مصر
(1) قانون الإدارة المحلية
منذ ثورة 25 يناير 2011، والتي لعب فيها الشباب الدور الرئيسي، أضحت المحليات إحدى أهم أدوات تمكين الشباب، فظهرت شعارات مثل “المحليات للشباب” وغيرها، التي تجسدت فيما بعد في حراك شبابي يستهدف في المقام الأول وصول أكبر عدد من الشباب إلى مجالس الإدارة المحلية، لإعداد بنية شبابية سياسية قوية داخل مفاصل الدولة من جهة، ومن جهة أخرى إكساب هؤلاء الشباب الخبرة اللازمة للعمل السياسي، نتيجة الاحتكاك المباشر واليومي مع حاجات المواطنين ومتطلباتهم. مما جعل من الشباب هم الفئة الرئيسية التي تستعد لخوض الانتخابات سواء على مستوى الأحزاب أو المبادرات أو حتى الحركات الشبابية التي تسعى للعودة مجددا إلى المشهد السياسي.
القوانين المنظمة لعمل الإدارة المحلية:
أدخل نظام الإدارة المحلية كنظام يعبر عن إقامة نظام ديمقراطي في مصر في أعقاب ثورة يوليو 1952 وذلك بصدور قانون الإدارة المحلية رقم 124 لسنة 1960 الذي نص على أن تقسيم جمهورية مصر العربية إلى وحدات إدارية هي المحافظات والمدن والقرى، وأجاز تقسيم المدن الكبرى إلى أحياء، وكان هذا القانون يتميز بنظام المجلس الواحد الذي يجمع بين أعضاء منتخبين انتخابا مباشرا وأعضاء معينين بحكم وظائفهم والقيادات الشعبية. وظل هذا القانون إلى أن صدر قانون نظام الحكم المحلي رقم 52 لسنة 1975 حيث قرر أن وحدات الحكم المحلي هي المحافظات والمراكز والمدن والأحياء والقرى، وواكبه في ذلك القانون رقم 43 لسنة 1979 المعدل بالقانون 50 لسنة 1981 حيث قرر أن وحدات الحكم المحلى هي المحافظات والمراكز والمدن والأحياء والقرى ويكون لكل منها الشخصية الاعتبارية، وهذا ما أكده القانون رقم 145 لسنة 1988 والذي استبدل عبارتي الحكم المحلى والوزير المختص بالحكم المحلي بعبارتي الإدارة المحلية والوزير المختص بالإدارة المحلية.
التوصيات المقدمة للبرلمان بخصوص قانون المحليات:
لعل الأحزاب السياسية بوصفها أحد الأضلاع ذات الأهمية الكبيرة في المعادلة السياسية، وبوصفها الوسيط بين السلطة والشعب كأحد أدوارها الوظيفية الرئيسية، فإنها تستهدف الاستحواذ على الكم الأكبر من عدد مقاعد المجالس المحلية، المقدر لها أن تزيد عن الـ 52 ألف مقعد، ووفقا للدستور فإن للشباب نسبة 25% من تلك المقاعدفقد أوصى المشاركون بخضوع المجالس المحلية للرقابة والمسألة لمجلس النواب وليس وزارة التنمية المحلية، كما أوصوا بضرورة إدخال اللجان المتخصصة في مجلس النواب في حوار مع المجالس المحلية، نظرا لطبيعة اللجان البرلمانية وتركيزها على موضوعات محددة مثل التنمية والموازنة وغيرها.
- كما أوصى المشاركون بضرورة توسيع قدرات المجالس المحلية الداعمة للامركزية، مثل الحق في فرض الضرائب المحلية بما لا يخالف قانون الضرائب للحكومة المركزية.
(2) المشاركة من خلال المحليات
تعرف المحليات بأنها “سلطة منتخبة لها صلاحيات الرقابة على موظفي الإدارات المحلية المختلفة، وهي مسئولة عن تقديم وتطوير الخدمات في منطقة عملها سواء قرية أو حي أو مدينة، ومن تلك الخدمات الإنارة ومراقبة الأسواق والمرور والنظافة والطرق”. وتعتبر المحليات هي حلقة الوصل بين الحكومة والمواطنين، فهي سلطة شعبية في الأساس ليست خاضعة لسلطة الحكومة، وتعد أحد مظاهر المشاركة الشعبية في الحكم.
وبالرغم من أهميتها، لم تلق المحليات اهتماما شعبيا من المواطنين، سواء بالمشاركة كمرشحين، أو كناخبين، بيد أن الاهتمام بدأ يعود مرة أخرى بالمحليات، خاصة بعد ثورات الربيع العربي وما استتبعها من إرهاصات نحو نظم حكم محلي أكثر فاعلية في إطار السعي نحو اللامركزية في الحكم. إلا أن العديد من التحديات على صعيد المشاركة تواجه التجارب الأربعة.
أهم الإشكاليات التي تعيق المشاركة في المحليات:
من الإشكاليات التي تعيق المشاركة، تلك الإشكاليات التي لها علاقة بالتواصل بين المجالس المحلية والمواطنين، حيث أنه لا توجد آلية محددة للتواصل المباشر أو غير المباشر بين المحليات والمواطنين، سواء كانت اجتماعات أو عمل استبيانات أو تلقي مقترحات، وعلى الرغم من أن ذلك يعود في الأساس لقصور لدى أغلب المواطنين في فهم أهمية دور وعمل المحليات، خاصة أمام تسيد المركزية الشديدة، إلا أن المحليات نفسها قد تكون مسؤولة في بعض الأحيان لغياب ذلك التواصل، الذي من شأنه أن يغير من خطط المجالس المحلية أمام إرادة المواطنين، وبالتالي قد تتعارض الرؤى بين المواطنين والمجالس المحلية ومن المفترض أن تنسحب إرادة المجلس المحلي أمام إرادة مواطني الوحدة المحلية.
ومن الإشكاليات التي تعيق المشاركة أيضا، العلاقة بين المحليات وأجهزة الدولة، والتي يمكن وصفها بـ”التبعية”، حيث يرتبط عمل المؤسسة المحلية ارتباطا وثيقا بعدد من أجهزة الدولة التي تمارس الرقابة المالية والادارية على عمل المحليات. وتتوزع هذه الأجهزة على وزارات الداخلية والإدارة المحلية والأشغال والقضاء والأجهزة الرقابية كالجهاز المركزي للمحاسبات. فأصبحت من الناحية الإدارية والمالية، تعاني من الروتين الإداري والرقابة المسبقة.
ومن الإشكاليات الإجرائية التي قد تسبب إشكاليات تعيق المشاركة، ترك الدستور الكثير من جوانب العمل المحلي للقوانين، والتي قد تصدر عن السلطة التشريعية التي قد تخضع بدورها إلى حزب سياسي أو أيديولوجية سياسية ربما يعارضها فئات من الشعب، وبالتالي قد تعزف تلك الفئات عن المشاركة في المحليات.
ويعد التضارب الوظيفي بين البرلمان والمحليات، أحد الإشكاليات الهامة في المشهد السياسي، فقد أشارت بعض التقارير إلى أن الناخبين يفضلون التصويت للنائب الذي يقوم برنامجه الانتخابي على تقديم وتوفير الخدمات لهم على حساب الدور الرئيسي له وهو التشريع، مثل تحسين أحوال الخدمات الصحية والطرق، والتي هي في الأساس تنضوي تحت نطاق عمل المحليات، وهو ما يجعل من المحليات تبدو بلا أهمية في نظر المواطنين، وبالتالي يعد ذلك أحد عوامل ضعف المشاركة في المحليات، سواء من ناحية الإقبال على الترشح أو التصويت في الانتخابات.
وتبرز أيضا إشكالية عدم الفصل بين أدوار السلطة التنفيذية وعمل المحليات، ففي الواقع أن هذه العلاقة مركبة جدا، فمن ناحية هناك دور للمجالس التنفيذية في تسهيل عمل المجالس الشعبية سواء بتدبير المكان أو تقديم العون المالي والإداري والفني للمجلس الشعبي المحلى لأداء مهامه، التي منها الرقابة على المجالس التنفيذية حيث تستخدم المجالس الشعبية المحلية الأدوات التي يتيحها القانون مثل توجيه أسئلة وطلبات إحاطة لرؤساء للمجال التنفيذية والمصالح والهيئات العامة والمؤسسات ومساءلتهـم عن أعمالهـم، وفي المقابل من حق رؤساء الوحدات المحلية الاعتراض على قرارات المجالس الشعبية التي تخالف القوانين واللوائح أو تخرج عن الخطة أو الموازنة المعتمدة، وأيضا جزء مهـم من هذه العلاقة هو تقديم المجالس التنفيذية اقتراحات للمجالس الشعبية في المسائل التي تدخل في اختصاصات المجلس، ومن ناحية أخرى تستفيد المجالس التنفيذية من التقارير التي يقدمها المجلس الشعبي بخصوص متابعة انجازات العمل التنفيذي. كما نلاحظ أيضا عدم وجود دور حقيقي للمجالس الشعبية المحلية في اختيار القيادات التنفيذية والذين يتم تعيينهـم من قبل السلطات المركزية مما يضعف من دور المجالس الشعبية المحلية في مسائلة المسئولين التنفيذيين وبالتبعية يلغي قدرة المجالس الشعبية المحلية على القيام بتغيير هذه القيادات التنفيذية ومحاسبتهـم في حالة التقصير والإخلال بواجباتهـم. وأمام تلك العلاقة المتشابكة، وفي ظل الدولة المركزية، يقل الشعور لدى المواطنين بأهمية دور المحليات، مما يؤدي للعزوف عن المشاركة.
بعض الخبرات الدولية في التعامل مع إشكاليات المحليات:
التعرض لبعض التجارب والخبرات الدولية الناجحة التي قد تعاملت وعالجت بعض إشكاليات المشاركة من خلال المحليات، قد يكون أحد الآليات الهامة في صقل الخبرات، حيث أن الإطار المعرفي المستمد من تجارب شبيهة أو ناجحة قد يكمن فيه الإجابة على الكثير من الإشكاليات التي تواجه العمل المحلي، وفي هذا الشأن، تم عرض تجارب عدد من الدول، إما باعتبارها دول ذات تقاليد ديمقراطية راسخة كالسويد، أو دول مرت بمراحل تحول ديمقراطي واسعة مثل البرازيل. وكيفية تعامل تلك التجارب مع الإشكاليات التي تواجه التجربة المصرية، خاصة إشكاليات إشكالية ترك الدستور الكثير من جوانب العمل المحلي للقوانين، التضارب الوظيفي بين البرلمان والمحليات، وعدم الفصل بين أدوار السلطة التنفيذية وعمل المحليات، والإشكالية المتعلقة بالثقافة السياسية وإدماج المواطنين.
استراتيجيات مقدمة للتعامل مع القضية:
قدم المشاركون عددا من التوصيات فيما يتعلق بالمشاركة الإيجابية في الانتخابات المحلية، تلك التوصيات المقدمة للأحزاب السياسية المصرية، والتي هدفت لوضع رؤية لتلك الأحزاب تسهم في تعزيز المشاركة داخل تلك الأحزاب في العمل المحلي من جهة، ومن جهة أخرى تستهدف المواطنين لتشجيعهم على المشاركة في الانتخابات المحلية، وكانت تلك التوصيات:
فيما يتعلق بالقواعد القانونية والدستورية، اقترح المشاركون من أجل توسيع مشاركة الشباب وزيادة نسبتهم في المحليات، أن تتضمن القوائم بالإضافة إلى نسبة الشباب، نسبة أخرى للشبات ضمن نسبة المرأة التي نص عليها الدستور، كما أقترح المشاركون أيضا بخفض سن الترشح عن 21 عاما، ليكون 18 عاما، من أجل توسيع قاعدة المشاركة في الترشح والانتخاب.
وعلى الصعيد الإجرائي، أوصى الشباب بإدخال أساليب الديمقراطية التشاركية في العمل المحلي، وهو النموذج المتبع في تجربة بورتو اليجري في البرازيل، حيث يكون القرار المحلي متخذ بناءً على قرار القواعد المحلية، سواء فيما يتعلق بالتخطيط أو أوجه إنفاق الميزانية.
أما إشكالية تهميش الشباب داخل الأحزاب نفسها، فقد أوصى الشباب باستراتيجية ذات بعدين، الأول فني ويتمثل في إعداد لجنة من الكوادر الحزبية لتنمية الأعضاء الشباب المزمع مشاركتهم في الانتخابات المحلية، مما يحول دون أي محاولة لتهميش دور الشباب، أما الثاني فيتمثل في الدعم القانوني والمادي لهؤلاء الشباب، والسعي وراء وجود انعكاس لنسب الشباب في القوائم الانتخابية التي نص عليها الدستور، على العمل الحزبي أيضا بحيث تضم تلك اللجان المختلفة داخل الأحزاب نفس النسب على الأقل من الشباب.
وفيما يتعلق بإشكالية ضعف الوعي بأهمية المحليات، فقد أوصى المشاركون بعمل ورش عمل ومحاضرات تستهدف رفع الوعي المجتمعي في المناطق الأكثر حاجة لذلك، كما أوصى المشاركون بدور توعوي للأداة الإعلامية للتوعية بأهمية المحليات، على أن يكون ذلك الدور موجه بشكل كبير لفئة الشباب من أجل تحفيز دورهم في المشاركة، خاصة بعدما أثبت الإعلام بعيدا عما يتضمنه أنه أداة فعالة في اللعبة السياسية منذ ثورة يناير وحتى الأن.
وفيما يتعلق بفئة الشباب، فقد أوصى المشاركون باستهداف الشباب في أماكن مثل الجامعات، والعمل على رفع وعيهم بالمحليات.
[1]المادة 180 من الدستور المصري، http://goo.gl/xFXrg9