السلفيون في مصر: أسباب الصعود في الانتخابات البرلمانية
حبيبة محسن ,عمر سمير خلف
مصر
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [897.07 KB]

  • مقدمة: كيف يؤثر الدين على خيارات الناخبين السياسية؟

شهدت أول تجربة انتخابية للشعب المصري بعد ثورة 25 يناير 2011، والتي اتسمت بالنزاهة والشفافية إلى حد بعيد، صعودا غير مسبوق لتيارات الإسلام السياسي، وتحديدا التيار السلفي -ممثلا في حزب النور وتحالفه الانتخابي الذي عرف باسم “التحالف الإسلامي”- الذي نجح، رغم حداثة عهده الكبيرة بالعمل السياسي، في حصد حوالي ربع مقاعد مجلس الشعب المصري، ليصبح ثاني أكبر كتلة برلمانية بعد حزب الحرية والعدالة، في مقابل خسارة فادحة لتيارات أخرى أكثر خبرة بالعمل السياسي والانتخابي.

ومن المهم الإشارة هنا إلى أن “التيار السلفي” ليس تيارا موحدا أو كيانا متماسكا له هيكل واضح المعالم على غرار جماعة الإخوان المسلمين. فيضم هذا التيار عددا من الكيانات المختلفة والمتنوعة، وهي تشترك عادة في بعض الأصول الفقهية على الرغم من تباين مواقفها في الكثير من المسائل الأخرى، خاصة بعد الثورة المصرية وبدء عمل بعض التيارات السلفية بالسياسة. ومن هذه الكيانات تيار “الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية”، والتي تعد من أقدم الجمعيات الأهلية في مصر، حيث تم إنشائها عام 1912. وتتميز هذه الجمعية بأنها –على مدى تاريخها الطويل- كانت تتجنب الخوض في الأمور السياسية، باعتبار أنها تقع ضمن اختصاصات الحاكم أو ولي الأمر، وكانت تحرم على أعضائها الاشتغال بالأمور السياسية. على الرغم من ذلك، كانت للجمعية مجلات مثل مجلة (التبيان)كانت تتعرض لبعض القضايا المرتبطة بالفشل السياسي أو الاقتصادي، ولكن دون أن تقدم مشروعا سياسيا- اقتصاديا متماسكا يصلح كبديل، بل كان الخطاب السياسي المنسوب للجمعية يكتفي بإلقاء الضوء فقط على بعض الجوانب الجزئية لبعض هذه القضايا، دون أن تأخذ في الاعتبار السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي العام، متبعة أسلوب الإصلاح الجزئي[1].

إضافة إلى ذلك، هناك جمعية أخرى على درجة كبيرة من الأهمية، وهي جمعية “أنصار السنة المحمدية”، والتي تأسست عام 1926، وعلى الرغم من أنها تهتم بأمور العقيدة، ولا تهتم بأمور السياسة؛ إلا أنها تختلف قليلا في مواقفها عن الجمعية الشرعية، حيث يؤكد أتباعها على وجوب الحكم بالشريعة الإسلامية، وأن الديمقراطية نظام كافر وإن كان يجوز الترشح في الانتخابات أو المشاركة في العمل النقابي أو الطلابي لتقليل شرور النظام الديمقراطي. ولكنهم لا يمارسون أي عمل سياسي مباشر[2].

وإلى جانب هذين التيارين، فهناك عدد كبير من الكيانات الأخرى، أبرزها “الدعوة السلفية بالإسكندرية”.وقد ظهرت هذه المدرسة في الإسكندرية في السبعينيات تقريبا. وهي الفترة التي كانت تموج بالحراك السياسي والطلابي، خاصة في الجامعات، وخاصة من جانب تيار الإسلام السياسي بشكل عام. ففي تلك الفترة، ونظرا لأن التيار الإسلامي في ذلك الوقت لم يكن قد تبلور ونضج بشكل كامل بعد، فقد بدأت الخلافات تظهر تدريجيا –بل وأحيانا بشكل عنيف- بين الإخوان المسلمين، وبين السلفيين التقليديين، وبين التيارات الجهادية، والتي بدأت تتضح بداية من العام الجامعي [3]1974.

فمدرسة الدعوة السلفية في الإسكندرية ظهرت كرد فعل على المواقف الإخوانية، التي بدا للتيار السلفي أنها تتساهل في أمور العقيدة، ولا تهتم كثيرا بتدريس العلوم الشرعية، وغيرها من الأمور التي تعد في مركز الاهتمام بالنسبة للتيار السلفي. دون إغفال لمعارك أخرى جانبية حركية كالصراع على السيطرة على المساجد في الجامعات أو ضم أعضاء جدد أو غير ذلك. وهكذا كانت مدرسة الدعوة السلفية بمثابة حركة همها الأساسي الحفاظ عل العقيدة فقط، وبالتالي لم تهتم كثيرا بالقضايا السياسية أو الاقتصادية. وعلى الرغم من محاولات الشيوخ المنتمين لمدرسة الدعوة السلفية خلق هيكل تنظيمي لها، إلا أن هذه المحاولات جميعا باءت بالفشل نتيجة لضربات أمنية. على الرغم من ذلك، نجح مشايخ الدعوة السلفية في توسيع المساحات المتاحة أمامهم للدعوة من خلال الحضور المكثف في الفضائيات “الإسلامية”، التي انتشرت بصورة كبيرة في السنوات العشر الأخيرة، مثل قنوات “الناس”، أو”الرحمة”، وغيرها من الفضائيات الإسلامية، وأيضا من خلال المواقع الإلكترونية والمنتديات السلفية على الإنترنت. واحتفظت الدعوة السلفية بمواقفها المتشددة من تحريم المشاركة في العمل السياسي أو الحزبي ضمن المؤسسات القائمة، كما ترفض أيضا التغيير عبر الوسائل العنيفة، مع التركيز على المسائل العقائدية كأساس للفكر، وعلى الدعوة والتربية كأساليب للعمل. واستمر ذلك الموقف حتى قيام ثورة 25 يناير[4].

ويضاف على ذلك عدد كبير من الاتجاهات السلفية الأخرى المتفاوتة في مواقفها من الحاكم ومن الدولة على وجه الخصوص. فهناك على سبيل المثال تيار السلفية الحركية الذي يكفر الحاكم إذا لم يحكم بالشريعة، ويحرمون المشاركة السياسية باعتبارها انحرافا عن الشريعة وخروجا عن أحكامها، وإن كانوا قد اتفقوا على عدم الاشتغال بالسياسة. المثير للاهتمام في مواقف هذا التيار هو أنه شارك في ثورة 25 يناير بفاعلية، ولم يكن هذا القرار مستغربا، باعتبار أن الحاكم لدى السلفية الحركية يعد كافرا إذا لم يحكم بالشريعة، ويجوز الخروج عليه وقتذاك[5].

وهناك تيار آخر مهم، وهو ما يعرف بالسلفي المدخلية، وهو تيار لا يؤمن بالخروج على الحاكم كما يؤمن التيار الحركي، بل ويرى عدم جواز معارض الحاكم ولا حتى لإبداء النصح. ويبرر أنصار هذا التيار ذلك بأن معارضة الحاكم أو ولي الأمر تدخل المرء في دائرة “الخوارج”، لأن الحكم بالشريعة- في نظرهم- ليست أصلا من أصول العقيدة، ووجود قوانين مخالفة للشريعة في تقديرهم لا ينقض الإسلام[6].

وتركز هذه الورقة البحثية على مدرسة الدعوة السلفية بالإسكندرية وحزب النور، الذي يعد بمثابة ذراع سياسية لها، وربما تعرضنا أيضا إلى بعض الأحزاب السلفية الأخرى التي خاضت الانتخابات البرلمانية على قائمة التحالف الإسلامي.

مع اندلاع الثورة المصرية، كان رد الفعل المباشر لمشايخ وعلماء الدعوة السلفية هو عدم المشاركة فيها، وذلك لاعتبارين أساسيين: أولهما عدم اعتقادهم بأن التظاهرات ستتحول فعلا إلى تظاهرات شعبية؛ والثاني هو خشية أن يقوم النظام السابق بقمع الثورة بعنف ووحشية قد تصل إلى إبادة جماعية، وذلك بالاستناد إلى ترسانة من الفتاوى التي تحرم التظاهر لدرء الفتن. ولكن على الرغم من ذلك، لعبت الدعوة السلفية دورا في اللجان الشعبية، من خلال حماية الممتلكات ودور العبادة الإسلامية والمسيحية بعد هزيمة الشرطة وانسحابها في 28 يناير.

من المؤكد أن الثورة المصرية غيرت الكثير من الأمور، وفتحت الكثير من الأبواب المغلقة خاصة في وجه الدعوة السلفية. فقد نجح المناخ السياسي الأكثر “انفتاحا” بعد الثورة في فتح المجال أمام الدعوة السلفية لتأسيس حزب سياسي طبقا لقانون الأحزاب، وهو حزب “النور”. وقد بررت قيادات الدعوة السلفية هذا التغير الجذري في موقفها الرافض للمشاركة السياسية بصدور حكم المحكمة الدستورية العليا عام 1996، الذي أكد أن مجلس الشعب ملزم دستوريا بألا يصدر تشريعات تخالف المصدر الرئيسي للتشريع، وهو ما يعني أن النظام السياسي لم يكن يحكم بما يخالف الشريعة. إضافة إلى كون الأحزاب التي كانت قائمة قبل الثورة كانت “علمانية”، ولم يكن النظام السياسي السابق يسمح لأي من القوى الإسلامية بتأسيس حزب له مرجعية دينية. وهو ما يبرر الحملة الشرسة التي قامت بها الدعوة السلفية وحزب النور التابع لها في مارس 2011 إبان الاستفتاء على التعديلات الدستورية، من أجل ما أسموه “الحفاظ على الهوية الإسلامية للبلاد”، ضد محاولات “البعض” المساس بها. ويؤكد قيادات حزب النور في هذا الصدد على أنه لولا إحساس الدعوة السلفية بالتهديد الواقع على هذه المسألة تحديدا لما تركوا العمل الدعوي من أجل ممارسة العمل السياسي. إلى جانب الرغبة في المشاركة في النظام السياسي الحالي-على الرغم من عدم مثاليته وفقا للرؤية السلفية، إلا أنه في غياب الدولة الإسلامية المنتظرة، لابد لأبناء الدعوة السلفية من المشاركة في العمل العام لمنع المساس بالمادة الثانية من الدستور، وللحيلولة دون عودة أي نظام قمعي أو فاسد مرة أخرى. ولذلك تكرر حديث القيادات السلفية حول الأهداف الأساسية الكامنة وراء تأسيس حزب النور، وهي إقامة دولة المؤسسات التي تحمي الحرية والعدالة والمساواة، ولكن أيضا مع حماية الشريعة الإسلامية كمصدر رئيس للتشريع.

وبالتالي يمكننا القول- دون خطأ كبير- أن حزب النور هو الذراع السياسية لمدرسة الدعوة السلفية، كما هو الحال مع تجربة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة. كما تعمل الدعوة السلفية باعتبارها “الظهير الشعبي والجماهيري” للحزب في أنشطته السياسية. وهكذا، قبيل الانتخابات البرلمانية، تمكن عدد من الأحزاب السياسية ذات التوجه السلفي، أبرزها حزب النور، ومعه حزبي الأصالة والفضيلة الأصغر حجما، إلى جانب حزب البناء والتنمية التابع للجماعة الإسلامية، من خوض غمار الانتخابات البرلمانية تحت لافتة تحالف انتخابي واحد هو “التحالف الإسلامي”. وقد تمكن هذا التحالف من حصد عدد كبير من المقاعد (حوالي ربع عدد مقاعد مجلس الشعب) في الانتخابات البرلمانية 2011. وتركز هذه الورقة في مجملها على الأداء السياسي لحزب النور، باعتباره الحزب السلفي الأبرز والأكبر حجما.

وتحاول هذه الورقة الوقوف على بعض الأسباب الكامنة وراء هذا الصعود السلفي غير المسبوق، على الرغم من حداثة عهد السلفيين بالعمل السياسي، وانعدام خبرتهم الانتخابية، في الانتخابات البرلمانية 2011. فتثير هذه الظاهرة عدد من التساؤلات الأساسية: هل تغير المزاج العام للمواطن المصري بعد ثورة 25 يناير، بحيث أصبح أكثر محافظة وانغلاقا أو “تسلفا” إن صح التعبير؟ كيف أثرت الدعاية الانتخابية لحزب النور وباقي أعضاء التحالف الإسلامي على المواطنين المصريين، وما هي نوعية اللغة والأدوات الدعائية المستخدمة أثناء المعركة الانتخابية؟ هل طرح حزب النور برنامجا انتخابيا متميزا؟ هل يمكن تفسير الصعود الكبير للسلفيين في الانتخابات البرلمانية بأنه “ملء فراغ” سياسي لقوى أخرى لم يكن أداؤها الانتخابي على المستوى المطلوب؟ كيف تشكل التحالف الإسلامي ولماذا لم ينجح في ضم كل الأحزاب الإسلامية إليه، وهل استمر في العمل بكفاءة بعد الانتخابات؟ هل كانت العلاقة خلال الانتخابات البرلمانية بين التيار السلفي وبين الإخوان المسلمين علاقة صراع أم تعاون؟ وماذا عن موقف حزب النور من باقي التيارات السياسية الأخرى غير الإسلامية؟

  • نظرة سريعة على برنامج حزب النور الانتخابي في 2011:

لدى النظرة الأولى لبرنامج حزب النور، يمكننا ملاحظة أن قضية الهوية تشغل مساحة مركزية في البرنامج الانتخابي للحزب. فيقرر الحزب في الفقرة الأولى من برنامجه أن “قضية الهوية قضية محورية لابد من الاهتمام بها والتركيز عليها، لأنها هي التي تشخص ذات الأمة وتميزها، وهي السمة الجوهرية العامة لثقافتنا[7]“. ويعرف الحزب الهوية المصرية بأنها “الهوية الإسلامية العربية بحكم عقيدة ودين الغالبية العظمى من أهلها، واعتماداً على أن اللغة العربية هي لغة أهلها”. ويؤكد على أنه من الواجب على مؤسسات الدولة الرسمية (وزارة الثقافة- وزارة التعليم- المعاهد والجماعات…) أن تعمل على تعزيز وترسيخ هذه الهوية. وضرورة التواصل الدائم مع الهوية الإسلامية العربية بصورة دائمة، باعتبارها قوة حضارية دافعة.

وهنا، وكما هو متوقع، يركز حزب النور في هذا المجال على مركزية المادة الثانية من الدستور في برنامجه الانتخابي، وفصل كثيرا في هذا الأخير حول ضرورة الالتزام بها كإطار عام حاكم للجميع، واعتبارها مرجعية عليا للنظام السياسي. وكذلك خصص بندا إضافيا للحديث عن مبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر رئيس للتشريع.

كذلك انعكس هذا البعد الهوياتي على بعض سياسات الحزب في المجال السياسي والاقتصادي. فعلى سبيل المثال، يرى الحزب أن المحافظة على الحقوق والحريات العامة لابد من أن يكون في إطار من الشريعة الإسلامية، أو تحقيق الديمقراطية في إطار الشريعة الإسلامية. وعلى الجانب الاقتصادي، ركز الحزب على الاهتمام بكرامة الإنسان المصري، من منطلق الشريعة الإسلامية، باعتبار أن الله تعالى قد كرم بني آدم، إلى جانب اهتمامه بتفعيل دور المؤسسات ذات الطابع الخيري الإسلامي، مثل مؤسسات الزكاة والوقف، وتبرعات الأغنياء لإنشاء مؤسسات اقتصادية واجتماعية لضمان التكافل الاجتماعي، والتأكيد على ضرورة التوسع في البنوك الإسلامية، في مقابل تقليل النظام “الربوي” المعمول به في البنوك المصرية حاليا، ومحاربة الاحتكار، وتحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول العربية والإسلامية. وهي كل أمور تعكس مركزية بُعد “الهوية” في برنامج الحزب.

وعلى الرغم من هذا البعد الهوياتي الذي انعكس بصورة واضحة على محتوى البرنامج الانتخابي لحزب النور، إلا أن المثير للاهتمام -وأحيانا الدهشة- في برنامج الحزب هو خلوه –تقريبا- من اللغة الإسلامية، واستخدام لغة بسيطة وسهلة بعيدة عن التعقيد، وتكاد تكون خالية تقريبا من الإشارات إلى النصوص القرآنية أو الأحاديث الشريفة[8].

إلى جانب هذه الاعتبارات، فمن المؤكد أن الأبعاد الاجتماعية الواردة في برنامج الحزب تدل على اهتمام بقضايا المجتمع، فالبرنامج يعكس احتكاكا كبيرا بقضايا الشارع، والتواصل مع مشكلاته مثل (البطالة- الرعاية الصحية- التعليم والدروس الخصوصية- أطفال الشوارع- مشكلات المرأة المعيلة…). ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن برنامج الحزب يعكس رؤى ناضجة ومتماسكة لحلها أو معالجتها، ولا تعكس هذه السياسات المقترحة أي رؤية متميزة عن ما تطرحه باقي الأحزاب السياسية الأخرى.

على الرغم من ذلك، قد لا تكون البرامج الانتخابية للأحزاب هي العامل الفيصل في اختيار تشير الانطباعات الأولية القادمة من الشارع المصري تعكس عدم اهتمام كبير بمسألة البرامج الانتخابية، نظرا لحداثة العهد بإدارة بالعملية السياسية والانتخابية بشكل ديمقراطي عموما، وبحداثة نشأة الكثير من الأحزاب السياسية التي شاركت في الانتخابات البرلمانية لأول مرة بعد الثورة، والانتشار الكبير للأمية في مصر، مما يجعل الانتباه لمسألة البرامج الحزبية مسألة –في تقديري- غير ذات تأثير كبير على قرار الناخبين، على العكس من التواجد الفعلي في الشارع مع المواطنين، سواء من خلال المؤتمرات الانتخابية، الدعاية الانتخابية في الشوارع، التواصل مع الناخبين بشكل شخصي.

  • الدعاية الانتخابية للتحالف الإسلامي وكيفية تأثيرها على الناخبين:

على الرغم من أن ثورة 25 يناير فتحت المجال أمام أشكال مختلفة ومبتكرة من التعبير، والتي صبت بشكل ما في الدعاية الانتخابية للمرشحين في الانتخابات البرلمانية 2011، إلا أن حزب النور، نظرا لحداثة عهده بالممارسة السياسية، اعتمد بكثافة على أساليب العمل “الدعوي” في ممارسته السياسية ودعايته الانتخابية. فاعتمد الحزب بكثافة على الدعاية من خلال المساجد واستغلال المنابر أثناء خطب الجمعة على سبيل المثال من أجل حصد الأصوات. وهنا لا يمكن أن ننفي أن الاعتماد على هذا الأسلوب في الدعاية الانتخابية لم يخلو من هجوم على التيارات الأخرى –غير الإسلامية بل وأحيانا الأطياف الإسلامية الأخرى أيضا- وظهر ذلك على سبيل المثال في محافظة السويس، التي استغل مناصرو حزب النور فيها الدعاية في المساجد، معتمدين على القدرة المالية التي يمتلكها شيوخ الدعوة السلفية في السويس، بسبب تجارتهم الواسعة المعروفة في هذه المدينة[9]. وخاصة، من خلال مسجد الجمعية الشرعية بالسويس، ومساجد أخرى بهذه المحافظة التي تسيطر عليها الجماعات السلفية، الذي اعتاد الدعاية للمرشحين ذوي الخلفية الإسلامية، وخاصة مرشحي التيار السلفي بعد كل صلاة[10].

كان أحد أشكال ذلك على سبيل المثال، هي استخدام الدعاة الدينيين ومشايخ التيار السلفي، في دفع المواطنين إلى التصويت في الانتخابات لصالح مرشحي التيار الإسلامي عموما والسلفي خصوصا. ومنهم على سبيل المثال الداعية السلفي “حازم شومان”، الذي اعتبر التصويت في الانتخابات البرلمانية “جهادا وشهادة حق من أجل نصرة دين الله في الأرض، من خلال اختيار مرشحين يسعون إلى نصرة الله وشرعه”، ولم يفت الداعية الشهير أيضا استخدام لغة توحي طوال الوقت بأن هناك مؤامرة أو هجوم حاد على الإسلام والإسلاميين من جانب التيارات الأخرى غير الإسلامية، وصفها بأنها “موجة لمحاربة الإسلام”، ومطالبا الجماهير بالتحرك لنصرة الشريعة[11].

إضافة إلى الدعاية من خلال المساجد، اعتمدت دعاية حزب النور على أساليب أخرى جديدة أو غير معتادة، وجزء منها في الحقيقة ربما أقرب إلى الأساليب التي تعتمدها الدعوة السلفية في الترويج لمبادئها أيضا، مثل قيام سيدات من المنتميات -أو ينتمي أزواجهن- إلى الجماعات السلفية بالمرور على المنازل في المدينة لدعوة السيدات إلى انتخاب مرشحي حزب النور، معتمدين في ذلك على مزج واضح للدين بالسياسة. وكثر الاعتماد على هذا الأسلوب في المناطق الريفية والعشوائية الفقيرة في السويس[12]، وفي غيرها من المحافظات والمناطق الفقيرة في القاهرة أيضا.

كذلك اعتمدت الدعاية في جزء منها على إرسال رسائل طمأنة إلى المواطنين المسيحيين بأن الأحزاب السلفية “لن تمس شعرة واحدة من أي مسيحي في مصر”[13]، كنوع من رد الفعل على تصاعد التوجس المسيحي من أن يؤدي الصعود السلفي في الانتخابات إلى الإضرار بحقوقهم، والإخلال بمبدأ المواطنة. ومن أمثلة ذللك مثلا حرص رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، والتي تشارك في الانتخابات عبر ذراعها السياسية، حزب البناء والتنمية، أيضا تحت مظلة التحالف الإسلامي، على طمأنة المسيحيين، بأن أكد أن حزبه يريد للدستور الجديد أن “يحفظ الهوية الإسلامية لمصر ويحفظ حقوق غير المسلمين”[14].

ومن خلال تحليل بعض الباحثين للدعاية الانتخابية للتحالف الإسلامي، كان من الواضح أن هناك –على الرغم من قرار الهيئة العليا الانتخابات بحظر الشعارات الدينية في الدعاية الانتخابية- استخداما كثيفا للرموز والشعارات الدينية، سواء بشكل صريح أو ضمني، فعلى سبيل المثال: لجأ بعض المرشحين إلى استخدام بعض الآيات القرآنية على غرار “إن ينصركم الله فلا غالب لكم”، و”ما النصر إلا من عند الله”، كما تم أيضا استخدام بعض الأحاديث الشريفة في الدعاية الانتخابية؛ وضمنيا، استخدم بعض المرشحين صورهم بالزي الأزهري –من أجل اكتساب المزيد من المصداقية- إلى جانب الاستعانة بصور بعض مشاهير الدعاة أو المشايخ مثل محمد حسان أو الشيخ الشعراوي وغيرهم، إلى جانب إلحاق ألقاب ذات مدلولات دينية بأسماء بعض المرشحين مثل لقب “شيخ” أو “حاج”، أو غيرها[15].

كذلك رصدت الصحف ووسائل الإعلام المختلفة ما يمكن اعتباره مخالفات انتخابية وقانونية في حق حزب النور، حيث اعتمد عدد من المرشحين في بعض الدوائر مثل دائرة السلام والمرج على الدعاية من خلال إغراء الناخبين بالهدايا (أجهزة كهربائية- أثاث-…)[16]، إلى جانب بالطبع ما تناقلته الصحف عن تقديم حزب النور للكثير من الخدمات والمواد التموينية لناخبيه في المناطق الشعبية والفقيرة، أو تقديمها بأسعار مخفضة عن أسعار السوق، من أجل دفع الناخبين إلى التصويت لمرشحي حزب النور.

ويضاف إلى ذلك أيضا استغلال الأطفال في الدعاية الانتخابية من أجل كسب المزيد من التعاطف الشعبي مع الحزب، بعضها كان أمام اللجان مقابل مبالغ مالية، وهو ما اعتبرته بعض الجمعيات الحقوقية أحد أشكال العمل القسري للأطفال، وهو ما يجرمه القانون لسنة ٢٠١٠، الخاص بمكافحة الاتجار في البشر، مؤكدا أن استغلال الأطفال في تلك الأعمال من شأنه أن يعرض حياتهم للخطر في حالة التدافع والتزاحم أمام اللجان الانتخابية، ويجعلهم عرضة للملاحقات الأمنية[17].

وهنا لابد من الإشارة إلى ملاحظة أساسية بخصوص الدعاية الانتخابية المطبوعة والمنشورة للحزب. فقبيل الانتخابات البرلمانية انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي دعاية انتخابية منسوبة إلى حزب النور، قام الحزب فيها بتغيير صور المرشحات السيدات على قوائمه إلى صور زهور. ولكن مع الحملة الإعلامية المكثفة التي انطلقت ضد هذه الدعاية، تم تغييرها بسرعة إلى صور المرشحات الأصلية وهن إما يرتدين النقاب أو الحجاب العادي. ويضاف على ذلك تصريحات الشيخ عماد عبد الغفور رئيس الحزب بأن ارتداء النقاب للمرشحات كشرط للترشح على قوائم الحزب ليس ضروريا، والمهم هو أن تكون للمرشحة خبرة في العمل العام أو الاجتماعي[18].

  • العلاقة بين التحالف الإسلامي وبين التيارات الأخرى الإسلامية وغير الإسلامية المنافسة في الانتخابات:

كما هو الحال بالنسبة لأي حزب سياسي، تأرجحت العلاقات بين الأحزاب السلفية المنضوية تحت مظلة التحالف الإسلامي بين الصراع والتعاون مع الأحزاب الأخرى، إسلامية أو غير إسلامية. ومن المهم لنا أولا التركيز على العلاقة الملتبسة بين أحزاب التحالف الإسلامي وبين الحزب الإسلامي الأكبر والأبرز، وهو حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين. وعلى العكس من التوقعات الأولية، لم تكن العلاقات تعاونية بين الطرفين على طول الخط، ولكنها كذلك لم تكن صراعية أو صدامية على طول الخط أيضا. وإنما تأرجحت بين الاثنين. فوصل التعاون إلى درجة التنسيق المشترك لإسقاط بعض مرشحي القوى المدنية، ووصل الصراع إلى درجة التكفير والاشتباكات بالكلام وبالأيدي أحيانا أخرى.

عن التساؤل الذي طرحه الكثيرون حول لماذا لم تشارك الأحزاب الإسلامية كلها مع حزب الحرية والعدالة في قائمة انتخابية واحدة، فالمعروف أنه كان الوضع في بداية الأمر هو اشتراك الأحزاب الإسلامية، مع عدد آخر من القوى المدنية، في تحالف واحد عرف باسم “التحالف الديمقراطي”، كان الهدف منه عمل قائمة موحدة لكل القوى الوطنية في الانتخابات البرلمانية ضد فلول النظام السابق. ولكن سرعان ما تفتت هذا التحالف على خلفية عدد من الخلافات بين أعضائه ومؤسسيه لا مجال لذكرها هنا. ولكن الجدير بالذكر هو أن القوى الإسلامية خرجت في مجملها من التحالف الديمقراطي على خلفية خلافات مع حزب الحرية والعدالة على عدد المقاعد، وبسبب إصرار الحرية والعدالة على أن يتصدر مرشحوها القوائم الانتخابية في كل الدوائر. ولذلك، أطلق حزب النور مبادرة لتأسيس التحالف الإسلامي، لجمع هذه القوى والأحزاب الإسلامية الخارجة من التحالف الديمقراطي. ورغم فوز حزب النور بنصيب الأسد في نسبة المقاعد التي سيحصل عليها من التحالف الإسلامي على مستوى الجمهورية (90% من المقاعد) إلا أن التحالف دعم قائمة حزب البناء والتنمية (الجماعة الإسلامية) في الصعيد، وقائمة حزب الأصالة التي تركزت في بعض مناطق القاهرة الكبرى. وكانت الأحزاب الإسلامية الخارجة من التحالف الديمقراطي بحاجة إلى تحالف مع أحزاب موجودة على الأرضية ولها ثقل ووزن. ولذلك، كانت مبادرة حزب النور مبادرة جيدة لكافة القوى السلفية التي كانت تسعى للاستجابة إلى مطالب قواعدها بتوحيد الصفوف[19].

الجدير بالذكر أن هذا التحالف في الأغلب لم يكن سوى تحالفا انتخابيا فقط، فلم يلبث هذا التحالف أن تفكك داخل البرلمان. فبدلا من الانضواء تحت الهيئة البرلمانية لحزب النور التي يرأسها سيد مصطفى، اتجه حزبا الأصالة “السلفي” والبناء والتنمية” الذراع السياسي للجماعة الإسلامية تشكيل هيئة برلمانية مستقلة عن حزب النور الذي كان يرأس التحالف الإسلامي قبل عقد أولى جلسات مجلس الشعب. حيث اختار الأول تأسيس هيئة برلمانية مستقلة برئاسة اللواء الدكتور عادل عبد المقصود عفيفي رئيس حزب الأصالة رئيسا لها، واختار الثاني تأسيس هيئة برلمانية منفصلة، يرأسها الدكتور محمد الصغير[20].

ولكن من المؤكد أن الإخوان المسلمين اعتمدوا استراتيجية واضحة منذ بدء الانتخابات، وهي إدعاء تمثيل الإسلام الوسطي المعتدل في مقابل التشدد والتطرف السلفيين. وعلى الرغم من تأكيد بعض قيادات حزب النور وجود تفاهمات بين السلفيين وبين حزب الحرية والعدالة، إلا أن قيادات حزب الحرية والعدالة، وعلى رأسهم دكتور سعد الكتاتني على سبيل المثال، أكدوا أن هذه التفاهمات لم تحدث، على الرغم من الطلب المتكرر للقيادات السلفية[21].

والدليل الأبلغ على نجاح هذه الاستراتيجية مثلا هو النجاح الساحق الذي حظى به مرشح الحرية والعدالة، حسني دويدار، في مقابل مرشح حزب النور، الشيخ عبد المنعم الشحات. فكانت نتائج جولة الإعادة بالإسكندرية بمثابة ضربة مدوية للدعوة السلفية ولحزب النور في مقرها الرئيس وموطنها الأساسي. ولكن هذه الضربة لم تكن مفاجأة بالنسبة لحزب النور، الذي صرح متحدثه الرسمي د. يسري حماد، بأنه كان يتوقع هذه النتيجة نظرا للتصريحات المتشددة التي كان “الشحات” قد أدلى بها في وسائل الإعلام قبيل الانتخابات، والتي أثارت قلق العديد من فصائل المجتمع. وهنا بدا أن حزب النور بدأ في الابتعاد عن الدوجماتية أو الجمود الفكري الذي يميز التيار السلفي عموما، حيث أن هذه التصريحات المقلقة للشحات جعلت الحزب مهتما بأمرين لم يكونا محل اهتمام كبير منه في السابق: أولا، إرسال رسائل طمأنة إلى المجتمع بان الشحات يتحدث باسمه فقط، وأنه لا يتحدث بلسان الحزب، وأن آرائه الشخصية لا تعبر على الإطلاق عن الرؤية الحزبية. وثانيا، مسألة الالتزام الحزبي، فقد أكد “حماد” على أن الشحات كان عليه الالتزام ببرنامج ومبادئ الحزب. وعلى خلفية هذه الأزمة، قرر الحزب وقف “الشحات” إعلاميا، وهو ما يعكس هذا الوعي المتزايد لدى الحزب بهذين المسألتين، واللتان ستساهمان في تطوير الأداء السياسي للحزب في المستقبل[22].

أما عن التعاون بين حزبي النور والحرية والعدالة أثناء الانتخابات، فقد بدا واضحا في بعض الدوائر الانتخابية البعيدة عن العاصمة أو المدن الكبرى، التي حرص حزب الحرية والعدالة فيها على تمييز نفسه عن حزب النور، بإبداء أنه “أكثر اعتدالا” أو “أكثر وسطية” من التيار السلفي، على عكس المناطق الأخرى، التي ربما لم يكن مهموما فيها بخلق مثل هذا التمايز. وقد بدا هذا التعاون بين الحزبين في بعض الدوائر مثل أسوان، التي –بعد إعلان النتائج فيها بفوز حزبي النور والحرية والعدالة بمقعدي المحافظة في مجلس الشورى- ردد أنصار الحزبين هتافات مثل “النور والحرية والعدالة إيد واحدة”.

أما عن علاقة التحالف الإسلامي وباقي القوى المدنية، فقد اتسمت العلاقة بين أحزاب التحالف الإسلامي وبين باقي مرشحي القوى المدنية بطابع غالب من الصراع خلال الانتخابات، طغى عليها أكثر الوقت. فقد نجحت القوى السلفية، وأيضا من خلال التعاون مع حزب الحرية والعدالة، في حسم المواجهة بصورة كبيرة بين المعسكر الإسلامي والمعسكر المدني من خلال القيام بحملة دعائية ضد الأحزاب المدنية. فعلى سبيل المثال، استغلت هذه الحملة الدعائية تصريحات اعتبرها قطاع واسع من الشارع المصري مسيئة للإسلام، مثل التي أصدرها المهندس نجيب ساويرس، الممول الأساسي لحزب المصريين الأحرار، في حملة دعاية مضادة لتحالف الكتلة المصرية[23].

من الواضح أيضا أن حزب النور قد تخلى –ولو جزئيا- عن دوجماتيته الأيديولوجية، وجنح أكثر نحو المزيد من البراجماتية في إدارة علاقاته مع الأحزاب والتيارات الأخرى الموجودة على الساحة. فعلى سبيل المثال، وفي محافظة مثل السويس، كان من الواضح أن حزب النور وحزب الحرية والعدالة قد خاضا الانتخابات في المحافظة بتحالف غير معلن بينهما، ولكن انهار هذا التحالف مع إلغاء هذه الجولة بواسطة اللجنة العليا للانتخابات. وفي جولة الإعادة، حاول التحالف الإسلامي الوصول أولا لاتفاق مع الحرية والعدالة باعتباره الأقرب فكريا، ولكن مع انهيار هذا التحالف كانت هناك محاولات للوصول إلى تنسيق أو تحالف انتخابي مع مرشح ائتلاف شباب الثورة وعضو حزب الوعي، ولكن باءت هذه المحاولة بالفشل بسبب عدم قدرة الطرفين على التوصل لحل وسط[24].

  • خاتمة: محاولة للفهم

تباينت التفسيرات التي قدمها المحللون لهذا الصعود الكبير للتيارات الإسلامية، وخاصة السلفية منها، في الانتخابات البرلمانية لعام 2011. فمع الإقرار بأن هذه التيارات كانت هي الأقرب للشارع المصري، والأكثر التصاقا بمشاكله، خاصة خلال الحملات الانتخابية، وأنها كانت الأقدر على إدارة حملاتها في الدعاية الانتخابية بكفاءة؛ فقد تباينت التفسيرات والتحليلات لهذا الصعود الكبير للتيار السلفي تحديدا في الانتخابات، على الرغم من تشدده الظاهر، وحداثة عهده بالممارسة السياسية.

فعلى سبيل المثال، يرى بعض المحللين أن التوتر الذي كان سائدا في المجتمع في أعقاب الأحداث الطائفية المتكررة، والتي كانت آخرها وأعنفها أحداث “ماسبيرو”، إضافة إلى ما وُصف بأنه “توجيه” من جانب الكنيسة المصرية لأبنائها بالتصويت لصالح مرشحي “الكتلة المصرية”، بدفع قطاعات من المواطنين إلى التصويت لصالح التيارات الإسلامية، وخاصة السلفيين، كنوع من التصويت العقابي. ويضاف على ذلك بالطبع سبب آخر، وهو الهجوم الحاد الذي كانت تشنه بعض وسائل الإعلام على التيار السلفي قبيل الانتخابات البرلمانية. وهو ما دفع قطاعات واسعة من المواطنين إلى التعاطف معهم والتصويت لصالحهم كنوع من “العقاب” للنخبة ووسائل الإعلام لهذا التيار السياسي، الذي كان مهمشا ومضطهدا في ظل النظام السابق.

بالإضافة إلى ذلك، يرى الكثير من المحللين أيضا أن فشل الأحزاب الجديدة والمدنية في التنظيم والاستعداد للانتخابات، لمجموعة مختلفة من الأسباب لا مجال لذكرها في هذه الورقة البحثية، مما أضاف إلى إحساس الناخبين بعدم وجود بديل حقيقي متواصل مع الشارع ومشكلاته اليومية وقادر على رعاية مصالحه أكثر من التيارات الإسلامية. وهنا يضيف بعض المحللين أن التيارات السلفية نجحت في تحقيق هذا النجاح الانتخابي الكبير نظرا لأن السلفيين نجحوا في تحقيق رصيد كبير في الشارع من خلال العمل الدعوي والخيري، في الوقت الذي انشغل فيه الإخوان بالأمور السياسية، وفي ظل التضييق الذي مارسه النظام السابق على جماعة الإخوان المسلمين[25].

يضيف بعض المحللون أيضا إلى أسباب النجاح الكبير للتيارات السلفية الأساليب الدعائية التي اعتمد عليها الحزب، ومنها الدعاية المكثفة التي قامت بها من خلال القنوات الفضائية الإسلامية، والمساجد، والزيارات النسائية إلى المنازل وما إلى ذلك. إلى جانب توزيع بعض المواد الغذائية والتموينية على الناخبين إما بالمجان أو بأسعار مخفضة.

ويضاف إلى ذلك، خصوصا فيما يخص حزب النور والتيارات السلفية الأخرى المتحالفة معه في الانتخابات البرلمانية، أن معدلات الفقر والبطالة المرتفعة، وتدني مستويات المعيشة جعلت القطاعات الأفقر والأقل تعليما تتجه إلى الله، لاقتناعها بأن “خلاصها” من مشاكلها غير ممكن أو شبه مستحيل، وبالتالي كان انتخاب التيار السلفي تحديدا يمثل لها نوعا من التكفير عن الذنوب. وهو ما ارتبط بشكل أساسي بفقدان الكثير من أبناء القطاعات الفقيرة والمهمشة الأمل في التغيير أو في تحقيق مطالب الثورة.

وإذا تبنينا الافتراض بأن علاقة الدين بالمجال السياسي تحكمها ثلاثة مستويات من التدين: أولا، الانتماء belonging، وهو ما يعني الإحساس بالانتماء أو الانتساب إلى أحد الجماعات الدينية، أو مجموعة من التقاليد والعادات. وثانيا، السلوك behaving، وهو ما يعني أن ممارسة الشعائر الدينية بانتظام، والمستوى الثالث، وهو الاعتقاد believing، وهو القبول بالعقيدة الدينية كما تفرضها الجماعة الدينية أو التقاليد، والتي قد تتشابك كمستويات خلال التطبيق في الواقع[26]؛ فنلاحظ أن جزءا لا بأس به من القطاعات التي انتخبت الأحزاب السلفية كانت أقرب إلى مستوى الشعور القوى بالانتماء إلى الجماعة الدينية Belonging، أو مستوى behaving السلوك، أكتر من كون الكتلة التصويتية لهذه الأحزاب تنتمي فعليا لقواعده (المستوى الثالث believing).

وهكذا، نرى أن الصعود السلفي الكبير في الانتخابات البرلمانية 2011 كان وليد السياق السياسي والاجتماعي المصري في مرحلة التحول الديمقراطي. ولكن كسبهم لأي انتخابات مقبلة سيكون مرهونا بصورة كبيرة بأدائهم البرلماني خلال الفترة السابقة، والذي لم يكن على المستوى المطلوب أو المرضي عنه شعبيا. إلى جانب ذلك، فمعظم الشواهد تشير إلى أن السلفيين كفصيل جديد على الحياة السياسية لديه قدرة كبيرة على التعلم من أخطائه وتطوير أدائه السياسي.

إلى جانب ذلك، يرى العديد من المحللين أن السلفيين -وخاصة المنتمين إلى حزب النور، يحاولون– منذ انتخابهم في البرلمان مرورا بالانتخابات الرئاسية وحتى كتابة هذه السطور- تمييز أدائهم وخطهم السياسي بشكل كبير عن الأداء والخط السياسي للإخوان؛ فهم يرون أنفسهم أندادا للإخوان ومنفصلين في القرار عنهم. ومن أبلغ الأدلة على ذلك، قرار الدعوة السلفية بالإسكندرية دعم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في الانتخابات الرئاسية، بدلا عن مرشح جماعة الإخوان المسلمين، وهو الدكتور محمد مرسي، وذلك بناء على مناظرة عقدها حزب النور والدعوة السلفية بين المرشحين الثلاثة ذوي الخلفية الإسلامية: أبو الفتوح، ومرسي وسليم العوا[27]. وهو القرار الذي تلاه فيه كل من الهيئة البرلمانية لحزب النور، والهيئة العليا للحزب[28]. ولم يؤيد محمد مرسي في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية إلا لخشيته من عودة النظام السابق متمثلا في المرشح أحمد شفيق[29].

وفي أعقاب انتخاب الدكتور محمد مرسي رئيسا للجمهورية، حدث نوع من التقارب بين السلفيين (الممثلين سياسيا من خلال حزب النور) وبين الحرية والعدالة أو الإخوان المسلمين، ولكن كان من الواضح أن هذا التقارب مبني على تفاهمات سياسية تتصل بأن يكون لحزب النور تواجدا ملموسا في حكومة هشام قنديل، وفي حركة المحافظين ومجالس المدن والأحياء وغيرها؛ وأن يتم تعيين عدد من ممثلي الحزب في الفريق المعاون لرئيس الجمهورية. ولكن ما لبثت أن خابت توقعات حزب النور، حيث تم تجاهل ترشيحات حزب النور للحكومة، وتم تجاهل ما تم الاتفاق عليه سابقا في تشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل كل الأطياف، وتم إعطائه مقعد هامشي في وزارة البيئة، انسحب منه بسبب عدم تناسبه مع الوزن النسبي للحزب؛ ولكن تم تعويض ذلك من خلال تعيين عدد من المنتمين للحزب في الفريق المعاون للرئيس، ومنهم د. عماد عبد الغفور كمساعد للرئيس لشئون التواصل المجتمعي، ود. خالد علم الدين كمستشار الرئيس لشئون البيئة، ود. بسام الزرقا مستشار الرئيس للشئون السياسية. وبطبيعة الحال، كان هذا الأمر مما خلق توترا مكتوما بين حزب النور وجماعة الإخوان المسلمين. على الرغم من ذلك، استمر الهدوء الظاهري مخيما على العلاقات بين النور والإخوان.

أما عن حالة الهدوء بين الطرفين، فقد انتهت فعليا على خلفية الخلافات الداخلية في حزب النور، والتي أدت إلى استقالة د. عماد عبد الغفور ومعه عدد آخر من قيادات وأعضاء الحزب، الذين أسسوا حزبا منفصلا هوحزب “الوطن”. وعلى إثر استقالة عبد الغفور، حاولت القيادة الجديدة لحزب النور، بقيادة د. يونس مخيون، إثبات وجودها على الساحة بتقديم مبادرة للخروج من الأزمة، قبلت بها جبهة الإنقاذ الوطني[30]. ولكنها –بطبيعة الحال- فجرت أزمة مع الرئاسة ومع جماعة الإخوان المسلمين، وأيضا مع باقي الأحزاب والقوى الإسلامية، باعتبارها “تشق الصف الإسلامي”. ففي أعقاب ذلك، أقالت الرئاسة د. خالد علم الدين بحجة ورود تقارير إليها تتهمه باستغلال منصبه؛ واستقالة د. بسام الزرقا من منصبه تضامنا مع علم الدين. وما تلا ذلك من ملاسنات إعلامية ومشادات كلامية بين الطرفين حول ملف “أخونة الدولة”[31]، وغيرها من الملفات، مثل مداخلة رئيس حزب النور د. يونس مخيون الحادة في لقائه مع الرئيس مرسي ضمن جلسات الحوار الوطني، حيث لم يمنح الكلمة في الجلسة الأولى التي حضرها الرئيس. وعند الختام أعلن انسحابه احتجاجا على ما رآه تعاملا غير جيد مع حزب كبير كحزب النور، مما دفع الرئيس إلى مد اللقاء 10 دقائق أخرى[32].

قد لا تتسع مساحة هذه الورقة للحديث عن فرص التيار السلفي في الانتخابات المقبلة، نظرا أن ذلك قد يتطلب إلقاء للضوء على المشهد السلفي بشكل عام، والشرح المستفيض للانشقاق الذي حدث في حزب النور ودلالته. ولكن من المؤكد أن حزب النور –في موقعه الجديد- يحاول جادا أن يخلق لنفسه هوية مستقلة عن الإخوان، وأن يميز نفسه في الانتخابات المقبلة عن باقي الأحزاب الإسلامية التي تلعب دور “المعارضة المستأنسة” لنظام الإخوان؛ من خلال الانفتاح على باقي الأطراف الأخرى، وعلى رأسها جبهة الإنقاذ، دون الاختلاط معها. وفي نفس الوقت استمر الحزب في الحفاظ على مواقفه المتشددة من بعض القضايا الهوياتية، التي تمس جمهوره بشكل كبير، مثل قضية السياحة مع إيران أو التسهيلات الممنوحة لها مؤخرا من جانب النظام[33].

ولذلك، تظل مسألة فوز حزب النور تحديدا بالانتخابات المقبلة مرهونة بعدد من العوامل، على رأسها مدى قدرته على الحفاظ على هذا الخط المتمايز عن خط الإخوان، دون الاندماج تماما مع المعارضة المدنية؛ إضافة بالطبع إلى كيفية تقديم الحزب لنفسه في الشارع بعد الأداء المتعثر للتيار الإسلامي في السلطة، والتجربة البرلمانية السابقة لحزب النور التي لم يراها عدد كبير من المواطنين على المستوى المطلوب؛ وكيفية صياغة برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي متماسك ملتصق بمشكلات الشارع المصري الحقيقية في ظل الأوضاع الاقتصادية المتأزمة التي تهدد بانفجار حقيقي في الشارع. ويضاف إلى هذا العامل أيضا مدى قدرة حزب النور في الانتخابات المقبلة على التمايز عن باقي الأحزاب والكيانات السلفية الأخرى التي تدور الآن في فلك “الحرية والعدالة”، دون أن يتم اتهامه –في الأوساط السلفية- بـ”شق الصف الإسلامي”، أو البراجماتية المفرطة التي يُتهم بها –دوما- الإخوان المسلمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]أحمد زغلول شلاطة، الحالة السلفية المعاصرة في مصر، القاهرة، مكتبة مدبولي، 2011، ص 201- 206

[2]المرجع السابق، ص 214- 219

[3]أحمد زغلول، “الدعوة السلفية والتنظيم..خطوات على طريق الإخوان”، بتاريخ 17 يوليو 2011، موقع الإسلاميون، على الرابط التالي:

http://is.gd/ET5wsi

[4]د. عبد الفتاح ماضي وأحمد زغلول، “الدعوة السلفية بين المشايخية والحزبية”، ورقة غير منشورة عن مشروع “العالم العربي في حالة انتقالية”، 25 مارس 2012.

[5]المرجع السابق

[6]المرجع السابق

[7]البرنامج الاتخابي لحزب النور، موقع حزب النور الرسمي

[8]المرجع السابق

[9]http://shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=11112011&id=9a3610d4-8f0a-42ca-8977-9807252ba384 HYPERLINK “http://shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=11112011&id=9a3610d4-8f0a-42ca-8977-9807252ba384”

http://shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=14022012&id=35e8bc9d-ead9-4782-afb3-ca818727b497 HYPERLINK “http://shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=14022012&id=35e8bc9d-ead9-4782-afb3-ca818727b497”

http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?id=490ffeb6-f3ce-49ac-b678-423a0ce33a1a HYPERLINK “http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?id=490ffeb6-f3ce-49ac-b678-423a0ce33a1a”

المرجع السابق

[13]http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=01122011&id=0c727521-2269-4d5d-ac3f-06495a9cfb89 HYPERLINK “http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=01122011&id=0c727521-2269-4d5d-ac3f-06495a9cfb89”

http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=01122011&id=0c727521-2269-4d5d-ac3f-06495a9cfb89 HYPERLINK “http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=01122011&id=0c727521-2269-4d5d-ac3f-06495a9cfb89”

أحمد زغلول، “تحليل الدعاية الانتخابية للسلفيين”، بتاريخ 1 يناير 2012، موقع الإسلاميون، على الرابط التالي:  http://is.gd/UdfVvc

[16]http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=20112011&id=52ce86fc-edc5-4cbf-923b-518e3602b78e HYPERLINK “http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=20112011&id=52ce86fc-edc5-4cbf-923b-518e3602b78e”

http://www.almasryalyoum.com/node/528571 HYPERLINK “http://www.almasryalyoum.com/node/528571”

http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?id=0fa8d93b-60d1-45c1-b9aa-694a2adcd812 HYPERLINK “http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?id=0fa8d93b-60d1-45c1-b9aa-694a2adcd812”

 http://www.masrawy.com/news/egypt/politics/2011/october/16/4515534.aspx

[20] http://www.misrnews.com/view/861021.html

[21] http://is.gd/Qjrc0M

[22]http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?id=5f33e01f-7a5c-4486-ba60-014edecd1093 HYPERLINK “http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?id=5f33e01f-7a5c-4486-ba60-014edecd1093”

http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?id=841196bb-13c6-4b21-b202-0319b39987ef HYPERLINK “http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?id=841196bb-13c6-4b21-b202-0319b39987ef”

http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=18012012&id=0e489274-9784-42c9-836f-cef3898230f3 HYPERLINK “http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=18012012&id=0e489274-9784-42c9-836f-cef3898230f3”

http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?id=f1df466c-3ad9-459b-86ee-ef1baaf6d59c HYPERLINK “http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?id=f1df466c-3ad9-459b-86ee-ef1baaf6d59c”

Laurence A. KOTLER- BERKOWITZ, “Religion and Voting Behaviour in Great

[26]Britain: A Reassessment”, in British Journal of Political Science, Cambridge University Press, Vol. 31, No. 3 (Jul., 2001), pp. 523-554.

[27]http://www.almasryalyoum.com/node/802981 HYPERLINK “http://www.almasryalyoum.com/node/802981”

http://www.almasryalyoum.com/node/802946 HYPERLINK “http://www.almasryalyoum.com/node/802946”

 http://is.gd/sPr3hK

[30]للمزيد من التفاصيل حول بنود المبادرة، راجع الرابط التالي: http://gate.ahram.org.eg/News/302717.aspx HYPERLINK “http://gate.ahram.org.eg/News/302717.aspx”

 http://www.almasryalyoum.com/node/1558726 HYPERLINK “http://www.almasryalyoum.com/node/1558726”

  http://is.gd/sPr3hK

[33] http://is.gd/sPr3hK

Start typing and press Enter to search