعل أصواتهم عصية على أن يتم تجاهلها. وهو بالفعل ما تم مع مجموعة “محليات الدقي والعجوزة”، التي بدأت في 2012 وخرجت من رحم مبادرة مركزية أكبر هي “محليات”[4]. المبادرة قام بتأسيسها مجموعة من الشباب في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات، يعملون في مهن مختلفة ما بين مهندسين “فئة مهنية غالبة بالمجموعة”، وزراعيين وإداريين ومسوقين، ومهن أخرى لها علاقة بالإنترنت والإعلام الحديث، وموظفين بمؤسسات مجتمع أهلي معنية بالتعليم والتنمية، وطلاب جامعيين، ينتمون لشرائح متوسطة وعليا من الطبقة الوسطي، بحكم الطبقة الجغرافية التي ينتمون ويعملون بها، بعضهم سبق لهم الانتماء والعمل في إطار أحزاب سياسية، والبعض الآخر لا يزال منخرطا في العمل الحزبي بالرغم أزمة المجال السياسي، والبعض الآخر يقتصر نشاطه على العمل المجتمعي بعيدا عن العمل الحزبي أو العمل السياسي المباشر. اهتمت “محليات الدقي والعجوزة” مثل كثير من المبادرات التي ظهرت في 2011 بالتثقيف ورفع الوعي السياسي، لكن مع الوقت تطور عملهم ليركز على التمكين والتنظيم المجتمعي، في البداية يقومون بوضع تصور للمشاكل التي يعانيها المجتمع المحلي الذي يعملون به، ويقومون بدراسة احتياجاته، ثم يقومون بالتواصل مع المتحمسين من أهالي المنطقة للضغط على الإدارة المحلية لتنفيذ هذه الاحتياجات (حسين، 2016).

يستند نهج “محليات الدقي والعجوزة” إلى تحديد نواة أساسية من السكان الذين لديهم استعداد للعمل التطوعي المنظم، وقادرون على تنظيم لجنة تمكين مجتمعي يقوموا بتدريبهم حول كيفية عمل نظام الحكم المحلي وتثقيفهم عن حقوقهم كمواطنين تجاه مؤسسات الحكم المحلي، وعلى مستوى آخر يقومون بتزويدهم بالأدوات التي تمكنهم من تيسير عملية مشاركة مجتمعية لدراسة احتياجات وأولويات كل مجتمع والدخول في عملية تفاوض وضغط على الإدارة المحلية من أجل تلبية الاحتياجات والأولويات. وفي هذا الصدد، قامت مجموعة “محليات الدقي والعجوزة” بالتعاون مع الأهالي من سكان منطقة عزبة أولاد علام (أحد المربعات السكنية الشعبية غير المخططة في الدقي) في تأسيس أكشاك لتوزيع الخبز المدعم، في الوقت الذي شكل الحصول على هذا الخبز المدعوم من الدولة أزمة في ضوء سرقة المخابز والتجار للدقيق المخصص له، كما نجحوا في الضغط على الإدارة المحلية من أجل رصف الشوارع في نفس المنطقة، وقيامهم بالمشاركة في حل مشكلة الصرف الصحي، وتوفير أنابيب الغاز المستخدمة في المنازل بالتعاون مع الأهالي.

واجهت مجموعة “محليات الدقي والعجوزة” كمثل بقية المبادرات التي نشطت على مستوى المحليات صعوبات مختلفة، إذ أن نشاطها كان في إطار غير رسمي لا يلزم مؤسسات الحكم المحلي بالتعاون معها. ولعل عدم التعاون مثّل التحدي الأساسي الذي واجهه أعضاء المجموعة، خاصة وأن أغلب من عهد إليهم بمناصب إدارية على مستوى المحليات كانوا إما عسكريين أو ضباط شرطة سابقين ممن اعتادوا على انضباطا وامتثالا للأوامر يتناقض مع النهج التشاركي الذي ينبغي أن يكون عليه الحكم المحلي. وبشكل عام يرجع انخراط العسكريين في الإدارة المحلية إلى ما أسماه الصايغ (2012) بـ “جمهورية الضباط” التي جاءت في أعقاب الإطاحة بنظام الحكم الملكي على يد ضباط الجيش في العام 1952، إذ أخذ العسكريون هنا في تولي زمام إدارة كل مؤسسات الدولة والحكم المحلي الذي يبدأ من المحافظين إلى رؤساء المدن والأحياء. ولهذا يمتلك العسكريون -سواء من الجيش أو الشرطة- جذور عميقة في الإدارة المحلية، ويشير الصايغ (2012) إلى تواجد عدد كبير من الضباط السابقين في كافة مستويات وأنحاء الحكم المحلي، وهو الأمر الذي لم يتغير باختلاف الرؤساء، فطوال فترة حكم المجلس العسكري ومرورا بفترة محمد مرسي وما تلاها من مرحلة انتقالية ثم أخيرا بتولي السيسي لزمام الحكم. وفي معرض محاولة وزير التنمية المحلية نفي ما اسماه “عسكرة المحليات” أشار إلى أن من بين ثمان قيادات جديدة تم تعيينها في المحليات، أربعة فقط من العسكريين السابقين، كما أوضح أن من بين 21 وكيلا للوزارة تم تعينهم أخيرا، 15 من العسكريين وضباط الشرطة السابقين بينما اقتصر المدنيون على 6 فقط. وعلى العكس هذه الأرقام تؤكد أن نسبة تتراوح بين 50% – 70% تم فيها إسناد الإدارة المحلية لعسكريين أو ضباط شرطة سابقين وهو ما يؤكد “عسكرة المحليات” ولا ينفيها.

ويشير أحد أعضاء المبادرة -في مقابلة قصيرة أجريناها في إطار متابعة تطور عمل المجموعة– إلى أن الفارق بين مسئولي الإدارة المحلية بعد الثورة والمسئولين الحاليين، أن بعد الثورة كان هؤلاء المسؤولين في حالة توجس لرد فعل المواطنين ويعلمون أنهم لا سبيل لتجاهلهم أو عدم استقبالهم والاستماع لهم، أما الآن أشار إلى أن أغلب المسئولين تم استقدامهم من مؤسسات عسكرية وشرطية وأصبح شبه المستحيل النفاذ لمكاتبهم والوصول إليهم، إذ يفرضون حاجزا بينهم وبين المواطنين.[5]علاوة على ذلك، شكَّلت عوامل مثل غياب قانون منظم لعملية مشاركة المواطنين على مستوى المحليات، وتراخي السلطة السياسية في إجراء انتخابات لتشكيل مجالس محلية منتخبة [6] تشارك في إدارة المحليات، صعوبات إضافية جعلت من عمل مثل تلك المجموعات خاضعا لمزاج المسئولين.

وبرغم كل هذه التحديات التي تواجه أعضاء “محليات الدقي والعجوزة”، لم يفقدوا نشاطهم، إذ عملوا على توثيق الخبرات المكتسبة من تجربتهم بهدف الاستمرار في تطويرها، ونشرها في دليل للتمكين المحلي يمكن استخدامه لتدريب القائمين بمبادرات شبيهة كنوع من التوسع في تطبيق نهج عملهم في مناطق أخرى في القاهرة والجيزة (تضامن، 2015)، بجانب انخراطهم في التنسيق مع مجموعة من الأحزاب مثل الحزب الديمقراطي المصري الاجتماعي، وحزب الوفد، وبعض الأحزاب الأخرى لنقل هذه التجربة لهم، للعمل بها مع لجانهم الحزبية الفرعية بالمحافظات. وعلى مستوى آخر، طرحت مبادرة “محليات الدقي والعجوزة” مسودة كاملة لقانون للإدارة المحلية بالتنسيق والمشاورة مع بعض الأحزاب السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني من أجل الضغط على الحكومة والبرلمان لتبني بنودها قبل الانتخابات المحلية المتوقع إجراؤها العام الجاري، إلا أن الحكومة لم تستجب لذلك الضغط وطرحت قانون مختلف من 120 مادة تجرى مناقشته –في وقت كتابة هذه الورقة– داخل البرلمان(المصور، 2016).

وجدير بالذكر، أن “محليات الدقي والعجوزة” لم تكن استثناء، بل أنه خلال فترة ما بعد ثورة 25 يناير نشطت عدة مبادرات مجتمعية لتحاول أن تجد لها موطئ قدم على مستوى المحليات، فنجد مبادرة مماثلة في منطقة مجاورة “ميت عقبة” كانت نواتها اللجنة الشعبية التي تشكلت من سكان منطقة ميت عقبة والتي عملت على التواصل مع الإدارة المحليةوالتعاون معها مستخدمين أساليب ضغط من وقفات احتجاجية أمام مبنى المحافظة ووزارة التموين من أجل حمل المسئولين الاستماع لمطالبهم وبالفعل تمكنوا من إسراع تنفيذ إنشاء شبكة الغاز الطبيعي بالحي بالإضافة إلى تمهيد الشوارع باستخدام الحجارة المتداخلة بدلا من الإسمنت(تضامن، 2013). وبالرغم من ذلك، لا تتوافر معلومات إذا ما تمكن أهالي ميت عقبة من الاستمرار في نهجهم الذي يمزج بين الضغط والتعاون مع الإدارة المحلية أم انهم عانوا من نفس المشاكل التي واجهت محليات الدقي والعجوزة. وبسؤال محمد دعبس[7] -أحد أعضاء اللجنة الشعبية في ميت عقبة- أوضح أن نشاط المجموعة قد توقف وأرجع ذلك لعدم استجابة المسئولين في الإدارة المحلية، إذ بدأوا يرفضون مقابلتهم وكان الرد يأتيهم “أن العهد السابق قد ولى وانتهى” في إشارة لما كان سابقا من ضغط يمارسونه، والآن يجب عليهم أن يتقدموا بشكاوي وطلبات وسينظر فيها وفق الإجراءات، وإذا ما نجحوا في الاجتماع مع أي من المسئولين، وجدوا أنها كانت اجتماعات صورية -وفق تعبيرهم– وهو الأمر الذي أفقد ما يقومون به من أثر أو نتيجة مما تسبب في إحباط أعضاء المجموعة وتوقف نشاطها فيما بعد.

  1. في سبيل فهم الحراك الاجتماعي والسياسي في مصر بعد يونية 2013

بالرجوع للسؤالين المركزيين اللذين تتناولهما هذه الورقة حول نوعية القضايا المحركة للحراك الاجتماعي والسياسي، وكذلك أدوات وهياكل التعبئة التي تم توظيفها في الحالات الأربعة السالف مناقشتها، يمكننا أن نرسم إطارا لتفسير مشهد الحراك الاجتماعي والسياسي في مصر الآخذ في تحدي جدار الصمت والقيود التي تم فرضها فيما بعد يونية 2013. وعلى هذا الأساس، لدينا داخل هذا الإطار نموذجين تفسيريين. الأول ينظر إلى الكيفية التي تم تأطير فيها القضية المحركة الخاصة بكل حراك، أما الثاني فيسعى إلى تحديد هياكل التعبئة والحشد التي تم توظيفها.

  1.  القضايا المحركة واتجاهات تأطيرها

بالنظر للقضايا الخمس المحركة في الحالات التي سبق مناقشتها، نجد أنها في مجملها تمكنت من كسب تأييد ومناصرة قطاعات مختلفة من المصريين بعيدا عن الانقسامات السياسية والحزبية. فبشكل عام، اتسمت هذه القضايا باتخاذها واحدة من أربعة اتجاهات أساسية؛ الأول تمثل في قضايا ذات بعد وطني يرتبط بالمساس بسيادة الوطن أو أراضيه كما كان في حالة قضية جزيرتي تيران وصنافير التي تمكنت من جذب أصوات معارضة من داخل معسكر المناصرين لحكم عبد الفتاح السيسي، الاتجاه الثاني تمثل في قضايا مهنية ترتبط بحقوق فئة أو مجموعة معينة في ممارستها لمهنتها، بالشكل الذي يجعل رواد هذه المهنة ينتفضون من أجل الدفاع عنها على اختلاف انتماءاتهم السياسية، كما في حالة نقابتي الأطباء والصحفيين. بينما ركز الاتجاه الثالث على ركز على إتاحة المعلومات والأدلة التي تساهم في تحليل وفهم قضايا الحياة اليومية، وأخيرا جاء الاتجاه الرابع متمثلا في حقوق اجتماعية واقتصادية مرتبطة بجودة ومستوى الخدمات العامة كما في حالة “محليات الدقي والعجوزة”. حيث تمثل تلك الاتجاهات الأربعة مصادر لفرص لحراك متجدد ومستمر في مواجهة انفراد السلطة بالقرارات، وانتهاكاتها ضد المواطنين، وكذلك الدفاع عن مجال عام آمن لعموم المصريين.

وبالنظر لحالة قضية جزيرتي تيران وصنافير، نجد أن تأطيرها في خطاب وطني معارض للتفريط في جزء من أرض الوطن، هو ما ساهم في تجاوز حالة الاستقطاب والانقسام التي هيمنت على الساحة السياسية والمجال العام بعد يونية 2013 بين المجموعات السياسية المختلفة من نشطاء وصحفيين ومثقفين، إذ تلاشت كل هذه الانقسامات مؤقتا بشكل غير مسبوق منذ يونية 2013. على سبيل المثال، تشكلت جبهة واسعة ضمت أحزاب كانت لا تتواجد في ائتلاف أو جبهة واحدة أو عمل مشترك منذ فترة طويلة، وهي الحملة التي أطلق عليها “الحملة الشعبية لحماية الأرض” وهي الحملة التي أخذت شعار مختصر (مصر مش للبيع). الحملة ضمت أحزاب ومجموعات سياسية مثل “حزب مصر القوية” و”التيار الشعبي” و”التحالف الشعبي الاشتراكي” و”الدستور”. فلأول مرة نجد الرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومته في مهب حملة انتقادات واسعة من أفراد ومجموعات طالما كانت موالية ومؤيدة لهذا النظام الحاكم، سواء كانوا سياسيين مثل مصطفى حجازي – المستشار السياسي للرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور، أو إعلاميين مثل إبراهيم عيسى أو يوسف الحسيني، أو حتى أعضاء بالبرلمان مثل خالد يوسف ويوسف القعيد، فكل هؤلاء اعتبروا قرار ضم جزيرتي “تيران وصنافير” إلى المملكة العربية السعودية مخالفة صريحة للقانون والدستور (هافينغتون بوست، 2016).

ولعل الزخم الذي اكتسبته قضية جزيرتي تيران وصنافير يرجع لاتخاذه ذلك “الإطار الوطني”، واستخدامه في قضية تمس حقوق سيادية، والذي طالما ما استخدمه عبد الفتاح السيسي في التأسيس لشرعية حكمه، والترويج لنظامه في كونه من يواجه مطامع ومؤامرات خارجية تحاك ضد مصر. وعلى هذا الأساس تشكلت جبهة واسعة ضمت أحزاب لم تتوحد في أي ائتلاف أو جبهة واحدة أو عمل مشترك منذ فترة يونية 2013 -مثل أحزاب ” مصر القوية” و” التيار الشعبي” و” التحالف الشعبي الاشتراكي” و”الدستور”- وهي الحملة التي اتفق على تسميتها “الحملة الشعبية لحماية الأرض” وأخذت شعار “مصر مش للبيع”[8] في إشارة إلى شكوك أنه تم التنازل عن السيادة على هاتين الجزيرتين في سبيل استرضاء المملكة العربية السعودية سواء للدعم الذي قدمته، أو ما ستقدمه لاحقا للنظام الحاكم في مصر.

أما في حالة نقابة الأطباء، فنجدقيادة نقابة الأطباء قد تمكنت من تأطير خطاب لاقى تأييد أعضاء النقابة على اختلاف توجهاتهم السياسية، سواء كانوا مؤيدين أو معارضين للنظام السياسي، وكذلك اتخذوا إجراءات تصعيدية دون المساس في حق المريض في تلقى رعاية طيبة، حيث صرح نقيب الأطباء – الدكتور حسين خيري أن “قرارات الجمعية العمومية لابد وأن تصوب ضد المخطئ، وليس المريض، وإلا يبقى ظلم” (عبد الله، 2016). وعلى هذا الأساس نجح الأطباء في تأطير قضيتهم في اتجاه الدفاع عن حقوق كلا من الأطباء والمرضي على السواء، بالشكل الذي أكسبهم تأييدا شعبيا ملحوظا، وكذلك جعل من الصعب خلق إطار مضاد counter-frame لمواجهة هذا الحراك، حيث أكدت د. منى مينا –السكرتير العام لنقابة الأطباء– أنهم أرادوا من تحركهم الوقوف بجانب المرضي ونضالهم بالأخير يصب في مصلحة المريض وأن كل ما يطالبون به هو العدالة، وفي نفس السياق أكدت أن انتباههم للبعد عن الوقوع في فخ التسيس هو ما ساهم في الزخم والتضامن الذي لقاه نضالهم في الدفاع عن حقوق الأطباء من باقي النقابات الطبية وكذلك النقابات المعنية الأخرى كنقابتي الصحفيين والمحاميين (عزت، 2016). وعلى العكس من ذلك رفعت نقابة الصحفيين من سقف أجندة احتجاجهم رفضا للإجراءات الأمنية التي طالت صحفييها، لتصل للمطالبة باعتذار رئيس الجمهورية، وهو ما اعتباره البعض تسيسا للنقابة في مواجهة الدولة، مما شكل فرصة تم استغلالها في إحداث انشقاق داخل النقابة، وتوليد إطار مضاد counter-frameتبناه العاملون سواء في المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة، وتلك المملوكة لرجال أعمال يرتبطون بمصالح مع النظام السياسي (عبد الله، 2016).

أما على صعيد شبكات التواصل الاجتماعي، نجد أنها عمدت لتجاوز الاستقطاب والتصدي لفجوة غياب المعلومات والأصوات المدعوة بالأدلة التي يمكن أن تنتقد وتقدم بديلا عن الروايات والآراء المتنازع عليها سياسية. وبمقارنة ذلك الاتجاه بنوعية الخطاب الذي اعتمدت عليه صفحة “كلنا خالد سعيد” في الحشد والتعبئة قبل 25 يناير 2011، يمكننا أن نرصد تحول في أسلوب الحشد والتعبئة عبر شبكة التواصل الاجتماعي من الاعتماد على خطاب يثير المشاعر والتعاطف إلى الاعتماد على خطاب تعبوي بديل يطرح أدلة وتساؤلات نقدية لا تقبل بالسرديات المقدمة دون تحليل ووقوف على صحتها – مثل منصات الرأي والتحليل التي أشرنا لها. وهو ما يؤكد أن بالرغم من تحول شبكات التواصل الاجتماعي لساحات من الاستقطاب السياسي الذي قد يكون أفقدها ظاهريا قدرتها على بث حراك في الشارع، إلا أن بالنظر للتحولات التي تطرأ على شبكة التواصل الاجتماعي نجد أنها ليست سوى قنوات للتواصل ويتوقف أثرها على نوعية وجودة المحتوى الذي تقوم بنقله.

كما مثلت قضية انتهاك المذيعة ريهام سعيد للحياة الخاصة بالفتاة التي تم التحرش بها، أفقا جديدا لفرص تشكيل حراك على أرضية الدفاع عن حقوق شخصية وانتهاكات محددة يمكنها أن تأخذ إطارا أوسع في ترسيخ قواعد وممارسات مهنية تبتعد عن التجاوز وانتهاك حقوق المواطنين. ولعل تأطير هذه القضية في إطار شخصي أكسبها تعاطف وتأييد واسعين بين قطاعات عريضة من المصريين، وهو ما يعيد إلى الأذهان قضية خالد سعيد[9] وكيف أنها تطورت من انتهاك واعتداء لحقوق مواطن إلى رمزية تختزل ممارسات أوسع تشكل حراكا لرفضها والمطالبة بتغييرها. ومن ناحية أخرى، مثل توجيه الحملة ضد ريهام سعيد في اتجاه المعلنين تغيرا استراتيجيا في إدراك الأهداف المناسبة التي يمكن الضغط من خلالها.

وفي حالة “محليات الدقي والعجوزة” نجد المجموعة لم تذهب لتبني مطالب سياسية لا يمكن تنفيذها أو يصعب الحشد عليها، بل ركزت عملها على مطالب حياتية ملموسة تمثل احتياجات محددة مثل رصف الطرق، وتوفير أكشاك لتوزيع الخبر المدعم، أو أسطوانات الغاز بأسعارها الرسمية وهكذا. ولعل انتباه المجموعة للعمل المباشر مع القواعد المحلية في استجابة لاحتياجاتهم وأولياتها هو ما أكسبهم التأييد بين المواطنين داخل تلك التجمعات السكنية التي عملوا فيها. وهو ما يؤكد أن مدى ملائمة الخطاب التعبوي الذي تتباه أي دعوة للحراك وقدرتها على التفاعل مع مطالب المواطنين يمثل إحدى أهم العوامل التي تؤثر في كسب تأييد الرأي العام، والتضامن الشعبي اللازم لنجاح أي حالة حراك.فإجمالا، تؤكد كل هذه الملاحظات حول تأطير القضايا المحركة أنه كلما تبنت دعوات الحراك مطالب محددة تتناسب مع السياق السياسي الذي تتحرك فيه بحيث يصبح لدى الجماهير توقع أو أمل في تحقق هذه المطالب، يؤدي ذلك لنجاح حملة الحركة الاجتماعية في تحقيق جزء أو أغلب مطالب الأجندة التي تتبناها.

  1. هياكل التعبئة وأدوات الحراك

طرحت النماذج الخمسة التي تمت مناقشتها توظيف ثلاثة هياكل مختلفة للتعبئة، تنوعت بين الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي، وبين اللجوء للكيانات التمثيلية مثل النقابات، أو التنظيمات المجتمعية داخل التجمعات السكنية، بالإضافة لوجود مسار مقاومة ثالث مختلف لعبت فيه ساحات المحاكم نوعا من الضغط في استصدار أحكام قضائية تلزم الدولة بالاعتراف بحقوق المواطنين والدفاع عنها. هنا سيتم الاعتماد على تحليل تفصيلي للهياكل التعبوية الثلاثة، بسرد مدى قدرة استخدامها على الحشد والتعبئة، ومدى استجابة الجمهور “بتنويعاته” حيالها، وقدرة كل منها على تحقيق الأهداف المرجوة من الحملات الاحتجاجية التي انطلقت من خلالها، أو بمساندتها.

  1. دور شبكات التواصل الاجتماعي

توسع المصريون في استخدام موقع “فيس بوك” ولاحقا موقع “تويتر”، بعد ثورة يناير بشكل كبير، حيث قفز عدد مستخدمي الإنترنت في مصر مع الربع الأول لعام 2016 إلى أكثر من 48 مليون مواطن من إجمالي عدد سكان يصل إلى 92.45 مليون نسمة (Kemp, 2016). بالمقارنة مع عام 2011 (عام الثورة) حيث بلغ عدد المشتركين حينها 27.8 مليون مشترك، وهو العام الذي شهد طفرة كبيرة جدا في استخدام الإنترنت، بعد دخول مئات الآلاف من المشتركين الجدد من المصريين لمتابعة الفضاء الإلكتروني الذي كانت تنطلق منه الدعوات لإسقاط نظام مبارك مقارنة بـ23 مليون مشترك عام 2010(حسنين، 2012). ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي سقطت مع الوقت سردية “الإعلام الموجه” الذي يقوم بحشد الجماهير للاقتناع برواية السلطة، إذ استطاعت منصات التواصل الاجتماعي أن تفرض سرديتها الخاصة، بل ما يحدث هو العكس، فالإعلام المنتمي للدولة، وحتى الإعلام الخاص في أوقات كثيرة جزء من مادته المنشورة يعتمد فيها على الحديث الدائر على مواقع التواصل الاجتماعي.

وبعدما ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في الحشد والتعبئة للطلائع الأولي من ثورة 25 يناير 2011، أخذت المجموعات السياسية المختلفة تنتبه إلى الفرصة الذي يمكن أن تمثله مثل هذه القنوات، إذ يمكنها أن تكون قنوات لحشد وتعبئة للأصوات المؤيدة والمعرضة على السواء. وعلى هذا الأساس، انخرطت المجموعات السياسية المختلفة في تأسيس منابرها ودوائرها للتواصل مع مؤيديها وضمان أن روايتها للأحداث هي ما يتم تداولها داخل هذه الدوائر، وهو ما خلق نوعا من الفقاعات أو التجمعات المعزولة داخل تلك وسائل التواصل الاجتماعي، ولعل أبرز مثال لذلك هو قيام مجموعة من أنصار الإخوان المسلمين في ديسمبر 2012 بإنشاء صفحة بديلة لصفحة “كلنا خالد سعيد” –الصفحة التي تبنت الدعوات الأولى للتظاهر في يوم 25 يناير 2011– على خلفية الانقسامات والاختلافات السياسية وأطلقوا على صفحتهم البديلة اسم “كلنا خالد سعيد – نسخة كل المصريين”، فيما برروا أنشاءها “بأن صفحة كلنا خالد سعيد.. بدأت تتحدث بلسان الثورة، ثم انحرفت عن مسارها، جئنا لنكون صفحة لكل المصريين” [10]. ويشكل ذلك المثال على الرغم من ارتباطه بسياق خاص في دلك الوقت نمطا متكررا، حيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ليس سوى صدى لتبادل نفس الآراء السياسية داخل المجموعات والمعسكرات السياسية المختلفة بدون فرصة لحوار حقيقي بين تلك المعسكرات. وهو ما يدفعنا للتساؤل حول إذا ما تزال وسائل التواصل الاجتماعي توفر فرصا للحشد والتعبئة في ضوء تلك الانقسامات والتمركزات التي أصبحت جلية فيها.

في معرض الإجابة على التساؤل الأخير، نجد أن وسائل التواصل الاجتماعي في قضية تيران وصنافير قد شاركت في توفير مجال للتعبير عن الغضب حيال انفراد الحكومة بمثل هذا القرار وعدم إعلانها عن أية معلومات رسمية خلال مرحلة التفاوض التي سبقت التوقيع عن الاتفاقية، فمجرد أن أعلن مجلس الوزراء في بيانه -الصادر 8 أبريل 2016- عن وقوع جزيرة تيران وصنافير داخل المياه الإقليمية السعودية وفق اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي تم توقيعها (اليوم السابع)، تصدر الحديث عن غموض تلك الاتفاقية وتوقيتها وسائل التواصل الاجتماعي بالشكل الذي ساهم في توليد صوت معارض في الشارع وفي الجامعات المصرية لم تستطع الدولة وأدواتها الإعلامية أن تحتويه.

وطبقا لتقرير محمد أبو هاشم ومحمود محمد (2016) عن الحراك الطلابي المعارض لاتفاقية تيران وصنافير، اندلعت أولى التظاهرات الطلابية الرافضة بعد أربعة أيام فقط من توقيع الاتفاقية، إذ كانت البداية في جامعة حلوان يوم 13 أبريل 2016، التي سرعان ما تطورت ليتم تدشين حملة “الطلاب مش هتبيع”[11]، وهي صفحة على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، أطلقها مجموعة من الطلاب الناشطين بالتزامن مع المظاهرات التي انطلقت لاحقا في منطقة وسط البلد بالقاهرة وأمام نقابة الصحفيين في يوم الجمعة الموافق 15 أبريل 2016. قامت هذه صفحة الحملة بتبني كافة الفاعليات والتظاهرات الطلابية اللاحقة الرافضة للاتفاقية في جامعات مختلفة، مثل الإسكندرية وطنطا ومعهد العاشر من رمضان والفيوم وبني سويف وعين شمس وجامعة مصر والتي استمرت من يوم 16 أبريل حتى يوم 24 أبريل 2016 (أبو هاشم ومحمد، 2016).

أما في حالة الحملة ضد “ريهام سعيد” لوحظ أنه تم الاعتماد بشكل شبه كامل على الحشد والتعبئة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، إذ بدأت بتدشين الناشطان وائل عباس ومالك عدلي وغيرهم هاشتاج بعنوان (موتي_ يا_ ريهام)، لتتحول إلى محور حديث قطاعات واسعة من مستخدمي تويتر وفيس بوك وبعض مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، وفي نفس التوقيت يدخل الإعلامي باسم يوسف على المشهد، ليعلن أنه سيقوم بتوجيه شكر ومدح -على حسابه الذي يتخطى الخمسة مليون متابع- للشركات التي تقوم بوقف رعايتها لبرنامج ريهام سعيد. وهنا نجحت هذه الحملة في تكوين جبهة فعَّالة ساهمت في الضغط على المعلنين لسحب دعمهم لهذا البرنامج، وهو الأمر الذي أعاد الاعتبار لوسائل التواصل الاجتماعي كهياكل وأدوات التعبئة بشرط توفر القضية المناسبة التي يمكن أن تحظى بالتأييد الواسع بين المصريين على اختلاف انتماءاتهم، كما بدا لاحقا مع قضية جزيرتي تيران وصنافير.

ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي أيضا في الحشد للتظاهرات التي اندلعت في شوارع وسط البلد، وتحديدا أمام نقابة الصحفيين بالإضافة لتظاهرات في محافظات أخرى مثل الإسكندرية، في يوم الجمعة الموافق 15 أبريل 2016، وهو اليوم الذي عرف بـ(جمعة يوم الأرض)، وهو اليوم الذي شهد إلقاء القبض على 47 متظاهر وتحويلهم للمحاكمة بتهم “خرق قانون التظاهر” و” الإخلال بالنظام العام”، ثم حكمت المحكمة بتغريم كل منهم بغرامة 100 ألف جنيه (ما يعادل 10 ألاف دولار حينها) يجب سدادها حتى يتم الأفراج عنهم. وهنا لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا إضافيا في حملة واسعة تمكنت من جمع إجمالي قيمة الغرامات التي أقرتها المحكمة التي وصلت إلى 4 مليون و700 ألف جنيه في أقل من 10 أيام. ولعل جمع هذه المبلغ الكبير من خلال شبكات شخصية ومباشرة دون لجوء إلى كيانات أو مؤسسات لديها قدرات تنظيمية، وحسابات بنكية يمكن أن تسهل من مثل هذه العملية شكّل ذلك إشارة إلى قدرة الحشد المباشر على تحقيق أهدافه طالما كانت محددة وملموسة للجميع.

وعلى نفس المنوال، لعبت وسائل التواصل الاجتماعيفي حالة نقابة الأطباء دورا أساسيا في حشد تأييد مناصر خارج دوائر هذه النقابات بالشكل الذي جعلهم مركز اهتمام الرأي العام. امتلأت شبكات التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو مصورة للجمعية العمومية الطارئة لنقابة الأطباء يوم 12 فبراير 2016 وقد فاضت النقابة بأعداد كثيفة من الأطباء ليملأوا الشوارع الجانبية في مشهد حاز على متابعة وتفاعل واسعين على شبكة التواصل الاجتماعي. وهو الأمر الذي أكسب حراك نقابة الأطباء تأييدا واسعا بين قطاعات واسعة من المصريين، إذ كان واضحا من البداية أنه حراك من أجل العدالة ويتنباه مجمل الأطباء بمختلف انتماءاتهم السياسية. تلك الحالة من المتابعة الواسعة بين المصريين، جعلت مؤسسات الدولة مساءلة بشكل أكبر ليكون لها موقف واضح في الاستجابة لمطالب الأطباء، وعلى جانب آخر لم تلق محاولات تشويه ذلك الحراك -سواء بادعاء الدوافع السياسية وآرائه أو الإشارة إلى ضرره على تعطل تقديم الخدمة الصحية– أي صدى بين المتابعين الذين كانوا على علم بكل تفاصيله سلفا عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

فإجمالا، كل تلك الملاحظات تؤكد بأن وسائل التواصل الاجتماعي لا تزال مساحة مؤثرة للتعبئة والحشد وتوليد حراك على أرض الواقع بشرط أن يتم تأطير القضايا بشكل يجعلها تلقى قبولا واسعا بين قطاعات مختلفة من المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية. وعلى الجانب الآخر، تشكل نوعية المحتوى الذي يتم تداوله عبر شبكة التواصل الاجتماعي شرطا مكملا. فكلما طرحت هذه الشبكات أراء نقدية مدعومة بالمعلومات والأدلة، استطاعت أن تتجاوز حدود الاستقطاب الذي سيطر عليها.

 

  1. الكيانات التمثيلية لمجموعات مهنية وأحياء سكنية (نقابات ومحليات)

في ضوء التضيق المتزايد على فرص الحراك داخل المجال العام، برزت الكيانات التمثيلية والتنظيمات المجتمعية (سواء روابط أهلية أو لجان شعبية) على مستوى المحليات كمساحات قد تكون أكثر آمنا للتحرك من خلال قنواتها، كونها مبتعدة عن التسيس “نوعا ما”، والذي يسهل للسلطة ودوائرها فرض قبضتها الأمنية عليها، وهو ما بدا جليا في حالة “محليات الدقي والعجوزة”، فقد كانت وجهة نظر مجموعة أنه لا يمكن الاعتماد على العمل الحزبي التقليدي وحده بدون خلق أطر مختلفة للتنظيم تضمن وجود مسارات حقيقية للبناء مع الجماهير من أسفل، تختلف عن طرق البناء المركزية والفوقية المتبعة، كذلك رأوا أن مسألة البناء ذاتها مع الجماهير تتطلب احتكاك مباشر، وتواجد شبه يومي في الشارع، وتنفيذ أجندة برامجية صغيرة، وقصيرة المدى مرتبطة بشكل مباشر مع مصالح الجماهير وأولوياتها، لذا اتجهوا للعمل في “المحليات” لبناء حركة جماهيرية قاعدية أوسع، كذلك فقد رأى جزء منهم أن العمل بالمحليات، والبعد نوعا ما عن العمل المنتظم في حركات أو أحزاب أو نشاطات والذي يرتبط باحتكاك أكبر بالتفاعل مع السلطة الغاضبة والناقمة على المعارضة، في هذه المرحلة الصعبة تحديدا. قد يخلق هيكل لفرصة ثانية يمكن من خلالها التغيير.

وعلى نفس المنوال، لعبت النقابات ككيان تمثيلي كما حدث في حالة حراك نقابتي الأطباء والصحفيين لتشكل منصات للحشد والتعبئة في القضايا التي ترتبط بحقوق أعضائها، وهو الأمر الذي لا تستطيع الدولة بسهولة فرض معادلتها الأمنية ضده، إذ أن عمل النقابات محكوم بإطار قانوني (قانون رقم 35 لسنة 1976) ينص على حق النقابات في الدفاع عن حقوق أعضائها ورعاية مصالحهم. وكلما تمكن أعضاء هذه النقابات الوقوع في فخ التسيس، والارتباط بقضايا واضحة تتعلق بممارسة عملهم. ولكن لا يخلو الأمر من تحديات، فمثل هذه الكيانات التمثيلية تطلب على الجانب الآخر من يسمع ويستجيب ويتفاوض معهم. لم ذلك الحال في كثير من الحالات، منها نقابة الأطباء في مطالبتها للحكومة لرفع بدل العدوى، إذ قوبلوا بتعنت ومماطلة شديدة كما أشرنا. فبعد فشل نقابة الأطباء في التوصل لحل لهذه المسألة مع الحكومة، لم تجد النقابة سبيلا سوى اللجوء للقضاء لاستصدار حكما قضيا على أمل أن يقضي ذلك بإلزام الحكومة بإقرار بدل عدوى عادل. يعد ذلك المسلك القضائي أحد الاستراتيجيات التي يمكن أن تلجأ له المجموعات المختلفة للدفاع عن قضاياها خاصة في إطار عدم تعاون الممسكين بزمام السلطة، هو ما ستتناوله النقطة التالية بمزيد من التفصيل.

  1. التقاضي الاستراتيجي ومقاومة مختلفة

شكلت فرصة جرّ التنازع على قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية إلى ساحة المحاكم، استراتيجية جيدة للضغط يمكن من خلالها العمل على إلزام مؤسسات الدولة باحترام حقوق المواطنين وعدم انتهاكها، هذا الإطار الذي اشتبك فيه فاعلين حقوقيين وسياسيين مع النظام في قضايا نوعية، هو ما عرف بمسار “التقاضي الاستراتيجي”. ففي قضايا مثل “جزيرتي تيران وصنافير” وحراك نقابة الأطباء لم يكن الضغط الاحتجاجي وحده هو الحاضر كقوة ضغط لتحقيق مطالب المحتجين، بل تم للجوء لمسار التقاضي بدفع قضايا المحتجين أمام للقضاء المصري في محاولة إما لإدانة انتهاك، أو اكتساب اعتراف قانوني بحقوق اقتصادية واجتماعية والسياسية بمسار آخر غير النضال عبر الضغط الجماهيري في الشوارع، أو عبر منصات التدوين والتواصل الاجتماعي.

فبشكل عام، يُشار للتقاضي الاستراتيجي كنهج في الدفاع عن الحقوق من خلال اختيار قضية تمثل انتهاك لأحد الحقوق وإقامة دعوى قضائية بها أمام المحاكم لصالح شخص (أو مجموعة أشخاص) بغرض الحصول على حكم تستفيد منه شرائح ومجموعات واسعة النطاق من المجتمع، تتجاوز شخص رافع الدعوى، أو بغرض إحداث أثر دائم في المجتمع يتجاوز أطراف الخصومة القضائية. ويختلف التقاضي الاستراتيجي عن غيره من الدعاوى القضائية المقامة أمام المحاكم بأنه تخطيط وإدارة عملية التقاضي بشكل يتجاوز حدود الخصومة القضائية في الدعوى القضائية، ليخاطب جمهورا كبيرا من المستفيدين وذوي المصلحة وجذب اهتمام المجتمع والتأثير في صانعي القرار (شلبي وعثمان 2012). ولهذا السبب سمي بـ “التقاضي الاستراتيجي” (Strategic Ligitation) وأحيانا بـ “تقاضي الأثر” (Impact Ligitiation).

أخذ مسار “التقاضي الاستراتيجي” في التشكل بين أوساط المحامين الحقوقيين مثل هشام مبارك كاتجاه جديد في العمل الحقوقي الناشئ في مصر عن طريق مركزه الحقوقي (مركز المساعدة القانونية)، ثم تبلور بشكل عملي على يد أحمد سيف الإسلام، الذي استكمل النضال في هذا الاتجاه، حيث يبرز دوره تحديدا في الدفاع عن الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال ساحة المحاكم. إذ كان موقف سيف الإسلام حينها مختلفا عن موقف رفاقه من اليساريين والمنضالين الذين رأوا أن أي مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية لن تأتي إلا بنضال جماهيري عبر المساحات العامة، فيما كان سيف الإسلام يرى أنه- بجوار ضغط الجماهير والعمل المنظم في الشارع- يمكن تحريك ملف الحقوق والحريات والمطالب الاقتصادية والاجتماعية من داخل مؤسسة محافظة تنتمي للدولة وهي مؤسسة القضاء. وعلى هذا الأساس، أصبح النضال القانوني لدسترة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية آلية لإجبار الدولة على اعتراف بحقوق الفقراء والمهمشين اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. وعبر مسار التقاضي الاستراتيجي تم تحقيق مكاسب في عدة قضايا مهمة خلال السنوات الأخيرة ترتبط بقضايا عامة تمس بشكل مباشر حقوق سياسية واقتصادية واجتماعية، كان من بينها حكم المحكمة الإدارية العليا بكون الإضراب حق دستوري لجميع العمال والموظفين (المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، 2015). وهو حكم يسمح بحرية الإضرابات العمالية وعدم تقييدها أمنيا، أو على الأقل يعطيها الغطاء القانوني أمام تغول القبضة الأمنية على الإضرابات العمالية التي تقابل بعنف، أو يقابل أصحابها بالفصل التعسفي.

وعلى نفس المنوال، قام المحاميان الحقوقيان خالد علي ومالك عدلي إلى جانب آخرين، بنقل قضية “جزيرتي تيران وصنافير” إلى ساحة محكمة “مجلس الدولة ” -أعلى هيئة قضائية إدارية تختص بنظر النزاعات التي تكون الدولة طرفا فيها- للدفع ببطلان اتفاقية التنازل عنها للمملكة السعودية، وبالفعل صدر الحكم في 21 من يونية 2016 ببطلان اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والتأكيد على استمرار السيادة المصرية على الجزيرتين وحظر تغيير وضعهما بأي شكل أو إجراء لصالح أي دولة أخرى (بي بي سي،2016 أ). وأجمالا، يمكننا أن نرجع بروز مسار “التقاضي الاستراتيجي” كنوع من المقاومة إلى تغول الدولة في فرض السيطرة على المجاليّن العام والسياسي، وتقليص مساحة الحركة في الشارع، وتقويض الحراك النقابي والعمالي، وبالتالي كان لا مفرا من أن يتبع الناشطون أي ثغرة يمكن النفاذ عبرها لممارسة الضغط وفرض مطالبهم بشكل نضالي مختلف عن النزول في الشارع الذي زادت تكلفه في إطار القمع المتزايد. ولعل المثال الأحدث -كما أشرنا سابقا- هو قضية تيران وصنافير، فبعد التوسع في استيقاف والقبض على المحتجين لم يجد النشطاء من المحامين مفرا من حمل تلك القضية إلى النصال في ساحة المحاكم لممارسة ضغطا مختلفا على الحكومة من أجل التراجع عن هذا القرار، وساهم التضامن الواسع الذي لاقته تلك القضية في نشوء حالة حوار واسعة بدأت فيها محاولات عديدة من مواطنين وباحثين حملة شعبية لجمع الأدلة التي تثبت مصرية هاتين الجزيرتين. ولعل مثل هذه الحالات المتكررة من الحراك المتجدد هي ما يمهد إلى إحداث ثغرات تسهم في تحرير المجال العام من القبضة الأمنية التي فرضتها السلطة.

  1. الملخص

رصدت هذه الورقة ملامح الحراك السياسي والاجتماعي في مصر خلال الثلاثة أعوام الماضية (2013 – 2016)، والذي بدأ يعود ببطء إثر أزمات عديدة طالت المجالين العام والسياسي في مصر في إطار التحولات السياسية والاجتماعية بعد يونية 2013، والتي اتسمت بشكل أساسي في حضور المؤسسة العسكرية كفاعل مهمين على السلطة، وتضاؤل كبير في مساحة الحريات، وحصار كبير للأصوات الناقدة أو المعارضة. ساهم كل ذلك في ترسيخ حالة من الركود السياسي والاجتماعي استمرت لفترة ساد فيها الإحباط العام. وبالرغم من ذلك، نجد أن حالات شبه منظمة لحراك سياسي واجتماعي بدأت تطل على الواجهة مرة أخرى وبوتيرة متزايدة خلال السنة الأخيرة، خاصة مع تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وبشكل عام، انطلقت تلك الحركات من مساحات مختلفة عن المساحة السياسية التقليدية، حيث تراجعت حركة التنظيمات السياسية والحزبية لصالح حركات جديدة اعتمدت على أطر جديدة في محاولة لخلق هيكل لـ “فرصة تغيير” في ظل مساحة محدودة جدا للحركة، ومجال عام مأزوم يعاني من حصار شديد. وفي هذا الاتجاه، تصدت الورقة لعرض أربعة تجارب مختلفة لحراك اجتماعي وسياسي شهدته مصر خلال تلك السنوات، إذ تم اختيارهم وفقا للصدى والتفاعل التي لاقته كل حالة من مجموعات مختلفة من المصريين، وفي كل تجربة عملنا على استكشاف المعالجة المختلفة التي تم تبنيها في حراك منن خلال مدخلين أساسين، أحدهما يعالج نوعية القضايا التي تم التعبئة على أساسها، والمدخل الثاني يتناول الأطر التي تحركت خلالها، والأدوات التي استخدمتها هذه الحالات في حراكها.

تنوعت هذه الحالات في الكيفية التي تم تأطير القضية المحركة في كل حالة، إذ وجدنا خمسة اتجاهات أساسية؛ بين التركيز على بعد وطني يرتبط باستقلالية الوطن وسلامته كما في حالة جزرتي تيران وصنافير، بينما وجدنا أن القضايا المهنية لفئات أو مجموعات معينة كان لها نصيبها من حالة الحراك خلال هذه الفترة كما في حالة نقابتي الأطباء والصحفيين، في حين أن غياب المعلومات والآراء التحليلية شكل مساحة لظهور منصات مختلفة على الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي لسد تلك الفجوة ومحاولة مساءلة الدولة عن سياساتها وقراراتها، وأخيرا لا تزال الحقوق الاجتماعية والاقتصادية عندما تكون ملموسة مجالا خصبا للتعبئة والحشد كما وجدنا في حالة محليات الدقي والعجوزة.

وبنفس المنوال، تنوعت هذه التجارب الخمسة في أدواتها والوسط الذي تحركت فيه كل منهما، وكذلك اختلفت الشرائح التي قامت بتعبئتها، ففي ظل هيمنة أمنية قلصت من مساحة الحركة في الشارع، لجأ الناشطون لمواقع التواصل الاجتماعي للحشد والتعبئة، ولإيجاد ثغرة للوصول للجماهير، ولعل أبرزها كانت حالة التعبئة لقضية ” تيران” و”صنافير”، وحالات أخرى نجحت في تحريك الرأي العام على شبكة الإنترنت لفرض مزيد من الرقابة والمحاسبة في قضايا أخرى حقوقية واجتماعية. مثل الحملة ضد المذيعة “ريهام سعيد”. بينما نجد حالات أخرى استطاعت أن تجد صدى جيد لحركتها، وتحقق نجاح نسبي في مطالبها لأنها استطاعت الاعتماد على تنظيم اجتماعي تستند إليه في حركتها (نقابة الأطباء نموذجا)، وأن تقوم بتأطير مطالبها بشكل براجماتي بالشكل الذي يمكن من خلاله كسب التأييد والدعم، وعدم إلقاء الفرصة للنظام لخلق تأطير مضاد ضدها. كما استعرضت الورقة أيضا مسار جديد للمواجهة، ومحاولة شق طريق للضغط (وإن مثل مسار بعيدا عن الشارع)، وهو مسار التقاضي الاستراتيجي، عن طريق التنازع في ساحة القضاء، والذي استطاع من خلاله نشطاء حقوقيين بمؤازرة من نشطاء سياسيين ومجتمعيين الحصول على مكاسب مرتبطة بقضايا سياسية واجتماعية واقتصادية، كان أبرزها قضية الحد الأدنى للأجور، وقضية تيران وصنافير، وتثبيت حق الإضراب، كحق قانوني ودستوري.

فبالرغم من تزايد القيود والتضيق الذي تتعرض له مسارات الحراك السياسي والاجتماعي في مصر بالوقت الراهن، إلا أن ذلك لم يعن أبدا نهاية لحالة الحراك التي امتدت في مصر من قبل ثورة 25 يناير ومرت بتحولات كثيرة حتى الوقت الحالي. لا أحد يمكن أن ينكر أنها قد تكون في أكثر مراحلها صعوبة، إلا أنه في نفس الوقت نجد إبداعا في إيجاد مسارات بديلة سواء في كيفية تأطير ذلك الحراك أو الأدوات المختلفة التي يتم توظيفها.

 

المصادر

  1. أبو هاشم، محمد ومحمد، محمود (2016)، كسر حاجز الصمت: تقرير تحليلي عن الحراك الطلابي داخل الجامعات المصرية بعد الاتفاقية المصرية- السعودية، مركز عدالة للحقوق والحريات، القاهرة، أغسطس 2016.
  2. أصوات مصرية (2016)، نقابة الأطباء توقف مفاوضات “بدل العدوى” مع الحكومة، 17 أكتوبر 2016،
  3. http://www.aswatmasriya.com/news/details/68875 (20 نوفمبر 2016)
  4. الصايغ، يزيد (2012)، فوق الدولة: جمهورية الضباط في مصر، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، واشنطن، 2012. https://is.gd/dhbLCc (20 نوفمبر 2016).
  5. العربية (2008)، مراقبون حقوقيون: الرقابة والتنافسية غابتا عن انتخابات المحليات، 8 أبريل 2008، https://is.gd/jfiyz6 (17 نوفمبر، 2016)
  6. المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (2015)، المحكمة الإدارية العليا: الإضراب حق دستوري لجميع العمال والموظفين، المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، 6 ديسمبر 2015، (25 سبتمبر 2016).
  7. المصور (2016)، بالأرقام زكي بدر يكشف كذبة “عسكرة المحليات” https://is.gd/1PM99P (17 نوفمبر، 2016)
  8. المنصة (بدون تاريخ)، عن المنصة، https://almanassa.com/ar/about-almanassa (20 نوفمبر، 2016)
  9. الموقف المصري (2016 أ)، الموقف المصري، 21 فبرابر 2016 https://is.gd/FZ9yEh(20 نوفمبر، 2016)
  10. الموقف المصري (2016 ب)، بعد ستة من انطلاقنا، 13 أبريل 2016، https://goo.gl/ZGfiYc(20 نوفمبر، 2016)
  11. الموقف المصري (2016 ج)، تواصل أعضاء مجلس النواب، 13 مايو، https://goo.gl/2Ne1cn (20 نوفمبر 2016)
  12. الموقف المصري (2016 د)، 5000000 مشترك، 4 نوفمبر، https://goo.gl/l873RJ (20 نوفمبر 2016)
  13. اليوم السابع (2016)، الحكومة: الرسم الفني أوقع جزيرتي تيران وصنافير بالمياه الإقليمية السعودية، 9 أبريل 2016، اليوم السابع، https://goo.gl/lSZ2u6 (24 سبتمبر 2016)
  14. بهاء الدين، زياد (2016)، ماذا يعني رفض قانون الخدمة المدنية، 25 يناير 2016، جريدة الشروق، https://goo.gl/xUjFrK (25 سبتمبر 2016).
  15. بي بي سي (2016 أ)، القضاء الإداري يحكم ببطلان اتفاقية تيران وصنافير، 21 يونية 2016، https://goo.gl/yLYuYW، (20 سبتمبر 2016
  16. بي بي سي (2016 ب)، حبس تسعة أمناء شرطة في مصر 3 سنوات لاعتدائهم على طبيبين، 21 سبتمبر 2016، https://goo.gl/l5KtmW (25 نوفمبر 2016)
  17. تضامن (2013)، تبليط شوارع ميت عقبة، 17 يونية 2013، https://is.gd/Umrhnm(17 نوفمبر 2016)
  18. تضامن (2015)، محليات الدقي والعجوزة – إشراك المواطنين في المناطق المهمشة، 26 يوليو 2015 https://is.gd/zXK85X (17 نوفمبر 2016)
  19. جبهة الدفاع عن متظاهري مصر (2016)، حالات الاستيقاف والقبض خلال الفترة من 15 إلى 27 أبريل، 28 أبريل، https://is.gd/wKpAXI(25 سبتمبر 2016)
  20. حسنين، صبري (2012)، ارتفاع نسبة استخدام الانترنت في مصر، إيلاف، 4 مارس 2012
  21. http://elaph.com/Web/Technology/2012/3/720547.htm، (25 سبتمبر 2016)
  22. حسين، أحمد عبد الحميد (2016)، البناء مع الجماهير بطريق مختلف، مجلة الديمقراطية (صادرة عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية)، العدد 62، القاهرة.
  23. دفتر أحوال (2016)، حالات القبض والاستيقاف والاتهام على خلفية قانون التظاهر في مصر خلال ثلاث سنوات، https://is.gd/wwRUqw(20 نوفمبر 2016).
  24. ساسة بوست (بدون تاريخ)، عن ساسة بوست، http://www.sasapost.com/about/ (20 نوفمبر، 2016)
  25. سرور، صفاء (2016)، اتحاد “الدولجية”: نحن حركة مقاومة شعبية، 7 نوفمبر 2016، https://almanassa.com/ar/story/3233 (21 نوفمبر 2016)
  26. سعد الدين، محمود(2016)، الموقف المصري، جريدة اليوم السابع، https://goo.gl/CZ2UcI، 19 مارس 2016 (20 نوفمبر 2016).
  27. عبدالله، محمود (2016) تعرفوا إلى طابور القمع الإعلامي في مصر، رصيف 22، 7 مارس 2016، https://goo.gl/NzkElW (26 سبتمبر 2016)
  28. السباعي، أحمد (2015)، ريهام سعيد واللاجئون.. إهانة للسوريين ورسالة للداخل، الجزيرة نت، 29 سبتمبر 2015، https://goo.gl/tRNxnK (26 سبتمبر 2016)
  29. سي إن أن (2016)، أحزاب ونشطاء يطلقون حملة “مصر مش للبيع” لإسقاط اتفاقية “تيران وصنافير” مع السعودية، موقع سي إن إن بالعربية، 22 أبريل 2016، https://goo.gl/PSi98Q (25 سبتمبر 2016).
  30. شلبي، علاء وعثمان، معتز بالله (2012)، دليل تجارب التقاضي الاستراتيجي في ضوء الحقوق الاقتصادية وا لاجتماعية، المعهد العربي لحقوق الإنسان، تونس.
  31. شمس الدين، مي (2016)، المواقع المستقلة: الحرية البديلة، مدي مصر، مدي، https://goo.gl/bjRZGY (20 نوفمبر 2016)
  32. عبد الله، نادين (2016)، حراك نقابتي الأطباء والصحفيين: القدرة على التأثير وحدودها، مجلة الديمقراطية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، العدد 63، يونية 2016.
  33. عزت، دينا (2016)، كل ما نريده هو العدالة، 18 فبرابر 2016 (ترجمة المؤلف من الانجليزية) https://is.gd/UNgYJj، (23 سبتمبر، 2016)
  34. فيسبوك (بدون تاريخ)، كيف يتم في آخر الأخبار اختيار الأحداث التي يتم عرضها (ترجمة المؤلف من الإنجليزية)،
  35. https://www.facebook.com/help/166738576721085 (21 نوفمبر 2016)
  36. قل (بدون تاريخ)، عن قل، https://www.facebook.com/pg/qoll.net/about/ (20 نوفمبر، 2016)
  37. مدى (2014)، عند مدي، 26 أكتوبر 2014، http://www.madamasr.com/ar/عن-مدى/ (21 نوفمبر 201)
  38. نقابة الأطباء (2014)، النقابة تعلن إدانتها لعدم التزام الدولة بالتزامات الصحة بالدستور، 23 سبتمبر 2016.
  39. http://www.ems.org.eg/our_news/details/2179 (14 نوفمبر 2016)
  40. نقابة الأطباء (2015)، حكم تاريخي بحق الأطباء في رفع بدل العدوى، 28 نوفمبر 2015، http://www.ems.org.eg/our_news/details/3931(15 نوفمبر 2016)
  41. نقابة الأطباء (2016 أ)، قرارات الجمعية العمومية غير العادية للأطباء، 12 فبراير 2016، http://www.ems.org.eg/our_news/details/3931(15 نوفمبر 2016)
  42. نقابة الأطباء (2016 ب)، تأجيل نظر طعن الحكومة على حكم بدل العدوى لـ 25 ديسمبر 2015، 20 نوفمبر 2016
  43. http://www.ems.org.eg/our_news/details/4534 (22 نوفمبر 2016)
  44. نقابة الصحفيين (2016) بيان اجتماع أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، 4 مايو 2016، http://www.ejs.org.eg/page.php?id=2403841 (21 نوفمبر 2016)
  45. نون بوست (بدون تاريخ)، عن نون بوست، http://www.noonpost.net/about (20 نوفمبر 2016)
  46. هافينغتون بوست (2016)، “تيران وصنافير” حولت مؤيدين السيسي لمعارضين، https://is.gd/MIsdZt (20 نوفمبر 2016)
  47. Abdelrahman, M. (2016) Policing neoliberalism in Egypt: the continuing rise of the “securocratic” state. Third World Quarterly, 6597(March), pp.1–18.
  48. Kemp, S. (2016) Digital In 2016 report, We Are Social Organization, London, 2016 http://wearesocial.com/uk/special-reports/digital-in-2016

[1] يشير دفتر أحوال (2016) في إحصائه لحالات القبض والاستيقاف والاتهام على خلفية قانون التظاهر إلى أن هذه الأرقام للحالات التي توفر وثائق بشأنها وتم استبعاد باقي الحلات التي لم يتم التحقق من صحتها، كما أنها تمثل حدث لحظي يتمثل في القبض أو توجيه اتهام وهو ما قد يتكرر لنفس الشخص على مدار الفترة المرصودة أكثر من مرة بنسبة تم تحديدها بين 2.5 إلى 5% (دفتر أحوال 2016)، فبالتي لا تعبر هذه الأرقام عن إجمالي المقبوض عليهم.

[2] أعلنت منى مينا، أمينة عامة نقابة الأطباء تفاصيل الحكم على صفحتها الشخصية بموقع “فيسبوك”، https://is.gd/7MhNkT

[3]https://www.facebook.com/almawkef.almasry/

[4]https://www.facebook.com/ma7liat

[5] أحمد ناصر، عضو بمبادرة “محليات الدقي والعجوزة (مقابلة قصيرة)، 26 سبتمبر 2016

[6] جدير بالذكر أن آخر انتخابات محلية تم إجراؤها كانت في العام 2008 إبان حكم مبارك، حيث كانت المحليات تقع تحت سيطرة الحزب الواحد -الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في هذا الوقت- فلم تكن هناك منافسة تذكر من أحزاب ومجموعات معارضة وبالتالي أفرزت مجالس موالية للسلطة تماما، ولهذا السبب تم حل تلك المجالس الموالية لنظام مبارك بعد ثورة 25 يناير، ولم تعقد انتخابات محلية إلى يومنا هذا وتم الاكتفاء بإدارة المحليات عن طريق مجالس محلية معينة (العربية، 2008).

[7] محمد دعبس، عضو باللجنة الشعبية في ميت عقبة (مقابلة قصيرة)، 25 نوفمبر 2016.

[8]حملة “مصر مش للبيع” https://www.facebook.com/Egyptisnotforsale/

[9] شكل مقتل خالد سعيد على يد أفراد الشرطة في 6 يونية الشرارة الأساسية التي أطلقت مظاهرات 25 يناير ضد تجاوزات الشرطة والتي تطورت إلى انتفاضة عامة انتهت بإنهاء حكم مبارك بعد ما يقرب 30 سنة في السلطة.

[10] صفحة “كلنا خالد سعيد.. نسخة كل المصريين” على موقع الفيسبوك https://www.facebook.com/KolenaKhaledSaeid/

[11]https://www.facebook.com/eltolabmshhatbee3/

 

Start typing and press Enter to search