اتسم المجال السياسي في مرحلة ما قبل الثورات العربية بانسداد قنواته التقليدية الرسمية كالأحزاب والنقابات وذلك على مستوى الممارسة وعلى المستوى التشريعي والقانوني، وقد تجسد هذا الضيق في اتسام مؤسسات المشاركة السياسية والاجتماعية التقليدية بالوهن الشديد والذي يمكن إرجاعه في إحدى جوانبه لاعتبارات داخلية خاصة بهذه المؤسسات، وفي جانب آخر لاعتبارات القبضة الأمنية القوية،والتي لم تُستثني منها أيا من الدول العربية التي اجتاحتها الثورات والتي كانت تقف بالمرصاد لإجهاضأي محاولات جادة للعمل من جانب هذه المؤسسات التقليدية كالأحزاب والنقابات. وهنا تتداعى إلى الذهن البحرين كمثال فج على مثل هذه التضييقات.([1]) وفي ظل هذا المجال المصمت حاولت الجماهير والشرائح الاجتماعية المختلفة أن تجد لها سبيلا للتعبير عن نفسها، وهي المحاولات التي مثلت في إحدى جوانبها كسر للحصار المضروب على الفعل والحركة السياسيين، كما أنها تمثل في جانبها الآخر إرهاصات لحركات اجتماعية عربية محتملة.
أصبحت الحركات الاجتماعية وقود التغيير، وذلك لانسداد قنوات التواصل مع السلطة الحاكمة، وعلى الرغم من اندلاع الثورات والتي كان من المنتظر أن تغير في نمط العلاقة بين الحاكم والمحكومين، ألا أن ما حدث هو العكس تماما، فخرجت الحركات الاجتماعية بشكل مكثف لتطالب بحقوقها، بشكل أرغم الشارع فيه الأحزاب على ضرورةتلبية مطالبه أي أن النخبة صارت تتحرك وفقا لمطالب الشارع وليس العكس.
لقد وضعت الحركات الاجتماعية حدا لاحتكار أجهزة السلطة للمجال العام، وذلك عبر احتلال الساحات، والخروج المتكرر للتظاهر في الشوارع، وهو ما أربك الأجهزة الأمنية،وعلى الرغم مما سبق لم تأخذ الحركات الاجتماعية حظها الوافر في الدراسة فيما يتعلق بقدرة هذه الحركات على إحداث تغيير حقيقي داخل المجتمعات العربية،وانصبت كل الدراسات على دور الأحزاب على الرغم من أن العشر سنوات الأخيرة قد شهدت نشاطا متصاعدا لحركات اجتماعية وليدة ذات طابع احتجاجي في هذا البلد أو ذاك، وبالخصوص في مصر وتونس.([2])
وبالرغم من وصول الإسلاميين للسلطة (والحركات الإسلامية هي حركات اجتماعية عملت على الأرض وحلت محل الدولة في عدة مجالات قبل أن تتحول لأحزاب مؤخرا) إلا أنها اتبعت نفس الأساليب التي استخدمت من قبل النظام السابق في التعامل مع باقي الحركات الاجتماعية، مما يطرح التساؤل حول أهم التحديات التي تواجه الحركات الاجتماعية؟
إن عملية التحول الديمقراطي تستلزم مشاركه فعالة من جانب المجتمع بشرائحه المختلفة في عمليه صنع القرار، حيث أن هذه العملية لا يجب أن تقتصر على المستويات العليا للنظام والمتمثلة في السلطة الحاكمة.فبعد موجات الثورات العربية، طُرحت مجموعه من الأسئلة يمكن إيراد أهمها مثل التساؤل حول رغبة وقدرة الحركات الإسلامية كجزء أصيل من الحركات الاجتماعية في تبني الخيار الديمقراطيأم إنها ستعمد لإنتاج النظام القديم بتعديلات قد تجعل الصورة أفضل قليلا كما يتحدث المتفائلون أو أسوأ كثيرا من الأنظمة السابقة كما يؤكد المتشائمون.
قد تكون إحدى مفارقات ثورات الربيع العربي أن تنجح القوى الأكثر محافظة والأقل ثورية في الوصول إلى سدة الحكم خاصة في مصر وتونس، في حين أن القوى التي وصفت نفسها بالثورية غابت عن ساحة الفعل السياسي البديل وبقيت أسيرة شعارات وفعاليات ثورية احتجاجية حالت دون أن تبني بديل سياسي مقنع لعموم المواطنين وقادر على أن يؤسس لمشروع سياسي جديد، كما هو الحال في التجربة المصرية.
وهنا يثور تساؤل آخر حول ماهية العلاقة بين القوى الإسلامية وباقي الحركات الاجتماعية؟ وهل هي علاقة تعاون أم علاقة صراع؟ فمن الملاحظ أنه بعد وصول القوى الإسلامية للسلطة، بدأ الحديث عن تخوين شركاء الثورة وقد بلغ الأمر لحد توجيه اتهامات لبقية التيارات الأخرى المشاركة في الثورة بالعمالة والتبعية للخارج، وأحد هذه الأمثلة كما في الحالة المصرية ما جري من اتهام بعض قيادات الحرية والعدالة لليسار المصري بأنه عميل ويتلقى أموالا من الخارج.([3]) كما حاولت القوى الإسلامية (في بعض دول الربيع العربي مثل تونس ومصر) أيضا من خلال الآلية البرلمانية تحجيم دور المعارضة أو الحركات ذات القدرات المحتملة على الفعل، من خلال محاولة وضع قيود على المظاهرات كما هو الحال في الحالة المصرية والذي ظهر مؤخرا من خلال محاوله مجلس الشورى المصري ـــ والمناط به عملية التشريع وفقا للدستور الجديد ــ إصدار قانون ينظم المظاهرات، من شأنه إطلاق اليد الأمنية لقمع المظاهرات،([4]) هناك أيضا في الحالة المصرية قانون النقابات الذي تم إصداره بعد وصول مرسى للسلطة والذي يعمق التخوفات المسبقة حول رغبة التيار الإسلامي في فرض قيود على العمل النقابي الذي هو بمثابة خط دفاع في وجه السلطة.([5])
وهذه المحاولات السابقة من جانب الحركات والقوى الإسلامية كانت دافعا رئيسيا لتقوية الاحتمالات والتنبؤات حول تهميش محتمل سيعاني منه المجتمع المدني مستقبلا. حيث أن الذين كانوا وقود الحركات الاجتماعية الثائرة لم يكونوا هم المستفيدين من التغيير السياسي الثوري، وإنما وجدوا أنفسهم في مواجهة ماكينات انتخابية قوية ورهانات مختلفة ومصالح متضاربة، مما جعلهم عمليا على هامش موازين القوى الجديدة التي أفرزتها المعادلات الانتخابية. وهو الأمر الذي يتم تعميقه من خلال استخدام أدوات قانونية كما هو الحال في التجربة المصرية والتي يجري فيها حاليا مناقشات في مجلس الشورى المصري حول مشروع قانون جديد والذي يعد امتدادا لقانون 83 لسنه 2002 والذي يقوم بالأساس على تبعية المجتمع المدني للسلطة التنفيذية، ولا يقف الأمر عند حد التبعية بل النظرة القاصرة التي يحملها للمجتمع المدني وحصره في الأعمال الخيرية والتنموية دون العمل السياسي والحقوقي، إلى جانب المعوقات المادية والقانونية لتقييد حركة ونشأة منظمات المجتمع المدني، وأخيرا إطلاق اليد الأمنية في التعامل مع هذه المنظمات.([6])
ولكي تقوم الحركات الاجتماعية بلعب دور فعال داخل المجتمع لابد من تهيئة المناخ لذلك،فلا يمكن للحركات الاجتماعية أن تكون قوية وفعالة وهى تتهم دائما بالعمالة وأنها مأجورة من الخارج، فعلى النظام أن يعي أهمية الحركات الاجتماعية فهي بمثابة عملية التغذية الاسترجاعية-وفقا لتحليل إيستون في نظم الحكم- أي هي الدالة على مدى الرضا الشعبي عن سياسات النظام. ومن ثم لابد للنظم السياسية أن تعمل على تقوية هذه الحركات حتى لا تنفجر بشكل عشوائي في وجه النظام ولعل ما حدث في تونس أبرز مثال على ذلك ففي أعقاب اغتيال شكري بلعيد أعلن الاتحاد التونسي للشغل عن إضراب عام تزامن مع جنازة بلعيد وحقق نجاحا فاق كل التوقعات وشمل كافة المصالح بحسب ما ذكره الأمين العام المساعد للاتحاد سمير الشفي (جريدة الشروق المصرية 10 فبراير 2013)، وهو الأمر الذي يزيد من احتمالية أن تتكرر هذه التجربة في دول الربيع العربي الأخرى. كما يجب على الأنظمة أن تبحث فيأسباب عدم الرضا الشعبي وأن تسعى لتحقيق مطالب الشارع بدلا من توجيه الاتهامات له.
لعبت المرأة في المنطقة العربية دورا هاما في التغيير حديثا (ثورات الربيع العربي)، وكذلك شكلت لبنة أساسية ضمن قوى المجتمع المدني والحركات الاجتماعية التي مارست مقاومتها السلبية ضد الأنظمة السلطوية السابقة،وللتدليل على ذلك نجد أن المرأة المصرية لعبت دورا عظيما في عمليه النضال ضد النظم الاستبدادية، فقد خرجت في مظاهرات 1919، وظل صوتها مؤثرا حتى بعد الحرب العالمية الثانية، فقد كونت فاطمة نعمت راشد في عام 1942 الحزب النسائي المصري.
كذلك كانت المرأة العربية في تجربتي تونس ومصر واليمن والبحرين في طليعة الصفوف الثورية المطالبة بالتغيير، وقد قدمن شهيدات في سبيل هذا الهدف، وتبعت ذلك بمحاولات للمطالبة بحقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يمكن ترجمته في المظاهرات النسائية التي انطلقت في مصر للتنديد بكافة محاولات التنكيل بالمرأة، ولمعارضة عدد من الخطوات السياسية التي سعت للالتفاف على حقوقها، وكذلك المظاهرات التي أطلقتها النسوة التونسيات في أعقاب سقوط بن علي، لقطع الطريق على أي محاولة قد تقوم بها أيا من القوى المحافظة للارتداد أو التحايل على مبدأ المساواة مع الرجل أمام القانون الذي تم كفالته في العهد السابق على الثورة، وهو ما قد تم في تمرير المادة 28 في الدستور التونسي تحت مبدأ التكامل،[7] وهو الذي شهدت الحالة المصرية نظيرا له في الدستور الجديد في مادته العاشرة والتي أشارت لمبدأ التكامل، والتي عرفت دور المرأة وحقوقها من خلال الارتباط بالأسرة والوطن، المجتمع، والأخلاق.
وبرغم كل المشاركات والعلامات المضيئة التي تحملها تجارب دول الربيع العربي السابقة فيما يتعلق بالمرأة، إلا أن هناك ثمة مخاوف من محاوله تحجيم دور النساء في المشاركة المجتمعية سواء من خلال الترهيب الذي يتم ممارسته بشكل ممنهج من جانب قوى الأمن، أو من خلال الممارسات الفردية التي تتعرض المرأة لها كالتحرش والاغتصاب،[8] والتي قد تؤثر على مشاركتها في أي مجهودات نضالية مستقبلية إيثارا للسلامة، إلا أن هذه التهديدات لم تحل دون خروج النساء في عدد من الدول العربية والأجنبية للتنديد بهذه الممارسات وتحمل النظم الحاكمة حاليا العربية (خاصة في مصر) المسئولية عنها بما تبديه هذه الأنظمة في بعض الأحيان من صمت وممارسة لمثل هذه الانتهاكات لقمع المحتجات أو المتظاهرات، أو من خلال خطابها المحمل المرأة المسئولية. وهي المحاولات التي تستهدف منها المرأة العربية الضغط على الحكومات لتسن تشريعات من شأنها تغليظ عقوبة مثل هذه الممارسات.[9]
وحتى في خضم العملية السياسية الرسمية نجد أن التجربة المصرية لم تتضمن مشاركة فعالة للنساء، فمن بداية عملية الانتقال في أعقاب سقوط مباركنجد أن اللجنة التي شُكلت لتعديل مواد دستور 71 مرورابالجمعية التأسيسية المسئولة عن كتابة الدستور الجديد، لم تشهد أي تواجد حقيقي للمرأة، بل كان هناك رغبة من جانب القوى السياسية الحاكمة حاليا في إلغاء كل من المجلس القومي للمرأةوالمجلس القومي للأمومةوالطفولة. وإذا ما قارنا مثلا ما حدث في المغرب (والتي لم تشهد ثوره لكن كان تواجد المرأة بلجنة التعديلات الدستورية الأخيرة بها أكثر وضوحا وتمثيلا)،([10])بما حدث في مصر من حيث مشاركه المرأة سنشعر بانتكاسه حقيقة.أيضا يعكس شعار(صوت المرأة مش عورة صوت المرأة هو الثورة)، رغبه حقيقية من المرأة في إيصال رسالة واضحة للنظام أن النساء هن من يتقدمن الثورات وفي حاله عدم الاستجابة لمطالبهن فإن الثورة مستمرة لا محالة.
واستطرادا لقضية المواطنة نجد مسألة الأقليات والتي تواجه عددا من الإشكاليات، أولها احتمالية أن الحركات الاجتماعية الصاعدة للحكم والتي عانت في بعض الدول من حكم نخب انتمت لبعض الجماعات الأقلياتية في مجتمعها من أن تنكر على هذه الأقليات في المستقبل الحق في التحرك والانتظام والتواجد كحركات اجتماعية للتعبير عن نفسها وعن حقوقها، إلي جانب الاحتمالات القائمة بغياب رؤية النخب الجديدة الصاعدة للحكم حول إمكانية دمج هذه الحركات في النسق الاجتماعي الأكبر. إلا أن التنكر لا يقف فقط عند هذا الحد لكنه يمتد أيضا إلى استمرارية في تبني خطاب النظم السياسية السابقة المتنكر لوجود حساسيات أقلياتية ودينية بحاجة لمعالجة، وبالتالي يبرر هذا الخطاب أي سياسات مضادة لأي من الحركات التي تسعى هذه الجماعات لتكوينها للتعبير عن حقوقها بغرض التضييق عليها، في حين تستغل النظم الحاكمة الحالية هذه الحساسيات تدعيما لشرعيتها.
إلا أن الإشكاليات المتعلقة بملف المواطنة لا تقف عند حد ملف المرأة والأقليات، بل تتعداها للتوزيع المناطقى، الذي يرتبط بهموم التهميش التي تعاني منها بعض المناطق والأقاليم في عدد من الدول العربية كاليمن، والتي عانىمنها الجنوب لسنوات طويلة من التهميش من جانب المركز في الشمال، الأمر الذي أفضى لظهور إرهاصات لحركات اجتماعية كالحراك الجنوبي، تطورت على أثر التهميش والتنكر الطويل لها من مطالب حقوقية لمطالب تنحو للانفصال والاستقلال التام.([11])
اتسمت الأنظمة السياسية السابقة بقربها من مؤسسات التمويل الدولية، وهو القرب الذي جعلها تتبنى قيم وسياسات النيوليبرالية، والتي أدت على المدى الطويل لإفقار المواطنين، وتراجع كافة الخدمات الأساسية التي كانت تقدمها الدولة في عهود سابقة لهم، الأمر الذي رافقه إفلاس سياسي وكبت للمجال العام، بشكل ترك المواطنين بلا خيار سوى الخروج للاحتجاج في شكل حلقات متصلة في السنوات العشر الأخيرة،وحتى لحظة الثورة في عام 2011، فقد بدأت الثورة التونسية باحتجاج للعاطلين، ولم يُحسم خروج الرئيس المصري من المشهد إلا بانضمام العمال بإضراباتهم في اليومين التاليين السابقين لانتصار الثورة،وصولا لتزايد حركات الاحتجاج الاجتماعي منذ بداية الثورة كما هو الحال في التجربة المصرية،وهي مستجدات تفرض ضرورة إعادة النظر في السياسات الاقتصادية التي أفضت لهذه الاحتجاجات، بنظرة تراعي متطلبات هذه الحركات الاجتماعية. فقدلفت هذا المتغير الحركي لضرورة الانتباه أكثر لمحورية الاقتصاد في العملية الثورية، حيث أنالاحتجاجات الاجتماعية (سمتها السلطة الانتقالية “فئوية”) صارت هي الامتداد الجماهيري الأوسع والأكثر انتشارا من الناحية الجغرافية والأعلى قاعدية فيما تلى أيام الثورات الأولى. فرأينا قفزة هائلة في عدد الإضرابات والاعتصاماتبين عمال وموظفين ومهنيين مستمرة إلى يومنا هذا قٌدرت في بعض التقارير بـ200 احتجاج في اليوم الواحد.[12] ولا يمكن الفصل بين هذه الموجة من الاحتجاج الاجتماعي وبين ما سبقها من تمهيد طويل، في مصر بتصاعد متواصل للتحركات العمالية على مدى السنوات الماضية، وفي تزايد الدور التنظيمي للاتحاد العام للشغل في تونس. ويجعل هذا للثورة السياسية التي أطاحت بالديكتاتوريات جذرا اجتماعيا تتجاهله نظريات ثورة الطبقة الوسطى الحضرية، الأنسب لتجاهل المطالب الثورية في إعادة توزيع الثروة ونظام اقتصادي جديد أكثر عدلا.
وعلي الرغم من أن لحظة التحول التي شهدتها البلاد العربية (الثورات) كانت شديدة ووثيقة الصلة بالسياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي تم تبنيها في عهود الأنظمة السابقة، والتي أنتجت فيضا من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، والتي تركت عددا كبيرا من المواطنين والشرائح الاجتماعية بلا خيار، بشكل دفعهم في السنوات الأخيرة للانتظام في شكل حركات احتجاجية للمطالبة بتدخل الحكومات واستجابتها لمطالبهم، وصولا للحظة الانفجار الثوري، نجد أنه على مستوى السياسة الاقتصادية التي اتبعت فيما بعد الربيع العربي، هناك فجوة بين الخطاب الذي ينضح بوعود ومفردات عن العدالة الاجتماعية والفقراء،في حين أن هناك استمرارية للسياسات الاقتصادية السابقة بشكل ممنهجلا يختلف عن سابقهمن حيث إعلاء لمساءلة علاج عجز الموازنة، والإبقاء على السياسات المالية والنقدية المنحازة للأغنياء. بل إنه لم تتم إعادة النظر في التشريعات المنظمة للأسواق والتي سمحت على مدى سنوات ما قبل الربيع العربي بمراكمة رأسمالية هائلة ونزح للثروات للأقلية من الأفراد والشركات من المحاسيب، ولم يتم رصد ولو مواجهة واحدة مع هؤلاء على الأرض (حالة السياسي القيادي في حزب مبارك الحاكم ورجل الأعمال أحمد عز في مصركاشفة)إذ أنه من القلة التي اتهمت بفساد وأودعت السجن، لكن شركته مازالت تسيطر على سوق الحديد المصري وتحقق أرباحا خياليةفي السنتين اللتين أعقبتا الإطاحة بمبارك وحزبه.([13])
سطرت الموجات الثورية العربية تحولا جديدا في علاقة الجماهير العربية بالمجال العام والسياسي بعد غياب عنهما استمر لعقود طويلة، وهي الموجات التي أكسبت هذه الجماهير ثقة كبيرة في قدرتها على الفعل والمواجهة ضد السلطة، وهي القدرات التي كشفت الفترة الماضية عن اتسامها بعفوية كبيرة، وهي الحقيقة التي تفرض على العاملين بالمجال السياسي في هذه المرحلة التعامل بشكل جاد مع هذه الجماهير وتطلعاتها، ولا يُستثني من هذا الفاعلين الرسميين (ممثلين في النخب الحاكمة والعاملين بالمناصب العامة)، ولا الفاعلين في المجال السياسي سواء كانوا قوى سياسية أو منظمات مجتمع مدني، وفي ضوء المتغيرات السابقة تسعي الورقة لتقديم عدد من التوصيات لكل من صناع القرار الرسميين وكذلك للعاملين في المجتمع المدني العربي:
يمكن للاتحاد الأوروبي أن يستفيد من التجربة السابقة فعلى الرغم من دعم الحكومات العربية وتقديم المعونات لها، فالأنظمة السابقة لم تحول دون إفراز تيارات متشددة الأمر الذي طال بالتأثير الدول الأوروبية التي يفصلها عن المنطقة العربية البحر المتوسط، وهو الدعم السياسي والمادي الذي يمكن أن يستمر للنظم والحكومات الجديدة شريطة عدم إنتاج أنظمة استبدادية جديدة، وذلك من خلال مسارين متوازيين أحداهما يعني بالخط الرسمي ممثل في سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه هذه النظم والحكومات، والخط الآخر الموازي هو الذي يمكن أن تقوم به مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، كالتالي:
ــــــــــــــــــــــــ
[1]() حسين يوسف، “البحرين: المزيد من الجماعة.. القليل من الدولة”، “ثورات الكرامة العربية: رؤى لما بعد النيوليبرالية”، منتدى البدائل العربي للدراسات،هيفوس، 2013.
[2]() صلاح الدين الجورشي، “ثورات الكرامة العربية ومفهوم الحركات الاجتماعية”، كتاب: “ثورات الكرامة العربية: رؤى لما بعد النيوليبرالية”، منتدى البدائل العربي للدراسات هيفوس، 2013.
[3]() http://www.almasryalyoum.com/node/1062851
[4]() http://akhbarelyom.org.eg/news132018_1.aspx
[5]() http://www.almasryalyoum.com/node/1269016
[6]() محمد العجاتي، “مشروع قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية 2013.. نموذج لقوانين القمع وإعادة إنتاج السلطوية”، منتدي البدائل العربي للدراسات.
[7]()”المرأة التونسية بعد ثورة الياسمين…في البحث عن المساواة المشاركة الحقيقية”، موقع القنطرة الإلكتروني، متاح على الرابط التالي:http://is.gd/yAMbXy
[8]() نادين نابر، “نظرة جدية للعنف الذي تمارسه الدولة: ماالذي تخبرنا به الثورة المصرية عن النوع الاجتماعي وتحرير المرأة”، كتاب: “ثورات الكرامة العربية رؤى لما بعد النيوليبرالية”، منتدى البدائل العربي للدراسات،هيفوس، 2013.
[9]() http://www.almasryalyoum.com/node/1468106
[10]() نيفين مسعد، “التعديلات الدستورية المغربية.. خبرة أكيدة لمصر الثورة”، جريدة الشروق المصرية، 23 يونيو2011.
[11]() وسام بساندو، “التطورات اليمنية.. حصاد عام ونصف من المرحلة الانتقالية”، “ثورات الكرامة العربية: رؤى لما بعد نيوليبرالية”، منتدى البدائل العربي للدراسات، هيفوس، 2013.
[12]() نادين عبدالله، “فهم وتطوير حركات الاحتجاج الاجتماعي: رؤية اجتماعيةسياسية”، منتدى البدائل العربي للدراسات، 2011.
[13]() وائل جمال، “الربيع العربي ومفاهيم التنمية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، كتاب: “ثورات الكرامة العربية: رؤى لما بعد النيوليبرالية”، منتدى البدائل العربي للدراسات،هيفوس، 2013.