تقييم سياسات الإنفاق العام على التعليم في مصر
منتدى البدائل العربي للدراسات
مصر
Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [926.17 KB]

اتفقت الأدبيات على أهمية الإنفاق العام على التعليم، فالتعليم سلعة عامة ينتج عنها عدد من المخرجات الإيجابية التي تعود بالنفع على المجتمع ككل. فوجود نسبة كبيرة من المتعلمين في المجتمع لا تصب فقط في المصلحة الشخصية لهؤلاء المتعلمين وإنما تعود بالفائدة على الجميع من خلال الزيادة في الناتج القومي الإجمالي وتحسن الصحة وانخفاض معدل زيادة السكان، وانخفاض معدلات الفقر التي تحسن في عدالة توزيع الدخل، وانخفاض الجريمة، وزيادة الديموقراطية، وضمان الحريات المدنية.. إلخ. وكذلك فإن الإنفاق العام على التعليم يضمن تكافؤ الفرص في التعليم للجميع بغض النظر عن خلفياتهم الاقتصادية والاجتماعية.[1] هذا يفسر اهتمام الدول بصفة عامة بتخصيص جزء هام من موازناتها للإنفاق على التعليم، فنجد أن دول مثل دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD[2] تخصص في المتوسط 13% من مجموع نفقاتها العامة للتعليم بمستويات تتراوح بين 10% في وإيطاليا واليابان وسلوفاكيا إلى أكثر من 19% في التشيك والمكسيك ونيوزيلاندا.[3]

وفي دولة نامية مثل مصر، بلغت بها نسبة الأمية 26.1% من السكان في عام 2011 ووصلت بها نسبة البطالة إلى 13.2% في الربع الأول من العام 2013 طبقا للجهاز المركزي للمحاسبات، يجدر بالحكومة المصرية أن تولي الإنفاق العام على التعليم أهمية خاصة. من هنا تهدف هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء على نصيب التعليم من الإنفاق العام في الست السنوات الأخيرة (بدءا من العام المالي 2007/2008) وتحاول من خلال النظر إلى تجارب بعض الاقتصادات الناشئة التي أحرزت تقدما في التعليم أن تتوصل إلى بعض التوصيات حول نسبة الإنفاق العام على التعليم وكيفية تخصيصها.

الإنفاق العام على التعليم في مصر (2007/2008 – 2013/2014):

تُعتبر مصر إحدى البلدان الخمسة في المنطقة التي أنشأت لجنة وطنية للتعليم للجميع، كما أن مصر واحدة من البلدان الإحدى عشر التي تمّ اختيارها لتجربة استراتيجية اليونسكو لدعم التعليم على المستوى الوطني.  (UNESS)وتهدف هذه المبادرة التي أُطلقت في مايو 2006 الى مساعدة الحكومات على وضع سياسات تعليمية متماسكة بهدف تأمين التعليم للجميع.

ومصر هي أيضا إحدى الدول الـ35 التي تطبّق مبادرة اليونسكو لمحو الأمية لتعزيز القدرات (LIFE) وهي مبادرة تمتدّ على مدار 10 سنوات وتهدف إلى بلوغ أهداف عقد الأمم المتحدة لمحو الأمية  2003-2013.[4]

إذا نظرنا إلى حجم الإنفاق العام على التعليم في مصر في السنوات الست الأخيرة سنجد أنه في خلال هذه السنوات، بالرغم من الزيادة الملحوظة في حجم الإنفاق على التعليم من حيث القيم الاسمية (حجم المبالغ المخصصة للإنفاق)، إلا أن الإنفاق العام على التعليم كنسبة من مجموع النفقات العامة كان يميل إلى الاستقرار في نفس هذه الفترة، وإن كانت قد تخللته بعض فترات انخفاض. فقد بلغ حجم الإنفاق العام على التعليم في موازنة السنة المالية 2007/2008 حوالي 30.7 مليار جنيه بينما يبلغ حجم هذا الإنفاق في ميزانية العام المالي القادم 2013/2014 حوالي 82.5 مليار جنيه بما يمثل زيادة بين هذين العامين الماليين بنسبة 144.8%. في حين إذا تم المقارنة بين نصيب التعليم من الإنفاق العام في هذه الفترة نجد أنه يميل إلى الركود والثبات حول نسبة 12% من الإنفاق العام في معظم الأحوال. ويوضح الجدول التالي تطور حجم الإنفاق على التعليم في السنوات الست المذكورة:

 

 

العام المالي حجم الإنفاق بالقيمة المطلقة الإنفاق على التعليم كنسبة من الإنفاق العام
2007/2008 30.7 مليار 11.5%
2008/2009 37.3 مليار 9.9%
2010/2011 48.4 مليار 12.3%
2011/2012 51.3 مليار 8.6%
2012/2013 64.5 مليار 12%
2013/2014 82.5 مليار 11.9%

المصدر: موقع وزارة المالية (البيان المالي للموازنة العامة للسنوات المذكورة)[5]

 

ونلاحظ أن حجم الإنفاق على التعليم في السنوات محل الدراسة يمثل انخفاضا ملحوظا بالنسبة لسنوات سابقة. فقد بلغ نصيب التعليم في عام 1999/2000 حوالي17% من جملة الإنفاق العام، ثم تراجعت هذه النسبة إلى 16% في 2004/2005 ثم 12.5% عام 2006/2007 إلى أقل من ذلك كما هو موضح في الأرقام التي سبق ذكرها (العربي، 2010).

ويرجع ذلك إلى سبببين: أولهما قرار الحكومة بتضمين الدعم غير المباشر للمنتجات البترولية في الموازنة العامة للدولة بدءا من العام 2005/2006 مما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في مجموع المصروفات العامة، وبالتالي إلى انخفاض في النصيب النسبي لبنود الإنفاق الأخرى. وثانيهما أن الإنفاق على التعليم الأزهري ما قبل الجامعي كان يعتبر فيما سبق من بنود قطاع التعليم إلا أنه بدءا من العام المالي 2005/2006 تم تحويله لبنود الإنفاق على الشباب والثقافة والشئون الدينية. ويجدر ذكر أنه في العام المالي 2008/2009 بلغ الإنفاق على التعليم الأزهري قبل الجامعي حوالي 3.9 مليار جنيها بما يمثل 14% من مجموع الإنفاق على التعليم العام قبل الجامعي. (NazySedaghat, SophieGuillemen&KhalidAmin, 2009) [6]PETS

تقييم الإنفاق العام على التعليم في مصر من حيث الملائمة والعدالة والكفاءة:

وإنطلاقا مما نعرفه عن نصيب التعليم في موازنة الدولة والكيفية التى يتم بها تخصيصه، وعلى غرار ما قدمه العربي (2010)[7]، يمكننا تقييم الإنفاق العام على التعليم في مصر بالنسبة للدول الأخرى من حيث ثلاثة معايير أساسية ألا وهي الملائمة (adequacy) والعدالة (equity) والكفاءة (efficiency).

معيار الملائمة:

إذا نظرنا إلى معيار الملائمة الذي يعبر عن كفاية مجموع النفقات المخصصة للتعليم للوفاء بمتطلباتها وإذا تمت مقارنة الإنفاق العام على التعليم في مصر بالدول العربية الأخرى فسنجد أن نسب الإنفاق على التعليم من الإنفاق العام في مصر تقل بشكل واضح مقارنة بنظيراتها في بعض الدول العربية حيث يصل نصيب التعليم إلى 25% من جملة الإنفاق العام في دول مثل تونس والمغرب، كما تبلغ نسبة الإنفاق على التعليم من الناتج المحلي الإجمالي 7.4% و5.9% في الدولتين على الترتيب. وكذلك فإن متوسط نصيب الطالب من الإنفاق على التعليم في مصر ما زال منخفضا بصورة ملحوظة مقارنة بالعديد من الدول العربية، فمثلا في حين يبلغ متوسط نصيب الطالب من الإنفاق على التعليم العالي 2239 دولارا في سوريا و3442 دولارا في المغرب و4421 دولارا في الأردن و4500 دولارا في لبنان و4634 دولارا في تونس، تبلغ قيمة هذا المتوسط في مصر حوالي 902 دولار. هذه المتوسطات تمثل 53% من دخل الفرد في سوريا و56% من دخل الفرد في تونس و84% في لبنان و90% في المغرب وأكثر من 98% في الأردن بينما تمثل 23% من متوسط دخل الفرد في مصر.

من خلال هذه النسب ومقارنة نصيب الإنفاق العام على التعليم في مصر بالدول العربية الأخرى نجد أن مصر تحتل تقييما سيئا من حيث معيار الكفاية أو الملائمة بالنسبة للدول الأخرى. (العربي، 2010)

معيار العدالة

يقصد بمعيار العدالة ضمان عدم حرمان أي طالب من الانخراط في العملية التعليمية بسبب عدم القدرة المالية أو النوع أو التوزيع الجغرافي (العربي، 2010). ونجد أن الإنفاق العام على التعليم لا يحقق هذا المعيار بشكل كبير لأكثر من سبب، نجملها في النقاط التالية: أولا، التحيز للتعليم العالي على حساب التعليم الأساسي أو الأشكال الأخرى من التعليم. ثانيا، التفاوت الواضح في المستوى بين التعليم الخاص والتعليم الحكومي. وثالثا، من خلال بحث مسألة التوزيع الجغرافي للمؤسسات التعليمية.

التحيز للتعليم الجامعي

إذا نظرنا إلى الإنفاق على التعليم العالي بالنسبة للتعليم قبل الجامعي، سنلاحظ تحيزا واضحا لصالح التعليم العالي على حساب التعليم الأساسي. فمثلا في عام 2007/2008، بلغت نسبة الطلبة المقيدين في مرحلة التعليم قبل الجامعي 88% من جملة الطلبة المقيدين في التعليم وبلغ نصيب هذه المرحلة التعليمية من جملة الإنفاق العام على التعليم 72% فقط في العام ذاته، بينما بلغ الإنفاق العام على التعليم العالي الذي يستحوذ على 12% من جملة الطلبة المقيدين في التعليم 28% من جملة الإنفاق العام على التعليم (العربي، 2010). وتشير الدراسات ( Assaad, 2010 &Assaad and Krafft, 2010 في WB,2012). إلى أنه هناك ارتباط بين الخلفية الأسرية للفرد، وبالأخص ثروة وتعليم الأب والأم، واحتمالية الإلتحاق بالتعليم الجامعي. فنجد أن طلبة الجامعة ينتمون بصفة عامة إلى الشرائح الخمسية[8] الرابعة (27.1%) والخامسة (46.5%) للدخول. أما الفقراء فهم ممثلين بشكل أكبر بين طلاب المعاهد ذات العامين فيشكلون نسبة 11% من الطلبة بتمثيل عال للمناطق الريفية، ويشكل أبناء الشريحة الخمسية الدنيا 4.3% فقط من طلبة التعليم العالي (UNDP, 2010& WB, 2012)[9]. ولذلك يعتبر ارتفاع حصة التعليم العالي من الإنفاق العام على التعليم تحيزا ضمنيا ضد الفقراء لصالح الطبقات الأغنى.

وتشير الدراستين السابقتين أن أبناء الأسر المنتمية إلى الفئة الأوفر حظا (تعيش في المحافظات الحضرية، وتنتمي للشريحة الخمسية العليا بين شرائح الدخل، والآباء حاصلون على شهادة تعليم عالي) يلتحقون دائما تقريبا بالتعليم العالي في حين أن أبناء الأسر المنتمية إلى الفئة الأقل حظا (تعيش في صعيد مصر، تنتمي للشريحة الخمسية الدنيا بين شارئح الدخل، والآباء غير متعلمين أو حاصلون على شهادات تعليمية منخفضة) ليس لديهم تقريبا فرصة للوصول إلى التعليم الجامعي.

ومن ناحية أخرى تنفق مصر نسبيا أكثر على التعليم العالي من نظيراتها من الدول الأخرى، فبالرغم من أن مجموع الإنفاق العام على التعليم في مصر البالغ حوالي 4.1% من الناتج المحلي الإجمالي أقل من متوسط دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية البالغ 4.7% من الناتج المحلي، إلا أن نسبة الإنفاق على الطالب في التعليم العالي مقارنة بالتعليم قبل الجامعي في مصر البالغة 3.2 أكبر بكثير من هذه النسبة في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية التي تبلغ 1.1. ونستنتج بالتالي أنه بالرغم من أن الهدف من سياسة مجانية التعليم العالي هو ضمان حرية الوصول العادل للجميع من مختلف الطبقات الاجتماعية والخلفيات إلا أنه طبقا لبعض الدراسات التي أجريت في هذا المجال، نلاحظ أن هذه السياسة قد فشلت في الوصول لهذا الهدف، بما أن الأطفال من الخلفيات الأكثر حرمانا لا يمكنهم الاستفادة من مجانية التعليم العالي التي تدعمها تلك السياسة. وأخيرا تجدر الإشارة إلى أن معظم الأدبيات أشارت إلى أن العائد الاقتصادي والاجتماعي على التعليم يقل مع ارتفاع مستوى التعليم بمعنى أنه يكون في أعلى مستوياته في التعليم الابتدائي ويصل أدنى مستوياته في التعليم العالي. ولذلك تميل معظم الدول إلى توجيه نسبة أكبر من الإنفاق العام إلى مراحل التعليم الأولى تاركة للإنفاق الخاص مهمة تمويل المراحل العليا (العربي 2010). ففي معظم الدول، يتم تكريس حوالي ثلثي مجموع الإنفاق العام على التعليم للتعليم الابتدائي والتعليم الثانوي والتعليم ما بعد الثانوي فوق المتوسط. وهذا يرجع بالأساس إلى معدلات التسجيل شبه الشاملة في هذه المستويات من التعليم. ويميل نصيب التعليم الخاص إلى أن يكون أكبر في التعليم العالي (OECD, 2012).

إلا أنه يجب أخذ في الاعتبار أن الدراسات التطبيقية على مصر وعدد من الدول العربية تظهر نتيجة عكسية حيث يرتفع العائد على التعليم مع ارتفاع المستوى التعليمي مما يمثل مبرر قوي لاستمرار الإنفاق على التعليم العالي (العربي، 2010).

التعليم الخاص في مقابل الحكومي:

ومن ناحية أخرى تقدم مؤسسات التعليم الحكومي في مراحل التعليم قبل الجامعي خدمات تعليمية أقل جودة من نظيراتها المقدمة في المؤسسات التعليمية الخاصة مما يؤثر على النتائج التعليمية لطلبة المدارس الحكومية، المنتمين بصفة عامة للشرائح الأفقر من السكان، والذين يحصلون على تعليم أقل جودة ويكتسبون مهارات لا تتناسب عادة مع الاحتياجات الفعلية لسوق العمل التنافسي وبالتالي فهم أكثر عرضة للبطالة والعائد الاقتصادي على التعليم (في شكل أجور وظروف عمل) بالنسبة لهم يكون أقل من نظرائهم في التعليم الخاص (العربي، 2010). وبالرغم من أن معظم المتفوقين ينتمون للمدارس الحكومية (90% في امتحان إتمام المرحلة الثانوية)، إلا أن احتمالية أن يكون الطالب من المتفوقين تزيد بشكل مطرد إذا كان من أبناء المدارس الخاصة أو المدارس الحكومية التجريبية. حيث أكثر من 50% من أبناء المدارس الحكومية التجريبية يعتبروا من المتفوقين بالمقارنة بـ9% من المنتمين للمدارس الحكومية العادية، ويعتبر 35% من طلبة المدارس الخاصة من المتفوقين. وينتج عن ذلك أن مشاركة الطلبة من الأسر الفقيرة في العملية التعليمية تقل مع التقدم في مراحل التعليم بما أن النجاح في مرحلة ما محدد أساسي للنجاح في المرحلة التالية (UNDP, 2010).

عدالة التوزيع الجغرافي:

أما من ناحية عدالة التوزيع الجغرافي للإنفاق العام على التعليم فإن هذا التوزيع يعتبر عادل نسبيا وذلك لأنه بصفة عامة تتناسب حصة الإنفاق العام على التعليم قبل الجامعي في المحافظات المختلفة مع نصيبها النسبي من جملة الطلبة المقيدين في هذه المرحلة. إلا أنه يبدو أن هناك تحيز لغير صالح محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية ولصالح محافظات أخرى مثل الشرقية والدقهلية والغربية والمنوفية وهو تحيز يبدو مقبولا بالنظر لانخفاض معدلات الاستيعاب وارتفاع معدلات الأمية وكثافات الفصول في المجموعة الثانية من المحافظات مقارنة بالمجموعة الأولى. غير أنه لا زال هناك تحيز غير مبرر ضد محافظات الصعيد، خاصة أسيوط والمنيا وبين سويف والفيوم رغم أن هذه المحافظات هي الأسوأ أداءا بالنسبة لمعدلات الاستيعاب والأمية وكثافات الفصول والفقر بصفة عامة (العربي، 2010).

إلا أن السكن فى المناطق الريفية أو الحضرية يعتبر من المحددات الأساسية للتفوق الدراسي، فالمتفوقين دراسيا ينتمون بشكل أساسي إلى المناطق الحضرية، وأثر السكن فى المناطق الريفية يزيد مع تقدم الطالب في التعليم. فطلبة المناطق الريفية يسجلون أقل ظهور لهم بين المتفوقين في امتحان إتمام المرحلة الثانوية وأعلى ظهور في المرحلة الابتدائية. كما أن 80% من هؤلاء الذين لا يلتحقون بأي من مراحل التعليم ينتمون إلى المناطق الريفية (UNDP, 2010). ووفقا لوزارة التربية والتعليم، يبلغ إجمالي عدد المناطق المحرومة من التعليم الأساسي 10.3 آلاف منطقة، وهي تمثل 24.7في المئة من إجمالي القرى والتوابع في البلاد. وقد قدر عدد الفصول المطلوبة لتوصيل الخدمة التعليمية للمناطق المحرومة حتى عام 2017 بـ 41.2 ألف فصل بتمويل قدره 9.1 مليارات جنيه، كما يقدر عدد الفصول المطلوبة لمواجهة الزيادة السكانية حتى نهاية عام 2017 بنحو 31.2 ألف فصل بتكلفة إجمالية تبلغ 6.9 مليارات جنيه. [10] وكذلك فإنه تظهر بعض مظاهر غياب عدالة الإنفاق من حيث التعليم الجغرافي في حالة الجامعات فبعض الجامعات على نسبة من الإنفاق الحكومي تقل عن نسبتها من الطلبة المقيدين مثل المنصورة وطنطا وبني سويف في حين يحدث العكس بالنسبة لجامعات أخرى مثل قناة السويس والمنوفية وأسيوط. وتعتبر الحالتان البارزتان هما جامعة القاهرة وجامعة الأزهر حيث تحصل جامعة القاهرة على حوالي 19% من الإنفاق العام بينما يمثل عدد طلابها نحو 12% فقط من جملة المقيدين في الجامعات الحكومية، وجامعة الأزهر التي تستحوذ على 18% من الطلبة تحصل على 11% من الإنفاق العام (العربي، 2010).

معيار الكفاءة:

من أهم المؤشرات المستخدمة للتعبير عن الكفاءة الداخلية للإنفاق العام على التعليم نسبة الإنفاق الجاري لجملة الإنفاق، وقد بلغ الإنفاق الجاري 93% من جملة الإنفاق العام على التعليم عام 07\2008 في حين بلغ الإنفاق الاستثماري (والمقصود به تطوير البنية الأساسية لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلبة والصيانة) أقل من 7.5%. أما المؤشر الثاني من مؤشرات الكفاءة الداخلية فهو نصيب بند الأجور وتعويضات العاملين لجملة الإنفاق العام على التعليم، والذي بلغ حوالي 80% في عام 07\2008. وترتفع هذه النسبة إلى أكثر من 88% بالنسبة للتعليم قبل الجامعي في حين تنخفض إلى حوالي 59% في مرحلة التعليم الجامعي وتكمن المشكلة الرئيسية في ارتفاع نسبة الأجور لجملة الإنفاق العام على التعليم في أنها لا تعكس ارتفاع أجور المعلمين وأعضاء هيئات التدريس، وٕانما تعكس ارتفاع نسبة الإداريين وغير الأكاديميين لجملة العاملين في مجال التعليم في مصر عن الحدود المقبولة عالميا، وهو ما يعكس بالتالي درجة عالية من الهدر وعدم الكفاءة في الإنفاق العام (العربي، 2010).

التجربة البرازيلية

يعتبر النموذج البرازيلي من النماذج الناجحة والملهمة في تطوير الإنفاق العام على التعليم وخاصة فيما يتعلق بتحقيق عدالة الإنفاق على التعليم. فقد أولت البرازيل منذ منتصف التسعينيات أولوية كبيرة للتعليم انعكست في النقلة النوعية للتمويل الحكومي للتعليم. فبالرغم من أن مجموع الإنفاق العام على التعليم استحوذ على نصيب قليل نسبيا من الناتج المحلي الإجمالي في البرازيل، إلا أن الإنفاق على التعليم شهد الارتفاع الأعلى في حصته من مجموع النفقات العامة للموازنة. فقد ارتفع الإنفاق على التعليم كنسبة لمجموع الإنفاق العام من 10.5% في 2000 إلى 17.4% في 2008 ليمثل ثالث أعلى نسبة بين الدول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ذات البيانات المتاحة، وقد ارتفع الإنفاق على الطالب من التعليم الابتدائي وحتى التعليم الثانوي بـ121% بين 2000 و2008، وهي تمثل الزيادة الأعلى في الإنفاق على التعليم بين ال30 دولة معروفة البيانات (OECD, 2011).

تقييم الإنفاق العام على التعليم في البرازيل من حيث الملائمة والعدالة والكفاءة (معلومات عن كفاءة الإنفاق):

ولكي نتمكن من مقارنة التجربتين المصرية والبرازيلية فسوف نلجأ إلى تقييم التجربة البرازيلية في ضوء نفس المعايير التي نظرنا إليها في الحالة المصرية:

معيار الملائمة

بالرغم من ارتفاع الإنفاق على التعليم كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بـ1.8 نقطة مئوية (من 3.5% في 2000 إلى 5.3% في 2008) وهو الارتفاع الأعلى بين 32 دولة من دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ذات بيانات متاحة إلا أن هذه النسبة تبقى أقل قليلا من متوسط هذه المجموعة البالغ 5.9% في 2008 (OECD, 2011). ولكن يجب الأخذ في الاعتبار أن مجموع الإنفاق على التعليم لدول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية يتضمن الإنفاق الحكومي والخاص معا، في حين أن بيانات البرازيل لا تتضمن الإنفاق الخاص على التعليم. وبما أن متوسط الإنفاق العام على التعليم في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية يبلغ 4.8% من الناتج المحلي الإجمالي فهذا يعني أن مستوى الإنفاق العام الحالي للبرازيل أعلى من متوسط دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (WB, 2012)[11].

معيار العدالة

حققت البرازيل إنجازا ملحوظا في عدالة الإنفاق على التعليم، فبمقارنة الوضع بين عامي 1994 و2010 نجد أنه في عام 1994، كان الطفل البرازيلي ذو الست سنوات الذي ينتمي للشريحة الخمسية الدنيا من شرائح الدخل يعيش في الغالب في المنطقة الفقيرة بالريف الشمالي الشرقي للبرازيل وأمه لم تلتحق أبدا بالمدرسة ويتوقع ألا يكمل أكثر من بضعة أعوام في المدرسة الابتدائية، أما في 2010 فإن الطفل البرازيلي ذو الستة أعوام المنتمي للشريحة الخمسية الدنيا من توزيع الدخل سوف ينهي أكثر من ضعف سنوات دراسة أبويه، وأينما كانت مدرسته فإن نصيبه من الإنفاق سيبقى محفوظا عند مستوى معين يضمن توفير الموارد والتسهيلات اللازمة (WB, 2012). وكذلك فإن البرازيل شهدت ارتفاع في معدلات الالتحاق بالتعليم الثانوي، فبين عامي 2000 و2007 ارتفع الحد الأدنى من السنوات التي يقضيها البرازيليون في التعليم بسنة وهذا معناه أن 90% من الطلبة في البرازيل يقضون على الأقل 9سنوات في التعليم النظامي (OECD, 2011).

وقد لجأت البرازيل لمجموعة من السياسات لضمان عدالة الإنفاق على التعليم أهمها:

أولا، إصلاح نظام الإنفاق على المراحل التعليمية المختلفة في الولايات والبلديات، فحتى عام 1996 كان النظام السائد يفوض مسئولية تمويل المراحل التعليمية المختلفة للبلديات والولايات وذلك من خلال عائداتها من الضرائب، دون الأخذ في الاعتبار التفاوت الكبير في العائدات سواء بين البلديات والولايات في نفس المنطقة أو بين البلديات وبعضها والولايات وبعضها في المناطق المختلفة، وبالتالي كان الإنفاق على الطالب قد يصل في بعض الولايات الأغنى من الجنوب الشرقي إلى 15 ضعف الإنفاق في البلديات الفقيرة بالشمال الشرقي للبرازيل، فكان ينتج عن ذلك فوارق كبيرة في الإنفاق على الطالب بين المناطق المختلفة للبرازيل. ولذلك تم إنشاء ما يعرف بصندوق مساواة التعليم الأساسيFUNDEF (Fundo de Desenvolvimento do Ensino Fundamental) في عام 1996 الذي واجه هذه الفوارق من خلال ثلاث سياسات أساسية:

أولا، يضمن هذا الصندوق حد أدنى للإنفاق (مبلغ محدد سلفا) على الطالب في مرحلة التعليم الابتدائي على مستوى الدولة، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع واضح في موارد المدارس الابتدائية في المناطق الفقيرة والمهمشة. وقد شجع وجود حد أدنى للإنفاق لكل طالب على حدا أن تسعى المدارس لزيادة معدلات التسجيل بها، وأدخلت المدارس في البلديات نظم حافلات لنقل الطلاب، وحملات تسجيل بالمدارس ووجبات ومحفزات أخرى لتشجيع التحاق الأطفال بالمدرسة. وقد أدى ذلك إلى زيادة واضحة في معدلات الالتحاق بالمدارس الابتدائية التي بلغت 94% في عام 2008. ثانيا، أصبح لزاما على الولايات أن تعيد إعادة توزيع مواردها على البلديات التابعة لها بحيث تستطيع كل مدرسة بالبلديات المختلفة بلوغ حجم الحد الأدنى للإنفاق المخصص لكل طالب، وأن يعيد الصندوق توزيع الموارد المالية للولايات التي لم تستطع بلوغ هذا الحد من خلال عائداتهم الخاصة. ثالثا، تم تخصيص 60% من نصيب الطالب من الحد الأدنى للإنفاق لصرفه على المدرس و40% تصرف على التكاليف التشغيلية الأخرى مما أدى إلى ارتفاع بنسبة 70% في أجور المدرسين في البلديات الأفقر في الشمال الشرقي للبرازيل.

وقد تم تمديد عمل الFUNDEF من خلال صندوق آخر يوسع نظام المساواة في النفقات ليشمل مرحلة ما قبل المدرسة والمرحلة الثانوية FUNDEB (Fundo de Manutenção e Desenvolvimento da Educação Básica e de Valorização dos Profissionais da Educação). وقد أدى دور كلا الصندوقين إلى زيادة واضحة في مجموع الإنفاق على التعليم في البرازيل منذ 1998 سواء بالأرقام المطلقة أو كنصيب من الناتج المحلي الإجمالي. فقد ازداد الإنفاق على التعليم الأساسي من حوالي 2% من الناتج المحلي الإجمالي في 1995 إلى 4% في 2008 وذلك من خلال تحسين عدالة الإنفاق على المناطق والولايات المختلفة.

وإلى جانب صندوق مساواة التعليم الأساسي قد طورت حكومات البرازيل برنامج لدعم الأسر الفقيرة نقديا لضمان توفير الدعم اللازم لأبنائهم للتفوق دراسيا الدراسي بغض النظر عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية، فقد تم إنشاء برنامج Bolsaescola: بدأ فى أوائل التسعينيات و نما بصورة هائلة خلال العامين 2001 و2002، وهو معنى بمنح أسر الشريحة الأكثر فقرا تحويلات شهرية إذا كان لديهم أبناء مسجلين بالمدارس تتراوخ أعمارهم ما بين 6 و 15 سنوات. وكان للبرنامج أثراُ واضحا على من سجلوا به نذكر هنا أن: زيادة نسبة الالتحاق بالمدارس في البرازيل بنحو 5.5 % في الصفوف من الأول للرابع ونحو 6.5% في الصفوف من الخامس للثامن. خفض البرنامج معدلات التسرب بنحو 0.5 % ورفع للأطفال في الصفوف من الأول للرابع، وخفض معدلات التسرب بنحو 0.4 % للأطفال في الصفوف من الخامس للثامن.[12]

في 2009 كان برنامج Bolsa-Familia وهو نفس برنامج Bolsa-Escola ولكن بعد تغيير اسمه فى 2003 يغطي 12 مليون أسرة فقيرة في البرازيل بما يعادل 97.3% من القطاع المستهدف. وقد أدى كل ذلك إلى تطور واضح في عدالة الحصول على التعليم على المستوى الجغرافي. فقد أصبح الالتحاق بالتعليم الأساسي متساوي بصورة عادلة بين كل المناطق، وبالنسبة للطلبة الذين ينهون تعليمهم الأساسي فإن معدلات الإنتقال إلى المرحلة الثانوية والمكوث بها حتى إنهائها متقاربة إلى حد كبير عبر المناطق المختلفة. وكذلك فإن معدلات الانتقال للتعليم العالي متقاربة بصورة ملحوظة. وكذلك أدت الزيادة في معدلات الالتحاق بالتعليم الثانوي بالبرازيل إلى نقلة نوعية بين الأجيال في عدالة الحصول على التعليم. فقد كان تعليم الأهل محدد أساسي للإنجاز الدراسي للأبناء وفي 1993 كان التعليم الثانوي متاح بصورة أكبر فقط لأبناء الأسر التي وصل فيها الأهل لهذا المستوى من التعليم، بينما الطفل الذي لم يلتحق والداه بالمدرسة متوقع أن يكمل أربع سنوات فقط في التعليم الأساسي في المتوسط. هذا تغير تماما بما أن متوسط سنوات استكمال الدراسة للطلاب من البرازيل وصلت إلى 10 أو 11، بغض النظر عن المستوى الدراسي لآبائهم. وساعدت البرامج مثل Bolsa-Familia في تضييق الفارق في الإنجاز الدراسي بين الأطفال المنتمين لشرائح الدخل العليا والدنيا في خلال الخمسة عشر سنة الماضية. كما أن نتائج التعليم قد تحسنت للشرائح الأكثر فقرا بشكل ملحوظ مع ارتفاع مجموع نقاط الشريحتين الدنيا في امتحان [13]PISA بشكل مذهل (WB, 2012).

التوصيات:

من خلال تعرضنا للحالة المصرية والتجربة البرازيلية يمكننا أن نستخلص مجموعة من التوصيات الهامة فيما يخص الإنفاق العام على التعليم ومنها:

الاستراتيجية الأولى: الزيادة التدريجية لنصيب التعليم من النفقات العامة، فيتضح من خلال دراسة الإنفاق بالنسبة لمعيار الملائمة أن التعليم لا يحظى بالقدر الكافي من النفقات بالنسبة للدول الأخرى، وطبقا لدستور 2014 فإنه تم تخصيص نسبة محددة لا يقل عنها الإنفاق على التعليم من الناتج القومى الإجمالى بشكل عام (4%) والتعليم الجامعى بوجه خاص (2%)، وعلى هذا فنواب البرلمان من شأنهم مراقبة تنفيذ الحكومة هذه النسبة وتقديم طلب بزيادتها طبقا للدستور أثناء العمل على إقرار الموازنة.

الاستراتيجية الثانية: عن طريق الاستفادة من التجربة البرازيلية، يمكن لنواب البرلمان التقدم بمشروع قانون عمل برامج دعم للأسر الفقيرة حتى تشجعها على إلحاق أبنائها بالتعليم وتوفر لها إعانات شهرية تضمن عدالة التوزيع الجغرافي في الإنفاق في جميع المحافظات.

—————————–

[1] Tilak (2004)

[2] ) دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية: يرجع تاريخ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى هيئة التعاون الاقتصادي الأوروبي (OEEC) والتي أنشأت عام 1947، وبعد ذلك بعدة سنوات، تم تغيير هذا الاسم في عام 1961 بشكل رسمي إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وتهدف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى دعم حكومات الدول الأعضاء في تطوير السياسات وتحقيق التعاون الاقتصادي والتنمية وتبادل الخبرات والتجارب الناجحة في المجالات المتعلقة بأنشطة التعليم، والصحة، والزراعة، والتجارة، والحوكمة العامة، والنقل، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

[3] (OECD, 2012)

[4] http://www.unesco.org/new/ar/education/worldwide/education-regions/arab-states/egypt/

[5]البيان المالي للموازنة العامة لسنة 2009/2010 غير متاح ولم يكن ممكنا الاستعانة ببيانات أخرى كبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء نظرا لتضاربها في السنوات الأخرى مع بيانات وزارة المالية

[6] Sedaghat, N.,Guillemen, S. & Amin, K. (2009). Education Public Expenditure Tracking Survey (PETS). EC Multiple Framework Contract Beneficiaries Lot No. 11, Beneficiary Country: Egypt.

[7] العربي، أ. (2010). تقييم سياسات الإنفاق العام على التعليم في مصر في ضوء معايير الكفاية والعدالة والكفاءة، المؤتمر الدولي الخاص بتحليل أولويات الإنفاق العام بالموازنات العامة في مصر والدول العربية. شركاء التنمية.

[8] ) المقصود بالشرائح الخمسية: تقسيم السكان إلى أخماس فيصبح الـ20 % العليا أو الأغنى ثم الـ20 % الوسطى وحتى الـ0 % الدنيا أو الأفقر.

[9] UNDP, (2010).The Egypt Human Development Report. Cairo: United Nations Development Program and the Institute of National Planning

[10] http://arabi.assafir.com/article.asp?aid=1247&refsite=arabi&reftype=leftmenu&refzone=selectedarticle

[11] World Bank, (2012). Arab Republic of Egypt: Inequality of opportunity in educational achievement. (Report no. 70300-EG). Washington D.C.: World Bank.

[12] Paul Glewwe, Ana Lucia Kassouf: The Impact of the Bolsa Escola/Familia Conditional Cash Transfer Program on Enrollment, Drop Out Rates and Grade Promotion in Brazil, August, 2010: http://faculty.apec.umn.edu/pglewwe/documents/BrBolsa6.pdf

[13] ) The Program for International Student Assessment

Start typing and press Enter to search