إشكاليات المشاركة من خلال المحليات في المنطقة العربية

"تجارب وتوصيات"

شيماء الشرقاوي ,مينا سمير
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [1.11 MB]

مقدمة:

تلعب المجالس المحلية دورا محوريا في إدارة الحياة اليومية للمواطنين، وغالبا ما تشكل مساحة لمشاركة المواطنين في الحياة السياسية بصورة أوسع من المجالس النيابية والتشريعية. وتأتي ضرورة المجالس المحلية أيضا في كونها تعمل على إدماج المواطنين في الحياة السياسية وخاصة في أعقاب الحراك العربي الواسع الذي بدأ منذ أواخر 2010 في تونس، ومصر، المغرب، ومؤخرا في لبنان. حيث عبر الحراك عن رغبة المواطنين في المشاركة الحقيقية ورغبتهم في فتح قنوات ومساحات للمشاركة تختلف عن القنوات التقليدية.

إشكاليات المشاركة من خلال المحليات:

يحاول هذا الجزء من الورقة التعرض لأهم إشكاليات المشاركة من خلال المحليات/البلديات في المنطقة العربية، تحديدا الدول الأربعة محل الدراسة.

  1. ترك الدستور الكثير من جوانب العمل المحلي للقوانين: وهو ما قد يعيق من تفعيل مشاركة المواطنين، فعلى سبيل المثال ينص الفصل 133 من الدستور التونسي، والذي تم تخصيصه للمجالس البلدية على “تدير الجماعات المحلية مجالسُ منتخبة. تنتخب المجالس البلدية والجهوية انتخابا عاما، حرا، مباشرا، سريا، نزيها، وشفافا. تنتخب مجالس الأقاليم من قبل أعضاء المجالس البلدية والجهوية. يضمن القانون الانتخابي تمثيلية الشباب في مجالس الجماعات المحلية”.[1] وتكمن الإشكالية في هذا الفصل في عدم تحديده لموعد إجراء الانتخابات البلدية، وترك ذلك للقانون، في ظل وجود معضلة بالأساس تتعلق بالسجل الانتخابي التونسي، حيث يرى بعض المراقبون في تونس أنه من المستحيل إجراء الانتخابات البلدية قبل تنظيم سجل الناخبين من جديد، حيث من المنظر أن يضم 8 ملايين ناخب جديد، وأمام تلك الإشكاليات، وجدت بعض الأحزاب السياسية التونسية مصالحها في بقاء الوضع على ما هو عليه، كما وجد البعض الأخر في تلك الإشكالية فرصة في محاولة تعديل للدستور من بوابة قانون المحليات.

نجد نفس الإشكالية في مصر، حيث جاء دستور 2014 في المادة (180) منه لينص على الفئات التي لها حق الترشح في انتخابات المحليات وهم المرأة والشباب، ونصت المادة “تنتخب كل وحدة محلية مجلسا بالاقتراع العام السرى المباشر، لمدة أربع سنوات، ويشترط في المترشح ألا يقل سنه عن إحدى وعشرين سنة ميلادية، وينظم القانون شروط الترشح الأخرى، وإجراءات الانتخاب، على أن يخصص ربع عدد المقاعد للشباب دون سن خمس وثلاثين سنة، وربع العدد للمرأة، على ألا تقل نسبة تمثيل العمال والفلاحين عن خمسين بالمائة من إجمالي عدد المقاعد، وأن تتضمن تلك النسب تمثيلا مناسباً للمسيحيين وذوى الإعاقة. وتختص المجالس المحلية بمتابعة تنفيذ خطة التنمية، ومراقبة أوجه النشاط المختلفة، وممارسة أدوات الرقابة على الأجهزة التنفيذية من اقتراحات، وتوجيه أسئلة، وطلبات إحاطة، واستجوابات وغيرها، وفى سحب الثقة من رؤساء الوحدات المحلية، على النحو الذى ينظمه القانون. ويحدد القانون اختصاصات المجالس المحلية الأخرى، ومواردها المالية وضمانات أعضائها واستقلالها”.[2]

وحيث يعتبر النص الدستوري فرصة لتعزيز مشاركة فئات بعينها لطالما كان يتم استبعادها من المشاركة، سيظل هذا مقرونا أيضا بتغيير قانون المحليات ليؤكد على تعزيز مشاركة هذه الفئات في انتخابات المجالس المحلية.

  1. لا تحظى المحليات/البلديات بموقع يتناسب مع أهميتها في السياق السياسي العام: وهذا على الرغم من أن الدول الأربعة تونس، مصر، لبنان، والمغرب تمر بمراحل من التحولات على جميع المستويات. فعلى سبيل المثال كانت آخر انتخابات بلدية في لبنان في 2010، وأول انتخابات بعد الحرب الأهلية كانت عام 1998. وبالنسبة لمصر، تم حل المجالس المحلية منذ 2011 ومنذ هذا التاريخ لم يتم عمل أي انتخابات للمجالس المحلية. أما في تونس، فإن الفصل 131 من الدستور التونسي يطرح إشكالية في التطبيق حيث أنه ينص على تغطية النظام البلدي/المحلي الجمهورية التونسية بكاملها، إلا أن الوضع الحالي يشير إلى أن91 % من التراب التونسي لاتغطيه البلديات و62 % من السكان غير مشمولين بنظام بلدي، كما أنه هناك إشكالية التباين بين البلديات والجهات والتي تفتقد إلى آليات تشريعية مبدئية لتجاوزه.[3]وبالنسبة للمغرب فيبدو الوضع فيها أفضل نسبيا، حيث أنها قد خطت عدة خطوات نحو إصلاح نظام الحكم المحلي بها، بداية من دستور 2011 الذي كرس إلى اتباع الديمقراطية التشاركية واستعمال المفهوم الجديد للسلطة وسياسة القرب والتنمية البشرية، وشهدت المغرب اولى انتخاباتها المحلية عقب حراك فبراير 2011 في 4 سبتمبر 2014، والتي شهدت إقبالا من الناخبين بلغ 53.67%، إلا أنه وبالرغم من ذلك فإن السياق السياسي المغربي لازال به العديد من الإشكاليات، حيث أن الأحزاب المغربية على العموم لم تخرج بعد من الصيغ القديمة التي كانت تشتغل بها من خلال الاعتماد على أعيان سياسيين قادرين على جلب الأصوات، كما خلت البرامج التي طرحتها الأحزاب المختلفة من أي استراتيجية حول المحليات، وبدا الأمر وكأنه صراع حزبي على السلطة لا على البرامج الانتخابية للمحليات[4].
  2. الإشكالية المتعلقة بالثقافة السياسية: والتي تعيق من مشاركة فئات بعينها من خلال المجالس المحلية، فمثلا يعتبر نظام المحاصصة الطائفية في لبنان من أهم العوائق أمام تعزيز مشاركة المواطنين وتحديدا الفئات الأضعف وهم المرأة والشباب من خلال البلديات (المحليات) والذي على الرغم من عدم نص قانون البلديات على المحاصصة الطائفية إلا أن الأعراف السائدة لازالت تتحكم في شكل مشاركة المواطنين، في تونس أيضا نجد إشكاليات مثل تجذّر العقليات التقليدية التي تنكر على المرأة الانخراط في الحياة السياسية، صعوبة التوفيق بين المسؤوليات العائلية خاصة للمرأة والمسؤوليات المهنية والمشاركة في تسيير المحليات، لا سيما في الأوساط الريفية وهو ما أدى بشكل ما لعزوف النساء عن الانخراط في العمل السياسي. ولا يختلف الوضع في مصر، فبالنسبة للمرأة نجد أن النظام الانتخابي يشكل عائقا أمام مشاركة المرأة، أيضا اعتبارات ثقافة المجتمع (القبلية والعصبية)، الاعتبارات الاقتصادية، وقلة الدعم من الأحزاب. وبالنسبة للشباب الثقافة المتعلقة بعدم اهتمام الشباب بالمحليات. وبالنسبة للمغرب نجد أيضا سيادة الثقافة الأبوية والذكورية في تقلد المسئوليات وفي انتخاب الهياكل المحلية.
  3. التضارب الوظيفي بين البرلمان والمحليات، خاصة في مصر، فقد أشارت بعض التقارير[5] إلى أن الناخبين يفضلون التصويت للنائب الذي يقوم برنامجه الانتخابي على تقديم وتوفير الخدمات لهم على حساب الدور الرئيسي له وهو التشريع، مثل تحسين أحوال الخدمات الصحية والطرق، والتي هي في الأساس تأتي تحت نطاق عمل المحليات، وهو ما يجعل من المحليات تبدو بلا أهمية في نظر المواطنين، وبالتالي يعد ذلك أحد عوامل ضعف المشاركة في المحليات، سواء من ناحية الإقبال على الترشح أو الانتخاب.
  4. عدم الفصل بين أدوار السلطة التنفيذية وعمل المحليات، تعتبر هذه العلاقة مركبة جدا فمن ناحية هناك دور للمجالس التنفيذية في تسهيل عمل المجالس الشعبية سواء بتقديم العون المالي والإداري والفني للمجلس الشعبي المحلى لأداء مهامه، والتي تعتبر جزء لا يتجزأ منها الرقابة على المجالس التنفيذية حيث تستخدم المجالس الشعبية المحلية الأدوات التي يتيحها القانون مثل توجيه أسئلة وطلبات إحاطة لرؤساء للمجال التنفيذية والمصالح والهيئات العامة والمؤسسات ومساءلتهـم عن أعمالهـم، وفي المقابل من حق رؤساء الوحدات المحلية الاعتراض على قرارات المجالس الشعبية التي تخالف القوانين واللوائح أو تخرج عن الخطة أو الموازنة المعتمدة، وأيضا جزء مهـم من هذه العلاقة هو تقديم المجالس التنفيذية اقتراحات للمجالس الشعبية في المسائل التي تدخل في اختصاصات المجلس، ومن ناحية أخرى تستفيد المجالس التنفيذية من التقارير التي يقدمها المجلس الشعبي بخصوص متابعة انجازات العمل التنفيذي. كما نلاحظ أيضا عدم وجود دور حقيقي للمجالس الشعبية المحلية في اختيار القيادات التنفيذية والذين يتم تعيينهـم من قبل السلطات المركزية مما يضعف من دور المجالس الشعبية المحلية في مسائلة المسئولين التنفيذيين وبالتبعية يلغي قدرة المجالس الشعبية المحلية على القيام بتغيير هذه القيادات التنفيذية ومحاسبتهـم في حالة التقصير والإخلال بواجباتهـم. وأمام تلك العلاقة المتشابكة، وفي ظل الدولة المركزية، يقل الشعور لدى المواطنين بأهمية دور المحليات، مما يؤدي لعزوف عن المشاركة.[6]
  5. التواصل بين المجالس المحلية والمواطنين وغياب الثقة بين المواطنين والمجالس المحلية: ففي لبنان تشكو بعض البلديات غياب الثقة بين المواطنين والبلدية. وهو ما ينعكس في غياب الثقة وعدم تجاوب المواطنين مع القرارات البلدية، حيث في بعض الأحيان يرفض المواطنون التقيد بقرار المجلس البلدي، وفي احيان أخرى، يرفض المواطنون دفع الرسوم البلدية وذلك لانهم يعتبرون “ان قسماً منها لن يذهب بموضعه والقسم الثاني لن ينفق بشكل سليم”[7]. وهذا ما يعمق من إشكالية التواصل حيث أنه لا توجد آلية محدد للتواصل المباشر أو غير المباشر بين المحليات والمواطنين، سواء كانت اجتماعات أو عمل استبيانات أو تلقي مقترحات.[8]
تجارب وخبرات دولية:

من خلال العرض السابق لإشكاليات المشاركة من خلال المحليات في المنطقة العربية، يحاول هذا الجزء من الورقة التعرض لبعض التجارب والخبرات الدولية الناجحة التي قد تعاملت وعالجت بعض إشكاليات المشاركة من خلال المحليات، إما باعتبارها دولة ذات تقاليد ديمقراطية راسخة كالسويد أو دول مرت بمراحل تحول ديمقراطي واسعة مثل البرازيل.

أولا عند الحديث عن إشكالية ترك الدستور الكثير من جوانب العمل المحلي للقوانين، نجد أن النموذج السويدي يقدم معالجة لهذه الإشكالية حيث يتضمن الدستور الصادر في عام 1974 مبدأ الحكم الذاتي المحلي بشكل صريح،[9] وينظم عمل البلديات قانون الحكم المحلي الصادر عام 1991، والذي يضع الخطوط العريضة لتنظيم الحكم المحلي، مثل عملية انتخاب المجلس البلدي، وتنظيم المحاكم الشرعية التي يلجأ لها أي مواطن للطعن على قرارات الحكومة المحلية. في نفس الإطار، يأتي الدستور البرازيلي، حيث يتضمن عدة مواد تشجع الحكم التشاركي، والتي بمقتضاها يشارك كل مواطن في إدارة منطقته ويصنع سياستها ويحدد أوجه إنفاق مواردها، كما يمنح الدستور المزيد من الموارد والسلطات للمحليات أو البلديات في إطار نظام لا مركزي منح المزيد من الموارد والسلطات للمحليات أو البلديات في إطار نظام لا مركزي، وفيما يخص مأسسة آليات تشاركية في السياسة العامة، تبرز لا مركزية الإدارة والإدارة التشاركية في مجالات الأمن الاجتماعي كما تنص المادة 194، والصحة في المادة 198، والرفاه الاجتماعي في المادة 203، والتعليم في المادة 206، كما أقر الدستور المشاركة الاجتماعية كمكون ضروري للجهات التي تشترك في السلطة، وذلك في المواد 89، 103، 124، و130.[10]

وعند الحيث حول إشكاليتي التضارب الوظيفي بين البرلمان والمحليات، وعدم الفصل بين أدوار السلطة التنفيذية وعمل المحليات، نجد أيضا أن النموذج السويدي قد عالج هذه الإشكالية، حيث نجد تقسيم واضح للمهام والوظائف التي تقع على عاتق كل من الأجهزة التنفيذية أو الأجهزة التشريعية على المستويين المحلي والقومي، حيث أنه لدي السلطات المحلية مجموعة واسعة من الوظائف، ويجري تقاسمها مع المستويات الأخرى من السلطة، والمتمثلة في مجالس المقاطعات، والمجالس الإدارية للمقاطعة والتي تعتبر حلقة الوصل بين الحكم المركزي والحكم المحلي، وبالتالي يتم تنسيق العمل العام وفق تلك المستويات الثلات من الحكم، بحيث يتم ضمان المصالح الوطنية، وكذلك تحقيق الاستفادة القصوى للمواطن من الحكم المحلي، إلا أن ذلك يفرض على المجالس البلدية أعباء مالية أكثر خاصة في إدارتها لقطاعات مثل التعليم والرعاية الاجتماعية، وهو ما عالجته القوانين الدستورية بإعطاء السلطات المحلية الحق في رفع الضرائب للقيام بهذه الواجبات، إلى جانب العائدات المتحصلة من الضرائب المحلية، تتلقى السلطات المحلية منح من الدولة المركزية. وهي التي تخصص لأغراض وطنية، أو نتيجة أعباء إضافية وقعت على المجلس المحلي.[11]

‏وبالنسبة لإشكالية الثقافة السياسية وإدماج المواطنين: عالج كلا من النموذجين السويدي والبرازيلي هذه الإشكاليةحيث ينص الدستور السويدي صراحة على إعطاء حق التصويت لكل مواطن سويدي مسجل وبلغ 18 عاما، بل وامتد ليشمل حق التصويت الأجانب الذين مضى عليهم أكثر من 3 سنوات،[12]وهنا نجد أن النموذج السويدي يعمل على إدماج المواطنين على اختلاف فئاتهم في العملية السياسية.

وفي نفس الإطار تعد تجربة الميزانية التشاركية في بورتو أليجري من أهم النماذج الناجحة التي تعبر عن ضرورة إدماج المواطنين وتأصيل ثقافة سياسية قائمة على الماركة الفعالة للمواطنين في اتخاذ القرارات، حيث تمت عملية تحديد الإنفاق العام عن طريق تحديد كل حي من أحياء المدينة لأولوياته في الإنفاق وإحتياجاته، ثم يتم التصويت على قائمة الأولويات، ثم يتم انتخاب عضوين من كل منطقة لتمثيلها في المجلس المحلي للميزانية، وهي الجهة التي تتولى تنفيذ ما تم التصويت عليه من قبل السكان، ويتم انتخاب منتدى الأحياء للميزانية وهي التي تعد الجهة الرقابية على أعمال المجلس المحلي للميزانية.[13]

في هذه الحالة نجد أن تجربة الميزانية التشاركية التي جرت في بورتو أليجري بالبرازيل تعطي مثالا واضحا حول الدور الذي تلعبه المجالس المحلية وما تتيحه للمواطنين من المشاركة في عملية صنع واتخاذ القرارات في العملية الاقتصادية والسياسية، حيث أن تجربة الموازنة التشاركية سمحت للمواطنين بالاشتراك في المداولات والنقاش وتحديد القرار الخاص بتخصيص الموارد العامة للمدينة (أو نسبة مئوية منها) وكل هذا تم من خلال المشاركة من خلال الحكومة المحلية في الحديث حول تخصيص موارد لحل إشكاليات بعينها كالرعاية الصحية ومشكلة الإسكان في المدينة، وقد منحت هذه التجربة كافة المواطنين المبرر القوي للعمل مع الحكومة المحلية والثقة بها، والترويج لمفهوم المسئولية المدنية بين المواطنين.[14]

خاتمة وتوصيات:

تعاني أنظمة الحكم المحلي في المنطقة العربية من العديد من الإشكاليات التي تعيق من مشاركة المواطنين الفعالة من خلال المحليات، والتي يمكننا تلخيصها في عدد من الظواهر، وهي التقليل من أهميتها في السياق العام، وضعف تواصلها مع المواطنين، وسيطرة السلطة التنفيذية عليها، وعدم وضوح ماهيتها في الأطر الدستورية والتشريعية، بالإضافة إلى ضعف مواردها المالية. وهي الإشكاليات التي أدت إلى ترسيخ صورة ذهنية سلبية في معظم الأحيان لدى المواطنين، وبالتالي ضعف مشاركتهم في العمل المحلي، سواء ترشحا أو انتخاب أو رقابة.

وبالنظر إلى تجربتي السويد والبرازيل، وهن دولتين ذات سياق متباين، إلا أنه على الرغم من ذلك، قد نجحت تلك الدولتين في معالجة العديد من الإشكاليات كما سبق وأسلفنا، وهذا من الممكن أن يؤدي إلى استخلاص بعض التوصيات واستراتيجيات للعمل لمعالجة هذا الإشكاليات في المنطقة العربية:

  • تطوير الأطر التشريعية: كما سبق وأشرنا أن من أهم الإشكاليات التي تعيق مشاركة وإدماج المواطنين من خلال المحليات هي التعارض بين الدساتير والقوانين التي تنظم العمل المحلي، وبالتالي تحتاج الأطر التشريعية إلى أن تكون متجانسة وتعمل على تدعيم المشاركة، خاصة في ظل الدساتير الجيدة التي أعقبت الحراك ومن هنا يمكن الحديث حول إدخال تعديلات على القوانين التي تنظم عمل المحليات والبلديات ومن شأنها أن تتضمن:
  1. النص بصورة واضحة على توزيع وتقسيم المهام بين مستويات الحكم المحلي كما في النموذج السويدي، والامتناع عن العبارات المبهمة والفضفاضة التي من شأنها أن تحدث تضارب بين مهام المستويات المختلفة.
  2.  النص بصورة واضحة على آليات تشاركية في وضع السياسات العامة لضمان مشاركة المواطنين الفعالة.
  • دعم ثقافة سياسية قائمة على مشاركة المواطنين:
  1. هذه الاستراتيجية تحتاج للعمل بشكل متواز على مساري تطوير الأطر التشريعية كما سبق وأسلفنا والمسار الآخر معني بالاستفادة من انتشار الجمعيات الأهلية التي تهتم بالعمل المحلي في مصر، تونس، لبنان والمغرب[15]، حيث أن ‏العمل على دعم وتعزيز الشراكة بين المحليات والمجتمع المدني على أرض الواقع عن طريق الاستفادة من الخبرات والنجاحات التي حققتها مؤسسات المجتمع المدني مع المواطنين عن طريق تقديمهم للخدمات وتمكين المواطنين في بعض الأحيان مما أدى لاكتسابهم ثقة المواطنين، وأيضا الاستفادة من المبادرات المحلية للمواطنين، وأنه إذا انتقلت هذه الحالة للمجالس المحلية سيعود هذا بالنفع الأكبر على المواطنين وسيعزز من إندماجهم كما هو الحال في تجربة البرازيل.
  2. بالإضافة إلى هذا يجب الاهتمام في هذا الشأن بالمكون الثقافي عبر التنشئة السياسية، بأن يتم التركيز على أهمية وفاعلية هذا النظام، ‏فطالما ظل المواطنون لا يؤمنون بفاعلية المجالس المحلية، فلا ‏يمكن أن نطور مشاركة المجتمعات عبر هذه المجالس، ولكن الأساس في هذا المستوى هو دمقرطة النظام المحلي وهنا من الممكن الحديث على سبيل المثال حول إعادة ‏نظام الانتخاب لاختيار العمد والمشايخ في مصر على مستوى المحليات، حيث أن الثقافة الديمقراطية لا تتجزأ، حيث يجب أن تقوم على غلبة ‏المنتخب على المعين سواء من حيث طرق الاختيار المطروحة أو من حيث الصلاحيات الممنوحة. ‏
  3. يجب العمل أيضا على اتخاذ إجراءات تحفيزية للعمل على تفعيل المشاركة ‏المجتمعية تتمثل في منح إضافية أو حوافز معنوية للمجالس المحلية التي تقوم بتنفيذ آليات لتفعيل المشاركة مثل اللجان المجتمعية والتشبيك مع منظمات المجتمع المدني كما تم الطرح سلفا أو استخدام التواصل الالكتروني مع المواطنين، حيث أن تطوير دور المجلس المحلي في بعض الموضوعات التي من شأنها أن تطور المجتمعات ‏المحلية بشكل أكبر في مجالات مثل الفنون والثقافة، فتحفيز أعضاء المجالس المحلية على رفع قدراتهم من خلال توفير ‏فرص لهم للاحتكاك مع نظرائهم في دول أخرى والاطلاع على تجاربهم، أو الدراسة في مجالات عمل المجلس والتشجيع ‏على إنشاء قواعد البيانات والمعلومات الخاصة بمنطقته ليستفيد بها المجتمع المحلي، وكذلك الحكومة المركزية. ‏
  4. وأخيرا لابد من وضع آليات واضحة لتقييم دور المجالس المحلية يشارك فيها المواطنون حتى تتمكن هذه المجالس من ‏تطوير نفسها وتلافي أخطائها.‏ حيث أن تطوير النظم المحلية يعد أحد المحاور الأساسية لعملية الإصلاح الشامل الذي يسعى إليه الجميع في أعقاب الحراك، وهو ‏من أسس التحول الديمقراطي كما سبقت الإشارة، وباب رئيسي للمشاركة من جانب المواطنين سواء على مستوى التخطيط ‏من خلال التعبير عن احتياجاتهم، أو التنفيذ من خلال مشاركتهم، أو الرقابة من خلال التقييم. وهو ما يعزز روح المواطنة ‏ويرسخ قيمها. ‏[16]
الهوامش:

[1] الفصل 133 من الدستور التونسي، بوابة التشريع التونسي، http://goo.gl/9ddHwV

[2] المادة 180 من دستور مصر 2014، http://is.gd/5MbjBZ

[3] عبد العزيز الرحيلي، تقرير حول موضوع: “أية لامركزية نريد لتونس؟”، مرصد “شاهد” لمراقبة المسار الانتخابي، 13 مارس 2015، https://goo.gl/xjtSu5

[4] محليات المغرب: مفاجآت بالجملة أبرزها التحرر من تأثير الدين والمال، المصري اليوم، 18 سبتمبر 2015، http://goo.gl/O3wbQp

[5] نائب الخدمات ينجح دائما، اليوم السابع، 12 سبتمبر 2015، http://goo.gl/MWkn3H

[6] النظام المحلي في مصر الواقع الحالي، الإشكاليات ومبررات التغيير، مؤسسة ماعت للسلام، 31 مارس 2012، http://goo.gl/6Csw40

[7] ديمة صادر، تجربة العمل البلدي في لبنان:‏ الإنجازات والعوائق والتحديات، المركز اللبناني للدراسات، ص12، http://goo.gl/V8t87v

[8] ديمة صادر، المرجع السابق، ص13.

[9] Ian MICALLEF, Local and regional democracy in Sweden, congress of local and regional authorities, council of Europe, https://goo.gl/RK1Fhe

[10] كلوفيكس هنريك دا سوزا، الديمقراطية التشاركية في البرازيل، ضمانات وأفكار جديدة وتحديات دستورية، مبادرة الإصلاح العربي، مارس 2012، http://goo.gl/3BlhDT

[11] Local government financial equalization, information about the equalization system for Swedish municipalities and county councils in 2008, http://goo.gl/SmtrTL

[12] الانتخابات في السويد، رابطة تعليم شرق جوتالند، http://goo.gl/fQGLJa

[13] المشاركة المحلية عبر المجالس المحلية في مصر، منتدى البدائل العربي، القاهرة، يناير 2011، http://goo.gl/K9YQSs

[14] الموازنة التشاركية: ما الذي يمكن أن تتعلمه مصر من بورتو أليجري؟، تضامن، 27 يناير 2014، http://goo.gl/ETbZPy

[15] أعمال ورشة عمل مشروع تمكين المجالس المحلية، منتدي البدائل العربي، أبريل 2014.‏

[16] المشاركة المحلية عبر المجالس المحلية في مصر، منتدى البدائل العربي، القاهرة، يناير 2011، http://goo.gl/K9YQSs

 

Start typing and press Enter to search