السودان ,مصر
كانت قضية المياه ولا تزال أحد أهم محددات السياسة الخارجية المصرية سواء قبل ثورة 25 يناير 2011 أو بعدها، ونظرًا للصراع المتداول حول تلك القضية وانطلاقاٌ من إحساسنا بضرورة التوعية بهذه القضية ومرورًا بالأزمة الحاصلة الآن بخصوص سد النهضة الإثيوبي، واعتدادًا بأن إثيوبيا هي صاحبة النصيب الأكبر من النسبة القادمة إلينا من المياه، ونظرًا لتواتر وتوتر العلاقات بينها وبين مصر على فترات مختلفة سنعرض لرؤية كل من مصر وإثيوبيا للصراع من الوجهة القانونية، كان لزامًا علينا أن نعرض للأزمة من اتجاهات مختلفة وهنا سنعرض بجزء من التفصيل للمنظور القانوني ثم نعرض سريعًا لنقاط الخلاف الأخرى ونتبعها لاحقًا بالأهم وهي خارطة إرشادية مبسطة لحل الأزمة سواء على المدى الطويل أو القصير العاجل.
وعن الخلاف القانوني نجد أنه نظرًا للأوضاع المختلفة هنا وهناك نجد أن الموقفين المتنازعين حول مصادر المياه وحصص التقاسم فيما بينهما ووجود عامل الندرة النسبية وهو عامل له الكثير من التفسيرات للمياه في كل منهما كل ذلك جعل لكل منهما موقفه الصارم والذي يتسبب أحيانًا في الصراع وأحيانًا كثيرة يكون مدعاة للتعاون والتنسيق وإن كان السبب الرئيسي في ذلك هو عدم توافر اتفاقية قانونية شاملة لتنظيم استغلال وتقاسم مياه النهر.
وبالنظر إلى الاتفاقيات الحاكمة الموجودة نجد أن هناك العديد من الاتفاقيات التي تم توقيعها في عهود الاستعمار وعلى سبيل المثال لا الحصر، بروتوكول روما 1891 بين بريطانيا وإيطاليا، واتفاقية أديس أبابا 1902 بين بريطانيا وإثيوبيا، ومعاهدة لندن بين بريطانيا وبلجيكا في 1906، أيضًا اتفاقية 1929 بين مصر وبريطانيا، اتفاقية 1932 بين مصر وبريطانيا، اتفاقية 1959 بين مصر والسودان[1].
هذا بالإضافة إلى الاتفاقية الخاصة باستخدام المجاري المائية في الأغراض غير الملاحية والتي أقرتها الأمم المتحدة في عام 1997، ولكن كل تلك الاتفاقيات والبروتوكولات أثارت الجدل حولها نظرًا لطبيعة المنطقة في ضوء الاستعمار والحاجة المائية والنظم السياسية المختلفة الموجودة في دول المنطقة، كما أن ذلك الجدل ارتبط بوجود قوى خارجية تعمل على إثارته من أجل مصالحها المختلفة في المنطقة مثل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ولكن لا يسع المقال بنا للتحدث عن كل هذا.
وبالتركيز على الشق القانوني نجد أن ما يهمنا هنا هو اتفاقية 1929 واتفاقية 1959 باعتبارهما محل الجدل بين مصر وإثيوبيا، بالإضافة إلى قانون الأنهار الجديد 1997، وسوف نتعرض لهم باختصار:
- اتفاقية 1929 بين مصر وبريطانيا نيابة عن السودان:
فى عام 1925 قامت لجنة المياه بعرض توصيات حول الوضع المائي والتقديرات المحتملة من خلال تقديرات عام 1920 ونتيجة هذه التوصيات تم توقيع هذه الاتفاقية وكانت في 7 مايو 1929 بين الحكومة البريطانية نيابة عن السودان -الذي كانت تحتله آنذاك– وبين الحكومة المصرية، وتكمن أهمية هذه الاتفاقية أنها تحتوي في البند الثاني منها على أنه ليس من الأحقية إنشاء أي أعمال أو قياسات على النيل أو أحد فروعه أو على البحيرات التي ينحدر منها، وبالتالي فذلك يوقع على السودان أو على الدول الواقعة تحت السيطرة البريطانية، ومنها السودان بالتأكيد حيث أنه من الممكن أن يقوم بأعمال من شاأنها أن تؤثر على كمية المياه الواردة إلى مصر أو تعديل هذا التوقيت أو تلويث المياه القادمة. ولكن هذه الاتفاقية لم تكن ملزمة لإثيوبيا ولكنها ذات قوة إلزامية على الدول الأخرى الواقعة تحت السيطرة البريطانية في ذلك الوقت، ولكن بعد الاستقلال أعلنت كل هذه الدول بما فيها السودان عدم الاعتراف بهذه الاتفاقية، ووفقًا لهذه الاتفاقية كان السودان يحصل على 4 مليون متر مكعب في السنة بينما مصر تحصل على 48 مليون متر مكعب سنويًا [2]، وكان ذلك الاتفاق حدد لمصر والسودان ما يعرف بـ”الحقوق المكتسبة لكل منهما”.
- اتفاقية 1959 بين مصر والسودان:
بعد أن تبرأ السودان من الاتفاقية السابقة وذلك بعد استقلالها كان لزامًا على مصر أن تتفاوض مجددًا وعلى أسس جديدة مع السودان الشقيق، وذلك في ظل مشروع عبد الناصر ببناء السد العالي، وقد وافقت السودان على قيام مصر ببنائه في نهاية المفاوضات والتي وصلت إلى النهاية في يوم 8 نوفمبر 1959، ووقع رئيسا الوفدين المصري والسوداني على المعاهدة وتمثلت أهم نقاط هذه الاتفاقية في: تقسيم المياه بواقع 55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان، وتضمن أيضًا موافقة السودان على قيام مصر ببناء السد العالي في أسوان في مقابل أن تتعهد مصر بتمويل إعادة توطين النوبيين السودانيين التي كان لا بد من إجرائها وموافقة مصر على إقامة سدين سودانيين في الروصيرص على النيل الأزرق وفى خشم القربة على نهر عطبره [3]، وخص في تلك الاتفاقية لمشروع تحسين مجرى النيل الأعلى عن طريق قناة جونجلى ولكن هذا المشروع لم ينجح نظرًا لضرب مواقع العمل فيه أثناء الحرب الحدودية بين السودان وإثيوبيا في الجنوب، وتعتبر هذه الاتفاقية أيضًا محل رفض من دول المنبع وخاصة إثيوبيا.
- قانون الأنهار الجديد 1997 الذي أقرته الأمم المتحدة:
يعتبر نهر النيل النهر الأفريقي من الأنهار التي لا تنظم عملية استغلال مياهه اتفاقية جماعية عامة، ونجد أن اتفاقية استخدام المجاري المائية في الأغراض غير الملاحية والتي أقرتها الأمم المتحدة في مايو 1997 والتى عرفت بـ”قانون الأنهار الجديد” قد تم إقرارها في الوقت الذي تتزايد فيه المطالبات المائية من جميع دول المنبع وذلك لأسباب تتعلق بالتنمية الاقتصادية وتوليد الطاقة الكهرومائية، وفى هذا الإطار تمثل المبادئ الواردة في الاتفاقية الجديدة المرجعية الأساسية في ميدان القواعد المنظمة للعلاقات المائية بين الدول المشاطئة للنهر، كما أن الاتفاقية تشمل مبادئ الانتفاع الأمثل والمستدام والعدل والإنصاف وعدم الإضرار بالغير، ومن جانب آخر تشمل الاتفاقية قواعد وأساليب التفاوض حول موضوعات المياه وتفرز مبادئ التحكيم والتقاضي أمام محكمة العدل الدولية،[4] وقد أتاحت الاتفاقية لكافة الدول والمنظمات الإقليمية للتكامل الاقتصادي التوقيع والمصادقة عليها، مع الالتزام بالشروط التي حددتها وقد تباينت آراء ومواقف الدول المطلة لحوض النيل بشأن هذه الاتفاقية مما يعكس عدم وجود الوعي الكامل والتنسيق البينى فيما يخص الرؤية الشاملة للمصالح المائية لتلك الدول بأسرها على الرغم من وجود مبادرة حوض النيل والتي أضحى تأثيرها ذو محدودية شديدة الآن.
وفي ضوء ذلك يمكننا أن نلاحظ الرؤية القانونية المصرية والإثيوبية للصراع كما يلي:
- الرؤية المصرية:
يعتبر النيل بالنسبة لمصر شريان الحياة وهو أصل وجودها وقامت على ضفافه الحضارات المختلفة، وبالتالي فهي تسعى بشتى الطرق والوسائل إلى الحفاظ على مياهه وتأمين وصولها من منابعها حتى المصب عندها فبدون ذلك المجرى لن يكون هناك حياة على أرض مصر، وقد اتسمت رؤيتها على مر العصور ومدراكاتها بمدى أهمية النيل وضرورة الحفاظ على منابعه باعتبارها قضية أمن قومي بالنسبة لها، وقد اتضح ذلك من خلال رؤيتها للصراع في النيل لأنها أكثر الدول تأثرًا بالتوتر الذي يحدث بين دول الحوض لاعتمادها الأساسي على مياه النيل، ولذلك فقد اتجهت إلى اتباع سياسة التنسيق مع الدول الأخرى منذ بداية الثمانينات[5] –خاصة بعد فترة الخلاف الشديد بينها وبين إثيوبيا عقب التهديد الذي أطلقه الرئيس الراحل أنور السادات بشن حرب على إثيوبيا في حالة قيامها بأعمال من شأنها تقليل المياه أو التأثير على حصة مصر من مياه النيل- وقد وضع هذا التنسيق من خلال المشروعات المشتركة بينها وبين باقي الدول لكن تواترت العلاقات معها ماب ين التعاون والصراع، ويمكن ملاحظة الرؤية المصرية من خلال موقفها من الاتفاقيات السابقة وذلك من خلال ما استندت إليه من مبادئ القانون الدولي وهي:
- مبدأ التوارث الدولي للمعاهدات:[6]
أكدت اتفاقية فيينا لخلافة الدول في المعاهدات والتي تم إقرارها في 23 أغسطس 1978، على مبدأ التوارث الدولي المعاهدات، وقد اتضح ذلك بداية من الموافقة على مبدأ توارث وقدسية الحدود وهو ما انتهت إليه الدول الأفريقية بشكل خاص في اجتماعات منظمة الوحدة الأفريقية سابقًا –الاتحاد الأفريقي حاليًا– وذلك يشمل التأكيد على شرعية اتفاقيات مياه النيل السابقة والتي تدعي دول المنبع بطلانها وتصر على تغييرها، وذلك حيث تؤكد مصر التزام دول الحوض بالاتفاقيات المبرمة ريثما يتم التوصل لحل بخصوص اتفاقية عنتيبى وبالتالي فلا يستطيع أي طرف أن يتحلل من الاتفاقيات المسبقة.
وهو ما أكدته مصر حول موقفها من اتفاقية الأنهار الجديدة وذلك بقولها إنه “لا يمكن لمثل هذه الاتفاقية الجديدة أن تهدف بأي حال من الأحوال إلى التأثير على الاتفاقيات الدولية الثنائية أو المتعددة الأطراف المتعلقة بأنهار أخرى”[7]، وهو ما اتضح جليًا من خلال موقف مصر من التحفظ على تلك الاتفاقية عند التوقيع عليها، ومع ذك وردت بعض المواد التي تؤكد على حقوق مصر وتعتبر ذات فائدة لها مثل تبادل المعلومات بين الدول في حوض النيل وتستثنى من ذلك أي معلومات تجد الدولة بأنها تضر أمنها القومي.
- مبدأ الانتفاع المنصف والعادل للمجاري المائية:
حيث تدعو مصر إلى إعمال هذا المبدأ عند النظر في مسألة توزيع الأنصبة المائية في حوض نهر النيل، حيث يتعين حصول كل دولة على نصيب عادل ومنصف عند تقاسم مياه النهر، وقد تعرضت المادة الخامسة من قواعد هلسنكي للقانون الدولي لعام 1966 لتحديد ما يعرف بمبدأ الاقتسام العادل والمنصف حيث تضمنت أحد عشر مؤشرًا إرشاديًا في هذا المجال[8]، وقد أكدت اتفاقية الأمم المتحدة 1997 على ذلك وأخذت في الاعتبار عوامل الجغرافيا والمناخ، والحاجات الاقتصادية والاجتماعية والوزن النسبي للسكان الذين يعتمدون على النهر وهو ما يعد في صالح مصر.
- مبدأ الحقوق التاريخية المكتسبة:
ويقوم هذا المبدأ على فكرة مؤداها ضرورة احترام الكيفية التي جرى العمل بها في اقتسام واستخدام مياه النهر الدولي فيما بين الدول المشاركة في مجراه، بشرط أن يكون هذا الاقتسام والاستخدام قد جرى تطبيقه لفترة تاريخية طويلة إلى الحد الذي تصبح معه حصة المياه التي تستخدمها الدولة واقعًا متواترًا لفترة طويلة دون اعتراض دول النهر وبحيث تصبح هذه الحصة ذات أهمية حيوية وفيدة في حياة الدولة المستفيدة[9]، وبناء على ذلك تؤكد مصر على عدم المساس بحقوقها التاريخية والمكتسبة في مياه النيل، وهو ما يعد أيضًا أحد وجهات النظر المصرية القوية للصراع حول المياه في حوض النيل.
- شرط الإخطار المسبق عن التدابير الزمع عقدها في أي دولة:[10]
يعتبر هذا الشرط أحد العوائق الرئيسية في المفاوضات المستمرة بين دول حوض النيل خاصة المفاوضات التي صدر عنها اتفاق عنتيبى من جانب بعض دول المنبع وحدها، ورؤية مصر بشأن الإخطار المسبق تتحدد في أنه يمثل التزام لدول المنبع لأن دول المصب في حالة القيام بأية مشاريع لن تؤثر على دول المنبع، في حين يحق لدول المصب أن تقلق من مشروعات وأعمال في دول المنبع من شأنها التأثير على حصة مصر من المياه وذلك باعتبار أن النيل ليس مجرى لدولة بذاتها وإنما هو مجرى مشترك بين دول الحوض جميعًا وهو ما أكدته اتفاقية الأمم المتحدة للمجاري المائية 1997.
ومما سبق نجد أن وجهة النظر المصرية القانونية استنادًا إلى تلك المبادئ القانونية وبالتطابق مع القانون الدولي قد كونت رؤية خاصة وسديدة للدفاع عن حقها في المياه ورؤيتها للصراع القانوني في الأزمة.
- الرؤية الإثيوبية:
تعتبر إثيوبيا إحدى دول المنبع الأساسية بل وأهمها على الإطلاق، فبأمطارها الغزيرة فهي تمد النيل بنحو 72 مليار متر مكعب أي نسبة 86% من إيراد النيل من المياه –مقدرًا عند أسوان- إلا أنها تستخدم من مياهه في الري نحو 600 مليون متر مكعب، ووفقًا لتقديرات البنك الدولي تستخدم إثيوبيا نحو 2.2 مليار متر مكعب من موارد المياه المتجددة يها سنويًا وذلك بسنبة 2% من إجمالي مواردها المائية، ورغم وفرة الأمطار بها فإن نوبات الجفاف المتلاحقة التي داهمتها وما تبعها من مجاعات بالإضافة إلى الزيادة السكانية السريعة، جعل إثيوبيا تبحث إقامة مشروعات للري تواجه به حاجة سكانها من الغذاء[11]، مما جعلها تطالب بإعادة النظر في النيل واستخدامات مياهه، وتعتبر هذه المطالب بأنها ليست حديثة وإنما هي قديمة ومستترة، ويرجع الاعتقاد بأن الحبشة “إثيوبيا” قادرة على تحويل مياه النيل عن مصر منذ عصر أباطرتها القدماء وزاد هذا الاعتقاد في العصور الوسطى، واستمر ذلك كمؤثر على العلاقات بين البلدين حتى الآن نظرًا لما تتسم به مواقف إثيوبيا الدائمة من الريبة والشك تجاه مصر، وهو ما يجعلها تستخدم قضية المياه في أحيان كثيرة كورقة ضغط على مصر، أما عن الرؤية الإثيوبية:
- يعتبر موقف إثيوبيا الحالي هو تحول جوهري في السياسة الإثيوبية وذلك منذ بداية التسعينيات وذلك في عودتها إلى مبدأ “المورد الطبيعي المشترك”، حيث قرر ميليس زيناوي رئيس الوزراء الراحل بأن حكومته هي أول حكومة إثيوبية تعترف بأن مياه النيل ليست ممتلكات خاصة بإثيوبيا وكذلك هي ليست مصرية-سودانية لأنها ثروة مشتركة لدول منطقة حوض النيل، وأن إثيوبيا ترى ضرورة التعامل مع حوض النيل كمنطقة واحدة وثروة طبيعية واحدة [12]، وهو ما اتضح أيضًا من تصريح مندوب إثيوبيا في مؤتمرات النيل 2002 في القاهرة في عام 1999 حينما تحدث أن إثيوبيا رغم أنها تسهم بالنصيب الأوفر من مياه النيل فهي تعتقد أن النيل ليس ملكًا لدولة أو دولتين ولكنه ملكًا لكل الدول التي في حوضه[13]، وهو كذلك ما أكده رئيس الوزراء الحالي “هيلاميريام” أثناء زيارة وزير الخارجية المصري السابق “محمد كامل عمرو” لأديس أبابا.
- تتمسك إثيوبيا بالتطبيق التبادلي لشرط الإخطار المسبق بمعنى أنها ترفض التزامها بشرط الإخطار المسبق دون التزام دولتي المصب بهذا الشرط حيث تنادي إثيوبيا بأن يكون الالتزام بهذا الشرط مطبقًا على تنفيذ المشروعات المائية القطرية على المستوى الثنائي التبادلي بين المنبع والمصب، إذا لم يحدث ذلك فهي غير ملتزمة بهذا الشرط وهو ما حدا بها برفض المشروعات المصرية المائية مثل مشروع توشكى وترعة السلام وذلك لرؤيتها أن ذلك يجعل مصر تحصل على نسبة مياه أكبر من حصتها.
- تؤكد إثيوبيا على احتفاظها بحقها في استعمال موارد مياه النيل لصالح شعبها بغض النظر عن حرية استعمال الدول المستفيدة الأخرى من المياه أو سعيها وراءها وهو ما اتضح من خلال التصريحات الرسمية الإثيوبية المختلفة بالإضافة إلى المذكرات الرسمية التي تم توزيعها على جميع البعثات الدبلوماسية في القاهرة [14]، وهو ما حدا بها إلى اتباع العديد من السياسات التي تؤجج الصراع مثل طلب دراسات حول استصلاح الأراضي المختلفة بالإضافة إلى إنشاء سدود على مجرى النهر من خلال المساعدات الأمريكية والإسرائيلية وكان آخر تلك السدود هو سد تانابليز والذى مولته إيطاليا وافتتح في 2010، وحاليًا الأزمة المشهودة حول سد النهضة.
- احتجت إثيوبيا على اتفاقية 1959 ورفضت تمامًا الاعتراف بشرعية اتفاقية 1929 باعتبار أنها تم توقيعها تحت الحكم الاستعماري وأن هذا لا يلزمها كدولة مستقلة في الوقت الحالي، ومن ثم تطالب بإعادة النظر فيها مرة أخرى، ونجدها تطالب مصر بالتوقيع على اتفاق عنتيبي الأخير والذى يرفض الاعتراف بالحقوق التاريخية لمصر، كما أنها رفضت اتفاقية 1959 بدافع أن القانون الدولي لا يقبل مقولة الحقوق المكتسبة أو الثابتة لدولة ما في نهر دولي، وأن الحكومة الإثيوبية أوضحت في مناسبات عديدة أنها تعتزم استخدام حصتها المشروعة من مياه النيل ودعت مصر إلى التفاوض بشأن ذلك[15]، كما أنها ترى أن تلك الاتفاقية تم توقيعها بين دولتين من أصل عشرة هما دول الحوض بكامله وبالتالي لا يجوز الاعتراف بها.
- جاء موقف إثيوبيا بالامتناع عن التصويت على اتفاقية الأنهار الجديدة 1997 نتيجة لأنها ترى أن الاتفاقية لا تحقق التوازن بين دول المصب ودول المنبع، وأن الجزء الثالث من الاتفاقية والخاص بالإجراءات المزمع اتخاذها يضع أعباءً ثقيلة على الدولة التي تنوي القيام بمشروعات على مياهها، كما أشار إلى أن المادة الثالثة كان يجب أن تنص على التزام الدول بتعديل الاتفاقيات القائمة للتوافق مع الاتفاقية الإطارية، وأعلنت تحفظها الشديد على المادة السابعة الخاصة بالالتزام بعدم الضرر الجوهري.[16]
- ترى إثيوبيا أن تقاسم المياه يجب أن يستند إلى معيارين هما مساحة التصريف في كل دولة من دول الحوض، ومساهمة كل دولة في الإيراد المائي للنهر، وهو ما يدفع بأنها سوف تنال القسط الأكبر من المياه نظرًا لإسهامها بنحو 86% من مياه النهر، وفى كل هذا دفعت إثيوبيا بعد فشل مفاوضات شرم الشيخ بزعامتها لـ5 دول من منابع النيل بالتوقيع الانفرادي على الاتفاقية الإطارية دون مصر والسودان.
ومما سبق نجد أن الرؤيتين المصرية والإثيوبية متناقضتين تمامًا إلا في اعتبارهما أن النيل ليس ملكًا لدولة بعينها، وبناء عليه فلابد من التفاوض مجددًا حول النقاط الخلافية الواردة في الاتفاق القانوني الشامل لتنظيم مياه النيل “اتفاق عنتيبى” وهو ما يعد ضروريًا وجزء أساسي من الحل لأزمة سد النهضة الحالية.
لقد تعقدت الأمور في الفترات السابقة وبعد اللقاء الكارثي الذي شاهده العالم مباشرة في الحوار غير الوطني للرئاسة السابقة مع بعض رموز المعارضة المصرية ازداد لهيب الأزمة المائية وخاصة بين مصر وإثيوبيا وهو ما سيلقى أو يكاد يكون ألقى بالفعل بتبعيته على باقي دول الحوض، وأضف لذلك الخطاب غير المتوازن للرئيس السابق محمد مرسى في مؤتمر الأحزاب ومقولته الخاصة بنهر الدم والذى تسبب في آثار أكثر من سلبية لدى الدول الأفريقية وليست إثيوبيا وحدها واتضح جليًا بعد ذلك في تصريحات الرئيس الأوغندي “يوري موسيفيني” باتهام مصر بالشوفينية، وهو ما دفع بالقضية نحو جانب كبير من التعقيد، وكذلك صعب مهمة وزير الخارجية المصري السابق محمد كامل عمرو لأديس أبابا وهو ما تجلى في شكلها ونتائجها الضعيفة، ثم أيضًا ازدادت تلك الصعوبة مع الإجراء الشكلي الذي اتخذه الاتحاد الأفريقي بتعليق عضوية مصر في المنظمة الأفريقية لحين عودة النظام الدستوري والمسار الديموقراطي في ظل تحفظ المنظمة على ما تعتبره انقلابًا عسكريًا، وبالتالي ازدادت صعوبة عملية التفاوض في ظل تباطؤ التجاوب الإثيوبي بعد زيارة وزير الخارجية السابق والاتفاق على التشاور، وهو ما رفضته مصر من خلال تصريح وزارة الخارجية المصرية في بيانها الصادر بتاريخ 20 يوليو 2013.
ولكن على الرغم من الأحداث الجارية فلابد أن نعرض لنقاط سريعة حول باقي الخلافات الرئيسية بين مصر وإثيوبيا ثم نستكمل بالدخول في الحلول مباشرة، وتلك النقاط تكمن باختصار في التالي:
- الصورة الذهنية السيئة المتبادلة لدى الطرفين شعبًا وحكومة وذلك بسبب النعرة المصرية في الفرعنة على باقي شعوب القارة والتعامل بتعالي معهم، وحاليًا نشهد النعرات الداخلية سواء التكفيرية أو التخوينية مما يظهر العنصرية الداخلية بيننا، وعلى التوازي نجد النعرة الإثيوبية في الحضارة والتقدم وأنهم أفضل الزنوج –بمعنى سواد البشرة– ومالهم من تاريخ حضاري، والمتابع للصحف يعرف مدى سوء نظرة الطرفين لبعضهما البعض، وكيفية تعامل المصريين مع اللاجئين الإثيوبيين المتواجدين بمصر بصورة سيئة في أعقاب التزييف الإعلامي للعقول حول الأزمة وكذلك التعامل السلبي من جانب السفارة الإثيوبية بالقاهرة في تسهيل إعطاء التأشيرات الخاصة بسفر بعض المصريين لأديس أبابا في توقيت الحوار الوطني يونيه 2013.
- الشك والريبة التي تتميز بها الشخصية الإثيوبية في التعامل مع الخارج وهو ما يظهر جليًا في كافة تعاملاتها السابقة والحالية مع مصر.
- الأنظمة السياسية المتعاقبة في الدولتين تسببت في زيادة الاحتقان على المستوى الرسمي وغير الرسمي سواء كان ظاهريًا أو ضمنيًا منذ السادات ومبارك ومحمد مرسي وحاليًا ننتظر مؤشرات الوضع الجديد بعيد تعليق العضوية.
- الحالة الاقتصادية في الدولتين على السواء كانت لهما دورًا أيضًا، فينظر الإثيوبيون لمصر على أنها تتقدم من خلال استغلال النيل والسد العالي والكهرباء التي لا تستمر في بلادهم إلا 10 ساعات في اليوم فقط، وبالتالي يرى كثير منهم أن المصريين سارقي المياه والمتعالين عليهم -وإن كان الشق الأخير صحيح نسبيًا- كما أن إثيوبيا مرت بالعديد من المجاعات وتصنف من ضمن الدول الأكثر فقرًا في العالم ولهذا فهم يحاولوا النهوض ويعتقدوا في سد النهضة الحلم الأكبر نحو النهوض، أضف لذلك حجم السكان الذي تجاوز الـ80 مليون نسمة وما تلقاه تلك النسمات من متطلبات حياتية.
- التركيبة الداخلية وإدارة التعددية داخل إثيوبيا في وجود سلطوية من النظام الإثيوبي تدفع نحو الإلهاء بالعداء مع الخارج لتوحيد الصف الداخلي.
- استطاع زيناوي أن يجعل مشروع السد مشروعًا قوميًا للشعب الإثيوبي يفوق في قوميته السد العالي وقت بنائه بالنسبة لنا، حتى أن صور المشروع تغطي جدران الشوارع ومطار أديس أبابا مما يعطي الانطباع كما لو كان قضية حياة أو موت.
- وجود مشروعين مصري وآخر إثيوبي شبه منتازعين للتعامل في القارة الأفريقية خاصة في منطقة القرن الأفريقى “مع التحفظ على ضعف الدور المصرى في السنوات الماضية مقارنة بمثيله الإثيوبي” مما دفع لمزيد من التوترات.
- الدعم المصرى لإريتريا في حربها نحو الانفصال عن إثيوبيا مما عطل من اطار التعاون الموقع في 1993 وزاد من التفاعلات السلبية بين البلدين.
- الدور المتبادل في قضية جنوب السودان، فإثيوبيا هى الراعية الحالية للمفاوضات بين السودانيين إلا أنه في فترة الحرب الأهلية كانت إثيوبيا الداعم الأساسى للحركة الشعبية في حربها ضد الشمال ونحن نعلم الوفاق المصري الكامل والنسبي أحيانًا مع الشمال السوداني.
- تشتكى إثيوبيا من تواجد للمخابرات المصرية ودور في زعزعة الاستقرار الداخلى لإثيوبيا من خلال دعم القوميات الانفصالية ودعم الحركات المسلحة في الصومال وإقليم الاوجادين بصفة خاصة وظهر ذلك في تصريح رسمى لزيناوي في 2010 وكذلك في ذات العام كان أحد أعضاء حكومته يدلوا بذات التصريح، مما ترك صورة سلبية للدور المصري هناك.
- أيضًا تاريخيًا فالأصول الإثيوبية المتمثلة في مملكة “أكسوم” كانت في صراع دائم مع الممالك العربية والإسلامية حتى أنها تحالفت مع مملكة حمير في صراعها ضد مملكة سبأ في شبه الجزيرة العربية.
- تاريخيًا، إثيوبيا دائمًا ما كانت تصور نفسها على أنها الجزيرة المسيحية المرتفعة الواقع حولها المسلمين والذين يريدون التخلص منها.
- تاريخيًا، كانت هناك رغبات توسعية لدى الطرفين على حساب الجوار، فمصر كانت مع السودان دولة واحدة، وإثيوبيا توجت رغباتها الاستعمارية باحتلالها المستمر لإقليم الأوجادين الصومالي، وبالتالى المشروعين التوسعيين كان لزامًا أن يصطدما وهو ما حدث فعليًا في محاولة غزو إثيوبيا من خلال الخديوي اسماعيل ولقى الجيش المصري هزيمته في إريتريا والتى كانت لا تزال جزءًا من إثيوبيا.
هذه هى بعض الملاحظات حول بعض الخلافات وأسباب التنازعات المصرية الإثيوبية بالإضافة إلى الإشكالية القانونية السابق ذكرها، ودون الخوض في المزيد من تفنيد ما حدث وبعد النحيب والعويل والسخرية التي حدثت على الحوار الوطني ومؤتمر الأحزاب واختفاء أزمة السد في غياهب تفاعلات 30 يونيه وما تلاها من أوضاع حالية في النظام السياسي المصري غير المستقر، سأحاول جاهدًا أن أذكر بعض الأطروحات المتواضعة وغير السحرية لحل هذه الأزمة، ولكن ينبغى التأكيد أن الوصول لهذه الدرجة المفجعة من وضع مصر أمام دول القارة والعالم أجمع إنما يحتاج لتحرك عاجل وفوري لا يقبل التأخير تحت أي مبرر، ويمكن أن أعتبرها مبادرة نحو الحل وهى بالأساس قائمة على أساس حلول الـ (win-win)وإليها:
- يخرج نائب الرئيس للعلاقات الخارجية في مؤتمر صحفي يدعو إليه وكالات الأنباء المحلية والعالمية وخاصة الإثيوبية، ويعتذر للشعب الإثيوبي قبل الحكومة الإثيوبية على الأطروحات التي طرحت في جلسة السمر تلك المسماة بالحوار الوطني وكذلك التهديدات الخاصة بنهر الدم في مؤتمر الأحزاب.
- يعترف نائب الرئيس للعلاقات الخارجية فى ذلك المؤتمر بالتقصير الحاصل مع دول القارة منذ عهود قديمة، كما يعتذر عن عدم فهم المتطلبات الإثيوبية وباقى دول الحوض بدرجة جيدة وعن الطريقة التي ينظر بها الكثير من المصريين تجاهم وأن ذلك كان سببه الأنظمة السابقة والإعلام الخاطئ والغائب عن أفريقيا برمتها.
- يعترف المسئولون بحق الإثيوبين في التنمية الشاملة بعد الصعوبات التي واجهوها وعن النية الفعلية في بدء نمط جديد من العلاقات مع دول الحوض بصفة عامة وإثيوبيا بصفة خاصة، كما يشيد بالحضارة الإثيوبية وأهمية الدور الذي تلعبه إثيوبيا في تهيئة السلم والأمن في القارة السمراء.
- تتم تشكيل لجنة عاجلة تتكون من (حلمى شعراوي – محمد فائق – السيد فليفل –حورية توفيق مجاهد – حمدي عبد الرحمن حسن – محمد عاشور – هانئ رسلان – أحمد ابراهيم – محمد سالمان طايع – راوية توفيق – ضياء القوصي – لمي حاتو – مسئولي الملف في الرئاسة – أساتذة الري من كلية الهندسة – مسئولي الملف في وزارة الرى – المسئولين عن الملف في المخابرات العامة – مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية – السفير المصري في إثيوبيا – سفراء سابقين في إثيوبيا – أفضل الدبلوماسيين الشباب في البعثة المصرية بأديس أبابا – الباحثين الشباب المتخصيين في الشأن الإثيوبي سواء على مستوى الدراسات السياسية أو الانثربولوجى أو الاقتصاد أو التاريخ وخاصة من معهد البحوث والدراسات الأفريقية – مسئول المكتب الإعلامى في إثيوبيا – مسئول التعاون الكنسي في الكاتدرائية – مسئول الدعوة الاسلامية في الأزهر عن منطقة شرق أفريقيا – “مع حفظ الألقاب للجميع” )، وذلك:
- الاعداد لزيارة عاجلة للخرطوم وجوبا تسبق زيارة اثيوبيا وذلك لتنسيق المواقف القانونية والسياسية والمائية وإعادة توحيدها من جديد خاصة أن الموقف السوداني لم يعد كما كان في تلك القضية من قبل، بعدما ظهرت مزايا للسد على الطرف السوداني وتصريح الرئيس السوداني عمر البشير لجريدة سودان تريبيون حول الأزمة المائية وأن فترة ملء الخزان لن تؤثر على كميات المياه الواردة لمصر والسودان[17] ، كما أن ماشهدته السودان من فيضان وسيول عارمة فى خلال هذة الفترة سيجعلها تعيد التفكير كلياً فى موقفها من السد لصالح الجانب الاثيوبى وذلك لحماية أراضيها من الغرق ومن الكوارث البيئية والانسانية التى ألمت بها مؤخراً .
- وبالتوازى مع ذلك تقوم اللجنة ذاتها بالاعداد لزيارة رئاسية وشعبية لأديس أبابا فى أقرب فرصة وإعدد ملف متكامل عن الأزمة المائية خاصة بعد الاطلاع على التقرير الذى أصدرته اللجنة الدولية الخاص بالسد ودراسته بشكل مستفيض.
- يكون محور عمل الملف السابق هو:
- أولًا: المحور الثقافي
- إيجاد أفضل السبل المناسبة لتصحيح الصورة الذهنية لدى المصريين عن إثيوبيا وكذلك لدى الإثيوبين عن مصر.
- الاتفاق على افتتاح قناة تليفزيونية مصرية في خلال هذا العام -وما أكثر من يمولها- وإذاعة صوتية خاصة بدول حوض النيل تنطلق من القاهرة وتكون مهمتها التعريف بالدول والحضارات الأفريقية، وتكييف وضعها لتبث في دول الحوض وخاصة إثيوبيا كبداية لتصحيح الصور الذهنية السلبية لدى الجانبين.
- تفعيل حملات يومية فعالة ومناسبة في شتى الوسائل الإعلامية المختلفة لترشيد عملية استهلاك المياه نظرًا للاستخدمات غير المناسبة لها والإهدار الواضح بشدة.
- إعداد وفد لزيارة أديس أبابا بشرط توافر عدد من الشباب الواعى –وليس الحزبي- والذى لديه دراية بالواقع الأفريقى حتى يمكنه التواصل مع أقرانه من الجانب الإثيوبي، وذلك كبداية لتصحيح المسار وخطوة على بداية الطريق لكسر الحواجز التي شيدت طوال الفترات السابقة.
- تقديم منح دراسية بالأزهر الشريف لأعداد غير قليلة للجانب الإثيوبي مع تقديم كافة التسهيلات لهم وتجنب المساوئ التي يتعرض لها إخواننا من باقى الدول الأفريقية في دخولهم للأزهر، وهو أيضًا ملف يحتاج للدراسة.
- يعمل الأزهر الشريف على انشاء المساجد المختلفة داخل الدولة الإثيوبية ونشر الدعوة الوسطية من خلاله وتقديم خبرات تدريبية للدعاة هناك.
- تقوم الكنيسة بتعميق التعاون الثنائى متمثلًا في إرسال البعثات التبادلية مع الكنيسة الإثيوبية والاستفادة من الخبرات بين الطرفين، علمًا بأن دور الكنيسة الإثيوبية لم يعد دوره كما كان من قبل في التأثير على الحياة السياسية ولكن هذا بالأساس لتصحيح الصورة السلبية لديهم.
- تكون هناك حملات إعلامية للتعريف بإثيوبيا وباقى دول الحوض وتكون ركيزة تلك الحملات هى احترام الآخر والتعرض لقضاياه دون النظر بعنصرية والتأكيد على الانسانية المتأصلة في شعوب القارة السمراء، مع توقف كافة الحملات الإعلامية التي تدعو للتدخل العسكري والحلول الأمنية والاعتذار عن تقديمها من قبل تحت عذر الجهل بالشيء.
- دور الهيئة المصرية العامة للاستعلامات لابد أن ينشط بصورة جدية للتعريف عن مصر من خلال الندوات والمؤتمرات العامة وأخص بالذكر المكتب الإعلامي في أديس أبابا وذلك بالتنسيق مع الجانب الإثيوبي والحذو حذوه في باقي دول الحوض.
- لابد أن تجهز وزارة الثقافة المصرية المنشورات الخاصة بالتعريف عن مصر والكتب المحورية في شتى المجالات من الأدب والفن والترجمة عن مصر وغيرها لتقديمها للجانب الإثيوبي وعقد اتفاقية تبادلية لنشر الكتب عن الدولتين وحضارة كل منهما، والوزارة بها كتب مرتجعة تصل لنسبة أكبر من 90% وفقًا لما قاله وزير الثقافة السابق وبالتالي فالتكلفة ستكون ضئيلة، والعمل بالمثل مع باقي دول الحوض.
- ثانيًا: المحور السياسي
- تقوم وزارة الخارجية المصرية بفتح خط اتصال مباشرة ومفتوحة مع الجهات الإثيوبية المختلفة والمختصة بالملفات المشتركة وبالطبع على رأسها أزمة المياه وذلك بالتنسيق مع السفارة المصرية في أديس أبابا.
- يكون الهدف من الزيارة الرئاسية والشعبية المذكورة سلفاً هو التفاوض الكامل حول القضية الخاصة بالسد واتفاقية عنتيبى وتوضيح باقى الجوانب المذكورة فى هذة الورقة للجانب الاثيوبى حتى تكون أوراق مكتملة الجوانب لضحد التعنت الاثيوبى فى الشأن المائى
- يتم تحديد زيارة دورية لرئيس الدولة وحكومته بشكل نصف سنوى أى مرتين في العام ناهيك عن الزيارة الخاصة بالقمة الأفريقية التي تعقد كل عام ويتم تحديد مواعيد تلك الزيارة لتدارس المواقف المختلفة.
- الاتفاق على تقديم الخبرات في الشئون البرلمانية وأقصد الباحثين المتخصيين الأكفاء فقط بصرف النظر عن انتمائهم الحزبي أو الفكري وليس أهل الثقة، وذلك من قبل الجانب المصري للجانب الإثيوبي وذلك نظرًا لطول تاريخ التجربة البرلمانية المصرية بما تحمله من خبرات سلبية وايجابية يمكنها أن تفيد في إثراء التجربة البرلمانية الإثيوبية.
- يتم تشكيل لجنة ثنائية دائمة للتنسيق بين الطرفين في المواقف المختلفة على مستوى القضايا الثنائية أو الدولية وخاصة دعم الصومال والوساطة بين الشمال والجنوب السوداني لانهاء القضايا العالقة بين الجانبين وتوحيد تلك المواقف.
- تعرض مصر الوساطة في التسوية النهائية للخلاف الحدودي بين اريتريا وإثيوبيا خاصة مع توافر الحل القانوني بعيد قرار التحكيم الدولي الخاص بتلك الحدود وفى ضوء اتفاق الجزائر عام 2000.
- تقوم مصر بالتنسيق مع الجهات المانحة والتي على علاقة طيبة معنا بشأن عمليات التمويل لسد النهضة وغيره من المشروعات التي تقام على النيل بأن تؤجل تلك المنح لحين الوصول لاتفاق نهائي حول السد واتفاقية عنتيبي، وذلك بعد شرح الموقف المصرى القانونى والمائي كاملًا.
- تعمل مصر على التنسيق مع دولة جنوب السودان لتأجيل موافقتها على اتفاقية عنتيبى عن طريق التواجد المصري في جنوب السودان وتقديم الدعم الفني للحكومة الجديدة في الدولة الأحدث في القارة.
- تعمل مصر على إثارة القضية داخل الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن والسلم الأفريقى “بعد الوصول لتسوية بشأن عملية تعليق العضوية من خلال إجراء انتخابات رئاسية في أقرب فرصة ممكنة” وذلك من أجل خلق بيئة إقليمية تهيئ للضغط على الجانب الإثيوبي.
- كذلك تعمل مصر على التنسيق بين البعثات الرسمية المختلفة في دول حوض النيل لتوحيد التحركات في تلك الدول بما يتناسب مع التمهيد لكسر الحواجز الذهنية لدى شعوب المنطقة بالاضافة للتحرك الدبلوماسى مع حكومات دول الحوض كافة من أجل اقناعهم بأهمية التعاون والتوافق حول مشروع وحدوي يبدأ باتفاقية عنتيبي مع الحفاظ على الحقوق المصرية السودانية ويمتد لانشاء كيان تنظيمي إقليمى جديد يضاف إلى التجمعات الإقليمية في القارة السمراء، أو أن نعود لمبادرة حوض النيل ونعيد تفعيلها مرة أخرى بعد ضم إليها إطارات سياسية واقتصادية جديدة تزيد من فاعلية الوحدوية خلالها.
- ثالثًا: المحور الاقتصادي
- تفعيل اللجنة الثلاثية المصرية السودانية الإثيوبية الدائمة وذلك فورًا دون أى تأجيل ويكون ذلك خلال الشهر الحالي –وهى لجنة غير مثيلتها الدولية المختصة بسد النهضة- لدورها في القضية المائية من خلال:
- مناقشة تقرير اللجنة الدولية حول السد واتخاذ قرارات إلزامية بشأنه من خلال اتفاقية ثلاثية ملزمة خاصة بالسد للأطراف الثلاثة وتشتمل على عملية تنظيم بناء السد والاجراءات الفنية الخاصة به وغيرها مما سنذكره في البنود التالية.
- تشترك مصر في تمويل السد سواء بالصفة المباشرة أو عن طريق رجال أعمال أو دول شقيقة على درجة من العلاقة بشكل قوى يمكننا من إدخالها في تمويل السد بعد الاتفاق على القرارات النهائية بشأنه وتعديل تصميماته لضمان عدم التأثير على الحصة المائية، كما تعرض على مصر إثيوبيا المشاركة في إدارة السد سواء في فترة التخزين أو بعد تشغيله.
- تمد مصر إثيوبيا بالخبراء في مجال الموارد المائية والمساعدة على تقديم التقنيات الخاصة بتقليل الفاقد من مياه النيل في المستنقعات سواء المتواجدة في إثيوبيا أو السودان.
- تعرض مصر تقديم خبراتها من الفنيين والمتخصيين في الري والزراعة والهندسة للمساعدة في تشييد السد والاتفاق على التعديلات اللازمة نحو ضمان عدم تأثير السد على الحصة المائية لمصر والسودان مع ضمان الاستفادة الإثيوبية منه.
- تقوم مصر بالاتفاق على تخصيص أراضي لها للزراعة بإثيوبيا وكذلك في جنوب السودان.
- تطلب مصر من البنك الدولي تقديم دراسات حول جدوى السدود على النهر ومآل تلك السدود في حالة إنشائها في منطقة البحيرات العظمى والهضبة الإثيوبية.
- تعمل مصر بالتنسيق مع الدول العربية التي تستثمر في الأراضي الإثيوبية بصفة خاصة ودول الحوض بصفة عامة، وبالأخص المملكة العربية السعودية صاحبة الاستثمارات الواسعة في إثيوبيا، وكذلك التنسيق مع الكويت والإمارات بهذا الشأن لتوسعة نشاط تلك الاستثمارات.
- التنسيق مع الجانب الإثيوبي لتنظيم رحلات سياحية متبادلة بين الجانبين والاتفاق على جدول زمنى لرفع معدل التبادل السياحى بين الطرفين، وكذلك الحال مع باقي دول الحوض.
- تقديم التسهيلات الخاصة بعملية الاستثمار للشركات المصرية أمثال المقاولون العرب والسويدى، وتقديم الدعم الفني لها للتواجد بصورة أكثر فاعلية في إثيوبيا.
- رفع درجة التعاون من خلال منظمة الكوميسا والعمل على رفع الحواجز الجمركية والعمل على الوصول نحو السوق الحرة لدول الكوميسا، مما يعزز من عملية التبادل التجاري بين مصر وإثيوبيا.
- التعاون الفعال من خلال النيباد والبنك الأفريقى للتنمية في تنمية الأقاليم الأكثر فقرًا في إثيوبيا.
- رابعًا: المحور الاستخباراتي والعسكري
- دعونا نعترف أن جهاز الاستخبارات هو الوحيد الذي كان يلعب بفاعلية في حوض النيل ولا ننكر أن دوره كجهاز استخبارات مطلوب ولكن دون أن ترجح كفته على باقى الأدوار، ولكن نتيجة الادارة الخاطئة للتعامل مع القارة رجحت الكفة الاستخبارتية بما أضر بالعلاقات مع إثيوبيا بصفة خاصة، فالسياسة الخارجية الفعالة لأى دولة لابد أن تكون قائمة على التكامل والتنسيق بين كافة الأجهزة المسئولة في الدولة من مجموعة اقتصادية ورى وزراعة وثقافة واستخبارات ودفاع ورئاسة مع ضرورة الموائمة والتنسيق بين تلك الأجهزة وألا يجور دور أحدها على الآخر حتى لا تعطى الاشارات السلبية التي تضاف للصورة الذهنية كما هو حاصل حاليًا.
- ينبغى أن يكون هناك تعاون استخباراتي ثنائي بين مصر وإثيوبيا والقضايا المشتركة كثيرة مثل الارهاب والأمن والقرصنة ولنا في الحركات المسلحة في الصومال أو في أوغندا أو غرب أفريقيا المثال الأوضح.
- التدريب الاستخباراتي للقيادات الإثيوبية الأمنية يمكنه أن يرسي بعض التفاهمات لدى الجانب الإثيوبي حول القضايا المصرية المصيرية.
- فى الزيارة المذكورة سلفًا يجب الاتفاق على جوانب التعاون الاستخبارتي تلك مع الجانب الإثيوبي أو على الأقل مناقشتها.
- بشأن الخيار العسكرى فهو كوسيلة لإدارة السياسة الخارجية وتسوية النزاعات حول القضايا المختلفة لم تعد صاحبة الأفضلية فهى لها ما لها من مساوئ ومآلات كبرى لا يحمد عقباها بالإضافة إلى أنه يترك آثارًا سلبية على المستويين الرسمى والشعبى لدى الطرف الآخر وأيضًا بالأخذ فى الاعتبار الظروف الداخلية والإقليمية والدولية فإن مثل هذا الخيار يظل بعيدًا عن الاستخدام فى تسوية هذة القضية وبالتالى فلابد أن يبقى بعيدًا عن طرحه فى وسائل الاعلام المختلفة حتى تتضح نتائج المفاوضات والمسارات الأخرى.
- لكن في الجانب العسكري ما ينبغي أن يكون وهو تقديم خبرات قتالية وتكتيكية للجانب الإثيوبي وتدريبه مثلما يفعل الكيان الاسرائيلي، وبالتالى دفع عملية التعاون العسكري بدلًا من أن يكون صراع عسكري هو وسيلة أخرى كورقة تفاوضية تطرح لتضيف لباقي الأوراق عنصرًا جديدًا يفعل من الأدوار المصرية ويحقق المصالح العليا المرجوة.
- خامسًا: المحور القانوني
- ضرورة شرح الموقف القانوني بالطريقة المثلى وضرورة إنجاز التفاوض حول المواد المختلف عليها في اتفاقية عنتيبي بما يحفظ الحقوق المصرية في مياه النيل وعدم المساس بحصتها التاريخية حتى ننتهي من عملية تنظيم استغلال مياه النهر من خلال تلك الاتفاقية.
- إذا فشلت المفاوضات من جديد يتم رفع شكوى لمجلس الأمن والضغط نحو تمريرها إلى محكمة العدل الدولية لإصدار فتوى بشأن القضية وهو ما سيكون في الصالح المصري، وعلى الرغم من عدم إلزامية تلك الفتوى لكنها ستضاف إلى الخطوات السابقة مما يعزز من الموقف المصري ويزيد المفاوض المصرى قوة وقدرة على الإقناع للطرف الآخر.
- تطلب مصر من الأمم المتحدة تفسيرًا قانونيًا لفكرة الانتفاع المنصف والعادل بالنسبة لحالة حوض النيل والمبادئ التي تفسر هذا العنصر في هذه الحالة.
- في الوضع الحالي لا يمكن أن نطرح فكرة التحكيم الدولى حول المواد الخلافية في اتفاقية عنتيبي لأن الجانب الإثيوبي بالتأكيد سيرفض في ظل التجاذبات الحالية وبالتالي قانونيًا فالتحكيم يجب أن يكون الطرفين موافقين عليه وعلى الالتزام بنتائجه وإلا فاللجوء إليه لن يجدي.
هذه بعض الأطروحات المتواضعة حول طريقة التعامل مع الأزمة المائية ولكن ينبغى التأكيد على أنه بأي حال من الأحوال لا يجوز أن تسير المسارات منفردة ولكن لا بد أن تكون بالتوازى مع بعضها البعض حتى يمكن تحقيق نتائج فعالة وناجزة، وإلا سنجد ما لا نحمد عقباه نتيجة الوضع الحالى والذى تأزم كثيرًا عقب كارثة الحوار غير الوطني غير العقلاني والذى أذيع على الهواء.
آمل أن تكون تلك بداية للعودة لجزء من تكويننا وثقافتنا وهويتنا الثالثة بجانب العربية والاسلامية، وأن تكون مهد للانطلاق نحو الوحدة الأفريقية ودعم قضايا القارة في الداخل والخارج والتخلص من رواسب الحقب التاريخية المختلفة التي مرت بها دول القارة.
[1] منذر خدام، الأمن المائي العربى: الواقع والتحديات، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2001، ص 121 – 123.
[2]From Conflict to cooperation in the management of transboundary waters “ The Nile Experience “ , http:// www.jelrc.org/content/a0509.pdf , p.4
[3] حبيب عائب، المياه في الشرق الأوسط “الجغرافيا السياسية للموارد والنزاعات”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، 1996، ص 127 – 128.
[4] أ.د. عبد المللك عودة، اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية، سلسلة دراسات إستراتجية، مركز الدراسات السياسية، جامعة القاهرة، يوليو 1998، ص 23
[5] أمل حمد العليَان، الأمن المائي العربي “مطلب اقتصادي أم سياسي”، دار العلوم للطباعة والنشر، 1996
[6] د. محمد سالمان طايع، محدودوية الموارد المائية والصراع الدولي: دراسة لحالة حوض النيل، رسالة دكتوراه، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2005، ص 214
[7] المرجع السابق، ص 218
[8]التقرير الاستراتيجي الأفريقي، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، جامعة القاهرة، 2007 – 2008، ص 437.
[9]أشرف عد الحميد كشك، السياسة المصرية تجاه دول حوض النيل في التسعينيات، برنامج الدراسات المصرية الأفريقية، جامعة القاهرة، 2006، ص 158 – 159.
[10] للمزيد حول الشرط: انظر: د. محمد سالمان طايع، مرجع سابق، ص 267.
[11] د. محمد أبو العلا محمد، مشكلات المياه في الشرق الأوسط، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 2009، ص 122
[12] حسن إبراهيم سعد، السياسة الخارجية الإثيوبية تجاه منطقة القرن الأفريقي، رسالة ماجستير، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، القاهرة، 2001، ص 296
[13] الصادق المهدى، مياه النيل “الوعد والوعيد”، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة، 2000، ص 36.
[14]حسن إبراهيم سعد، مرجع سابق، ص 292 – 293.
[15] فتحي على حسين، الموارد المائية والعلاقات الإقليمية في الشرق الأوسط، رسالة ماجستير، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، القاهرة، 1994،
[16] التقرير الاستراتيجي الأفريقي، 2007 – 2008، مرجع سابق، ص 446.
[17] http://www.sudantribune.com/spip.php?article47035 HYPERLINK “http://www.facebook.com/l.php?u=http%3A%2F%2Fwww.sudantribune.com%2Fspip.php%3Farticle47035&h=-AQHheZvx”