حزب المصريين الأحرار بين الشعارات والممارسات
شيماء الشرقاوي
مصر
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [563.96 KB]

مقدمة:

حقق حزب المصريين الأحرار في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لعام 2015 نتائجا ملحوظة حاصلا على لقب حزب الأغلبية بفوزه بـ65 مقعدا، فقد حصد في المرحلة الثانية من الانتخابات 21 مقعدا، إلى جانب 3 مقاعد ضمن قائمة في حب مصر، وفى المرحلة الأولى على 36 مقعدا في الفردي، و5 مقاعد في القائمة.[1]

وتعد هذه هي الانتخابات الثانية التي يخوضها الحزب بعد تأسيسه في عام 2011، بعد انتخابات البرلمان لعام 2012، والتي كان وقتها ضمن تحالف الكتلة المصرية ممثلا لنحو 50% من قوائمها التي فازت بـ33 مقعدا كان نصيبه منها 14 مقعدا.[2]

يطرح الفارق الملحوظ بين النتائج عدة تساؤلات هامة حول التحولات في أداء الحزب وخطابه السياسي خلال الثلاث سنوات التي فصلت بين الاستحقاقين، ما أدى لحدوث هذه الطفرة في النتائج التي وصل لها في انتخابات مجلس النواب الأخيرة.

  • أبرز إشكالات مشاركة الحزب في انتخابات مجلس النواب 2015:

مع بداية السباق الانتخابي، وقبل التطرق لأداء الحزب في الانتخابات، يجب الإشارة للعديد من التساؤلات والشكوك حول الكيفية التي ستدير بها الأطراف السياسية العملية الانتخابية في إطار سياق سياسي يشوبه الاستقطاب.

تعد قضية المال السياسي من أهم القضايا التي برزت مرة أخرى على الساحة الانتخابية والذي لا يعني فقط الاعتماد على الرشاوى الانتخابية بقدر ما يعني سيطرة رجال الأعمال على تمويلات الحملات الانتخابية والدفع بمرشحين بعينهم لخوض الانتخابات.

يشارك رجال الأعمال بكثافة في هذه الانتخابات سواء كمرشحين أو داعمين للأحزاب والقوائم المشاركة. ويعد أبرزهم نجيب ساويرس، مؤسس حزب المصريين الأحرار. ورغم أن الرجل غير مرشح في الانتخابات، إلا أن حزبه نافس بقوة على أكثر من 200 من المقاعد الفردية؛ أي ما يقترب من نصف عدد المقاعد الفردية في المجلس، ويخوض حزب الوفد الانتخابات تحت زعامة رجل الأعمال السيد البدوي الذي يمتلك عدة قنوات تلفزيونية. كما يتزعم رجل الأعمال أكمل قرطام حزب المحافظين، وقد أعلن أن حزبه ينافس على 40 مقعدا، كما أنه يشارك في قائمة “في حب مصر” بالرغم من الدخول في تفاوض قد يؤدي إلى الخروج منها وبعد ذلك تم التراجع عن هذا القرار وفاز قرطام بمقعد في البرلمان عن قائمة في حب مصر.[3] بالإضافة إلى ذلك نجد حزب مستقبل وطن والذي أعلن رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة عن دعمه له.[4]

وفي هذا الشأن لم يكن حزب المصريين الأحرار بمنأى عن هذه الشكوك خاصة مع اعتبار المصريين الأحرار أحد أقوى الأحزاب التي استطاعت حصد أكبر عدد من المقاعد في البرلمان سواء بالنظام الفردي أو على القوائم، وأن مؤسس الحزب هو من أغنى رجال الأعمال في مصر، وقد جاء رد فعل الحزب على هذه التساؤلات على لسان محمود العلايلي – أمين لجانه النوعية وعضو هيئته العليا في حوار له مع بوابة الشروق، بأن مصطلح الحزب الأغنى “ليست نقيصة منا، ولا يندرج هذا تحت بند «المال السياسي»، ولكنها قدرات يجب علينا استثمارها في تفعيل دورنا برلمانيا وشعبيا، وما يميز المصريين الأحرار عن أحزاب 25 يناير هو استدامة التمويل، ونعترف بأنه شيء جوهري في استمرار الحزب حتى الآن، لكن الأهم من ذلك وجود البرامج والرؤى السياسية الكفيلة بالإبقاء على الحزب أطول فترة ممكنة”.[5]

في نفس الوقت، جاءت تأكيدات شهاب وجيه المتحدث باسم المصريين الأحرار، أن المال السياسي لن يكون له دور فعال في الانتخابات القادمة؛ لأن الشعب أصبح أكثر وعيا، مشددا على أن زمن الرشاوى والمال السياسي انتهى. وأن الحزب قرر عقد عدد من الندوات والمؤتمرات الجماهرية في بعض المدن، يحضرها أعضاء وقيادات الحزب؛ وذلك لتعريف المواطنين بأفكار الحزب ومبادئه، وملامح برنامجه.[6]

من أهم الإشكالات التي تم طرحها أيضا أثناء السياق الانتخابي هي إشكالية عودة عناصر وأفراد من فلول الحزب الوطني المنحل إما عن طريق دخولهم الانتخابات كمستقلين أو عن طريق انضمامهم لأحزاب مختلفة، حيث شهدت الانتخابات في الجولة الأولى خوض 163 شخصا من أعضائه سواء كانوا نواب سابقين بالبرلمان، أو أعضاء مجلس محلي.[7]

وفي هذا السياق كان هناك العديد من التساؤلات حول ضم ودعم حزب المصريين الأحرار لعناصر وأفراد محسوبة على الحزب الوطني المنحل، وجاء الرد في هذا الخصوص بثبوت صحة هذه الأنباء أو الادعاءات وبأن “المصريين الأحرار لا يجد أي إشكالية في التعاون أو ضم أي من أعضاء الحزب الوطني المنحل”، وذلك في حوار لأمين الهيئة العليا للحزب مع بوابة الشروق، حيث أكد أنه “لم يعد هناك كيان سياسي باسم «الحزب الوطني»، وبأن كوادره تفرق شملهم بين الانسحاب والانخراط في الكيانات الحزبية، وأن انتقال الكوادر السياسية من الأحزاب وبعضها ليست بدعة على مصر لأنها منتشرة في العالم.. ولا نعترض على ترشح أي عضو سابق بالحزب الوطني على قوائمنا مادام يخضع للمعايير التي حددها الحزب”.[8] وقام الحزب بالفعل بدعم مرشحين من ضمن أعضاء الوطني المنحل للفوز بانتخابات البرلمان 2015، على سبيل المثال، وهنا تبرز إشكالية هامة تتعلق بمدى اتساق الحزب مع مبادئه المعلنة، حيث يؤكد على كونه حزب يؤمن بمبادئ ثورة 25 يناير، وهي الثورة التي بموجبها تم حل الحزب الوطني لضلوعه في إفساد الحياة السياسية لمدة 30 عاما. ففي الإسكندرية، دائرة كرموز فاز محمد رمضان محمد، وشهرته «سامي رمضان» مرشح الوطني سابقا وحزب المصريين الأحرار حاليا، أيضا في الجيزة بدائرة أوسيم والوراق فاز أحمد يوسف عبد الدايم‏، وفي محافظة قنا عن دائرة نقاده فاز العمدة صبري داوود.[9]‏وعن عدد النواب الفائزين عن حزب المصريين الأحرار المنتمين للوطني سابقا، لم يعلن الحزب عن الأرقام الفعلية، حيث رفض المتحدث الإعلامي للحزب شهاب وجيه بإعلان عدد الفائزين من الحزب بالمقاعد البرلمانية ممن كانوا أعضاء سابقين بالحزب الوطني المنحل، قائلا إن الحزب لا يفرق بين أعضائه على أساس انتماءات سياسية سابقة، طالما يؤمنون بأهداف المصريين الأحرار وبرنامجه.[10]

تأتي القضية الأخرى التي تبرز في سياق أداء المصريين الأحرار في الانتخابات البرلمانية، قضية الخطاب السياسي والشعارات الانتخابية. حيث جاءت حملات الحزب الانتخابية ومبادئ برنامجه لتتركز شعاراتها على “القضاء على الفقر”، فالحزب يولي اهتماما كبيرا لملفات الاقتصاد والصناعة والتعليم والسياحة وتحرير أسعار الطاقة من أجل وصول الدعم لمستحقيه، كما يستهدف البرنامج الاقتصادي للحزب القضاء على الفقر من خلال حزمة من الإجراءات والتشريعات، منها قوانين الاستثمار والعمل، حتى نجد بعد عامين من الآن «مصر بلا فقراء». وتتمثل الرؤية الاقتصادية للقضاء على الفقر في استبدال الدعم العيني بالنقدي، الذي يضمن وصول الدعم لمستحقيه، لأن الدولة غير قادرة على تلبية احتياجات المواطنين، كونها لم تقدر الشرائح الاجتماعية التي يجب أن يصل إليها دعم الطاقة.[11] وفي حوار له مع بوابة الشروق أكد أمين الهيئة العليا للحزب بأن “لا شك أن إنجازات مؤسس الحزب، نجيب ساويرس، الاستثمارية تعطى لنا مصداقية كبيرة”.[12]

في هذا السياق يبرز تناقضا بين ما يطرحه الحزب من شعارات وبين السياسات والأهداف المعلنة له، على الرغم من أن الحزب يتبنى النموذج الرأسمالي القائم على تحرير الاقتصاد كنموذج اقتصادي، إلا أنه يرفع شعارا تقدميا معني بالفقراء والأقل حظا وهنا يبرز التناقض حيث أن أغلبية أعضاء الحزب ينتمون لشريحة رجال الأعمال التي حتى وان كانت تمتلك رؤى اقتصادية خاصة بالفقراء فهذه الرؤى كما هو ظاهر ترتبط بالإعانات وتقديم المساعدات للفقراء والأقل حظا ولكن هذه الرؤى لا ترتبط بوضع سياسات حقيقية لتمكين المواطنين اقتصاديا، وهنا تثار العديد من التساؤلات حول مدى صدق الشعارات التي يرفعها الحزب ومؤسسه.

في إطار آخر، عند العودة لتوجه الحزب وأهدافه نجد أن حزب المصريين الأحرار، يعرف نفسه بصقته حزبا ليبراليا، ويؤكد من ضمن أهدافه على أنه لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات، دون أي تمييز، بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وألا يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلاد.[13] وعلى الرغم من ذلك لا نجد أن حملة الحزب أو برنامجه في هذه الانتخابات قد تعرضت بأي شكل من الأشكال لحقوق وحريات المواطنين والانتهاكات التي يتم تسجيلها وفي المقابل يركز الحزب جل خطابه السياسي على “محاربة الفقر” وهو أمر يدعو للتساؤل حول مدى وضح الأهداف والأفكار التي يتبناها الحزب. وفي نفس السياق نجد، “عزيزي الناخب…عندما تذهب إلى صندوق الانتخابات ابحث عن مرشح المصريين الأحرار.. تأكد أن وراء هذا المرشح حزبا كان داعما لثورتي 25 يناير و30 يونيو، حزبا يقف بجانبه ويدعمه لتحقيق أهدافنا في القضاء على الفقر وإحداث طفرة ونمو في الاقتصاد المصري بمساعدة فلاحي وعمال مصر“. كان هذا أحد الدعاية الانتخابية التي اعتمد عليها الحزب وتبرز الإشكالية هنا في أنه على الرغم من هذا الشعار فقد ضم الحزب أعضاء سابقين في الحزب الوطني المنحل بل ويظهر هنا نفس التساؤل حول مدى صدق الشعارات التي رفعها الحزب لحصاد الأصوات خلال الانتخابات وهل ستترجم هذه الشعارات إلى تبني مواقف وسياسات داعمة لحقوق وحريات المواطنين أم لا.

 

 

  • أداء الحزب في انتخابات برلمان 2015:
  • التحالفات والدوائر الانتخابية:

دفع حزب المصريين الأحرار في انتخابات مجلس النواب بـ227 مرشحا في 163 دائرة انتخابية، وعلى عكس الحال في انتخابات البرلمان 2012 والتي خاضها الحزب ضمن تحالف الكتلة المصرية، دفع الحزب بمرشحين في هذه الانتخابات من خلال قائمة في “حب مصر” حيث شارك في القائمة بـ9 أعضاء فقط، بوصفهم في النهاية هم أعضاء بالحزب سيمثلون ضمن كتلته البرلمانية بالمجلس، لكون القائمة تحالفا انتخابيا سينتهى بمجرد عبور مرحلة إعلان نتائج التصويت. وفي المقاعد الفردية لم يدخل الحزب ضمن أي تحالفات بل خاض الانتخابات منفردا، فقد نافس على دوائر المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية بـ 108 مرشحا، حيث دفع بـ16 مرشحا عن دوائر محافظة الجيزة، وكانت أبرز الدوائر ضمن الجيزة بعد دائرة الدقي والعجوزة والتي تم الدفع فيها بأحمد مرتضى منصور، دائرة الهرم والتي شارك فيها بترشيحه للدكتور مجدى البطران وهو أحد أعضاء الحزب الوطني السابقين، كذلك الدكتور أيمن أبو العلا الأمين العام المساعد للحزب عن دائرة 6 أكتوبر. وفي محافظة قنا قام الحزب بضم أعضاء ذوي شعبية في المحافظة لأسباب قبلية، وخاض الانتخابات بـ11 مرشحا، منهم على سبيل المثال عادل أبو الليل ابن قبيلة القليعات “هوارة”، العمدة جمال قاعود ابن قبيلة “عرب رفاعة”، اللواء خالد خلف الله ابن قبائل “هوارة الهمامية”، اللواء سيف نصر الدين ابن قبيلة “العرب” وحسين الوكيل ابن قبيلة “هوارة أولاد يحي”. وفي الإسكندرية، خاض الحزب الانتخابات على المقاعد الفردية بـ8 مرشحين، بالاعتماد أيضا على الأشخاص ذوي الشعبية مثل رئيس النادي الأوليمبي. وفي البحيرة، دخل الحزب السباق بـ 7 مرشحين للمنافسة على 6 دوائر انتخابية، فقد دفع بأمين أمانة الحزب بالمحافظة اللواء أحمد سليمان خليل للمنافسة على الفوز بالمقعد البرلماني عن دائرة كوم حمادة، ورجل الأعمال مجدي عطية رئيس نادي ألعاب دمنهور سابقا للدخول في السباق الانتخابي عن دائرة مركز وبندر دمنهور. وفي البحر الأحمر، أبرز ما دفع بهم الحزب في دوائر البحر الأحمر ضمن اثنين من المرشحين اللواء محمد مقيشط القيادي بالحزب، عن الدائرة الثانية ” القصير – سفاجا – مرسي علم “.[14] وفي المرحلة الثانية، كانت القاهرة في المقدمة بـ30 مرشحا، موزعين على 24 دائرة انتخابية، وفى النهاية من حيث أعداد المرشحين تأتى محافظة بورسعيد، التي دفع فيها الحزب بمرشح واحد فقط، ‏فضلا عن مرشحي الحزب على قائمة “في حب مصر‎.[15]

وخلال العملية الانتخابية اعتبر حزب “المصريون الأحرار”، وحزب النور ذو التوجه السلفي أبرز الأحزاب المتنافسة على المقاعد الفردية. وقد بدأ الحزب حملة انتخابية ضخمة في قنواته التي يملكها رجل الأعمال نجيب ساويرس، وفي الشارع الانتخابي. وقد نافس الحزب على أكثر من 44 في المئة من عدد المقاعد. أما حزب النور فقد أعلن أنه سيخوض الانتخابات على 60 في المئة من دوائر الجمهورية كممثل وحيد للتيار الاسلامي. وبدأ النور حملته الانتخابية بترشيح عدد من النساء المنتقبات على قائمته بجانب عدد من المسيحيين. كما تنافست أيضا أحزاب تمثل ائتلاف الجبهة المصرية، وتيار الاستقلال، وحزب مستقبل وطن المدعوم من رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة والذي حصد المركز الثاني من حيث عدد المقاعد بعد حزب المصريين الأحرار.[16]

  • النتائج: وجاءت النتيجة بفوز الحزب بـ65 مقعدا في البرلمان، ‏مع وجود 10 محافظات (الفيوم- بني سويف-البحيرة-كفر الشيخ-القليوبية-الإسماعيلية-دمياط-جنوب سيناء-السويس-بورسعيد) لم يفز بها أيا من مرشحي الحزب وكان عددهم 56 من أصل 227 مرشح. وكان النصيب الأكبر للقاهرة من حيث عدد النواب الفائزين، ويمكن رؤية المحافظات المختلفة التي نجح بها الحزب كالتالي:

 

النسبة من عدد المرشحين عدد الناجحين عدد المرشحين المحافظات التي نجح بها الحزب
43% 13 30 القاهرة
38% 6 16 الجيزة
50% 4 8 الإسكندرية
42% 5 12 الغربية
18% 2 11 الدقهلية
45% 5 11 قنا
46% 6 13 سوهاج
20% 2 10 الشرقية
11% 1 9 المنوفية
57% 8 14 المنيا
50% 1 2 البحر الأحمر
50% 3 6 أسوان
29% 2 7 البحيرة
17% 2 12 أسيوط
50% 2 4 الوادي الجديد
50% 3 6 الأقصر
0% 0 56 باقي المرشحين
28.60% 65 227 إجمالي المرشحين

 

خاتمة وخلاصات:

مهما بلغت التوقعات في المرحلة السابقة عن الانتخابات، جاءت هذه الانتخابات لتحمل عددا كبيرا من المفاجآت المتعلقة بأداء الأحزاب المختلفة وأيا كانت هذه الانتخابات، فهي كانت بمثابة فرصة –إن صح القول- لولادة لعديد من الأحزاب كان من المتوقع لها الخفوت بشكل كبير. وعلى رأس هذه الأحزاب يأتي حزب المصريين الأحرار والذي حصد الأغلبية داخل البرلمان بحصوله على 65 مقعدا.

هنا يثار العديد من التساؤلات حول مدى التغيير الذي طرأ على الحزب منذ أول انتخابات خاضها في عام 2012 والتي حصد فيها كما سبق وأسلفنا على 14 مقعدا وهو أقل من ربع عدد المقاعد التي حصل عليها في هذه الانتخابات. من أهم هذه التساؤلات هو: ما ماهية التحول الذي طرأ على الخطاب السياسي للحزب في هذه الفترة؟ وهنا نجد أن كلمة السر هي الموائمات السياسية، فقد استطاع الحزب أن يكون خطابه السياسي ملائما للأحداث، فحينما كان المد الثوري هو المسيطر على الوضع السياسي في عام 2012، كان الحزب متبنيا خطابا مدنيا في ظل الاستقطاب الإسلامي المدني الذي كان مسيطرا على انتخابات 2012. وهذا الوضع اختلف كليا في ظل السياق السياسي الحالي المبني بشكل أساسي على وجوب دعم الدولة في حربها ضد الإرهاب حتى مع وجود ممارسات قمع وانتهاك للحقوق والحريات، وهذا ما احتواه الخطاب الحزبي في مرحلة الانتخابات وما قبلها وهو التأكيد على دعم الدولة والقيادة السياسية، وربما هذا يفسر النتائج التي حققها الحزب في هذه الانتخابات إلى جانب عوامل أخرى. ولم يقتصر الأمر على الخطاب فقط، بل امتد ليشمل فواعل أخرى، ففي هذه الانتخابات قام حزب المصريين الأحرار بضم عدد من الأعضاء ذوي الشعبية في دوائرهم ربما لأسباب عصبية وقبلية كما هو الوضع في الصعيد، أو لأسباب أخرى تتعلق أيضا بدعم الدولة، ولكن الإشكالية في ضم هذه العناصر على الرغم من قدرتهم على تحقيق نتائج ناجحة كما أشار المتحدث باسم حزب المصريين الأحرار، “أن سبب تحقيق الحزب نجاحا ملحوظا في المرحلة الأولى في الانتخابات، يرجع ‏إلى اختياره لنواب ذوي شعبية كبيرة بين المواطنين”، موضحا أن “البرلمان المقبل سيتخذ قرارات صعبة للغاية وقد تتسبب في ‏حدوث الكثير من الأزمات، إذا لم يكن هناك نوابا يتمتعون بشعبية وقادرين على إقناع الناس”، هو كونهم على سبيل المثال أعضاء سابقين في الحزب الوطني المنحل.[17]

ربما حققت الموائمة السياسية للحزب نتائجا ملحوظة من حيث عدد المقاعد، ولكن تبرز هنا إشكالية هامة وهي كيف سيستطيع الحزب الحفاظ على تماسكه وخطه الحزبي في ظل الاختلافات والتنوعات بين أعضاءه، كيف سيحافظ الحزب على مبدأ الالتزام الحزبي، حينما يخالف أحد أعضائه برنامج الحزب؟. ولعل ما حدث في الأسبوع الأخير من ديسمبر2015، يعد مؤشرا على الأزمات التي من الممكن أن يواجهها الحزب والتي قد تهدد تماسكه داخل البرلمان وربما يصل الأمر لخسارته الأغلبية، حيث دعا المكتب السياسي للحزب أعضاءه إلى اجتماع عاجل، لاتخاذ ما وصفه بـ«إجراءات قانونية» ضد النواب الذين انضموا لائتلاف «دعم مصر»، باعتبارهم مخالفين للقرار الذى أصدره الحزب قبل أسبوع، برفض الانضمام لهذا الائتلاف. كان ائتلاف «دعم مصر»، قد عقد اجتماعا، يوم 18 ديسمبر 2015، بأحد فنادق القاهرة، حضره نحو 10 نواب ينتمون لحزب المصريين الأحرار، ووقعوا على وثيقة اللائحة الداخلية للائتلاف، ليعلنوا بذلك انضمامهم له. وقال شهاب وجيه، المتحدث الرسمي باسم «المصريين الأحرار»، إن أعضاء المكتب السياسي للحزب منقسمون ما بين مطالبين بإقالة المنضمين لـ«دعم مصر» من الحزب، وآخرون يرون أن مجرد قبول النواب حضور الاجتماع وقبول الوثيقة بمثابة إعلان لاستقالتهم، مشيرا إلى أنه ستتم دعوة النواب الذين وقعوا على الوثيقة للتحقيق معهم في الحزب، لاتخاذ قرار بشأنهم، وأنه قد يصل الأمر إلى فصلهم من الحزب. وأضاف «وجيه»، في حوار أجراه مع «المصري اليوم»، أن حزبه يرى ائتلاف «دعم مصر» حزبا سياسيا غير رسمي أو معلن، وأن المادة 18 من وثيقته تلزم أعضاءه في البرلمان بالتصويت في اتجاه محدد مع كتلة الائتلاف، وهذا النص من الوظائف الأصلية للأحزاب وليس الائتلافات السياسية، رغم أنه ليس كيان سياسي قانوني، أو جمعية أهلية مسجلة.[18]

في نفس الإطار تبرز أيضا تساؤلات حول قدرة الحزب على العمل داخل البرلمان من حيث التجانس ومن حيث التأثير ومن حيث العلاقة بباقي الكيانات داخل البرلمان، ويعد هذا أيضا من أهم العوامل التي من شأنها التأثير في مصير الحزب، وعلى الرغم من الأزمة التي خلقها ائتلاف دعم مصر داخل الحزب إلا أن عصام خليل الفائز برئاسة حزب المصريين الأحرار قال “الحزب مستعد للتنسيق داخل البرلمان مع كافة القوى السياسية في الموضوعات المتعلقة بتنظيم العمل داخل البرلمان”، لافتا إلى “استعداد «المصريين الأحرار» للجلوس مع تحالف «دعم مصر» وباقي الأحزاب للمناقشة حول تشكيل اللجان واختيار وكلاء مجلس النواب”، وأوضح أن “الخلاف مع ائتلاف «دعم مصر» كان بسبب طريقة تشكيل التحالف فقط، وهذا لن يتعارض مع التعاون داخل المجلس لوضع الأطر السياسية لتنظيم الحياة السياسية، والعمل لصالح الوطن”.

ربما نجح الحزب في تحقيق نتائج جيدة من حيث دخوله البرلمان ولكن يبقى مصير نجاح الحزب رهينا بضرورة توضيحه لمبادئه وأفكاره التي يتبناها، أيضا أداء الحزب داخل البرلمان و قدرته على إدارة الأزمات الداخلية والتي من المتوقع أن تتفاقم إذا لم يفعل الحزب الالتزام الحزبي من حيث خطابات نوابه وأعضائه وأدائهم السياسي، على سبيل المثال مواقف النواب عن الحزب من القوانين التي من المفترض أن تتم مراجعتها من قبل مجلس النواب والتي يندرج تحتها قوانين مثيرة للجدل كقانوني الاستثمار الجديد والخدمة المدنية[19] في ظل تأكيد خطاب الحزب أثناء الانتخابات على محاربة الفقر وتحقيق نمو للاقتصاد المصري.

أيضا مدى قدرة الحزب على إدارة العلاقة مع القوى السياسية الأخرى داخل البرلمان، فامتلاك الحزب الأكثرية العددية لا يعني بالضرورة إمكانيته في التأثير على مسار العمل داخل البرلمان، وفي هذا السياق من الممكن أن تأتي المفاوضات بين الحزب وحزبي الوفد والمؤتمر لتشكيل تكتل برلماني في مواجهة تحالف دعم مصر كإشارة عن محاولات الحزب التنسيق مع قوى سياسية أخرى للعمل والتأثير داخل البرلمان، حيث أشار شهاب وجيه، المتحدث باسم حزب المصريين الأحرار إلى أن حزب المصريين الأحرار لا يسعى إلى تشكيل تحالف سياسي تحت قبة البرلمان بالمعنى الحرفي، ولكنه يسعى إلى التنسيق مع بعض الأحزاب، وفي مقدمتها حزبا الوفد والمؤتمر في بعض التشريعات والقوانين الهامة.[20]

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] «المصريين الأحرار»: حصلنا على أكثرية «النواب» بـ65 مقعدا، بوابة الشروق، الجمعة 4 ديسمبر 2015، http://goo.gl/zydUXF

[2] قراءة في نتائج الانتخابات المصرية، الجزيرة نت، 22 يناير 2012، http://goo.gl/A7HjdQ

[3] مصر: أبرز ملامح انتخابات 2015 البرلمانية، بي بي سي العربية، 14 أكتوبر 2015، http://goo.gl/f3KntA

[4] رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة: موّلت حزب «مستقبل وطن» حتى لا تموله أجهزة مخابرات أجنبية، المصري اليوم، 6 نوفمبر 2015، http://is.gd/Jm3HUv

[5] محمود العلايلي لـ«الشروق»: «المصريين الأحرار» يستهدف «مصر بلا فقراء» خلال عامين، بوابة الشروق، الإثنين 21 سبتمبر 2015، http://goo.gl/dqLxIZ

[6] شبح المال السياسي يسيطر على البرلمان القادم، بوابة الشروق، 3 يناير 2015، http://goo.gl/2z9LNh

[7] خريطة أعضاء الحزب الوطني في «جولة الإعادة» (تقرير)، المصري اليوم، 23 أكتوبر 2015، http://is.gd/PmR06i

[8] محمود العلايلي لـ«الشروق»: «المصريين الأحرار» يستهدف «مصر بلا فقراء» خلال عامين، بوابة الشروق، الاثنين 21 سبتمبر 2015، http://goo.gl/dqLxIZ

[9] بالأسماء.. أعضاء «الوطني المُنحل» يحصدون 30% من مقاعد المرحلة الأولى لـ«النواب»، المصري اليوم، الخميس 29 أكتوبر 2015، http://is.gd/9oNnV9

[10] “المصريين الأحرار” يرفض إعلان عدد الفائزين من “الوطني” لديه، دوت مصر، 2 نوفمبر 2015، http://goo.gl/XPU3Id

[11] الوثيقة الانتخابية لـ”المصريين الأحرار”، 30 سبتمبر 2015، الموقع الرسمي للحزب: http://goo.gl/0PsQMc

[12] محمود العلايلي لـ«الشروق»: «المصريين الأحرار» يستهدف «مصر بلا فقراء» خلال عامين، بوابة الشروق، الاثنين 21 سبتمبر 2015، http://goo.gl/dqLxIZ

[13] الموقع الرسمي لحزب المصريين الأحرار، http://goo.gl/0GNE1C

[14] أسماء مرشحي «المصريين الأحرار» على دوائر المرحلة الانتخابية الأولى، الموقع الرسمي لحزب المصريين الأحرار، 22 سبتمبر 2015، http://goo.gl/EJgCzW

[15] خريطة المصريين الأحرار في الانتخابات، موقع برلماني، 7 نوفمبر 2015، http://goo.gl/6cSrUd

[16] مصر: أبرز ملامح انتخابات 2015 البرلمانية، بي بي سي العربية، 14 أكتوبر 2015، http://goo.gl/f3KntA

[17] «المصريين الأحرار»: خسارة «رموز برلمانية كبيرة» يشير لتغير نمط تصويت المصريين، بوابة الشروق، 30 أكتوبر 2015، http://goo.gl/AgUvzV

[18] أزمة بـ«المصريين الأحرار» بعد انضمام 10 من نوابه لـ«دعم الدولة»، 20 ديسمبر 2015، المصري اليوم، http://is.gd/ElJMhW

[19] زياد بهاء الدين، مهمة البرلمان الأولى: مراجعة 340 قانون، بوابة الشروق، 11 يناير 2016، http://goo.gl/QpNZzA

[20] مشاورات بين «الوفد» و«المصريين الأحرار» و«المؤتمر» لتشكيل تكتل يواجه «دعم مصر»، بوابة الشروق، 15 يناير 2016، http://goo.gl/ThTiHM

Start typing and press Enter to search