الحراك الجماهيري بين الربيع العربي والثورات الملونة
نيللي حسن مصطفى
البحرين ,المغرب ,اليمن ,تونس ,سوريا ,ليبيا ,مصر

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [0.96 MB]

شهد العالم منذ بداية القرن الحادي والعشرين نقلة نوعية في الثورات، حيث ظهر في الأفق أنواع جديدة من الثورات مثل الثورات الملونة وثورات الربيع العربي. فالثورات الملونة؛ لم تكن دموية أو عنيفة مثل الثورات الكلاسيكية، كالثورة الفرنسية في 1789، والثورة البلشفية في روسيا القيصرية عام 1917؛ بل على العكس كانت ثورات سلمية وبيضاء. هدفت الثورات الملونة والربيع العربي إلى تنفيذ أجندات من أجل إصلاح البلاد، وتعزيز الديمقراطية مما يعكس مثالية المعارضة.

وتُعرف الثورات الملونة بانها أعمال التّحرّكات والتظاهرات الشبابيّة المطلبيّة المنظّمة التي يحمل فيها المتظاهرون أعلاما وشارات ذات لون مميّز تُعرف به، على ألا تُستعمل فيها الأسلحة، فالذي يميّزها عن غيرها من الثورات هو أنّها سلميّة. بدأت تنتشر فكرة الثورات الملونة بعد احتجاجات صربيا عام 2000 والتي انتهت بإطاحة الرئيس الصربي ميلوسوفيتش وتعرف هذه الاحتجاجات بثورة البلدوزر. ومن هنا بدأ المد الثوري من جورجيا عندما اندلعت الثورة الوردية عام 2003، ولم يكن هناك استخدام لأي سلاح سوى السلاح الوردي، وكان من نتائجها الإطاحة بإدوارد شيفرنادزة الموالي لموسكو، وتنصيب ميخائيل ساكاشفيلي حليف الولايات المتحدة الأمريكية مكانه. ثم امتدت الثورة إلى أوكرانيا حيث قامت الثورة البرتقالية عام 2004 من أجل الإزاحة بفيكتور يانوكوفيتش المحسوب على موسكو، وبدء عهد جديد حليف للغرب مع فيكتور يوشنكو. وانتقلت تلك الحركات الاحتجاجية حتى قرغيزستان حيث قامت “ثورة الزنبق tulip” التي أطاحت بالحكم الموالي لروسيا، وجاءت بالرئيس باكييف المدعوم غربيا إلى السلطة.

بينما تُعرف ثورات الربيع العربي بأنها تلك الثورات والاحتجاجات السلمية التي قامت ضد الفساد والظلم والاستبداد واندلعت لتنادي بإسقاط النظام. فبدأت في تونس مع اندلاع ثورة الياسمين للإطاحة بزين العابدين بن على عام 2010، ثم في جمهورية مصر العربية للإطاحةبنظام حسني مبارك في ثورة يناير 2011. وامتد النبض الثوري إلى ليبيا حيث أسقط الليبيون نظام معمر القذافي في 17 فبراير 2011، واندلاع الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد 15 مارس 2011، واليمنية 11 فبراير 2011 ضد حكم علي عبد الله صالح؛ بالإضافة إلى الاحتجاجات في البحرين 14 فبراير 2011، والمغرب في 20 فبراير. فسعت تلك الدول إلى إسقاط النظم الاستبدادية.

تهدف الورقة إلى المقارنة بين الثورات الملونة وثورات الربيع العربي. لبحث إلى أي مدى تتشابه ثورات الربيع العربي بالثورات الملونة. والسؤال الرئيسي هو: ما هي أسباب قيام الثورات الملونة وثورات الربيع العربي؟ وما هو أثر تلك الثورات على الاستقرار السياسي في تلك البلدان؟

ومن أجل الإجابة على ذلك السؤال البحثي، سوف نناقش أسباب اندلاع الثورات الملونة وثورات الربيع العربي، وسوف نقسمها إلى أسباب داخلية وخارجية. وفي الجزء الثاني سوف نعرض أثر تلك الثورات على الاستقرار السياسي في تلك البلدان، مع الأخذ في الاعتبار خمسة مؤشرات وهم: المشاركة السياسية، تداول السلطة، التعددية الحزبية، حرية الرأي والتعبير، والعنف.

أولا: الأسباب الداخلية والخارجية للثورات الملونة وثورات الربيع العربي

للمقارنة بين أسباب الثورات الملونة وثورات الربيع العربي، لا بد من الحديث عن الأسباب الداخلية والخارجية التي أدت انفجار تلك الثورات.

  1. الأسباب الداخلية للثورات الملونة وثورات الربيع العربي:

أ‌.                   الأسباب الداخلية للثورات الملونة:

 استبداد الحكام، وتزايد انتهاكات الحقوق والحريات مما أدى إلى ضعف شرعية تلك الأنظمة، كغياب الرقابة على الانتخابات، وغياب أحزاب المعارضة، والتضييق على منظمات المجتمع المدني. وبالرغم من حصول دول ما بعد الاتحاد السوفيتي على الاستقلال؛ إلا أنها لم تتحول بالكامل نحو الديمقراطية؛ بل ظهرت أنظمة هجينة تميل أكثر إلى الاستبداد.[1] فالمؤسسات السياسية لم تكن مثل الديمقراطية الغربية بالكامل، بالرغم من وجود المعارضة في تلك النظم؛ إلا أن رؤساء تلك الدول كانوا يستحوذون على السلطات داخل وخارج مؤسسات الدولة.

أيضا، من أسباب قيام تلك الثورات، هو أنها عقبت انتخابات مزورة من قبل أنظمة شبه استبدادية، مع وجود دور قوي تقوم به مجموعات شبابية تجمع بينالشعارات الذكية والعمل الإبداعي الغير عنيف من أجل نشر رسالتهم، مثل حركة المقاومة في صربيا، كفاية في جورجيا، وحان الوقت في أوكرانيا. وعلى الرغم من أن تلك الحركات الشعبية كانت الوقود الرئيسي لتلك الثورات، فقد شارك فيها العديد من الأفراد الذين تولوا مناصب سياسية عليا سابقا مثل ميخائيل ساكاشفيلي، حيث كان وزيرا للعدل في جورجيا في فترة حكم إدوارد شفيرنادزة، وفيكتور يوشنكو الذي كان رئيس وزراء أوكرانيا قبل الثورة البرتقالية، وظهور هويات وطبقات اجتماعية جديدة مناهضة لنظام الحكم الاستبدادي.[2]

 في التحليل أنكل ثورة ناجحة فجرت كوادر ثورية جديدة عملت على نشر الأفكار وتدريب المعارضة في الدول ذات أنظمة استبدادية مثل رومانيا وسلوفاكيا، ثم انتقلت إلى صربيا، ومن صربيا إلى جورجيا، ثم إلى أوكرانيا، حيث قامت تلك الاستراتيجية الثورية على استخدام الاحتجاجات والانتخابات بدلا من التمرد المسلح من اجل إطاحة الديكتاتوريين، لأن تلك التكتيكات نجحت في الدول المجاورة، فتعتبر الانتخابات والاحتجاجات اكثر سهولة وفعالية ومقبولة دوليا لإسقاط حكام الأنظمة الاستبدادية.[3] انتشار فكرة الحاجة إلى إعادة بناء الجمهورية في دول ما بعد الاتحاد السوفيتي أي بناء عقد اجتماعي جديد.[4] وغياب أيديولوجية واحدة بين الثوار، فكان هناك تعددية في الأيديولوجيات السياسية مثل حركات اجتماعية تدعم الاشتراكية، الليبرالية، والقومية، من اجل خلق منافسة سياسية في الدول الثورية. [5]

ووفقا للبعض فمن أجل أن تنجح الثورات الملونة كان لابد من أن تتبنى ثلاثة شروط. فلابد أن يكون الحكام ذوو شعبية منخفضة. وأن تكون المعارضة مرتبطة بوسائل الإعلام والتأثير الأجنبي. وألا تتبنى الثورة أيديولوجية أو مذاهب فكرية معينة؛ بل أن تقوم على أساس تعزيز الحرية، التكامل الوطني، والديمقراطية والتنمية الاقتصادية.

ب‌.               الأسباب الداخلية لثورات الربيع العربي:

عند النظر عن الأسباب الداخلية التي أدت إلى اندلاع ثورات الربيع العربي؛ نجد أنها مختلفة بعض الشيء عن أسباب الثورات الملونة، فهي لم تكن سياسية بحتة بل توجد أسباب اقتصادية واجتماعية، حيث عانت دول الشرق الأوسط من التخلف الاقتصادي لأن اقتصاد تلك البلدان ريعيا يعتمد على السياحة والنفط. وزيادة البطالة، وانخفاض مستوى المعيشة، وغياب العدالة في توزيع ثروات المجتمع، فضلا عن ارتفاع نسبة الأمية في دول الشرق الأوسط حيث وصلت إلى 30%، وزيادة الفجوة بين طبقات المجتمع فينقسم المجتمع بين شرائح مختلفة منها أغنياء وفقراء وأميون وعلمانيون وإسلاميون ومتشددون. ولا يمكن إنكار أن من أسباب ثورات الربيع العربي هو غياب الديمقراطية والتعددية وانتشار التسلط والاستبداد.

الأسباب الخارجية للثورات الملونة وثورات الربيع العربي:

أ‌.                   الأسباب الخارجية لثورات الملونة:

أولا بسبب أثر العدوى، حيث انتشرت استراتيجيات المعارضة في بلاد مثل بلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا بين 1996-1998، وفي صربيا في 2000، مما أدى إلى تطبيق تلك استراتيجيات المعارضة في جورجيا، أوكرانيا وقرغيزستان.

كما ركزت تلك الثورات على تطبيق “نظام انتخابي” يهدف إلى إقامة انتخابات، وحدة المعارضة، عدم التلاعب في أصوات الناخبين، إقامة حركات شبابية والحصول على مساعدات أجنبية، وذلك من أجل إسقاط الحكام المستبدين الغير ليبراليين.[6] كما عملت منظمات المجتمع المدني على بناء قدراتها من أجل بناء انتخابات شفافة وحرة وحريات مدنية، وساعد الغرب تلك المنظمات والمعارضة أن يكونوا منافسين فاعلين في الانتخابات.[7]

ب‌.               الأسباب الخارجية لثورات الربيع العربي:

بينما العوامل الخارجية التي أدت إلى انصهار الثورات الربيع العربي كثيرة من ضمنها أن النظم العربية فقدت جزء من شرعيتها بعد أحداث 11 سبتمبر وغزو العراق، مع تزايد ارتباط الاقتصادات العربية بالاقتصاد العالمي في السنوات السابقة على الثورات، وبالتالي أصبح هناك تناقض انفتاح اقتصادي كامل مع انفتاح سياسي محدود للغاية.

وبسبب نقل وسائل الإعلام الدولية أخبار وأحداث الثورات في بث مباشر، فلم تفلح محاولات الأنظمة للتغطية على انتهاكاتها بحق المتظاهرين، بالإضافة لتحول الموقف الدولي أثناء الثورات من دعم النظم لدعم ولو معنوي للحراك في الشارع.

ثانيا: أثر الثورات الملونة وثورات الربيع العربي على الاستقرار السياسي في البلاد:

من أجل معرفة أثر تلك الثورات على الاستقرار السياسي في البلاد، سوف نلقي الضوء على المؤشرات التالية وهي المشاركة السياسية، تداول السلطة، التعددية الحزبية، حرية الرأي والتعبير والعنف.

1.     المشاركة السياسية:

زادت المشاركة السياسية بعد سقوط الأنظمة المستبدة في دول الثورات الملونة وثورات الربيع العربي. وأجريت انتخابات متلاحقة، ففي جورجيا أجريت انتخابات الرئاسية في عام 2004 و2008 التي فاز بها ساكاشفيلي على التوالي، وانتخابات في 2013 حيث فاز بها جورجي ماركفلاشفيلي، وبدأ إجراء انتخابات متتالية.

أيضا في دول ما بعد ثورات الربيع العربي زادت نسبة انضمام الشباب للأحزاب والقوى السياسية. أيضا ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك على تنظيم جموع المشاركين في الثورات العربية، واتجاه المشاركون في ثورات الربيع إلى الشبكات الاجتماعية مبتعدين عن المشاركة في الحياة السياسية الواقعية. كما زادت مشاركة المرأة؛ فبعدما اقتصر دور المرأة على التمثيل الرمزي في بعض المناصب الإدارية، أصبح لها دور في محاربة الظلم. فضلا عن مشاركة الأحزاب الدينية، وظهور تيارات جديدة، وزيادة مشاركة الطبقة المثقفة والمشاركة في المؤتمرات، وزيادة المساحة لإبداء الرأي.[8]

2.     تداول السلطة:

يمكن القول بأن بلدان الثورات الملونة عادت إلى الوضع التي كانت عليه من قبل؛ ففي معظم دول البلقان أعاد الشعب الحكام الموالين لروسيا من خلال الانتخابات. على سبيل المثال في الانتخابات البرلمانية في صربيا في 2012 يمكن ملاحظة عودة حزبين من فلول نظام ميلوفيتش وهما حزبي التقدم الصربي والحزب الاشتراكي الصربي. وفي أوكرانيا في عام 2010، لم يستطع قادة الثورة البرتقالية الفوز؛ حيث حصل فيكتور يوشنكو على نسبة تصويت 5% فقط في الجولة الأولى، فبعد خمس سنوات من ثورة 2004، عاد فيكتور يانكوفيتش مرة أخرى إلى السلطة، وأطاح الناخبون الأوكرانيون بزعيم الثورة فيكتور يوشينكو. وفي قرغيزستان تمت الإطاحة بالرئيس باكييف من السلطة عام 2010 بسبب تظاهرات احتجاجية بالرغم من أنه كان أحد قادة ثورة التيوليب في عام 2005. ولكن فقط في جورجيا ظلت القيادة الثورية مستمرة في السلطة حيث استمر ميخائيل ساكاشفيلي في السلطة ولكنه فقدْ بعض الصلاحيات مثل الرقابة على البرلمان. فتعتبر الثورات الملونة فشلت في تحقيق ديمقراطية راسخة؛ فوعود التغيير بعيدة المنال[9].

ساهمت ثورات الربيع العربي في الإطاحة برؤوس الأنظمة المستبدة القائمة مثل زين العابدين في تونس، وسقوط نظام حسني مبارك، وصولا لمقتل معمر القذافي في ليبيا. ومن نتائج الربيع العربي في 2011 صعود الإسلاميين للسلطة وذلك بعد نتائج الانتخابات التي أعقبت التغيير السياسي للأنظمة العربية. فسيطرت جماعة الإخوان المسلمين المتمثلة في حزب الحرية والعدالة في مصر، حزب النهضة الإسلامية في تونس، وحزب العدالة والتنمية في المغرب. مما كان له كبير الأثر في تنشيط التيارات الإسلامية بمختلف أنواعها، وهذا يعني تنشيط لأيديولوجية الإسلام السياسي في المنطقة العربية التي سقطت. وتولى محمد مرسي الممثل عن حزب الحرية والعدالة رئيسا للبلاد عام 2012، وتولي السبسي المرزوقي رئيسا لتونس.

 وكان هناك تزايد الدور السياسي للجيش في مصر عقب مظاهرات 30 يونيو 2013 المناهضة لحكم الإخوان المسلمين. ودخلت مصر في ترتيبات الثالث من يوليو التي شملت مرحلة انتقالية وصولا لانتخابات رئاسية جديدة عام 2014 انتهت بفوز الرئيس السيسي.[10]

3.     التعددية الحزبية:

ملاحظة التعددية الحزبية الشكلية كانت موجودة من الأساس قبل اندلاع الثورات الملونة؛ حيث كانت أحزاب صورية متنوعة تشارك في الانتخابات حتى يستطيع النظام تجميل صورته أمام العالم، وحتى لا يبدو كنظام مستبد. ففي أوكرانيا الأحزاب السياسية حديثة العهد ظهرت في 1995، ولكن بعد الثورة البرتقالية نمت اﻷحزاب بشكل سريع، مما أدى إلى تقسيم الشعب الأوكراني إلى قسمين بين شرائح المجتمع. وهناك أحزاب جديدة ظهرت بعد الثورة البرتقالية فبجانب الحزب الشيوعي في أوكرانيا الذي تأسس في عام 1993، ظهر حزب الأقاليم الذي تأسس كردة فعل على البرتقاليين الأوكران، وحزب من أجل أوكرانيا الذي تأسس عام 2009، وحزب المواطنة الأوكرانية في 2010. وفي جورجيا يوجد تعددية حزبية مثل حزب الحلم الجورجي، الحزب الجمهوري، الحزب المحافظ… الخ.

أما على الجانب اﻵخر أصبح هناك تعددية في دول الربيع؛ ففي مصر وصل عدد الأحزاب السياسية في عام 2012 إلى 60 حزبا حاصل على ترخيص رسمي. بالإضافة إلى 100 حزب في قائمة الانتظار، وتتنوع تلك الأحزاب من تيارات يسارية، لليبرالية، وعلمانية، وإسلامية بعد ثورة يناير. [11]كما شهدت تونس تعددية حزبية حيث وصلت عدد الأحزاب السياسية في تونس إلى 111 حزبا، مئة منها تشكلت حديثا، مثل حزب النهضة، وحزب المؤتمر، وحزب العريضة الشعبية للحرية، والحزب الديمقراطي التقدمي…. الخ.فيما ظهرت نحو ألف منظمة غير حكومية تنشط في ميادين مختلفة. [12]

4.     حرية الرأي والتعبير:

يمكن ملاحظة أن كل من الإطار القانوني ودساتير بلدان الثورات الملونة يضمن حرية الصحافة والإعلام، وحرية الرأي والتعبير، ولكن كان هناك بعض الانتهاكات في صربيا مثل التعدي على الصحفيين، ولم يكن هناك تسامح تام ناحية انتقاد الإعلام للحكومة في 2008، ولكن يمكن القول إن صربيا شهدت تحسنا كبيرا في الانتخابات، واستقلال الإعلام والقضاء بعد ثورة البولدوزر في 2000. وأصبحت أوكرانيا بفضل الثورة البرتقالية أمة واعية سياسيا، وأصبح المواطنون يشعرون بأنهم في دولة مستقلة عن روسيا، وزادت حرية التعبير. كما أثبتت الانتخابات المتعددة التي أجريت بعد ذلك ترسخ الممارسة الديمقراطية في البلاد وأصبحت حرية التعبير أمرا اعتياديا وليس استثنائيا.[13] ولكن هذا لا ينفي وجود مظاهر الدول العميقة. فالدولة العميقة هي تعتبر دولة داخل دولة؛ فالأجندة السياسية للدولة العميقة هي المحافظة على السلطة والنظام القائم من خلال الهيمنة على أجهزة الدولة الأمنية والإدارية، وتستخدم الدولة العميقة كل وسائل الضغط كالعنف للتأثير في النخب السياسية والاقتصادية. وتتكوّن الدولة العميقة من رجال أعمال وبعض البيروقراطيين والمثقفين والإعلاميين والفنانين والرياضيين الذين يقومون بالتخديم على رغبات الدولة العميقة، في العادة مقابل منافع سياسية واقتصادية واجتماعية. وصلت الدولة العميقة إلى يوشنكو، حيث فشلت الحكومة البرتقالية في محاربة الفساد، ووضع ثبات مؤشرات الفساد أوكرانيا في تقرير الشفافية الدولية لعام 2009 أوكرانيا في المرتبة 146 (من بين 180 دولة) حين أعطاها 2,2 درجة (من إجمالي عشر درجات للشفافية الكاملة)، وهي نفس الدرجة التي حصلت عليها في العام 2004 قبل قيام الثورة البرتقالية.

بينما في دول الربيع كشف التقرير السنوي لمنظمة بيت الحرية (Freedom House) في عام 2012 بأن هناك تقدم ملحوظ حيث تحسنت حالة مصر في الصحافة والإعلام إلى حرة نسبيا. فسجلت مصر 57 درجة من 100 درجة. بسبب ازدهار منافذ إعلامية جديدة ومستقلة، وتخفيف الرقابة التحريرية المركزية على وسائل الإعلام، والرقابة الذاتية إلى حد ما بعد سقوط نظام حسني مبارك؛ إلا بحلول نهاية هذا العام كان هناك ثمة مؤشرات مثيرة للقلق فيما يتعلق بضياع هذه المكاسب.[14] حيث أخذت حرية الصحافة والإعلام في الانخفاض تدريجيا فسجلت مصر 68 درجة من 100 درجة في عام 2014؛ مما يعني أن الصحافة لم تكن حرة. ووفقا لتقرير منظمة بيت الحرية في 2017 أن مصر تعتبر من أقل ثلاث بلاد في حرية الصحافة، وسجلت مصر 77 درجة من مائة مما يدل على أن مصر ليست حرة في الصحافة والإعلام.[15]

 سجلت مصر وتونس وليبيا نقلة مهمة، واختفى جزئيا الاضطهاد لحرية الإعلام وتطور حرية الصحافة؛ ففي تونس تحسنت أوضاع الصحافة وأصبح يوجد جسم إعلامي بعد سنوات من احتكار بن علي لوسائل الإعلام عديدة وانتهاكات ضد الصحفيين.[16]فتحسن حرية الصحافة والإعلام في تونس إلى حرة جزئيا حيث سجلت (51 درجة من 100 درجة) في عام 2012 وذلك بفضل التحول الجزئي في البيئة الإعلامية والإطاحة بنظام زين العابدين. كما أنه قد تضمنت مقترحات مسودة الدستور على أحكام لحماية حرية الصحافة، ولم تعد القوانين التقييدية تستخدم لسجن الصحافيين، وتم تخفيف القيود المشددة السابقة على شبكة الإنترنت إلى حد كبير. وبدأ عدد من المنافذ العالمية الخاصة في العمل، مما أدى إلى مزيد من التنوع في وجهات النظر، وقدر أقل من الرقابة الذاتية وسيطرة الدولة على المحتوى. وأصبح كل من الصحافيين المحترفين والمواطنين قادرين على تغطية الأخبار بحرية أكبر مع خوف أقل من الأعمال الانتقامية. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت الحواجز الاقتصادية للدخول إلى سوق العالم أقل، وباتت المنافذ قادرة على الحفاظ بسهولة أكبر على عملياتها من خلال الإعلانات.[17] وحافظت تونس على أن تكون حرية الصحافة والإعلام حرة جزئياَ حتى عام 2017 حيث سجلت تونس (54 درجة من 100 درجة) في هذا العام مما يعني أنها حرة جزئيا.[18]

5.     العنف

عند الحديث عن العنف بعد قيام الثورات الملونة نجد أن أغلبية تلك الدول شهدت عنف مثل قرغيزستان، حيث أنها تتأرجح من مشكلة لأخرى؛ فبعد هروب الرئيس باكييف عام 2010، شهدت قرغيزستان أعمال عنف حيث يوجد العديد من الأوزبك الذين فروا من البلاد، واندلاع عنف عرقي في الجنوب بين الأوزبك والقيرغز.[19] وفي جورجيا حدثت حربا عام 2008 ضد روسيا، حيث كان نزاعا عسكريا بين روسيا وجورجيا في منطقة اوسيقيا الجنوبية. أخيرا في عام 2014 في أوكرانيا شهدت العاصمة كييف أعمال عنف ضد الحكومة أدت إلى سقوط يانكوفيتش وإقامة حكومة جديدة، واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع، بعد حدوث أعمال عنف، وأطلقت الشرطة المدافع، وذلك بسبب سياسة الغرب ومطالبة الشعب بدخول أوكرانيا للاتحاد الأوروبي بعد تعليق حكومة يانكوفيتش التوقيع على اتفاقية الشراكة، وإلغاء قانون الأقليات، وإعلان اللغة الروسية اللغة الرسمية الوحيدة للبلاد أدى إلى تفاقم أزمة شبه جزيرة القرم.[20]

زاد العنف القائم على أساس ديني وهو يعتبر عنف اجتماعي. فمثلا في مصر زادت معدلات العنف بين الجماعات الإسلامية المتطرفة والمسيحيين وحدوث انفجارات لكنائس قبطية. وشهدت ليبيا أزمة شرعية حيث تنازع شرعيات بين حكومتين وبرلمانين وجيشين كلاهما يقود عمليات عسكرية ضد الآخر.

الخاتمة:

نجد مما سبق أن هناك تشابه كبير بين كل من ثورات الربيع العربي والثورات الملونة، حيث اندلعت تلك الثورات ضد نظم استبدادية، كنتيجة لرفض العام من الشعب للقائمينعلى النظام السياسي وسياستهم.

تقوم تلك الثورات ضد الفساد المنتشر في مؤسسات الدولة، مع تحرك وسائل الإعلام والمجتمع المدني من أجل كشف التزوير. تكون تلك الاحتجاجات مليونية واسعة في الشوارع، وتتسم بالتنظيم الشديد والغضب؛ إلا أنها تعتبر احتجاجات سلمية يغيب عنها العنف.

تتسم تلك الثورات بحيادية جهازي الجيش والشرطة حيث ترفض أثناءها إطلاق نار على متظاهرين؛ فهي لا تقف مع طرف على حساب الآخر؛ بل تنتظر من ينتصر. يمكن القول بأن الثورات الملونة فشلت بسبب غياب مبدأ سيادة القانون حين تخطت حكومة الثورات الملونة المعايير القانونية الديمقراطية التي أدت إلى الإطاحة بمن سابقهم، مما أدى ذلك إلى عودة الحكام المواليين لروسيا وسقوط قادة الثورات الملونة. فالثورات الملونة لم ينتج عنها نظاما ديمقراطيا حقيقيا.

 ومن الصعب الحكم إذا كانت ثورات الربيع العربي قد فشلت أم لا، حيث لا يمكننا أن نسبق الأحداث، ولكن يمكن القول إن الثورة نجحت جزئيا في مصر وتونس. ولكن لا بد الإشارة إلى تحول الثورات السورية واليمنية والليبية لوضعية أقرب للحرب الأهلية. كما أسقطت تلك الثورات الوطن العربي في حروب أهلية، وصراعات قبلية ومذهبية، وأدت إلى حدوث صراعات بين الهويات الدينية والعرقية والطائفية، وهي ما كانت لتظهر أبدا إلا في ظروف كمثل ظروف الثورات الشعبية التي حدثت.

 ويري البعض الآخر أن الثورات الملونة والربيع العربي نجحت في الإطاحة بأنظمة قمعية فاسدة، ودفعت الشعوب للمطالبة بحقوقها، وكشفت عن قدرات الشباب على العمل السياسي والتغيير والثورة على الأوضاع الفاسدة، وأثبتت بشكل واقعي أنه لا أحد مهما علت منزلته الاجتماعية أو ارتفعت مكانته السياسية أو موقعه التنفيذي فوق المساءلة والمحاسبة والوقوع تحت طائلة القانون، وأدت إلى ارتفاع مستويات الوعي السياسي لدى أغلب الجماهير العربية.


[1]              CAROTHERS Thomas, The Backlash against Democracy promotion, Foreign affairs, vol.85, No.2 ( Mars- April 2006), PP. 59-60.

[2]              إيلينا باناماريوفا، أسرار الثورات الملونة، موقع مركز كاتيخون، 21/3/2016، https://goo.gl/vSLnVY

[3]              WAY Lucan, “The Real Causes of the Color Revolutions”, Journal of Democracy, July 2009, Vol.19, p.57-58, URL: https://goo.gl/VJChtP

[4]              POH PHAIK Thien, Explaining the color Revolutions, E International Relations, 2009, available at https://goo.gl/PJDafd

[5]              Ibid.

[6]              WAY Lucan, OP.CIT, p.59.

[7]              GRAEME P. Herd,Colorful Revolutions and the CIS : “Manufactured” Versus “Managed” Democracy?, Problems of post communism, published on 8.12.2014, Vol.52, issue 2, pp.2-18, URL: https://goo.gl/c6fqd4

[8]              رأفت فؤاد عبد الرحمن ريان، مرجع سابق، ص.ص 61-70

[9]              HARING Melinda, CECIRE Michael, Why the Color Revolutions Failed, Foreign Policy, MARCH 18, 2013, available at https://goo.gl/BEujvF

[10]            رأفت فؤاد عبد الرحمن ريان، مرجع سابق، ص.24

[11]            احمد طة، الحياة الحزبية في مصر بعد الثورة… بين الانطلاق والتعثر، جدلية، 29.11.2012، متاح على https://goo.gl/DT2A1H

[12]            طاهر هاني، تعدد الأحزاب السياسية في تونس…نعمة أم نقمة؟، موقع فرنسا 24، 21/9/ 2011، متاح على https://goo.gl/4mcw5n

[13]            سلام العبيدي، الثورة البرتقالية في أوكرانيا.. تألق وسقوط، روسيا اليوم، 06.02.2010، متاح على https://goo.gl/eMWbf9

[14]            حرية الصحافة في مصر، تقرير منظمة بيت الحرية لعام 2012، موقع منظمة بيت الحرية، متاح على https://goo.gl/oACc5y

[15]            نفس المرجع، تقرير منظمة بيت الحرية لعام 2017، متاح على https://goo.gl/EMasEs

[16]            رأفت فؤاد عبد الرحمن ريان، مرجع سابق، ص.47

[17]            حرية الصحافة في تونس، تقرير منظمة بيت الحرية لعام 2012، مرجع سابق، متاح على https://goo.gl/jvybmg

[18]            نفس المرجع، تقرير منظمة بيت الحرية لعام 2017، متاح على https://goo.gl/cEyKp6

[19]            الأمم المتحدة تحذر من امتداد العنف العرقي في قرغيزستان إلى دول مجاورة، بي بي سي عربي، 15 يونيو.2010، متاح على https://goo.gl/rWUKRo

[20]            الثورة الأوكرانية 2014، موقع السياسي، لاثنين,16 مارس 2015، متاح على https://goo.gl/oZfEkG

Start typing and press Enter to search