الصراع في ليبيا بين الحسم والتوسع والاستنزاف
محمود بيومي
ليبيا
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [262.59 KB]

يثير الصراع المسلح بين الأطراف المتقاتلة في ليبيا الكثير من التساؤلات والمخاوف حول حقيقة الأوضاع في البلد العربي ومآلات ونتائج الصراع وانعكاساتها عليه وعلى توازن القوى الداخلي فيه، وعلى دول الجوار المختلفة والإطار الإقليمي الأوسع. والحقيقة أن العنف الذي اندلع مؤخرا هناك لم يكن مفاجئا، وإنما كان حصيلة اختمار تفاعلات متعددة منذ اندلاع ثورة الـ17 من فبراير 2011، بل ربما ترجع لعقود قبلها منذ عهد القذافي. وتتناول هذه الورقة بشكل سريع خلفيات هذا الصراع من خلال قسمين رئيسيين: خلفيات ومسببات الصراع المسلح في شرق ليبيا، والمآلات المحتملة للصراع.

أولا: خلفيات ومسببات الصراع المسلح في شرق ليبيا

تفاعلت العديد من العوامل التي أدت لتفجر الصراع في ليبيا بشكل عنيف، والتي اختلطت فيها العوامل الداخلية بالعوامل الخارجية. ويمكن تقسيم عوامل الصراع إلى عاملين رئيسيين، داخلي محلي وخارجي إقليمي.

  • 1- العوامل الداخلية:
  • الصراع بين النخب الجديدة وبيروقراطية الجيش والدولة القديمة: يعبر هذا الصراع عن نزاع عميق ممتد بين النخب الجديدة التي أفرزتها الثورة من الداخل أو من معارضة الخارج، والنخب الموروثة من عهد القذافي سواء المؤيدة له أو المنشقة عنه والمعارضة، أيضا عن تنازع بين النخبتين على الثروة والنفوذ والسلطة في ليبيا ما بعد الثورة. كما يعبر هذا الصراع عن رغبة الطرفين في تصفية حساباتهما القديمة منذ عهد القذافي. فالميليشيات وكتائب الثوار السابقين ترفضن تقوية الجيش الليبي من أجل إبقاء سيطرتهن على العديد من المناطق، بالإضافة لاتخاذ بعض التيارات الجهادية مواقف متشددة ضد الدولة والجيش عموما باعتبارهم أدوات في يد قوى خارجية وممثلين لاتجاهات غير إسلامية. ويتهم الإسلاميون المتطرفون باغتيال اللواء “عبد الفتاح يونس” في يوليو 2011. من هنا فإن اللواء “خليفة حفتر” هو في الحقيقة يعد استمرارا لرمزية هذا الصراع بين النخب الجديدة والنخب القديمة من الضباط والبيروقراطية الذين يتصارعون في ليبيا الجديدة. فالعديد من ضباط الجيش يطمحون لتقوية الجيش ودوره لموازنة دور الميليشيات وتحقيق الحد الأدنى من السيطرة الأمنية العسكرية على الأوضاع وهو ما تقاومه الميليشيات بشدة وبعنف. وقد شهدت بنغازي تحديدا بالإضافة لطرابلس العديد من عمليات الاغتيال والاشتباكات المختلفة بين الإسلاميين وبين قوات نظامية ليبية، وبخاصة قوات الصاعقة، وصلت إلى حد اختطاف نجل قائد قوات الصاعقة. وتطورت هذه الاشتباكات أحيانا لمصادمات دامية أسفرت عن طرد تنظيم الشريعة من بنغازي في نوفمبر 2013 بعد حرق مقرهم في المدينة. هذا بالإضافة للدور الذي تلعبه العناصر الجهادية من أنصار الشريعة ومجلس شورى شباب الإسلام الذي أعلن في أبريل 2014 تأسيس إمارة إسلامية في مدينة درنة وباتت العديد من القوى الغربية تتخوف منه، بل وتضع سيناريوهات للتدخل في حالة تهديد مصالحها من جديد على غرار حادثة مقتل السفير الأمريكي في بنغازي في سبتمبر 2012.
  • الصراع بين الإسلاميين وخصومهم السياسيين: حيث سعى الإسلاميين للتغلب على الأغلبية النسبية التي حظى بها ائتلاف القوى الوطنية الذي يتزعمه “محمود جبريل” -رئيس المكتب التنفيذي السابق للمجلس الوطني الانتقالي- في المؤتمر الوطني العام عبر العديد من الطرق لعل أهمها قانون العزل السياسي الذي تم فرضه بقوة السلاح عبر الضغط على أعضاء المؤتمر واقتحامه عدة مرات من أجل الضغط لإقرار القانون، وتفتيت ائتلاف القوى الوطنية والضغط على أعضائه لإجبارهم على التصويت للقانون. وقد منع هذا القانون كل من عمل في نظام القذافي من تولي مناصب سياسية، وأجبر الموجودين منهم على الاستقالة. وكان من ضمن المستقيلين “محمد يوسف المقريف” الرئيس السابق للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا ورئيس المؤتمر الوطني العام، والذي انشق عن نظام القذافي في عام 1980، و”عبد الرحمن شلقم” وزير الخارجية الليبي السابق، ومندوب ليبيا السابق لدى الأمم المتحدة، والذي انشق عقب الثورة مباشرة. فالقانون حرم بالتالي معظم كوادر وبيروقراطية الجيش والدولة وشريحة واسعة من السياسيين الذين قد يمثلون خطرا على الإسلاميين من ناحية المنافسة مستقبليا. وقد رد خصوم الإسلاميين على هذا القانون فيما بعد برفض التمديد للمؤتمر الوطني العام، وذلك في بيان تجميد عمل المؤتمر في 14 فبراير الذي ألقاه “خليفة حفتر”، وسماه الكثيرون بـ”الانقلاب التلفزيوني”، ولم تصاحبه تحركات واقعية اللهم إلا تحركات محدودة من قبل كتيبة القعقاع الزنتانية والتي ترتبط بائتلاف القوى الوطنية. من هنا فإن الصراع في ليبيا حاليا هو استكمال للصراع السياسي بوسائل مسلحة بعد أن فشل الفرقاء السياسيين ببناء جسور ثقة وتوافق بين الطرفين، والرغبة في الاستئثار والهيمنة. وتظهر طبيعة الصراع بين الطرفين بشكل واضح في الدعاية التي يتبناها الطرفين، فبينما يصف المولون لحفتر اللواء المتقاعد بأنه قاهر الخوارج والإخوان وتشبيهه بالسيسي من حيث قدرته على محاربة الإسلاميين وفرض الأمن والنظام، بينما يتبنى الإسلاميون دعاية مضادة تقوم على مسميات الشرعية ورفض الانقلاب ونقل السيناريو المصري لليبيا، ومحاربة فلول نظام القذافي الذين يطلق عليهم محليا “الأزلام” أو “الطحالب”.
  • الطموح الشخصي: حيث يطمح اللواء المتقاعد “خليفة حفتر” للعب دور سياسي في ليبيا بعد الثورة. فمنذ انشقاقه عن نظام القذافي عام 1988 عقب أسره في تشاد في 1987، سعى بقوة للإطاحة بالنظام الحاكم في ليبيا، لكن انتهاء الحرب الباردة دفع بحفتر للرحيل للولايات المتحدة حتى اندلاع الثورة. وقد رأى “حفتر” في نفسه الأهلية والمقدرة على تولي قيادة جيش التحرير الوطني الليبي بدلا من “عبد الفتاح يونس” مما أدى لجفوة بين الرجلين وصراعا مكتوما على القيادة العسكرية والسياسية بينهما. وبعد اغتيال “يونس” فإن حفتر قد سعى لتولي قيادة أركان الجيش الوطني الليبي، بمساندة مجموعة من الضباط الذي أيدوا توليته في أكتوبر 2011، لكن المجلس الوطني الانتقالي عين شخصا آخر بدلا من حفتر. لكن الطموح السياسي لحفتر تعرض لضربة كبيرة بعد إقرار قانون العزل السياسي، وهو الذي قضى على أية آمال له في تولي منصب سياسي. فالطموح الشخصي للواء المتقاعد هو بلا شك أحد المحركات الخفية للصراع الحالي.
  • الصراع القبلي والمناطقي: وهو مستوى آخر للصراع المسلح الحالي في ليبيا. فمعظم قوات حفتر تنتمي لكتائب وقوات عسكرية، بينما يأتي خصومه من صفوف الكتائب الإسلامية وبعض كتائب الثوار السابقين، وينقسم سكان بنغازي بين الأطراف المتصارعة. ورغم هذا فإن الطبيعة القبلية للمتصارعين متداخلة للغاية. لكن الطرفين يسعان لإبرازها بشكل أو بآخر. فحفتر مثلا يسعى لاستنهاض العديد من القبائل ضد الإسلاميين، وبخاصة من قبيلة العبيدات التي انتمى لها “عبد الفتاح يونس”. على الجانب الآخر فإن الصراع المناطقي يبرز واضحا في التنافس بين القوتين الأكبر في الغرب مصراتة والزنتان اللتان تقفان مع قوتين سياستين مختلفتين. فبينما تدعم مصراتة المؤتمر الوطني، تتحالف الزنتان مع تحالف القوى الوطنية في محاولة لمنع هيمنة مدينة مصراتة على السلطة السياسية في طرابلس. ويتداخل في الصراع بين المدنيتين دور القبائل والمناطق الأخرى وعناصر النظام السابق، الأمر الذي يغير لحد كبير طبيعة التحالفات السياسية التي أنتجتها الثورة.
  • انهيار الدولة الليبية وسيطرة الميليشيات: فقد عجزت الدولة الليبية عن الحفاظ على الأمن وفرض النظام حتى في العاصمة طرابلس المستباحة من قبل الأطراف المتقاتلة، وتعتمد في بقائها على دعم الميليشيات الموالية لها، بينما هي عاجزة حتى عن إجبار منتسبيها على الالتزام بقراراتها. على مستوى آخر فإن الأزمة بينت مدى الاضطراب في المنظومة العسكرية، فالعديد من عناصر الجيش أعلنت تأييدها لخليفة حفتر، عكس أوامر رئاسة الأركان العامة للجيش، بل وخرجت طائرات عسكرية مروحية ونفاثة من قاعدة بنينا الجوية من غير علم رئاسة الأركان وضربت أهدافها وعادت لقواعدها. وقد سبق أن أصدر النائب العام الليبي قرارا باعتقال حفتر، بينما كان يقيم بشكل علني في مدينة المرج، وتحت أعين الجميع وبدون قدرة حتى على تنفيذ أي قرار ضده. وقد فشلت الدولة في بناء قوة نظامية غير حزبية منذ الثورة حتى الآن واكتفت بمحاولة دمج ظاهرية للميليشيات مما أدى لتضخم الهيكل الأمني ليبلغ في وزارة الداخلية حوالي 200 ألف عنصر، والجيش حوالي 100 ألف عنصر، جلهم من عناصر الميليشيات الذين يتلقون رواتبا من الحكومة، ولكنهم حافظوا على هيكل ميليشياتهم وولاءاتهم بعيدا عن الدولة. هذا بالإضافة لعجز الحكومات المتلاحقة عن التعامل مع الأزمات السياسية والأمنية وحالة الصراع الحزبي العنيف في المؤتمر الوطني بين المكونات السياسية المختلفة. وقد انعكس هذا التناحر السياسي على خارطة الطريق التي أصدرها المجلس الوطني الانتقالي وتأخر انتخابات الهيئة التأسيسية للدستور، مما ترتب عليه تمديد المؤتمر الوطني لولايته الأمر الذي فجر مظاهرات ضد القرار، وأدى للأزمة الراهنة. وبالتالي يعكس الصراع الحالي التطور المتسارع لحالة تفكك الدولة في ليبيا، وصراع الأطراف المختلفة على السلطة والثروة وتململ قطاعات واسعة من الشارع الليبي من الأوضاع الأمنية المتدهورة، والسياسية المتأزمة.
  • 2- العوامل الخارجية:

وتختص بالأساس بالصراع الإقليمي الجاري على مساحة الإقليم بين المحور القطري والمحور السعودي-الإماراتي حول جماعة الإخوان المسلمين والإسلاميين عموما. فالسعودية والإمارات تدعمان اللواء المتقاعد “خليفة حفتر”، بينما تدعم قطر العديد من الكتائب الإسلامية سواء في الشرق حيث الإخوان المسلمين أو طرابلس حيث الأعضاء السابقين من الجماعة الليبية المقاتلة. ولعل تغطية القنوات الفضائية التابعة للدول الثلاث تبين بوضوح مقدار التعاطف والدعم الممنوحين لكل طرف داخلي من داعميه الإقليميين. فقناة العربية -المملوكة سعوديا- هي القناة الوحيدة تقريبا التي بثت خطاب تجميد عمل المؤتمر الوطني في 14 فبراير. وتزامن هذا مع نشر صحيفة الحياة اللندنية -المملوكة سعوديا- لـ5 حلقات مع “محمود جبريل” رئيس المكتب التنفيذي السابق للمجلس الوطني الليبي هاجم فيها قطر بشكل مباشر والإسلاميين المحليين. كما أن الصراع يأتي عقب تصعيد كبير في المنطقة منذ الإطاحة بالرئيس المنتمي لجماعة الإخوان “محمد مرسي” في 3 يوليو 2013، ثم الأزمة الخليجية-الخليجية في 2014 بسبب الخلاف حول ملف الإخوان المسلمين. فالصراع الحالي في ليبيا هو استكمال للصراع الحاد بين المحورين المتنازعين في المنطقة على الأراضي الليبية وبأدوات ليبية هذه المرة.

ثانيا: المآلات المحتملة للصراع المسلح:

يبقى الصراع المسلح في ليبيا مفتوحا على احتمالات متعددة، تتراوح ما بين التهدئة وبين التصعيد، ويمكن حصر هذه السيناريوهات في الآتي:

  • التهدئة والانفراج: وهو السيناريو الذي من المفترض فيه أن تؤدي إليه انتخابات مجلس النواب الجديد في 25 يونيه القادم، ثم استكمال الهيئة التأسيسية للدستور عملها في أغسطس بإتاحة الفرصة للفرقاء السياسيين لحل مشكلاتهم في البرلمان الجديد، بدلا من حلها بالسلاح. ويعول الكثيرون على هذه الانتخابات باعتبارها ستمتص غضب الكثيرين في الشارع الليبي والى انخراط المواطنين من جديد في العملية السياسية بعد الإحباط الشعبي من أداء المؤتمر الوطني العام. لكن هذا السيناريو يبدو مستبعدا لعدة أسباب، أهمها أن البرلمان القادم من المتوقع أن يعيد إنتاج نفس مشكلات المؤتمر الوطني العام، وبالتالي لن تحل المشكلة، وعدم وضوح النظام السياسي الذي سيقرر الدستور الجديد بين نظام برلماني أو رئاسي أو مختلط. فالنظام البرلماني سيكون تكررا لتجربة المؤتمر الوطني بمثالبها وسيرشح ليبيا لمرحلة عدم استقرار طويلة، بينما الرئاسي سترفضه أطراف عدة متنفذة خوفا من تكرار تجربة القذافي، بينما المختلط قد يشكل حلا وسطا بين النظامين. كما أن قانون العزل السياسي سيبقى محل جدل وتنازع، وهو الأمر الذي لا يتوقع أن يقوم البرلمان الجديد بمراجعته على الأقل حتى الانتخابات الرئاسية لقطع الطريق على المنافسين من الترشح فيها. كما أن تسلح الفرقاء السياسيين، ووجود القوى الفيدرالية، وتشكيك البعض -بشكل حقيقي وغير حقيقي- في شرعية الإجراءات المتخذة بدءا من تمديد عمل المؤتمر الوطني، مرورا بحكومة “أحمد معيتيق”، وحتى الانتخابات القادمة، وعدم القدرة المتوقعة على عقدها في بعض المناطق لظروف أمنية سيجعلها محطة جديدة من محطات الصراع، وليس بداية لحل الصراع. وفي النهاية فإن هذا السيناريو سيعتمد على قدرة البرلمان الجديد على التصدي للأوضاع المضطربة بشكل مسئول وناضج، يتلافى أخطاء المؤتمر الوطني، وهو أمر غير متوقع في ظل استمرار نفس النهج للقوى السياسية والحزبية الليبية.
  • التصعيد والحرب الأهلية: وهو السيناريو الأكثر صعوبة وتعقيدا، حيث يؤدي انسداد الأفق السياسي وغياب الحوار بين الفرقاء المتنازعين إلى تفجر الأوضاع بشكل كامل. وهذا السيناريو -وإن كان غير مستبعد- لكن تواجهه عدة تحديات أهمها العملية السياسية القادمة التي يتوقع أن تؤدي لتهدئة مرحلية للأوضاع السياسية على المدى القصير، وإدراك القوى السياسية والكتائب المسلحة لغياب قدرتها على الحسم في ظل توازن القوى الحالي بين الطرفين، وعدم وجود مصلحة من دول الجوار العربية الثلاث [مصر- تونس- الجزائر] في انفجار الأوضاع بشكل كامل، بالإضافة للقيود الدولية التي ستسعى لمنع هذا السيناريو لأخطاره عليها، ولدور عوامل مهمة مثل الهجرة غير الشرعية والسلاح، والبترول. الأمر الذي يجعل هذا السيناريو غير مطروح بشكل حقيقي على المدى القصير.
  • الاستنزاف الطويل: وهو السيناريو الأكثر توقعا في ظل الأوضاع الحالية، حيث تستمر حالة الاضطراب السياسي مصحوبة باضطرابات أمنية متفرقة مما يرسخ الوضع الانقسامي الحالي بدون قدرة طرف ما على الحسم بصورة نهائية. ويمكن تفسير مثل هذا السيناريو في ضوء عدة عوامل أهمها؛ قوة التنظيمات والكتائب الإسلامية في الشرق سواء من حيث العدد والعتاد وعدم امتلاك “حفتر” لقوة مماثلة في الشرق. وكذلك وجود مصراتة بثقلها العسكري الكبير وتصديها لمحاولات الزنتان حل المؤتمر الوطني. كذلك من العوامل المهمة الشخصية الخلافية للواء “حفتر”، حتى في صفوف أنصاره وحلفائه. فرغم أن كتائب الزنتان تتحالف مع “حفتر”، لكن من غير المتوقع أن تقبل هيمنته السياسية على ليبيا في المستقبل. كما تتماثل حالتها مع حالة القوى الفيدرالية التي توافقت أهدافها -فقط مرحليا- مع “حفتر” دون القبول بهيمنته السياسية. وبينما يرى قطاع من الليبيين “حفتر” على أنه قائد عسكري غير ناجح باعتباره خسر في معركة وادي الدوم وعلى علاقة مشبوهة بالأمريكيين، يرى أنصاره أن القذافي قد تخلى عنه بسبب التخوف من نجاحه المستقبلي. وهذا الخلاف بين الليبيين حول شخصية “حفتر” يعيق تحوله لقائد جامع بغض النظر عن اتجاههم السياسي أو الأيديولوجي. هذا بالإضافة للطريقة التي يقدم بها اللواء حفتر نفسه على أنه المنقذ العسكري التي يخشى الكثيرون -بفعل تجربة القذافي- من تكرارها مرة أخرى. على جانب آخر فإن “حفتر” يمتلك العديد من عوامل القوة أهمها وجود دعم كبير له بين صفوف الجيش النظامي -أو بالأحرى ما تبقى منه- وفي صفوف البيروقراطية الحكومية والمواطنين العاديين بسبب العنف والفوضى المستشريين، والدعم الضمني المؤقت والمرحلي الذي يقدمه أنصار الفيدرالية لحفتر لكسر شوكة الحكومة المركزية، وإشغالها عن محاولة السيطرة على منطقة الهلال النفطي. ويبقى العامل الأكبر في استمرار الصراع هو الفشل الذي تواجهه العملية السياسية الحالية والمتوقع للعملية السياسية القادمة، وانقسام وتناحر النخب السياسية واختراقها من قبل قوى خارجية، والذي سيدفع بالصراع العسكري قدما، وبقطاعات جديدة لدعم حفتر أو لمناهضته على حد سواء.
  • التدخل الخارجي: وهو سيناريو مطروح بقوة خاصة في ظل الأوضاع الحالية والتخوفات من تحول ليبيا لصومال جديد. والحقيقة أن التدخل الخارجي لم يتوقف من الأطراف الإقليمية الفاعلة منذ الثورة وخلالها. فالقوى المختلفة تساند وكلاءها المحليين في ليبيا لخوض صراع بالنيابة على الأرض الليبية. لكن احتمال التدخل الشامل على غرار حملة حلف الناتو تظل أمرا غير متوقع، إلا في حالة الحرب الأهلية الشاملة. ويظل السيناريو الأكثر ترجيحا هو وجود تدخلات محدودة وعلى نطاق ضيق، وذلك على المستوى المباشر وغير المباشر. ففي المستوى غير المباشر ستستمر الأطراف الإقليمية الفاعلة [السعودية- الإمارات- قطر] في دعم حلفائهما المحليين وتوفير التسليح والدعم المالي، والأهم الإعلامي لتصفية حساباتهم الإقليمية. الأمر الذي سيسهم حتما في تأجيج الصراع الدائر في ليبيا. أما على المستوى المباشر فإنه سيقتصر على توجيه ضربات محدودة وشن عمليات سواء من دول الجوار كالجزائر ومصر أو القوى الدولية كالولايات المتحدة وفرنسا خاصة ضد الجماعات الجهادية المتشددة سواء في شرق ليبيا أو في الجنوب الليبي، أو لتحرير رهائن مختطفين أو التصدي لعصابات التهريب والجريمة دون التورط في المستنقع الليبي.

Start typing and press Enter to search