عرض كتاب: إعادة إنتاج الديمقراطية
شيماء الشرقاوي
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [711.91 KB]

يتحدث الكتاب في البدء عن أن ما يشهده العالم مؤخرا من انتفاضات في دول مختلفة عبارة عن حالة عالمية من التعبير عن الرفض، وبالتالي فهي حالة لخلق مجالات أوسع من الحرية والاستقلال. هذه الاحتجاجات التي تحدث حول العالم ظهرت في سياق كان يرى فيه وسائل الإعلام وبعض الأكاديميين أن الشعوب لا تهتم بالسياسة بل هي ضد السياسة. ترتبط هذه الحالة من العداء للسياسة أو اللامبالاة السياسية بشكل كبير بالأيديولوجية الليبرالية الجديدة أو (Neo-Liberalism) وترتبط أيضا بشكل الديمقراطية التمثيلية الحالية. أثبت الحراك على المستوى الشعبي خطأ هذه الفرضية وأن الشعوب ليست معادية للسياسة بل هي ضد السياسة بشكلها الحالي الممثل في الديمقراطية التمثيلية. شهد العالم العديد من الأحداث التاريخية التي أحدثت تغييرات هائلة مثل الثورات في منتصف القرن التاسع عشر ونضال الطبقة العاملة في وقت مبكر من القرن العشرين، والتحولات السياسية والثقافية الهائلة المناهضة للاستعمار في ستينيات هذا القرن. وهناك اعتقاد بأن العالم على وشك أن يدخل حقبة تاريخية هامة أخرى، وهذا في سياق الاحتجاجات والرفض العالمي المتزايد للديمقراطية التمثيلية، فتجمعت الجماهير التي لم تكن منظمة في السابق، وذلك باستخدام أشكال الديمقراطية المباشرة للبدء في إعادة ابتكار طرق للتجمع فمثلا عن طريق وسائل الاتصال الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي أصبح من الممكن التواصل بطرق مختلفة لم تكن متاحة في السابق. يجدر القول إن جوهر الحراك الحالي ليس ثورة شبكات التواصل الاجتماعي كما يرى البعض، بل جوهر هذا الحراك هو إنشاء علاقات اجتماعية جديدة وخلق مساحات عامة مختلفة.

يرى البعض أن ظهور هذه الحركات الجديدة يُعد قطيعة مع الماضي والوسائل القديمة للتنظيم والعلاقات الاجتماعية ولكن هذه القطيعة من شأنها أن تخلق وسائل جديدة للتنظيم والاجتماع وتحولات في علاقات القوة داخل الحركات نفسها والمجتمع بأكمله وخاصة في علاقتهم بالمؤسسات. تتميز هذه الحركات أيضا بأنها لم تتكون من لاعبين سياسة تقليدين كالأحزاب والاتحادات العمالية. خلقت هذه الحركات والمجموعات أشكال جديدة لفض النزاعات وهذه الأشكال الحديثة من العلاقات تعبر بشكل ما عن الديمقراطية المباشرة حتى وان اختلفت بين كل حركة فهي بشكل أكبر تشكل ظاهرة عالمية جديدة. تطرح هذه الحركات تساؤلات عدة حول ماهية الديمقراطية وحول الفصل بين المجالات السياسية، الاقتصادية والاجتماعية.

نجد أن معظم الحركات التي يناقشها الكتاب ظهرت في سياق إقليمي مختلف، ولكن نجد أن بينهم العديد من الصفات المشتركة. في العديد من الحالات يكون احتلال المساحات العامة ردا على خصخصة هذه المساحات لمن يمتلكون رأس المال وعلى أن المدن للجماهير وليست لرجال الأعمال. يقوم هذا الكتاب على توصيف للحركات التي تعمل منذ 2011، وتوضيح الكيفية التي رفضوا بها وقاموا من خلالها بطرح تساؤلات حول مفهوم الديمقراطية.

في الفصل الأول: يتم وضع الخطوط العريضة لبعض المفاهيم الرئيسية التي يقوم عليها تنظيم كثير من الحركات مثل القطيعة مع الماضي، والعلاقات الأفقية، والديمقراطية. ثم محاولة قراءة أعمق لهذه المفاهيم، وكيف تم ربطها بواقع الحركات على مدى العقدين الماضيين في أمريكا اللاتينية. أما الفصل الثاني فهو مكرس لمفهوم الديمقراطية، فيهتم بعرض مفهوم الديمقراطية التمثيلية والليبرالية في ظل الرأسمالية. ثم يوضح بعض التجارب المعاصرة والتاريخية من أشكال الديمقراطية المباشرة والتشاركية. أما الفصول من الثالث للخامس فتقوم باستكشاف الحركات في اليونان، حركة الخامس عشر من مايو في إسبانيا، وحركة “احتلوا وول ستريت” في الولايات المتحدة. وأخيرا، يتم في الفصلين السادس والسابع ربط خبرات وتجارب الحركات في الأرجنتين وفنزويلا بمفهوم الديمقراطية.

الفصل الأول: Grounding the new globally:

يتعرض هذا الفصل لعدد من المفاهيم المرتبطة بأساليب الحركات العالمية الجديدة مثل القطيعة مع الماضي(rupture)، القوة الجماهيرية، الانتشار الأفقي (Horizontalism)، والإدارة الذاتية، ونصرة القضايا (Protagonism).

القطيعة مع الماضي (Rupture): يتعامل المفهوم مع الفكرة التي تستند عليها الحركات الجديدة من حيث القطيعة مع كل الوسائل والأساليب التي اتبعتها الحركات سابقا في التنظيم أو علاقات القوة أو حتى في رؤية الأشياء. تكون أحيانا الدوافع خارجية مثل حدوث زلزال أو تعرض الدولة للانهيار الاقتصادي فتتجمع الناس لمساعدة بعضهم البعض خاصة مع انهيار مؤسسات الدولة الرسمية، فيكتشف الناس أنهم بحاجة لأفكار وبدائل جديدة لمواجهة تحدياتهم. فمثلا معظم التحركات حول العالم في عامي 2011 و2012 اتبعت تقريبا نفس أسلوب احتلال المساحات العامة، وقام عدد من المشاركون في هذه التحركات بوصف هذه الأفعال باعتبارها قطيعة مع الأساليب القديمة في الاحتجاجات.

في اليونان على سبيل المثال، أجبرت الأزمة معظم الناس على طرق جديدة للتفكير في الاستهلاك. عني ذلك للكثير أنهم سيكونوا أقل استهلاكا، ولكن بالنسبة للآخرين فقد أدى ذلك إلى وسائل مبتكرة لتبادل المنتجات التي يحتاجونها من أجل البقاء، وآخرون بدأوا في التفكير بعمق أكثر حول ما يتم استهلاكه وإنتاجه وكيف. فحاول الناس بناء شبكات من صغار المنتجين تقوم بإرسال منتجاتها إلى أولئك الذين يريدونها. فنرى أنه هناك تغيير عام مقارنة مع ما كان الوضع عليه قبل الآن، فهو الآن يحدث في إطار مختلف مع وجود معنى مختلف. كان من قبل يعد تقليدا لصغار المنتجين، ولكن الآن هو يعبر عن حالة سياسية واعية. وإذا ما أصبح أكثر انتشارا، فإنه يمكنه أن يسحب البساط من تحت الشركات الكبرى.

في إسبانيا يرتبط الحديث عن القطيعة مع الماضي بما حدث من احتلال للميادين، وخاصة في بويرتا ديل سول وبلازا دي كاتالونيا، وكيف أن هذا أثار مخيلة السكان حول أشكال أخرى من التنظيم.

وفي الأرجنتين، فإن أحد الأمور التي تحدث في هذه اللحظات من القطيعة مع الماضي هو أن أشكال السلطة المؤسسية، لأسباب مختلفة، لا تصبح في المقدمة. تتواصل الحركات مع بعضها البعض لفترة دون تدخل فوري من الدولة، أو غيرها من أشكال الهيمنة أو السلطة الهرمية. ففي هذه اللحظات تواجه الحركات والمجتمعات الحرة تحديات هائلة، حيث أن أحد أدوار الدولة المتأصلة هو عدم قدرتها للسماح للناس بالتنظيم خارجها تماما كما أنه لا يمكن للشركات أن تسمح للناس بتشغيل اقتصاديات موازية، وبالنسبة للأحزاب السياسية، اليسار أو اليمين فمع مرور الوقت يتم تجاوزها عندما يتكون للناس تنظيم مستقل. تحاول الدولة والمؤسسات جاهدة لتدمير هذه الحركات إما عن طريق القمع المباشر، الاستقطاب، أو مزيج من الاثنين ولا تزال المؤسسات تحاول هذا في الأرجنتين ولكن لحسن الحظ، هناك مقاومة متزايدة له ومواصلة للنهج البديلة للانتشار.

الانتشار الأفقي (Horizontalism): هذا المفهوم من شأنه أن يوضح الأسس التي بنيت عليها العلاقات الاجتماعية في الحركات العالمية الجديدة. وهو يعني بشكل أساسي سياسة مؤسسة على الثقة وقطيعة مع منطق التمثيل ووسائل التنظيم الرأسية والتي تعتمد على وجود هياكل وهيراركية محددة. وهذا لا يعني عدم وجود هياكل للحركات بل تظهر هذه الهياكل في الحوكمة المستقلة والتجمعات الجماهيرية ولكن تنشأ الهياكل بصورة غير نمطية بلا تمثيل أو هيراركية للحركة. وتتميز الهياكل الجديدة التي تنشأ ليس فقط برفضها للهيراركية ولكن رفضها للأحزاب السياسية وطريقة عملها.

ففي اليونان، ولتطبيق مبدأ الانتشار الأفقي والديمقراطية المباشرة على جميع مجالات الحياة، أحد أهم المساحات لتطبيقه هي الاستهلاك. فالآن يتم تنظيم السوق بطريقة هرمية، لذلك تتحدد العلاقات بنفس الشكل كمستهلكين ومنتجين. ولكن أرادت الحركات الترويج لنوع مختلف من الاستهلاك. فعملوا على خلق شبكة اتصال مع الناس الذين ينتجون المواد الغذائية وجميع الأنواع المختلفة من المنتجات، وخلق علاقة مباشرة معهم ومعرفة ما هي أنواع الأشياء التي ينتجونها، وكيف يتم إنتاجها، وأن يكون لديهم أكبر قدر ممكن من السيطرة على ما يتم استهلاكه. بهذه الطريقة يساعد أيضا على خلق تعاونيات إنتاجية جديدة وذلك للمساعدة في تلبية الاحتياجات. وهناك أيضا شبكات المقايضة. يجب على المستهلك أن يدرك أنه هو أيضا منتج، ويجب أن يعطي شيئا في المقابل. فشبكة المقايضة، فضلا عن تلبية احتياجات الناس الحقيقية، فهي تهدف إلى جعل الاقتصاد شيئا إنسانيا مرة أخرى.

القوة الجماهيرية: يعرف الكتاب هذا المفهوم بأنه قدرة المهمشين ومن يمارس عليهم القمع على التجمع والتنسيق لهياكل تقوم بإدارة حياتهم اليومية بالتوازي مع مؤسسات الدولة، وعلى عكس الحركات التقليدية فهذه المجموعات لا تهدف الوصول للسلطة ولكن تهدف لبناء مجتمع جديد.

الجمعيات (Assemblies): يلجأ المشاركون في الحراك الاجتماعي لتكوين الجمعيات على أسس مشتركة ومن أهمها الاتفاق حول وسائل الديمقراطية المباشرة وأن الجميع يجب أن يتكلم ويُسمع.

على سبيل المثال في اليونان، في حين أن الجمعيات الجماعية واحتلال ميدان سينتاجما ثلاثة أشهر هي نقطة تحول في المخيلة الجماعية للمجتمع اليوناني، إلا أنه ينظر إليه بنفس الدرجة من الأهمية مثل ما حدث في حديقة Zuccotti في نيويورك أو ساحة ديل سول في مدريد. شارك مئات الآلاف في مختلف الجمعيات ومجموعات العمل خلال فترة الاحتلال، وحضر وشارك عدة آلاف في كل الجمعيات. يتحدث الناس بأن هذه التجربة قد غيرت منهم. كان هناك تقليد سياسي معين من التنظيم الذاتي في اليونان غالبيته من جانب الفوضويين. ولكن في حشد سينتاجما رأى كثير من الناس أن التنظيم بهذه الطريقة مكنهم على الأقل من بلورة آرائهم الخاصة والتعبير عن أنفسهم بشكل أكثر صراحة للآخرين. وبسبب التاريخ القوي لمجالس الأحياء واستخدام الديمقراطية المباشرة تحول هذا الحراك من الساحة المركزية في مدينة أثينا إلى أحياء مختلفة بشكل طبيعي وسريع. ففي كثير من الحالات تطورت المجالس المحلية في نفس وقت احتلال ميدان سينتاجما وفي حالات أخرى كان هناك بالفعل جمعيات محلية قائمة.

وفي إسبانيا، في جميع أنحاء العالم، حيث يتم تشكيل الجمعيات وتتم تجربة الديمقراطية المباشرة، قام المشاركون باختراع طرق لضم المزيد من الناس في المشاركة، والتواصل، وخلق أشكال أعمق من الديمقراطية. وتعتبر الجمعيات العمومية كأماكن للقاء والنقاش والمعلومات، والتفكير، واتخاذ القرارات، اعتمادا على ما يجري مناقشته، يتم تعريف آليات الانتشار الأفقي، حيث الجميع لديه نفس الحق في الكلام، ويتم الترويج للاحترام والتسامح. من البداية، بدأت تظهر الموافقة بالإجماع بشكل عفوي وطبيعي، وعندها لا يمكنك أن تحيد عن الإجماع لأنه الجمعيات كانت تعمل بهذه الطريقة، ولا يمكن أن تجد وسيلة أو عملية لكسر الموافقة بالإجماع، أحد الأمثلة التي تدل على التحديات التي واجهت تقنية الموافقة بالإجماع كان الاقتراح الذي تقدمت به مجموعة العمل والتعليم. فقد اقترحوا الاتفاق على أن التعليم يجب أن يكون عاما وحرا وذا نوعية جيدة، وعلمانيا. وأبدى الجميع الموافقة باستخدام إشارات اليد باستثناء شخص واحد فقط الذي اعترض على الاقتراح بأن التعليم يجب أن يكون علماني لذلك تم رفض هذا الاقتراح. فالإجماع فكرة جيدة، ولكن أحيانا يصل إلى الحد الذي يجعله لا يمكن أن يستمر بما يسمح للديمقراطية بأن تكون عملية مرنة وديناميكية وليست عملية بيروقراطية بلا هدف أو نهاية ولا تتحرك إلى الأمام ولا تتخذ قرارات. كان هناك الكثير من مجموعات العمل التي اقترحت آليات أخرى. فمثلا فكرة تجميع كل الآراء المعارضة وإضافتها إلى الفعل الحركي، والنص على أن الإجماع كان بنسبة 80 % و20% الأخرى لا زالت تفكر في قراراها. ولكن ذلك كان من المستحيل تمريره، لأنه في نهاية المطاف، كان الاقتراح لكسر الموافقة بالإجماع وبما أننا كنا نعمل به، كان هناك دائما الأشخاص الذين يختلفون.

في الولايات المتحدة، لا تعتبر أشكال الديمقراطية المباشرة واستخدام الموافقة بالإجماع جديدة على الولايات المتحدة، في واقع الأمر انتشرت هذه الآليات على نطاق واسع داخل حركة العدالة العالمية في وقت مبكر من الألفية الثالثة. ولكن ما يعتبر جديد نسبيا وخاصة من حيث انتشاره هو أنهم شرعوا في استخدام الجمعيات بدلا من الاجتماعات، والمناقشات وجها لوجه واشتراك جميع الناس بدلا من التمثيل، فقد انخرط في الحراك مئات الآلاف من الناس في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ومعظمهم لا يمتلك خبرة سياسية سابقة. في نواح كثيرة، كان استخدام الجمعيات والديمقراطية المباشرة يعتبر رد فعل، وليس قرارا سياسيا.

احتلال الفضاءات العامة: تعرف الحركات العالمية الجديدة بإتباعها وسيلة احتلال الفضاءات العامة ليس فقط بهدف الاحتجاج والسيطرة ولكن بهدف جعلها ذات فائدة. على سبيل المثال، حركات استعادة أماكن العمل في أمريكا اللاتينية (البرازيل، أورجواي، وفنزويلا) وظهرت هذه الحركات بسبب الأوضاع الاقتصادية وعدم تحمل أصحاب العمل لأي مسئولية تجاه العمال. ويأخذ استعادة الفضاء العام صورة أوسع من احتلال أماكن العمل، ففي المكسيك وفنزويلا كان الحديث عن استعادة التراث والتاريخ والمعرفة. ولكن بدلا من أن يكون الحنين إلى ماض مثالي، فاستعادة الذاكرة والتاريخ هي عملية جماعية تهدف إلى إثراء الحاضر وبناء مستقبل مشترك. في كثير من الدول في أمريكا اللاتينية، وخاصة المناطق الحضرية الفقيرة، كان الهدف من استعادة تاريخ الحي نفسه في كثير من الأحيان هو نقطة الانطلاق في بناء المجتمع والوعي الجماعي.

في إسبانيا، أصبحت خيام الاعتصام في بويرتا ديل سول وبرشلونة بلازا دي كاتالونيا، الأكثر شهرة في جميع أنحاء العالم، ولكن لا يمكن أن يتم قصر الحركة على رموزها الأكثر شهرة. فاحتل الناس الساحات في المدن الكبيرة والصغيرة على حد سواء. حتى في البلدات الصغيرة جدا استولى الناس على الساحات وعقدت المجالس العادية. تفضل حركة الخامس عشر من مايو الممارسات التي تتألف أساسا من الاعتصام في الأماكن العامة والخاصة، بما في ذلك العمل المباشر في البنوك والمظاهرات والتجمعات العامة، والإجراءات المباشرة غير العنيفة. ويلقى باللوم على الحركة لعدم اتخاذها موقفا لصالح أي حزب يساري، وعدم انخراطها في السياسة الانتخابية بل رفضها تماما، وهذا الاتهام غير صحيح ومضلل. فالحركة لم تدعو لمقاطعة الانتخابات أو المشاركة بها، بل كانت غير مبالية بشكل عام. وأبعد من ذلك، فواحدة من الخصائص الرئيسية للحركة هو رفضها لمنطق التمثيل باعتباره غير ديمقراطي. لا يعتقد المشاركون أو على الأقل يشكون بقوة في الادعاء الذي يقول بأن التغيير يمكن أن يتحقق من خلال المشاركة في الحياة السياسية المؤسسية. فهم لا يثقوا بالسياسيين والأحزاب السياسية، ويروا أن الفساد في السياسة ينمو وهذا الرأي يتشارك به أكثر من ثلثي السكان الإسبان، حيث أن 95% قالوا أن الأحزاب السياسية تحمي الأشخاص المتورطين في الفساد.

كما كانت الحال في اليونان، فأي حركة من أجل التغيير لا يمكن أن تقتصر على الساحات المركزية. بعد بضعة أسابيع في الساحات العامة، بدأ المشاركون في حركة 15 مايو في المدن الكبرى لتنظيم الحراك في الأحياء. تم إنهاء اعتصام بويرتا ديل سول يوم 12 يونيه من قبل الجمعية العامة. واعتبر القرار أنه من المرجح أن ينتج نتائج ملموسة، بما أن الحركة لن يتم ربطها بميدان معين بل سيعاد توزيعها في الأحياء وغيرها من المواقع، وستصبح أكثر ديمقراطية، بمعنى أن المزيد من الناس سيتمكنون من المشاركة، وفي برشلونة وعدد قليل من المدن الصغيرة الأخرى تم استمرار الاعتصامات في الميادين لفترة أطول قليلا.

انتقلت حركة “احتلوا” بعيدا عن الساحات العامة، وغالبا ما يرجع ذلك إلى الإخلاء. ولكن استمرت الجمعيات جنبا إلى جنب مع العمل المباشر في كثير من الأحيان في مجالس الأحياء وأماكن العمل. ركزت مجالس الأحياء على مكافحة الاعتقال وتنظيم وسائل الإخلاء، كما هو الحال في إسبانيا، في حين تميل أماكن العمل نحو إجراءات دعم الحملات الجارية، وذلك باستخدام تقنيات العمل المباشر لدعم جهود التنظيم. وقدا انتشرت هذه الأنماط كما عكس احتلال ” مزارع بركلي”. كانت البداية في نيويورك، حيث كانت مكافحة الديون حافزا لتنظيم حركة “احتلوا”، فضلا عن أعمال الإغاثة من الإعصار وأعمال المساعدة المتبادلة. وقد انتشر التنظيم لمكافحة الديون الآن في العديد من المدن، وانتشر نموذج المساعدات المتبادلة مع أعمال الإغاثة أيضا في المدن التي ضربتها الكوارث الطبيعية.

نصرة القضايا (Protagonism): استخدمت من قبل الحركات على مدى العقدين الماضيين، وترتبط بقوة الوكالة الاجتماعية، وبالتالي إلى الديمقراطية والمشاركة المباشرة. في فنزويلا، أصبحت protagonism أكثر وضوحا على مدار عقد التسعينيات، عندما توقفت الحركات عن طلب من الأحزاب والمؤسسات السياسية على حل المشاكل التي تواجههم، وبدأت تكافح من أجل المشاركة المباشرة ورفض أنماط المشاركة السياسية التقليدية.

أسس الثقة والمسئولية المتبادلة: لا تحاول الحركات العالمية الجديدة فقط خلق مساحات أفقية وتعتمد أكثر على الديمقراطية المباشرة، ولكن أيضا على خلق ذوات جديدة. وجزء من تأسيس هذه العلاقات المتغيرة هو قاعدة من الثقة وشعور متزايد من الرعاية والمسؤولية المتبادلة، بهدف بناء حركة مجتمع قائم على علاقة من الثقة المتبادلة والحرص على الآخر واحترام الجماعية.

الإدارة الذاتية Autogestión: تعني حرفيا “الإدارة الذاتية”، ولكن على نطاق أوسع لتشير للإدارة الذاتية الجماعية الديمقراطية، وخاصة داخل المجتمعات المحلية، وأماكن العمل، والمشروعات الثقافية، والعديد من الكيانات الأخرى. وعادة ما يتم ذكر Autogestión في سياق عندما يقوم العمال بإدارة أماكن العمل الخاصة بهم على سبيل المثال، حركة استعادة التعاونيات وأماكن العمل في الأرجنتين والمنطقة المحيطة بها من أمريكا الجنوبية. بعض هذه أماكن العمل يتم إدارتها ذاتيا ببساطة، يتم تنظيمها بأي صورة طالما تؤدي وظيفتها ودون أي مقاومة منظمة ضد السوق الرأسمالي، بينما يسعى الآخرون لتعزيز الانتشار الأفقي وتقويض حدود قيمة التبادل الرأسمالية، من أجل خلق أماكن عمل أقل اغترابا، والمقايضة والتبادل مع أماكن العمل الأخرى الأكثر اعتمادا على الاحتياجات بدلا من املاءات السوق.

الحكم الذاتي: تستخدم لغة الحكم الذاتي في حركات “احتلوا”، فضلا عن العديد من الحركات في أمريكا اللاتينية، فمثلا حركات استعادة أماكن العمل وحركات العاطلين عن العمل في الأرجنتين إلى تجمعات الزاباتيستا في المكسيك، والعديد من المنظمات الشعبية في فنزويلا. فإنه يشير إلى القدرة على اتخاذ قرارات بشأن حياة الفرد الخاصة دون الحاجة إلى إخضاع هذه القرارات لقوى خارجية، والحد الحقيقي الوحيد هو الاعتراف بالحكم الذاتي للآخرين. وبهذه الطريقة، فإنه يعكس سياسات التنظيم الذاتي، الإدارة الذاتية، والمشاركة وبالتالي، تستخدم هذه الحركات مصطلح “الحكم الذاتي” لتمييز أنفسهم عن الحركات الأخرى والجماعات أو المنظمات التابعة لمصالح خارجية، بما في ذلك الدولة والأحزاب السياسية والمؤسسات الأخرى. لكن الحكم الذاتي لا يعني الانغلاق والاستقلال التام عن كل شيء. بدلا من ذلك، يعني ببساطة أن اتخاذ القرارات لا يخضع لقوى أخرى. وهذا ينطوي على علاقة معقدة بالدولة. تكمن المشكلة في أن الدولة الرأسمالية تقوم على الهيمنة الإقليمية والتجانس. وبالرغم من أنها تسمح في بعض الأحيان بنشأة الهياكل المتوازية، ولكن فقط إذا كانت لا تتحدى سلطتها المطلقة. بمجرد ما يهدد التنظيم الذاتي المستقل سلطة الدولة (ضمنا أو علنا)، يصبح عرضة للقمع والعنف والدمار.

في اليونان، امتد الحديث عن التنظيم الذاتي وهذه الأشياء لسنوات عديدة، ولكن كان مقتصرا على الحركات. تم وضعه موضع التنفيذ في المجموعات، ولكن لم يتم اعتماده أبدا من قبل مجموعات أكبر من الناس. مع تمرد ديسمبر بدأ الكثير من الناس في كثير من الأماكن الاجتماعية وأماكن العمل والجامعات وغيرها باعتماد التنظيم الأفقي. بدأ التنظيم الذاتي ليصبح نوعا من غريزة في الناس، فيبدأ صراعا وإما أن يعتمدوا على التنظيم الذاتي أو لا شيء. بالنسبة للكثير من الحركات فأنه توقف عن كونه مرجعية أيديولوجية أو مشروع سياسي، وأصبح من تجربة الحياة اليومية في النضال اليومي.

في فنزويلا، تم بناء المجالس والكوميونات كبنية غير تمثيلية للمشاركة المباشرة تتواجد بالتوازي مع الهيئات التمثيلية المنتخبة من السلطة. تشكلت المجالس الجماعية عام 2005 كمبادرة من أسفل. في أجزاء مختلفة من فنزويلا، روجت هذه التنظيمات بشكل مستقل أشكال الإدارة الذاتية المحلية التي تدعى “الحكومات المحلية” أو “الحكومات المجتمعية”.

تميل المجالس الجماعية والكوميونات إلى تجاوز الانقسام بين السياسي والاجتماعي (المجتمع المدني)، بين الذين يحكمون والمحكومين. وبالتالي، فإن المحللين الليبراليين الذين يؤيدون هذا التقسيم يروا المجالس بصورة سلبية، بحجة أنهم ليسوا منظمات مجتمع مدني مستقلة، وإنما ترتبط بالدولة. في الواقع، ومع ذلك، فإنها تشكل بنية موازية يتم من خلالها استخلاص السلطة والسيطرة تدريجيا بعيدا عن الدولة، من أجل أن يحكموا بنفسهم.

كلما زاد عدد المبادرات المنظمة ذاتيا وزادت المشاركة وتطوير الحراك، ظهر المزيد من الصراعات مع السلطة بشكل خاص في الأمور التي تتعلق بالإنتاج والحكم الذاتي وسيطرة الدولة. يعمق التحول الاجتماعي من المواجهات بين السلطة “من أعلى” والمبادرات “من أسفل”. يؤدي تعزيز وتوسيع نطاق المؤسسات ووجود الدولة في وقت واحد إلى تزايد البيروقراطية التي تعمل ضد الانفتاح والتحول وتميل نحو الإدارة المؤسسية للعمليات الاجتماعية.

شعار “كلنا…” “To-dos Somas:

وهو المقصود للتعبير عن التضامن بين النضالات والحركات في مختلف المواقف. يعني السعي نحو التنظيم حول قيم القبول والاعتراف، العمل على الترابط بين الصراعات والنضالات بدلا من الترتيب الهيراركي لهم. “نحن ندرك بعضنا البعض وندرك التنوعات لدينا، لكننا نرى أنفسنا أيضا في الآخر، والآخر في أنفسنا”. هذا لا يعني أنه لا توجد فروق في السلطات، أو أن كل الناس تخوض نفس التجارب في الحياة (على سبيل المثال، التعرض للقمع أو عدم الحصول على الموارد)، ولكن تعني الاعتراف بكل هذه التنوعات والفوارق، وعدم إعطاء السلطة الأولوية المستندة إلى واحد على آخر، والتساؤل حول ما إذا كان الناس قادرون على خلق قاعدة يمكن من خلالها التنظيم.

الفضاءات العامة Spaces:

في سياق الحركات العالمية الجديدة، الفضاءات تعني بناء منطقة الحكم الذاتي. و”المجتمع” ليس “مكان محدد”، ولكن هو مجموعة من العلاقات الاجتماعية التي يجب أن تكون مبنية بنشاط. وتتأسس هذه المجموعة من العلاقات الاجتماعية على الثقة والتأثير، والرعاية، والمسؤولية عن الآخر، ويقوم المجتمع أيضا بتقوية هذه القيم. ومهما كان هناك خلافات حول التفاهمات المختلفة “للفضاءات”، فكل منهم يُعد رد فعل ضد التسليع المتزايد للمساحات والعلاقات الاجتماعية في ظل الرأسمالية. يتطلع المشاركون في كل من هذه الحالات لاستعادة الفضاءات والمساحات العامة بطريقة تجعل العلاقات الاجتماعية لا تخضع للتسليع.

التساؤل Questioning:

يعني استمرار حالة التساؤل مع مرور الوقت على وجود الحركات، وحاجتنا لبعضنا البعض، وأنه فقط من خلال المناقشة والحوار المستمر يمكن تحديد معنى التحرر. تتميز الحركات العالمية الجديدة وخاصة منذ 2011 باهتمامها بفكرة التساؤلات أثناء تنفيذها لأجنداتها والسعي لتحقيق مطالبها فهي تبتعد عن عنصر الإجبار لأن الهدف الأساسي هو تحقيق المطالب وجعلها واقعية وليس فقط استمرار احتلال المساحات العامة. فالهدف من التساؤل المستمر هو فتح المساحات الديمقراطية لتلاقي الأفكار والممارسات. وهذا لا يعني أنه لا توجد رؤى مختلفة وأفكار متضاربة فيما ينبغي القيام به، أو أنه ليس هناك من لديهم المزيد من القوة لفرض أنفسهم على أفعال الآخرين. ولكن الفكرة هي أن يكون هناك عملية مفتوحة من خلق الأفكار، وفهم أن التغيرات الهيكلية العميقة مثل الثورات ليست أفعال وإنما عمليات.

الفصل الثاني: عن الديمقراطية:

التطور التاريخي لمفهوم الديمقراطية:

على الرغم من أن أفكار الديمقراطية الراديكالية، الديمقراطية التشاركية، والديمقراطية المباشرة (أو أيا ما يطلق على هذه الأشكال من الديمقراطية غير التمثيلية) هي أقدم بكثير من العديد من المفاهيم النظرية الأخرى المنتشرة على نطاق واسع، لا يتم ربطها بالمنظرين البارزين، على الأقل ليست مثل الديمقراطية الليبرالية.

يمكن رؤية أفكار تؤيد الديمقراطية الكاملة عند جان جاك روسو، توماس جيفرسون، توم باين، كارل ماركس، وروزا لوكسمبورج. ولكن موضوع الديمقراطية غير المحدودة قد جرى عموما تفاديه من قبل المنظرين. يعد هذا بالتأكيد أحد الأسباب التي تجعلنا لا نجد نماذج واسعة من المناقشات الأكاديمية حول أشكال أخرى من الديمقراطية غير الديمقراطية الليبرالية.

بما أن مصطلح ومفهوم “الديمقراطية” يأتي من أثينا القديمة، وحيث أن الديمقراطيات الليبرالية، لا سيما في أوروبا، تصر على تقديم نفسها ضمن التقليد الفلسفي الديمقراطي الذي يعود إلى اليونان القديمة، فإن الأمر يستحق أن نلقي نظرة فاحصة على الديمقراطية الأثينية.

يظهر تاريخ اليونان القديمة وتاريخ الديمقراطية بوضوح مدى عبثية فكرة جلب الديمقراطية من قبل الحكومات أو الدول. ففي أثينا، كانت “الديمقراطية” تفرض من قبل الجماهير بمقاومة عنيفة من العائلات النبيلة والغنية. وعلاوة على ذلك، أنه حتى إذا كانت الديمقراطية الأثينية هي أفضل تجربة موثقة بين الديمقراطيات اليونانية القديمة، تظل الحقيقة غير الملائمة أن معظم ما نعرفه عن الديمقراطية الأثينية استنادا لإسهامات أرسطو وأفلاطون، الذين رفضوا الديمقراطية لصالح إيديولوجية نخبوية (حكم الفلاسفة عند أفلاطون على سبيل المثال).

رفضت الديمقراطية القديمة صراحة مبدأ التمثيل. فهي كفلت لكافة المواطنين حق حضور اجتماع أعلى هيئة سياسية، الجمعية The assembly، والتي كانت تعقد مرة واحدة في الشهر (كان العام وقتذاك عشرة أشهر). يعتبر مبدأ التمثيل وفكرة أن الممثلين المنتخبين يمكنهم اتخاذ القرارات (وهذه المفاهيم هي لُب الديمقراطية الليبرالية) غير متوافقة مع فكرة الديمقراطية، لأنها سوف تفصل الساسة تماما عن المواطنين العاديين، مغذية شبكات الفساد والمحسوبية. فالديمقراطية في اليونان القديمة تعني الديمقراطية المباشرة ولا شيء غير ذلك. يجتمع المواطنين في الجمعية لاتخاذ قرارات بشأن القوانين، والموظفين في المؤسسات، والقادة العسكريين، والحرب والسلام، والمسائل الدينية، وكل شيء آخر أنهم اختاروا أن يكون في حدود سلطتهم.

نجد أن أوجه التشابه بين كثير من مبادئ الديمقراطية الأثينية القديمة والممارسات الديمقراطية للحركات العالمية الجديدة واضحة. فيمكننا أن نجد ممارسات ومبادئ الديمقراطية المباشرة والمساواة على مر التاريخ في مختلف البيئات الجغرافية والثقافية، وأنها لا تعتمد على أي معرفة سابقة بالممارسات الديمقراطية أو المجالس. هذه الممارسات والمبادئ هي تعبير عن بحث الأفراد عن مجتمع ديمقراطي قائم على المساواة.

أهم إشكاليات الديمقراطية التمثيلية:

في الديمقراطية الليبرالية أو التمثيلية، لا يمتثل النواب لما وعدوا أو وعد حزبهم أثناء الانتخابات، أو لما يقوله برنامج حزبهم. فبمجرد انتخابهم، يفعلون ما يريدون (أو ما تريده النخب الاقتصادية)، ولا يقوموا بتبرير أنفسهم للناس الذين صوتوا لهم. ليس هناك مساءلة عن القرارات، حتى إذا قاموا بعكس ما وعدوا به أثناء الحملة. وفي محاولة لإخفاء هذه الظروف، يقوم أنصار الديمقراطية الليبرالية بقول أن الممثلين المنتخبين يجب أن يتصرفوا “وفقا لما يمليه عليهم ضميرهم” بغض النظر عن الموقف من ناخبيهم أو حزبهم. وهذا لا يحول فقط “التمثيل المحتمل” إلى مزحة، ولكن من الواضح أيضا أنه يحول الحملات الانتخابية لمسابقة في القصص الخيالية. والأسوأ من ذلك كله، أنه حتى الآونة الأخيرة مع ظهور الحركات الجديدة، كان معظم الناس في المجتمع يقروا هذا الواقع ولكن يتغاضوا عنه ولذا فإنه لا يزال مستمرا.

كان منطق التمثيل دائما في أساس الديمقراطية الحديثة، ولكن ليس في الديمقراطية الكلاسيكية. ففي الديمقراطية الليبرالية “هناك فصل بين الثلاثة مجالات الاقتصادي، السياسي، والاجتماعي. يتم استبعاد المجالات الاقتصادية والاجتماعية من الديمقراطية. يرى ستانلي مور أن هذا “عندما يأخذ الاستغلال شكل التبادل والديكتاتورية تميل إلى اتخاذ شكل من أشكال الديمقراطية.” ويصبح اليوم هذا الفصل بين المجالين أمرا مفروغا منه في الخطاب العام. ولكن إذا كنا لا نقبل فكرة استقلالية الاقتصاد، والفارق بين أولئك الذين يحكمون وأولئك الذين يحكمونهم، استقلالية المجال السياسي، وهلم جرا، ينهار الصرح كله ببساطة مثل بيت من ورق.

يكمن الأساس المنطقي لفكرة السلطة على الآخرين واتخاذ قرارات ضد إرادة ومصالح الغالبية منهم من دون استشارة في فكرة بناء مجال سياسي منفصل له منطقه الخاص. ويرتكز الفصل بين المجالات على فكرة التمثيل. بينما يعتبر التجريد في كثير من الأحيان أهم من حيث بناء القرارات الجماعية، ويعد التمثيل غير ممكن حيث أنه مبني على التجانس وإنكار التنوع. لذلك فأزمة التمثيل هي أزمة الديمقراطية الليبرالية.

في الواقع، بإلقاء نظرة على “الآباء المؤسسين” للديمقراطية الليبرالية الحديثة يتبين أن القيم الديمقراطية الأساسية، مثل المشاركة وسيادة الشعب، لم تكن أبدا على الأجندة الرسمية لها. فقد كانت كلا من الليبرالية والديمقراطية أعداء شرسين لمئات السنين. وكان استبعاد المسألة الاجتماعية من عملية صنع القرار الديمقراطية هو الذي جعل الليبراليين يقبلوا الديمقراطية وقاموا بخلق الديمقراطية الليبرالية باعتبارها شكلا جديدا من الحكم لنموذج الإنتاج الناشئ.

ومع ذلك، فإن فكرة الديمقراطية، كما يناقش ماركس، تشكل تهديدا مستمرا لسيادة البرجوازية، حيث أنه يمكنها أن تستخدم من قبل منتقدي النظام القائم ضد مصالح الحاكم. وهذا هو السبب في أن البرجوازية، وخاصة في أوقات الأزمات مثل التي نشهدها الآن في اليونان وتركيا والولايات المتحدة وأماكن أخرى تميل نحو الحكم الاستبدادي وتعطيل القواعد المدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

وبالتالي فإنه من المهم أن نلقي نظرة فاحصة على أصول نقد الديمقراطية الليبرالية أو البرلمانية وعلى أهداف هذا النقد المحتملة. فمثلا خلال السنوات القليلة الماضية، أصبحت أزمة الديمقراطية الليبرالية جلية حتى أن هناك بعض المثقفين البرجوازيين لم يمكنهم إنكارها أو تجاهلها بعد الآن. ولكن يبقى هدفهم في انتقاد الديمقراطية الليبرالية هو تمهيد الطريق لأشكال الديمقراطية الاستبدادية في صنع القرار.

فمن المعروف أنه هناك بعض الافتراضات العامة والحقوق المشتركة التي تُعد جزءا أساسيا في الليبرالية الديمقراطية مثل القيود المفروضة على قدرة الحكومة لتقييد حركات وأفكار المواطنين، قدرة الحكومة على ممارسة السلطة التعسفية، إجراء انتخابات حرة ونزيهة، واحترام الحريات المدنية مثل حرية التعبير والفكر والدين والتجمع، وما إلى ذلك. هذه الأمور متأصلة في طبيعة الديمقراطية. ولكن من المهم أن نوضح أن تلك الحريات والحقوق المدنية ليست على الإطلاق جزءا من الديمقراطية الليبرالية. في الواقع، تم الفوز بهذه الحقوق في الماضي، عبر نضالات طويلة وجادة تعود إلى القرن التاسع عشر وما قبله، ولم تدخل حيز التنفيذ إلا بعد تنفيذ نموذج جديد من الإنتاج. وبالنظر بتمعن، يمكن للمرء أن يرى ذلك، بمجرد الفوز تقريبا بكل هذه “الحقوق” أو “الحريات”، عمدت الحكومات إلى محاولة لتفكيكها، من الحق في يوم العمل من ثماني ساعات إلى الحق في عدم التفتيش والضبط غير القانوني. وقد كتب كثيرا عن التعدي على الحقوق في الديمقراطيات الحديثة، وعلى الرغم من أن العديد يشعرون بالغضب، تظل الحقيقة أن هذه الحقوق لم تكن جزءا أساسيا من مفهوم الديمقراطية الليبرالية.

يتوافق شكل التنظيم السياسي مع شكل التنظيم الاقتصادي، كما كتب كارل ماركس في المجلد الثالث من رأس المال. فتعتبر الجمهورية الديمقراطية البرجوازية هي النموذج المثالي للدولة الرأسمالية والاقتصاديات التي تعتمد في المقام الأول على التجارة في الأسواق الحرة. تعتبر الديمقراطية الليبرالية الحديثة كمساحة للغزو وبسط الحقوق والمحددة بمدى توافقها مع رأس المال، ويمكن اعتبارها أيضا الشكل السياسي لدولة الرفاهة الكينزية الوطنية.

فقد قوضت العولمة ظروف دولة الرفاهة الوطنية من أجل الديمقراطية الليبرالية. وقوضت النيوليبرالية تلك الظروف إلى أبعد من ذلك، حيث أن التمويل والمؤسسات فوق الوطنية تهدد جوهر كل من الدولة القومية والديمقراطية الليبرالية.

تتدهور ظروف العمل بشكل متزايد تحت النيوليبرالية التي أيضا تعمل على تقويض الديمقراطية. وتعني precarization تعميم انعدام الأمن والخوف، والخوف ليس أساسا جيدا للديمقراطية. حيث أنه يقلل من إمكانيات الأفراد في الحديث، الشكوى، التنظيم، والتعبير عن التضامن. أولئك الذين يخضعون لعلاقات العمل الهشة غالبا ما يفتقروا أيضا الطاقة للمشاركة الديمقراطية. قد عمق أيضا نقل اتخاذ القرارات للمؤسسات فوق الوطنية والدولية من “أزمة التمثيل”. ويرجع هذا من ناحية إلى الطبيعة غير الديمقراطية لهذه الجهات (لم يتم انتخاب أي منها، الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، البنك المركزي الأوروبي، صندوق النقد الدولي، الدول الثمانية العظمى، وما إلى ذلك)، ومن ناحية أخرى هناك حقيقة أن القدرة على التمثيل تتناقص مع المسافة. لذا لم يكن من قبيل المصادفة أن الحركات المبشرة للحركات الحالية من أجل الديمقراطية، والعدالة العالمية الحقيقية أو الحركات المناهضة للعولمة قد جاءت في منتصف التسعينيات، وتحديدا ضد الطبيعة غير الديمقراطية لهذه المؤسسات.

أدى تطبيق معظم أنحاء العالم للنيوليبرالية منذ الثمانينيات والاحتفاظ بعملية “الكفاءة” في صميم الفكر الليبرالي الجديد إلى أن شهدت الديمقراطية ردة إلى الشكل الذي كانت عليه مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية في الدول الأساسية للديمقراطية الليبرالية. حيث وضع المنظرون الرئيسيون لذلك النموذج أمثال جوزيف شومبيتر (الرأسمالية، الاشتراكية، والديمقراطية، 1942) وكارل مانهايم (الحرية، والسلطة، والتخطيط الديمقراطية، 1951) تركيزهم على النتائج وعلى إنشاء هيئات فعالة للقيادة تكتسب شرعيتها من خلال الانتخابات. يرى شومبيتر أن “الديمقراطية هي وسيلة سياسية، نوع معين من الترتيبات المؤسسية للتوصل إلى القرارات الإدارية والسياسية والتشريعية، وبالتالي فهي غير قادرة على أن تكون غاية في حد ذاتها”. من أجل تحقيق ذلك، تتركز الديمقراطية الليبرالية الحديثة على القضاء على أي عنصر من عناصر الديمقراطية المباشرة أو التشاركية من الديمقراطية “التمثيلية”.

من حيث التعريفات النظرية، والأصول المؤسسية، والممارسات، لا تمتلك الديمقراطية الليبرالية أي علاقة بما يتم اعتبارها أنها الديمقراطية. يمكن للمرء أن يفاجأ كيف يتم تبسيط العديد من التعريفات الأكاديمية للديمقراطية الليبرالية. وقد ألغت العلوم السياسية السائدة وحدة الركائز الرئيسية للفكرة الأصلية للديمقراطية: وهي سيادة الشعب. “السيادة الشعبية، أو فكرة أن الحكومة يجب أن تفعل ما يريد معظم المواطنين أن تفعله، هو التعريف الأقدم والأكثر دقة لغويا للديمقراطية، وإن لم يكن بالضرورة أفضل واحد. يعتبر المنظرين المعاصرين السيادة الشعبية بأنها غير كافية وغير ضرورية للديمقراطية.

في معظم الديمقراطيات الليبرالية عادة ما تتناوب الأحزاب الرئيسية السلطة أو القوة المشتركة على مدى نصف قرن أو أكثر وبهذا تقدم نوع من “الاستقرار السياسي”، ولو على حساب المضمون الديمقراطي. في معظم الدول، هناك فروق قليلة أو معدومة بين المواقف والممارسات السياسية للأحزاب الرئيسية. حيث أن جميع الحكومات تستجيب على نحو متزايد لإملاءات الجهات الفاعلة الاقتصادية، وتتفق معظم الأحزاب في معظم الدول على جميع الأساسيات.

في الواقع فإن ميل الديمقراطية التمثيلية الليبرالية تجاه الأوليجاركية يعتبر فكرة أساسية، وليس مجرد نتيجة لعدم كفاية التنظيم. فالديمقراطية الحديثة التي تأسست على الفصل بين المجالات الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية، فيتم استبعاد الاقتصاد والمجتمع من الحوكمة الديمقراطية. يرتبط هذا الفصل بين المجالات ارتباطا وثيقا بفكرة التمثيل: فتقتصر صلاحيات الحكومة على المجال السياسي وتركز في المقام الأول على ضمان الحقوق الفردية والحريات المدنية (بما فيها الحق في الملكية الخاصة)، ويتم الاحتفاظ بالمشاركة السياسية على مبعدة من الحياة الاقتصادية والمدنية، وتعد المشاركة السياسية غير مباشرة.

مظاهر أزمة الديمقراطية التمثيلية:

تسببت الأزمات المتعددة التي بدأت في عام 2008 بين قطاعات واسعة من سكان العالم، وعززت شعورهم بأنهم ليس لديهم تأثير على القرارات التي تُتخذ بشأن حياتهم، وأنهم لم يسمعوا أو يؤخذوا في الاعتبار بأي طريقة من قبل أولئك متخذي القرار، وأن هؤلاء “النواب أو الممثلين” لا يعملوا في مصلحة الشعب.

ففي اليونان، عندما تم اقتراح تدابير التقشف الأولى، حشد الناس في جميع أنحاء البلاد بالملايين. وتجاهلت الحكومة ذلك وفرضت الإجراءات التقشفية. عندما اقترحت الجولة الثانية من التقشف، خرج الملايين إلى الشوارع مرة أخرى، ومرة أخرى تم تجاهل الشعب وفرضت إجراءات التقشف، وهو نمط يتكرر من أبريل 2010 إلى يناير 2011. وقعت خمسة إضرابات عامة في هذه الفترة، فضلا عن الصراعات الكبرى في أماكن العمل. ومع ذلك، فإن الحكومة تجاهلت تماما إرادة الشعب، ما عدا بالطبع قمع الشرطة. في مايو 2011، حدث شيء مختلف، بدأ الناس بإحداث قطيعة مع الأشكال التقليدية للاحتجاج، بما في ذلك تقديم مطالبهم للبرلمان، وبدلا من ذلك بدأوا في تجمع مفتوح ومستمر أمام مبنى البرلمان في ساحة سينتاجما. “فقدت الديمقراطية معناها الأصلي”، تقول فاني من اليونان “يُقال أن لدينا الآن ديمقراطية في اليونان. وهذه ليست ديمقراطية. ليس لدينا أي سلطة حقيقية. نحن لا نتخذ القرارات”. ويتساءل المشاركون في الحركات المستقلة في اليونان حول مسألة الديمقراطية، بينما يرفضها العديد في الطرف الآخر حيث أنه من الواضح لهم أنه ليس هناك ديمقراطية حقيقية في اليونان. يقول البعض أن الديمقراطية التمثيلية تتوقف عند بوابة المصنع، فداخل المصنع يجب أن تفعل ما يخبرك به رئيسك ويتم تنظيم العمل بالطريقة التي تفرضها الرأسمالية. في أماكن العمل والأحياء، عندما يكون هناك مشكلة محددة هنالك دائما هدف رأس المال وهناك أهداف الأفراد التي لا تتغير، لأنهم الآن يعتمدون بدرجة أقل على الديمقراطية التمثيلية. تدفع أزمة الديمقراطية التمثيلية الناس للبحث عن شيء آخر، ولكن لا يربطوا أزمة الديمقراطية التمثيلية بما فيه الكفاية بأزمة الرأسمالية.

وفي إسبانيا، بدأت الأزمة في عام 2008. حدثت التسريحات الجماعية للعمال نتيجة لانهيار القطاع العقاري، والتي تسببت في الانهيار اللاحق للممتلكات والقطاعات المتعلقة بالبناء. وكما أصبح الناس أكثر فقرا، انخفض الطلب على السلع والخدمات بشكل كبير، وتعززت الآثار السلبية للأزمة بالفعل. فأدى الانهيار السريع الممكن للاقتصاد الثالث عشر على مستوى العالم إلى إخافة السياسيين وفاعلي السياسة المالية العالمية. وفرضت تدابير التقشف القاسية من قبل الاتحاد الأوروبي، وكذلك من قبل الحكومة الديمقراطية الاجتماعية التي شكلها الحزب الاشتراكي الإسباني، وصولا إلى نهاية عام 2011، عندما قادت الحكومة اليمينية المنتخبة حديثا تداعيات الأزمة لأسوأ من ذلك. وبعد ثلاث سنوات من التقشف، بدت الاحتجاجات الوطنية، التي بدأت في 15 مايو 2011 (15-M) أنها تظهر من العدم. قبل أسبوع من إجراء الانتخابات المحلية في إسبانيا، تظاهر أكثر من 100 ألف شخص في ثمان وخمسين مدينة مختلفة تحت راية مكافحة التقشف و”ديمقراطية حقيقية الآن!” أعلنت الحركة أن الهدف الأساسي لحراكهم هو الديمقراطية الحقيقية والاندماج، وضد التمثيل الزائف لمصالح الشعب.

وفي الولايات المتحدة، بالنسبة للكثيرين في حركة “احتلوا”، فقد كان رفض الديمقراطية التمثيلية، على غرار استخدام الديمقراطية المباشرة حيث أنه جاء كنوع من رد الفعل. غالبا ما يرى الناس أن “النظام” هو المشكلة، ويربطون ذلك بالديمقراطية التمثيلية. فقد عبر الناس مرارا عن أنهم يريدون أن يتحدثوا عن أنفسهم، وأنه لا يوجد أي سياسي من الممكن أن يمثلهم.

وفي فنزويلا، منذ بداية الثمانينات، واجهت أزمة اقتصادية واجتماعية وأصبحت أزمة سياسية منهجية بعد ذلك. كان على وجه التحديد فشل النموذج الليبرالي الديمقراطي لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، أو لضمان المشاركة السياسية، هو الذي أدى بالشعب في فنزويلا لرفضهم بشدة منطق الديمقراطية التمثيلية والمطالبة بالديمقراطية المباشرة وهذه الرغبة ظهرت في الدستور الجديد عام 1999 الذي نص على الديمقراطية التشاركية.

وعلى هذا فمفهوم الديمقراطية تم تدميره إلى درجة أنه إذا كنا على وشك استخدامه مرة أخرى، فيجب علينا إعادة إنتاجه. وعلى هذا ليس من قبيل المصادفة أن شعار “إنهم لا يمثلوننا” برز بوصفه شعارا قويا للحشد في جميع أنحاء العالم، على سبيل المثال الولايات المتحدة وايطاليا وإسبانيا واليونان والبرازيل وتركيا وسلوفينيا، وحتى روسيا، حيث لا يعني فقط “أنتم لا تمثلوننا” ولكن أيضا “لا يمكنكم حتى تخيلنا”. لم يتم صياغة هذه الشعارات للتعبير عن رفض عدد محدد من الممثلين السياسيين، ولكن بوصفها تعبيرا عن الرفض العام لمنطق التمثيل. فهم يروا أن “تمثيل المصالح” لا يجدي. عادة ما ينظر إليه باعتباره غير ديمقراطي؛ فالحشود التي خرجت لا تشعر بأنها ممثلة وأنهم لم يعودوا مؤمنين بأن “تمثيل” من هم في السلطة ممكنا.

أفكار لتجاوز الأزمة، وأشكال جديدة من الديمقراطية:

تواصل الحركات العالمية الجديدة تجربة الديمقراطية المباشرة مع مجموعة واسعة من الآليات، في محاولة لبناء العملية الديمقراطية التي يمكن للجميع من خلالها المشاركة في عملية صنع القرار. فقد شاهدنا التجمعات الجماهيرية الديمقراطية الناشئة في جميع أنحاء العالم، من الولايات المتحدة إلى إسبانيا، وكان آخرها في تركيا والبرازيل.

تعد السمة المشتركة الأكثر وضوحا لمختلف الانتفاضات الشعبية في جميع أنحاء العالم في السنوات الأخيرة طابع المساواة والديمقراطية. ولكنها لا تتبنى تقديم نموذج وحيد لديمقراطية الشعب التي يمكن تطبيقها دون تمييز في سياقات مختلفة من التعبئة باعتباره يتعارض مع الديمقراطية الليبرالية. ولم يكن لدى هذه الحركات أيضا اقتراحا مفصلا لإضفاء الطابع المؤسسي ولا يوجد إجماع بينهم على شكل الديمقراطية الحقيقية حيث أن كل فرد له رؤيته للديمقراطية ولكن يوجد إجماع بينهم على أن النظم الأن ليست ديمقراطية بأي شكل من الأشكال. فالفكرة أنه في جميع أنحاء العالم يجتمع الناس وينخرطوا في خلق عملية ديمقراطية تحت مسميات عديدة ومختلفة.

في الميادين، اعتمدت الحركات الجديدة العديد من الآليات والممارسات لضمان مشاركة واسعة وديمقراطية، فالأمثلة التي واجهناها تشمل إشارات اليد الشهيرة على سبيل المثال، التي انتشرت في مختلف الحركات في العالم وتساعد بشكل كبير لالتقاط اتجاهات الرأي خلال المناقشات التي تنطوي على أعداد هائلة من الناس. استحدثت المجالس أيضا آليات مختلفة لضمان أن المناقشات لا يسيطر عليها أفراد بعينهم، وتشجيع أفضل للمساواة بين الجنس والعرق أو على أساس أي هويات آخرى للمشاركة، مثل تناوب المتكلمين على أساس تعريفهم الذاتي.

هناك سمة واحدة تربط جميع التجارب التاريخية والمعاصرة وهي أنها تشترك في أن نقطة الانطلاق للمشاركة والديمقراطية التشاركية متجذرة في المحلية. تعتمد الديمقراطية عموما على المحلية: فالمناطق المحلية هي التي يعيش فيها الناس والديمقراطية تعني عدم وضع السلطة في أي مكان آخر غير الذي يتواجد فيه الشعب، وهذا ما يمكن ملاحظته في الحركات من حيث أنها قامت بالترابط داخليا، مع التركيز على العلاقات الأفقية، وكذلك في التحول في التنظيم من المركزية الكبيرة في الساحات والميادين إلى الانتقال إلى الأحياء السكنية.

وتواجه هذه الحركات مواقف حرجة في كل وقت، وذلك هو التحدي الحقيقي لاستخدام الديمقراطية المباشرة في ظل ظروف حيث عليك الاستجابة بسرعة. يمكن لعدم وجود الوقت الكافي لاتخاذ قرارات أن يزيد من تعقيد العملية الديمقراطية. يبدو الأمر كما لو أن العدو قادرا على فرض أجندته والتي لا تسمح لك بالحد الأدنى لتنفيذ أهدافك وأعمالك. يمكن أن تتشابه الديمقراطية المباشرة بهذه الطريقة مع التوتر الذي ينشأ نتيجة للديمقراطية التمثيلية. فمن الصعب حقا الحفاظ على كل هذا في الممارسة العملية، إذا كان الانتشار الأفقي أو الديمقراطية المباشرة أو الاستقلال الذاتي، فهذه كلها أفكار وطرق لإعادة تنظيم المجتمع وكثيرا ما تكون ضد المنطق المتجذر في المجتمع فنحن لا نعيش في مجتمع أفقي

 

Start typing and press Enter to search