30 يونيه 2013: سيناريوهات المستقبل
حبيبة محسن

مصر

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [157.10 KB]

مقدمة:

انطلقت حركة “تمرد” كحركة معارضة مصرية يوم الجمعة 26 أبريل 2013، احتجاجا على سياسات الرئيس محمد مرسي في السلطة، وأداءه الذي لم يرتقي إلى المستوى المطلوب كما ترى قطاعات واسعة من المجتمع، وخاصة في أعقاب ثورة عظيمة كثورة 25 يناير 2011. وعليه، أخذت الحركة على عاتقها مبادرة جمع 15 مليون توقيع من المواطنين المصريين، وهو عدد أكبر من عدد المواطنين الذي انتخب محمد مرسي في جولة الإعادة، من أجل سحب الثقة من رئيس الجمهورية، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة منذ انطلاقها وقبل حلول 30 يونيه 2013. وعلى الرغم من قصر عمر الحركة النسبي، إلا أنها استطاعت في مدى زمني قصير للغاية (أسبوعين فقط من تاريخ تأسيسها) تجميع توقيعات حوالي 2 مليون و29 ألف مواطن مصري على استمارات سحب الثقة من الرئيس مرسي، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة[1].

وتدعو الحركة إلى تظاهرات شعبية حاشدة في الميادين والساحات المصرية يوم 30 يونيه 2013، تقوم فيه بتقديم التوقيعات إلى رئاسة الجمهورية، ووقع الاختيار على هذا التاريخ تحديدا نظرا لأنه يمثل الذكرى السنوية الأولى لتولى محمد مرسي منصب رئاسة الجمهورية. وجاءت تصريحات منسقي الحركة في الإعلام في مجملها لتفيد بأن الحركة بدأت ليس رغبة ًفي إزاحة الإخوان عن السلطة لأنهم إخوان، ولكن بسبب ممارسات الرئيس الاستبدادية وغير الكفؤة، فيرى منسقو الحركة أن محمد مرسي يسير على نفس نهج النظام السابق، وأنه لم يحقق أي من مطالب الثورة المصرية، فلم يتحقق أي تغيير على المستوى السياسي ولا الاقتصادي ولا الاجتماعي.

وعلى الرغم من المساعي الحثيثة لحركة تمرد من أجل الترتيب لهذا اليوم وما بعده، إلا أن العديد من التساؤلات بدأت تطفو على السطح وتثير قلق متابعي الشأن السياسي المصري في الداخل والخارج. ومن خلال متابعة الحوارات المثارة على مستوى حركة تمرد، وعلى مستوى النخبة السياسية المصرية، وكذلك على مستوى الرأي العام المصري ذاته، يمكن لنا تصنيف هذه التساؤلات في ثلاثة مراحل أساسية: هي مرحلة الاستعداد لـ30 يونيه، وهي في مجملها أسئلة تتعلق بالتحضير لهذا اليوم، نوعية الشعارات المرفوعة، أشكال الاحتجاج التي يجب التحضير لها، كيفية مواجهة محاولات النظام بالحشد المضاد، وغيرها. أما المرحلة الثانية، فهي المتعلقة بفعاليات يوم 30 يونيه نفسه والمتوقع له، وهو ما يطرح أسئلة من نوعية ما العمل إذا تم قمع التظاهرات بالعنف؟ وكيفية التعامل مع المتظاهرين إذا طالب بعض منهم بانقلاب عسكري بصورة مباشرة، وما إلى ذلك. أما المرحلة الثالثة، فهي التي تتعلق بسيناريوهات ما بعد 30 يونيه 2013، وما هو المتوقع من جانب النظام ومن جانب القوى المعارضة، وكيفية تجنب إعادة إنتاج نظام سلطوي سواء كان في صورته الإسلامية أو العسكرية أو غيرها. وربما نحاول في نهاية هذه الورقة أيضا تقديم بعض التوصيات التي تصلح كنقاط للتفكير في إجابات على هذه التساؤلات.

مرحلة الاستعداد من أجل 30 يونيه 2013: الحشد والحشد المضاد

كما شهد المراقبون للمشهد السياسي المصري جميعا، فإن القوى السياسية جميعها، سواء كانت في النظام أو في المعارضة بشكلها التقليدي أو حتى في المعارضة في صيغتها الشبابية الاحتجاجية، متوجسة بصورة كبيرة، ويزداد توجسها كلما اقترب التاريخ الحاسم. ومن الواضح أن النظام الحالي، سواء كانت مؤسسة الرئاسة أو جماعة الإخوان المسلمين، تدرك –بصورة واضحة- التدهور الحقيقي والكبير الذي أصاب شعبيتها في الشارع المصري. ولذلك سارعت بمحاولة مغازلة القطاعات الكبيرة المتعاطفة مع الثورة السورية في مصر، وفي القلب منها القوى السلفية، عبر تنظيم مؤتمر شعبي حاشد “لنصرة الثورة السورية”، ضم بين صفوف الحاضرين فيه وجوه بارزة من ضمن مشايخ التيار السلفي من غير المنتمين إلى مدرسة الدعوة السلفية، ومنهم على سبيل المثال الشيخ محمد حسان، أو الشيخ محمد حسين يعقوب وغيرهم. ومن المؤكد أن هذا المؤتمر له عدد من الأهداف غير المرتبطة بالضرورة بالثورة السورية: أولها كان مغازلة التيار السلفي عبر استضافة بعض من رموزه لإثنائه عن المشاركة في التظاهرات يوم 30 يونيه؛ وكذلك كان من الواضح أن أحد أهداف المؤتمر هو محاولة خلق حشد مضاد للحشد المتوقع يوم 30 يونيه. وهو ما يطرح المزيد من الأسئلة حول ما يتوقع من جانب النظام –أو بالتحديد جماعة الإخوان المسلمين- من إمكانية للحشد المضاد تحت عباءة حملتي “تجرد” و “مؤيد” في الشارع قبل حلول 30 يونيه.

ويثير ذلك عدد من التساؤلات حول نوعية الخطاب الذي سوف تستخدمه قيادات حركة “تمرد” على عدد من المستويات: أولا على مستوى إدارة التوقعات لدى المتظاهرين المحتملين أو المتعاطفين مع الحركة، والتي ارتفعت بشكل غير مسبوق وإلى مستويات قد لا تكون واقعية في معظم الأحيان-كما سنفصل لاحقا-؛ إلى جانب الخطاب المستخدم من أجل الحشد والتعبئة، وكيف سيتعامل مع القطاعات المختلفة من المجتمع: سواء من المتظاهرين ممن سبقت لهم المشاركة في الثورة سابقا (المؤيدين الطبيعيين للحركة)، وتلك القطاعات منهم التي تجنح –لعدة أسباب ليس مجال تفصيلها هنا- إلى العنف، وتلك القطاعات من المواطنين التي لم يسبق لها المشاركة في الاحتجاجات من قبل، ممن يجذبهم خطاب “الاستقرار”، واصطلح على تسميتهم بـ”حزب الكنبة”، والتي قررت الانخراط في صفوف المحتجين لعدم رضائها عن أداء مؤسسة الرئاسة في مجمله؛ هذا إلى جانب القطاعات الأخرى التي يحتمل أن تطالب باستدعاء المؤسسة العسكرية بصورة مباشرة إلى المشهد السياسي، وتلك القطاعات المؤيدة بشكل صريح لعودة النظام السابق، والذين اصطلح على تسميتهم بـ”الفلول”.

كما يطرح المشهد أيضا عددا من التساؤلات حول ملف جمع التوقيعات من المواطنين، والذي يستلزم دقة متناهية في إدارته من جانب الحركة، من أجل احتفاظ الحركة بمصداقيتها لدى الرأي العام المصري والدولي أيضا؛ حتى موعد التقدم بالتوقيعات إلى جهة قضائية مختصة، للفصل في مسألة سحب الثقة من الرئيس مرسي، إذا تم الاتفاق فعليا على ذلك.

تتطلب أيضا مرحلة الاستعداد حسم الشكل المتوقع للحشد خلال هذا اليوم، وهل سيتم تنظيم التظاهرات بشكل مركزي، من خلال احتشاد المتظاهرين في ميادين أو أماكن بعينها في العاصمة (في ميدان التحرير أو أمام قصر الاتحادية كما جرت العادة)، وتوصيل المتظاهرين من المحافظات المختلفة إلى العاصمة؛ أم سيكون الحشد بشكل لا مركزي (أي كلٍ يتظاهر في محافظته). وهل يمكن تجاوز النمط الاحتجاجي الذي رسخته ثورة 25 يناير، وهو نمط “الاحتشاد في الميدان” أو “المدينة المنتفضة”، الذي فقد جانبا كثيرا من بريقه بعد ثورة يناير وقدرته على الحشد؛ وربما استبداله -أو تكميله- بأنماط أخرى من الاحتجاج بهدف التصعيد للضغط على النظام، مثل الإضرابات العمالية والمهنية المتصاعدة، أو العصيان المدني –كالذي شهدته مدينة بورسعيد مؤخرا مثلا- أو أنماط أخرى أقرب إلى العنف مثل قطع الطرق أو غيرها.

إلى جانب ذلك، تثير مرحلة الاستعداد مجموعة من التساؤلات حول كيفية استغلال حركة تمرد للعلاقة مع الإعلام، وكيفية استغلال الإعلام كوسيلة للحشد ونقل رسائل واضحة للمتظاهرين والرأي العام، دون أن يؤدي التعامل المفرط لقيادات الحركة مع الإعلام إلى تحويلهم إلى “نجوم إعلاميين”، ويفصلهم عن العمل في الشارع والاشتباك معه بما قد يؤثر بالسلب على الحشد ليوم 30 يونيه.

ترتبط بقضية الإعلام قضية أخرى، وهي علاقة حركة تمرد وقياداتها مع فصائل المعارضة على اختلاف انتماءاتهم، وعلى الأخص الوجوه المعروفة في “جبهة الإنقاذ”، والتي فقدت الكثير من مصداقيتها لدى قطاعات لا بأس بها من الرأي العام. فقد يؤدي التقارب المباشر بين قيادات الحركة وبين جبهة الإنقاذ إلى إفقاد حركة “تمرد” جانبا ما من التأييد المحتمل لها. يرى بعض المحللين أن حركة تمرد تسعى –كحركة شبابية- إلى التواصل مع النخبة السياسية التقليدية، الممثلة في قيادات الأحزاب والسياسيين، لزيادة حضورها السياسي والإعلام؛ في الوقت نفسه الذي تسعى فيه تلك النخبة إلى تعزيز مواقفها وحضورها في الشارع المصري من خلال اشتباكها وتفاعلها بصورة إيجابية مع حركة تمرد، مستفيدة من الزخم الذي أحدثته هذه الأخيرة على الأرض.

الخطورة الأساسية هنا تكمن في إمكانية إعادة إنتاج تجربة “ائتلاف شباب الثورة”، التي كانت المظلة الجامعة للقوى الشبابية الثورية خلال فترة الـ18 يوما، والتي جمعت القوى الشبابية من مختلف التيارات، ولكنها لم تستطع ترجمة تلك الحالة الثورية أو الخطاب الثوري إلى جملة انتخابية جيدة، وبالتالي كان نجاحها الانتخابي محدودا للغاية في برلمان 2011. ومن ناحية أخرى، فتحت الباب لاستنساخ تجربة شباب الائتلاف إلى عشرات من الائتلافات والاتحادات والحركات الشبابية ليس بينها سوى قدر ضئيل من التنسيق والتعاون، كل منها يزعم أنه “الممثل الحقيقي للثورة”، وهو ما عمل –بشكل ما- على تفتيت الكتلة الثورية بين عدد كبير من الكيانات ضعيفة التأثير والقدرة على التنسيق والتعاون والعمل المشترك.

مرحلة أثناء 30 يونيه:

لا تقل التساؤلات المطروحة خلال تلك المرحلة أهمية عما تم طرحه في المرحلة السابقة، خاصة وأن الكثير من هذه التساؤلات سيستمر في التردد والتحول منذ مرحلة الاستعداد وحتى مرحلة ما بعد 30 يونيه. وعلى رأس هذه الأسئلة مثلا تلك المتعلقة بالخطاب، وكيفية تعامل الحركة مع ذلك. كذلك من المهم أن تحدد الحركة كيفية تعاملها مع تلك القطاعات من المتظاهرين التي قد تبدأ بشكل مباشر في استدعاء المؤسسة العسكرية بصورة مباشرة إلى المشهد، مطالبة إياها بالقيام بانقلاب عسكري؛ أو تلك القطاعات الأخرى التي قد تخرج في التظاهرات بشعارات أو صور مؤيدة بصورة واضحة وصريحة لعودة النظام السابق.

أحد أهم التساؤلات الأخرى المطروحة في تلك المرحلة، هي حول ثنائية “السلمية- العنف”: ولذلك عدد من المحاور الأساسية: أولها، ماذا سيترتب على قمع تلك التظاهرات بالعنف؟ والعنف هنا قد يأخذ صورتين: إما العنف المعتاد من الشرطة تجاه المتظاهرين، أو العنف من جانب بعض مؤيدي الإخوان المسلمين أو الجماعات الإسلامية الأخرى تجاه المتظاهرين، كما سبق ورأينا في اعتصام الاتحادية في ديسمبر 2012 على سبيل المثال. وهنا تطرح تساؤلات إضافية حول موقف وزارة الداخلية وجهاز الشرطة: فمن ناحية، يعرف المراقبون للمشهد المصري أن جهاز الشرطة ما زال متورطا في الكثير من الممارسات السلبية وخروقات لحقوق الإنسان حتى بعد اندلاع الثورة، ومنها –بطبيعة الحال- الاعتداءات على التظاهرات السلمية، والتي تكررت بكثافة بعد ثورة 25 يناير؛ ولكن من ناحية أخرى، تناقلت وسائل الإعلام بعض تصريحات نقلا عن عدد من قيادات الشرطة، تفيد بأن هذه الأخيرة ليست طرفا في الصراع السياسي الدائر الآن، وأنها لن تقبل أن يتم الزج بها في الصراعات السياسية مرة أخرى؛ مع التأكيد على أن الشرطة تدرك أن دورها يوم 30 يونيه سيقتصر على حماية الأرواح والممتلكات وليس حماية النظام[2]. وهو ما يضفي المزيد من الارتباك على المشهد السياسي الحالي.

أما المحور الآخر في هذه الثنائية، هو إمكانية الانزلاق إلى عنف واسع النطاق، سواء بمبادرة من الشرطة، أو بعض الميليشيات الإسلامية، أو بعض المتظاهرين. وتتزايد احتمالات وقوع أعمال عنف في ظل عدد من المحددات، أولها القناعة السائدة لدى قطاعات يعتد بها من المواطنين بالعجز عن إحداث التغيير السياسي المطلوب من خلال صندوق الانتخابات، وهو ما يعكس خيبة أمل كبيرة في آلية الديمقراطية التي نجح النظامين السابق والحالي في اختزالها –ببساطة- في صندوق الانتخابات، أو في ظاهرة اصطلح بعض المحللين على تسميتها بالـ”صندوقراطية”.

وتثير ثنائية “السلمية- العنف”، والمخاوف من انتشار العنف بصورة كبيرة، وما يستتبع ذلك بالضرورة من آثار بالغة الأهمية على المجالين الاقتصادي والاجتماعي، مخاوف أخرى من إمكانية تحرك المؤسسة العسكرية لاتخاذ مواقف سياسية/ أمنية مباشرة، كما سنعرض في الفقرة التالية من هذه الورقة.

مرحلة ما بعد 30 يونيه: متغيرات ومحددات التغيير

قبل أن نعرض للسيناريوهات محتملة الحدوث- كما نراها- في مرحلة ما بعد 30 يونيه، من المهم أن نشير إلى أن هناك عدد من المتغيرات يحكم ترجيح حدوث أحد تلك السيناريوهات على حساب الأخرى. كما سنفصله في الفقرات التالية:

1.     المتغير الأول: موقف المؤسسة العسكرية

من المؤكد أن المؤسسة العسكرية لازالت تلعب دورا محوريا في المجال السياسي، حتى وإن كان هذا الدور يبدو مستترا نوعا ما منذ انتهاء المرحلة الانتقالية وتسليم المجلس الأعلى للقوات المسلحة تتراوح بين التدخل لتأمين الطرق والمنشآت الأكثر حيوية، أو التدخل من أجل فرض حل سياسي على الأطراف المتصارعة دون أن تتولي الحكم بشكل مباشر، وحتى القيام بانقلاب عسكري مباشر في حال خروج الأمور عن السيطرة كليا؛ وما يثيره ذلك –بطبيعة الحال- من مخاوف على مستقبل التحول الديمقراطي في مصر.

2.     المتغير الثاني: حجم الحشد المتوقع وقدرته على الاستمرار

تعتمد مرحلة ما بعد 30 يونيه، ومدى نجاح الحراك الشعبي في التأثير على النظام الحالي بصورة أساسية على حجم الحشد الشعبي المشارك ليس فقط في تظاهرات يوم 30 يونيه. ولكن لا تكفي التظاهرات وحدها لتحديد مسار المستقبل أو لتشكيل ورقة ضغط مؤثرة على النظام. فمن المؤكد أن الضغط على النظام سيتطلب حشدا كبيرا ممتدا على فترات زمنية أطول، وقد تبلغ أسابيع أو شهور كما شهدنا في حالات مشابهة أثناء الثورات العربية مثل الحالة اليمنية على سبيل المثال.

وهنا يبقى حجم ومسار التغيير المأمول أو المنتظر مرهونا بشكل كبير بالقدرة على الحشد والتعبئة في الفترة من 30 يونيه وما بعدها، والقدرة على تحقيق الاستمرار والدوام لهذا الحشد الشعبي ولحين تحقق مطالب الحركة أو الاتفاق على صيغة أخرى للخروج من الأزمة، كما سيلي توضيحه لاحقا.

وهذا المتغير يرتبط بشكل مباشر –بطبيعة الحال- بعدد من العوامل الأساسية، منها ما يرتبط بالحركة ذاتها (كالخطاب المستخدم في الحشد والتعبئة، أو ارتباط الحراك بأعمال عنف،… إلخ)؛ ولكن يرتبط ذلك أيضا ببعض العوامل الخارجة عن إرادة وتوقعات الحركة، ومنها مثلا درجة القمع المتوقع أن تمارس ضد المتظاهرين، أو فقدان الثقة والأمل في التغيير من خلال الفاعليات الاحتجاجية من جانب قطاعات كبيرة من المتظاهرين تنجذب بصورة أكبر إلى خطاب “الاستقرار”، أو بسبب بعض العوامل الاقتصادية والمناخية إلى آخره.

3.     المتغير الثالث: تدخل القوى الدولية

حتى الآن، لم تبد القوى الدولية أي تحرك فعلي أو أي موقف لتأييد أي من الطرفين: المعارضة أو نظام الإخوان المسلمين، وذلك لعدد من الأسباب، أولها مسألة المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية القائمة بين النظام المصري-أيا كانت الأطراف الموجودة في السلطة- وبين القوى الدولية؛ وثانيا، فمن الواضح أن القوى الدولية لا تريد التورط في معركة لا تستطيع التنبؤ بنتائجها، وهو موقف يشابه حالة الارتباك التي سادت الأوساط الدولية أيضا إبان اندلاع الثورة المصرية في يناير 2011. ولكن هناك فارق مهم، وهو أنه في يناير 2011، لم يكن لدى نظام مبارك أي شرعية انتخابية أو ديمقراطية حقيقية يستند إليها، على العكس من مرسي الذي تولى منصب رئاسة الجمهورية مستندا إلى نتائج انتخابات على قدر كبير من النزاهة. وهنا، ربما كانت القوى الدولية، وتحديدا الاتحاد الأوروبي، تخشى تكرار التجربة المريرة التي نتجت عن الموقف السلبي الذي اتخذته القوى الدولية من حركة حماس لدى فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2005. ومما يعمق هذه الرغبة في عدم التدخل، هو بالتأكيد العزوف عن التدخل في “الشئون الداخلية المصرية” من ناحية، ومن ناحية أخرى، فهناك نوع من العجز لدى هذه القوى عن تخيل بديل آخر في السلطة قادر على الحفاظ على مصالحها، وضمان الحد الأدنى من الانضباط والاستقرار اللازمين لذلك.

وخلاصة القول أن هذه القوى تفضل- على الأقل في الوقت الراهن- الوقوف على الحياد بمنطق “لننتظر ونرى”، إلى أن تتغير معطيات المشهد بشكل يرجح كفة أحد الأطراف على الأخرى، أو إلى أن يظهر سيناريو واضح لإنهاء الأزمة.

خاتمة: ما هي السيناريوهات المطروحة للمستقبل؟

بناء على المتغيرات التي سبق طرحها، يبدو أن المشهد الحالي يحتمل حدوث عدد من السيناريوهات، التي نناقشها في السطور التالية:

1.     السيناريو الأول (سيناريو الحد الأقصى): انتخابات رئاسية مبكرة

ويرتكز هذا السيناريو بطبيعة الحال على الطرح الذي تقدمه قيادات حركة تمرد، وهو ما تذكره في استمارات سحب الثقة من محمد مرسي، التي تجمع عليها توقيعات المواطنين المصريين؛ وهو ما يدور حول إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وتتمثل الإجراءات الممكنة لتنفيذ هذا السيناريو في تنحية مرسي عن السلطة، وتولي رئيس انتقالي، قد يكون رئيس المحكمة الدستورية العليا كما ترى بعض قيادات حركة تمرد، أو مجلس رئاسي كما يرى البعض الآخر –وإن كان طرح المجلس الرئاسي يبدو أقل واقعية لعدد من الأسباب التي لا مجال لتفصيلها هنا- السلطة لمدة ستين يوما، يجري خلالها التحضيرات اللازمة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

ومن المهم الإشارة إلى أنه من الواجب تحديد صلاحيات هذا الرئيس الانتقالي بدقة، بحيث تقتصر صلاحياته على ما يتصل بإدارة الانتخابات، وتمثيل مصر في الخارج فقط. أما باقي الصلاحيات فتوكل إلى حكومة انتقالية مستقلة، قد تكون حكومة تكنوقراط، أو حكومة وحدة وطنية مشكلة من كافة القوى الوطنية للإشراف على الانتخابات وإدارة البلاد إلى حين تولي الرئيس الجديد.

2.     السيناريو الثاني:

يعد هذا السيناريو تنويع على السيناريو الأول، فمن خلال عملية تفاوضية مع النظام، حيث يمكن أن يبقى مرسي في منصبه بصفة مؤقتة لمدة ستة أشهر (أو أكثر قليلا)، لحين إجراء حزمة من الإصلاحات الدستورية والتشريعية، وإلى أن يتم التحضير لانتخابات رئاسية مبكرة، وذلك بعد عملية تفاوضية بين النظام الحالي وممثلي المعارضة أو ممثلي الحركة، يخرجون فيها بخارطة طريق للحل مرتبطة ببرنامج زمني واضح ومحدد. وفي تلك الفترة قد يتم أيضا الاتفاق على تشكيل حكومة تكنوقراط تضم المستقلين ولا يوجد بها تمثيل لأي حزب من الأحزاب بما فيها الإخوان ( يري مؤيدوا هذا الرأي إنه سيجهض مشروع الإخوان في التمكين) أو حكومة وحدة وطنية -يكون نصيب الإخوان المسلمين منها محدود جدا وبعيد عن الوزارات السيادية- وبمشاركة أحزاب أخرى، وتقوم بالتحضير لهذه الانتخابات.

3.     السيناريو الثالث:

مثل السيناريو الثاني، من خلال عملية تفاوضية مع النظام، قد يتم الاتفاق على أن يستكمل مرسي ما تبقى من مدته الدستورية، ولكن مع تشكيل حكومة تكنوقراط أو حكومة وحدة وطنية، يكون نصيب الإخوان المسلمين منها محدود جدا وبعيد عن الوزارات السيادية

ويعتمد السيناريوهين الثاني والثالث بشكل كبير على المتغيرين الأول والثالث، بمعنى تدخل المؤسسة العسكرية أو القوى الدولية للضغط على النظام لفرض أحد هذين الحلين السياسيين.

4.     السيناريو الرابع (سيناريو الحد الأدنى):

وهو يرتبط بشكل أساسي بالمتغير الثاني، المرتبط بالقدرة على الحشد في الشارع، فإذا كان الحشد ضعيفا أو قصير النفس، أو إذا استمر فترة طويلة دون استجابة تذكر من النظام، فيمكن لحركة تمرد السير في المسار الحقوقي، بمعنى تقديم التوقيعات التي تم جمعها من المواطنين إلى جهة قضائية محلية أو دولية، والاستمرار في الحملات الإعلامية ضد النظام. وهو ما قد يعطي للحركة قوة دفع أكبر على المستوى الإعلامي ولدى المجتمع الدولي. ولكن من المهم الإشارة إلى مخاطر هذا السيناريو، الذي يعكس تحققه حالة من اليأس أو الإحباط لدى المواطنين، وبالتالي عزوفهم عن المشاركة في الحراك السياسي، وهو ما يعني ضربة قوية للحراك الشعبي الرافض للممارسات غير الديمقراطية من النظام، وبالتالي تماديه في تقليص هامش الحريات المكتسب قبل الثورة وبعدها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] وكالة الأنباء الصينية (شينخوا)، “مقابلة خاصة: منسق حركة تمرد: 30 يونيه يوم فاصل في تاريخ مصر، والانتخابات الرئاسية المبكرة هي الحل”، بتاريخ 28 مايو 2013، على الرابط التالي: http://arabic.news.cn/world/2013-05/28/c_132414993.htm HYPERLINK “http://arabic.news.cn/world/2013-05/28/c_132414993.htm”

 [2]مصراوي. كوم، “ائتلاف أفراد الشرطة: لن نحمي النظام في تظاهرات 30 يونيه”، بتاريخ 17 يونيه 2013، على الرابط التالي: http://www.masrawy.com/news/Cases/General/2013/June/17/5647950.aspx HYPERLINK “http://www.masrawy.com/news/Cases/General/2013/June/17/5647950.aspx”

Start typing and press Enter to search