التطورات في اليمن.. حصاد نصف عام من المرحلة الانتقالية
وسام بساندو
اليمن
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [544.61 KB]

تمهيد:

كلما أقدمت مؤخرا على المشاركة بعمل حول الأوضاع السياسية باليمن أجد نفسي حريصة بالدرجة الأولى على توضيح شكل الخارطة السياسية في البلاد والقوى الفاعلة بها، وهذا راجع لقناعتي أن هذا هو أهم ما يميز المشهد السياسي اليمني إلى حد ما، حيث كانت معظم هذه القوى معروفة ومحددة الأهداف والمعالم حتى قبل الانخراط في الثورة، وبالتالي فإن المجتمع اليمني لم يفاجأ أو يندهش لحجم الاختلافات والتباينات فيما بين هذه القوى تماما كما لم يفاجأ بوجودها، وبالتالي فإن الرابط الذي وحدها جميعا هو الهدف الرئيس بالتخلص من علي عبد الله صالح سواء كان ذلك لأغراض وطنية أو شخصية انتقامية، ما عدا ذلك فإن الخلافات فيما بينها قد تصل حدا يفوق خلافها وصراعها مع صالح نفسه، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فإن التعريف بهذه القوى مهم أيضا لاعتبارات تتعلق بأن هذه القوى سواء الرسمي منها أو غير الرسمي هي التي تتصدر المشهد السياسي الجديد القديم في البلاد وتحدد كل التفاعلات فيه.

وسيكون هذا هو المحور الأول من هذه الورقة بينما سأتناول التحديات التي تواجه المرحلة الانتقالية في البلاد في المحور الثاني.

  • المحور الأول: الخارطة السياسية اليمنية وتفاعلاتها:

في كل مرة وعند محاولة تقسيم هذه القوى لأغراض الدراسة العلمية أواجه بنفس الإشكالية هل أقسمها لقوى تقليدية وأخرى غير تقليدية، أم قوى مدنية وأخرى عسكرية؟.. إلى غير ذلك، فأجد أن أيا من هذه القوى يمكن تضمينه في أكثر من حقل، إذ يصعب الفصل حقيقة بين ما هو حداثي وتقليدي ومدني وعسكري في اليمن كل الأمور تتداخل، لذا أفضل تقسيمها إلى قوى رسمية ممثلة بأحزاب سياسية رسمية وأخرى غير رسمية تضم كل القوى الأخرى غير الحزبية، وإن كان هذا التقسيم لا يعني الفصل التام أيضا، كما في حال جماعة الحوثي مثلا التي تحظى بتنظيم حزبي كان حتى وقت قريب ممثلا برلمانيا، إلا أن هذا التقسيم يبقى هو الأقرب لأغراض الدراسة.

  • أولا: القوى السياسية الرسمية
  • حزب المؤتمر الشعبي العام:

وهو الحزب الحاكم سابقا الذي أسسه علي صالح نفسه ولا يزال الحزب يحظى بالأغلبية البرلمانية، حيث لم يحل المجلس بعد. أُسّس الحزب ليكون واجهة للحكم، واستمر بمثابة غطاء سياسي لاحتكار السلطة وتغولها من خلال اجتثاث المعارضين في مختلف مؤسسات الدولة، ويعكس الحزب الإرادة والطموح الشخصي لمؤسسه. ومع هذا فهناك قيادات وطنية حقيقية داخل الحزب، خاصة أولئك الذين كان انتماءهم بحكم الأمر الواقع حيث ظل الحزب لردح من الزمن موازيا للدولة وبالتالي كان على أي راغب بالانخراط في الخدمة العامة أن ينتمي إليه.

ومع اندلاع الثورة أصبح الحزب في مواجهة التحدي الأخطر في مسيرته، فهو الممثل للسلطة التي يطالبها الثوار بالرحيل، وهو المتهم الأول بكل ما في مرحلة الحكم السابق من فساد وظلم. وبينما نجحت بعض قيادات الحزب من القفز من المركب معلنين انشقاقهم وانضمامهم للثورة، بقي البعض الآخر، ولا يزال الحزب قائما حتى الآن بخلاف ما جرى في الدول العربية الأخرى التي شهدت ثورات مماثلة حيث أُسقِطت فيها الأحزاب الحاكمة بمجرد نجاح الثورة بل وصدرت قوانين بحلها كما في مصر وتونس في حين لم يكن في ليبيا وجود حزبي أصلا.

وهنا ينبغي التمييز بين ثلاث مستويات ضمنية لمن بقي من أعضاء في الحزب، المستوى الأول يتمثل بالرئيس وأسرته الذين فقدوا أي سلطة شرعية لهم في البلاد وبالتالي فإن الحزب يمثل الواجهة الشرعية لوجودهم على الساحة السياسية وهم يحاولون الاستفادة من بنود المبادرة السياسية وقانون الحصانة للالتفاف وتحقيق أكبر قدر من المكاسب وتكريس وجودهم، لذا بات يطلق على الحزب حزب العائلة. المستوى الثاني من المنتفعين الذين ربطوا مصالحهم ووجودهم بالأسرة وبالتالي فإن نهايتها يعني نهايتهم أيضا، المستوى الثالث، وهم الأقلية من القيادات الوطنية داخل الحزب الساعين لإعادة هيكلة الحزب ومبادئه ليصبح حزبا سياسيا حقيقيا خارج سيطرة الأسرة.

  • تكتل اللقاء المشترك:

هو تجمع لأحزاب المعارضة الرئيسية، تأسس في 6 فبراير 2003 بهدف التنسيق في الانتخابات البرلمانية, والعمل المشترك لضمان وصول جميع الأحزاب الستة الموقعة على الاتفاق للمشاركة في المجلس النيابي، وقد نجح التكتل في خوض الانتخابات الرئاسية في 2006 بمرشح واحد منافس لعلي صالح ويعتبر هذا هو الانجاز الأهم للتكتل قبل الثورة.

مؤخرا حقق التكتل المزيد من النجاحات، فمنذ انضمامه للثورة نصب نفسه ممثلا لها في التفاوض مع الوسطاء الاقليميين والدوليين وكذلك في التوقيع على المبادرة الخليجية في مواجهة صالح ومن ثم المشاركة في تشكيل الحكومة الانتقالية.

ومنذ البداية كانت هناك علامات استفهام حول العلاقة بين الأحزاب داخل التكتل لا سيما الحزبين الأهم وهما التجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي بسبب ما بينهما من خلاف ايديولوجي، وراهن البعض على عامل الوقت لانهيار هذا التحالف، إلا أنه استمر وعبَر التكتل الثورة ووصل للمشاركة في السلطة موحدا، لكن يبقى هذا الأمر كما أراه مرتبطا ومرهونا بطبيعة الحال بوجود أرضية مشتركة من المصالح بين الطرفين لاتزال متمثلة باستمرار تأثير النظام السابق والقلق من شبح عودته، وإن كان هناك نوع من التوتر بدا واضحا مؤخرا بين الحزبين بسبب شعور الأخير بمحاولات الإصلاح اقتناص كامل مكاسب الثورة دون مشاركة أحد، خاصة فيما يتعلق بالقرارات الأخيرة التي اتخذها الرئيس والحكومة في مجال التعيينات في بعض الوزارات والمصالح الحكومية، والتي ارتأوا أنها تتخذ بالتوافق مع حزب الإصلاح ولصالحه دون التشاور مع بقية القوى الشريكة الأخرى وأنها تهدف إلى ما يمكن أن اسميه بأصلحة الدولة (نسبة إلى الإصلاح)، بالرغم من محاولات الإصلاح نفي ذلك.

كما أن تصاعد قضية الفتوى التي كان سبق وأصدرها أحد القياديين البارزيين في حزب الإصلاح الشيخ عبد الوهاب الديلمي إبان حرب 94 والتي بررت قتل الجنوبيين بتهمة الردة والانفصال عادت لتطفو على السطح مجددا، ومع محاولات الشيخ التنصل من هذه الفتوى التي كان قد سبق واعترف بأنها كانت مقصورة على من يحملون السلاح دون قتل النساء والأطفال، هذا قبل أن يعود لينفيها بالمطلق، إلا أنه وفي معرض نفيه أساء مرة أخرى لشعب الجنوب حيث وصفهم بأنهم كانوا بمثابة عبيد للحزب الحاكم السابق وهو الحزب الاشتراكي، الأمر الذي وتر الأجواء أكثر بين الحزبين.

  • ثانيا: القوى غير الرسمية:
  • القوى الشبابية:

شباب الثورة ليسوا مجرد فصيل واحد فهم ينتمون إلى مكونات عدة، منهم شباب حزبيون ينتمون لأحزاب اللقاء المشترك، وعلى رأس هذه الأحزاب التجمع اليمني للإصلاح، والحزب الاشتراكي اليمني، كما ينتشر تأثير الحزب الوحدوي الناصري في مدينة تعز بشكل خاص، بالإضافة إلى بعض الشباب المنشقين عن حزب المؤتمر الشعبي الحاكم.

وبالمقابل هناك شباب مستقل لم يكونوا قد مارسوا العمل الحزبي أو السياسي في حياتهم مطلقا من المثقفين والناشطين الحقوقيين وحتى العاطلين والحرفيين، بالإضافة إلى طلاب الجامعات الذين كانوا بالفعل وقود هذه الثورة، كل هذه المكونات المتباينة جمعتها الرغبة في التغيير وتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية.

واجه شباب الثورة التحدي الأهم مع انضمام القوى التقليدية للثورة، التي دأبت على حرف مسار الثورة عن كونها شعبية خالصة إلى مجرد مناورة سياسية تستطيع من خلالها تحقيق أكبر قدر من المصالح السياسية. وقد بدا واضحا إقصاء القيادات الشبابية البارزة في الثورة من تشكيل المجلس الوطني بداية ومن ثم في تشكيل الحكومة التي انفردت بها أحزاب اللقاء المشترك مقابل حزب صالح.

الأشد من ذلك تعرض بعض القيادات الشبابية الثورية التي لم تخنع لهذا الخط لمحاولات تشوية شنعاء، سميتها باغتيال الجياد، جياد الثورة.

  • القبائل:

تلعب القبيلة في اليمن دور رئيس في البيئة السياسية والاجتماعية، لذا لا يمكن الحديث عن دور القوى السياسية اليمنية دون التطرق إلى الدور القبلي، وقد كان نظام صالح يفاخر بهذا الدور ويعمل على تكريسه.

أعلنت العديد من القبائل انضمامها للثورة وتأييدها ومنها القبائل الكبرى كبعض قبائل بكيل وحاشد ومعظم رموز قبيلة سنحان وقرية بيت الأحمر معقل صالح الرئيس، لكن لتحول الأهم جاء بانضمام أولاد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر «العشرة» للثورة.

وبالرغم من الترحيب الثوري بانضمام القيادات القبلية للثورة في البداية خاصة مع تعهداتهم بالوقوف خلف مطالب الشباب لا أمامها، والتزامهم بسلمية الثورة.

لكن انضمام القبائل التي أصبحت فصيل أساسي في الثورة مثل إشكالية واضحة فيما بعد فبرغم كل ادعاءات القيادات القبلية بالترحيب بفكرة الدولة المدنية، إلا أن ذلك لم يستقم على أرض الواقع، حيث ثبت أن هذه القيادات غير مستعدة للتخلي عن مكتسباتها، وليس أدل على ذلك من موقف القبائل المستعر من تصريحات رأس الحكومة بوقف المخصصات التي تمنح للقبائل سنويا والتي تبلغ قيمتها 13 مليار ريال يمني، حيث هاجموا رئيس الوزراء بشراسة وهددوا وتوعدوا، فما بالك إذن إذا اتجهنا للدولة المدنية التي من المفترض أن تذوب فيها هذه القبائل بمشايخها بكل ما لهم من نفوذ وسلطة موازية للدولة.

  • الحراك الجنوبي:

الجنوبيون أول من قاد الحراك السلمي وطالب بالتغيير ليس على مستوى اليمن فحسب بل والمنطقة فقد انطلقت الشرارة الأولى منذ عام 2003 على شكل مطالبات برفض التهميش والإقصاء والمطالبة بالمساواة، تبلورت هذه المطالب بشكل أوضح عام 2007 وقد اتسعت من مجرد مطالب حقوقية حتى وصلت إلى مطلب فك الارتباط والاستقلال التام عن دولة الوحدة.

وبشكل عام هناك وجهتي نظر يتبناها الجنوبيون الأول يمثله تيار الرئيسين علي ناصر محمد وحيدر العطاس فيما يعرف بمجموعة القاهرة والذي يتبنى الاتجاه إلى الفيدرالية المقيدة، بينما يتشدد التيار الاخر والذي يعرف بمجموعة بيروت بقيادة الرئيس علي سالم البيض بمطلب الانفصال التام والعودة إلى دولة الجنوب قبل عام 1990. وفيما يتعلق بالموقف من المبادرة الخليجية فقد تحفظ الجنوبيون عليها وعلى كل ما انبثق عنها من منطلق تجاهلها لقضيتهم.

وبناء على الآلية التنفيذية فقد شكل رئيس الجمهورية مؤخرا لجنة للتواصل مع القوى غير المنضمة للمبادرة بهدف التجهيز لمؤتمر الحوار الوطني، باشرت اللجنة عملها بالتواصل مع قيادات الحراك في الخارج والداخل لاستطلاع الآراء وإقناع الجميع بالمشاركة.

الخلاف هنا يدور بين عرض القيادات الجنوبية بأن يكون سقف الحوار مفتوح وتحدده مخرجات الحوار، في حين يصر البعض أن يكون أي حوار متاح تحت سقف الوحدة.

اللافت للنظر مؤخرا بدء عودة بعض القيادات الجنوبية البارزة لليمن ومنهم السفير السابق “أحمد عبدالله الحسني” الذي اعتقل فور وصوله مطار عدن قبل أن يطلق سراحه بضمانات خاصة، كما صرحت قيادات أخرى بأنها بصدد العودة منهم الرئيسين الجنوبيين حيدر العطاس والرئيس علي سالم البيض نفسه.

  • الحوثيون:

يطلق عليهم “الحوثيون” نسبة إلى حسين بدر الحوثي الزعيم السابق للجماعة، وهي حركة سياسية دينية محسوبة على المذهب الزيدي تنتشر في محافظة صعدة شمال غرب اليمن وفي محافظات حجه وعمران والجوف.

نشأت الحركة عام ١٩٩٠، وفي عام 2005 طفت قضية الحوثيين بقوة على السطح بعد احتلال العراق. وقد شهدت البلاد ستة حروب شنها النظام السابق ضد معقل الحوثيين ذهب ضحيتها المئات من الطرفين، كما أنهكت الجيش واستنزفت الاقتصاد دون هدف أو نتيجة.

ومع انطلاق الثورة أعلن الحوثيون دعمهم للتغيير والمطالبة باسقاط نظام صالح بكل رموزه، لكن يبدوا أن موقف الحوثيون تغير نسبيا بعد إعلان اللواء علي محسن قائد الفرقة الأولى المدرع انضمامه إلى الثورة، وهو الشخص الذي يعتبرونه المسؤول الأول عن الحروب التي شُنَّت ضدهم، بالإضافة إلى ظهور حزب الإصلاح وأبناء الشيخ الأحمر كوَرَثة محتملين لنظام صالح.

إلا أن هذه الحرب ظلت باردة صامتة أغلب عمر الثورة الزمني حتى لا يسهم ذلك في تقوية وضع المنافس صالح ونظامه، برغم وقوع بعض الاشتباكات المتقطعة خلال تلك الفترة بين بعض الجماعات السلفية والقبائل المقربة من الإصلاح في المنطقة وأنصار الحوثي.

وقد كان للحوثيين موقف واضح من رفض المبادرة الخليجية وكل ما من شأنه الحيلولة دون إمكانية الحسم الثوري، ومن ذلك رفضهم المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي خاضها المرشح التوافقي عبدربه منصور هادي.

وحاليا خرجت الحرب بين الإصلاح والحوثيين من مرحلة الحرب الباردة إلى التراشق والاتهام العلني، حتى إن نذر حرب وشيكة بدأت تلوح في الأفق مع الحشود العسكرية الواضحة من الجانبين في حال لم تتدخل الدولة وتعلن عن وجودها، وهو الأمر المستبعد حاليا مع الأسف.

  • القوى العسكرية المنشقة:

بدأت سلسلة الانشقاقات عن النظام فيما عرف بيوم الهروب الكبير، حيث شهد انشقاق عدد كبير من قادة الجيش اليمني وكان الانشقاق الاهم للرّجل الأوّل في الجيش اليمني علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرعات والمنطقة العسكرية الشمالية الغربية، بالإضافة إلى قائد المنطقة العسكريّة الشّرقية اللّواء محمد علي محسن “ابن عمّ الرّئيس”، وغيرها العديد من الأولية العسكرية في مختلف المناطق.

ويعد علي محسن الأحمر الرقم الأصعب في المرحلة السياسية الراهنة، فهو يمثل القوة العسكرية الأكثر تنظيما في مواجهة آلة صالح العسكرية، وبالرغم من إعلانه أكثر من مرة أنه تحت إمرة الرئيس، لكن الحقيقة أنه قوة موازية للرئاسة إن لم يكن متفوقا عليها.

وفي خلاصة هذا المحور يمكن أن ُأُجمِل هذه القوى في ثلاثة تيارات ديني وعسكري ومدني، المدني يتمثل في شباب الثورة المضطرين لمواجهة كل القوى الرجعية العسكرية والحزبية التقليدية والقوى الدينية.

أما الديني والعسكري فنجدهما يتقاطعان في نقطة ما، مع ذلك يمكن أن نقسم القوى الدينية في اليمن إلى الإخوان المسلمين ممثلين بحزب الإصلاح، والقوى السلفية، والسلفية الجهادية ممثلة بأنصار الشريعة أو القاعدة فرع اليمن. وبالرغم من التمايز بين موقف الإصلاح والسلفيين على المستوى النظري والفكري وحتى في بعض المواقف، إلا أن هذه الفوارق تعود لتذوب في العديد من المواقف الأخرى كما هو الحال في الموقف من الحوثيين على سبيل المثال حيث يرعى الحزب الجماعات السلفية ويدعمها في مواجهتهم ناهيك عن الاتفاق في فتاوى التكفير والردة.

وفي المجال العسكري هناك ثلاث قوى رئيسة آل صالح الذين لا يزال لديهم الأذرع الطويلة في المؤسسة العسكرية ويقاومون كل محاولات الرئيس لإعادة هيكلة الجيش بل ويجاهرون بتحديها والانقلاب عليها، الثاني ممثلا بقوة علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع، والقوى الثالثة هو قوة الرئيس قائد القوات المسلحة أي ما تبقى من جيش نظامي، وهو بصراحة يمثل الحلقة الأضعف في المعادلة، وإن كانت هذه هي التيارات العسكرية الرئيسة، لكن هنا لا يمكن تجاهل قوة القاعدة التي تستخدم السلاح وتواجه الدولة عسكريا، بالإضافة إلى جماعة الحوثي التي تملك ترسانة من الأسلحة سبق واستخدمتها ولا تزال في مواجهاتها الداخلية.

بقي أخيرا أن أشير إلى التحالف الأقوى والواضح بين أولاد الشيخ عبد الله بن حسين وواجهتهم السياسية حزب الإصلاح واللواء علي محسن الأحمر، وهو تحالف يبدوا أن الولاء له أقوى لدى كلا طرفيه من الثورة والمبادرة والأحزاب الشريكة في تكتل اللقاء المشترك.

المحور الثاني: التحديات التي تواجه اليمن

تواجه اليمن جملة من التحديات هي في مجملها ليست بالجديدة بل من مخلفات الحقبة الظلامية، وبذلك تدخل اليمن المرحلة الانتقالية محملة بهذه التركة الثقيلة، الجديد فقط أنه جرى الاعتراف بها، بينما كان يتم التهوين من شأنها وتجاهلها سابقا، تارة بنفيها من الأساس مع التركيز على المنجزات الوهمية، وحينا يتم تضخيما لترويع الناس وإشعارهم بالخطر الداهم، كل ذلك حسب ما تمليه مصلحة النظام.

وفيما يلي نستعرض أبرز هذه التحديات:

  • شكل الدولة اليمنية الجديدة:

وهو التحدي الأهم حيث من المتوقع أن تخلص نتائج الحوار الوطني إلى شكل الدولة الجديدة، هل سيبقى اليمن الموحد بشكله الحالي، أم ستتجه البلاد نحو النظام الفيدرالي، أو باتجاه الانفصال. وهنا فإن الحديث ليس عن الجنوب وحده وإن كان هو الأهم لكن هناك قضية الحوثيين أيصا الذين من المتوقع أنهم سيتجهون للمطالبة بنفس الحق على غرار الجنوب، بل ربما ترنو محافظات أخرى بنفس الاتجاه على رأسها محافظة تعز، بمعنى أنه حتى شكل الفيرالية غير متوقع هل إلى قسمين أم أكثر؟

هذا بالطبع هو السيناريو الأكثر تفاؤلا أي إذا سارت الأمور باتجاه التفاوض السلمي والخروج باتفاق موحد حول الشكل النهائي للدولة، مع ذلك تبقى مقاطعة بعض الفصائل المهمة أمر مطروح وبقوة أيضا، وهنا يكمن التخوف من أن تصدر قرارات المؤتمر دون إجماع كل الأطياف وقبولها به، أو أن تفرض التوصيات من بعض القوى التي تريد الانفراد بالمشهد، لذا فإن فشل عملية الحوار لا سمح الله يبقى أيضا مطروحا، وهو الأمر الذي تدعمه الشواهد بطبيعة الحال فكل الأطراف منقسمة بل ومتشظية والكل يتشبث برأيه ومصلحته الخاصة، وهذا يعني أن شكل الدولة وحتى وجودها بات مهددا.

  • التحدي الأمني:

الأوضاع الأمنية في اليمن قبل الثورة لم تكن بخير منذ مدة ليست بالطويلة، ولكن النظام السابق كان يعمد للتلاعب بهذه الأوضاع، لكن الانفلات الآن هو الأكثر بداية بانقسام القوات المسلحة، وليس من قبيل المبالغة القول أن العاصمة مثلا أصبحت مقسمة لمربعات كل مربع يدين بالولاء لقيادة مختلفة، هذا عدى عن الانتشار المكثف للمظاهر المسلحة في الشوارع والانفلات الأمني وقطع خطوط النفط والهجوم على محطات الكهرباء، والتطور الأهم بهذا الصد تمثل باقتحام وزارة الداخلية ومحاولات اقتحام وزارة الدفاع من قبل قوات تابعة للحرس الجمهوري التي يرأسها نجل صالح.

هناك تحدي أمني آخر يتعلق بانتشار موجة متسلسلة من عملية الاغتيال دون أن يتم القبض على أحد، وعدد من تم اغتيالهم حتى الان مهول ناهيك عمن يتم الإعلان عن نجاتهم من محاولات مماثلة.

وفي هذا السياق يدخل أيضا دور الجماعات الإرهابية المسلحة التي انتشرت بكثافة لتعلن سيطرتها على بعض المدن وتعلن فيها الإمارات الإسلامية ودخولهم في مواجهات مسلحة مع الدولة لاسيما في محافظة أبين جنوب البلاد، بالإضافة إلى العمليات الانتحارية التي تتبناها هذه الجماعات في صفوف الشرطة والقوات المسلحة ولا تستثنِ أحد.

كل الشواهد تشير إلى بصمات الأسرة الصالحية في كل هذه العمليات، وأن الحل يكمن في إعادة هيكلة الجيش على أسس وطنية وإقصاء الأسرة من المشهد بحيث يتكون جيش وطني قوي ينصاع لرأس الدولة ويحفظ مصالحها ويستطيع مواجهة كل من يحاول تكدير الأمن، وهذا الأمر بحاجة إلى دعم إقليمي ودولي، ولتتحمل الدول الراعية مسئولياتها في إجبار قيادات صالح على الوفاء بالتزاماتها خاصة مع تنكرهم الواضح من الالتزام بقرارات الرئيس.

  • التدخلات الخارجية:

صحيح أن مجمل المشكلات التي تعاني منها اليمن هي إفراز لواقع وليس صنيعة قوى خارجية، لكن هذا لا يحول دون الحديث عن وجود أيدي خارجية استفادت من هذه الأزمات واستغلتها بشكل أو بآخر، وهو أمر ليس جديد على البلاد.

نبدأ من النهاية تقريبا من المبادرة الخليجية التي هي بمجملها تدخل لرعاتها الإقليميين والدوليين في الشأن اليمني بينما كان بالإمكان إنهاء الأمر باتخاذ قرار دولي بالانحياز للثورة، لكن هذه المبادرة أبقت على الدور الخارجي تحت غطاء المساعدة في خروج اليمن من أزمته، ووصل الأمر لحد عدم قدرة الرئيس على تنفيذ قراراته إلا بالعودة للمبعوث الدولي ليأتي حاملا العصا الدولية وينهي الأمر. وقد يكون هذا النوع من التدخل الخارجي هو الوحيد العلني، عدا ذلك فكل الأطراف تعمل من تحت الطاولة.

الحديث الأبرز اليوم هو عن الدورين السعودي والإيراني، وإن كان الأخير قديما عبر علاقة المملكة مع أبرز القيادات القبلية اليمنية، واهتمامها بالشأن اليمني المؤثر على أمنها بحكم الجوار، إلا أن الدور الإيراني تنامى في اليمن مؤخرا عبر الحوثيين بداية بسبب التقارب المذهبي، ومن ثم توسع لتدخلها في القضية الجنوبية ودعم بعض القيادات المطالبة بالانفصال، وهو ما لم يعد سرا، الأمر الذي دفع المملكة لتوسيع وتعميق نفوذها في اليمن أكثر، وكل ذلك قد انعكس على الفرقاء اليمنيين من خلال توزيع الاتهامات الجاهزة بالارتهان للخارج، لا سيما الفزاعة الإيرانية فكل معارض لهذه القوى أو معبر عن رأي لا يتماشى مع هذه الاهواء لا سيما فيما يتعلق بالانتصار لقضايا الجنوب أو الحوثيين يُتهم فورا بتلقي التمويل الإيراني، وكل ذلك بطبيعة الحال زاد من حدة الانقسام سواء بين القوى السياسية أو داخل المجتمع بشكل عام.

  • التحديات الاقتصادية والاجتماعية:

تواجه اليمن العديد من التحديات الاقتصادية، فعلى المستوى القصير التحدي الأهم يتعلق بضرورة إعادة الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه وتوفير المشتقات النفطية والسلع الأساسية وخفض أسعارها وتحقيق استقرار نسبي في العملة المحلية إن لم يكن تحسينه، وهذه كلها أمور لا يمكن فصلها بأي حال من الأحوال عن تحسن الظروف الأمنية. وبالرغم من أن الأوضاع شهدت بعض التحسن في هذا السياق بعد تشكيل الحكومة إلا أن استمرار الاعتداء على المحطات الكهربائية وتفجير أنا بيب النفط في كل مره يفاقم الأزمة.

وعلى المدى البعيد فإن الأزمة أكبر من ذلك، يكفي أن نقول أن نصف السكان بالأساس يعيشون خارج نطاق الخدمات الأساسية، فالكهرباء تغطي فقط ما يعادل احتياجات 42% من السكان، وفي مجال خدمات المياه يحصل عليها فقط 26% من السكان، فضلا عن أن نسبة الأسر التي تواجه نقصا حادا في الأمن الغذائي تبلغ 40% وتصنف اليمن ضمن الدول الأقل نمواً، وهي ثالث أفقر بلدان المنطقة, حيث أن 15.7% من اليمنيين يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم، ويعيش 45.2% منهم بأقل من دولارين يوميا. وتستورد اليمن حوالي 75% من احتياجاتها الغذائية.
من هنا فإن القضية الاقتصادية من القضايا التي سيشملها الحوار الوطني، وأهم الملفات الاقتصادية التي ستطرح على طاولة الحوار البحث في استراتيجية التنمية الاقتصادية والتوزيع العادل للثروة وكيفية رفع كفاءة تحصيل الموارد وإعادة النظر في الإنفاق العام للدولة ومجابهة مشكلة الفقر والبطالة وقضايا الإغاثة وإعادة الإعمار للمناطق المتضررة بسبب التوترات السياسية والأمنية التي مرت بها البلاد ومقاومة واجتثاث الفساد الذي هو بمثابة الآفة التي تهدد أي منجز اقتصادي.

كما أن العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة من التحديات المهمة أيضا، وهناك دراسات تشير إلى أن 2 بالمائة من اليمنيين فقط يستأثرون بما مقداره 80 بالمائة من دخل أفراد المجتمع اليمني مقابل 98 بالمائة من المواطنين يعيشون ضمن فئتي متوسط وضعيف الدخل.

تبقى هناك بعض التحديات المتعلقة بأبعاد العلاقات داخل المجتمع وأهمها وضع النساء والشباب، وكيف أثرت الثورة على طبيعة هذه الأدوار، بطبيعة الحال نحن عندما نتكلم عن وضع المرأة في اليمن لا نتحدث عن مشكلة مستحدثة على المجتمع، فنحن لا ندعي أننا تونس مثلا، فالحزب الديني الرئيس كان له دور وتأثير كبير سابق على الثورة بل وكان شريكا في السلطة لسنوات، كما أن الاعتماد على فتاوى رجال الدين وارتباطها بالقضايا السياسية هو أمر معتاد، لكن الثورة في الحقيقة كانت قد رفعت سقف التوقعات عاليا خصوصا وأنها بدأت بالأساس من قبل شباب متحمس للدولة المدنية وشاركت النساء فيها جنبا إلى جنب وكان لهن أدوار قيادية في الثورة ولم يكن يجد المجتمع في ذلك تحرجا إلا من قبل المحسوبين على النظام وهو بطبيعة الحال كان نقدا مبني على اختلاف سياسي أكثر منه نقدا لخروج المرأة بدليل أنه في صفوف الداعمات للحزب الحاكم كانت نساء يخرجن للشوارع أيضا، بمعنى أن الثورة حفزت النساء على الجانبين للمشاركة سواء أكن ثائرات أو مؤيدات، ولم نسمع حينها فتاوى من رجال الدين خاصة المؤيدين للثورة ومنهم حزب التجمع اليمني للإصلاح.

لكن ما إن بدأت المرحلة الانتقالية حتى شهدنا أن هذا المشهد بدء يتراجع فهوجمت الثائرة توكل كرمان ولوحقت بالتشويه بحجة أنها سبق وخلعت النقاب وبدأت عمليات التصيد لتصريحاتها وأقوالها، وإن كنا نرى أن هذا راجع لكونها خرجت عن الخط السياسي الذي رسموه، الأمر نفسه انسحب على الثائرة بشرى المقطري وغيرهن الكثيرات، وتواصلت عمليات التحريض والقذف وحتى الاعتداء الجسدي والتهديد بالقتل، مما ينذر بحدوث ردة في مجتمع تعد مكتسباته وإنجازاته من كفاح طويل محدودة أصلا.

الأمر نفسه انسحب على دور الشباب المستقل بآراءه السياسية الرافض للانسياق وأصبح أي مطلب بإقامة الدولة المدنية التي خرجت الثورة تنادي به منذ البداية يواجه مباشرة باتهامات وفتاوى التكفير، الأخطر أن يتم كل هذا دون أن يحدث إنفراد للتيار الديني بالسلطة بل هو لا يزال شريك مع أحزاب أخرى من مشارب متنوعة.

الخلاصة

لو حاولنا تقييم منجزات المرحلة الانتقالية حتى الآن، نجد أننا لابد أن نقيمها من منظورين، الأول هو المنظور الثوري وهنا سنجد أنها لم تحقق كل المكتسبات التي طمح إليها الثوار حتى في مجال إزاحة رأس النظام الذي لم يطاح به بالضربة القاضية، لكن مجرد إزاحة صالح عن كرسي الرئاسة دون بحور من الدماء يعد إنجازا، فالرجل كان ولا يزال مستعدا لذلك.

أما من منظور المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وهو المنظور الثاني، فنجد أن المرحلة الانتقالية الاولى قد تمت تقريبا بنجاح باعتبار ما كان مقررا لها من حيث تشكيل حكومة الوفاق الوطني وإجراء انتخابات الرئاسة، لكن المرحلة الانتقالية الثانية التي من المفترض أن تمهد لأجواء الحوار الوطني تتعثر بقوة.

ولو حاولنا أن نقيس منجزات الثورة حتى الآن في مجال الديمقراطية نجد أنها لم تنتج سوى انتخابات رئاسية لو أمكن اعتبارها كذلك حيث كانت أقرب للاستفتاء، وهي في كل الأحوال تعد ردة حيث كانت البلاد تشهد انتخابات رئاسية تعددية قبل الثورة، وفيما يتعلق بمشروعات التنمية والإصلاح فهي لم تبدأ بعد وستبقى الأمور معلقة حتى إنجاز مهمة الحوار الوطني الموكل إليه طرح كل هذه القضايا.

أما فيما يتعلق ببناء الدولة المدنية الحديثة التي عمادها الشباب والنساء فإن الأمر دق ناقوس الخطر منذ مدة ولم يعد يكفي بأي حال من الأحوال الاكتفاء بعبارات الشجب والإدانة، فالمجتمع لا يجب أن يعود لعصور أكثر ظلامية مما كان عليه بعد ثورة دفع ثمنها الشباب من دمائهم وأرواحهم حين كان نساجوا الفتاوي يتوارون عن المشهد.

Start typing and press Enter to search