حماية الحقوق والحريات المدنية في ظل الاتفاقيات والاستراتيجيات الدولية

"استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب"

شروق الحريري

مقدمة:[1]

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب في 8 سبتمبر 2006. وهي المرة الأولى التي تتفق فيها الدول الأعضاء على إطار استراتيجي وعالمي شامل لمكافحة الإرهاب. وتهدف الاستراتيجية إلى وضع بعض التدابير للدول الأعضاء -فرديا وجماعيا- من أجل معالجة الأوضاع التي تفضي إلى انتشار الإرهاب؛ ومنعه ومكافحته، وتعزيز قدراتها الفردية والجماعية على القيام بذلك، وحماية حقوق الإنسان والتمسك بسيادة القانون في مكافحة الإرهاب. كما تدعو الاستراتيجية الدول الأعضاء إلى العمل مع منظومة الأمم المتحدة لتنفيذ أحكام خطة العمل الواردة فيها، كما أنها تدعو كيانات الأمم المتحدة إلى مساعدة الدول الأعضاء في جهودها. وفي هذا الصدد تم اتخاذ بعض خطوات للتعاون الدولي والتي اتخذت شكل بروتوكول يعمل على الحد من الإرهاب العالمي الذي بات يهدد العالم بأجمعه وليس دولة بعينها أو طائفة بعينها وإنما خطر يهدد البشرية واستمرارها وناتج عن بعض المشكلات المجتمعية المرتبطة بتنشئة خاطئة أو مرتبطة بظروف وفهم خاطئين لبعض القيم.

ونحاول هنا عرض أهم الأفكار الواردة في الاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب والتي تهتم بحماية الحقوق والحريات للمواطنين ومنها:

أولا: التدابير الاقتصادية والاجتماعية

وترتبط هذه التدابير بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية؛ ويتمثل الهدف الرئيسي من وراء إقرار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تحقيق العدالة الاجتماعية، والتأمين ضد المرض والفقر والعجز عن العمل، والتخلص من البطالة، وتهيئة فرص العمل اللائق للأفراد. وهو ما دفع الكثير من البلدان المتقدمة والنامية على السواء إلى النص على هذه الحقوق في دساتيرها وإحاطتها بالرعاية. ومن أمثلة الحقوق الاقتصادية الحق في العمل، تقلد الوظائف العامة، والمشاركة في الأنشطة الاقتصادية وجني أرباحها، عدم الاستغلال، بيئة العمل المناسبة، تكوين النقابات والإضراب. أما الحقوق الاجتماعية فتتمحور حول الحق في الضمان الاجتماعي، السكن، التعليم، العيش الكريم، الرعاية الصحية، الرفاه الاجتماعي والبيئة النظيفة.

تضمنت الاستراتيجية الدولية مجموعة من الحقوق والتي تحاول تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين وذلك من خلال تبنيها حق التنمية والذي أخذ أكثر من منحنى ومدخل؛ حيث نصت على “وإذ تسلم بأن التنمية والسلام والأمن وحقوق الإنسان مسائل مترابطة وتعزز كل منها الأخرى“، وأيضا تضمنت آليات الاستراتيجية –خطة العمل-على تحقيق الأهداف الإنمائية المتفق عليه لتحقيق التطور الاقتصادي والاجتماعي الملموس سواء على مستوي الدول وأيضا على مستوى المواطنين، فجاء التدبير الخامس من التدابير الرامية إلى معالجة الظروف المؤدية إلى انتشار الإرهاب لتشير إلى “تكرار تأكيد تصميمنا على كفالة تحقيق الأهداف والغايات الإنمائية المتفق عليها في المؤتمرات الرئيسية ومؤتمرات القمة التي تعقدها الأمم المتحدة، ومن بينها الأهداف الإنمائية للألفية، بشكل كامل وفي الوقت المناسب. ونؤكد من جديد التزامنا بالقضاء على الفقر وتعزيز النمو الاقتصادي المتواصل وتحقيق التنمية المستدامة والرفاه العالمي للجميع“؛ كما أكدت على دور منظومات الأمم المتحدة في التنمية الاقتصادية وجاء ذلك في التدبير السابع من التدابير الخاصة بمعالجة الظروف المؤدية إلى انتشار الإرهاب “تشجيع منظومة الأمم المتحدة ككل على رفع مستوى التعاون والمساعدة اللذين تقدمهما بالفعل في مجالات سيادة القانون وحقوق الإنسان والحكم الرشيد، دعما للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المتواصلة“.

كما حاولت الاستراتيجية مناقشة محور هام جدا من محاور التصدي للإرهاب وهو إعادة تأهيل والاندماج المجتمعي على صعيد الدول والذي سيلقي بدوره على الأفراد سواء في مسائل حل الصراعات أو من خلال تحقيق التنمية المستدامة والنمو الاقتصاد الذي يشجع على تأهيل المجتمع وتطوره؛ فنصت الاستراتيجية على “وإذ تؤكد عزم الدول الأعضاء على مواصلة بذل كل ما في وسعها من أجل حل الصراعات وإنهاء الاحتلال الأجنبي والتصدي للقمع والقضاء على الفقر وتعزيز النمو الاقتصادي المتواصل والتنمية المستدامة والازدهار العالمي والحكم الرشيد وحقوق الإنسان للجميع وسيادة القانون وتحسين التفاهم فيما بين الثقافات وكفالة احترام جميع الأديان أو القيم أو المعتقدات الدينية أو الثقافات“، كما تضمنت خطة العمل –الآليات- مجموعة من المضامين التي يجب على الدول إتباعها من أجل الاندماج الاجتماعي ونشر قيم التسامح والسلام والإخاء والحفاظ على القيم والمعتقدات المختلفة. فجاء التدبير الثاني من التدابير الرامية إلى معالجة الظروف المؤدية إلى انتشار الإرهاب لتشير إلى ذلك؛ والتي نصت على “مواصلة وضع ترتيبات، في ظل مبادرات الأمم المتحدة وبرامجها، لتعزيز الحوار والتسامح والتفاهم فيما بين الحضارات والثقافات والشعوب والأديان، وتعزيز الاحترام المتبادل للأديان والقيم والمعتقدات الدينية والثقافات ومنع التشهير بها. وفي هذا الصدد، نرحب بقيام الأمين العام بإعلان المبادرة بشأن تحالف الحضارات. ونرحب أيضا بمبادرات مماثلة تم اتخاذها في أنحاء أخرى من العالم“. كما أكد التدبير السادس على ضرورة تحقيق التنمية والإدماج الاجتماعي للقضاء على الإرهاب وجاء كالتي “السعي إلى تحقيق وتعزيز خطط التنمية والإدماج الاجتماعي على جميع الصعد بوصفها أهدافا قائمة بحد ذاتها، انطلاقا من إدراك أن إحراز نجاح في هذا المجال، ولا سيما فيما يتعلق ببطالة الشباب، أمر يمكن أن يحد من التهميش وما يستتبعه من شعور بالغبن يغذي التطرف وتجنيد الإرهابيين“. هذا بالإضافة إلى أن التدبير الثامن من التدبير الرامية إلى منع انتشار الإرهاب ومكافحته حيث أكد على “تشجيع المنظمات الإقليمية ودون الإقليمية المعنية على إنشاء آليات أو مراكز لمكافحة الإرهاب أو تعزيز الموجود منها. وفي حال ما إذا طلبت تلك المنظمات التعاون أو المساعدة تحقيقا لهذه الغاية، نشجع لجنة مكافحة الإرهاب ومديريتها التنفيذية، على تيسير توفير ذلك التعاون وتلك المساعدة، كما نشجع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة والمنظمة الدولية للشرطة الجنائية على القيام بذلك، حيثما كان ذلك متسقا مع ولايتيهما“.

وأخيرا فقد أكدت الاتفاقية وبشكل أساسي على ضرورة دعم ضحايا الإرهاب كمساندة في إعادة إدماج الفئات المستهدفة بشكل أساس من جانب العمليات الإرهابية لكي يستطيعوا مواصلة الحياة والعمل؛ فجاءت آليات الاستراتيجية لتشير إلى ذلك؛ حيث جاء التدبير الثامن من التدابير الرامية إلى معالجة الظروف المؤدية إلى انتشار الارهاب والتي تنص على “النظر في القيام، على أساس طوعي، بوضع أنظمة وطنية لتقديم المساعدة تلبي احتياجات ضحايا الإرهاب وأسرهم، وتيسر إعادة حياتهم إلى مجراها الطبيعي. وفي هذا الصدد، نشجع الدول على أن تطلب إلى الكيانات المختصة التابعة للأمم المتحدة مساعدتها في إقامة أنظمة وطنية من هذا القبيل. وسنسعى أيضا إلى النهوض بالتضامن الدولي دعما للضحايا وتشجيع المجتمع المدني على المشاركة في حملة عالمية لمكافحة الإرهاب وإدانته، الأمر الذي يمكن أن يشمل القيام، في الجمعية العامة، باستكشاف إمكانية إنشاء آليات عملية لتقديم المساعدة إلى الضحايا“. كما حاولت الاستراتيجية حماية المدنيين بكافة الطرق الممكنة فأشار التدبير الخامس من تدابير منع انتشار الإرهاب ومكافحته إلى “تعزيز التنسيق والتعاون فيما بين الدول في مكافحة الجرائم التي قد تكون ذات صلة بالإرهاب، ومن بينها الاتجار بالمخدرات بجميع جوانبه، والاتجار غير المشروع بالأسلحة، ولا سيما الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة، بما فيها منظومات الدفاع الجوي المحمولة، وغسل الأموال، وتهريب المواد النووية والكيميائية والبيولوجية والإشعاعية وغيرها من المواد التي يمكن أن تكون فتاكة“.

هذا بالإضافة إلى أن الاستراتيجية أكدت على التنسيق في مجال التخطيط للتصدي لأي هجوم إرهابي تستخدم فيه الأسلحة أو المواد النووية أو الكيميائية أو البيولوجية أو الإشعاعية، ولا سيما باستعراض مدى فاعلية ما هو قائم من آليات التنسيق المشتركة بين الوكالات المعنية بتقديم المساعدة وبعمليات الإغاثة ودعم الضحايا وتحسين كفاءتها بحيث يتسنى لجميع الدول تلقي ما يكفي من المساعدة. وفي هذا الصدد، دعت الجمعية العامة ومجلس الأمن إلى وضع مبادئ توجيهية للتعاون والمساعدة الضروريين في حالة وقوع هجوم إرهابي تستخدم فيه أسلحة الدمار الشامل؛ وأيضا أكدت الاستراتيجية على بناء قدرات المواطنين من خلال تشجيع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية على أن تواصلا جهودهما في مجال مساعدة الدول على بناء القدرة على منع الإرهابيين من الحصول على المواد النووية أو الكيميائية أو الإشعاعية، وضمان أمن المرافق المتصلة بتلك المواد والتعامل على نحو فعال في حالة وقوع هجوم تستخدم فيه هذه المواد. وأيضا أكدت الاستراتيجية على اتخـاذ تـدابير عمليـة مناسـبة تكفــل عــدم اســتخدام أراضــي كــل منــا في إقامــة منــشآت أو معــسكرات تــدريب إرهابيــة، أو لتدبير أو تنظيم أعمال إرهابية ترتكب ضد دول أخرى أو ضد مواطنيها.[2]

ثانيا: التدابير السياسية والمدنية والثقافية

وهي الخاصة بالحقوق السياسية؛ وتعتبر الحقوق السياسية إحدى فروع حقوق الإنسان إذ يندرج تحته العديد من الحقوق مثل الحقوق المدنية والحقوق الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية والحقوق السياسية، وعادة ما يقترن اسم الحقوق السياسية بالحقوق المدنية فيأتي المصطلح بالحقوق المدنية والحقوق السياسية.

الحقوق السياسية هي ذلك التصنيف من الحقوق الذي يحمي حريات الأفراد من انتهاكات المجتمع أو الحكومة، وهذه الحقوق تؤكد على قدرة الأفراد وحرياتهم بالمشاركة في المجتمع دون أي تمييز أو تفرقة عنصرية. وتتضمن الحقوق السياسية الحقوق المتعلقة بالعدالة وإجراءات القضاء، مثل حقوق المتهم بأن يجرى له محاكمة عادلة، الحق في التعويض إذ أثبت أنه بريء من التهمة الموجهة إليه. كما تتضمن الحقوق السياسية الحقوق في المشاركة المجتمعية مثل الحق في إنشاء الجمعيات والمؤسسات والحق في التجمع، والحق في الاعتراض والحق في التصويت بالانتخابات والحق في الترشح لها.[3]

أما الحقوق المدنية والثقافية للأفراد؛ فيمكن تعريف الحقوق المدنية على أنها هي مجموعة من الحقوق تندرج تحت حقوق الإنسان؛ وهي الحقوق التي منحت للإنسان لكونه إنسان. وتعتبر الحقوق المدنية من الحقوق الفردية أي الحقوق التي تحمي الأفراد في المجتمع وتحفظ لهم حقهم في المشاركة في مجتمعهم ودولهم دون أي تمييز أو تفرقة فيما بينهم. بالإضافة إلى كونها تندرج تحت قائمة الحقوق الفردية فاعتبرها البعض أنها تندرج أيضا ضمن قائمة الحقوق الجماعية إذ يوجد في العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية حق تقرير المصير والذي يعتبر من الحقوق الجماعية إذ يمارسها الفرد كجزء من الجماعة. وتتضمن الحقوق المدنية التأكيد على النزاهة العقلية والجسدية للأفراد والتأكيد على حياتهم وحفظ أمنهم بالإضافة إلى حمايتهم من أي تمييز قائم على اساس العرق أو الدين أو اللون أو أي شكل من أشكال التمييز. كما تتدرج تحت الحقوق المدنية الحقوق الفردية مثل الحق في الخصوصية، حرية التفكير وحرية الرأي والتعبير، حرية الدين، حرية التجمع، وحرية الحركة. حق الشخص في الحماية والحق في عدم تعرضه للتعذيب أو المعاملة القاسية واللا إنسانية أو أي معاملة قد تقلل من كرامة الشخص. كما يضمن بعض الحقوق الجماعية مثل حق تقرير المصير للشعوب وحق الشعوب في التصرف بثرواتها وخيراتها دون أي تدخل من قبل دول أخرى.[4]

من ضمن الحقوق السياسية ترسيخ الديمقراطية وحق تقرير المصير؛ فجاءت الاستراتيجية لتؤكد على إدانة كافة الأعمال الإرهابية التي تعمل على تقويض حقوق الإنسان والحريات الأساسية والديمقراطية. كما أنها أكدت على احترام حق تقرير المصير؛ فنصت الاستراتيجية على حق الشعوب التي لا تزال تحت السيطرة الاستعمارية أو الاحتلال الأجنبي في تقرير مصيرها. ويأتي هذا في إطار جهود الأمم المتحدة في حماية حقوق الإنسان والمساواة بين جميع الشعوب وكفالة الحقوق الأساسية لضمان عيش الإنسان حياة كريمة. كما نصت على ضرورة تسوية المنازعات بين الدول بالطرق السلمية وفقا للمبادئ العدالة الدولية حتى لا تتفاقم هذه النزاعات وتودي بحياة المواطنين السلميين. فقد نصت الاستراتيجية على “وإذ تؤكد من جديد أن الأعمال والأساليب والممارسات الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهرها أنشطة تهدف إلى تقويض حقوق الإنسان والحريات الأساسية والديمقراطية، وتهدد السلامة الإقليمية للدول وأمنها، وتزعزع استقرار الحكومات المشكلة بصورة مشروعة، وأنه ينبغي للمجتمع الدولي أن يتخذ الخطوات اللازمة لتعزيز التعاون من أجل منع الإرهاب ومكافحته“.

أما بالنسبة لترسيخ المواطنة وحقوق الإنسان فقد أكدت الاستراتيجية على احترام المساواة في الحقوق بين الجميع دون تميز على أساس العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين.. إلخ في حل المشاكل الدولية ذات الطابع الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الإنساني؛ هذا بالإضافة إلى دعم المساواة بين جميع الدول والأفراد، واحترام سيادة الدول، والامتناع عن التهديد باستعمال القوة أو استعمالها بأي شكل يتعارض مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها -والتي تهدف في الأغلب إلى حماية حقوق الإنسان وأعطاه مزيد من الديمقراطية وحقوق الإنسان. فجاءت الاستراتيجية لتشير إلى تأكيد “زعماء العالم من جديد التزامهم بمؤازرة جميع الجهود الرامية إلى دعم المساواة في السيادة بين جميع الدول، واحترام سلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي، والامتناع في علاقتها الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استعمالها بأي شكل يتعارض مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها“. أما آليات الاستراتيجية –خطة العمل- فجاءت لتؤكد على ضرورة تنفيذ جميع الاتفاقيات والقرارات الخاصة بحماية حقوق الإنسان والحريات الاساسية “تنفيذ جميع قرارات الجمعية العامة المتعلقة بالتدابير الرامية إلى القضاء على الإرهاب الدولي، وقرارات الجمعية العامة ذات الصلة بحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب“. [5] كما أكدت أيضا على دعم عملية تعزيز القدرة التشغيلية لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. فتشير هذه التدابير إلى دور الأمم المتحدة والدول الأعضاء في دعـم مجلـس حقـوق الإنسان والإسـهام، وهـو في طـور التـشكيل، في عملـه المتعلق بمسألة تعزيز وحماية حقوق الإنسان للجميع في سياق مكافحة الإرهاب.

وهناك أيضا حرية العبادة والاعتقاد وحماية القيم الدينية؛ وكل ذلك تضمنته الاستراتيجية حيث نصت على “وإذ تؤكد من جديد أيضا أنه لا يجوز ولا ينبغي ربط الإرهاب بأي دين أو جنسية أو حضارة أو جماعة عرقية“، وذلك لأن ارتباط الإرهاب بدين معين يعرض اتباع هذا الدين إلى الاضطهاد من قبل بعض الجماعات المجتمعية الأخرى سواء في نفس البلد أو في بلاد أخرى مختلفة مما يهدد حق المساواة بين الأفراد وحرية الفكر. هذا بالإضافة إلى تأكيد الاستراتيجية على حل الصراعات وإنهاء حالات الصراع. وجاء في نص الاستراتيجية “وإذ تؤكد عزم الدول الأعضاء على مواصلة بذل كل ما في وسعها من أجل حل الصراعات وإنهاء الاحتلال الأجنبي والتصدي للقمع والقضاء على الفقر وتعزيز النمو الاقتصادي الم تواصل والتنمية المستدامة والازدهار العالمي والحكم الرشيد وحقوق الإنسان للجميع وسيادة القانون وتحسين التفاهم فيما بين الثقافات وكفالة احترام جميع الأديان أو القيم أو المعتقدات الدينية أو الثقافات“، ويوضح ذلك عزم الاستراتيجية –الدول الأعضاء- على إنهاء حالات الصراع والتي تهدد الحق الأصيل الملصق بجميع الأفراد وهو حق الحياة والذي يُكفل لجميع الأفراد بمجرد ولادتهم. كما جاءت الآليات لتشير إلى ذلك في التدبير الثالث من التدابير الرامية إلى معالجة الظروف المؤدية إلى انتشار الإرهاب والتي نصت على “الترويج لثقافة السلام والعدالة والتنمية البشرية، وللتسامح العرقي والوطني والديني، ولاحترام جميع الأديان أو القيم الدينية أو المعتقدات أو الثقافات، عن طريق القيام، حسب الاقتضاء، بوضع وتشجيع برامج للتثقيف والتوعية العامة تشمل جميع قطاعات المجتمع. وفي هذا الصدد، نحث منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة على الاضطلاع بدور رئيسي، بعدة طرق من بينها الحوار بين الأديان وداخلها والحوار بين الحضارات“؛ والذي تشير فيه إلى ضرورة النشر ثقافة التسامح والمساواة واحترام الأديان والقيم والحضارات المختلفة. وذلك في محاولة التعايش السلمي بين الأفراد للحفاظ على التنوع القيمي والعقائدي والحضاري للأفراد هذا بالإضافة إلى تقليل بؤر الاضرابات والتوترات التي تكون المنشأ الأساسي للإرهاب.

وبالنسبة للمحاكمات العادلة ومكافحة الجريمة؛ جاءت آليات الاستراتيجية لتشير إلى ضرورة مكافحة الجريمة وذلك للحفاظ على حياة المدنيين. فأشار التدبير الثاني من تدابير منع الإرهاب ومكافحته على “التعاون بصورة تامة في مكافحة الإرهاب، وفقا للالتزامات المنوطة بنا بموجب القانون الدولي، بهدف العثور على أي شخص يدعم أو يسهل أو يشارك أو يشرع في المشاركة في تمويل أعمال إرهابية أو في التخطيط لها أو تدبيرها أو ارتكابها، أو يوفر ملاذا آمنا، وحرمان ذلك الشخص من الملاذ الآمن وتقديمه إلى العدالة بناء على مبدأ تسليم الأشخاص المطلوبين أو محاكمتهم“. وذلك للعمل القضاء على بؤر الارهاب وحماية الأفراد من انتشاره. كما أشارت التدبير الثالث إلى “كفالة القبض على مرتكبي الأعمال الإرهابية ومحاكمتهم أو تسليمهم، وفقا للأحكام ذات الصلة من القانون الوطني والدولي، ولا سيما قانون حقوق الإنسان وقانون اللاجئين والقانون الإنساني الدولي. وتحقيقا لهذه الغاية، سنسعى إلى إبرام وتنفيذ اتفاقات لتقديم المساعدة القانونية المتبادلة وتسليم الأشخاص المطلوبين وإلى تعزيز التعاون بين وكالات إنفاذ القانون” وهذا التدبير يدعو إلى الحفاظ على السلم والأمن العالمي بمنع نشوء جرائم الإرهاب ومكافحة الإرهاب والمحاكمات العادلة وفقا للقانون الدولي والقانون الداخلي للبلاد لمرتكبي العمليات الإرهابية –المشتبهين بهم- وذلك لضمان عدم تفشي الجرائم والتفكير الإرهابي بين المواطنين. أما التدبير الرابع والخامس فقد كفل التعاون والتنسيق بين الدول الاعضاء من أجل حماية المدنيين من مخاطر الإرهاب والحفاظ على حياتهم وحقوقهم الأساسية.

خاتمة:

ترجع نشأة الأمم المتحدة إلى حماية الأمن والسلام الدولي والحفاظ على المواطنين من كافة أشكال الانتهاكات التي قد تؤثر على إنسانيتهم من حروب وانتهاكات للحقوق الأساسية الاقتصادية والاجتماعية وما إلى ذلك، لذا قامت الأمم المتحدة –الدول الأعضاء- بتوثيق هذه الحقوق في صورة معاهدات دولية والتي تلزم جميع الدول الأعضاء على احترامها ومن تلك الحقوق؛ الحقوق الأساسية للإنسان والتي من ضمنها حق الحياة. فللإنسان الحق بأن يعيش حياة كريمة آمنة، يحياها ويمارس أنشطته بها، دون تقييد أو خوف، وله الحرية المطلقة بكيفية العيش. ومع التطور الذي مر به العالم من عصور العولمة ثم التطور التكنولوجي الآن والعالم في حربة على الإرهاب؛ تطورت أيضا أشكال المواثيق التي كفلت وحمت الحقوق والحريات الأساسية للإنسان من العهدين الدوليين والبروتوكولات المصاحبة لهم، وما تلاهم من استراتيجيات تنموية للمحافظة على استمرار الحياة “استراتيجية الأمم المتحدة التنموية للألفية الجديدة” وأيضا ما تلاها من استراتيجيات لحماية الإنسان من الكوارث الطبيعية، وأخيرا حماية الإنسان من الإرهاب وهي مشكلة ومعضلة العصر والذي ظهر في شكل اتفاقيات دولية وثنائية واستراتيجيات لمكافحة الإرهاب كمهدد حقيقي لحق المواطنين السلميين في الحياة.

ولذلك حاولت هذه الاستراتيجية العمل بشكل أفقي ورأسي معا عن طريق وضع مجموعة من التدابير الهادفة إلى حماية الحقوق والحريات الأساسية لمكافحة الإرهاب والتي تشمل تدابير اقتصادية وسياسية وثقافية وبيئية… إلخ. هذا بالإضافة إلى محاولتها وضع تدابير لمعالجة الظروف المؤدية إلى انتشار الإرهاب، وتدابير أخرى لمنع الإرهاب ومكافحته، وتدابير خاصة ببناء قدرات الدول وتعزيز دور الأمم المتحدة… إلخ. وهكذا حاولت الاستراتيجية مكافحة الإرهاب. إلا أن هذه الاستراتيجية لم توضح ما هي الآليات الفعالة للقضاء على الإرهاب. فقد أكدت على سبيل المثال على “اتخاذ بعض الإجراءات العاجلة لمنع ومكافحة الإرهاب بجميع أشكاله”. واستخدمت بعض العبارات المتكررة كضرورة التعاون الدولي والنظر في الانضمام إلى الاتفاقيات، هذا بالإضافة إلى وجود بعض العبارات غير المفهومة كالامتناع عن تنظيم أنشطة إرهابية أو التحريض عليها أو المشاركة فيها أو تمويلها… الخ. ولكن بشكل عام كانت الاتفاقية تهدف إلى التأكيد على تعزيز الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب وأهمية العمل الجماعي في مواجهه الإرهاب لحماية الحقوق والحريات الأساسية للإنسان وخصوصا حق الحياة.


[1]الأمم المتحدة، “الأمم المتحدة في مواجهه الإرهاب: تنفيذ الاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب”، http://goo.gl/2pBy75

[2] موقع الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، “الاستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب”، http://goo.gl/D9TJju

[3]موضوع، “ما هي الحقوق السياسية”، 25 سبتمبر 2014، http://goo.gl/XH13Jx

[4]موضوع، “ما هي الحقوق المدنية”، 30 سبتمبر، 2014، http://goo.gl/l6o628

[5]موقع الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، “الاستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب”، http://goo.gl/D9TJju

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [529.73 KB]

Start typing and press Enter to search