في العاشر من فبراير 2013 أصدر مجلس الشورى المصري- القائم بأعمال تشريع القوانين وسنها بعد أن حل مجلس الشعب بناء على حكم المحكمة الإدارية- مشروع قانون حرية تداول المعلومات قبل النهائي قبل عقد الجلسة الأخيرة في 9 من مارس لإضافة الملاحظات الأخيرة عليها قبل سن القانون واعتماده في المجلس.
وتهدف الورقة إلى تقييم مشروع القانون تبعا للمبادئ التسعة العالمية التي عملت عليها منظمة المادة 19، وقد صممت هذا المبادئ أساسا للاسترشاد بها في حال صياغة تشريع وطني حول الحق في الوصول إلي المعلومات، لكنها في الوقت نفسه قابلة للتطبيق على المعلومات التي تملكها هيئات حكومية مشتركة كالأمم المتحدة والاتحاد الأوربي.
وتستند هذه المبادئ إلى قوانين وقواعد إقليمية ودولية، كما تستند هذه المبادئ نتيجة دراسات طويلة وتحليلات واستشارات تشرف المادة 19 عليها، إلي خبرة الواسعة والعمل الشامل مع منظمات شريكة في عدد من بلدان العالم. وقد صدقت هذه المبادئ من قبل مقرر الأمم المتحدة الخاص بحرية الرأي والتعبير في تقريره السنوي لعام 2000، كما صدق عليها المقرر الخاص لهيئة الولايات الأمريكية عن حرية الرأي والتعبير في تقريره السنوي لعام 1999.([1])
تمثل تلك المبادئ الحد الأدنى الواجب توافره في قوانين حرية تداول المعلومات في أي دولة تخطو نحو الديمقراطية. وهذه المبادئ هي:
المبدأ الأول: يجب أن تستدل تشريعات حرية تداول المعلومات بمبدأ أقصى درجات الإفصاح.
المبدأ الثاني: الجهات الحكومية يجب أن تكون مجبرة على نشر المعلومات الأساسية.
المبدأ الثالث: على الجهات الحكومية تعزيز الحكومة المنفتحة بشكل فعال.
المبدأ الرابع: لا بد وأن تكون الاستثناءات في حق تداول المعلومات مبينة على نحو واضح وفي أدق نطاق وتتعرض إلى الاختبار مدى إضرارها بالمصلحة العامة.
المبدأ الخامس: يجب أن يتم التعامل مع طلبات المعلومات بسرعة وبحيادية ويجب أن يتوافر مراجعة مستقلة لأي رفض لإتاحة المعلومات.
المبدأ السادس: لا يجوز منع الأفراد من تقديم طلبات معلومات بسبب التكلفة الباهظة.
المبدأ السابع: يجب أن تكون اجتماعات الجهات الحكومية مفتوحة للمواطنين.
المبدأ الثامن: يجب تعديل أو إبطال القوانين التي تتنافي مع مبدأ أقصى درجات الإفصاح.
المبدأ التاسع: يجب حماية من يكشف عن معلومات متعلقة بفعل فيه اعتداء.
نص القانون المصري لحرية تداول المعلومات على “كفالة الدولة” لحق المواطن في الحصول على المعلومة المادة 1، كما أن القانون نص على وجوب تقديم أسباب رفض الكشف عن معلومة وإخطار طالب المعلومة بالسبب على أن يكون سبب الرفض خضوع المعلومة تحت أحد الاستثناءات المذكورة في القانون “المادة 25”. كما نص القانون المصري في المادة 29 على أنه يجب الإفصاح عن المعلومة إذا كان من شأن الكشف عنها أن يحقق مصلحة عامة تفوق المصلحة المحمية.
نص مشروع القانون في المادة 6 [2]من القانون على أهمية نشر المنظمات الخاضعة لأحكام القانون معلومات عن “عنوانها وأرقام هواتفها والإطار القانوني الذي تعمل به والهيكل الإداري والتنظيمي لها والميزانية المخصصة والمصروفات ودليل يشمل كبار المسئولين والموظفين والقرارات واللوائح والقواعد والتعليمات ومعلومات عن التعاقدات التي تبرمها والسياسات والقرارات الني تنوي اتخاذها أو تطبيقها في إطار الخطة العامة وتصنيف المعلومات التي تحتفظ بها وكافة الخدمات التي تقدمها الجهة للجمهور وآلية تقديم الشكوى ودليل مبسط عن كيفية تقديم طلب الحصول على المعلومات وأية بيانات أو معلومات يحددها المجلس. وفي هذا إفصاح استباقي للمعلومات الموجودة في الأجهزة المنوطة بتقديم المعلومات للمواطن وهذا له أثر إيجابي على الثقة بين المواطن والحكومة.
شمل القانون بعض الآليات التي يمكن من خلالها تعزيز الحكومة المنفتحة، منها النص على تدريب العاملين في مجال إتاحة المعلومات للمواطنين في المادة 13، كما نص على توقيع عقوبات مالية على من يمتنع عن إعطاء معلومة مصرح بها بنص القانون على إتاحتها في المادة 30 من القانون، كما ينص أيضا على توقيع عقوبة بالحبس أو غرامة مالية على من قام بإتلاف السجلات أو الوثائق أو قام بسرقتها أو بإخفائها بقصد حجب المعلومة. في المادة 31.
إلا أن القانون لم ينص على أهمية نشر ثقافة أهمية المعلومة وحرية تداول المعلومات المنصوص عليها في المبدأ الثالث من حرية تداول المعلومات من خلال حملات توعية ووسائل الإعلام.
حدد القانون الحالات التي يمنع فيها الإفصاح بمعلومة بعينها في المادة 28 التي تنص على عدم الإفصاح عن المعلومات التي تمس: الأمن الوطني (القومي) للدولة أو بعلاقتها الدولية (وبقصد بالأمن الوطني الاستراتيجيات والخطط العسكرية ومعلومات المخابرات وأية معلومات تتعلق بالشئون الدفاعية والتحالفات العسكرية أو تخص دولة أو منظمة أجنبية تم الاتفاق معها على إبقاء هذه المعلومات سرية)، ويشترط صدور القرار اللازم لاعتبارها كذلك من السلطة المختصة .وعلى مفوض المعلومات أن يرفض الطلب المقدم للحصول على المعلومات في عدة أحوال منها إذا كانت المعلومات تمس حرمة الحياة الخاصة أو محمية باتفاق مع الغير بعدم الإفصاح، أو تحتوي على أسرار تجارية أو مهنية لطرف ثالث من شأن الإفصاح عنها أن يؤدي إلى الإضرار بمصالحه التجارية والمالية، وذلك ما لم يقبل صاحب الشأن كتابة الكشف عنها، وإذا كان طلب الإفصاح عن سياسة أو قرار في مرحلة الإعداد أو التحضير يضر به، أو كان من شأن الإفصاح المبكر عنه أن يؤدي إلى أن تفقد السياسة أو القرار لفعاليته أو الإضرار بفعالية التجارب والاختبارات “العلمية”.، إذا كان من شأن الإفصاح الإخلال بسير العدالة، أو الإضرار بالتحقيقات الجارية أو إعاقة عملية ملاحقة الجناة أو القبض عليهم أو تعريض حياة الأشخاص لخطر جسيم .أما في المسودة النهائية فقد قلصت الاستثناءات إلى المعلومات التي من شأن الكشف عنها الإضرار بالأمن الوطني (القومي) للدولة أو بعلاقتها الدولية أو بشئون الدفاع أو بالشئون العسكرية ويشترط صدور القرار اللازم لاعتبارها كذلك من السلطة المختصة. ورغم أن المسودة الثانية تقلص من مساحة الاستثناءات إلا أن غياب تعريف الأمن القومي قد يؤثر على النقطة الايجابية المتعلقة بتقليص الاستثناءات.
كما نصت المادة 29 على تقدير المصلحة الأكبر في حالة الإفصاح عن معلومة ما واختيار الأقل ضررا بين الإفصاح والحجب إلا إنه تم حذف هذا النص من مسودة الدستور الأخيرة ومن الأفضل إدراجه مرة أخرى في القانون.
كما ذكر سابقا فإن المادة “25” تنص على أهمية إيفاء طالب المعلومة على الأسباب في حالة الرفض. ويقدم المجلس القومي للمعلومات المنوط بإعطاء المعلومة للمواطن برفع تقرير سنوي لكل من مجلس النواب ورئيس الجمهورية ومجلس الشعب منا نصت المادة 15 ورفع تقرير نصف سنوي لرئيس المجلس القومي للمعلومات ونشر التقرير على شبكة الانترنت “مادة 27”. إلا أنه لا توجد آلية لمحاسبة المجلس القومي للمعلومات في حالة خطأه. وتنص المادة 6 على أهمية وجود آلية لتقديم الشكاوى ولم تحدد هذه الآلية. وتنص المادة 20 من القانون على وجوب إرسال إخطارا لمقدم الطلب بتلقيه بذات الوسيلة أو بالوسيلة التي يحددها فى طلبه خلال مدة لا تجاوز خمسة أيام عمل من تاريخ وصوله وتنص المادة 24 من القانون على مفوض المعلومات المختص أن يبادر باتخاذ قرار فور تلقيه الطلب خلال مدة أقصاها خمسة عشر يوما من تاريخ تلقي الطلب، فإذا تعذر عليه إجابة الطالب إلى طلبه خلال هذه المدة إما لتعلق الطلب بعدد ضخم من الوثائق، أو كان الطلب يستدعى إجراء بحث في عدد ضخم منها، أو في الأحوال التي يستلزم فيها استطلاع رأي جهات أخرى، وجب عليه أن يخطره بذلك وأن يستمهله لمدة أخرى مماثلة.
إلا أن المادة 26 من القانون تنص على أنه في حالة مضي المدة المنصوص عليها يعتبر ذلك بمثابة رفض الطلب ويمكن التقدم بتظلم أمام المجلس القومي للمعلومات ويتم البت في الأمر خلال مدة لا تتجاوز 30 يوما.
نصت المادة 7 من القانون الجديد على أن لا يجوز للجهات المخاطبة بأحكام هذا القانون أن تتقاضى ممن يطلب الاطلاع على المعلومات أية مبالغ إضافية بخلاف التكلفة الفعلية، وأضافت النسخة الأخيرة لمشروع القانون عبارة (يجوز الإعفاء من سداد هذه التكلفة أو جزء منها في الأحوال التي تحددها اللائحة التنفيذية) لكنه لم ينص على أهمية أن تكون التكلفة رمزية كما هو الحال في المبدأ السادس في الوثيقة. وبالتالي فهو ليس ضمانة كافية لكي تصبح المعلومات في متناول الجميع.
ويمكن التأسي بالتجربة المكسيكية في المسألة المتعلقة بتكلفة الحصول على المعلومة، ففي بداية المبادرة التي قامت بها الحكومة المكسيكية لإتاحة المعلومات للمواطنين، نص القانون على أن يتحمل طالب المعلومة تكلفة الحصول على المعلومة كاملة بدءا من تكلفة البحث نهاية بتكلفة تصوير الأوراق وما إلى ذلك([3]).
وسمح ذلك بمساحة من الانغلاق وأعطى الفرصة لبعض المؤسسات لكي تخفي المعلومات التي لديها ومن أبسط الأمثلة على ذلك هو أن إدارة مكافحة المخدرات في المكسيك أخبرت عاملا بالأرشيف ان تكلفة المعلومة 800 ألف دولار!
وتوجه طالب المعلومة للمحكمة التي حكمت بأن يعفى طالب المعلومة العادي من تكلفة البحث ويكتفي بتكلفة التصوير أو الأوراق في حين تدفع الشركات التجارية تكلفة المعلومة كاملة متضمنة تكاليف البحث.
لا ينص القانون المصري على أهمية فتح اجتماعات الأجهزة الحكومية ولا تجري العادة على وضع مثل هذا النص في قوانين تداول المعلومات في العالم([4]). ويضعف ذلك من الرقابة على الأجهزة الحكومية، خاصة وأن الرقابة الشعبية هي أقوى أنواع الرقابة وتحافظ على الأداء الكفء للحكومة، وبالتالي من المهم إدراج نص يفتح المجال للمواطنين لحضور مثل تلك الجلسات.
لا ينص القانون المصري على أهمية إبطال القوانين التي تتنافى مع مبدأ أقصى درجات الإفصاح وذلك لأن عددا من قوانين السرية تفرضها الدول على المعلومات لأسباب مختلفة أهمها “الحرب على الإرهاب” وتوسيع تعريف “الأمن القومي” وما إلى ذلك من أسباب وبالتالي فإن الحد من هذا النوع من تلك القوانين يتطلب مراجعة تعريفات الأمن القومي والقوانين المتعلقة بالحرب على الإرهاب كمحاولة لتقليص المعلومات الممنوع الإفصاح عنها.
لا ينص القانون على حماية من يكشف عن معلومات تتعلق بأفعال فيها اعتداء أو انتهاك لحقوق الإنسان. وعادة تكون هذا النوع من القوانين مفيدا في المراحل الانتقالية التي تواجد فيها العنف بشكل كبير، وفي عدم وجود مثل هذا القانون يصبح التعتيم على الانتهاكات والأشخاص المتورطين فيها أسهل من ذي قبل. على سبيل المثال فقد قامت جنوب أفريقيا بعمل آلية تساعد على إدلاء المواطنين بالمعلومات كما تبنى النظام الأفريقي مبدأ ألا يكون أي شخص عرضة لأي عقوبات لنشره معلومات عن حسن نية عن تجاوز ما أو ما من شأنه تهديد خطير للصحة والسلامة العامة أو سلامة البيئة إلا إذا كان فرض العقوبات يخدم مصلحة مشروعة ويعتبر أمرا ضروريا في أي مجتمع ديمقراطي([5]). وينص القانون المصري على أن من يفصح عن معلومة تضر بالأمن القومي يوقع عليه عقوبة بالحبس ولكن تنص المادة 35 على أنه تنتفي المسئولية الجنائية والإدارية بالنسبة إلى كل من قام من مفوضي المعلومات ـــ بحسن نية ــــ بتقديم المعلومات أو إتاحتها في غير الأحوال المقررة فى القانون، إلا أنه من الصعب إثبات توافر حسن النية وهو ما يؤسس لثقافة السرية.
مما يتضح أن القانون الجديد يراعي المبادئ العالمية بشكل أكثر من ذي قبل إلا أنه هناك بعض الملاحظات التي من الواجب الإشارة إليها. أهمها:
وبالتالي فإن المسودة النهائية لمشروع القانون تعالج القضايا الرئيسية المتعلقة بالحد من حرية تداول المعلومات المتمثلة في (هيمنة الأجهزة السيادية على المجلس القومي للمعلومات، عدم وجود آلية داخلية للتظلمات) وهو ما يمثل دفعة لقانون حرية تداول المعلومات وإدراج الملاحظات السابقة سيساعد على تكريس ثقافة وآليات حرية تداول المعلومات في مؤسسات الدولة. وذلك لأن إتاحة المعلومات وتداولها بين المواطنين تؤثر بشكل مباشر على الحد من انتشار الفساد بحيث تضمن وجود رقابة شعبية على أداء الحكومة، وهي أقوى أنواع الرقابة، كما أنها تساعد على بناء ثقة بين المواطن والحكومة وهو ما يرفع من كفاءة الدولة والمواطن على حد سواء.
ــــــــــــــــــــ
[1]() منظمة المادة 19، حق الجمهور في المعرفة مبادئ في التشريعات المتعلقة بحرية الإطلاع.
[2]() نص مسودة مشروع قانون حرية تداول المعلومات قبل النهائي، جريدة الوطن على الرابط التالي:
http://www.elwatannews.com/news/details/128877
[3]() كايت دويل، قانون تداول المعلومات المكسيكي، على الرابط التالي:
http://www.gwu.edu/~nsarchiv/NSAEBB/NSAEBB68/index3.html
[4]() أندرو بودافات وربيبكا زوسمار، الشفافية والمرحلة الانتقالية في مصر” تحديات وإشكاليات”، منتدى البدائل العربي للدراسات صـ17
[5]() مؤسسة حرية الفكر والتعبير، دراسة قانونية حول حرية تداول المعلومات، دراسة قانونية مقارنة، على الرابط التالي:
http://nwrcegypt.org/wp-content/uploads/2011/08/%D8%AF%D8%B1%D8 %A7%D8 %B3%D8 %A9-%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86 %D9%8A%D8%A9-%D8% AD% D9% 88%D9%84-%D8%AD%D8%B1 %D9%8A%D8%A9-%D8%AA %D8%A8%D8% A7%D8% AF%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9 %85%D8% B9%D9 %84%D9%88%D9%85%D8 %A7% D8%AA-pdf.pdf
[6]() الحق في تداول المعلومات، الموقع الرسمي للشبكة العالمية للمدافعين عن حرية تداول المعلومات، على الرابط التالي:
http://www.freedominfo.org/regions/europe/estonia
تمت هذه الورقة بعد جلسة نقاش مع د. سامح فوزي (عضو مجلس الشورى)، د. نجلاء رزق (أستاذة بالجامعة الأمريكية)، أ/ عماد مبارك (مدير مؤسسة حرية الفكر والتعبير)، ومجموعة من أخرى من الخبراء والمهتمين.