أحدثت الثورة المصرية قفزة فى تطلعات المصريين على جميع المستويات, مما ترتب عليه أهمية أن يكون القائمين على كل مجال قادرين على مواكبة المتطلبات الجديدة للثورة, فيما يتعلق بالإعلام لم يعد المصرى قابلا بإعلام مزيف أو مضلل. تبحث هذه الورقة سبل تحرير الإعلام وتمكينه من لعب دوره المنوط به فى لحظة شديدة الخصوصية من تاريخ مصر كاللحظة الراهنة.
الواقع أن عدم الاستقرار بشكل عام انعكس على الأداء الإعلامي المصري وقد بدا ذلك واضحا فى التخبط وعدم الاستقرار خاصة فى التليفزيون الرسمي.عدم تدريب الإعلاميين على مواكبة التطور الإعلامي سواء على المستوى التقني أو على مستوى المهارات. عدم استقلالية الإعلام سواء كان ملكا للدولة أو لأفراد. البيئة القانونية التي صاغها النظام السابق كانت مكبلة للإعلام ومكرسة لمشروع النظام. مساهمة الإعلام أحيانا فى تضخيم بعض المشكلات المجتمعية أو تكريس أنماط معينة وصور ذهنية تساهم أحيانا فى مزيد من الاحتقان أو إحداث اضطرابات. تحرير الإعلام يحتاج الى بيئة سياسية صالحة ديمقراطية. غياب الجهات المنظمة للعمل الإعلامي. غياب ضمانات استقلالية الإعلام سواء الذي تملكه الدولة أو يملكه الأفراد. تأثير عوامل الربح على الأداء المهني. ضرورة إدماج وسائل الإعلام الإلكترونية الجديدة مع الوسائل القديمة. تعد هذه التحديات من أبرز ما يواجه الإعلام المصري في مسيرته نحو التحرر.
هناك العديد من الخبرات الدولية التي يمكن إلقاء الضوء عليها فى هذا الصدد.
تعد فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة من أهم الدول التي يمكن الاستفادة من تجاربها فى مجال تحرير الإعلام.
على سبيل المثال القناة الأولى في التلفزيون الألماني تتكون من اتحاد قنوات محلية تمثل معظم الولايات الألمانية وتتمتع باستقلال ذاتي عن القناة الأم. التمويل يكون من خلال المتلقي مباشرة من خلال الضرائب المفروضة على خدمة الراديو والتلفزيون مما يضمن استقلالها عن الحكومة.
فى فرنسا هناك “المجلس الأعلى للسمعي والبصري بفرنسا” يختص بتنظيم المجال السمعي والبصري ويتدخل لضمان استقلالية وسائل الإعلام والمنافسة الحرة وجودة البرامج وتنوعها وحماية الثقافة واللغة ولا يمكن للحكومة أن تتخذ أي قرار في شأن الإعلام دون الرجوع إليه، ويضم هذا المجلس تسعة أعضاء يتم اختيارهم بواسطة رئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ لمدة 6 سنوات.
في بريطانيا هناك جهاز يدعي (اوفكام) “المكتب الفيدرالي للاتصالات” يتكون من خمس مكاتب تختص بتنظيم معايير البث الإعلامي وإعطاء التراخيص وتنظيم الإذاعات والتلفزيونات التجارية وهو يعد الجهة المنسقة للإعلام والضامنة للتنافس بين مقدمي الخدمة.
لا يقتصر الأمر على تجارب الدول التي قطعت شوطا طويلا فيما يخص إرساء قواعد الديمقراطية وبالتالي تحرير الإعلام وإنما هناك دول أخرى تحولت حديثا ـــ نسبيا ـــ نحو الديمقراطية فيما يعرف بالموجة الثالثة للتحول الديمقراطي ولعب الإعلام دور هام جدا فى تجارب هذه الدول.
خلال مرحلة التحول الديمقراطي فى بولندا لعب الإعلام دور حيوي فى إنجاز هذه المرحلة حيث أدرك القائمون على هذه العملية حتمية الحصول على تأييد شعبي لإنجاز أهدافهم. كانت كل الأطراف تتخلى تدريجيا عن رغبتها في الاستحواذ تحت ضغط التغطية الإعلامية اليومية لجلسات القائمين على هذه المهمة. كانت الجماهير في انتظار نجاح مهمتهم وغير قابلة لتلق خبر الفشل مما كان له أثر مباشر فى النجاح فقد فهم السياسيون أن فشل هذه العملية يعنى فشلهم هم شخصيا أمام الرأي العام وبالتالي انتحارهم سياسيا فلم يغامروا بذلك. كذلك كانت مرحلة التحول الديمقراطي تقتضي خلق مناخ يستطيع ان يتعامل مع تحديات المرحلة وبالطبع كان الإعلام هو الأجدر على خلق هذا المناخ. كان لابد فى هذا الإطار من استيعاب الإعلاميين المحسوبين على النظام السابق وإعطائهم الثقة انطلاقا من قناعة مفادها أن الخطأ كان في النظام وليس الأشخاص.
في التجربة المجرية كان للإعلام دور محوري في خلق المناخ الداعم للحرية لأن سنوات القمع خلقت نوع من الرقابة الذاتية والكبت الداخلي وقتلت فترة الروح الحرة. حيث كان الإعلام بوق للنظام الشيوعي واخذ يتحرر تدريجيا موكبا حركة التحرر والتحول نحو الديمقراطية.
أن تحقيق الأهداف القومية لا يمكن ان يتم بمعزل عن دور قوي يلعبه الإعلام ليكون جسر التواصل بين القائمين على وضع خطط النهضة فى المجتمع وبين جموع المواطنين الذى لا يمكن للنهضة أن تتحقق دون مشاركتهم الفعالة الإيجابية, من هنا توجب على كل الأطراف: الدولة، والمؤسسات الإعلامية، والأفراد، أن يقوم كل منها بدوره وألا يكتفي الفرد بعد الثورة بالتلقي بل عليه ان يشارك بفاعلية فى تطوير وتقييم ما يتلقاه.