تقرير عن ندوة: النظام شبه الرئاسي- العلاقة بين السلطات والإطار الدستوري
فيتالينو كاناس

المتحدث: د. فيتالينو كاناس- عضو البرلمان البرتغالي وأستاذ القانون الدستوري

المعقب: د. عمرو الشوبكي- مستشار منتدى البدائل العربي للدراسات

والتي عقدت بمقر “منتدى البدائل العربي”في الأول من إبريل 2012

بالتعاون بين منتدى البدائل العربي والمنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية انعقد في الأول من إبريل ندوة حول أنظمة الحكم والنظام شبة الرئاسي، تحدث فيها د. فيتالينو كاناس (أكاديمي ونائب في البرلمان البرتغالي ووزير سابق) عن طبيعة النظام شبه الرئاسي والعناصر المكونة له وتوزيع السلطات في إطاره وأسباب الأخذ به في الدول التي تبنته، وأهم مزاياه وعيوبه وأخيرا شروط تطبيقه على أرض الواقع. ثم تحدث د. عمرو الشوبكي (رئيس المنتدى والنائب في البرلمان المصري) عن الحالة المصرية وكيف يمكن تطبيق هذا النموذج بها. وقد جرى نقاش واسع بين الحضور من الأكاديميين والسياسيين والنشطاء حول هذا الموضوع.

أولا:- عرض د. فيتالينو كاناس:

في أوائل القرن العشرين، كانت الديمقراطية تبنى على نظامي حكم لا ثالث لهما: النظام الرئاسي، والنظام البرلماني. إلا أن كلاهما شهد تطورا ملحوظا على مدار هذا القرن لدرجة دفعت العلماء إلى الاعتراف ببروز نظام حكم ثالث.

ـ ولا تسعى تلك الندوة إلى الترويج لنظام معين، بل تعمل جاهدة على شرح النظام شبه الرئاسي الأقل وضوحا ربما الأقل بديهية. وهي بذلك تسعى لإثراء الجدل الدائر بالتحليلات والمقارنات المفيدة.

ـ تم تصنيف النظام شبه الرئاسي في عام 1970 عن طريق العالم الفرنسي موريس وفرجيه.

ـ يسجل بعض الكتاب اليوم لوجود أكثر من 50 نظام حكم شبه رئاسي، فيما يشير آخرون إلى وجود 30 أو40.

img_0485.jpg

2-العناصر المكونة للنظام شبه الرئاسي:

من منظور قانوني وسياسي، يتميز النظام شبه الرئاسي بمبدأ أساسي: توازن السلطات بين الجهات السياسية الثلاث: الرئيس، والبرلمان، والحكومة برئاسة رئيس الوزراء. في المقابل، يتكون النظامين الرئاسي والبرلماني من كيانين سياسيين رئيسيين ذوي سلطات واسعة.

ويعد الحفاظ علي التوازن بين السلطات الثلاث هو التحدي الأكبر.

1- تتمتع تلك السلطات على الرغم من ذلك بشرعية ديمقراطية، ولا يعمل النظام شبه الرئاسي بشكل صحيح إذا ما ادعت أى من تلك السلطات أن لديها شرعية أسمي من نظيرتها. فلو انتخب الرئيس ثم أقيل من منصبه على يد البرلمان المنتخب بصورة مباشرة، فلن يصبح توازن السلطات بين تلك الجهات ذا معنى.

2- توزيع السلطات: يجب تزويد جهات الحكم الثلاث بسلطات تمكنها من التصرف بصورة معينة. وقد تضاف تلك السلطات بحيث تمنحها نفوذا سياسيا (سلطات سلبية)، أو تتيح لها مجالا للمشاركة الفعالة في عملية صنع القرار السياسي (سلطات إيجابية).

– والسلطات السلبية ممثلة في منع أو رفض التغيير السياسي أو الآثار السياسية التي تصنعها الجهات الأخرى، مثل حق النقض (الفيتو).

– السلطات الإيجابية والتي تؤدى ممارستها إلى إصدار قرار ينتج عنه تغيير في النظام السياسي، مثل:حل البرلمان، وتعيين واستقالة الحكومة.

– ويرى بعض الكتاب أن النظام شبه الرئاسي يتضمن افتراضا مسبقا بخضوع الحكومة للمساءلة أمام كلا من الرئيس والبرلمان.

3- توزيع السلطات في النظام شبه الرئاسي: ويحظى البرلمان في النظام شبه الرئاسي بسلطات تشريعية تحد من تلك التي يتمتع بها الرئيس عبر النفوذ السياسي. وفى المقابل، وبالرغم من عدم امتلاك الرئيس لسلطات تشريعية، إلا أن لديه حق النقض. كما أن في يديه السلطات التنفيذية التي تخول له رسم السياسات اليومية على المستويين المحلى والخارجي، وذلك تحت رقابة البرلمان. ويشغل الرئيس وأعضاء البرلمان مناصبهم لمدد محددة، ولا يمكن لأحدهما إقالة الآخر، مع استثناء إمكانية توجيه إحداهما الاتهام للآخر بسوء التصرف.

– حيث لا يجب أن تحصل أي من جهات الحكم على صلاحيات أساسية ونفوذ دائم على غيرها. ويمكن تحقيق ذلك عبر وسائل عدة، منها: جعل إدارة السياسة الحالية في يد الحكومة وحدها أو في يد الرئيس كذلك، وجعل الحكومة معتمدة على واحدة من جهتي الحكم الأخريين أوكلتاهما، وتمكين الرئيس من حل السلطة التشريعية سواء في ظروف خاصة أو تحت أي ظرف.

عيوب النظام شبه الرئاسي

مزايا النظام شبه الرئاسي

· انتخاب الرؤساء بشكل مباشر قد ينجم عنه ظهور قادة شعبويين ومستبدين لديهم شعور بسمو شرعيتهم فوق القانون.

· قد تؤدي مسئولية الحكومة والبرلمان عن التشريع إلى ضرب استقرار الحكومة في مواجهة السلطة التشريعية المنقسمة.

· قد ينتج عن وجود سلطتين تنفيذيتين إضفاء صفة المؤسسية علي الصراع داخل الحكومة، خصوصا خلال فترات”التعايش”، أي حين يكون الرئيس والأغلبية البرلمانية يتبعان حزبين مختلفين.

· وجود الرئيس لفترة زمنية محددة يحدث استقرارا في ظل الأزمات والصراعات السياسية.

· يمنح خضوع رئيس الوزراء للمساءلة أمام البرلمان مرونة سياسية.

· وجود جهتي حكم تنفيذية (الرئيس ورئيس الوزراء) يسمح بتشارك الصلاحيات بين الأحزاب المتنافسة تجنبا لسيناريوهات هيمنة الحزب الفانز على كافة السلطات.

img_0484.jpg

 

4- أداء النظام شبه الرئاسي:

الشروط المهيئة لانتهاج نظام شبه رئاسي

الظروف غير الملائمة

· أغلبية نسبية لحزب واحد يدعم الحكومة بشكل منظم، مع حيادية الرئيس أو انتمائه لحزب آخر.

· أو أغلبية منظمة قائمة علي ائتلاف ثابت، في ظل وجود رئيس حيادي أو ينتمي لحزب آخر أو أحد أحزاب الائتلاف.

· أو أغلبية مطلقة تدعم الحكومة، معززة بائتلاف مستقر، مع وجود رئيس محايد، أو منتمى لحزب غير ممثل في الائتلاف، أو قائدا لأحد أحزاب الأقلية في ذلك الائتلاف.

· حين يكون الرئيس هو نفسه زعيم الأغلبية البرلمانية، وحين تكون الأغلبية الرئاسية هي نفسها البرلمانية المطلقة، وهو ما يؤدي إلى ميل النظام إلي ترجيح كفة الرئيس.

· في حالة كون الأغلبيتين شيئا واحدا، وكان الرئيس عنصرا ثانويا في حزب الأغلبية، تتركز السلطة في يد زعيم الأغلبية البرلمانية، والذي غالبا ما يتولى منصب رئيس الوزراء. ويحدث نفس الأمر على الأرجح إذا كان الرئيس عضوا بحزب أصغر.

· في حالة عدم انتماء الأغلبية لحزب واحد، بل لائتلاف مستقر، وقيادة الرئيس لذلك الائتلاف، فإن ذلك يميل بالنظام إلى النمط الرئاسي.

حالة البرتغال

عانت البرتغال في القترة ما بين1911 وحتى عام 1926 (الجمهورية الأولى) من اهتزاز ملحوظ على الصعيد السياسي حينما كانت تخضع لنظام حكم برلماني. وفي عام1926، وقعت البلاد تحت حكم استبدادي استمر لـ48عاما حتى قيام ثورة أبريل 1974 التي نفذها صغار ضباط الجيش، والذي صار بمثابة محرك الثورة. فور قيام الثورة، تم إلغاء دستور1933، واعتمدت الجهات العسكرية الثورية مجموعة من القوانين الدستورية. فيما تم تعيين حكومة مدنية تحت سيطرة قوية من الجهات العسكرية التي حملت اسم”مجلس الثورة”. وعقدت في 1975 أول انتخابات ديمقراطية منذ 50 عاما لانتخاب جمعية دستورية ذات مهمة أساسية، وهي كتابة الدستور الجديد. وبالرغم من الشرعية الديمقراطية التي تمتعت بها تلك الجمعية، إلا أن الأحزاب اضطرت ألزمت باتفاقين مكتوبين فرضتهما المؤسسة العسكرية. وشمل الاتفاقان الإطار السياسي في معظمه وكذا نظام الحكم، واللذان شملهما الدستور الصادر في أبريل1976. واحتفظ الجيش ببعض من نفوذه السياسي وفق هذا الدستور حتى إدخال أول التعديلات عليه في 1982.

– وبنى النظام شبه الرئاسي لدستور1976على تسويات معقدة فرضها تاريخ البرتغال، والذي شهد ذكريات انعدام الاستقرار في ظل النظام البرلماني أيام الجمهورية الأولى، وكذا الاستبداد في ظل الحكم الرئاسي الأخير. وفى الوقت الذي فضلت فيه الدوائر السياسية المحافظة نظاما ملكيا دستوريا، سعت المؤسسة العسكرية الثورية للحفاظ على بعض من نفوذها السياسي. وبدا الجيش متقبلا للنظام شبه الرئاسي على أمل أن يتولى منصب الرئاسة وفق انتخابات بعيدة عن سيطرة حزب سياسي. لذا، فقد كان نظام الحكم شبه الرئاسي خيارا مناسبا للجميع. ولمتشهد البرتغال عبر تاريخها توازنا مثل الذي حققه واضعو الدستور الجديد، وهو ما أثار الشكوك حول استمراريته. إلا أن الدستور نجح في البقاء على مدار 36عاما ليصبح مظهرا طبيعيا للديمقراطية في البلاد.

ثانيا:- تعقيب د. عمرو الشوبكى:

كان هناك اتجاه فى مصر في أعقاب الثورة لتبنى نظام برلماني كردة فعل مخالفة تماما لميراث نظام مبارك، وهو ما كانت متبنياه أحد اكبر القوي السياسة المنظمة في مصر “حزب الحرية والعدالة” وهو توازى معه اتجاه وقتي داخل المجتمع حينها مؤيدا لهذا النمط من النظم السياسية، وهو أمر مفهوم وطبيعي في أي مجتمع مر بتجربة استبداد تتشابه مع التجربة المصرية في عهد مبارك، ثم حدث تحول آخر وأعلن الحزب رغبته وتبنيه لنظام مختلط (أقرب للبرلماني) خاصة مع توجه الحزب نحو التنافس على عدد كبير من المقاعد البرلمانية، حيث كانت تصريحات الحزب في اتجاه عدم الدفع بمرشح للرئاسة والاكتفاء بالمنافسة على مقاعد البرلمان، ومن المرجح أن يحدث تحول في اللحظة الحالية من جانب الحزب لتبنى نظام رئاسي في ظل إعلان الحزب الأخير عن دفعه بمرشح للرئاسة، وهو أمر شديد الخطورة أن يتم إرساء القواعد السياسية والدستورية وفقا لتوجهات القوى صاحبة الأغلبية في اللحظة الراهنة.

img_0480.jpg

– وهو الأمر الذي يتوازى مع سخونة الأزمة الراهنة التي يشهدها تشكيل الجمعية التأسيسية، في ظل هيمنة القوى السياسية الحائزة على الأغلبية البرلمانية بما تفرضه من هيمنة أيضا على تشكيل الجمعية التأسيسية إما من خلال انتماء عدد كبير من أعضاء الجمعية للحزبين الذين حازا الأغلبية البرلمانية ، أو من خلال اختيار عناصر قريبة من هذه الحزبين في التوجهات، واستبعاد التيارات السياسية والاجتماعية الأخرى، وهو ما يتطلب إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية بشكل أكثر تمثيلا من الناحية الفنية القانونية، وكذلك السياسية والاجتماعية لضمان نجاح عملية كتابة الدستور وتمثيليتها، بحيث ينعكس ذلك في استمرار الدستور لفترة زمنية طويلة، حيث أن عملية كتابة الدستور عملية دقيقة ومعقدة، تفوق في تعقيدها عملية كتابة برنامج حزبي أو انتخابي، وهى العملية التي تتطلب طرح نقاشات عامة وحقيقية، وبناء توافقات وتحالفات بين كافة الأطياف والتيارات.

ثالثا:- مناقشات:

ـ في رد على تكييف وضع المؤسسة العسكرية والصلاحيات السياسة والعسكرية المتبادلة في النظام شبه الرئاسي، يجب ملاحظة أن هناك أكثر من نموذج للنظام شبه الرئاسي حول العالم، وعليه يختلف هذا التكييف باختلاف هذه النظم، حيث هناك نظم تعطى الرئيس صلاحيات كبيرة في قضايا الدفاع، بعضها يعطى هذه الصلاحيات لوزير الدفاع، بعض النماذج شبه الرئاسية تعطى رئيس الجمهورية صلاحيات لتعيين جنرالات القوات المسلحة، والبعض يعطى الرئيس حق عزل رئيس الأركان.

img_0486.jpg

ـ في تعقيب علي أسئلة متعلقة بمزايا وعيوب النظام شبه الرئاسي، في بعض الأحيان يؤدى النظام شبه الرئاسي إلى مشاكل، وتضارب في سير العملية السياسية خاصة إذا كان الرئيس ينتمي لأغلبية ما ورئيس الوزراء ينتمي لأغلبية أخرى”التعايش”، وكان بينهم تناقضات كبيرة، حيث يتحول الأمر لصراع حول السلطة والصلاحيات بين الطرفين، وفي حالات أخرى يكون هناك تفاهم بين الأطراف (رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء) يخدم العملية السياسية.

– في رد على سؤال حول مدى ملائمة النظام شبه الرئاسي لانتقال السلطة من العسكريين للمدنيين، فإن اختيار النظام شبه الرئاسي يتم وفقا لحالة من التعاقد بين القوى السياسية والمؤسسة العسكرية، ويتوقف نجاح هذا النموذج للحكم على مدى شمولية المقايضة التي تتم لمصالح جميع الأطراف، ففي الحالة البرتغالية فكان هناك اتفاق على أن رئيس الجمهورية من الخلفية العسكرية سيستمر في الحكم لحين انتهاء مدته الرئاسية، وبعد انتهاء مدتيه الانتخابيتين، خرج وانتقلت السلطة بشكل سلس إلى القوى السياسية المدنية (مع العلم أن هذا الرئيس ذي الخلفية العسكرية لم يتولى المنصب نظرا لخلفيته العسكرية بل لأنه كان حائز على دعم كبير من القوى السياسية) .

– النظام شبه الرئاسي يعنى بشكل أساسي بفكرة توزيع ومشاركة السلطة بين الأطراف السياسية المختلفة.

– في سؤال حول الظروف الدستورية والقانونية الملائمة لاختيار النظام شبه الرئاسي، قال إن حالة كتابة الدستور في ظل وجود رئيس، رئيس وزراء، برلمان، ليس بالأمر السهل، لأن كل طرف يعمل على انتزاع أكبر قدر من الصلاحيات لمنصبه، وهو الأمر الذي يجعل من كتابة الدستور بعد إجراء الانتخابات أمر بالغ الصعوبة ومحاط بفرص فشل كبيرة في أن يحقق الدستور الجديد رضاء الأطراف السياسية المختلفة.

Start typing and press Enter to search