استدعاء الجيش إلى السياسة: دور الوسيط الضامن
منتدى البدائل العربي للدراسات
مصر
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [802.47 KB]

ارتفعت مؤخرا العديد من الأصوات التى تطالب بتدخل الجيش في العملية السياسية في ظل حالة الاستقطاب الحاد التي تسيطر على الساحة السياسية، وتدهور أداء مؤسسات الدولة المصرية التى بدت في حالة عجز شبه كامل عن الوفاء بأبسط مهامها في حفظ الأمن وتوفير المستلزمات الاساسية للمواطنين كالسولار. لم يقتصر الأمر على الدعوات، بل قام بعض المواطنين في بورسعيد والأقصر بعمل توكيلات لتفويض الفريق عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد، كما أبدت بعض وسائل الإعلام تأييدا لمطلب عودة الجيش للسياسة.

إلا أن تلك الدعوات لعودة الجيش لم تتفق على شكل تلك “العودة”، هل المقصود انقلاب عسكري أم شكل من أشكال الضغط السياسي بهدف تصحيح مسار العملية السياسية.

أشكال تدخل المؤسسة العسكرية في السياسة

إن تدخل الجيش في الحياة السياسية يأخذ اشكالا عدة تتراوح من الانقلاب العسكري المباشر كما حدث في مصر في 23 يوليو 1952، حين تحركت بعض عناصر القوات المسلحة بهدف الاستيلاء على السلطة السياسية قبل أن تدعمها جموع المصريين، وحتى التدخل السياسي من خلال الضغوط والمفاوضات بين المؤسسة العسكرية والنخب المدنية، مثل ما دار من مفاوضات داخل الجمعية التأسيسية الأخيرة حول دور القوات المسلحة وتشكيل مجلس الدفاع الوطني. وبين هذين النموذجين أشكال ودرجات مختلفة لتدخل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي.

تشكل الحالة التركية مجالا خصبا لتحليل الاشكال المختلفة للتفاعل بين المؤسسة العسكرية والنخب المدنية. فقد عرفت تركيا اشكالا مختلفة لتدخل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي بدءا من التدخل العسكري المباشر كما جرى في سبتمبر 1980، عندما قام الجيش التركي بتولي مقاليد السلطة السياسية عقب حالة من الانفلات الأمني اقتربت من الحرب الاهلية بين قوى اليمين واليسار. واستمرت القوات المسلحة في إدارة شئون البلاد لمدة 3 سنوات، قامت خلالها بكتابة دستور تركيا الحالي في 1982، ثم سمحت بعودة الحياة السياسية في 1983، وان احتفظ قائد الجيش كنعان افرين بمنصب رئيس الجمهورية. كما عرفت تركيا في 1997، ما عرف بالانقلاب الناعم، أو كما يسميه الاتراك “الانقلاب ما بعد الحداثي”، عندما فرض الجيش التركي من خلال مجلس الامن القومي على حكومة نجم الدين اربكان المنتخبة مجموعة من الشروط دفعت الأخير الى الاستقالة، خوفا من انقلاب عسكري مباشر. وأخيرا عرفت تركيا ما اصطلح على تسميته “بمحاولة الانقلاب الإليكتروني عندما قامت قيادة الاركان التركية في 2007 بوضع رسالة على موقعها الرسمي على الانترنت محذرة فيها من محاولة الدفع بعبد الله جول لرئاسة الجمهورية. إلا أن تلك المحاولة على خلاف سابقتيها منيت بالفشل، ونجح عبد الله جول في الوصول إلى منصب الرئاسة. وقد شكلت تلك الأزمة نقطة تحول في العلاقة بين المؤسسة العسكرية والنخبة السياسية المنتخبة في تركيا.

متى يتدخل الجيش في السياسة؟

يفرق عددا من أساتذة العلوم السياسية بين” الجيش كجزء من النظام السياسي”، و”الجيش كجزء من الدولة”. فإذا كان الجيش جزءا من النظام السياسي فانه عادة يتدخل لإنقاذ النظام الذي يمثله في مواجهة أي احتجاج أو ثورة، على غرار الوضع الآن في سوريا. أما الجيش كجزء من الدولة، فان تدخله في الحياة السياسية يكون له اعتبارات مختلفة: في مقدمتها إذا كانت الأزمات السياسية تؤثر على وحدة أراضي الدولة، أو وحدة وتماسك الجيش ذاته. فبينما يكون هم “الجيش كجزء من النظام السياسي” الرئيسي هو الدفاع عن النظام بصرف النظر عن وحدة الجيش أو وحدة أرضي الدولة، فإن “الجيش كجزء من الدولة” يكون على استعداد للتضحية بالنظام السياسي، حتى يحافظ على وحدة صفوفه ووحدة أراضي الدولة.

الجيش المصري يقع دون شك في التصنيف الثاني “الجيش كجزء من الدولة”، وهو ما تجلي واضحا خلال ثورة 25 يناير 2011. فلما بدا أن استمرار التظاهرات المطالبة برحيل مبارك باتت تؤثر على وحدة وتماسك أفراد القوات المسلحة خاصة بعد أن قام بعض الضباط، بتسليم سلاحهم والانضمام إلى المتظاهرين، أدرك الجيش أنه لم يعد من الممكن للرئيس السابق أن يستمر في موقعه، لأن في استمراره خطرا على وحدة وتماسك المؤسسة العسكرية.

ولهذا فإنه من غير المتصور أن يتدخل الجيش المصري بشكل مباشر في الحياة السياسية، إلا إذا تعرضت وحدته أو وحدة الأراضي المصرية إلى تهديد حقيقي. إلا أن ما يبدو أقرب إلى الواقع، أن يحاول الجيش يحتفظ بمسافة مع النظام السياسي وأن لا يظهر كعصا في يد النظام الحاكم، وهو ما حدث بالفعل خلال أحداث قصر الاتحادية عندما أكد الجيش أنه ليس طرفا في النزاع السياسي، وأن القوات المسلحة هي ملكا لشعب مصر، كما تكرر ذات الأمر في مدن القناه الثلاث عندما رفض الجيش أن يفرض حظر التجول بالقوة. ففي تلك المرحلة يسعى الجيش لترسيخ مبدأ أنه ليس جيشا للنظام السياسي بل للشعب المصري، كما أنه يحاول أن يعيد بناء جسور الثقة بين الجيش والشعب في أعقاب ما تعرضت له تلك العلاقة من أزمات خلال فترة إدارة المجلس العسكري لشئون البلاد.

وطبقا لهذا التحليل، فان الجيش المصري قد يسعى خلال تلك المرحلة إلى التدخل الناعم في العملية السياسية، من خلال محاولة لعب دور الوسيط الضامن بين مؤسسة الرئاسة والمعارضة. وكانت قيادات المؤسسة العسكرية قد سعت بالفعل إلى لعب هذا الدور من خلال دعوة الفريق عبد الفتاح السيسي لجميع التيارات السياسية إلى لقاء في ضيافة القوات المسلحة في ديسمبر 2012 خلال أزمة الدستور الجديد، قبل أن تبوء تلك المحاولة بالفشل. بل أن الجيش قد سعى أيضا إلى لعب دور الوسيط الضامن خلال أيام مبارك الأخيرة، عندما أكد في بيان له يوم الخميس 10 فبراير 2011، أنه يضمن ما تعهد به مبارك في خطابه الأخير في ذات اليوم. إلا أن تلك المحاولة باءت بالفشل في ظل رفض المتظاهرين في ميدان التحرير لتفويض السلطة، وإصرارهم على ضرورة رحيل مبارك.

ولدور الوسيط الضامن حدا أدنى يتمثل في محاولة المؤسسة العسكرية الوساطة بين الأطراف السياسية المختلفة دون التدخل بمقترحات محددة وحدا أقصى يتمثل في أن يقوم الجيش بوضع تصور محدد عن كيفية الخروج من الأزمة الراهنة، وليطالب الأاطراف السياسية المختلفة بالموافقة.

الخلاصة، يقودنا التحليل إلى أن فرص الانقلاب العسكري المباشر ليست مرتفعة كما يتصور البعض، وإن تدخلا ناعما في العملية السياسية هو الأقرب إلى الحدوث. وتؤكد محاولة القوات المسلحة في 10 فبراير 2011 للعب دور الضامن لتعهدات مبارك، ومحاولة الفريق السيسي لعب دور الوسيط في ديسمبر 2012، على أن دور الوسيط الضامن يبدو هو التحرك الأكثر واقعية، والأقل خطورة خلال اللحظة الراهنة في ظل تفاقم الاستقطاب السياسي وتدهور الوضع الاقتصادي.

Start typing and press Enter to search