مصر والاتحاد الأوروبي: تطبيع أم أزمة؟
نتالي توشي
مصر
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [597.85 KB]

مصر تتجه نحو التطبيع:

يتجه النظام المصري إلى محاولة طمأنة الغرب بخصوص سياسة الحكومة الاقتصادية. فالحكومة المصرية مكونة من أفضل التكنوقراطيين في البلد، وسيتم البدء في دفع 25% من مستحقات شركات الطاقة الدولية خاصة الأوروبية في نهاية العام. تعد هذه البداية هزيلة جدا, لأن هذه النسبة هي مجرد إرجاع للوضع على ما كان عليه قبل يوليو 2013 وليس تحسينا للوضع, إلا أنها تعد إشارة لمصداقية النظام المصري ومحاولة لإجراء تحسين تدريجي للأوضاع المحلية وتطبيع العلاقات بشكل وطيد مع الغرب. وبالمثل يعد دخول الدولة المصرية في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي أشبه بجني الثمار، فقرض البنك الدولي ليس بالمبلغ الضخم –فهو خمسين مليار دولار على مدار 4 سنوات– لكنه مهم بالنسبة للأزمة المالية التي يعاني منها الاقتصاد المصري.

تحاول الحكومة المصرية أن تبذل ما في وسعها لإعادة النظام للشارع المصري, حيث أنها ظلت أولوية جماهيرية على مدار ثلاث سنوات من الاضطراب، في مقابل مكاسب سياسية واقتصادية بسيطة، ومن الممكن أن يكون وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي قادرا على ذلك, فهو شخصية عسكرية رئيسية وولائه للمؤسسة العسكرية لا جدال فيه، بالرغم من أنه قيل مسبقا أنه حليفا للإخوان، وتباعا كان مشكوكا في كون ولائه للجيش.

تطبيع على المدى القصير.. أزمة على المدى الطويل

هناك عدة متطلبات يجب تنفيذها حتى يتم إنقاذ مصر من الحافة الاقتصادية. فالإصلاحات الاقتصادية الحقيقية تتضمن خفض الدعم على الطاقة (حيث أنه يمثل 10% من الناتج المحلي الإجمالي), خلق فرص عمل, استثمارات فى البنية التحتية، وكل هذا يتطلب قاعدة سياسية قوية. إن إعادة هيكلة الاقتصاد تتضمن فرض أعمال شاقة مؤقتة، وهذا لا يمكن الوصول إليه بدون إعادة تشكيل عقد اجتماعي قوي بين السُلطة ومواطنيها.

يبدو الوضع اليوم أقرب إلى الاستقرار, فقدرة الإخوان المسلمين على العودة أصبحت صعبة في الوقت الحالي, الليبراليون وافقوا على النظام العسكري كحل حيوي أمامهم, الشباب في دولة مرتبكة, القضاء مُسيس، والسيسي مستمتع بنجوميته في الدولة. كرجل متدين, فلديه القدرة على استمالة الجماهير المتدينة والذين عانوا من المخرج السياسي لنزعاتهم المحافظة (التي محت الإخوان المسلمين).

في هذا السياق من الممكن أن تحدث إعادة لهيكلة النظام بملامح مختلفة عما قبل 2011, على عكس ما حدث سابقا من تأسيس حكومة الحزب الواحد المتمثلة في الحزب الوطني الديمقراطي السابق, انحرف النظام تجاه النظام الرئاسي الممزوج ببرلمان ضعيف ومتجزئ حزبيا (بعض الإسلاميين في زي أحزاب مثل حزب الوسط، والنور، وأحزاب أخرى), ففي هذه الحالة يستطيع الرئيس أن يفرض سيطرته عن طريق سياسة فرق تسد. السؤال الرئيسي هنا هل المُرشح الرئاسي سيكون رجل عسكري –السيسي نفسه من الممكن ألا يقاوم المطلب الشعبي له بالترشح– أم سيكون رجلا مدنيا ضعيفا ذي صلة وطيدة بالعسكر ما يمكنه من تقوية أواصر الصلة مع مجلس الدفاع الوطني (يذُكرنا بفترة ما بعد 1980 في تركيا). قد تصلح الوصفة على كل من المدى القصير والمتوسط, فمثل هذا النظام لا يمكنه استقبال الديمقراطية، ولا تناول إصلاحات اقتصادية جذرية, لكن من الممكن أن يجري إصلاحا تدريجيا. عبر وجود إدارة حريصة من الممكن أن يتحقق الإصلاح في غضون سنوات قليلة, دون ذلك ستستمر الأزمة في تفاقمها.

في ظل دولة بها بيروقراطية متوسعة, أحزاب سياسية ضعيفة, قضاء مُسيس, مجتمع مُستقطب، وجيش قوي, سنجد أن احتمالات الحوار وبناء الإجماع والوصول إلى الديمقراطية احتمالات ضعيفة. عملية صياغة الدستور الآن في أيدي أعضاء لجنة الخمسين، وهذا دليل رمزي على أوجه القصور. في حين أن في فترة حكم مرسى أقُر الدستور مساء من قبل الإخوان المسلمين فرادى، لكن الفترة التي سبقتها كانت مفتوحة للنقاش العام, أما الآن فقد قُيد النقاش إلى حد كبير.

في ظل وجود احتمالات غير واضحة لتغيير سياسي حقيقي, فالنداءات بالترابط بين التكنوقراطيين والعسكريين قوية. حتى يتم تناول المشكلات الاقتصادية المتأصلة, فيجب تخطي بعض الأصابع العسكرية وإدراك أنه بدون توازن حقيقي بين العلاقات المدنية-العسكرية فمن المستبعد أن يحدث ذلك. لا توجد حكومة سابقة منذ عهد ناصر نجحت في هذا الشأن، وهناك إشارات قليلة على أن التاريخ لن يعيد نفسه. النزاع بين الينبغيات واللا ينبغيات من الممكن أن يشتعل، والمسكنات الحالية مثل دعم الطاقة والمساعدات الخليجية يمكنها في أقصى تقدير أن تجُمد الوضع على المدى القصير, وفي أسوأ تقدير تسُرع الأزمة على المدى المتوسط.

يقترن بهذا الحديث سؤال عن الإسلام السياسي, فالإخوان المسلمون تحت السطح الآن ولن يخوضوا اللعبة السياسية بعد الآن لأنه لن يُسمح لهم بذلك، ولأنهم عانوا من هزيمة منكرة. يقر المدنيون بوجوب إعادة دمج الإخوان في النظام السياسي, لكنهم شرطوا ذلك بموافقة الإخوان على الأحكام الدستورية والقانونية للعبة وصنع القرار الذي اسُتبعدوا منه. فوق هذا دائما ما يتم اتهام الإخوان (حقا) بأنهم منظمة سرية, وأن مرسي متحدث عن دائرة قيادات إخوانية غير منتخبة. الدستور الجديد حتما سيحظر النشاط السياسي لجميع المنظمات السرية. فإعادة حظر الإخوان ستستمر في دفعهم للسرية وهذه حقيقة غير ملحوظة.

الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا: فصل بين الطرق الأمنية والاقتصادية

تسعى واشنطن على الأرجح لتأسيس محاور أمنية أمريكية-مصرية قوية. فصمت وزير الخارجية الأمريكي عن مرسي خلال زيارته للقاهرة قبل يوم من محاكمة الإخوان دليل على التجاهل. الولايات المتحدة الأمريكية تحتاج مصر بجيش مصري قوي للمساعدة في توفير الأمن لإسرائيل وكبح عدم الاستقرار في السودان وشمال أفريقيا. ترى وزارة الدفاع الأمريكية أن السيسي لديه القدرة على التحكم في الجيش والدولة العميقة. من النواحي الأمنية, ينٌظر للسيسي على أنه حليف يعٌتمد عليه، حيث أن لديه قدرة على الإنجاز، فهو يحمل وعد تأهيل دور الولايات المتحدة الذي حفرته في مصر منذ 1979 وفقٌد عقب موت السادات بسبب قبضة مبارك الهشة على النواحي الأمنية والتي تلاها مرحلة من الركود. من المحتمل أن يتم استكمال المساعدات العسكرية ويتم توجيهها إلى مكافحة الإرهاب, أمن الحدود, التدريبات العسكرية, وتجميع الأسلحة، وبهذا يتم تثبيط الوضع.

الولايات المتحدة الأمريكية ليس لديها مصالح حيوية مع الاقتصاد المصري، فالشركات الأمريكية، خصوصا شركات الطاقة، انسحبت بالفعل من مصر منذ سنوات قليلة. من هنا, تحتاج البلد لإصلاحات اقتصادية عميقة بشدة لتجنب أزمة هيكلية. من الممكن أن تتوفر سلع أمنية حرجة –متضمنة مكافحة الإرهاب المحلي في مصر- دون تحول سياسي أو إصلاح اقتصادي اجتماعي متجذر (الذي يستند بالأصل إلى إصلاحات سياسية) وهذا ليس حيويا للولايات المتُحدة, ولكن يبدو أن الطريق ممهد لإعادة العلاقات الأمنية المصرية-الأمريكية.

أما عن التقارب الأخير مع إيران فليس ضروريا، لكنه مفتاح ربط عجلات هذه العملية، لو تمت إدارتها بحرص -من المحتمل أن يجري تقارب إيراني أمريكي محصور في نطاق جيد– في إطار خطة موازية لتقوية العلاقات الأمنية المصرية الأمريكية السعودية.

وتعد أوروبا رقعة مختلفة جدا. ليس فقط لانتقادها جهارا إسقاط مرسي وحملة العنف التي شنها الإخوان المسلمون تباعا (والذي فعلت أمريكا مثله) بل وأيضا فوق هذا (على عكس أمريكا) أن أوروبا والشركات الأوروبية (أبرزها شركات الطاقة) استثمرت بكثافة في الاقتصاد المصري. وكما سبق الذكر فإنه من الصعب أن نتخيل حدوث إصلاحات اقتصادية اجتماعية بدون تحولات سياسيه. هناك وهم أوروبي منذ فترة طويلة بأن الإصلاح الاقتصادي ممكن أن يسبق ويحتوي التحولات السياسية, لكن الانتفاضات العربية محته تماما, حيث أن التغيير الاقتصادي والاجتماعي لا بد وأن يحدثوا جنبا إلى جنب.

لكن ماذا نفعل؟ مجال المراوغة محدود للغاية. لقد انُهك المصريين من التظاهر والثورات، والسيسي مستمتع بنجوميته, في حين أن كل المعارضين الحيويين (الإسلاميين) في السجن, فإذا خاض السيسي الانتخابات الرئاسية من الممكن أن يكسب باكتساح. إلى جانب هذا, نفوذ الاتحاد الأوروبي محدود للغاية في مقابل المساعدات الأمريكية (العسكرية) غير الواضحة والمساعدات السعودية أيضا.

في سياق عدم توصل البيئة المحلية والدولية إلى أجندة تحُولية, فكما ينجلي الغبار, كل ما يمكن أن يفعله الاتحاد الأوروبي هو العمل بالمعطيات الحالية. فإما سيختار ملفات في الشئون الأمنية أو الاقتصادية على حسب تبعات كل ملف، ثم يضع قدميه على أول الطريق ويتركه مفتوحا مما يوجب التركيز على دور المكونات القانونية للمشروعات الاقتصادية التعاونية. هذا لا يعنى إغفال بقية الملفات حيث أنه لمن المهم, إن لم يكن ضروريا, للقادة الأوروبيين الذين يزورون مصر ويصرون على مقابلة قادة الإخوان المسجونين أن يشجعوا على مراقبة الانتخابات سواء البرلمانية أو الرئاسية التالية لعملية الدستور. هذا الأمر حيوي بالنسبة للهوية الخارجية للاتحاد الأوروبي التي تسعى لإقامة مشروعات. لكن للأمانة ليس من المحتمل أن تجني سياسات الديمقراطية المباشرة ثمارا مرئية. فعلى المدى القصير والمتوسط, كل ما يمكن أن تطمح له أوروبا واقعيا هو الوصول إلى دعم التكنوقراطيين المختصين في نطاق ما تبقى من الثورة المغدورة.

Start typing and press Enter to search